بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

والمأمور التعدي عنه ، ومع ذلك يحصل الظن أو خصوص الاطمئنان من القياس ، ولا يجوز الشارع العمل به (١)؟ فإن المنع عن العمل بما يقتضيه

______________________________________________________

وكذلك بناء على مسلك التبعيض في الاحتياط في الانسداد ، فانه لا اشكال في خروج الظن القياسي عنه ، فان مسلك التبعيض في الاحتياط في الانسداد معناه عدم حجية الظن في الانسداد ، لان العمل على طبق الظنون المثبتة ليس عملا بها ، بل هو عمل بالاحتياط ، وفي الظنون النافية لا موجب للعمل على طبقها حتى يكون في النهي عن الظن القياسي النافي للتكليف اشكال.

فاتضح : ان الاشكال بخروج الظن القياسي يختص بتقرير الحكومة.

(١) تقرير الاشكال في النهي عن الظن القياسي بناء على الحكومة :

ان مقدمات الانسداد ـ بناء على الحكومة ـ تستلزم عقلا حجية الظن ، لاستلزام تلك المقدمات عقلا قبح ترك الاطاعة الظنيّة وتقديم الوهمية والشكية عليها ، ومعنى قبح ترك الاطاعة الظنية عقلا هو حجية الظن عقلا.

والنهي عن الظن القياسي :

اما ان يرجع الى كون الظن ليس بما هو ظن حجة فهو خلف ، لان المفروض كون الظن بما هو ظن حجة ، والحاصل من القياس ظن كسائر الظنون العادية ، ان قلنا ان مطلق الظن حجة ، او ان الحاصل منه مرتبة الظن القوي ان قلنا بان خصوص الظن القوي هو الحجة.

واما ان يرجع النهي عن الظن القياسي مع تسليم كون الظن بما هو ظن حجة الى جواز انفكاك المعلول عن علته التامة ، فالرجحان وان كان هو العلة لحجية الظن إلّا انه ينفك المعلول عن علته التامة ، وهذا محال واضح ، لان انفكاك المعلول عن علته التامة من المحالات المسلمة برهانا بل وجدانا.

٢٠١

العقل من الظن ، أو خصوص الاطمئنان لو فرض ممكنا ، جرى في غير القياس ، فلا يكون العقل مستقلا ، إذ لعله نهى عن أمارة مثل ما نهى عن القياس واختفى علينا ، ولا دافع لهذا الاحتمال إلا قبح ذلك على الشارع ، إذ احتمال صدور ممكن بالذات عن الحكيم لا يرتفع إلا

______________________________________________________

واما ان يرجع الى جواز ارتكاب الشارع للقبيح ، لانه اذا كان الظن بما هو ظن حجة والمعلول لا ينفك عن علته التامة فالمقدمات المذكورة تستلزم عقلا قبح ترك الاطاعة الظنية ، فالنهي عن اتباعها وتركها الى غيرها قبيح.

فالظن حيث يكون بما هو ظن حجة ، وكونه ظنا راجحا على غيره من الشك والوهم هو العلة التامة لقبح ترك اتباعه ـ فترك اتباعه من المأمور قبيح ومن الامر به قبيح ايضا ، ومع ذلك نلتزم بنهي الشارع عنه ، فمعنى هذا هو الالتزام بجواز ارتكاب الشارع للقبيح.

هذا حاصل الاشكال في النهي عن الظن القياسي بناء على الحكومة ، وهو انه اما ان يستلزم الخلف او جواز انفكاك المعلول عن علته التامة ، او جواز ارتكاب الشارع للقبيح.

ولا يخفى ان عبارة الرسائل غير واضحة في ترتيب هذا الاشكال.

فان المتحصّل من صدر العبارة هو ان الانسداد بناء على الحكومة هو حكم العقل بكون الظن في حال الانسداد منزلة العلم في حال الانفتاح ، وان الاطاعة الظنية في حال الانسداد كالاطاعة العلمية هي المناط التام لحجيتها. فيمكن ان يكون هذا اشارة الى الامرين وهو ان النهي عن الظن القياسي في الانسداد بعد ان كان الظن هو المناط التام اما خلف او التزام بتخلف المعلول عن علته التامة.

وقوله (قدس‌سره) : «ويقبح على الآمر والمامور التعدي عنه» اشارة الى الامر الثالث وهو الالتزام بجواز ارتكاب الشارع للقبيح.

٢٠٢

بقبحه (١) ، وهذا من أفراد ما اشتهر من أن الدليل العقلي لا يقبل التخصيص ... انتهى موضع الحاجة من كلامه ، زيد في علو مقامه (٢).

______________________________________________________

(١) لا يخفى ان هذا دفع دخل مرتبط بالامر الثالث ، وهو جواز ارتكاب الشارع للقبيح.

وتوضيحه : انه لا ينبغي ان يتوهم عدم قبح النهي عن الظن القياسي ، بدعوى ان حكومة العقل بحجيته معلقة على عدم النهي عنه ، فمع النهي عنه لا حكومة للعقل بحجيته فلا قبح في النهي عنه ، لان القبيح هو المنع عن حجية ما حكم العقل بحجيته ، ومع كونها معلقة على عدم النهي لا حكومة للعقل فيه فلا قبح في النهي عنه.

وحاصل الدفع لهذا التوهم : ان حكم العقل بحجيته غير معلقة على عدم النهي عنه ، فانها لو كانت معلقة على عدم النهي فلا فرق بين وصول النهي وبين احتماله ، فان احتمال المانع كوجود المانع ، فانه لا بد من احراز عدم المانع في تأثير المقتضي ، ومن الواضح ان احتمال المنع بالنسبة الى ساير الظنون موجود ، لاحتمال ان الشارع قد نهى عنها ولكن اختفى علينا نهيه ، ولا يدفع هذا الاحتمال إلّا بان العقل مستقل بالحجية ، ومعه لا وجه لمنع الشارع لانه قبيح ولا يصدر من الشارع القبيح ، فالنهي عن الظن وان كان ممكنا بالذات إلّا انه محال في المقام لأنه قبيح وقوعه ، ولا يصدر القبيح من الشارع ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لو فرض ممكنا جرى في غير القياس الى آخر عبارته».

فالعقل في حال الانسداد مستقل بحجية الظن ، وان الاطاعة الظنية كالعلمية في حال الانفتاح يقبح التعدي عنها وتركها على المأمور والآمر معا ، وان محالية صدور القبيح من الشارع كما يدفع احتمال النهي كذلك يدفع النهي المقطوع به.

(٢) لا يخفى ان احكام العقل الكلية انما هي لكون علتها كلية ، فالتخصيص لها مرجعه الى انفكاك المعلول عن علته ، وهذا بظاهره يرتبط بالمحال الثاني وهو لزوم

٢٠٣

وأنت خبير بأنه لا وقع لهذا الاشكال ، بعد وضوح كون حكم العقل بذلك معلقا على عدم نصب الشارع طريقا واصلا ، وعدم حكمه به فيما كان هناك منصوب ولو كان أصلا ، بداهة أن من مقدمات حكمه عدم وجود علم ولا علمي ، فلا موضوع لحكمه مع أحدهما (١) ، والنهي عن

______________________________________________________

انفكاك المعلول عن علته ، الّا ان يتكلّف له بان يقال ان العقل يرى محالية الخلف كليا ، ولا فرق عنده بين خلف وخلف ، فالنهي في المقام اذا كان خلفا فهو كغيره محال ، فلا يعقل ان يجوز في المقام ، وكذلك ارتكاب الشارع للقبيح بعد ان كان محالا عند العقل ايضا فهو محال ، ولا فرق بين ارتكاب قبيح وقبيح فيعم المحالات الثلاثة.

(١) المتحصّل من عبارة المتن في المقام جوابان عن هذا الاشكال : جواب حلّي ، وجواب نقضي.

والاول هو الجواب الحلّي الذي اشار اليه بقوله : «بانه لا وقع لهذا الاشكال بعد وضوح كون حكم العقل بذلك» أي ان الاطاعة الظنية كالاطاعة العلمية في حال الانسداد ، وانه يقبح تركها عند العقل .. قد كان حكما عند العقل «معلّقا الى آخر الجملة».

وتوضيحه : ان حكم العقل مستقلا في حال الانسداد بكون الاطاعة بمنزلة الاطاعة العلمية انما هو بعد تمامية مقدمات الانسداد ، التي من جملتها انسداد باب العلم والعلمي ، فلو فرض انفتاح باب العلم والعلمي في جميع ابواب الفقه لما وصلت النوبة الى الانسداد ، ولما حكم العقل بقبح ترك الاطاعة الظنيّة ، ولو فرض انفتاح باب العلم والعلمي في باب مخصوص ومسألة خاصة من الفقه لما كان في ذلك الباب او في تلك المسألة مجال ، لحكم العقل بقبح ترك الاطاعة الظنيّة ، لعدم موضوع حكمه وهو الانسداد ، وبعد كون النهي عن الظن القياسي قد وصل بالقطع سنة واجماعا ، ففي هذا بالخصوص قد انفتح باب العلم والعلمي ، فلا مجال لتوهّم

٢٠٤

ظن حاصل من سبب ليس إلا كنصب شيء (١) ، بل هو يستلزمه فيما كان

______________________________________________________

شمول الحكم المعلّق على الانسداد لمثله بعد كونه مما انفتح فيه باب العلم والعلمي ، وهو خارج عن الحكم الانسدادي تخصّصا لا تخصيصا لعدم موضوع الانسداد فيه.

والحاصل : انه اذا وصل طريق من الشارع في باب مخصوص او مسألة خاصة ، سواء كان ذلك الطريق الواصل في ذلك الباب او تلك المسألة امارة أو اصلا ، كما لو علمنا علما قطعيّا بحجية خبر الثقة في باب الطهارة مثلا أو بحجية اصالة الطهارة في خصوص ما شك في طهارته او نجاسته شكا بدويا ، فانه لا مجال فيهما لجريان الانسداد وحجية الظن عند العقل في هذين الموردين بعد فرض انفتاح باب العلمي فيهما.

وقد اشار الى عدم الفرق في الطريق الواصل بين كونه امارة أو اصلا بقوله : «ولو كان اصلا».

وأشار الى ان ما وصل فيه الطريق الشرعي هو من الانفتاح الخارج موضوعا وتخصصا عن الانسداد واحكامه بقوله : «بداهة ان من مقدمات حكمه» أي من مقدمات حكم العقل بكون الاطاعة الظنية كالاطاعة العلمية في حال الانسداد هو «عدم وجود علم ولا علمي فلا موضوع لحكمه مع احدهما» لارتفاع موضوع حكم العقل بوجود العلم والعلمي ، لانه فرض الانفتاح لا الانسداد.

(١) هذا هو الجواب الثاني ومرجعه الى النقض ، وتوضيحه : ان نهي الشارع عن اتباع طريق خاص حاصل من سبب خاص ، كالنهي عن الظن الحاصل بسبب القياس هو حكم من الشارع كسائر احكامه الثابتة بأوامره ، لوضوح ان النهي عن شيء شرعا كالامر بشيء شرعا ، ومن البديهي انه لم يستشكل احد فيما لو وصل بالقطع حكم خاص من الشارع في باب مخصوص او مسألة مخصوصة مع فرض الانسداد والبناء على الحكومة ، ولم يتوهم احد ان جعل الشارع لحكم خاص في

٢٠٥

في مورده أصل شرعي (١) ، فلا يكون نهيه عنه رفعا لحكمه عن موضوعه ، بل به يرتفع موضوعه ، وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن إلا

______________________________________________________

مورد مناف للانسداد على الحكومة ، ولا سبب لعدم توهم ذلك إلّا ان وصول الحكم من الشارع في ذلك المورد موجب لخروج ذلك المورد عن موضوع الانسداد لانفتاح باب العلم والعلمي فيه.

وبعد ما عرفت ان نهي الشارع عن اتباع طريق لحكمه بحكم من الاحكام الثبوتية فانه ايضا حكم من احكام الشارع ، غايته ان نهيه حكم زجري وامره حكم طلبي ثبوتي ، وليس هذا بفارق قطعا ، وهذا هو مراده من قوله : «والنهي عن ظن حاصل الى آخر الجملة».

(١) حاصله : انه اذا كان من المسلم انه لا اشكال في الحكم الثبوتي الواصل من الشارع في مورد من الموارد مع الانسداد والبناء على الحكومة ، فينبغي ان لا يستشكل في النهي عن اتباع الظن القياسي في المقام ، لان لازم نهي الشارع عن اتباعه هو جعل الشارع في مورد الظن القياسي حكما آخر غيره ، ولا بد وان يكون ذلك الحكم اصلا من الاصول ، لانه بعد فرض الانفتاح في النهي عن الظن عن القياس ، ولا يعقل ان يكون في مورد الظن القياسي ظن آخر لمحالية قيام ظنين عند شخص في آن واحد يتعلق احدهما بشيء ويتعلق الآخر بضد ذلك الشيء او نقيضه ، فلا بد وان يكون الحكم المجعول في مورد النهي عن الظن القياسي اصلا من الاصول يكون هو المرجع دون الظن القياسي ، وقد عرفت ان الحكم الثبوتي الواصل في مورد من الموارد لا مجال لتوهم الاشكال فيه ، فلا ينبغي الاشكال في النهي عن الظن القياسي في المقام ، لان لازم وصول النهي عنه وصول حكم من الشارع في مورده وهو ما لم يتوهم الاشكال فيه ، والى هذا اشار بقوله : «بل هو يستلزمه» أي ان النهي عن الظن القياسي يستلزم وصول الحكم الثبوتي في مورده ، وذلك «فيما كان

٢٠٦

كالامر بما لا يفيده ، وكما لا حكومة معه للعقل لا حكومة له معه ، وكما لا يصح بلحاظ حكمه الاشكال فيه ، لا يصح الاشكال فيه بلحاظه (١).

______________________________________________________

في مورده» أي في مورد الظن القياسي «اصل شرعي» فان هذا الاصل الشرعي حكم ثبوتي قد وصل بالقطع.

(١) هذا عودة من المصنف لاستعراض الجوابين :

اما الجواب الاول فقد اشار اليه بقوله : «فلا يكون نهيه عنه» أي لا يكون نهي الشارع عن الظن القياسي في حال الانسداد تخصيصا للحكم الانسدادي و «رفعا لحكمه» أي رفعا للحكم الانسدادي «عن موضوعه» بان يكون نهي الشارع عن الظن القياسي مع فرض شمول الانسداد له فيكون تخصيصا ورفعا للحكم مع ثبوت موضوع ذلك الحكم ، «بل» هو من باب التخصيص وارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه حقيقة ، لما عرفت من ان وصول النهي بالقطع مما يوجب الانفتاح الرافع لموضوع الانسداد حقيقة ، ولذا كان «به يرتفع موضوعه» أي بوصول النهي يرتفع موضوع الانسداد حقيقة فلا يكون رفعا للحكم مع ثبوت الموضوع ، بل يكون رفعا للحكم برفع الموضوع حقيقة.

وقد اشار الى الجواب الثاني بقوله : «وليس حال النهي عن سبب مفيد للظن» كالنهي عن القياس المفيد للظن «الا كالامر» من الشارع في باب مخصوص او مسألة مخصوصة «بما لا يفيده» أي بما لا يفيد الظن ، وقد عرفت عدم الاشكال فيما لو وصل بالقطع حكم من الشارع في مورد خاص ، مع فرض الانسداد والبناء على الحكومة ولو كان ذلك الحكم على طبق اصل من الاصول ، ومن الواضح ان الحكم لاصل لا يوجب الظن ، بل لا اشكال في اتباع ذلك الحكم الثابت بالاصل ولو كان هناك ظن على خلافه ، وقد عرفت ان نهي الشارع عن اتباع ظن حاصل من سبب خاص كأمره بحكم ثبوتي في مورد خاص «و» انه «كما لا حكومة معه للعقل» أي كما لا حكومة للعقل في مورد الحكم الثبوتي كذلك «لا حكومة له» أي للعقل

٢٠٧

نعم ، لا بأس بالاشكال فيه في نفسه ، كما أشكل فيه برأسه بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير ، تقدم الكلام في تقريرها وما هو التحقيق في جوابها في جعل الطرق. غاية الامر تلك المحاذير ـ التي تكون فيما اذا أخطأ الطريق المنصوب ـ كانت في الطريق المنهي عنه في مورد الاصابة ، ولكن من الواضح أنه لا دخل لذلك في الاشكال على دليل الانسداد بخروج القياس ، ضرورة أنه بعد الفراغ عن صحة النهي عنه في الجملة ، قد أشكل في عموم النهي لحال الانسداد بملاحظة حكم العقل ، وقد عرفت أنه بمكان من الفساد (١) واستلزام إمكان المنع عنه ، لاحتمال المنع

______________________________________________________

«معه» أي مع الحكم الزجري الذي هو النهي عن ظن خاص بسبب خاص «وكما لا يصح بلحاظ حكمه» أي بلحاظ حكم العقل في الانسداد «الاشكال فيه» أي الاشكال في الحكم الثبوتي كذلك «لا يصح الاشكال فيه» أي في الحكم الزجري وهو النهي عن الظن القياسي «بلحاظه» أي بلحاظ الانسداد.

والحاصل : ان الامر بما لا يفيد الظن في حال الانسداد هو كالنهي عما يفيد الظن في حال الانسداد ، فانه بعد فرض استقلال العقل بلزوم الاطاعة الظنية في حال الانسداد ، فالامر بالاطاعة الشكية أو الوهمية في مورد من الموارد حاله حال النهي عن الاطاعة الظنية الحاصلة من سبب خاص.

وكما انه يجاب في الاول بانه لا وجه لاستقلال العقل بلزوم الاطاعة الظنية مع انفتاح الباب ووصول الحكم من الشارع ولو كانت اطاعة شكية او وهمية ، كذلك يجاب عن الثاني بانه مع وصول نهي الشارع ينفتح الباب ايضا ، فلا مجال لاستقلال العقل بلزوم الاطاعة الظنية ولو كانت بهذا الظن المنهي عنه.

(١) توضيح هذا الاشكال انه قد عرفت في مورد النهي عن الظن القياسي انه لا بد وان يكون المجعول من الشارع اصلا من الاصول لفرض الانفتاح في ذلك المورد ، ولا مانع مع فرض الانفتاح من الرجوع الى الاصول ، ولا يكون المجعول في مورده

٢٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ظنا ، لعدم امكان ان يقوم ظنان في آن واحد لشخص واحد متعلقان بمتناقضين او متضادين ، ولكن جعل الاصل في مورد الظن القياسي يستلزم اجتماع الضدين ، او التصويب فيما لو كان الحكم الواقعي موافقا لما قام عليه الظن القياسي ، وهذا هو الاشكال الذي مر التعرض له في جعل الامارة ، غاية الامر ان لزوم اجتماع الضدين هناك فيما أخطأت الامارة ، بان قامت الامارة على الوجوب مثلا وكان الحكم هو الحرمة او بالعكس ، وفي المقام لزوم اجتماع الضدين هو فيما اذا اصاب الظن القياسي الحكم الواقعي ، فالنهي عن الظن القياسي المستلزم لجعل حكم في مورده يستلزم اجتماع الضدين فيما اذا اصاب الظن القياسي ، فانه اذا اصاب الظن القياسي الواقع يكون الحكم الواقعي على خلاف حكم الاصل في مورد الظن القياسي ، فيلزم اجتماع الضدين ، او التصويب فيما اذا قلنا بانه عنه قيام الاصل يرتفع الحكم الواقعي.

ولكنه لا يخفى ان الاشكال في المقام الذي هو محل الكلام هو امكان النهي عن الظن القياسي بما هو نهي عن الظن القياسي في حال الانسداد ، لا لان النهي عنه يستلزم محذور اجتماع الحكم الواقعي والظاهري ، بل الاشكال في المقام في النهي عن الظن القياسي بعد الفراغ عن عدم المحذور في جعل الحكم الظاهري.

ويدل على ذلك ايضا ان الاشكال مختص بالحكومة دون الكشف ، مع ان محذور الاجتماع موجود على الكشف ايضا.

وقد اشار الى نفس الاشكال بلزوم اجتماع الحكم الظاهري والواقعي في مورد النهي عن الظن القياسي بقوله : «بملاحظة توهم استلزام النصب لمحاذير الى آخر الجملة».

واشار الى الفرق بين هذا الاشكال في المقام وبينه في الامارة بان محذور الاجتماع هنا في ما اذا اصاب الظن القياسي الواقع ، وفي الامارة فيما اذا اخطأت الامارة الواقع بقوله : «غاية الامر تلك المحاذير الى آخر الجملة».

والمراد من قوله : «في مورد الاصابة» هو مورد اصابة الظن القياسي الواقع.

٢٠٩

عن أمارة أخرى وقد اختفى علينا ، وإن كان موجبا لعدم استقلال العقل ، إلا أنه إنما يكون بالاضافة إلى تلك الامارة ، لو كان غيرها مما لا يحتمل فيه المنع بمقدار الكفاية ، وإلا فلا مجال لاحتمال المنع فيها مع فرض استقلال العقل ، ضرورة عدم استقلاله بحكم مع احتمال وجود مانعة ، على ما يأتي تحقيقه في الظن المانع والممنوع (١). وقياس حكم

______________________________________________________

وقد اشار الى ان هذا الاشكال لا ربط له بما هو المهم من الاشكال في المقام بقوله : «ولكن من الواضح الى آخر الجملة».

قوله : «وقد عرفت انه بمكان من الفساد» أي قد عرفت ان الاشكال في المقام في عدم معقولية النهي عن الظن القياسي ـ بناء على الحكومة ـ بمكان من الفساد ، لما مر من الجوابين عنه.

(١) بعد ان فرغ من الجواب عن الاشكال في النهي عن الظن القياسي ، تعرض لعبارة الرسائل في تقرير الاشكال ، وقد مر ان العبارة يدل صدرها على شيء وذيلها يدل على شيء آخر ، وسيأتي التعرض لصدرها ، واما ذيلها فقد تعرض له بقوله : «واستلزام امكان المنع ...».

وحاصله : ان المتحصل من عبارة الذيل ، هو انه لو كان منع الشارع عن الظن القياسي ممكنا من الشارع الحكيم ولا قبح فيه ، بدعوى كون حكومة العقل في حجية الظن معلقة على عدم المنع من الشارع ، فيكون المنع من الشارع بما هو منع لا مانع منه ، وبعد تحقق المنع من الشارع عن الظن القياسي لا حكومة للعقل بحيث يشمل الظن القياسي.

وحاصل ما تضمنه ذيل عبارة الرسائل في دفع هذه الدعوى في انه لو كان المنع بما هو منع ممكنا ، وان حجية الظن عند العقل معلقة على عدم المنع لما امكن حكم العقل بحجية سائر الظنون الأخرى غير الظن القياسي ، لانه اذا كان المنع من الشارع ممكنا فلا مانع من وقوعه ، وكل ما لا مانع من وقوعه فهو محتمل الوقوع ، فاحتمال

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المنع عن ساير الظنون موجود ، لاحتمال كون الشارع قد منع عنها ولم يصل منعه الينا ، فلا يكون للعقل حكومة في حجية ساير الظنون ، لان حكومة العقل بالنسبة الى الحجية فيها من قبيل المقتضي ، ومع احتمال المانع لا وجه لتأثير المقتضي فيها.

وحاصل ما اورده المصنف على هذا الذيل هو : انا نقول بان امكان المنع يستلزم احتمال المنع ، وان المنع لا قبح فيه ، وحكومة العقل معلقة على عدم هذا المانع ، والنافي لاحتمال المنع في ساير الظنون ـ غير الظن القياسي ـ ليس هو القبح كما هو صريح عبارة الذيل ، بل النافي له هو اهتمام الشارع المحرز بموجب المقدمة الثالثة في الانسداد ، فانه في الظنون التي هي بمقدار الكفاية الوافية بمعظم الاحكام او بمقدار العلم الاجمالي لا نحتمل المنع بعد اهتمام الشارع بامتثال احكامه المنحصر في الظن ، وهذا هو النافي لاحتمال المنع بالنسبة الى الظنون التي هي بمقدار الكفاية ، ولذا كان في الظن الخارج عن المعظم او عن مقدار المعلوم بالاجمال لا حكومة للعقل بالنسبة اليه ، لاحتمال منع الشارع عنه.

وقد اشار الى ان امكان المنع يلازم احتمال المنع بقوله : «واستلزام امكان المنع عنه» أي عن الظن «لاحتمال المنع» لوضوح ان كل ما لا مانع عن تحققه فهو محتمل التحقق ، فنحتمل ان يكون الشارع قد نهى «عن امارة اخرى» غير الظن القياسي «وقد اختفى علينا» منعه عنها.

واشار الى انه مع منع الشارع لا حكومة للعقل ، فحكومته معلقة على عدم المنع ، ولازم ذلك هو عدم استقلاله مع احتمال المنع بقوله : «وان كان موجبا لعدم استقلال العقل».

وقد اشار الى ان احتمال المنع انما يكون بالنسبة الى الظن الخارج عن قدر الكفاية ، وفي هذا الظن لا استقلال للعقل لاحتمال المنع ، واما في الظنون التي هي بمقدار الكفاية فلا نحتمل المنع عنها من الشارع ، والرافع للاحتمال فيها هو اهتمام الشارع وانحصار طريق الامتثال فيها بالظن ، لا ما ذكر في الذيل من رفع الاحتمال

٢١١

العقل بكون الظن مناطا للاطاعة في هذا الحال على حكمه بكون العلم مناطا لها في حال الانفتاح ، لا يكاد يخفى على أحد فساده ، لوضوح أنه مع الفارق ، ضرورة أن حكمه في العلم على نحو التنجز ، وفيه على نحو التعليق (١).

______________________________________________________

برفع الامكان بقوله : «إلّا انه» أي إلّا ان عدم استقلال العقل بالحجية لاحتمال المنع «انما يكون بالاضافة الى تلك الامارة» الخارجة عن مقدار الكفاية ، وذلك فيما «لو كان غيرها» من الظنون التي هي «مما لا يحتمل فيه المنع» لانها «بمقدار الكفاية».

واشار الى ان الرافع لاحتمال المنع في الظنون التي هي بمقدار الكفاية هو استقلال العقل بعدم المنع عنها للاهتمام وانحصار الامتثال في الظن بقوله : «وإلّا فلا مجال لاحتمال المنع فيها» أي في الظنون التي هي بمقدار الكفاية «مع فرض استقلال العقل».

واشار الى ان حكم العقل من قبيل المقتضي ومع احتمال المانع لا تاثير له بقوله : «ضرورة عدم استقلاله» أي ضرورة عدم استقلال العقل «بحكم مع احتمال وجود مانعة» فانه لا تأثير للمقتضي الا مع احراز عدم تحقق المانع ، ومع احتمال المانع لا احراز لعدم المانع ، فلا يستقل العقل بحكمه المعلق على عدم المانع مع احتمال وجود المانع عن حكمه.

(١) هذا هو التعرض للصدر ، وقد عرفت ان صدر عبارة الرسائل هي قياس الاطاعة الظنية في حال الانسداد ـ على الحكومة ـ بالاطاعة العلمية في حال الانفتاح ، وانه كما ليس للشارع التصرف في الاطاعة العلمية ، كذلك ليس له التصرف في حال الانسداد ـ على الحكومة ـ بالاطاعة الظنية.

وحاصل مؤاخذة المصنف له : هو ان القياس مع الفارق ، فان حكم العقل بالاطاعة العلمية غير معلق على شيء ، لان العلم علة تامة في آثاره ، فحكم العقل

٢١٢

ثم لا يكاد ينقضي تعجبي لم خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس ، مع جريانه في الامر بطريق غير مفيد للظن ، بداهة انتفاء حكمه في مورد الطريق قطعا ، مع أنه لا يظن بأحد أن يستشكل بذلك ، وليس إلا لاجل أن حكمه به معلق على عدم النصب ، ومعه لا حكم له ، كما هو كذلك مع النهي عن بعض أفراد الظن ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

فيه منجز على كل حال ، ولا يعقل التعليق فيه بعد ان كان علة تامة ، بخلاف حكم العقل في حال الانسداد بالنسبة الى الاطاعة الظنية ، فانه معلق على عدم انفتاح باب العلم او العلمي ، وبعد وصول النهي عن القياس ينفتح باب العلم فلا موضوع لحكم العقل.

وقد اشار الى صدر عبارة الرسائل بقوله : «وقياس حكم العقل بكون الظن مناطا للاطاعة في هذا الحال» أي في حال الانسداد بناء على الحكومة «على حكمه» أي على حكم العقل «بكون العلم مناطا لها» أي للاطاعة العلمية «في حال الانفتاح» فكما لا تصرف للشارع في الاطاعة العلمية في حال الانفتاح ، كذلك لا تصرف له في الاطاعة الظنية في حال الانسداد ، لان الظن في حال الانسداد على الحكومة بمنزلة العلم في حال الانفتاح.

واشار الى المناقشة فيه بقوله (قدس‌سره) : «لا يكاد يخفى على احد فساده» وهذه الجملة هي الخبر للمبتدا المتقدم ، وهو قوله : وقياس حكم العقل.

وحاصلها : انه قياس في غير محله «لوضوح انه» قياس «مع الفارق ضرورة ان حكمه» أي حكم العقل «في العلم على نحو التنجز» غير المعلق على شيء «وفيه» أي وفي الانسداد حكم العقل «على نحو التعليق» ولا وجه لقياس ما كان الحكم فيه على نحو التعليق بما كان فيه على نحو التنجز وعدم التعليق.

(١) هذه عودة من المصنف الى الاشارة الى جوابه الثاني المتقدم عن الاشكال في النهي عن القياس ، في انه اذا لم يكن للشارع النهي عن ظن خاص في حال

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الانسداد ، لم يكن له ـ أيضا ـ الامر بطريق خاص غير مفيد للظن في حال الانسداد ، لانهما يشتركان في كون لازم كل منهما ترك الاطاعة الظنية ، فلما ذا خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس ولم يذكروه في الامر بالطريق الخاص؟

ولا فرق بين النهي والامر في الاشكال المذكور ، ولا سبب في عدم اشكالهم في الامر بطريق خاص ، إلّا انه مع امر الشارع به ينفتح الباب فلا موضوع للانسداد ولحكم العقل بعد ان كان معلقا على موضوع يرتفع بأمر الشارع ، وقد عرفت ان حال نهي الشارع عن طريق كأمره ، فانه بوصول نهيه ينفتح الباب فلا يبقى موضوع لحكم العقل ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لا يكاد ينقضي تعجبي انه لم خصصوا الاشكال بالنهي عن القياس مع جريانه» أي جريان الاشكال الذي ذكروه في النهي «في الامر بطريق مفيد للظن» لانهما يشتركان في ترك الاطاعة الظنية.

ثم اشار الى انتفاء حكم العقل في مورد الامر بالطريق لاجل الانفتاح بقوله : «بداهة انتفاء حكمه» أي العقل «في مورد الطريق» أي في مورد الامر بالطريق «قطعا» وأضاف اليه الاشارة الى انه لا يظن باحد من الفقهاء ان يستشكل في مقام امر الشارع بطريق غير مفيد للظن في حال الانسداد بقوله : «مع انه لا يظن باحد ان يستشكل بذلك» ثم الى ان السبب في عدم الاشكال في مقام الامر بطريق غير مفيد للظن ليس هو إلّا لاجل كون حكم العقل معلقا على عدم الانفتاح ، وبوصول امر الشارع يحصل الانفتاح بقوله : «وليس إلّا لاجل ان حكمه» أي حكم العقل «به» أي بحجية الظن في حال الانسداد هو «معلق على عدم النصب ، ومعه» أي ومع النصب «لا حكم له» أي لا حكم للعقل لارتفاع موضوع حكمه.

ثم اشار الى ان حال النهي كحال الامر بقوله : «كما هو كذلك مع النهي عن بعض افراد الظن» وهو الظن الحاصل من القياس ، فانه بوصول النهي عنه ينفتح الباب فلا موضوع لحكم العقل.

٢١٤

وقد انقدح بذلك أنه لا وقع للجواب عن الاشكال : تارة بأن المنع عن القياس لاجل كونه غالب المخالفة ، وأخرى بأن العمل به يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الاصابة (١) ، وذلك لبداهة

______________________________________________________

(١) بعد فراغه عن جواب الاشكال ـ بما مر ـ حلا ونقضا تعرض لذكر اجوبة اربعة ذكروها عن الاشكال ، ولم يرتضها المصنف ، فاشار اليها والى المناقشة فيها ، وبقوله : «تارة ... واخرى» أشار الى جوابين منها اجاب بهما الشيخ في الرسائل.

وتوضيح الاول : ان الاشكال هو ان مقدمات الانسداد على الحكومة تستلزم قبح ترك الاطاعة الظنية من الآمر والمأمور ، وكما ان تركها من المأمور قبيح كذلك النهي عنها من الآمر قبيح ، فالنهي عن الظن القياسي من الآمر قبيح.

وحاصل الجواب عنه : ان ترك الاطاعة الظنية انما كان قبيحا لان الظن اقرب الى اصابة الواقع من الشك والوهم ، فاذا كان الشارع المطلع على الواقعيات قد علم ان الظن القياسي غالب المخالفة للواقع فلا يكون في النهي عنه قبح على الشارع ، لان مناط القبح هو كونه اقرب ، ولما كان كثير المخالفة للواقع لم يكن اقرب من الوهم ، بل هو اقرب منه في مورده ، والى هذا اشار بقوله : «تارة بان المنع عن القياس لاجل كونه غالب المخالفة» أي للواقع ومع كونه غالب المخالفة للواقع ، لا يكون النهي عنه من الشارع المطلع قبيحا.

الثاني : ما اشار اليه بقوله : «واخرى» وتوضيحه : انه قد عرفت ان السبب في حكم العقل بقبح ترك الاطاعة الظنية في حال الانسداد آمرا ومامورا انما هو لكون الظن اقرب من غيره لادراك مصلحة الواقع ، فالعمل بما يقتضيه الظن لا غاية فيه عند العقل الا الايصال لمصلحة الواقع ، فاذا كان في العمل بظن خاص حاصل من سبب خاص مفسدة غالبة على مصلحة الواقع فلا يقبح عند العقل ترك العمل بهذا الظن الخاص ، فلا يكون نهي الشارع عن الظن القياسي في حال الانسداد قبيحا اذا كان قد اطلع على ان في العمل على طبقه مفسدة غالبة على مصلحة الواقع.

٢١٥

أنه إنما يشكل بخروجه بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه ، بملاحظة حكم العقل بحجية الظن ، ولا يكاد يجدي صحته كذلك في الذب عن الاشكال في صحته بهذا اللحاظ ، فافهم فإنه لا يخلو عن دقة (١).

______________________________________________________

والى هذا اشار بقوله : «واخرى بان العمل به» أي بالظن القياسي «يكون ذا مفسدة غالبة على مصلحة الواقع الثابتة عند الاصابة» فالعمل على الظن القياسي ان لم يصب الواقع كان ذا مفسدة لا غير ، وان اصاب الواقع لا فائدة في المصلحة التي اصابها لان مفسدة العمل على طبقه غالبة على المصلحة الواقعية التي أصابها.

(١) لا يخفى ان المصنف ناقش في هذين بمناقشة واحدة تجمعها ، ومنها يظهر ايضا وجه الانقداح.

وتوضيح ذلك : ان الاشكال في النهي عن الظن القياسي في حال الانسداد ، تارة : لكون الظن في حال الانسداد كالعلم في حال الانفتاح ، وكما انه يقبح النهي من الشارع عن العلم وعن الاطاعة العلمية في حال الانفتاح ، كذلك يقبح النهي منه عن الظن وعن الاطاعة الظنية في حال الانسداد ، فالاشكال يكون من حيث كونه نهيا عن الظن في حال الانسداد.

واخرى : يكون الاشكال في النهي عن الظن القياسي في حال الانسداد لكون الظن اقرب الى الواقع من غيره ، فنهي الشارع عن ما هو اقرب قبيح ، ومن الواضح ان الاشكال في القبح من ناحية كونه اقرب من غيره غير الاشكال في القبح من ناحية كونه بمنزلة العلم.

وهذان الجوابان انما يتمان حيث يكون الاشكال في النهي عن الظن القياسي من الناحية الثانية دون الاولى ، فانه حينئذ يصح ان يجاب عنه : تارة بكونه غير قريب الى الواقع بل غالب المخالفة ، واخرى بانه ذو مفسدة غالبة على الواقع فلا فائدة في قربه الى اصابة الواقع.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

اما اذا كان الاشكال في النهي عن الظن القياسي من جهة القبح من الناحية الاولى فالجوابان اجنبيان عن ذلك ، وفرض الاشكال في النهي عن الظن القياسي انما هو من الناحية الاولى ، وانه بعد الفراغ عن ان الظن الحاصل من سبب خاص يصح النهي عنه في حال الانفتاح اذا كان غالب المخالفة او اذا كان في العمل على طبقه مفسدة ، ولكن الاشكال في صحة النهي عنه في حال الانسداد من ناحية انه في هذه الحال هو كالعلم ، فالاشكال انما هو في قبح النهي عنه في المقام من هذه الجهة ، فلا يصح الجواب عنها بانه لا قبح في النهي عنه لكونه غالب المخالفة ، او لان في العمل على طبقه مفسدة ، فانه لا يدفع الاشكال في قبح النهي من ناحية ان الظن في حال الانسداد هو كالعلم يقبح من الشارع التصرف فيه.

والى هذا اشار بقوله (قدس‌سره) : «وذلك» أي ان السبب في عدم دفع هذين الجوابين عن الاشكال في الظن القياسي في المقام هو «انه انما يشكل» في المقام «بخروجه» أي بخروج الظن القياسي عن ساير الظنون في الانسداد لأجل النهي عنه «بعد الفراغ عن صحة المنع عنه في نفسه» أي في مثل حال الانفتاح «بملاحظة حكم العقل بحجية الظن» في حال الانسداد : أي ان الاشكال بملاحظة حال الانسداد وحكم العقل بان الظن حجة في هذا الحال وان له ما للعلم في الانفتاح ، فهو اشكال من ناحية القبح في التصرف في الظن في الانسداد ، لانه كالعلم لا من ناحية القبح لكون الظن اقرب من غيره.

ثم اشار الى ان الجواب عن القبح من ناحية القرب بالجوابين المذكورين لا ينفع في دفع الاشكال في القبح من ناحية كونه كالعلم بقوله : «ولا يكاد يجدي صحته كذلك» أي لا يكاد يجدي صحة النهي عن الظن القياسي من ناحية القرب في حال الانفتاح «في الذب عن الاشكال» أي في دفع الاشكال «في صحته» أي في صحة النهي عنه «بهذا اللحاظ» أي بلحاظ كون الظن في الانسداد بمنزلة العلم لانهما

٢١٧

وأما ما قيل في جوابه ، من منع عموم المنع عنه بحال الانسداد ، أو منع حصول الظن منه بعد انكشاف حاله ، وأن ما يفسده أكثر مما يصلحه (١) ، ففي غاية الفساد ، فإنه مضافا إلى كون كل واحد من المنعين

______________________________________________________

جهتان ، ولا ربط للاشكال من ناحية القرب بالاشكال من ناحية كون الظن في الانسداد كالعلم في الانفتاح.

(١) يشير بكلامه هذا الى جوابين آخرين عن الاشكال المذكور.

وحاصل الاول : ان ادلة النهي عن الظن القياسي لا تشمل الظن القياسي في حال الانسداد ، فالمنع عنه يختص بحال الانفتاح ، والظن في حال الانسداد حجة مطلقا وان حصل من القياس ، والى هذا اشار بقوله : «من منع عموم المنع عنه» أي عن الظن الانسدادي بحيث يكون المنع عنه شاملا له بلحاظ كل احواله ولو كان «ب» لحاظ «حال الانسداد» أي لا عموم للادلة المانعة عن الظن القياسي بحيث تشمل حاله في الانسداد.

وحاصل الثاني : انه لا وقع للاشكال المذكور ، لانه لا يحصل من القياس ظن حتى يستشكل في النهي عنه ، فان الائمة عليهم‌السلام كشفوا حال القياس وبينوا ما يترتب عليه من الفساد ، بحيث كان ما يصلحه القياس من حيث اصابته النادرة لا يعتني بها بالنسبة الى ما يترتب عليه من الفساد في محق الدين وانه يأتي بدين جديد ، لكثرة خطئه ـ مثلا ـ او لعدم وجود ضابط له فيختلف القائسون انفسهم في حكم مسألة واحدة ، لاختلاف الجهات التي اقتضت القياس عندهم.

وعلى كل ، فمفاسد القياس كثيرة ، وبعد الاطلاع عليها لا يحصل للفقيه ظن منه حتى يستشكل بالنهي عنه في حال الانسداد ، وما اشد التباين بين هذين الجوابين ، وعلى كل فقد اشار اليه بقوله : «او منع حصول الظن منه» أي نمنع حصول الظن من القياس «بعد انكشاف حاله» أي حال القياس «وان ما يفسده اكثر مما

٢١٨

غير سديد ـ لدعوى الاجماع على عموم المنع مع إطلاق أدلته وعموم علته ، وشهادة الوجدان بحصول الظن منه في بعض الاحيان ـ لا يكاد يكون في دفع الاشكال بالقطع بخروج الظن الناشئ منه بمفيد ، غاية الامر أنه لا إشكال مع فرض أحد المنعين ، لكنه غير فرض الاشكال ، فتدبر جيدا (١).

______________________________________________________

يصلحه» فلا يحصل من القياس ظن حتى يتأتى الاشكال في صحة المنع عنه في حال الانسداد.

(١) لا يخفى انه قد اجاب عن كل واحد منهما بجواب يخصه ، واجاب عنهما معا بجواب واحد يشملهما.

اما الجواب الذي يخص الاول فهو : ان ادلة المنع اللفظية لها اطلاق واضح يشمل الظن في حال الانسداد ، فان قوله عليه‌السلام : (ان السنة اذا قيست محق الدين) (١) له ظهور في ان ذات القياس ما حق للدين ، وما بالذات لا يختلف حاله في الانفتاح او الانسداد ، ومثله قوله عليه‌السلام : (ان دين الله لا يصاب بالعقول) (٢) الظاهر في ان العقل لا يهتدي الى علل الاحكام ، والقياس ليس هو إلّا دعوى ادراك علة الحكم وتسريتها من المقيس عليه الى المقيس ، وهذا ايضا لا خصوصية له بحال الانفتاح ، هذا مع ان دعوى الاجماع على عموم المنع عن الظن القياسي لحال الانسداد مما لا ريب فيها.

وقد اشار الى دعوى الاجماع على عموم المنع بقوله : «لدعوى الاجماع على عموم المنع» عن الظن القياسي بحيث يشمل كل احواله حتى حال الانسداد ، ثم

__________________

(١) الوسائل ج ١٨ ، ٢٥ / ١٠ باب ٦ من أبواب صفات القاضي.

(٢) ورد في الوسائل ج ١٨ ، ٢٧ / ١٨ باب ٦ من ابواب صفات القاضي : (ان دين الله لا يصاب بالمقاييس) ومثله في الوافي ج ١ ، ص ٥٧ (ط. حجر) وكذلك في الكافي ج ١ ، ص ٥٦ حديث ٧.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اشار الى اطلاق ادلة المنع عنه اللفظية بقوله : «مع اطلاق أدلته» أي مع اطلاق ادلة المنع.

عنه بقوله عليه‌السلام : (السنة اذا قيست محق الدين) ، ثم اشار الى ان العلة المنصوصة في الادلة الموجبة للمنع عنه موجودة في كلا الحالين بقوله : «وعموم علته» كمثل قوله : (ان دين الله لا يصاب بالعقول).

واما الجواب الذي يخص الثاني فهو : ان منع حصول الظن من القياس ولو في بعض الاحيان مكابرة واضحة ، فان الوجدان خير شاهد بانه ربما يحصل من القياس ظن ، واليه اشار بقوله : «وشهادة الوجدان الى آخر الجملة».

واما الجواب الذي يشمل كلا الجوابين المذكورين فهو : ان الاشكال في المنع عن الظن القياسي مع فرض القطع بدلالة الادلة المانعة عنه الشاملة لحال الانسداد فالجواب عنه بان ادلة المنع لا تشمل حال القياس خروج عن الفرض اولا ، وتسليم للاشكال على الفرض ثانيا.

ومثله الجواب عنه بعدم حصول الظن من القياس ، فانه خروج عن الفرض وتسليم للاشكال لو فرض حصول الظن منه.

نعم ، لو فرض عدم عموم ادلة المنع او فرض عدم حصول الظن منه لما كان للاشكال المذكور مجال ، ولكنهما لا يكونان جوابا عن الاشكال لو فرضنا عموم ادلة المنع للانسداد ، او فرضنا حصول الظن من القياس ، بل لازمهما تسليم الاشكال وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «لا يكاد يكون» ما ذكر من الجوابين «في دفع الاشكال ب» فرض «القطع بخروج الظن الناشئ منه» أي من القياس «بمفيد» أي لا يكاد يكون ما ذكر من الجوابين بمفيد في دفع الاشكال مع فرض القطع بخروج الظن الناشئ من القياس في حال الانسداد ، الذي لازم هذا القطع هو فرض شمول ادلة المنع له وحصوله من القياس.

٢٢٠