بداية الوصول

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي

بداية الوصول

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي


المحقق: محمّد عبدالحكيم الموسوي البكّاء
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: أسرة آل الشيخ راضي
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
964-497-056-X

الصفحات: ٤٠٤

ولا يصغى إلى ما ربما قيل : بعدم وجود القاصر فيها ، لكنه إنما يكون معذورا غير معاقب على عدم معرفة الحق ، إذا لم يكن يعانده ، بل كان ينقاد له على إجماله لو احتمله. هذا بعض الكلام مما يناسب المقام (١) ،

______________________________________________________

الى القصور عن غفلة بقوله : «ان القاصر يكون في الاعتقاديات للغفلة» واشار الى القصور لعدم الاستعداد بقوله : «او عدم الاستعداد للاجتهاد فيها لعدم وضوح الامر بمثابة» يكون الجهل بها مسببا عن عدم الاستعداد لادراكها وهو الجاهل القاصر ، وليس الجهل عنده مع الاستعداد حتى «لا يكون الجهل بها الا عن تقصير» كما في الجاهل المقصّر ، فان جهله بالاصول لما كان مع الاستعداد وعدم الغفلة فلا يكون جهله الا عن تقصير منه ، ولذا لم يكن معذورا ، بخلاف الجاهل القاصر فانه معذور بحكم العقل ، ولذا قال (قدس‌سره) : «فيكون معذورا عقلا».

(١) لا يخفى انه انكر بعضهم وجود الجاهل القاصر خارجا ، ولو كانت براهينه على انكاره لا يهتدى الى الخدشة فيها لكانت من الشبهة في مقابل الوجدان والعيان ، لما عرفت من وجود الجاهل القاصر خارجا وجدانا وعيانا ... فكيف؟

وما ذكره من الادلة على عدم وجود القاصر ظاهر الخدشة ، فلا ينبغي ان يصغى الى هذا الانكار وهذه الدعوى.

وعلى كل ، فقد ادعي عدم وجود القاصر ، وان المقصّر على نوعين : نوع معذور غير معاقب وهو الذي يعقد قلبه على الواقع اجمالا حيث يحتمله ، ونوع غير معذور ومعاقب وهو الذي مع احتماله لا يعقد قلبه على الواقع مع تركه للفحص عنه.

وما استدل به لهذه الدعوى امور اهمها : قوله تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(١) سواء كان المراد منها هي المعرفة او العبادة ، لوضوح كان الجاهل بالحق لا عبادة له للحق.

__________________

(١) الذاريات : الآية ٥٦.

٢٦١

وأما بيان حكم الجاهل من حيث الكفر والاسلام ، فهو مع عدم مناسبته خارج عن وضع الرسالة (١).

______________________________________________________

وحاصل الاستدلال بهذه الآية الكريمة هو دلالتها على كون الغاية للوجود لكل فرد من الجن والانس هي المعرفة والعبادة المستلزمة للمعرفة ، ولما كانت هذه الغاية غاية لأصل خلقة كل فرد من الجن والانس فما لا يمكن تحقق الغاية فيه لا يعقل ان يكون موجودا ، لان الموجود الممكن مرتبط بعلته الغائية كارتباطه بعلته الفاعلية ، ومن الواضح ايضا ان من لا استعداد له ـ وهو القاصر ـ لا يمكن تحقق هذه الغاية فيه ، وقد عرفت ان ما لا يمكن تحقق الغاية فيه لا يعقل ان يكون موجودا ، فالقاصر لا يعقل ان يكون موجودا.

والجواب عنه حلا ونقضا : أما حلا فلانه لا ظهور في الآية لكون المعرفة والعبادة غاية لخلقة كل فرد فرد ، بل الظاهر منها انها غاية لخلق جنس الجن والانس.

واما نقضا فبخلقة الصبيان الذين يموتون قبل البلوغ ، والمجانين الذين يستمر جنونهم قبل البلوغ الى ما بعد البلوغ حتى الموت ، فانه لا اشكال في عدم امكان تحقق المعرفة منهم مع انهم مخلوقون ، ولو كانت هذه الغاية غاية لخلقة كل فرد فرد لما خلقوا ، فلا بد وان تكون الغاية غاية للنوع لا للفرد.

(١) لما فرغ من بيان حكم الجاهل من حيث العقاب وعدمه بمعذورية الجاهل القاصر وعدم استحقاقه للعقاب ، وبعدم معذورية الجاهل المقصر واستحقاقه للعقاب ... اشار الى ان التعرض لحكم الجاهل والمعتقد من ناحية ما يترتب عليهما من الآثار الشرعية كالطهارة والنجاسة ، ومثل صحة الزواج ـ دواما ـ وعدمه ، وغيرهما من الآثار للكفر والاسلام لا مناسبة للبحث عنه في اصول الفقه ، وانما يبحث عنه في الفقه ، ومن الواضح ان موضوع هذا الكتاب هو البحث عن اصول الفقه لا عن الفقه.

ومن الواضح ايضا : ان الجهل بالله تعالى وبصفاته وبنبوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر وان كان الجهل عن قصور ، فلا ينافي المعذورية عن العقاب والتخليد في النار ترتيب آثار

٢٦٢

الثاني : الظن الذي لم يقم على حجيته دليل ، هل يجبر به ضعف السند أو الدلالة بحيث صار حجة ما لولاه لما كان بحجة ، أو يوهن به ما لولاه على خلافه لكان حجة ، أو يرجح به أحد المتعارضين ، بحيث لولاه على وفقه لما كان ترجيح لاحدهما ، أو كان للآخر منهما ، أم لا (١)؟

______________________________________________________

الكفر من حيث الطهارة وامثالها من الآثار الشرعية الدنيوية ، لان الكفر هو عدم الاعتقاد بالله والنبي وان كان عن قصور ، والاسلام هو الاعتقاد بهما ، واما الامامة على الوجه الصحيح فلا ريب ان عدم الاعتقاد بها ليس من الكفر الموجب للآثار ، وان كان موجبا للعقاب والتخليد ، هذا على نحو الاجمال وتفصيله في الفقه.

وقد اشار الى عدم المناسبة في البحث عن الكفر والاسلام من ناحية الآثار الشرعية الدنيوية في المقام بقوله : «واما بيان حكم الجاهل» غير المعتقد بالله ولا بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «من حيث الكفر» الذي هو عدم الاعتقاد وان كان عن قصور «والاسلام» الذي هو الاعتقاد من ناحية الآثار الدنيوية الشرعية «فهو مع عدم مناسبته» لان البحث عنه في الفقه لا في اصول الفقه ووضع الرسالة لأصول الفقه «خارج عن وضع الرسالة» الظاهر ان وجه خروجه عن وضع الرسالة مع عدم المناسبة هو كون وضع الرسالة مبنيا على الاختصار.

(١) لا يخفى ان الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل ، تارة لا يقوم دليل على النهي عنه كالشهرة فان الظن الحاصل منها لم يقم على اعتباره دليل ، ولكنه لم يقم دليل على النهي عنه وعدم اعتباره.

واخرى مضافا الى عدم اعتباره يقوم دليل على النهي عنه ، وعلى عدم اعتباره شرعا كالقياس.

والكلام الآن في الاول ، وهو مراده من قوله : «الظن الذي لم يقم على حجيّته دليل» لما سيأتي من كلامه على الظن الذي قام الدليل على النهي عنه ، والغرض من الكلام فيه هو الكلام من جهات متعددة : جبره للخبر الضعيف من ناحية سنده ،

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وجبره له من ناحية ضعف دلالته ، ووهنه للخبر المستكمل لشروط الحجية سندا ودلالة تارة من ناحية سنده ، واخرى من ناحية دلالته وظهوره ، بحيث يكون الخبر تام الحجية من حيث السند والظهور لو لا قيام هذا الظن على خلافه من ناحية سنده او من ناحية ظهوره ودلالته.

والترجيح بهذا الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل لاحد المتعارضين على الآخر ، بان يكون المتعارضان متكافئين في الحجة لو لا هذا الظن المرجح لاحدهما بالخصوص على الآخر او يكون المعارض الآخر اقوى في الحجية من المعارض الذي وافقه هذا الظن ، بحيث لو لا هذا الظن لكان الترجيح في جانب المعارض له.

وقد اشار الى هذه الجهات بقوله : «هل يجبر به ضعف السند او الدلالة» أي هل يجبر بالظن الذي لم يقم على اعتباره دليل ولم يكن منهيا عنه الخبر الضعيف من حيث سنده او من حيث دلالته ، ومعنى جابرية هذا الظن للخبر هو جعل هذا الظن لهذا الخبر غير الحجة من ناحية سنده او من ناحية دلالته حجة من ناحية سنده او دلالته ، فلو لا هذا الظن لم يكن هذا الخبر حجة ، وبناء على جبره بهذا الظن يكون حجة اما سندا أو دلالة ، وهذا هو مراده من قوله : «بحيث صار حجة ما لو لاه لما كان حجة» أي معنى الجابرية صيرورة هذا الخبر الضعيف غير الحجة حجة بواسطة موافقة هذا الظن له ، بحيث لو لا هذا الظن لما كان هذا الخبر حجة.

وقد اشار الى وهن الخبر المستكمل لشرائط الحجية لو لا قيام هذا الظن على خلافه بقوله : «او يوهن به» أي وهل يوهن بهذا الظن «ما لو لاه» أي الخبر الذي لو لا قيام هذا الظن «على خلافه لكان» ذلك الخبر «حجة» فهل يوجب هذا الظن القائم على خلاف الخبر المستكمل لشرائط الحجية عدم حجيته ام لا يوجب ذلك ويكون الخبر المستكمل لشرائط الحجية حجة وان قام هذا الظن ـ الذي لم يقم على اعتباره دليل ـ على خلافه؟

٢٦٤

ومجمل القول في ذلك : إن العبرة في حصول الجبران أو الرجحان بموافقته ، هو الدخول بذلك تحت دليل الحجية ، أو المرجحية الراجعة إلى دليل الحجية ، كما أن العبرة في الوهن إنما هو الخروج بالمخالفة عن تحت دليل الحجية (١) ، فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره

______________________________________________________

واشار الى الترجيح به بقوله : «او يرجح به» أي بهذا الظن «احد المتعارضين بحيث لولاه» أي بحيث لو لا قيام هذا الظن «على وفقه لما كان ترجيح لاحدهما» وهو الذي وافقه الظن من المتعارضين فيما اذا كانا متكافئين لو لا هذا الظن «او» يرجح بهذا الظن المرجوح لو لا موافقة هذا الظن له بحيث «كان» الترجيح «للآخر منهما» لو لا هذا الظن «ام لا» يرجح به ويكون المتعارضان بحالهما لو كانا متكافئين ، ويتقدم الراجح لو لا هذا الظن على المرجوح الذي وافقه الظن فلا يكون لموافقة الظن له اثر

(١) أوّل ما يذكر هو ميزان الجبر والترجيح والوهن بهذا الظن للخبر ، ثم بعد ذلك يذكر ما يحصل به الجبر والترجيح والوهن وما لا يحصل به ، فالعبرة في حصول الجبر بهذا الظن للخبر الضعيف هو دخول هذا الخبر الضعيف بواسطة هذا الظن تحت عنوان الحجية ، بان يكون هذا الخبر الضعيف بسبب هذا الظن قد صار حجة ومشمولا لدليل حجية الخبر بعد ان لم يكن حجة ولا مشمولا لدليل الحجية ، والعبرة في الترجيح بهذا الظن هو كون الخبر الذي وافقه الظن داخلا في الحجية ، وخروج الخبر المعارض عن الحجية لمرجوحيته بواسطة قيام هذا الظن على خلافه ، ولو لا موافقة هذا الظن لهما لما كان الخبر الضعيف داخلا في الحجية ، ولما ترجح المعارض الذي وافقه الظن على معارضه الذي خالفه هذا الظن ، حيث ان المتعارضين اذا لم يترجح احدهما لا يكونان معا حجة لتنافيهما ، ولا يعقل حجية المتنافيين معا بالفعل ، ولا يترجّح احدهما بخصوصه دون الآخر ، لانه من الترجيح من غير مرجح ، فلو لا

٢٦٥

أو بصحة مضمونه ، ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به ، فراجع أدلة اعتبارها (١). وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد

______________________________________________________

هذا الظن لما ترجح احدهما على الآخر ، والمترجح بهذا الظن يكون هو الداخل تحت الحجية دون المرجوح ، وإلّا لما كان للترجيح اثر.

وقد اشار الى ما ذكرنا بقوله : «ان العبرة في حصول الجبران او الرجحان بموافقته» أي ان العبرة في حصول الجبر بهذا الظن وحصول الترجيح به للخبر الذي وافقه هذا الظن «هو الدخول» للخبر الضعيف غير الحجة «بذلك» بواسطة موافقة هذا الظن له «تحت دليل الحجية او» دخول المعارض الذي وافقه الظن تحت «المرجحية الراجعة الى دليل الحجية» وشمولها له دون المعارض الذي خالفه هذا الظن.

ومما ذكرنا يظهر العبرة في الوهن بهذا الظن للخبر الذي خالفه ، فان معنى وهن الخبر به هو خروجه بواسطة قيام هذا الوهن على خلافه عن دليل حجية الخبر ، واليه اشار بقوله : «كما ان العبرة في الوهن» بهذا الظن للخبر «انما هو الخروج» لهذا الخبر «ب» سبب «المخالفة» لهذا الظن «عن تحت دليل الحجية».

(١) توضيحه في بيان امور : الاول : انه قد تقدم ان الكلام في هذا الظن من جهات ثلاث : الجبر به ، والوهن به ، والترجيح به ، والكلام الآن في الجبر به.

الثاني : ان عدم دخول الخبر تحت دليل الحجية ، تارة لضعف سنده بأن لا يكون من ناحية سنده مشمولا لدليل الحجية ، واخرى لضعف دلالته بان لا يكون له ظهور حتى يؤخذ بظهوره ، والكلام الآن في الجبر من ناحية السند.

الثالث : ان الذي يظهر من المصنف مما مر ان المدار عنده في حجية الخبر وشمول دليلها له هو الاعم من كون الخبر اما رواته عدول ، او كونه موثوق الصدور ، او موثوق المضمون بان يوثق بصدقه ومطابقته للواقع ، وانما ذكر خصوص الموثوق بصدوره والموثوق بصحة مضمونه لوضوح ان الكلام في مقام الجبر بالظن ، والجبر كما سيأتي انما هو لاقتضاء الظن وان كان غير معتبر لدخول الخبر في عنوان دليل

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحجية ، ومن البديهي ان قيام الظن وموافقته للخبر الذي رواته غير عدول لا تجعلهم عدولا ولذلك ذكر خصوص موثوق الصدور وموثوق المضمون ، لانهما هما اللذان يمكن ان يكون الظن موجبا لدخول الخبر غير الموثوق صدورا او مضمونا في الموثوق صدورا او مضمونا ، بان يكون الخبر اما موثوقا بصدوره او موثوقا بصدق مضمونه وصحته في مطابقته للواقع.

وقد اشار اليهما بقوله : «فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره او بصحة مضمونه» ويتحصّل من هذه العبارة اقسام للخبر من حيث الوثوق بصدوره او بصحة مضمونه :

الخبر الموثوق الصدور الموثوق المضمون ، ولا اشكال في شمول دليل الحجية له.

ومثله الخبر الموثوق الصدور وان لم يكن موثوقا بصحة مضمونه على ان لا يكون موثوقا بعدم صحة مضمونه.

الثالث الخبر الذي يكون موثوقا بصحة مضمونه وان لم يكن موثوقا بصدوره ، وهذا ايضا حجة لدخوله تحت قوله او بصحة مضمونه.

الرابع : الخبر الذي لا يوثق بصدوره ولا بصحة مضمونه ، وهذا غير مشمول لدليل الحجية.

الخامس : الخبر الذي يوثق بصدوره ولكنه يوثق ايضا بعدم صحة مضمونه ، فانه ايضا غير حجة لاشتراط وثوق الصدور بان لا يوثق فعلا بعدم صحة مضمونه وبكذبه.

اذا عرفت هذا فنقول : ان الخبر الضعيف وهو الذي لا يكون موثوقا بصدوره ولا موثوقا بصحة مضمونه لو خلّي وذاته اذا قام الظن غير المعتبر على صدوره او على صحة مضمونه ، فانه وان لم يكن هذا الظن حجة بذاته إلّا انه يكون موجبا لدخول الخبر غير الحجة بطبعه في عنوان ما هو حجّة ، لوضوح ان هذا الظن اوجب

٢٦٧

لاختصاص دليل الحجية بحجية الظهور في تعيين المراد ، والظن من أمارة خارجية به لا يوجب ظهور اللفظ فيه كما هو ظاهر (١) ، إلا فيما أوجب

______________________________________________________

كون هذا الخبر اما موثوقا بصدوره ، او موثوقا بصحة مضمونه ، وقد عرفت حجية الخبر الموثوق بصدوره او بصحة مضمونه.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان الخبر الموثوق بعدم صحة مضمونه لا يعقل ان يقوم الظن على صحة مضمونه ، واتضح ايضا ان الخبر الموثوق عدم صدوره ايضا لا يعقل ان يقوم الظن على صدوره فانهما خلف واضح ، واما الخبر الموثوق بعدم صدوره فيمكن ان يقوم الظن على صحة مضمونه ، ولكنه لا يدخله في دليل حجية الخبر بعد ان كان موثوقا بعدم الصدور ، نعم لو بنينا على حجية الوثوق بالمضمون كان مضمونه حجة ، لا لانه مضمون خبر بل لكونه موثوق المطابقة.

وقد اشار الى السبب في جبر الخبر الضعيف سندا من جهة صدوره او مضمونه بقيام الظن على صدوره او على صحة مضمونه بقوله : «ودخوله بذلك» أي ان السبب في هذا الجبر بهذا الظن وان لم يكن معتبرا هو انه يجعل الخبر غير الموثوق صدورا لو خلي وطبعه بواسطة قيام هذا الظن على صدوره يكون الخبر موثوق الصدور ، فيدخل تحت دليل الحجية لما عرفت من كون موثوق الصدور حجة ، وكذلك اذا قام هذا الظن على صحة مضمونه يكون حجة لكون الخبر الموثوق المضمون حجة ، فيوجب هذا الظن دخول هذا الخبر الضعيف سندا «تحت ما دل على حجية ما يوثق به».

والحاصل : انه لا منافاة بين ان لا يكون هذا الظن بنفسه معتبرا ، وبين كونه موجبا لتحقق ما هو موضوع الحجية في الخبر.

(١) توضيحه : انه لا يخفى ان حجية الظهور هو كون اللفظ قالبا للمعنى بحسب المتفاهم العرفي ، والضعف من جهة الظهور هو كون اللفظ لا ظهور له بحسب المتفاهم ، ومن الواضح ان قيام الظن على كون المراد من هذا اللفظ هو معنى من

٢٦٨

القطع ولو إجمالا باحتفافه بما كان موجبا لظهوره فيه لو لا عروض انتفائه (١) ، وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره ، وكذا عدم وهن

______________________________________________________

المعاني لا يجعل اللفظ ظاهرا فيه بحسب المتفاهم العرفي ، ولذا يصح ان يقال ان هذا اللفظ بما هو غير ظاهر في هذا المعنى بحسب المتفاهم العرفي ، ومع ذلك نظن بان هذا المعنى هو المراد منه ، ولو كان هذا الظن موجبا للظهور لما صحّ تسليم عدم الظهور مع تحقق الظن ، وان من البديهي ان ما لا قالبيّة له لا يكون قالبا اذا ظن بانه يراد منه معنى بخصوصه ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد» فانه مع فرض عدم الظهور للفظ لا يكون له ظهور بقيام الظن على ارادة معنى بخصوصه من اللفظ ، وانما لا يكون هذا الظن جابرا لضعف الدلالة «لاختصاص دليل الحجيّة بحجية الظهور» الذي هو قالبية اللفظ للمعنى «في» مقام «تعيين المراد» من اللفظ «و» من الواضح ان «الظن من امارة خارجية به» أي بالمراد «لا يوجب ظهور اللفظ فيه» أي في المعنى لعدم اقتضاء هذا الظن كون اللفظ قالبا للمعنى «كما هو ظاهر».

(١) توضيحه : ان الظن الحاصل من أمارة خارجية ، تارة يقوم على ان المراد من هذا اللفظ هو هذا المعنى ، مع فرض كون هذا المعنى هو احد المحتملات في هذا اللفظ ولا ظهور له في خصوصه ، كما لو وافق فتوى المشهور احد المحتملات في معانيه ، فان الظن الحاصل من فتوى المشهور لا يجعل اللفظ غير الظاهر ظاهرا كما عرفت.

واخرى يعلم اجمالا بان المشهور استندوا في فتواهم الى ظاهر هذا الخبر ، وهذا ايضا على نحوين : الاول : ان لا يعلم بان ما استندوا اليه لو اطلعنا عليه لكان ظاهرا عندنا ايضا ، ومثل هذا الاستناد ايضا لا يوجب كون اللفظ ظاهرا ، لعدم حجية رأي على رأي آخر. الثاني : ان يعلم اجمالا ان المشهور استندوا الى هذا الخبر لانه كان محتفا بقرينة لو اطلعنا عليها لكان له ظهور عندنا ايضا ، ومثل هذا الاستناد يوجب القطع بكون هذا الخبر داخلا في حجية الظهور وان لم يكن ظاهرا بالفعل ،

٢٦٩

دلالته مع ظهوره (١) ، إلا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده ، أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهوره فيما فيه ظاهر لو لا تلك

______________________________________________________

والى هذا اشار بقوله : «الا فيما اوجب» الظن بان المراد واقعا من هذا اللفظ هو هذا المعنى كون اللفظ ظاهرا في هذا المعنى ، للقطع اجمالا بان المشهور قد استندوا الى ما هو الظاهر ، لاحتفاف الكلام بقرينة كانت موجبة لظهوره وقد سقطت عنه ، فيكون هذا الظن موجبا «القطع ولو اجمالا باحتفافه» أي باحتفاف هذا الكلام «بما كان موجبا لظهوره فيه لو لا عروض انتفائه» أي لو لم ينتف هذا الموجب للظهور ولم يسقط لكان لهذا الكلام ظهور بالفعل.

وقد اتضح مما ذكرنا : ان متعلق الظن والقطع ليس شيئا واحدا حتى يقال بانه لا يعقل ان يتعلق الظن والقطع بشيء واحد في زمان واحد ، بل متعلق الظن هو كون المراد من هذا اللفظ واقعا هو هذا المعنى ، ومتعلق القطع هو احتفاف هذا الكلام بما يوجب الظهور.

وقد ظهر ايضا ان هذا الاستثناء ليس بمنقطع ، لان المستثنى منه هو اللفظ الذي لا ظهور له بالفعل ، فانه تارة لا يكون هذا الظن موجبا لان يكون له ظهور اجمالا ، واخرى يكون هذا الظن موجبا لظهوره اجمالا ، بمعنى انه لو وجد تلك القرينة المحتفة به لكان له ظهور بالفعل ، فان العلم بان له ظهورا بهذا النحو لا ينافي كونه ليس له ظهور بالفعل.

(١) لما فرغ من الكلام في جبر ضعف السند والدلالة بهذا الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل ... شرع في الكلام في حصول الوهن به للخبر وعدمه سندا ودلالة ، وانه لا يوجب وهنا في سند الخبر ولا في دلالته في غير مورد الاستثناء كما سيظهر ان شاء الله تعالى.

وتوضيحه ببيان امور : الاول : انك قد عرفت ان المتحصل من ادلة حجية الخبر هو الاعم من كون رواته ثقات ، او كونه موثوقا بصدوره ، او بصحة مضمونه.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : ان المراد من الظن الموهن القائم على خلاف مؤدى الخبر هو الظن الشخصي دون النوعي ، لكون المراد من الظن الجابر هو الشخصي قطعا ، لوضوح عدم كون الظن النوعي غير المعتبر موجبا لتحقق الموضوع في الخبر في جعل الخبر غير الموثوق صدورا أو مضمونا موثوقا صدورا او مضمونا ، والظن الموهن هو بعينه الظن الجابر ، الّا ان الاول يقوم على خلاف مؤدّى الخبر ، والثاني يقوم على ما يوافق مؤدّاه ، ووحدة السياق فيما هو محل الكلام في الجابرية والموهنيّة تدل على ذلك.

الثالث : ان محل الكلام في وهنه بقيام الظن على خلافه وعدمه هو خبر الثقة دون الخبر الموثوق بصدوره او مضمونه ، لعدم امكان ان يكون الموثوق بصدوره او بمضمونه مظنونا بعدم صدوره او بعدم مضمونه فانه خلف واضح.

نعم ، الخبر الذي كان حجة لكون راويه ثقة يمكن ان يقوم الظن من امارة خارجية على خلافه.

اذا عرفت هذا فنقول : ان دليل حجية خبر الثقة سواء كان هو الاخبار أو بناء العقلاء ليس بمشروط بالظن اصلا ، لا بان يقوم على وفقه ولا بان لا يقوم على خلافه ، فخبر الثقة حجة وان قام الظن على خلافه ، ومنه يتضح عدم وهن خبر الثقة بقيام هذا الظن على خلافه ، واتضح الفرق بين كون هذا الظن جابرا وموهنا ، فان جابريته انما هي للخبر باعتبار ايجابه دخول الخبر في الموثوق صدورا او مضمونا ، وعدم وهنه انما هو لكون مورد الوهن هو خبر الثقة غير المشروطة حجيته بشيء من الظن اصلا ، وسيشير فيما يأتي من كلامه بان مورد الوهن هو خبر الثقة في مقام التعليل لعدم الوهن بالظن في قوله : «لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة».

وعلى كل ، فقد ظهر عدم الوهن بهذا الظن ، واليه اشار بقوله : «وعدم وهن السند» في خبر الثقة «بالظن بعدم صدوره» الحاصل من امارة خارجية لم يقم على اعتبارها دليل.

٢٧١

القرينة (١) ، لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ولا دليل اعتبار

______________________________________________________

واما عدم وهن دلالة ما له ظهور بقيام هذا الظن على خلافه فلانه لا يوجب خللا في ظهوره ، لما ذكرناه ايضا وهو عدم اشتراط دليل حجية الظهور بان لا يقوم ظن على خلافه كما مر بيانه في مبحث الظواهر ، فان بناء العقلاء قد استقر على الاخذ بالظهور وان قام الظن الشخصي على خلافه ، ولما لم تكن حجية الظهور مشروطة لم يكن قيام هذا الظن على خلاف الخبر التام ظهوره موجبا لخلل في حجية ظهوره ، ولذا قال (قدس‌سره) : «وكذا عدم وهن دلالته مع ظهوره» أي كما ان هذا الظن القائم على خلاف هذا الخبر لا يكون موجبا للوهن من جهة السند ، كذلك لا يوجب الخلل والوهن من ناحية ظهوره ودلالته.

(١) الكلام في هذا الاستثناء كالكلام في الاستثناء المتقدم ، وحاصله : ان الظن الحاصل من امارة خارجية على خلاف الخبر التام سندا او ظهورا كمخالفة فتوى المشهور له واعراضهم عنه لا توجب خللا في حجيته كما عرفت ، ولا اعتبار لهذا الظن الحاصل من فتوى المشهور على خلاف مؤدى هذا الخبر التامة حجيته ، الا فيما علمنا بان السبب لفتوى المشهور على خلافه واعراضهم عن التمسك به هو انهم قد اطلعوا على خلل في رجال السند بحيث لو اطلعنا عليه لكان خللا عندنا ، اما لو كان السبب في الاعراض احتمال كون الخلل خللا عندهم لا عندنا ، او كان السبب للمشهور هو حسن ظن المتأخر منهم بمن تقدمهم ، كحسن ظنهم بالشيخ وكان قد افتى على خلاف مؤدى هذا الخبر ، او كان السبب للمشهور مخالفة هذا الخبر للاحتياط أو امثال هذه الاحتمالات ، فلا يكون فتوى المشهور على خلافه واعراضهم عنه موجبا للخلل في سنده.

نعم لو علمنا بان سبب الاعراض هو اطلاع المشهور ـ مثلا ـ على طعن في رجال هذا السند ، بحيث لو اطلعنا على هذا الطعن لكان موجبا لخروجهم عن الوثاقة عندنا ايضا ، فانه حينئذ يكون ذلك كاشفا عن وجود الخلل في السند ، فان اعراض

٢٧٢

الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره ، أو ظن بعدم إرادة ظهوره (١).

______________________________________________________

المشهور اذا كان كذلك يكون من اقوى الشهادات على الخلل الموجب لخروج هذا السند عن دليل الحجيّة ، والى هذا اشار بقوله : «الا فيما كشف بنحو معتبر عن ثبوت خلل في سنده».

واما في اعراض المشهور الموجب للوهن في الدلالة فهو فيما اذا كشف ان السبب في الاعراض عن دلالة هذا الخبر هو اطلاعهم على قرينة قد احتفت به تكون مانعة عن انعقاد ظهوره ، بحيث لو اطلعنا عليها لكانت ايضا قرينة عندنا على خلاف ظهوره ولما انعقد له ظهور عندنا ايضا ، وفيما عدا ذلك لا يكون اعراض المشهور موجبا لخلل في الدلالة ، والى هذا اشار بقوله : «او وجود قرينة» أي فيما كان السبب في هذا الظن الحاصل من اعراض المشهور الكاشف لكون السبب في هذا الاعراض منهم هو وجود قرينة «مانعة عن انعقاد ظهوره فيما» كان «فيه ظاهرا لو لا تلك القرينة» أي ان تكون تلك القرينة موجبة لان لا يكون ظاهرا فيما هو فيه ظاهر فعلا.

(١) هذا تعليل لعدم كون الظن القائم على خلاف خبر الثقة موجبا للوهن فيه في غير مورد الاستثناء ، وحاصل التعليل هو ما مرّ من عدم كون دليل حجية خبر الثقة مشروطا بعدم قيام الظن على خلافه ، ومثله الظن القائم على خلاف الخبر التام الظهور فانه لا يوجب وهنا كما عرفت في غير مورد الاستثناء ايضا ، لعدم اشتراط دليل حجية الظهور ايضا بعدم قيام الظن على خلافه ، ولذا قال (قدس‌سره) : «لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة» الذي هو الممكن ان يقوم الظن على خلافه «ولا دليل اعتبار الظهور بما اذا لم يكن ظن بعدم صدوره او ظن بعدم ارادة ظهوره» والسبب في عدم الاختصاص هو عدم اشتراط دليل الحجية فيهما بعدم الظن على الخلاف كما مرّ بيانه.

٢٧٣

وأما الترجيح بالظن ، فهو فرع دليل على الترجيح به ، بعد سقوط الامارتين بالتعارض من البين ، وعدم حجية واحد منهما بخصوصه وعنوانه ، وإن بقي أحدهما بلا عنوان على حجيته ، ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به.

وإن ادعى شيخنا العلامة ـ أعلى الله مقامه ـ استفادته من الاخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة ، على ما في تفصيله في التعادل والترجيح (١) ومقدمات الانسداد في الاحكام إنما توجب حجية الظن

______________________________________________________

(١) قد مرّ ان الكلام في هذا الظن غير المعتبر ، تارة من جهة الجبر به ، وثانية من ناحية الوهن ، وثالثة في خصوص الترجيح. ولما فرغ من الكلام عليه في الجهتين شرع في الجهة الثالثة وهي الترجيح به.

وتوضيحه في بيان امور : الاول : ان جعل الامارة تارة على مبنى الطريقية فيها وانها جعلت طريقا الى الواقع ، واخرى على الموضوعية وانها سبب لجعل الحكم على طبق ما قامت عليه.

الثاني : ان القاعدة الاوّليّة في الامارتين المتعارضتين ـ بناء على الطريقية ـ هو التساقط من ناحية الحجيّة الفعليّة وان احدهما بلا عنوان معين له هو الحجة ، اما تساقطهما فلانه لما كان الواقع الذي كانت الامارتان طريقا اليه واحدا والمفروض تنافيهما فيه ، فلا وجه للاخذ باحدهما من باب كونه طريقا اليه من دون الآخر ، لانه من الترجيح بلا مرجح ، واما كون احدهما بلا عنوان حجة فلأن احدهما هو الطريق ـ واقعا ـ الى الواقع ، وحيث لم يعلم به بخصوصه فيبقى العلم بان احدهما هو الحجة ، ولما يعلم عنوانه بخصوصه فيكون احدهما من دون عنوان هو الحجة.

واما بناء على الموضوعيّة فالقاعدة الاولية تقتضي التخيير لعدم امكان حجيتهما ، معا لاستلزام ذلك جعل حكمين متضادين بالفعل ، ولما كان كل واحد منهما مقتضيا لجعل الحكم الفعلي المشتمل على المصلحة فتركهما معا ترك المصلحة القطعيّة ، فلا بد

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

من الاخذ باحدهما لئلا تفوت المصلحتان معا كما سيأتي التعرّض لذلك مفصّلا في باب التعادل والتراجيح ان شاء الله تعالى.

واما بناء على القاعدة الثانوية المستفادة من الادلة الخاصة في خصوص مورد التعارض فمجمل القول فيها : ان الامارتين المتعارضتين اذا كانتا من غير الاخبار كالاجماعين المنقولين المتعارضين فالمدار على القاعدة الاولية المذكورة ، واما اذا كانتا خبرين فسيأتي في باب التعارض ان المستفاد من الاخبار الخاصة المسماة بأدلة العلاج هل هو التخيير مطلقا ، أو الاخذ بالمرجحات المنصوصة ، والّا فالتخيير أو الاخذ بكل ما له مزية وان لم تكن منصوصة والّا فالتخيير بدعوى ان المنصوصات من باب المثال؟

الثالث : انه لما كان المختار للمصنف هي الطريقية لم يتعرّض للموضوعيّة في المتن في هذا المقام.

الرابع : انه قد ذكر لترجيح احد المتعارضين بهذا الظن وجوه ، اشار المصنف الى ثلاثة منها وهي كلها غير مرضية له.

الاول : قيام الدليل على الترجيح به ، بدعوى ان المستفاد من ادلة العلاج الخاصة هو الترجيح لكل ذي مزية وان لم تكن من المنصوصات ، ومن الواضح ان المعارض الذي وافقه هذا الظن له المزية على المعارض الآخر ، ولما لم يستفد المصنف ذلك لم يكن هذا الوجه صحيحا عنده ، واليه اشار بقوله : «ولم يقم دليل بالخصوص على الترجيح به» أي بهذا الظن «وان ادّعى شيخنا العلامة اعلى الله مقامه استفادته» أي استفادة الدليل على الترجيح به ، وهو ما استفاده «من الاخبار الدالة على الترجيح بالمرجحات الخاصة» بدعوى ان المرجحات الخاصة لا خصوصية لها وانها من باب المثال ، وان المدار على كل مزية مرجحة وان لم تكن منصوصة ، بعد ان اشار المصنف في صدر عبارته الى ان الترجيح بهذا الظن انما هو بقيام الدليل على الترجيح بقوله : «واما الترجيح بالظن فهو فرع دليل على الترجيح

٢٧٥

بالحكم أو بالحجة ، لا الترجيح به ما لم توجب الظن بأحدهما (١) ، ومقدماته في خصوص الترجيح لو جرت إنما توجب حجيّة الظن في تعيين

______________________________________________________

به» ثم اشار الى القاعدة الاولية في المقام بناء على الطريقيّة بقوله : «بعد سقوط الامارتين بالتعارض ... الى آخر الجملة».

(١) هذا هو الوجه الثاني الذي اشار اليه للترجيح بهذا الظن ، وحاصله : انه لو كانت الامارتان المتعارضتان في فرض الانسداد في كلي الاحكام ، فان هذا الظن يكون مرجحا لما وافقه من الامارتين ، لان نتيجة الانسداد هي حجية الظن فيما قام عليه ، وقد قام هذا الظن على الترجيح لاحدى الامارتين فيكون الترجيح به مما قام الدليل عليه.

وفيه أولا : ان الكلام في الترجيح بهذا الظن سواء على الانفتاح أو الانسداد ، فالترجيح به في خصوص الانسداد اخص من المدعى.

وثانيا : ان المتحصّل من دليل الانسداد هو حجية الظن القائم على الحكم او على الطريق ، دون الظن القائم على الترجيح لاحدى الامارتين المتعارضتين.

نعم ، لو اوجب هذا الظن الظن الشخصي بالحكم المطابق لاحدى الامارتين او الظن الشخصي بحجية احدى الامارتين كان موجبا للترجيح ، والى هذا اشار بقوله : «ومقدمات الانسداد في الاحكام انما توجب» خصوص «حجية الظن بالحكم او بالحجة لا» حجية الظن في مقام «الترجيح به ما لم توجب الظن» الشخصي «باحدهما» ولازم هذا كون الكلام في الترجيح بالظن الاعم من النوعي والشخصي ، لان المزية التي هي المدار في الترجيح كما تحصل بالظن الشخصي تحصل بالظن النوعي ايضا ، ولما كانت نتيجة الانسداد هي حجية خصوص الظن الشخصي لذا كان الظن النوعي تارة يوجب الظن الشخصي ، واخرى لا يوجبه ، ففيما كان الظن النوعي الموافق لاحدى الامارتين قد يوجب الظن الشخصي وقد لا يوجبه لذا كان هذا الظن ان استلزم الظن الشخصي كان مرجّحا والّا فلا.

٢٧٦

المرجح ، لا أنه مرجح إلا إذا ظن أنه ـ أيضا ـ مرجّح ، فتأمل جيدا ، هذا فيما لم يقم على المنع عن العمل به بخصوصه دليل (١).

______________________________________________________

(١) هذا هو الوجه الثالث للترجيح بهذا الظن ، وحاصله : جريان انسداد في خصوص الترجيح بهذا الظن ، وبيانه هو العلم الاجمالي بوجود مرجحات من قبل الشارع ، وباب العلم والعلمي منسدّ اليها ، والاهمال رأسا غير جائز للعلم بعدم رضاء الشارع به ، والاحتياط غير ممكن لان الاخذ بكل ما احتمل كونه مرجحا يؤدّي غالبا الى احتمال المرجّح لكلا المتعارضين فيعود المحذور من التعارض ايضا ، والرجوع الى الاصل الذي هو الاستصحاب لا يجوز لانه في المقام هو استصحاب عدم المرجح ، وبعد العلم الاجمالي بوجود المرجّح لا يجوز العمل بهذا الاستصحاب كما تقدم بيانه مرارا ، فيدور الامر بين الاخذ بالظن بالترجيح والاخذ بالترجيح الموهوم أو المشكوك ، وترجيح المرجوح الذي هو الوهم والشك على الظن الذي هو الراجح قبيح ، فتكون نتيجة هذا الانسداد حجية الظن القائم على الترجيح.

وفيه اولا : انه لا علم بوجود المرجح اجمالا من الشارع عدا المرجحات المنصوصة فيما ورد عنه.

وثانيا : انه بعد تسليم هذا الانسداد فنتيجته هو حجية الظن الشخصي في تعيين المرجّح لا كون نفس الظن مرجحا ، الّا اذا استلزم الظن الشخصي بالمرجح كون الظن بنفسه مرجحا من المرجحات.

وبعبارة اخرى : ان لازم هذه المقدمات هو حجية الظن القائم على كون ضبط الراوي أو ورعه أو امثال ذلك من المرجحات لا كون الظن بنفسه من المرجحات فيما اذا وافق احد المتعارضين. نعم لو حصل الظن بكون الظن بنفسه من المرجحات لصح الترجيح به ، واليه اشار بقوله : «ومقدماته» أي ومقدمات الانسداد «في خصوص الترجيح لو جرت» واغمضنا عن عدم العلم الاجمالي الذي هو اول المقدمات المذكورة ، أو ناقشنا بامكان الاحتياط ولم نسلّم عدم امكانه ، فالنتيجة

٢٧٧

وأما ما قام الدليل على المنع عنه كذلك كالقياس ، فلا يكاد يكون به جبر أو وهن أو ترجيح ، فيما لا يكون لغيره أيضا ، وكذا فيما يكون به أحدهما ، لوضوح أن الظن القياسي إذا كان على خلاف ما لولاه لكان حجة ـ بعد المنع عنه ـ لا يوجب خروجه عن تحت دليل الحجية ، وإذا كان على وفق ما لولاه لما كان حجة لا يوجب دخوله تحت دليل الحجية ، وهكذا لا يوجب ترجيح أحد المتعارضين ، وذلك لدلالة دليل المنع على إلغائه الشارع رأسا ، وعدم جواز استعماله في الشرعيات قطعا ، ودخله في واحد منها نحو استعمال له فيها ، كما لا يخفى ، فتأمل جيدا (١).

______________________________________________________

الحاصلة منها «انما توجب» حجية الظن في تعيين المرجح كما لو ظنّنا بان الاضبطيّة والأورعيّة مرجح «لا انه» أي لا ان الظن بنفسه «مرجح الّا اذا ظن انه ايضا» هو «المرجح» أي الّا اذا حصل لنا ظن ايضا بان الظن بنفسه مرجح من المرجحات.

(١) لما فرغ من الكلام في الظن الذي لم يقم على اعتباره دليل ، وقد عرفت انه خصوص الظن غير المعتبر الذي لم يرد نهي عنه ، وانما كان عدم اعتباره لعدم الدليل على اعتباره ... شرع في الكلام على الظن الذي قام الدليل على النهي عنه وعدم جواز العمل به ، كالظن الحاصل من القياس ، فهل يكون جابرا أو موهنا أو مرجحا ، ام لا يكون جابرا ولا موهنا ولا مرجحا؟

وحاصله : ان الظن الحاصل من القياس ، تارة يكون في مقام لا يكون فيه الظن غير المنهي عنه جابرا ولا مرجحا ولا موهنا ، وفي مثله لا يكون للظن المنهي عنه احد هذه الامور الثلاثة بطريق اولى ، لان لازم كون الظن غير المنهي عنه لا اثر له هو سقوط الظن غير المعتبر شرعا من رأس ، ومع سقوطه مع كونه غير منهي عنه فسقوط المنهي عنه اولى ، لكونه غير معتبر ومنهيا عنه ايضا ، والى هذا اشار بقوله : «فلا يكاد يكون به» أي فلا يكاد يكون بالظن المنهي عنه جبر أو وهن او ترجيح فيما لا يكون» الجبر والوهن والترجيح «لغيره» وهو الظن غير المنهي عنه.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

واخرى يكون الظن المنهي عنه في مقام يكون الظن غير المنهي عنه جابرا أو موهنا أو مرجحا ، وفي هذا المقام ايضا لا يكون الظن المنهي عنه جابرا ولا موهنا ولا مرجحا ، لان معنى النهي عنه هو كونه في نظر الشارع بحكم العدم ، وما كان عند الشارع بحكم العدم لا يعقل ان يكون له اثر عند الشارع.

هذا مضافا الى ان الجبر والوهن والترجيح به هو اعمال له واتباع له فيما قام عليه ، وهو مناف لما دلّ على النهي عنه وحرمة اتباعه واعماله.

فتحصل مما ذكرنا : ان الظن القياسي الموافق للخبر الضعيف غير الحجة سندا لا يدخله في موضوع ما هو الحجة من الخبر وهو الموثوق بصدوره او بصحة مضمونه ، لان الوثوق المعتبر حجيته هو الحاصل من غير القياس ، لان الوثوق الحاصل منه بحكم العدم عند الشارع ومنهي عنه ايضا ، ومثله فيما لو قام الظن القياسي على خلاف ما كان من الخبر حجة ، فان قيامه على خلافه لا يخرجه عمّا هو موضوع الحجيّة ، لان كون الظن موهنا انما هو فيما اذا كان الموضوع في حجية الخبر هو الخبر الذي لم يقم الظن على خلافه ، فحيث يكون الموضوع مقيدا بعدم قيام الظن على الخلاف يكون الظن القائم على خلاف الخبر موجبا لخروجه عن موضوع الحجية في الخبر ، ولكن شرطية عدم قيام الظن على خلاف الخبر شرعا بضم النهي عن الظن القياسي ، يكون المتحصّل هو ان الظن المشروط عدم قيامه على الخلاف هو غير الظن المنهي عنه ، لانه بحكم العدم شرعا ومحرم اعماله ايضا ، فلا يكون الظن القياسي موهنا لحجيّة ما هو الحجة.

ومما ذكرنا ظهر حال الترجيح به لاحد المتعارضين ، فانه بعد ان كان بحكم العدم ومحرما اعماله واتباعه لا يصح الترجيح به شرعا ، وقد اشار الى عدم حصول الجبر والوهن به بقوله : «وكذا فيما يكون به» أي في مقام يكون للظن غير المنهي عنه «احدهما» من الجبر أو الوهن لا يكون للظن المنهي عنه ذلك ، فلا يكون جابرا ولا موهنا ، وقد علّله بقوله : «لوضوح ان الظن القياسي اذا كان على خلاف ما

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لولاه لكان حجة» أي اذا قام هذا الظن القياسي على خلاف الخبر الذي هو حجة ، وهو المراد من قوله ما لولاه لكان حجة : أي الخبر الذي لو لا هذا الظن لكان تام الحجيّة ، فقيامه على خلافه لا يضر بحجيّته «بعد المنع عنه» شرعا الموجب لكونه بحكم العدم شرعا وحرمة اتباعه واعماله عنده ، ولذلك «لا يوجب» هذا الظن «خروجه» أي خروج الخبر «عن تحت دليل الحجية واذا كان» الظن القياسي على وفق الخبر الضعيف ، وهو مراده من قوله : «ما لولاه لما كان حجة لا يوجب» موافقة هذا الظن له «دخوله تحت دليل الحجيّة» بعد ان كان الخبر ليس بحجة ، فموافقة هذا الظن له لا يصيره حجة بعد ان كان هذا الظن بحكم العدم شرعا ومحرما اعماله واتباعه ، واشار الى عدم الترجيح به بقوله : «وهكذا لا يوجب» موافقة هذا الظن «ترجيح احد المتعارضين» وهو الذي وافقه الظن القياسي على معارضه.

ثم اشار الى التعليل الشامل للامور الثلاثة الجبر والوهن والترجيح به ، وانه لا يحصل به جبر ولا وهن ولا ترجيح بقوله : «وذلك لدلالة دليل المنع» عنه «على الغائه» عند «الشارع رأسا» وما كان ملغى وبحكم العدم شرعا لا يعقل ان يكون له اثر عند الشارع «و» ايضا النهي عنه يدل على «عدم جواز استعماله في الشرعيات» وحرمة اتباعه فيها «قطعا و» من الواضح ان «دخله في واحد منها» أي ودخله في الجبر والوهن والترجيح به هو «نحو استعمال له فيها كما لا يخفى»

٢٨٠