إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

آية فأشار إلى القمر فانشق : أي انصدع قال تعالى في الآية الكريمة الأولى من السورة «الشريفة» ـ سورة «القمر» : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) صدق الله العظيم. وقيل معناه : سوف ينشق يوم القيامة وعن حذيفة أنه أي الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم.

فضل قراءة السورة : قال الرسول الوفي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «القمر» في كل ليلة بعثه الله يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

إعراب آياتها

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (١)

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين بمعنى : دنت. الساعة : فاعل مرفوع بالضمة.

(وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «اقتربت الساعة» وتعرب مثلها. والفعل خال من تاء التأنيث بمعنى : انشق القمر معجزة لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقيل : المعنى : سينشق يوم القيامة.

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) (٢)

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً) : الواو استئنافية. إن : حرف شرط جازم. يروا : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. آية : مفعول به منصوب بالفتحة المنونة.

(يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها وهي فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. ويقولوا :

٦٠١

الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «يعرضوا» وتعرب إعرابها والجملة الاسمية بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول.

(سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هذا. مستمر : صفة ـ نعت ـ لسحر مرفوع مثله وعلامة رفعهما ـ الموصوف والصفة ـ الضمة المنونة بمعنى : دائم مطرد. و «يعرضوا» بمعنى : يصدوا عن تأمل الآية أي المعجزة. أي يعرض المشركون عن التصديق والإيمان بها.

(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) (٣)

(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا) : الواو استئنافية. كذبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : وكذبوا ما رأوا. واتبعوا : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «كذبوا» وتعرب مثلها.

(أَهْواءَهُمْ وَكُلُ) : مفعول به منصوب بالفتحة و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه. الواو استئنافية. كل : مبتدأ مرفوع بالضمة.

(أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) : مضاف إليه مجرور بالكسرة المنونة. مستقر : خبر «كل» مرفوع بالضمة المنونة. أو وكذبوا النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومستقر : بمعنى : منته إلى غاية.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) (٤)

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) : الواو استئنافية. اللام لام الابتداء والتوكيد أو واقعة في جواب قسم محذوف. قد : حرف تحقيق. جاء : فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به مقدم بمعنى جاء المشركين ..

(مِنَ الْأَنْباءِ ما) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الاسم الموصول «ما». ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(فِيهِ مُزْدَجَرٌ) : الجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها. فيه : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. مزدجر : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة

٦٠٢

واللفظة ـ اسم مفعول ـ بمعنى ولقد جاءهم من أنباء القرون الخالية ـ أخبار الأولين ما فيه ازدجار لهم من تعذيب وغيره نتيجة تماديهم في الباطل.

** (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأولى وفي قراءة حذيفة «وقد انشق القمر» أي اقتربت الساعة وقد حصل من آيات اقترابها أن القمر قد انشق .. كما تقول : أقبل الأمير وقد جاء المبشر بقدومه. وعن حذيفة أنه خطب بالمدائن ثم قال : ألا إن الساعة قد اقتربت وإن القمر قد انشق على عهد نبيكم.

** سبب نزول الآية : أخرج البخاري ومسلم والترمذي عن أنس رضي الله عنه ـ أنه قال : سأل مشركو مكة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يريهم آية فأراهم القمر شقتين حتى رأوا هالة حمراء بينهما فنزل قوله تعالى : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ..) إلى قوله : (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) وفي رواية أخرى مماثلة : إن الله سبحانه وتعالى أكرم نبيه الكريم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في مواقع ومواقف وأقوال وذلك لما ناله من تكريم وتعظيم من الخالق العظيم ـ جلت قدرته ـ ففي شهر شعبان .. الشهر المفضل عند الله سبحانه وتعالى .. المعظم عند رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما وقع له ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيه من تكريم وتعظيم وتحقيق المعجزات .. ففي هذا الشهر الكريم حقق الله تعالى أمنية عزيزة لنبيه وحبيبه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقد كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمسلمون يستقبلون في صلاتهم بيت المقدس وكان عليه الصلاة والسلام يرجو أن تكون قبلته وقبلة أمته «الكعبة المشرفة» ويحكي القرآن الكريم تشوق النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى تحقيق ذلك في قوله تعالى في سورة «البقرة» : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) صدق الله العظيم. والله سبحانه وتعالى أكرم نبيه محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في هذا الشهر الكريم ـ شهر شعبان ـ بمعجزة باهرة حيث قال كفار قريش للرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : إن كنت رسولا من عند الله حقا فإنا نطلب منك دليلا وبرهانا على أنك نبي مرسل وعلى صدق رسالتك وحددوا هم الدليل الذي أرادوه فقالوا : نطلب منك أن ينشق القمر فرقتين فرقة تبقى في السماء وأخرى تنزل على الأرض ليكون ذلك برهانا على صدقك. فأشار النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيده الشريفة إلى السماء فانشق القمر نصفين حتى رأوا جبل حراء بينهما والناس ينظرون. فكبر المسلمون أما الكفار فقالوا : سحر محمد أعيننا فأنزل الله تعالى قوله الكريم : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) صدق الله العظيم.

** (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. المعنى : وإن ير مشركوا قريش معجزة يصدوا عنها ويقولوا : هذا سحر دائم مطرد .. و «مستمر» اسم الفاعل للفعل «استمر» ومن أخطائهم الشائعة قولهم : استمرينا في عملنا أو استمريت في عملي والصواب القول : استمررنا .. واستمررت لأن آخر الفعل «استمر» حرف صحيح وليس حرف علة مثل الفعل «ربى» مثلا الذي يقال فيه : ربينا .. وربيت وأمثال هذين الفعلين كثير في لغة الضاد لغة القرآن الكريم.

** (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المعنى : ولقد جاءهم من أنباء القرون الخالية ـ أخبار الأولين ـ ما فيه ازدجار لأن اللفظة اسم مفعول وحكم مصدر الفعل حكم اسم مفعوله له في التقدير لا في اللفظ .. يقال :

٦٠٣

زجرته ـ ازجره ـ زجرا من باب «نصر» بمعنى : منعته ونهيته أو طردته صائحا به فانزجر أي فامتنع وانتهى .. أما «الازدجار» فهو مصدر الفعل «ازدجر» بمعنى «انزجر» وأصله : ازتجر وانزجر مطاوع «زجر» أي امتنع وانتهى. ويستعمل الفعل لازما ومتعديا ويقال : تزاجروا عن المنكر .. بمعنى : زجر بعضهم بعضا والزجار «فعال بمعنى فاعل» من صيغ المبالغة أي الكثير الزجر. ويقال : زجر الطير وغيرها بمعنى : طرقها بحصاة حتى تتحرك فإن ولت ميامنها فهي سانحة وإن ولت مياسرها فهي بارحة.

** (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة المعنى : فأعرض عنهم يا محمد فما تغن النذر ـ الآية الكريمة السابقة أي الخامسة ـ وأنث الفعل «تغن» مع الفاعل «النذر» جمع «نذير» وذلك على معنى «جماعة النذر» أي على اللفظ لا المعنى والداعي هو إسرافيل يدعو إلى شيء منكر فظيع تنكره النفوس وهو هول يوم القيامة .. وحذفت الواو من الفعل «يدع» كما حذفت الياء من «الداعي» وحذف الياء كثير في القرآن الكريم وسبب حذف الياء قال الخليل وسيبويه : إن حذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة كثير في لغة هذيل .. وقال الكسائي : إن ذلك هو الوقف بغير ياء كما يوقف على الفعل بغير ياء .. وقال الكسائي : إن الفعل السالم يوقف عليه كالمجزوم فتحذف الياء كما تحذف الضمة وحكى الخليل وسيبويه أن هذه القراءة مثل قولهم : لا أدر .. وما أدر وهو كثير في لغة هذيل .. ولوحظ أن الياء حذفت من كلمة «الداع» في هذه الآية الكريمة في حالة الرفع وفي حالة الجر أيضا كما في الآية الكريمة الثامنة «مهطعين إلى الداع ..» في حين ثبتت الياء في الاسم في حالة مجيئه منصوبا في سورتي «طه» : (يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ) والأحقاف : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ).

** (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة .. المعنى : أذلاء .. لأن خشوع الأبصار : كناية عن الذلة والانخذال لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما. فالخشوع هو التذلل كما يقال : ذلت للشاعر القوافي بمعنى :

سهلت وانقادت. و «خشعا» جمع «خاشع» وهو اسم فاعل والمعنى : يخشعن أبصارهم على لغة «طيئ» أي بإيراد فاعلين لفعل واحد .. ففاعل «يخشعن» الأول هو نون الإناث والفاعل الثاني هو «أبصارهم» أي على لغة من يقول : أكلوني البراغيث .. هذا احتمال في معنى الآية الكريمة ويجوز أن يكون في «خشعا» ضميرهم وتقع «أبصارهم» بدلا عنه. ويقال : أبصرته عيني. وهي جملة تأكيدية لأن العين تبصر : أي ترى .. فالعين باصرة ـ اسم فاعلة ـ والباصرة : هي العين وجمعها : بواصر .. والبصر : هو حاسة النظر وهو العين أيضا. يقال : أتيته بين سمع الأرض وبصرها : المعنى : بأرض خلاء لا يبصرني ولا يسمع بي إلا هي.

** (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة .. المعنى : كذبت قبل قومك يا محمد أي قريش قوم نوح فكذبوا عبدنا نوحا أي كذبوا فكذبوا عبدنا أي كذبوه تكذيبا على عقد تكذيب .. أو على معنى : كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا لأنه من جملة الرسل وقالوا هو مجنون وقد ازدجر أي وقد ازدجرته الجن وذهبت بلبه وطارت بقلبه بمعنى : وزجر على التبليغ بأنواع الأذى وزجروه وكف عن تبليغهم ودعوتهم. وقد أنث الفعل «كذبت» مع الفاعل المذكر «قوم» وذلك على تفسير «قوم» بمعنى : أمم أو جماعة. وذكر الفعل «كذبوا» على معنى «قوم» لا على لفظها. وقال

٦٠٤

الجوهري : القوم : يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين يذكر ويؤنث مثل «الرهط» و «النفر» و «القوم». قال تعالى : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) وقال : (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ) والقوم : هم الرجال دون النساء لا واحد له من لفظه قال زهير :

وما أدري ولست إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

وجمع «القوم» هو : أقوام وجمع الجمع : أقاوم وأقائم. قال تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) ثم قال : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) وربما دخل النساء فيه على سبيل التبع لأن قوم كل نبي رجال ونساء.

** (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والعشرين .. و «محتضر» اسم مفعول بمعنى : محضور أي يحضر الماء صاحبه في نوبته أي نصيبه. ومن أقوال بعضهم التي تجانب الصواب قولهم : هذا الرجل يحتضر ـ بكسر الضاد ـ أو هو محتضر ـ بكسر الضاد أيضا ـ والصواب أن يقال : يحتضر ـ بضم الياء وفتح الضاد ـ وهو محتضر ـ بفتح الضاد ـ لأنه اسم مفعول وليس اسم فاعل .. المعنى : تحضره الوفاة فالوفاة أو قابض الأرواح هو المحتضر ـ بكسر الضاد ـ لأنه اسم فاعل والرجل اسم مفعول أي حضرته المنية بمعنى : يودع الحياة وهو في النزع الأخير .. من «نزع المريض ينزع نزعا ..» من باب «ضرب» بمعنى : قلع .. وانتزع مثله .. فيصير المعنى وكأن الحياة تنتزع منه .. ومنه القول : اللبن محتضر ومحضور فغط إناءك : أي إنه كثير الآفة وإن الجن تحضره. ويقال : حضر يحضر حضورا : بمعنى : قدم من غيبته بضم الضاد أما بفتحها فماضيه حضر فمعناه : شهد.

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) (٥)

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) : بدل من «ما» أو خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو حكمة مرفوع بالضمة المنونة. بالغة : صفة ـ نعت ـ لحكمة مرفوعة مثلها بالضمة المنونة وحذف مفعول اسم الفاعل «بالغة» بمعنى : غايتها. أي هذا القرآن أو هذا الذي قدره الله تعالى عليهم لتماديهم بالغة غايتها تامة لا خلل فيها.

(فَما تُغْنِ النُّذُرُ) : الفاء استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. أو تكون نكرة بمعنى : شيء .. في محل نصب بتغني أي فأي غناء أو إغناء تغني النذر. تغن : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا واكتفاء بالكسرة الدالة عليها أو حذفت للوصل. النذر : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى : المنذرون جمع ـ نذير ـ وأنث الفعل «تغني» مع فاعله «النذر» على اللفظ لا المعنى أي على تأويل جماعة النذر بمعنى : فما ينفعه المنذرون أو تكون كلمة «نذير» بمعنى «الإنذار» أي فما تنفعهم الإنذارات.

٦٠٥

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) (٦)

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) : الفاء استئنافية. تفيد هنا التعليل بمعنى فلا ينفعهم النذر ـ المنذرون ـ فأعرض عنهم. تول : فعل أمر مبني على حذف آخره ـ حرف العلة ـ الألف المقصورة ـ وبقيت الفتحة دالة عليها والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. عن : حرف جر و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر بعن. والجار والمجرور متعلق بتول.

(يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بيخرجون ـ الواردة في الآية الكريمة التالية ـ أو يكون مفعولا به منصوبا بفعل محذوف تقديره : اذكر. يدع : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الواو المحذوفة خطا واختصارا وللوصل وبقيت الضمة دالة عليها. الداع : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا واختصارا واكتفاء بالكسرة الدالة عليها بمعنى : يوم يدعو إسرافيل عند النفخة الثانية للحياة والحساب بعد أن نفخ النفخة الأولى التي أفنى بها الكائنات.

(إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) : جار ومجرور متعلق بيدعو. نكر : صفة ـ نعت ـ لشيء مجرور مثله وعلامة جرهما «الموصوف والصفة» الكسرة المنونة بمعنى : إلى شيء منكر فظيع تنكره النفوس وتهلع من هوله وهو يوم القيامة.

(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) (٧)

(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) : حال من ضمير «يخرجون» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أبصار : فاعل مرفوع بفعل اسم الفاعلين «خشعا» لأنها جمع «خاشع» والخشوع : هو التذلل بمعنى فيخرجون من قبورهم ذليلة أبصارهم أو على معنى : يخشعن أبصارهم ـ وهي لغة طيئ ـ أي على لغة «أكلوني البراغيث» وذلك بإيراد فاعلين لفعل واحد ويجوز أن يكون في «خشعا» ضميرهم وتكون «أبصارهم» بدلا عنه. و «هم» ضمير الغائبين .. المتصل في محل جر مضاف إليه.

٦٠٦

(يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. من الأجداث : جار ومجرور متعلق بيخرجون بمعنى : من القبور.

(كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) : الجملة في محل نصب حال ثانية من ضمير الغائبين في «يخرجون». كأن : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» بمعنى التشبيه و «هم» ضمير الغائبين المتصل في محل نصب اسم «كأن». جراد : خبرها مرفوع بالضمة المنونة. منتشر : صفة ـ نعت ـ لجراد مرفوع مثله بالضمة المنونة.

(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) (٨)

(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) : حال من ضمير الغائبين في «يخرجون» حال أخرى منصوبة وعلامة نصبها الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : مسرعين مادي أعناقهم أو ناظرين. إلى الداع : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «مهطعين» بتأويل فعله والكسرة دالة على الياء المحذوفة خطا واختصارا.

(يَقُولُ الْكافِرُونَ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة. الكافرون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.

(هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يوم : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. عسر : صفة ـ نعت ـ ليوم مرفوع مثله بالضمة المنونة أي صعب.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (٩)

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قبل : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بكذبت وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه بمعنى كذبت قبل قومك «قريش» يا محمد.

٦٠٧

(قَوْمُ نُوحٍ) : فاعل مرفوع بالضمة وهو مضاف. نوح : مضاف إليه مجرور بالكسرة المنونة ونون رغم عجمته لأنه ثلاثي أوسطه ساكن.

(فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) : الفاء عاطفة للتعقيب. كذبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عبد : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : عبدنا نوحا.

(وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) : معطوفة بالواو على «قالوا» وتعرب مثلها. مجنون : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. والجملة الاسمية «هو مجنون» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ وعلامة رفعه الضمة المنونة. الواو حالية بمعنى : وقد ازدجر أي زجر على التبليغ بأنواع الأذى أي قال الكفار عن نوح ـ عليه‌السلام ـ أنه مجنون .. وزجروه فازدجر وكف عن تبليغهم ودعوتهم. ازدجر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. وقيل : المعنى : وقد ازدجرته الجن وذهبت بلبه وطارت بقلبه.

(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (١٠)

(فَدَعا رَبَّهُ) : الفاء استئنافية أو عاطفة للتسبيب. دعا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ربه : مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(أَنِّي مَغْلُوبٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل نصب اسم «أن» وحذفت إحدى النونين تخفيفا ولكثرة الاستعمال. مغلوب : خبر «أن» مرفوع بالضمة المنونة. و «أن» مع اسمها وخبرها في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير : بأني مغلوب والمصدر المؤول متعلق بدعا بمعنى غلبني قومي فلم يسمعوا مني.

٦٠٨

(فَانْتَصِرْ) : الفاء استئنافية تفيد هنا التعليل. انتصر : فعل دعاء وتضرع بصيغة طلب مبني على السكون .. والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت أي فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم.

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) (١١)

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) : الفاء عاطفة. فتح : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والجملة الفعلية معطوفة على جملة محذوفة بتقدير : فاستجبنا لدعائه ففتحنا. أبواب : مفعول به منصوب بالفتحة. السماء : مضاف إليه مجرور بالكسرة.

(بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) : جار ومجرور متعلق بفتحنا. منهمر : صفة ـ نعت ـ لماء مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة.

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢)

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً) : معطوف على «فتحنا أبواب» ويعرب مثله. عيونا : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : وجعلنا أي وشققنا عيون الأرض بالمياه وجعلناها كلها كأنها عيون تتفجر.

(فَالْتَقَى الْماءُ) : الفاء عاطفة سببية. التقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الماء : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى : الماءان .. يعني مياه السماء والأرض أي النوعان من الماء السماوي والأرضي.

(عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) : جار ومجرور متعلق بالتقى. قد : حرف تحقيق. قدر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى على إحداث أمر قد قدره الله أو على حال قدرها الله كيف شاء أو على أمر قدر في اللوح المحفوظ أنه يكون وهو هلاك قوم نوح بالطوفان وجملة «قد قدر» في محل جر صفة لأمر.

(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) (١٣)

٦٠٩

(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ) : الواو عاطفة. حمل : فعل ماض مبني السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على ذات : جار ومجرور متعلق بحملنا ..

(أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى على سفينة ذات ألواح فحذف الموصوف «سفينة» وحلت الصفة «ذات» محلها وهي من الصفات التي تقوم مقام الموصوفات فتنوب منابها وتؤدي مؤداها. ودسر : معطوفة بالواو على «ألواح» وتعرب مثلها وهي جمع «دسار» وهو المسمار أي ومسامير تشد بها الألواح المتكونة من الخشب أو الحديد.

(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) (١٤)

(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «السفينة» لأنها عرفت بوصفها ذات ألواح .. وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. بأعين : جار ومجرور متعلق بتجري أي بمرأى منا وبحفظنا أو بأمرنا أو يتعلق بحال محذوفة من «السفينة» بمعنى : تجري مأمورة منا أو محفوظة بأعيننا أي برعايتنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

(جَزاءً لِمَنْ) : مفعول لأجله لما تقدم من فتح أبواب السماء وما بعده أي فعلنا ذلك جزاء أي عقابا منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو يكون مفعولا مطلقا منصوبا على المصدر بفعل محذوف تقديره : ونجزي جزاء .. اللام حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بجزاء.

(كانَ كُفِرَ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره : هو. كفر :

٦١٠

الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» وهي فعل ماض مبني للمجهول ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بمعنى وأغرقنا قوم نوح جزاء أي عقابا لمن كان نعمة مكفورة.

(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٥)

(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً) : الواو استئنافية. اللام للابتداء والتوكيد أو تكون واقعة في جواب قسم محذوف. قد : حرف تحقيق. ترك : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به يعود على السفينة أو الفعلة. آية : حال من الضمير «ها» منصوبة وعلامة نصبها الفتحة المنونة بمعنى ولقد أبقينا السفينة أو ما جرى لها عبرة للناس.

(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) : الفاء استئنافية. هل : حرف استفهام لا محل له. من : حرف جر زائد للتوكيد. مدكر : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ وخبره محذوف : التقدير والمعنى : فهل متذكر يتذكر أي فهل هناك معتبر يعتبر أو متعظ يتعظ فيكون الخبر المقدر شبه الجملة «هناك» أو الجملة الفعلية «يعتبر» و «مدكر» اسم فاعل بمعنى : مذكر وأصله : اذتكر فهو مذتكر فأدغم الذال في التاء فشدد الدال.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٦)

(فَكَيْفَ كانَ) : الفاء استئنافية. كيف : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان» المقدم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح والجملة الاسمية «كيف كان عذابي» في محل نصب مفعول به بفعل محذوف تقديره فانظر كيف.

(عَذابِي وَنُذُرِ) : اسم «كان» مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة والياء ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر مضاف إليه الواو عاطفة. نذر : معطوف على «عذابي» ويعرب مثله بمعنى وانذاراتي ـ جمع نذير ـ

٦١١

أي إنذار وحذفت الياء مراعاة لفواصل الآيات ـ رأس آية ـ وبقيت الكسرة دالة عليها. وأصله : نذري.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٧)

هذه الآية الكريمة تعرب إعراب الآية الكريمة الخامسة عشرة. للذكر : جار ومجرور متعلق بيسرنا بمعنى سهلناه للاتعاظ.

(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (١٨)

(كَذَّبَتْ عادٌ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. عاد : فاعل مرفوع بالضمة بمعنى بنو عاد أي كذب قوم هود نبيهم هودا ـ عليه‌السلام ـ فحذف مفعول «كذبت» اختصارا لأنه معلوم وهو «نبيهم» وبعد حذف الفاعل المضاف «بنو» أقيم المضاف إليه «عاد» مقامه وارتفع ارتفاعه وأنث الفعل.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) : أعرب في الآية الكريمة السادسة عشرة.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (١٩)

(إِنَّا أَرْسَلْنا) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». أرسلنا : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.

(عَلَيْهِمْ رِيحاً) : جار ومجرور متعلق بأرسلنا و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. ريحا : مفعول به منصوب بالفتحة المنونة.

(صَرْصَراً فِي يَوْمِ) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «ريحا» منصوب مثله بالفتحة المنونة. في يوم : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من صرصرا.

(نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. مستمر : صفة ـ نعت ـ لنحس مجرور مثله وعلامة جره الكسرة

٦١٢

المنونة. و «صرصر» بمعنى : باردة من «الصر» وهو البرد أو شديدة الهبوب من الصرير أي الهبوب.

(تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) (٢٠)

(تَنْزِعُ النَّاسَ) : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ـ نعت ـ للموصوف «ريحا» أو في محل نصب حال لها لأنها نكرة مخصوصة وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي. الناس : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : تقلع الناس من أماكنهم.

(كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) : الجملة المشبهة في محل نصب حال بمعنى تقلعهم أمثال جذوع نخل منقلع من مغارسه أي ساقط على الأرض. كأن : حرف نصب مشبه بالفعل للتشبيه من أخوات «إن» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب اسم «كأن». أعجاز : خبر «كأن» مرفوع بالضمة. وجاء في التفسير : تنزع الناس فتتركهم كأعجاز نخل فتكون الكاف على هذا المعنى اسما مبنيا على الفتح في محل نصب حالا منهم والعامل فيه الفعل تترك.

(نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. منقعر : صفة ـ نعت ـ لنخل مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة. وجاءت الصفة «منقعر» بالتذكير على لفظ «نخل» لا معناها.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (٢١)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة السادسة عشرة بمعنى وكيف صدق نذري؟ وكررت الآية الكريمة للتهويل.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢٢)

هذه الآية الكريمة كررت في الآية السابعة عشرة وأعربت في الآية الكريمة الخامسة عشرة وكررت لتأكيد مواعظ القرآن.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) (٢٣)

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. ثمود : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة بمعنى بنو ثمود.

٦١٣

وبعد حذف الفاعل المضاف «بنو» أقيم المضاف إليه «ثمود» مقامه وارتفع ارتفاعه على الفاعلية وأنث الفعل على تأويل قبيلة لأن كلمة «ثمود» اسم قبيلة يمنع من الصرف إذا أريد به القبيلة ولا يمنع من الصرف ـ أي ينون آخره ـ إذا أريد به اسم الأب أو الجد بمعنى كذبت قبيلة ثمود نبيها صالحا ـ عليه‌السلام ـ بالنذر : جار ومجرور متعلق بكذبت وهي جمع «نذير» بمعنى إنذار أي بما جاءهم بها.

(فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (٢٤)

(فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا) : الفاء عاطفة. قالوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الهمزة همزة إنكار وتعجيب بلفظ استفهام. بشرا : مفعول به منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده «نتبعه» بمعنى : أنتبع بشرا أي رجلا وعلامة نصبه الفتحة المنونة. من : حرف جر و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «بشرا» بمعنى من جملتنا.

(واحِداً نَتَّبِعُهُ) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «بشرا» أو يكون الجار والمجرور متعلقا بحال مقدمة من «واحدا» وعلامة نصب «واحدا» الفتحة المنونة. نتبعه : الجملة الفعلية مفسرة لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب مفعول به.

(إِنَّا إِذاً) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». إذا : حرف جواب لا عمل له وشبه الجملة «إنا» مع الخبر واقعة في جواب شرط محذوف بتقدير : إنا إذا اتبعنا صالحا لفي ضلال أي لفي ضياع بمعنى : هلاك. وإنا : أصله : إننا .. حذفت إحدى النونين اختصارا ولكثرة الاستعمال.

(لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ في ضلال : جار ومجرور في محل رفع خبر «إن» الواو عاطفة. سعر : معطوف على

٦١٤

«ضلال» مجرور مثله وعلامة جرهما ـ المعطوف عليه والمعطوف ـ الكسرة المنونة بمعنى : وجنون ـ جمع سعير ـ ومن معاني «السعير» : النار. والعذاب والجنون بالنسبة للسعر.

(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥)

(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ) : الهمزة همزة إنكار وتعجيب بلفظ استفهام. ألقي : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الذكر : نائب فاعل مرفوع بالضمة. عليه : جار ومجرور متعلق بألقي بمعنى : أأنزل عليه الوحي من السماء؟

(مِنْ بَيْنِنا) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الذكر» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه بمعنى : أأنزل عليه الوحي من بيننا وفينا من هو أحق منه بالاختيار بالنبوة؟

(بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) : حرف إضراب للاستئناف لا عمل له بمعنى : لا .. لم ينزل عليه الذكر بل هو كذاب. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كذاب : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة. أشر : صفة ـ نعت ـ لكذاب مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى : كذاب حمله بطره على الترفع علينا.

(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (٢٦)

(سَيَعْلَمُونَ غَداً) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى : قال الله سبحانه .. السين حرف استقبال ـ تسويف ـ يعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. غدا : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة المنونة متعلق بيعلمون بمعنى سيعلمون عند عقابهم يوم القيامة ..

(مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به بيعلمون. من : اسم استفهام مبني على السكون الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين في محل رفع مبتدأ. الكذاب : خبر «من» مرفوع بالضمة. الأشر : صفة ـ نعت ـ للكذاب أي البطر مرفوع مثله بالضمة أو يكون «الكذاب»

٦١٥

خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. والجملة الاسمية «هو الكذاب ..» في محل رفع خبر «من».

(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) (٢٧)

(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» وحذفت إحدى النونين اختصارا ولكثرة الاستعمال. مرسلو : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم وحذفت النون للإضافة ـ أصله : مرسلون ـ الناقة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو من إضافة اسم الفاعل إلى مفعوله ولو ثبتت النون لانتصبت كلمة «الناقة» مفعولا لاسم الفاعل «مرسلون».

(فِتْنَةً لَهُمْ) : مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو تكون مفعولا مطلقا منصوبا بفعل محذوف التقدير : فتناهم بذلك فتنة أي ابتليناهم ليعلموا من هو الكذاب ـ كثير الكذب ـ البطر ـ أنتم بني ثمود أم النبي صالح ـ عليه‌السلام ـ؟ اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «فتنة».

(فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) : الفاء استئنافية للتسبيب. ارتقب : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. واصطبر : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «ارتقب» وتعرب إعرابها. بمعنى : واصبر على أذاهم ولا تعجل.

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) (٢٨)

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ) : الواو عاطفة. نبئ : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. أن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الماء : اسم «أن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : وأخبرهم أن ماء البئر التي كانوا يشربون منها.

٦١٦

(قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ) : خبر «أن» مرفوع بالضمة المنونة. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بقسمة ـ على تأويل الفعل ـ أو بصفة محذوفة من «قسمة» و «هم» ضمير الغائبين في محل جر مضاف إليه بمعنى : مقسومة بينهم للناقة شرب يوم ولهم شرب يوم. وقال «بينهم» تغليبا» للعقلاء.

(كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) : مبتدأ مرفوع بالضمة. شرب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. محتضر : خبر «كل» مرفوع بالضمة المنونة واللفظة اسم مفعول بمعنى «محضور» أي يحضره صاحبه في نوبته أي نصيبه.

(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) (٢٩)

(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ) : الفاء استئنافية. نادوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. صاحب : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى فنادى بنو ثمود واحدا منهم.

(فَتَعاطى فَعَقَرَ) : الفاء سببية. تعاطى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. فعقر : الجملة الفعلية معطوفة بالفاء على جملة «تعاطى» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة الظاهرة على آخره. وحذف مفعولا الفعلين «تعاطى .. عقر» بمعنى : فتعاطى السيف أو فتعاطى الناقة بمعنى فتناول الناقة أو السيف فعقرها أي فذبحها. والتعاطي هو تناول الشيء بتكلف.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) (٣٠)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة السادسة عشرة بمعنى فانظر كيف كان عذابي لبني ثمود وانذاراتي لهم بالعذاب.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) (٣١)

٦١٧

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) : يعرب إعراب «إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا» الوارد في الآية الكريمة التاسعة عشرة.

(فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) : الفاء سببية. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. الكاف اسم مبني على الفتح في محل نصب خبر «كان». هشيم : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. المحتظر : مضاف إليه ثان مجرور بالكسرة.

** (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والعشرين .. أي فنادى بنو ثمود رجلا منهم طائشا اسمه : قدار بن سالف أحيمر ثمود وطلبوا منه عقر الناقة أي قتلها فتعاطى الناقة أي فتناول الناقة فضرب قوائمها بالسيف فذبحها وتعاطى أيضا بمعنى : تناول السيف. أو بمعنى فقام على أطراف أصابع رجليه ثم رفع يديه بالسيف فضربها .. يقال فلان يتعاطى الشيء : بمعنى : يخوض فيه ويتناوله والمعاطاة هي المناولة .. والفعلان «أعطى» و «أنطى» مثل بعضهما وزنا ومعنى .. في لغة أهل اليمن والفعل «أنطى» لفظة عامية يتداولها أهل بغداد بمعنى أعطى. وأعطى .. بمعنى : ناول والفعل الرباعي «أعطى» يتعدى إلى مفعولين نحو : أعطيته مالا أعطيه عطاء أما الثلاثي فيتعدى إلى مفعول واحد نحو : عطا الرجل مالا وعطا إليه المبلغ يعطوه عطوا بمعنى : تناوله وفلان يتعاطى الشيء بمعنى أقدم عليه وفعله وبمعنى تناوله أيضا والفعل «انطى» ورد في قول الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في قراءته لقوله تعالى في سورة «الكوثر» : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) وفي قراءة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ ..) و «الكوثر» على وزن «فوعل» من الكثرة وهو المفرط الكثرة .. قيل لأعرابية رجع ابنها من السفر : بم آب ابنك؟ قالت : آب بكوثر.

** (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية والثلاثين ـ نص الآية ـ والصيحة هي صيحة جبريل ـ عليه‌السلام ـ بهم فكانوا كفتات الحشيش اليابس الذي يجمعه المحتظر ـ اسم فاعل ـ أي صاحب الحظيرة لغنمه ـ ماشيته ـ في الشتاء والمحتظر أيضا : هو صانع الحظيرة : وهي المكان الذي يجمعها فيه .. وقيل عن هشيم المحتظر : هو شجر أو حشيش يابس تتوطؤه البهائم فيتهشم أي فيتكسر.

** (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. المعنى : أرسلنا عليهم أي على قوم لوط ريحا حاصبا فحذف المفعول به الموصوف «ريحا» وأقيمت الصفة «حاصبا» مقامه. وذكر «حاصبا» والموصوف «ريحا» لفظة مؤنثة لأن التذكير جاء على معنى «ريح» وهو هنا بمعنى «هواء» وحاصبا : اسم فاعل للفعل «حصب» نحو : حصبه ـ يحصبه ـ حصبا .. من باب «ضرب» بمعنى : رماه بالحصباء : وهي الحصى وهنا معناها : الحجارة الصغيرة ومنه سمي موضع الجمار ـ جمع جمرة ـ بمعنى : المحصب .. أما الحصب ـ بفتح الحاء والصاد ـ فهو ما تحصب به النار أي ترمي وكل ما ألقيته في النار فقد حصبتها. وإلا آل لوط : معناه ولكن أهل لوط إلا امرأته.

٦١٨

** (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والأربعين .. المعنى : نحن جيش منتصر أو حي مجتمع منتصر وجاءت كلمة «منتصر» مفردة على لفظ «جميع» لا معناها .. أي نحن جماعة أمرنا مجتمع منتصر.

** (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأربعين وقد كررت هذه الآية الكريمة كما كررت الآية الكريمة التي قبلها «فذوقوا عذابي ونذر» وحذفت الياء من «نذري» مراعاة لفواصل الآي .. والمعنى : وقلنا لهم : ذوقوا عذابي وإنذارات نذري وهي جمع «نذير» وهو المخبر مع تخويف من العاقبة وحذف المضاف إنذارات وأقيم المضاف إليه «نذري» مقامه. والفائدة من تكرير هذا القول الكريم ـ كما ذكر الزمخشري ـ هي أن يحددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ادكارا واتعاظا وأن يستأنفوا تنبها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه وأن يقرع لهم العصا مرات ويقعقع لهم الشن تارات لئلا يغلبهم السهو ولا تستولي عليهم الغفلة وهكذا حكم التكرير كقوله تعالى في سورة «الرحمن» : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) عند كل نعمة عددها سبحانه وقوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عند كل آية أوردها في سورة «المرسلات» وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأذهان مذكورة غير منسية في كل أوان.

** (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة والأربعين .. و «الدبر» هو «الظهر» وهو في الآية الكريمة للجماعة أي يولون الأدبار ـ جمع «دبر» والقول الكريم كناية عن الهرب بمعنى : ينهزمون. والجمع : هو جمع قريش القوي الذين فروا وانهزموا وقد هزمهم الله يوم بدر.

** سبب نزول الآية : قال المشركون يوم بدر : نحن جميع منتصر .. أي منتصرون على أعدائنا لكثرة عددنا وقوتنا .. فنزلت الآية الكريمة (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) صدق الله العظيم.

** (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والأربعين .. المعنى : إن الكفار والمشركين في هلاك أو في ضلال عن الحق في الدنيا وسعر : جمع «سعير» أي في نيران متأججة في الآخرة.

** سبب نزول الآية : أخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال : جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ في القدر فأنزل الله تعالى هذه الآية الكريمة إلى قوله عزوجل : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).

** (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والأربعين .. أي ويقال لهم : ذوقوا مس جهنم لأن «سقر» اسم علم كجهنم وهو ممنوع من الصرف للتعريف والتأنيث من سقرته النار وصقرته : إذا لوحته أو سقرته الشمس : أي لوحته وآذت دماغه بحرها ومثله الفعل «صقر» إلا أن هذا الفعل يأتي لازما نحو : صقرت الشمس أو النار تصقر ـ صقرا : بمعنى : اشتد حرها واتقدت .. ويأتي متعديا نحو : صقرته الشمس : بمعنى : آذته بحرها وصقر النار : أي أوقدها وصقر ـ بتشديد القاف ـ مثله نحو صقر النار : بمعنى : أوقدها .. أما الفعل الرباعي «أصقر» فهو فعل لازم ـ خلافا للقاعدة نحو : أصقرت الشمس أو النار : أي اشتد حرها واتقدت .. ومثله أيضا الفعل المزيد : تصقرت النار واصطقرت .. وقوله تعالى : (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) ومعناه : ذوقوا حر نار

٦١٩

جهنم وألمها هو كقولك : وجد مس الحمى وذاق طعم الضرب لأن النار إذا أصابتهم بحرها ولفحتهم بإيلامها فكأنما تمسهم مسا بذلك كما يمس الحيوان ويباشر بما يؤذي ويؤلم. وقيل : إن جهنم أفظع من النار إذ إن النار : مطلقة وجهنم : أشدها كقوله تعالى في سورة «غافر» : (وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ) أي للقوام بتعذيب أهلها. ولم يقل : لخزنتها «أي بعودة الضمير على النار» وإنما ذكر جهنم تهويلا وتفظيعا وتفخيما والتفخيم في ذلك من وجهين : أحدهما : وضع الظاهر موضع المضمر والثاني : ذكره وهو شيء واحد بظاهر غير الأول أفظع منه. وقيل : ويحتمل أن تكون جهنم هي أبعد النار قعرا .. من قولهم : بئر جهنام : أي بعيدة القعر وقولهم في «النابغة» : جهنام تسمية بها لزعمهم أنه يلقي الشعر على لسان المنتسب إليه فهو بعيد الغور في علمه بالشعر والوجه الأول أظهر وأدق.

** (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والخمسين .. وفيه عطف «النهر» وهو مفرد على «جنات» وهي جمع لأن المراد : الأنهار فقد عبر بالواحد عن الجمع مكتفيا باسم الجنس. و «النهر» بسكون الهاء وفتحها .. وعبر سبحانه بالواحد عن الجمع كما في قوله تعالى (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) أي الأدبار .. يقال : نهر الفلاح النهر ـ نهرا : أي حفره وهو من باب «قطع» ونهر الماء بمعنى : جرى في الأرض وجعل لنفسه نهرا .. من هذين المثالين يتبين أن الفعل «نهر» يأتي لازما ومتعديا وكل كثير جرى فقد نهر الدم : بمعنى : أرسله وأنهر الرجل : أي دخل في النهار ونهره وانتهره : بمعنى : زجره .. و «النهار» ضد الليل ولا يجمع كما لا يجمع العذاب والسراب وإن جمعت قلت في القليل أنهر وفي الكثير : نهر ـ بضم النون والهاء. قال ابن كيسان :

لو لا الثريدان لمتنا بالضمر

ثريد ليل وثريد بالنهر

و «الضمر» بسكون الميم وضمها : هو الهزال ـ بضم الهاء ـ وخفة اللحم ومنه : فرس ضامر وناقة ضامرة يروى أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد! فقال : وهل في الماء سرف؟ قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : نعم وإن كنت على نهر جار. صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٣٢)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآيتين الكريمتين : الخامسة عشرة والسابعة عشرة.

(كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) (٣٣)

(كَذَّبَتْ قَوْمُ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قوم : فاعل مرفوع بالضمة.

(لُوطٍ بِالنُّذُرِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. بالنذر : جار ومجرور متعلق كذبت أي بالإنذارات .. أي إنذارات نبيهم

٦٢٠