إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «إن» منصوب للتعظيم بالفتحة. يعلم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «يعلم غيب ..» في محل رفع خبر «إن». غيب : مفعول به منصوب بالفتحة.

(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها.

(وَاللهُ بَصِيرٌ) : الواو عاطفة. الله لفظ الجلالة : مبتدأ مرفوع للتعظيم بالضمة. بصير : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(بِما تَعْمَلُونَ) : الباء حرف جر. ما : مصدرية. تعملون : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق ببصير بمعنى مطلع على أعمالكم أو بصير بأعمالكم أو تكون «ما» اسما موصولا مبنيا على السكون في محل جر بالباء فيكون العائد إلى الموصول ضميرا منصوب المحل لأنه مفعول به أي بما تعملونه.

***

٤٦١

سورة ق

معنى السورة : القاف حرف من حروف الأبجدية العربية .. واشتق منه الفعل الثلاثي «قاف» بمعنى : تبع .. نحو : قاف أثره ـ يقوف ـ قوفا ـ من باب «قال» بمعنى : تبعه .. وهو قائف ـ اسم فاعل : أي الذي يعرف الآثار ويتتبعها .. وهم قافة «جمع قائف» وقاف بمعناه مثل الفعل الثلاثي «قفا» نحو : قفا ـ يقفو أثره ـ قفوا : أي اتبعه وهو من باب «عدا» و «سما» قال الجوهري : قفى على أثره بفلان : أي أتبعه إياه ومنه قوله تعالى في سورة «الحديد» : (قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا) ومنه أيضا الكلام المقفى ـ اسم مفعول ـ ومنه : قوافي الشعر .. سميت بذلك لأن بعضها يتبع إثر بعض. وهي جمع «قافية» والقافية أيضا : القفا ـ وهو العنق .. يذكر ويؤنث ـ وقيل : هو مؤخر العنق وجمعه : قفي ـ بضم القاف وتشديد الياء ـ وأقفاء وأقفية وفي الحديث : «يعقد الشيطان على قافية أحدكم» ويقال : قفوت الرجل ـ قفوا : إذا قذفته بفجور صريحا وفي الحديث : «لا حد إلا في القفو البين» ويأتي من الفعل المجرد «قفا» الفعل المزيد : نحو : اقتفى أثره وتقفاه : بمعنى تبعه. وقيل : القفا : يذكر ويؤنث وجمعه على التذكير هو أقفية وعلى التأنيث : أقفاء. قاله ابن السراج وقال الفيومي : وقد يجمع على قفي. قال الزجاج : التذكير أغلب وقال ابن السكيت : القفا : مذكر وقد يؤنث وألفه واو ولهذا يثنى على قفوين.

تسمية السورة : سميت إحدى سور القرآن الكريم بهذا الحرف الذي تصدر الآية الكريمة الأولى من سورها وشأنها في ذلك شأن بقية السور الشريفة التي تصدرتها أو تصدرت آياتها الكريمة مثل هذا الحرف الكريم وقد تم شرحها وتفسيرها في سورة «يوسف» وتبقى هذه الأحرف الكريمة أسرارا محجوبة لا يعلم كنهها إلا الله تعالى.

فضل قراءة السورة : قال نبي الله المكرم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «ق» هون الله عليه تارات الموت وسكراته» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

٤٦٢

و «تارات» جمع «تارة» وهي الحين والمرة وأصلها : تأرة .. خففت الألف بترك الهمزة لكثرة الاستعمال ومنه القول : قال تارة هذا وتارة قال ذاك. أما «السكرات» فهي جمع «سكرة» ومعناها : شدة الموت أو الهم وغشيته. وأخرج مسلم وأبو داود والبيهقي وابن ماجة عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان قال : ما أخذت «ق .. والقرآن المجيد» إلا على لسان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقرؤها كل يوم جمعة على المنبر إذا خطب الناس.

إعراب آياتها

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (١)

(ق) : فيه قراءات شأنه في ذلك شأن (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) وهو حرف هجاء يدل على خطورة ما بعده أي ما يتلى بعده وهو القسم بالقرآن المجيد أي الرفيع ذي المجد والشرف الرفيع القدر والحرف الكريم «ق» شرح في سورة «يوسف» وأعرب بعدة أوجه في سورة «ص».

(وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) : الواو واو القسم حرف جر و «القرآن» مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة وواو القسم بدل من الباء لأن التقدير اقسم بالقرآن والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. المجيد : صفة ـ نعت ـ للقرآن مجرور مثله وعلامة جره الكسرة .. وقيل : يجوز أن تكون «ق» خبر مبتدأ محذوف على أنها اسم للسورة بتقدير : هذه «ق» يعني هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن المجيد .. أما إذا جعلت «ق» مقسما بها و «القرآن المجيد» معطوفا عليها فيجوز أن يراد بالقرآن التنزيل كله ويراد السورة بعينها بمعنى : أقسم بالسورة الشريفة والقرآن المجيد. وجواب القسم محذوف بتقدير : لتبعثن. ويجوز أن يكون جواب القسم كما في سورة «ص» يكمن في «بل» الواردة في الآية التالية بمعنى : (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ).

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) (٢)

٤٦٣

(بَلْ عَجِبُوا) : حرف استئناف للاضراب. عجبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وفي القول الكريم إنكار لتعجبهم مما ليس بعجب.

(أَنْ جاءَهُمْ) : حرف مصدري. جاء : فعل ماض مبني على الفتح و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به مقدم.

(مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) : فاعل مرفوع بالضمة المنونة. من : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «منذر» والجملة الفعلية «جاءهم منذر منهم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير : من مجيء أو لمجيء منذر والجار والمجرور متعلق بعجبوا.

(فَقالَ الْكافِرُونَ) : الفاء عاطفة للتسبيب. قال : فعل ماض مبني على الفتح. الكافرون : فاعل مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته ووضع «الكافرون» موضع الضمير في «عجبوا» تأكيدا على أنهم مقدمون على الكفر العظيم والجملة الاسمية بعده «هذا شيء عجيب» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. والاشارة إلى المنذر الذي أنذرهم بالبعث أو خوفهم وحذرهم من البعث يوم القيامة. شيء : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. عجيب : صفة ـ نعت ـ لشيء مرفوع بالضمة المنونة.

** (بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية .. و «منذر» اسم فاعل يعمل عمل فعله «أنذر» المتعدي إلى المفعول به فحذف مفعول اسم الفاعل «منذر» اختصارا لأنه معلوم. المعنى : مخوف أو محذر من عقاب الله من عصاه والمفعول المحذوف هو «من» كما حذف النعت أو البدل المشار إليه بعد «هذا» وهو «الرجع» أو «الإنذار» أو «المنذر» الذي أنذرهم بالبعث أو خوفهم وحذرهم من البعث يوم القيامة .. التقدير : هذا الرجع شيء عجيب وقد تكرر الحذف في الآية الكريمة التالية في قوله (ذلِكَ رَجْعٌ ..) أي ذلك البعث .. أو الرجوع بعد الموت رجع ـ أي رجوع بعيد الحصول عليه لا يصدقه العقل وبعد حذف المضاف إليه «الحصول» نون آخر المضاف

٤٦٤

«بعيد» لانقطاعه عن الإضافة. وفي القول الكريم وضع الظاهر «الكافرون» موضع الضمير في «عجبوا» تأكيدا على أنهم مقدمون على الكفر العظيم أي لم يقل فقالوا ..

** (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة. وجاء فيه الحرف «بل» وهو حرف إضراب .. والإضراب هنا دليل على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالنبوة أو بالنبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والقرآن حين جاءهم فهم في أمر مضطرب قلق في شأن القرآن الكريم فتارة يقولون : إنه سحر أو إنه ـ أي الرسول محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ساحر وتارة يقولون إنه شاعر وتارة إنه كاهن ولفظة «مريج» مأخوذة من «مرج الخاتم في الإصبع» يمرج ـ مرجا : بمعنى : قلق .. وهو من باب «طرب» ومثله : مرج الأمر والدين : أي اختلط وهو مريج ـ فعيل بمعنى فاعل ـ أي قلق أو مختلط.

** (رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية عشرة وفيه جاءت الصفة «ميتا» لفظة مذكرة والموصوف «بلدة» لفظة مؤنثة. والصفة تتبع الموصوف تذكيرا وتأنيثا والسبب في ذلك أن «بلدة» و «بلد» بمعنى واحد أو لأن «ميتا» يستوي فيه المذكر والمؤنث.

** (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية عشرة وفيه أنث الفعل «كذبت» مع فاعله المذكر «قوم» لأنه فصل عن فاعله بفاصل ولأن لفظة «القوم» هنا أريد بها معنى «الجماعة» وكذلك الأسماء المعطوفات على «قوم» على معنى «جماعات» المعنى كذبت قبل قريش بالبعث والنبوة أو كذبت رسلها .. و «أصحاب الرس» أي أصحاب البئر وقيل : الرس : بئر كانت لبقية من ثمود رس أي رس قوم ثمود نبيهم فيها .. و «ثمود» هم قوم «صالح» ولفظة «ثمود» لم تنون لأنها بتأويل القبيلة وينون آخر اللفظة إذا أريد بها : الحي أو الأهل ..

** (وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة .. المعنى : وكذبت بالبعث أو الرسل قبيلة عاد ـ قوم هود ـ وفرعون ملك مصر وقومه وإخوان لوط أي وقوم لوط .. وسموا إخوانه لأنهم كانوا أصهاره ونون آخر «عاد» لأنه أريد به اسم رجل من العرب الأولى وبه سميت القبيلة قوم هود.

** (وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة عشرة .. المعنى : وكذبت بالبعث أو الرسل أصحاب الأيكة : وهي واحدة الشجر الكثيف الملتف وجمعها : أيك. والمراد بهم : قوم شعيب وقوم تبع الحميري ملك اليمن .. كل هؤلاء كذبوا رسلهم .. وبعد حذف المضاف إليه «هؤلاء» نون آخر المضاف «كل» لانقطاعه عن الإضافة ووحد الضمير والفعل في «كذب» أي لم يقل «كذبوا» على لفظ «كل» لا على معناه.

** (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة .. المعنى : أفعجزنا أي أعجزنا بابتداء الخلق فنعجز بإحيائكم بعد أن تبلى أجسادكم وتستحيل ترابا؟ كلا لم نعجز بل هم في خلط وشبهة والتباس فإذا لم يعي الله تعالى بالخلق الأول على عظمته فالخلق الجديد أولى أن لا يعيا به. واللبس ـ بفتح اللام ـ بمعنى : الخلط والشبهة .. ويأتي مصدر الفعل «لبس» بفتح الباء ومضارعه : يلبس ـ بكسر الباء لأنه من باب «ضرب» نحو : لبس علينا الأمر : أي اختلط أما الفعل «لبس» بكسر الباء ومضارعه يلبس ـ بكسر الباء ـ فمصدره «لبسا» بضم اللام نحو : لبست

٤٦٥

الثوب ـ ألبسه ـ لبسا : بمعنى : استترت به ووضعته على جسمي وهو من باب «تعب» أو «فرح» ويأتي الفعل الرباعي متعديا أيضا نحو : ألبسته : بمعنى : سترته وغطيته ويأتي متعديا إلى مفعولين .. نحو : ألبست الفقير ثوبا : بمعنى : جعلته يلبسه مثل أعطيته ثوبا أي منحته إياه.

** (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة عشرة الوسوسة : هي الصوت الخفي .. ومنه : وسواس الحلي .. ووسوسة النفس : هي ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس. والباء في «توسوس به نفسه» هي مثلها في القول : صوت بكذا وهمس به ويجوز أن تكون الباء للتعدية والضمير للإنسان : أي ما تجعله موسوسا و «ما» مصدرية .. لأنهم يقولون : حدث نفسه بكذا .. كما يقولون : حدثته نفسه به. وفي الآية الكريمة المذكورة عدي الفعل «وسوس» بالباء وفي قوله تعالى في سورة «طه» : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ) عدي الفعل بإلى وعدي باللام في قوله عزوجل في سورة «الأعراف» : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) فالفعل «وسوس» إذا عدي بإلى فمعناه : الإنهاء .. فمعنى «وسوس إليه» هو أنهى إليه الوسوسة .. كحدث إليه وأسر إليه .. أما إذا عدي باللام نحو «وسوس لهما» فمعناه : لأجلهما. ووسوسة الشيطان : كولولة الثكلى ووعوعة الذئب ووقوقة الدجاجة في أنها حكايات للأصوات وحكمها : حكم صوت أو جرس. وقوله تعالى : (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ) معناه : وسوس إليهما. والعرب توصل بهذه الأحرف الفعل ومصدر الفعل «وسوس» هو «وسواسا» بكسر الواو .. ووسواس ـ بفتح الواو هو الاسم وهو بمعنى «الوسوسة» وهي حديث النفس .. والوسوسة أيضا مصدر مثل «وسواس» فإذا بني الفعل «وسوس» للمجهول قيل : هذا موسوس إليه وهؤلاء موسوس إليهم .. مثل «المغضوب عليهم».

** (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) : الوريد : هو العرق ويضرب به المثل في القرب .. وقيل : سمي وريدا لأن الروح ترده .. وهو عرقان مكتنفان لصفحتي العنق .. والمراد بقوله تعالى : قرب علمه سبحانه منه وإنه يتعلق بمعلومه منه ومن أحواله تعلقا لا يخفى عليه شيء من خفياته فكأن ذاته تعالى قريبة منه .. كما يقال : الله في كل مكان. وقد جل سبحانه عن الأمكنة و «الحبل» هو «العرق» شبه بواحد الحبال ؛ وأضيف «الحبل» إلى «الوريد» وقيل : إن الشيء لا يضاف إلى نفسه .. وفي ذلك وجهان : أحدهما : أن تكون الإضافة للبيان وثانيهما : أن يراد حبل العاتق والعاتق : هو ما بين المنكب والعنق. فيضاف إلى الوريد كما يضاف إلى العاتق لاجتماعهما في عضو واحد كما لو قيل : حبل العلياء مثلا. والعاتق : هو موضع الرداء من المنكب والحبل : هو الوريد.

** (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة المعنى : وجاءت شدة الموت ملتبسة أو مقترنة بحقيقة الأمر ذلك الموت هو ما كنت تهرب منه .. روي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه لما احتضر أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ احتضر ـ بضم التاء وكسر الضاد ـ أي ببنائه للمجهول بمعنى : حضره الموت فهو محتضر ـ اسم مفعول ـ ولا نقول : احتضر ـ بفتح الضاد ـ قيل لما احتضر أبو بكر قالت عائشة : لعمري ما يغني الثراء عن الفتى. قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ لا تقولي هذا يا بنية .. وقولي : «وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد» وما قالته عائشة مأخوذ من بيت الشعر الذي قاله حاتم :

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

٤٦٦

وفاعل «حشرجت» ضمير يعود للنفس وإن لم يجر لها ذكر لأنه مفهوم كالضمير في قوله تعالى في سورة «القيامة» : (كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) بمعنى : الروح .. ومثله قول العرب : أرسلت. يريدون : جاء المطر ولا تكاد تسمعهم يذكرون السماء. و «الحشرجة» هي تردد صوت النفس ـ بفتح النون والفاء ـ والتراقي : أعالي الصدر و «ماوي» : هو اسم المرأة وهي في اللغة : المرآة .. شبهت بالماء لصفائها. والنسبة إلى «الماء» ماوي ومائي .. كما يقال في النسبة إلى الكساء : كسائي وكساوي. أما الثراء فهو الغنى والثروة ومنه القول ثري الرجل ـ يثرى ـ ثراء وأثرى إثراء : أي كثر ماله فهو ثري : أي غني كثير المال .. والثراء أيضا : كثرة المال أو القوم. قال الشاعر :

بكيت على الشباب بدمع عيني

فلم يغن البكاء ولا النحيب

ألا ليت الشباب يعود يوما

فأخبره بما صنع المشيب

أما «الثرى» بفتح الثاء فهو ندى الأرض. يقال : أثرت الأرض : بمعنى : كثر ثراها .. والثرى أيضا : التراب الندي فإن لم يكن نديا فهو تراب ولا يقال حينئذ : ثرى.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (٣)

(أَإِذا مِتْنا) : الهمزة همزة إنكار واستبعاد بلفظ استفهام. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون خافض لشرطه متعلق بجوابه متضمن معنى الشرط بمعنى : أحين نموت. متنا : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير المتكلمين و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «متنا ..» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف.

(وَكُنَّا تُراباً) : الواو عاطفة. كنا : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». ترابا : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة وحذف جواب الشرط اختصارا لأن ما بعده يدل عليه. التقدير : أنرجع إلى الحياة؟ أي أنبعث بعد الموت للحساب؟

(ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) : اسم الإشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. رجع : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة المنونة. بعيد : صفة ـ نعت ـ لرجع مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى ذلك رجوع مستبعد مستنكر.

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) (٤)

٤٦٧

(قَدْ عَلِمْنا ما) : حرف تحقيق. علم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الواحد المطاع سبحانه و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به والقول رد لاستبعادهم الرجع.

(تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة. الأرض : فاعل مرفوع بالضمة. من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بتنقص بمعنى : ما تنقصه من أجسادهم في أثناء تحللها والعائد إلى الموصول ضمير منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما تنقصه أي ما تأكله ..

(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) : الواو استئنافية. عند : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخبر مقدم وهو مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. كتاب : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : ولدينا كتاب حافظ يحصي كل التفاصيل. حفيظ : صفة ـ نعت ـ لكتاب مرفوع بالضمة المنونة أي اللوح المحفوظ.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) (٥)

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) : حرف إضراب للاستئناف. كذبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. بالحق : جار ومجرور متعلق بكذبوا بمعنى : كذبوا بالنبي والإضراب دليل على أنهم جاءوا بما هو أفظع من تعجبهم وهو التكذيب بالنبوة والقرآن.

(لَمَّا جاءَهُمْ) : ظرف زمان بمعنى «حين» أو «عند ما» مبني على السكون في محل نصب على الظرفية متعلق بكذبوا. جاء : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «جاءهم» في محل جر مضاف إليه بمعنى : عند مجيئه.

٤٦٨

(فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) : الفاء استئنافية للتعليل. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. والجار والمجرور «في أمر» متعلق بخبر «هم» مريج : صفة ـ نعت ـ لأمر مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى : فهم في أمر مضطرب قلق.

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) (٦)

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا) : الهمزة همزة إنكار بلفظ استفهام. الفاء تزيينية. لم : حرف نفي وجزم وقلب. ينظروا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة أي ألم يبصروا حين كفروا بالبعث.

(إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ) : جار ومجرور متعلق بينظروا. فوق : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بينظروا وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : أفلم يبصروا إلى السماء فوقهم على هذه الصورة العجيبة.

(كَيْفَ بَنَيْناها) : اسم استفهام مبني على الفتح في محل نصب حال. بنى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(وَزَيَّنَّاها وَما لَها) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «بنيناها» وتعرب إعرابها بمعنى وزينا السماء بالنجوم. الواو استئنافية. ما : نافية لا محل لها. لها : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم.

(مِنْ فُرُوجٍ) : حرف جر زائد لتأكيد النفي. فروج : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ مؤخر بمعنى : من شقوق وفتوق.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (٧)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة التاسعة عشرة من سورة «الحجر».

٤٦٩

(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (٨)

(تَبْصِرَةً وَذِكْرى) : حال منصوبة بفعل مضمر بمعنى : خلقناها تبصرة أي أن العامل في الحال هو فعل محذوف أو يكون مفعولا مطلقا ـ مصدرا ـ بفعل محذوف تقديره : لنبصركم تبصرة أو يكون مفعولا لأجله وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. وذكرى : معطوفة بالواو على «تبصرة» وتعرب إعرابها وعلامة نصبها الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ولم ينون آخر الكلمة لأنها ممنوعة من الصرف لأنها اسم رباعي مؤنث.

(لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «ذكرى» عبد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. منيب : صفة ـ نعت ـ لعبد مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : راجع إلى ربه تائبا.

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (٩)

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً) : الواو عاطفة. نزل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. من السماء : جار ومجرور متعلق بنزل. ماء : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أي مطرا.

(مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ) : صفة ـ نعت ـ لماء. منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة. والجملة الفعلية «فأنبتنا» معطوفة بالفاء على جملة «أنزلنا» وتعرب مثلها. به : جار ومجرور متعلق بأنبتنا.

(جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. وحب : معطوف بالواو على «جنات» منصوب مثلها وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. الحصيد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى حب الزرع المحصود.

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) (١٠)

٤٧٠

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) : الواو عاطفة. النخل : مفعول به منصوب لأنه معطوف على منصوب بمعنى وأنبتنا النخل وعلامة نصبه الفتحة. باسقات : حال من «النخل» منصوب وعلامة نصبه الكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم بمعنى : طوالا أو حوامل من أبسقت الشاة : إذا حملت وأبسقت النخلة : أي طالت.

(لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب حال ثانية من «النخل» لها : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. طلع : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. نضيد : صفة ـ نعت ـ لطلع مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى منضود ـ فعيل بمعنى مفعول ـ أي موضوع بعضه فوق بعض .. وطلع : بمعنى : ثمر.

(رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) (١١)

(رِزْقاً لِلْعِبادِ) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب بأنبتنا أي من غير فعله أو لأن الإنبات في معنى الرزق أو يكون منصوبا على أنه مفعول لأجله بمعنى أنبتناها لنرزقهم وعلامة نصبه الفتحة المنونة والجار والمجرور «للعباد» متعلق بالمصدر «رزقا» أو بصفة محذوفة منه أي من «رزقا» أو جعلناه رزقا.

(وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) : الواو عاطفة. أحيي : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بلدة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. ميتا : صفة ـ نعت ـ لبلدة وهو منصوب بالفتحة المنونة بمعنى وأحيينا بذلك الماء بلدة قاحلة. والجار والمجرور «به» متعلق بأحيينا.

(كَذلِكَ الْخُرُوجُ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد والكاف للخطاب. الخروج : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة بمعنى : مثل ذلك الإحياء إحياء البلدة الميتة وخروجكم أحياء بعد موتكم أو على معنى خروجكم من القبور أحياء مثل إحياء هذه الأرض الميتة وعلى هذا التفسير يكون «الخروج» مبتدأ مؤخرا ويكون «الكاف» في محل رفع خبرا مقدما.

٤٧١

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) (١٢)

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. قبل : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بكذبت وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(قَوْمُ نُوحٍ) : فاعل مرفوع بالضمة. نوح : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة وصرف لأنه ثلاثي أوسطه ساكن.

(وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) : معطوف بالواو على «قوم نوح» ويعرب مثله. وثمود : فاعل «كذبت» لأنه معطوف بالواو على «قوم نوح» وعلامة رفعه الضمة. ومنع من الصرف للتأنيث والمعرفة ولأنه بتأويل القبيلة.

(وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) (١٣)

هذه الآية الكريمة معطوفة بواوات العطف على الآية الكريمة السابقة والمراد بفرعون فرعون وقومه لأنه معطوف على «قوم نوح» و «لوط» يعرب إعراب «نوح».

(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (١٤)

(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ) : معطوفتان بواوي العطف على «قوم نوح» وتعربان إعرابها.

(كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة لانقطاعه عن الإضافة المعنى : كل واحد منهم أو كلهم بمعنى جميعهم وحذف المضاف إليه اختصارا لأنه معلوم فنون آخر المضاف. كذب : الجملة الفعلية مع المفعول في محل رفع خبر «كل» وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الرسل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة ووحد الضمير في «كذب» على لفظ «كل» دون معناه.

(فَحَقَّ وَعِيدِ) : الفاء سببية. حق : فعل ماض مبني على الفتح. وعيد : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها تجانس

٤٧٢

حركة الياء وتناسبها والياء المحذوفة خطا واختصارا ومراعاة لرءوس الآيات ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى فوجب وحل وعيدي وهو كلمة العذاب.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (١٥)

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) : الهمزة همزة إنكار بلفظ استفهام. الفاء عاطفة على فعل من جنس المعطوف. عيي : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. بالخلق : جار ومجرور متعلق بعيينا. الأول : صفة ـ نعت ـ للخلق مجرور مثله وعلامة جره الكسرة بمعنى أفعجزنا بابتداء الخلق فنعجز بإحيائكم بعد أن تبلى أجسادكم؟

(بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) : حرف إضراب للاستئناف بمعنى : لم نعجز بل هم في خلط وشبهة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. في لبس : جار ومجرور في محل رفع خبر «هم».

(مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) : جار ومجرور متعلق بمضمر يفسره «عيينا». جديد : صفة ـ نعت ـ لخلق مجرور مثله وعلامة جرهما «الموصوف والصفة» الكسرة المنونة بمعنى إذا لم يعي تعالى بالخلق الأول على عظمته فالخلق الجديد أولى أن لا يعيا به أي لا يتعب ويعجز.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (١٦)

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) : الواو استئنافية. اللام لام الابتداء والتوكيد أو تكون واقعة في جواب قسم محذوف بتقدير وتالله لقد أوجدنا. قد : حرف تحقيق. خلق : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا. و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الإنسان : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ) : الواو استئنافية. نعلم : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. توسوس : فعل مضارع مرفوع بالضمة.

٤٧٣

(بِهِ نَفْسُهُ) : جار ومجرور متعلق بتوسوس. نفسه : فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه. والجملة الفعلية «توسوس به نفسه» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما توسوسه به نفسه بمعنى : ما تحدثه به سرا. أي ما يخطر ببال الإنسان ويهجس في ضميره من حديث النفس ويجوز أن تكون «ما» مصدرية والجار والمجرور «به» متعلقا بمفعول «توسوس» والضمير للإنسان وجملة «توسوس به نفسه» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به لنعلم أي نعلم ما تجعله موسوسا.

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) : الواو عاطفة. نحن : ضمير منفصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. أقرب : خبر «نحن» مرفوع بالضمة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» ومن وزن الفعل. إليه : جار ومجرور متعلق بأقرب.

(مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) : جار ومجرور متعلق بأقرب. الوريد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) (١٧)

(إِذْ يَتَلَقَّى) : ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون متعلق بأقرب أو يكون في محل نصب مفعولا به بفعل محذوف تقديره : اذكر حين. يتلقى : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر.

(الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ) : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الألف لأنه مثنى والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة الفعلية «يتلقى المتلقيان ..» في محل جر مضاف إليه. وهما الملكان الحفيظان. عن اليمين : جار ومجرور في محل رفع لأنه متعلق بخبر مقدم والمبتدأ المؤخر محذوف اختصارا لدلالة الثاني عليه واكتفاء بذكره بعد عن الشمال.

٤٧٤

(وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) : الجملة الاسمية معطوفة بالواو على جملة «عن اليمين قعيد» وتعرب إعرابها. و «قعيد» مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى مجالس .. لأن لفظة «قعيد» مثل «جليس» ومجالس أي يتلقى الملكان الحفيظان الموكلان بالإنسان ما يتحدث به ويثبتانه بمعنى يأخذانه و «قعيد» يطلق على المفرد وأكثر بمعنى : إن الملك القعيد عن يمينه يسجل أو يكتب حسناته بعد أن يأخذ ما يتحدث به والملك القعيد عن يساره يسجل سيئاته.

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (١٨)

(ما يَلْفِظُ) : نافية لا عمل لها. يلفظ : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الإنسان.

(مِنْ قَوْلٍ) : جار ومجرور متعلق بيلفظ بمعنى ما يلفظ من قول فيتكلم به.

(إِلَّا لَدَيْهِ) : أداة حصر لا عمل لها. لديه : ظرف مكان بمعنى عنده مبني على السكون متعلق بخبر مقدم والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(رَقِيبٌ عَتِيدٌ) : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. عتيد : صفة ـ نعت ـ لرقيب مرفوع مثله بالضمة المنونة والجملة الاسمية في محل نصب حال من فاعل «يلفظ» بتقدير : إلا كائنا عنده رقيب عتيد بمعنى : ملك حاضر يرقب عمله وقوله.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (١٩)

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ) : الواو استئنافية. جاءت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. سكرة : فاعل مرفوع بالضمة.

(الْمَوْتِ بِالْحَقِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. بالحق : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من السكرة بمعنى : ملتبسة بالحق بمعنى وجاءت شدة الموت المذهلة بحقيقة الأمر.

(ذلِكَ ما كُنْتَ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب بمعنى ذلك الموت. ما : اسم موصول مبني على

٤٧٥

السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هو. كنت : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان» والجملة الاسمية «هو ما كنت ..» في محل رفع خبر «ذلك» والجملة الفعلية «كنت منه تحيد» صلة الموصول لا محل لها.

(مِنْهُ تَحِيدُ) : جار ومجرور متعلق بكنت أو بخبره. تحيد : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت بمعنى : تهرب. والجملة الفعلية «منه تحيد» في محل نصب خبر «كان».

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) (٢٠)

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) : الواو عاطفة. نفخ : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. في الصور : جار ومجرور في محل رفع نائب فاعل.

(ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب بمعنى وقت ذلك اليوم أو النفخ. يوم : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة. الوعيد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١)

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ) : الواو عاطفة. جاءت : فعل ماض مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها. كل : فاعل مرفوع بالضمة. نفس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة.

(مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب حال من «كل» لتعرفه بالإضافة إلى ما هو في حكم المعرفة. مع : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بخبر مقدم وهو يدل على المصاحبة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. سائق : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. وشهيد : معطوف بالواو على «سائق» ويعرب مثله بمعنى وجاءت كل نفس في ذلك اليوم إلى المحشر ومعها من يسوقها إلى المحشر ويشهد عليها.

٤٧٦

(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) (٢٢)

(لَقَدْ كُنْتَ) : الجملة الفعلية وما بعدها في محل رفع نائب فاعل لفعل محذوف تقديره : يقال للكافر : لقد كنت .. اللام لام الابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. كنت : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان».

(فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) : جار ومجرور متعلق بخبر «كنت» ومحله النصب. التقدير : غافلا. من : حرف جر. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بمن. والجار والمجرور متعلق بغفلة أو بفعله بمعنى من هذا الذي تشاهده اليوم.

(فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) : الفاء استئنافية تفيد هنا التعليل. كشف : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. عنك : جار ومجرور متعلق بكشفنا. غطاء : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

(فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) : الفاء استئنافية للتسبيب. بصرك : مبتدأ مرفوع بالضمة. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه. اليوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بالبصر ـ بتأويل فعله ـ بمعنى : تبصر به اليوم ما كنت تنكره في الدنيا. حديد : خبر المبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) (٢٣)

(وَقالَ قَرِينُهُ) : الواو استئنافية. قال : فعل ماض مبني على الفتح. قرينه : فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه أي وقال الملك الموكل به وقيل هو الشيطان الذي يلازمه.

٤٧٧

(هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هذا». لدي : ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب على الظرفية المكانية متعلق بفعل محذوف بمعنى ما أحمل عندي من كتاب أعمالك. والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم المدغم بألف «لدى» ففتح لالتقاء الساكنين في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «أحمل ..» صلة الموصول لا محل لها. عتيد : خبر ثان للمبتدإ «هذا» مرفوع بالضمة المنونة أو يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ويجوز أن يكون بدلا من الاسم الموصول بمعنى : وقال الملك الموكل به هذا الذي لدي مهيأ لجهنم.

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) (٢٤)

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَ) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة والألف ضمير متصل ـ ضمير الاثنين ـ المخاطبين مبني على السكون في محل رفع فاعل بمعنى : ارميا أيها الملكان ـ وهما السائق والشهيد ـ والجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ أي يقول الله تعالى لهما : ارميا. في : حرف جر. جهنم : اسم مجرور بمن وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث. والجار والمجرور «في جهنم» متعلق بألقيا. كل : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف.

(كَفَّارٍ عَنِيدٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. عنيد : صفة ـ نعت ـ لكفار مجرور مثله بالكسرة المنونة.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) (٢٥)

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) : صفات أخرى للموصوف «كفار» مجرورات مثله وعلامة جرها الكسرة المنونة. للخير : جار ومجرور متعلق بمناع. وعلامة جر «معتد» الكسرة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة من آخر الاسم لأنه

٤٧٨

اسم منقوص نكرة بمعنى كثير المنع للخير متجاوز للحدود شاك في الله وفي دينه .. ومتعد : على الناس.

** (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريم العشرين .. الصور : هو البوق .. قيل : إن إسرافيل ينفخ يوم القيامة في بوق فيموت كل حي ثم ينفخ فيه نفخة ثانية فيحيا الناس للبعث. والنفخ في البوق : كناية عن موعد مجيء موعدي الإماتة والإحياء.

** (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والعشرين .. وفيه أنث الفعل «جاءت» وفاعله «كل» مذكر لأن المعنى : وجاءت النفوس .. فأنث الفعل على لفظ «النفوس» دون معناه أو لأن «كل» أضيف إلى «نفس» وهي لفظة مؤنثة والسائق والشهيد هما ملكان أحدهما يسوقه إلى المحشر والآخر يشهد عليه بعمله أو هما ملك واحد جامع بين الأمرين بمعنى معها ملك يسوقها ويشهد عليها. وقيل : السائق هو ملك كاتب السيئات والشهيد أي الشاهد هو كاتب الحسنات وسائق : اسم فاعل وفعله «ساق» نحو : ساق الماشية ـ يسوقها سوقا ـ من باب «قال» فهو سائق وساق السيارة ـ سوقا وسياقة : بمعنى : جلس وراء مقودها وهو عكس قادها. قال الفيومي : يقال : قاد الرجل الفرس ـ يقوده ـ أو يقودها ـ قودا وقيادا وقيادة .. قال الخليل : القود : أن يكون الرجل أمام الدابة آخذا بقيادها .. السوق : أن يكون خلفها فإن قادها لنفسه قيل : اقتادها ويطلق على الخيل التي تقاد بمقاودها ـ جمع مقود ـ ولا تركب. قال الأزهري : أما «المقود» على وزن «مفعل» اسم آلة فقد أطلقته العرب على الحبل الذي يقاد به. و «القياد» مثل «المقود» ويستعمل بمعنى الطاعة والإذعان .. ومنه القول : انقاد فلان للأمر وأعطي القياد : إذا أذعن طوعا أو كرها .. والأشياء التي تساق هي مسوقة ـ فعولة .. اسم مفعول ـ واسم الفاعل «السائق» يجمع على «سواق» جمع تكسير وساقة .. وعلى «سائقين» أي جمع مذكر سالما .. والفعل «ساق» استعمل في معان أخرى منها القول : ساق المحدث الحديث : بمعنى : سرده : أي أجاد سياقه أو قرأه بسرعة وتسوق : بمعنى باع واشترى.

** (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والعشرين وهو خطاب الله تعالى للملكين السابقين : السائق والشهيد : أي ارميا ويجوز أن يكون خطابا للواحد على وجهين ـ ذكرهما الزمخشري ـ أحدهما : قول المبرد : إن تثنية الفاعل نزلت منزلة تثنية الفعل لاتحادهما كأنه قيل : ألق ألق للتأكيد. والثاني : أن العرب أكثر ما يرافق الرجل منهم اثنان فكثر على ألسنتهم أن يقولوا : خليلي وصاحبي .. حتى خاطبوا الواحد خطاب الاثنين .. وقرأ الحسن «ألقين» بالنون الخفيفة. ويجوز أن تكون الألف في «ألقيا» بدلا من النون إجراء للوصل مجرى الوقف.

** سبب نزول الآية : نزلت الآيات : الرابعة والعشرون والخامسة والعشرون والسادسة والعشرون .. في الوليد بن المغيرة الذي منع بني أخيه عن الخير .. وهو الإسلام.

** (ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة والثلاثين .. المعنى : ادخلوا الجنة سالمين .. أو مسلما عليكم .. أي يسلم الله عليكم وملائكته. وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن رجلا سأل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أي الإسلام خير؟ قال : «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف وقد روي عن سعد أن النبي ـ

٤٧٩

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جاء وهو في بيته فسلم فلم يجبه! ثم سلم ثانيا فلم يجبه ثم سلم ثالثا فانصرف. فخرج سعد وتبعه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال : يا رسول الله قد سمعت بإذني تسليمك .. ولكن أردت أن أستكثر من بركة تسليمك. وعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : «لا يحل لرجل أن يهجر أخاه في الإسلام ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا عن أخيه ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ أخاه بالسلام» وعن عبد الرحمن بن أبي ليلة قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية .. أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ خرج علينا فقلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك؟ قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» والصلاة من الله تعالى : هي الرحمة.

** (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السادسة والثلاثين .. القرن في اللغة : ثمانون سنة .. وفي الاصطلاح : مائة سنة. المعنى : أهلكنا كثيرا قبلهم أي قبل كفار قريش من الأمم والجماعات المقترنين في زمن واحد كعاد وثمود وغيرهما من أشد منهم قوة فطوفوا في البلاد .. ويجوز أن يراد : فنقب أهل مكة في أسفارهم في بلاد القرون وتصرفوا فيها .. وأصل التنقيب : التنقير عن الشيء والبحث عنه. ومن معاني «نقبوا» : جالوا.

** (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة والثلاثين .. وكلمة «شهيد» بمعنى : حاضر بفطنته لأن من لا يحضر ذهنه فكأنه غائب وقوله «له قلب» معناه : له قلب واع لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له. أما إلقاء السمع فمعناه : الإصغاء .. وقوله «وهو شهيد» إما أن يكون من الشهود بمعنى الحضور والمراد : التفطن لأن غير المتفطن منزل منزلة الغائب فجاز أن يكون من استعارة وإما أن يكون من الشهادة وصفا للمؤمن لأنه شهد على صحة المنزل وكونه وحيا من الله فيبعثه على حسن الإصغاء. فهو كناية أيضا. والقلب والفؤاد : لفظتان مترادفتان ـ أي متشابهتان ـ في المعنى. فلفظة «الفؤاد» تطلق على القلب وهو مذكر وجمعه : أفئدة. والقلب من الفؤاد : هو أهم أعضاء الحركة الدموية. وقلب كل شيء : هو لبه وجمعه : قلوب .. ويطلق القلب على العقل أيضا أي يعبر به. قال الفراء : «قلب» في الآية الكريمة بمعنى : لمن كان له عقل. وسمي القلب بذلك لتقلبه : ومنه : قلبت الأمر ظهرا لبطن : بمعنى اختبرته ونظرت في عواقبه.

** (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة والثلاثين .. و «لغوب» بمعنى : تعب أو إعياء .. يقال : لغب ـ يلغب ـ لغوبا .. بمعنى : تعب وأعيا. وهو من باب «دخل» أما «لغب» بكسر الغين فهو لغة ضعيفة. ولغب ـ لغبا ـ من باب «قتل» أيضا وقال الفيومي : ويأتي الفعل «لغب» لغبا .. من باب «تعب» لغة أيضا في حين قال الجوهري : بالكسر لغة ضعيفة و «ستة أيام» يجوز أن يراد به : الأيام وقيل : المعنى : في ستة أدوار.

** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة للرد على اليهود الذين زعموا أن الله استراح في اليوم السابع بعد خلق السموات والأرض .. وهو يوم السبت. فكذبهم الله تعالى بقوله عزوجل : (وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ).

٤٨٠