إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) : الواو عاطفة. لا : نافية لا عمل لها. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. يستعتبون : تعرب إعراب «يخرجون» والجملة الفعلية «يستعتبون» في محل رفع خبر «هم» بمعنى ولا يطلب إليهم أن يسترضوا ربهم بالتوبة والطاعة.

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٣٦)

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) : الفاء استئنافية. لله : جار ومجرور للتعظيم في محل رفع خبر مقدم. الحمد : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة.

(رَبِّ السَّماواتِ) : بدل من لفظ الجلالة ويجوز أن يكون صفة له سبحانه مجرور أيضا وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. السموات : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى خالق السموات.

(وَرَبِّ الْأَرْضِ) : معطوف بالواو على «رب السموات» ويعرب إعرابه بمعنى وخالق الأرض أي وخالق الكون كله.

(رَبِّ الْعالَمِينَ) : توكيد لرب السموات ورب الأرض ويعرب إعرابه. وعلامة جر المضاف إليه «العالمين» الياء. لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣٧)

(وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) : الواو عاطفة. له : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. الكبرياء : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة بمعنى العظمة المطلقة.

(فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «الكبرياء». والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها بمعنى وله السلطان في الأرض. والكبرياء أي العظمة وهي من الله ممدوحة لأنه عظيم وليس من تكبر الناس.

(وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) : الواو عاطفة. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. العزيز الحكيم : خبران للمبتدإ «هو» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة أي خبر بعد خبر بمعنى وهو الحكيم أي القوي الغالب الحكيم في قضائه.

٢٨١

سورة الأحقاف

معنى السورة : الأحقاف : جمع «حقف» بكسر الحاء وسكون القاف وهو رمل مستدير مرتفع فيه انحناء .. من احقوقف الشيء : بمعنى : اعوج. وحقف الشيء .. يحقف ـ حقوفا .. من باب «قعد» بمعنى اعوج أيضا فهو حاقف ـ اسم فاعل. ويقال : هذا ظبي حاقف : تطلق على الذي انحنى وتثنى من جرح أو غيره .. ويقال للرمل المعوج : حقف وجمعه : أحقاف .. وحقاف ـ بكسر الحاء أيضا. وقال الجوهري : وفي الحديث : «أنه مر بظبي حاقف في ظل شجرة» وهو الذي انحنى وتثنى في نومه أي تمايل في نومه .. أما المراد من معنى «الأحقاف» في السورة الشريفة فهو ديار عاد.

تسمية السورة : وردت لفظة «الأحقاف» مرة واحدة في القرآن الكريم وقد خص الله سبحانه إحدى سور كتابه الكريم بها فسميت بها وقد وردت هذه اللفظة في إحدى آياتها في قوله عزوجل : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) صدق الله العظيم. والمخاطب هو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والمراد بقوله تعالى : (أَخا عادٍ) هو هود ـ عليه‌السلام ـ حين حذر قومه بالأحقاف : وهو إضافة لمعناه المذكور آنفا واد باليمن فيه منازل عاد بين عمان ومهرة .. وهي رمال بلاد الشحر ـ بكسر الشين ـ باليمن في حضرموت .. وكانت عاد أصحاب عمد يسكنون بين رمال مشرقين على البحر بأرض يقال لها : الشحر من بلاد اليمن. والشحر بكسر الشين وفتحها ـ هو الشط ومنه شحر عمان : وهو ساحل البحر بين عمان وعدن. أما «عاد» فهي قبيلة وهم قوم هود ـ عليه‌السلام ـ وهي مثل «ثمود» وهي أيضا اسم قبيلة لا يصرف ـ لا ينون ـ بتأويل القبيلة أي التأنيث والتعريف ويصرف ـ أي وينون ـ للذهاب إلى الحي أو الأهل لأنه اسم أبيهم الأكبر.

٢٨٢

فضل قراءة السورة : قال النبي الصادق الأمين محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الأحقاف» كتب له عشر حسنات بعدد كل رملة في الدنيا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(حم) (١)

هذه الأحرف الكريمة وأمثالها الواردة في بداية السور الشريفة شرحت شرحا وافيا في سورة «يوسف».

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٢)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة الثانية من السورة السابقة سورة «الجاثية».

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) (٣)

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِ) : نافية لا عمل لها. خلق : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. السموات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب مثلها وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة. الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب بخلق لأنه معطوف على منصوب قبله. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر .. وجد .. وهو مضاف. الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه و «ما» علامة التثنية. والجملة الفعلية «وجد بينهما» صلة الموصول لا محل لها. إلا : أداة حصر لا عمل لها بالحق : جار ومجرور متعلق بحال من الضمير «نا» بتقدير : ما خلقنا الكون إلا ومعنا الحق أو يكون متعلقا بصفة لمفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف. بتقدير : إلا خلقا ملتبسا بالحق أي بالحكمة والغرض الصحيح.

٢٨٣

(وَأَجَلٍ مُسَمًّى) : معطوف بالواو على «بالحق» مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة. مسمى : صفة ـ نعت ـ لأجل مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة المقدرة للتعذر على الألف قبل تنوينها لأنها اسم مقصور مذكر نكرة بمعنى : وبتقدير أجل مسمى ينتهى إليه وهو يوم القيامة وحذف المضاف «تقدير» وحل المضاف إليه محله.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا) : الواو استئنافية. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. كفروا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) : أصله : عن : حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعن. والجار والمجرور متعلق باسم الفاعلين «معرضون». أنذروا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني للمجهول مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والألف فارقة. معرضون : خبر «الذين» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فتكون «أنذروا» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر «إنذارهم» في محل جر بعن بمعنى : أنذروا من ذلك اليوم الذي لا بد لكل خلق من انتهائه إليه.

** (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) : هذا القول الكريم هو آخر الآية الكريمة الثالثة واللفظة جمع «معرض» وهو اسم فاعل للفعل الرباعي «أعرض» بمعنى صد يقال : عرض الشيء فأعرض : بمعنى : أظهره فظهر وهو كقولهم : كبه فأكب وهو من النوادر والفعل الثلاثي «عرض» الشيء من باب «ضرب» وهو فعل ثلاثي تعدى إلى مفعوله والرباعي «أعرض» لم يتعد إلى المفعول.

** (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة. المعنى : لا أحد أشد ضلالة من المشرك الذي يعبد من دون الله سبحانه من لا يستجيب له دعاءه وحذف مفعول «يستجيب» اختصارا «دعاءه» أي من لا يجيب دعاءه لأنه جماد لا يعقل ولا يسمع وفي القول الكريم يكون الضمير «هم» في «دعائهم» عائدا إلى الأصنام وإنما أسند إلى من يعقل لأن المشركين

٢٨٤

كانوا يصفونهم بالتمييز جهلا وغباوة وجاء وصفهم بترك الاستجابة والغفلة من باب التهكم أي الاستهزاء بالأصنام. وجاء الخبر «أضل» غير منون لأنه على وزن أفعل ـ صيغة تفضيل ومن وزن الفعل ولهذا لم ينون آخره .. وجاء الفعل يستجيب بصيغة الإفراد على لفظ «من» الاسم الموصول وبصيغة الجمع في «هم عن دعائهم غافلون» على معنى «من» لا على لفظه لأن «من» مفرد لفظا مجموع معنى. وقوله : غافلون .. أي والأصنام غافلون عن دعائهم أي دعاء المشركين وعبادتهم لأن الأصنام جمادات لا تعي ولا تدرك ولا تسمع وهذه الجملة جاءت تعليلا لما قبلها.

** (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة المعنى : قل لهم يا محمد لست أنا أول رسول لا مثيل له أو لا مثال له في العالم أي لم يسبقني غيري من الرسل لكل أمة حتى تستغربوا رسالتي أو لم يتقدمني رسول قال مثل قولي أو مبدعا أي قلت ما لم يقله غيري وما أدري ما ذا يفعل الله بي في الدنيا ولا ما يفعل بكم. والأصل وما يفعل بكم فحذف الموصول وصلته لذكره أول مرة لأن الجملة الثانية لو عطفت على صلة الأولى لم يكن لدخول حرف النفي معنى .. ومنه قول الشاعر حسان بن ثابت :

فمن يهجو رسول الله منكم

ويمدحه وينصره سواء

أي ومن يمدحه وينصره وهذا البيت من الشعر الذي حذف الاسم الموصول «من» في شطره هو مثل من يشير إلى بيت الفرزدق :

فقلت له لما تكشر ضاحكا

وقائم سيفي من يدي بمكان

تعال فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

و «تكشر» بمعنى أبدى أنيابه وكشف عن أسنانه ولله در أبي الطيب المتنبي حيث يقول :

إذا رأيت نيوب الليث بارزة

فلا تظنن أن الليث يبتسم

وصف الفرزدق ذئبا أتاه وهو في القفر «الخلاء من الأرض» ووصف حاله معه وأنه أطعمه وألقى إليه ما يأكله. وقوله : «وقائم سيفي من يدي بمكان» أي مكان وأي مكان .. أراد أن يظهر تجلده وشجاعته وتصلبه وحماسته ولكن اتفق له كثيرا عدم مساعدة القدر .. وفي رواية : تعش الخطاب للذئب : أي كل العشاء وهو طعام الليل فإن عاهدتني بعد أن تتعشى على أن لا تخونني كنا مثل رجلين يصطحبان. وثناه على معنى «من».

** (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة العاشرة .. وعلى مثله : أي على حالة كون القرآن الكريم من عند الله فصدق به وتكبرتم .. أي وشهد شاهد من علماء بني إسرائيل على وجود مثل معاني القرآن المصدقة له في التوراة على أن القرآن حق يدعو إلى التوحيد فحذف المضاف «علماء» وحل محله المضاف إليه «بني» وهذا الشاهد هو من كبار أحبار اليهود وهو عبد الله بن سلام وأسلم وشهد أن القرآن حق .. ومن هذا القول الكريم انطلق المثل الشهير «وشهد شاهد من أهلها» يروى أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما قدم المدينة نظر عبد الله بن سلام إلى وجه الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فعلم أنه ليس بوجه كذاب ـ كما زعم المشركون ـ لعنهم الله وتأمله فتحقق أنه هو النبي المنتظر وقال له : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي : ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع ـ إلى أبيه ـ أي يشبهه ـ أو

٢٨٥

إلى أمه؟ فقال عليه الصلاة والسلام : أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت .. وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزعه وإن سبق ماء المرأة نزعته ـ أي أشبهته ـ فقال : أشهد أنك رسول الله حقا ثم قال : يا رسول الله إن اليهود قوم بهت فإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك. فجاءت اليهود فقال لهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أي رجل عبد الله فيكم؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا. قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك .. فخرج إليهم عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله .. فقالوا : شرنا وابن شرنا وانتقصوه. قال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله وأحذر. قال سعد بن أبي وقاص : ما سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام.

** سبب نزول الآية : أخرج البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص : أن هذه الآية الكريمة نزلت في عبد الله بن سلام «وشهد شاهد من بني إسرائيل».

** (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى : وهذا القرآن كتاب مصدق لكتاب موسى ـ عليه‌السلام ـ ذو لسان عربي .. وسمي «اللسان» المقول .. بكسر الميم وفتح ما قبل آخره على صيغة اسم الآلة الذي يكون مكسور الأول ومفتوح ما قبل الآخر .. قال الشريف الرضي :

ما مقامي على الهوان وعندي

مقول صارم وأنف حمي

وقيل عن اللسان الكثير من الأمثال .. منها : إياك وأن يضرب لسانك عنقك : أي إياك أن تلفظ بما فيه هلاكك ونسب الضرب إلى اللسان لأنه السبب. قال سفيان بن عبد الله الثقفي : قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف علي؟ فأخذ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بلسان نفسه فقال : هذا. وقيل : طعن اللسان كوخز السنان. قال الشاعر :

وباه تميما بالغنى إن للغنى

لسانا به المرء الهيوبة ينطق

فإن جميع الناس إما مكذب

يقول بما يهوى وإما مصدق

يقولون أقوالا ولا يعلمونها

فإن قيل هاتوا حققوا أو لم يحققوا

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٤)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة الأربعين من سورة «فاطر» وجملة «ائتوني» تعرب إعراب «أروني».

(ائْتُونِي بِكِتابٍ) : أعربت. بكتاب : جار ومجرور متعلق بائتوا أو يكون في مقام المفعول به الثاني للفعل لأن الباء صلة للتأكيد كقوله تعالى : «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة».

٢٨٦

(مِنْ قَبْلِ هذا) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «كتاب» هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه أي من قبل هذا الكتاب وهو القرآن بمعنى : بكتاب منزل من قبل هذا القرآن شاهد بصحة ما أنتم عليه من عبادة غير الله. المراد : ليس عندكم أي حجة أو دليل أو أقل علم مما تدعون باستحقاقهم العبادة.

(أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) : معطوف بأو على «كتاب من قبل هذا» ويعرب إعرابه بمعنى أو بقية من علم بقيت عليكم من علوم الأولين.

(إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) : حرف شرط جازم. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. صادقين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وجواب الشرط محذوف لتقدم معناه.

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) (٥)

(وَمَنْ أَضَلُ) : الواو عاطفة. من : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أضل : خبر «من» مرفوع بالضمة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» وبوزن الفعل.

(مِمَّنْ يَدْعُوا) : أصله : من حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بمن وقد أدغم بنون «من» فحصل التشديد. والجار والمجرور متعلق بأضل. يدعو : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الواو للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها بمعنى ممن يعبد ..

(مِنْ دُونِ اللهِ) : جار ومجرور متعلق بيدعو أو بحال مقدمة من الاسم الموصوف «من» في «من لا يستجيب» الله لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

٢٨٧

(مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لا : نافية لا عمل لها. يستجيب : تعرب إعراب «يدعو» وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة على آخره. له : جار ومجرور متعلق بيستجيب.

(إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) : جار ومجرور متعلق بيستجيب. القيامة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. بمعنى لا يجيب دعاءه إلى يوم القيامة.

(وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال من ضمير «يستجيب» هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. عن دعاء : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «غافلون» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. غافلون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦)

(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ) : الواو استئنافية. إذا : ظرف لما يستقبل من الزمن مبني على السكون متضمن معنى الشرط خافض لشرطه متعلق بجوابه. حشر : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح. الناس : نائب فاعل مرفوع بالضمة. والجملة الفعلية «حشر الناس» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف أي جمعوا يوم القيامة.

(كانُوا لَهُمْ أَعْداءً) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بكانوا أو بحال مقدمة من «أعداء» أعداء : خبر «كان» منصوب بالفتحة المنونة.

(وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «كانوا لهم أعداء» وتعرب مثلها و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه وعلامة جر «كافرين» الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

٢٨٨

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧)

(وَإِذا تُتْلى) : الواو عاطفة. إذا : أعرب في الآية الكريمة السابقة. تتلى : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والجملة الفعلية «تتلى عليهم آياتنا» في محل جر مضاف إليه.

(عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بتتلى. آيات : نائب فاعل مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. بينات : حال من «الآيات» منصوب وعلامة نصبه الكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة.

(قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كفروا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى : كذبوا بالله ورسوله.

(لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) : جار ومجرور متعلق بقال. بمعنى : لأجل الحق والمراد به : الآيات. لما : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمعنى «حين» متعلق بقال. جاء : الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف. وهي فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به.

(هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. سحر : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. مبين : صفة ـ نعت ـ لسحر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : إن الآيات آيات القرآن الكريم ـ حسب زعمهم ـ في خدع النفوس كالسحر الظاهر.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (٨)

٢٨٩

(أَمْ يَقُولُونَ) : حرف عطف بمعنى «الاضراب» أي إضراب عن ذكر تسميتهم الآيات إلى ذكر قولهم : إن محمدا افتراه ومعنى الهمزة فيها : الإنكار والتعجيب بمعنى : دع هذا واسمع قولهم المستنكر العجيب و «يقولون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : بل أيقولون ..

(افْتَراهُ قُلْ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به يعود على «الحق» والمراد به : الآيات. قل : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ـ أصله : قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين والجملة بعده : في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(إِنِ افْتَرَيْتُهُ) : حرف شرط جازم كسر آخره لالتقاء الساكنين. افتريته : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به بمعنى : فإن افتريته على سبيل الفرض أي اختلقت القرآن من عند نفسي.

(فَلا تَمْلِكُونَ لِي) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. لا : نافية لا عمل لها. تملكون : تعرب إعراب «يقولون» لي : جار ومجرور متعلق بتملكون بمعنى فلا تقدرون على دفع شيء عني.

(مِنَ اللهِ شَيْئاً) : جار ومجرور للتعظيم متعلق بحال مقدمة من «شيئا» المعنى : لن تدفعوا عني شيئا من عقوبة الله إن عاجلني بعقوبة الافتراء عليه. شيئا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أو يكون نائبا عن مصدر ـ مفعول مطلق ـ محذوف أو صفة له يقدر من المعنى بمعنى من عذاب الله إن عاقبني عقابا.

٢٩٠

(هُوَ أَعْلَمُ) : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. أعلم : خبر «هو» مرفوع بالضمة ولو ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل» صيغة تفضيل ومن وزن الفعل بمعنى الله أعلم بما تقولون في القرآن ..

(بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) : الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم. تفيضون : تعرب إعراب «يقولون» فيه : جار ومجرور متعلق بتفيضون. والجملة الفعلية «تفيضون فيه» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : بالذي تزيدون في القدح بآياته. ويجوز أن تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «تفيضون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بالباء. المعنى : هو أعلم باندفاعكم في ذلك.

(كَفى بِهِ شَهِيداً) : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الباء حرف جر زائد. والهاء ضمير متصل في محل جر لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل «كفى». شهيدا : تمييز منصوب بالفتحة المنونة.

(بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها كسرة تجانس الياء متعلق باسم الفاعل «شهيدا» وهو مضاف والياء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر مضاف إليه. الواو عاطفة. بينكم : معطوف على «بيني» ويعرب مثله وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور بمعنى : كفى به سبحانه شاهدا لي بالصدق والبلاغ وشاهدا عليكم بالكذب والجحود.

(وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) : الواو عاطفة. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الغفور الرحيم : خبرا «هو» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة ـ خبر بعد خبر ـ ويجوز أن يكون «الرحيم» صفة ـ نعتا ـ للغفور.

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ) (٩)

٢٩١

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ـ أصله : قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين والجملة الفعلية بعده : في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ ما : نافية لا عمل لها. كنت : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» بدعا : خبرها منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : بديعا.

(مِنَ الرُّسُلِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من الضمير في «كنت» و «من» حرف جر بياني. التقدير : حال كوني رسولا من الرسل بمعنى : ما كنت بديعا أي مبتدعا أي ما أنا أول من جاء بالوحي بل أرسل الله تعالى الرسل قبلي مبشرين ومنذرين فأنا مثلهم .. وفي القول الكريم معنى التعجب.

(وَما أَدْرِي ما) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. أدري : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(يُفْعَلُ بِي) : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. بي : جار ومجرور متعلق بيفعل والجملة الفعلية «يفعل بي ..» صلة الموصول لا محل لها. أو تكون «ما» اسم استفهام مبنيا على السكون في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية «يفعل بي» في محل رفع خبر «ما».

(وَلا بِكُمْ) : الواو عاطفة. لا : أداة نافية. بكم : جار ومجرور معطوف على «بي» ويعرب مثله لأنه متعلق بصلة موصول محذوف معطوف على موصول مثله. بتقدير : ولا ما يفعل بكم والميم علامة جمع الذكور أو يكون الجار والمجرور «بي» في محل رفع نائب فاعل للفعل «يفعل».

(إِنْ أَتَّبِعُ) : مخففة مهملة بمعنى «ما» النافية. أتبع : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنا.

٢٩٢

(إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) : أداة حصر لا عمل لها. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «أتبع». يوحى إلي : تعرب إعراب «يفعل بي» على وجه إعراب «ما» اسما موصولا وعلامة رفع الفعل الضمة المقدرة على الألف للتعذر.

(وَما أَنَا) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. أنا : ضمير منفصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.

(إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) : أداة حصر لا عمل لها. نذير : خبر «أنا» مرفوع بالضمة المنونة. مبين : صفة ـ نعت ـ لنذير مرفوع مثله بالضمة المنونة.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (١٠)

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت أصله : قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين. والجملة الفعلية بعده : في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ الهمزة همزة توبيخ بلفظ استفهام. رأيتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور بمعنى : قل لهم يا محمد أخبروني أيها المشركون. إن : حرف شرط جازم. أي أخبروني عن حالكم إن كان هذا القرآن ..

(كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) : فعل ماض ناقص فعل الشرط مبني على الفتح في محل جزم بإن واسمه ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. أي القرآن. من عند : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كان». الله لفظ الجلالة مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة وجواب الشرط محذوف اختصارا يدل عليه قوله تعالى : إن الله لا يهدي القوم الظالمين. التقدير : إن كان هذا القرآن من عند الله وكفرتم به ألستم ظالمين؟

٢٩٣

(وَكَفَرْتُمْ بِهِ) : الواو استئنافية. كفرتم : تعرب إعراب «رأيتم» به : جار ومجرور متعلق بكفرتم.

(وَشَهِدَ شاهِدٌ) : الواو عاطفة. شهد : فعل ماض مبني على الفتح. شاهد : فاعل مرفوع بالضمة المنونة.

(مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «شاهد» وعلامة جر الاسم الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وحذفت النون للإضافة ـ أصله : بنين ـ إسرائيل : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة وجملة «شهد شاهد ..» معطوفة على «كان من عند الله».

(عَلى مِثْلِهِ) : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة بتقدير : حالة كونه من عند الله أي على نحو ذلك والهاء ضمير متصل يعود على اسم «كان» وهو القرآن مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه.

(فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ) : الفاء عاطفة للتسبيب. آمن : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي فصدق به والضمير يعود على «شاهد» لأن إيمانه كان نتيجة شهادته عليه واعترافه بأنه من جنس الوحي. الواو عاطفة. استكبرتم : تعرب إعراب «كفرتم» أو «رأيتم» وهي معطوفة على «شهد شاهد».

(إِنَّ اللهَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «إن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة.

(لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن». لا : نافية لا عمل لها. يهدي : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. القوم : مفعول به منصوب بالفتحة. الظالمين : صفة للقوم منصوب بالياء لأنه جمع مذكر سالم. والنون عوض من تنوين الاسم المفرد وحركته.

٢٩٤

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) (١١)

(وَقالَ الَّذِينَ) : الواو استئنافية. قال : فعل ماض مبني على الفتح. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

(كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. اللام حرف جر. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بقال بمعنى : عن الذين أو لأجل الذين. آمنوا : تعرب أعراب «كفروا».

(لَوْ كانَ خَيْراً) : الجملة وما بعدها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ لو : حرف شرط غير جازم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمه ضمير مستتر جوازا تقديره هو أي لو كان القرآن. خيرا : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : لو كان هذا القرآن خيرا مما وجدنا عليه آباءنا.

(ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) : الجملة جواب شرط غير جازم لا محل لها. ما : نافية لا عمل لها. سبقوا : تعرب إعراب «كفروا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به. إليه : جار ومجرور متعلق بسبقوا بمعنى : لما سبقنا العامة من فقراء الناس إلى الإيمان به.

(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) : الواو عاطفة. إذ : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب متعلق بعامل محذوف .. تقديره : وإذا لم يهتدوا به ظهر عنادهم فسيقولون وقد حذف العامل اختصارا لدلالة الكلام عليه أو على معنى ولأنهم لم يهتدوا إليه سيقولون أي أن الظرف يفيد التعليل هنا. لم : حرف نفي وجزم وقلب. يهتدوا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. به : جار ومجرور متعلق بيهتدوا. والجملة الفعلية «لم يهتدوا به» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف.

٢٩٥

(فَسَيَقُولُونَ) : الفاء سببية عن العامل المضمر في «إذ». يقولون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والسين حرف تسويف ـ للقريب ـ والجملة الاسمية بعده «هذا إفك» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. إفك : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. قديم : صفة ـ نعت ـ لإفك مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة المنونة بمعنى : هذا اختلاف من أساطير الأولين.

(وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) (١٢)

(وَمِنْ قَبْلِهِ) : الواو استئنافية. من قبله : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(كِتابُ مُوسى) : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. موسى : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة المقدرة للتعذر على الألف بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للعجمة.

(إِماماً وَرَحْمَةً) : حال من «كتاب موسى» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. الواو عاطفة. رحمة : معطوف على «إماما» ويعرب مثله بمعنى : إماما للناس أي الذي يؤتم. ورحمة بهم.

(وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) : الواو عاطفة. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. كتاب : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. مصدق : صفة ـ نعت ـ لكتاب مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى : مصدق لكتاب موسى ـ عليه‌السلام ـ.

(لِساناً عَرَبِيًّا) : حال من ضمير الكتاب في «مصدق» والعامل فيه مصدق منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة .. ويجوز أن يكون حالا من «كتاب» لتخصصه بالصفة ويعمل فيه معنى الاشارة ويجوز أن يكون مفعولا به منصوبا باسم الفاعل «مصدق» بتأويل فعله بمعنى : يصدق ذا لسان عربي

٢٩٦

وهو الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويجوز أن يكون منصوبا بالمدح على الاختصاص. عربيا : صفة ـ نعت ـ للموصوف ـ المنعوت ـ لسانا منصوب بالفتحة المنونة.

(لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) : اللام حرف جر للتعليل. ينذر : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «ينذر الذين ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بمفعول لأجله أي من أجل الإنذار أو إنذارا للظالمين. ظلموا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) : معطوفة بالواو على المصدر المؤول من «لينذر» أي إنذارا وبشرى وهو منصوب بالفتحة المقدرة على الألف للتعذر ولم ينون آخرها لأنها ممنوعة من الصرف على وزن «فعلى» اسم مقصور رباعي مؤنث منته بألف تأنيث مقصورة ويجوز أن تكون مرفوعة بالضمة المقدرة على الألف للتعذر لأنها معطوفة على «كتاب» أو تكون منصوبة على المصدر بفعل محذوف تقديره : يبشر بشرى. للمحسنين : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «بشرى» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (١٣)

(إِنَّ الَّذِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن».

(قالُوا رَبُّنَا اللهُ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل

٢٩٧

رفع فاعل والألف فارقة والجملة الاسمية بعده «ربنا الله» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ رب : مبتدأ مرفوع بالضمة و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. الله لفظ الجلالة : خبر المبتدا مرفوع للتعظيم بالضمة.

(ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ) : حرف عطف. استقاموا : معطوفة على «قالوا» وتعرب مثلها الفاء واقعة في جواب شرط على معنى «الذين» أي «من» المتضمنة معنى الشرط. لا : نافية لا عمل لها. خوف : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة.

(عَلَيْهِمْ) : جار ومجرور متعلق بخبر «خوف» المحذوف. التقدير فلا خوف كائن عليهم و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى.

(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) : الواو عاطفة. لا : نافية لا عمل لها. هم : ضمير الغائبين المنفصل في محل رفع مبتدأ. يحزنون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «هم» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.

** (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة عشرة .. المعنى : قالوا ربنا الله وحده لا شريك له ثم استقاموا على أحكام الشريعة .. يقال : استقام الرجل ـ يستقيم ـ استقامة : أي اعتدل اعتدالا والفعل «استقام» من الأفعال المزيدة وفعله المجرد هو «قام» ومنه «القوم» وهذه اللفظة تعني الرجال دون النساء ولا مفرد لها من لفظها وجمع «القوم» هو أقوام. قال الجوهري : القوم : يذكر ويؤنث لأن أسماء الجموع التي لا واحد لها من لفظها إذا كان للآدميين يذكر ويؤنث مثل «الرهط» و «النفر» و «القوم» قال تعالى : «وكذب به قومك» في هذا القول الكريم ذكر «القوم» فقال «كذب» وفي آية أخرى أنثت اللفظة «كذبت قوم نوح».

** (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الخامسة عشرة .. المعنى : وأمرناه أن يحسن إليهما إحسانا حملته أمه كرها أي بمشقة وولدته بمشقة .. يقال : كره الشيء ـ يكرهه ـ كراهية .. من باب «سلم» والمصدر «كراهية» يلفظ بتخفيف الياء فهي شيء كريه ومكروه ـ فعيل بمعنى مفعول ـ قال الفراء : الكره ـ بضم الكاف ـ هو المشقة وبفتحها هو الإكراه. نحو : قام على كره ـ بضم الكاف ـ أي على مشقة .. وأقامه فلان على كره ـ بفتح الكاف ـ أي أكرهه على القيام. وقال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد. وقيل هما مثل «الفقر» و «الفقر» بفتح الفاء وضمها. أي يكون «الكره» بضم الكاف هو الاسم وبفتحها هو المصدر كما قال الفراء. ويقال أكرهه على كذا : بمعنى : حمله عليه كرها فهو مكره ـ اسم مفعول ـ بفتح الراء .. ومنه القول

٢٩٨

الشهير أو المثل العربي المعروف : مكره أخوك لا بطل .. فأخوك هنا نائب فاعل لاسم المفعول «مكره» مرفوع بالواو لأنه من الأسماء الخمسة ويجوز أن يكون «أخوك» مبتدأ مؤخرا قدم عليه خبره «مكره» ومن الأخطاء الشائعة قولهم : مكره أخاك لا بطل ـ بنصب «أخاك» وقيل : هذا الخطأ جاء على لسان الأعراب «أهل البادية» وسبب خطئهم هو رفعهم الأسماء الخمسة بالألف. والصحيح ـ كما هو معلوم ـ رفع الأسماء الخمسة بالواو ونصبها وجرها بالألف والياء أي يقال : أخاك في حالة النصب وبالياء «أخيك» في حالة الجر .. ومعنى المثل : أن أخاك محمول على ذلك لأنه ليس في طبعه شجاعة يضرب لمن يحمل ما ليس من شأنه و «لا» هنا حرف نفي وعطف وهي عاملة هنا لأن ما بعدها عكس ما قبلها لأن «بطل» وردت ضد ما قبلها الذي ليس فيه نوع من البطولة وإنما الإكراه على عمل شيء بعيد عن البطولة وهذا هو أحد شروط عمل «لا» النافية العاطفة فكلمة «بطل» مرفوعة لأنها معطوفة على مرفوع ومثله : مزق الطالب الكتاب لا الدفتر.

** (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) : بمعنى : ومدة حمله وفطامه ثلاثون شهرا وحذف المبتدأ المضاف «مدة» وحل محله المضاف إليه «حمله» فارتفع ارتفاعه .. وفي القول الكريم دليل على أن أقل الحمل ستة أشهر لأن مدة الرضاعة إذا كانت حولين ـ أي عامين ـ لقوله تعالى في سورة «البقرة» : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) بقيت للحمل ستة أشهر والحول مصدر الفعل حال : أي مضى وتم.

** (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) : المعنى : حتى إذا بلغ غاية نموه وإدراكه .. والأشد : مفرد جاء على وزن الجمع.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ ولم يكن أحد أسلم أبوه وأمه سواه وقد أسلم رضي الله عنه وصدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو ابن ثمان وثلاثين سنة حيث بعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو ابن أربعين سنة فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة قال (رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ)

** (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة عشرة .. المعنى : أولئك الشاكرون القائلون هذا القول هم الذين نتقبل منهم أحسن أعمالهم ونصفح عن ذنوبهم فحذف المشار إليه الصفة أو البدل «الشاكرون .. القائلون» اختصارا لأن ما قبله يدل عليه.

** (فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة السابعة عشرة .. المعنى فيقول هذا العاق ما هذا القول بالبعث إلا أكاذيب الأولين وأساطيرهم التي سطروها في الكتب فحذف المشار إليه «القول» الصفة أو البدل من اسم الإشارة اختصارا لأن سياق النص الكريم يدل عليه.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه .. هذا ما ذكره المصحف المفسر وقال صاحب التفسير الوجيز : نزلت هذه الآية الكريمة في عبد كافر عاق لوالديه وليس في عبد الرحمن بن أبي بكر كما في بعض الروايات لأن عبد الرحمن أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه.

٢٩٩

** (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. المعنى : لكل من الجنسين أي لكل من الفريقين : المؤمن والكافر مراتب ومنازل وقيل : إن الجنة درجات والنار دركات. وقيل في الآية الكريمة المذكورة آنفا : درجات مع القول الجنة درجات والنار دركات لأنه يجوز أن يقال ذلك على وجه التغليب لاشتمال «كل» على الفريقين وعن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : يخرج قوم من النار بشفاعة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيدخلون الجنة يسمون : الجهنميين. وقيل : إن الجنة هي ظهر السماء السابعة تحت العرش في قوله تعالى في سورة «الذاريات» (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) صدق الله العظيم. وقوله : وليوفيهم أعمالهم معناه : وليوفيهم الله جزاء أعمالهم فحذف المفعول به المضاف «جزاء» وحل المضاف إليه محله.

** (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة العشرين .. وعرضهم على النار : معناه : تعذيبهم بها أي تعرض النار عليهم بمعنى : تكشف لهم. وقال المصحف المفسر : المعنى : تعرض النار عليهم أي تكشف لهم فقلب للمبالغة. وقيل : عرض الكافرين على النار معناه : تعذيبهم بها كما يقال : عرض بنو فلان على السيف : إذا قتلوا به وهذا هو معنى ما جاء في الآية الكريمة المذكورة .. قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يجاء بهم إليها فيكشف لهم عنها. وقيل : الأمر في الآية الكريمة على ظاهره .. كقولك : عرضت الأسرى على الأمر. وموضوع القلب وارد في ركن من أركان البلاغة العربية وهو التشبيه. نحو قولنا : الأسد كأخيك في الشجاعة .. سمي هذا التشبيه تشبيها مقلوبا .. أما القول : أنت كالأسد في الشجاعة فيسمى تشبيها تام الأركان أي ذكرت أركانه الأربعة وهي : المشبه .. أداة التشبيه .. المشبه به .. ووجه الشبه. وإذا اقترن التشبيه بأداة التشبيه سمي التشبيه مرسلا نحو : أنت كالأسد وإذا حذفت الأداة سمي التشبيه مؤكدا نحو : أنت أسد في الشجاعة وإذا اقترن التشبيه بوجه الشبه سمي تشبيها مفصلا نحو : أنت أسد في الشجاعة ـ أي مثل التشبيه الموكد ـ وإذا حذف وجه الشبه سمي التشبيه مجملا نحو : أخوك كالأسد .. أما إذا حذف وجه الشبه وأداة التشبيه فيسمى التشبيه بليغا قال المتنبي :

من يهن يسهل الهوان عليه

ما الجرح بميت إيلام

وهذا نوع من التشبيه يسمى تشبيها ضمنيا كما في بيت الشعر المذكور وفي هذا التشبيه لا تظهر أداة التشبيه ولم يأت على صورة التشبيه العادي أي لم يتطرق إلى التصريح بالتشبيه ولكنه لمح إليه تلميحا وأتى به ضمنا.

** (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية والعشرين .. المعنى : واذكر يا محمد أخا بني عاد في النسب لا في الدين ويعني هودا ـ عليه‌السلام ـ فحذف المضاف إليه «بني» وأقيم المضاف إليه الثاني «عاد» مقامه. وقد أنث الفعل «خلت» مع الفاعل المذكر «النذر» لأنه جمع «نذير» بمعنى «المنذر» جاء التأنيث على لفظ «النذر» لا على المعنى. ومن أخطائهم الشائعة قول بعضهم : لقد أعذر من أنذر .. بلفظ «أعذر» بضم أوله وكسر ما قبل آخره أي بنائه للمجهول والصحيح القول : أعذر ـ بفتح الهمزة في الفعلين وإيرادهما مبنيين للمعلوم لأن المعنى : صار ذا عذر .. أي إن من حذرك ما يحل بك فقد أعذر إليك : أي صار

٣٠٠