إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

** (وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الأربعين .. المعنى : وسبحه بعض الليل وسبحه أدبار ـ جمع دبر ـ السجود بمعنى : عشاء أو أعقاب الصلاة. يقال : سجد ـ يسجد ـ سجودا .. بمعنى : خضع .. من باب «دخل» ومنه سجود الصلاة : وهو وضع الجبهة على الأرض .. قال تعالى في سورة «الفتح» : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) عن بعض المتقدمين : كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فيرى بين عينيه ركبة البعير .. فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض؟ وإنما أراد بذلك من تعمد ذلك للنفاق والرياء كقوله تعالى في سورة «النساء» : (يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) وقوله تعالى : (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) أي علامتهم يعني بهم المؤمنين حقا لا بعض المرائين الذين ذمهم الله تعالى ورسوله الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد جاء عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «لا تعلبوا صوركم» بمعنى : لا تخروا وجوهكم وتوسموها وتؤثروا فيها وتخدشوها وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : «أنه رأى رجلا قد أثر في وجهه السجود فقال له : إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك». المقصود بذلك : من اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة فذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه. إنما الذين عناهم الله تعالى بقوله هم أصحاب الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذين كانوا يسجدون مبتغين فضل الله وأحدهم لا يسجد إلا خالصا لوجه الله سبحانه وتعالى .. ولا يكون الرجل مرائيا بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة. فمن حق الفرائض الإعلان عنها أو بها وتشهيرها لقوله عليه الصلاة والسلام ـ : «ولا غمة في فرائض الله» لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين ولأن تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إحاطة التهمة بالإظهار وإن كان تطوعا فحقه أن يخفى لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه فإن أظهره قاصدا للاقتداء به كان جميلا. وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فيثنى عليه بالصلاح. وعن بعضهم أنه رأى رجلا في المسجد قد سجد سجدة الشكر وأطالها فقال له : ما أحسن هذا لو كان في بيتك. وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة. على أن اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص ومن ثم قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود» أي البساط الأسود.

** (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والأربعين .. والمنادي هو إسرافيل ينادي الناس أو الموتى بالقيام للبعث في النفخة الثانية أو هو جبريل ينادي أهل المحشر : هلموا للحساب .. وهذا يدل على أن النفخ في الصور ـ أي البوق ـ كناية عن الإماتة والإحياء فيسمعون نداءه على السواء وحذف مفعول «ينادي» اختصارا لأنه معلوم وهو «الناس .. أو الموتى».

(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (٢٦)

(الَّذِي جَعَلَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مضمن معنى الشرط ولذلك أجيب بالفاء في «فألقياه» وتكون الجملة الفعلية «فألقياه ..» في محل رفع خبر «الذي» والفاء واقعة في جواب «الذي» ويجوز أن يكون الاسم الموصول في محل نصب بدلا من «كل كفار»

٤٨١

وتكون الجملة الفعلية «فألقياه» مكررة للتوكيد وتكون الفاء عاطفة. جعل : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.

(مَعَ اللهِ) : ظرف مكان متعلق بجعل يدل على المصاحبة والمشاركة والاجتماع في محل نصب على الظرفية وهو مضاف. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة والجملة الفعلية «جعل ..» صلة الموصول لا محل لها ويجوز أن يكون «مع» في محل نصب قام مقام المفعول به الثاني للفعل «جعل» أو يكتفي الفعل «جعل» بمفعول واحد على معنى «أوجد» ويكون «مع» في محل نصب حالا مقدمة من «إله» لأنه متعلق بصفة لإله مقدمة عليه بمعنى : جعل إلها آخر كائنا مع الله أي شريكا.

(إِلهاً آخَرَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. آخر : صفة ـ نعت ـ للموصوف «إلها» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة بدلا من الفتحة المنونة لأنه ممنوع من الصرف على وزن «أفعل».

(فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) : الجملة تعرب إعراب «ألقيا في جهنم» في الآية الكريمة الرابعة والعشرين والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب مفعول به. الشديد : صفة ـ نعت ـ للعذاب مجرور مثله بالكسرة.

(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) (٢٧)

(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا) : فعل ماض مبني على الفتح. قرينه : فاعل مرفوع بالضمة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه. رب : منادى بأداة نداء محذوفة أصله : يا ربنا وهو مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه بمعنى فيقول الكافر المحكوم عليه يا رب هو أطغاني أي قد أطغاني قريني هذا بمعنى جعلني طاغيا متجاوزا الحدود في الطغيان ويعني به الشيطان الملازم له. والجملة الفعلية المقدرة «أطغاني قريني» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

٤٨٢

(ما أَطْغَيْتُهُ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به أيضا ـ مقول القول ـ أي قال قرينه أي شيطانه الذي أضله يا ربنا ما أطغيته أي رد عليه بهذا القول بمعنى ما جعله طاغيا وإنما أوقعته في الطغيان. ما : نافية لا عمل لها. أطغيته : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب في محل نصب مفعول به.

(وَلكِنْ كانَ) : الواو زائدة أو تكون استئنافية للاضراب بمعنى «بل». كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هو. أما «لكن» فهو حرف استدراك أو حرف ابتداء للاستدراك لا عمل له ـ مهمل ـ لأنه مخفف.

(فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كان» بعيد : صفة ـ نعت ـ لضلال مجرور مثله وعلامة جرهما : الكسرة المنونة.

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) (٢٨)

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه. لا : ناهية جازمة. تختصموا : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «لا تختصموا لدي» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ بمعنى قال الله لهما : لا تتجادلوا أو تتخاصموا عندي. لدي : ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب متعلق بتختصموا وهو مضاف والياء المدغمة بالألف ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى لا تختصموا في دار الجزاء وموقف الحساب فلا فائدة في اختصامكم ..

(وَقَدْ قَدَّمْتُ) : الواو حالية والجملة وما بعدها في محل نصب حال. قد : حرف تحقيق. قدمت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل مبني على الضم في محل رفع فاعل بمعنى وقد أسلفت لكم التهديد.

٤٨٣

(إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) : جار ومجرور متعلق بقدمت والميم علامة جمع الذكور. الباء حرف جر زائد. الوعيد : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول به لقدمت. مثل «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» بمعنى : وقد أوعدتكم بعذابي على الطغيان في كتبي وعلى ألسنة رسلي .. وقد فسر الزمخشري هذا القول الكريم بقوله : يجوز أن تكون الباء معدية بقدمت على معنى «قدم» يطاوع معنى «تقدم» ويجوز أن يقع الفعل على جملة قوله تعالى (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ) في الآية الكريمة التالية ولأن «بالوعيد» متعلق بحال محذوفة أي قدمت إليكم هذا ملتبسا بالوعيد مقترنا به .. أو قدمته إليكم موعدا لكم به. وبما أن قوله (وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ) واقع موقع الحال من (لا تَخْتَصِمُوا) والتقديم بالوعيد في الدنيا والخصومة في الآخرة واجتماعهما في زمان واحد واجب فيكون المعنى : لا تختصموا وقد صح عندكم أي قدمت إليكم بالوعيد وصح ذلك عندهم في الآخرة.

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) (٢٩)

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) : نافية لا عمل لها. يبدل : فعل مضارع مرفوع بالضمة وهو فعل مبني للمجهول. القول : نائب فاعل مرفوع بالضمة. لدي : أعرب في الآية الكريمة السابقة .. بمعنى لا يتبدل القول عندي.

(وَما أَنَا) : الواو استئنافية. ما : نافية بمنزلة «ليس» في لغة أهل الحجاز «ما .. الحجازية» ونافية لا عمل لها عند بني تميم. أنا : ضمير منفصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع اسم «ما» أو على الابتداء ـ مبتدأ.

(بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) : الباء حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. ظلام : اسم مجرور لفظا منصوب محلا لأنه خبر «ما» على اللغة الأولى ومرفوع محلا لأنه خبر «أنا» على اللغة الثانية. للعبيد : جار ومجرور متعلق بظلام.

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) (٣٠)

٤٨٤

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) : مفعول فيه ـ ظرف زمان ـ منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بظلام أو يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : اذكر وأنذر ويجوز أن يتعلق بنفخ بتقدير : ونفخ في الصور ـ يوم نقول لجهنم ـ نقول : الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. لجهنم : جار ومجرور متعلق بنقول وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث.

(هَلِ امْتَلَأْتِ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ هل : حرف استفهام لا محل له وحرك آخره بالكسر لالتقاء الساكنين. امتلأت : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك والتاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبة ـ مبني على الكسر في محل رفع فاعل .. بمعنى : هل امتلأت بالمعذبين؟

(وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) : الواو استئنافية. تقول : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هي. والجملة الاسمية بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ هل : أعرب. من : حرف جر زائد داخل على المبتدأ النكرة ومسبوق بحرف استفهام. مزيد : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : ثمة مزيد بمعنى : هل هناك مزيد منهم أي من هؤلاء الذين حقت عليهم كلمة العذاب؟

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) (٣١)

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) : الواو استئنافية. أزلفت : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح والتاء تاء التأنيث الساكنة لا محل لها حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. الجنة : نائب فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة بمعنى وقربت والجار والمجرور «للمتقين» متعلق بأزلفت وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.

(غَيْرَ بَعِيدٍ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بأزلفت وهو مضاف. بعيد : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره

٤٨٥

الكسرة المنونة بمعنى غير بعيدة عنهم بل يشاهدونها أمامهم أو يكون «غير» حالا من «الجنة» وذكر لأنه على زنة المصدر كالزئير والصليل والمصادر يستوي في الوصف بها المذكر والمؤنث أو يكون على حذف موصوف كما حذف في التقدير : أي مكانا غير بعيد بمعنى : شيئا غير بعيد ومعناه التوكيد كما نقول : هو قريب غير بعيد وعزيز غير ذليل.

(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) (٣٢)

(هذا ما تُوعَدُونَ) : الجملة الاسمية في محل رفع نائب فاعل لفعل محذوف بمعنى : يقال لهم هذا هو الجزاء أو الثواب الذي وعدكم به الرسل. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. والجملة الاسمية «هو ما توعدون» في محل رفع خبر «هذا» والجملة الفعلية ـ بعد تقدير الفعل ـ يقال لهم هذا ما توعدون ـ لا محل لها لأنها اعتراضية بين الجار والمجرور «للمتقين» وبين (لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ). توعدون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما توعدونه أو يكون العائد جارا. التقدير : ما توعدون به والاشارة إلى إزلاف ـ قرب ـ الجنة أو إلى الثواب.

(لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) : جار ومجرور بدل من «للمتقين» بتكرير حرف الجر. أواب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى : رجاع إلى الله. حفيظ : صفة ـ نعت ـ لأواب مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى حافظ لحدوده أو للشرائع واللفظتان من صيغ المبالغة ـ فعال بمعنى ـ فاعل ـ

(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (٣٣)

(مَنْ خَشِيَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل جر لأنه بدل من «للمتقين» بدل بعد بدل تابع لكلمة «كل» في الآية الكريمة السابقة ويجوز

٤٨٦

أن يكون «من» بدلا عن الموصوفين «أواب» و «حفيظ» ولا يجوز أن يكون في حكم «أواب» و «حفيظ» لأن «من» لا يوصف به من بين الموصولات إلا بالذي وحده. خشي : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «خشي» وما بعدها صلة الموصول لا محل لها ويجوز أن يكون «من» اسم شرط جازما في محل رفع مبتدأ و «خشي» فعل ماض فعل الشرط في محل جزم بمن. وتكون الجملة الفعلية «يقال لهم ادخلوها بسلام» جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من» وجاء الجواب جمعا في «ادخلوها» لأن «من» في معنى الجمع وجاء الفعل «خشي» بالافراد على لفظ «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموعة معنى. ويجوز أن يكون «من» مبنيا على السكون في محل نصب على النداء وحذف حرف النداء «يا» التقدير : يا من خشي .. وحذف حرف النداء «يا» للتقريب.

(الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بالغيب : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «الرحمن» بمعنى : خشيه وهو غائب لم يعرفه وكونه معاقبا إلا بطريق الاستدراك أو يكون الجار والمجرور «بالغيب» متعلقا بصفة لمصدر محذوف للفعل «خشي» بتقدير : خشيه ـ خشية ملتبسة بالغيب حيث خشي عقابه وهو غائب ويجوز أن يتعلق بخشي أي خشيه بسبب الغيب الذي أوعده به من عذابه.

(وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) : معطوفة بالواو على جملة «خشي» وتعرب إعرابها. بقلب : جار ومجرور متعلق بجاء. منيب : صفة ـ نعت ـ لقلب مجرور مثله وعلامة جرهما «الموصوف والصفة» الكسرة المنونة بمعنى : راجعا إلى الله تائبا.

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) (٣٤)

(ادْخُلُوها بِسَلامٍ) : الجملة الفعلية في محل رفع نائب فاعل لفعل محذوف تقديره : يقال لهم ادخلوها .. وهي فعل أمر مبني على حذف النون لأن

٤٨٧

مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. بسلام : جار ومجرور متعلق بحال من ضمير المخاطبين في «ادخلوها» بمعنى : ادخلوا الجنة سالمين من العذاب وزوال النعم أو مسلما عليكم يسلم الله وملائكته.

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. وحذف المشار إليه اختصارا لأن ما بعده دال عليه. أي ذلك اليوم هو يوم تقدير الخلود. يوم : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. الخلود : مضاف إليه مجرور بالكسرة والجملة الاسمية «هو يوم الخلود» في محل رفع خبر «ذلك».

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) (٣٥)

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) : اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور «لهم» في محل رفع لأنه متعلق بخبر مقدم. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. يشاءون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. فيها : جار ومجرور متعلق بيشاءون والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما يشاءونه فيها بمعنى لهم أي لهؤلاء المتقين ما يشتهونه من النعيم.

(وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) : الواو عاطفة. لدى : ظرف مكان منصوب على الظرفية والأفصح مبني على السكون في محل نصب وهو مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه وشبه الجملة «لدينا» في محل رفع لأنه متعلق بخبر مقدم. مزيد : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : وعندنا زيادة نعيم.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٦)

(وَكَمْ أَهْلَكْنا) : الواو استئنافية. كم : خبرية مبنية على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «أهلك». أهلك : فعل ماض مبني على السكون

٤٨٨

لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل بمعنى : وكثيرا ما أهلكنا قبلهم أي قبل كفار قريش هؤلاء من الأمم كعاد وثمود وغيرهما.

(قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بأهلك وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. من قرن : جار ومجرور متعلق بحال محذوفة من «كم» التقدير : عددا كثيرا قبلهم أهلكنا حال كونهم من أهل قرن فحذف المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «قرن» محله ولا بد من تقدير مضاف لأن ما بعده «هم أشد منهم ..» والقرن لغة هو ثمانون سنة واصطلاحا : مائة سنة .. وقيل : القرن : هم الجماعة المقترنون في زمن واحد كعاد وثمود وغيرهما.

(هُمْ أَشَدُّ) : الجملة الاسمية في محل جر صفة ـ نعت ـ لقرن ـ أو لأهل ويجوز أن تكون في محل نصب حالا من المضاف المحذوف «أهل» بعد إضافته وتخصصه وإن أضيف إلى نكرة فصار شبه معرفة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. أشد : خبر «هم» مرفوع بالضمة ولم ينون آخره لأنه ممنوع من الصرف على وزن ـ أفعل ـ صيغة تفضيل ومن وزن الفعل بمعنى : هم أشد من قريش قوة.

(مِنْهُمْ بَطْشاً) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأشد. بطشا : تمييز منصوب بالفتحة المنونة.

(فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) : الفاء سببية وجاء الفاء للتسبيب عن القول (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً) أي شدة بطشهم قوتهم على التنقيب. نقبوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. في البلاد : جار ومجرور متعلق بنقبوا بمعنى : طوفوا في البلاد.

(هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) : حرف استفهام لا محل له. من : حرف جر زائد داخل على المبتدأ النكرة ومسبوق بحرف استفهام. محيص : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : هل من الله تعالى أو من الموت مهرب.

٤٨٩

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (٣٧)

(إِنَّ فِي ذلِكَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. في : حرف جر. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بفي. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. والجار والمجرور «في ذلك» في محل رفع متعلق بخبر «إن» المقدم بمعنى إن في ذلك المذكور في هذه السورة ومن قصة هؤلاء أي في إهلاكنا القرون ..

(لَذِكْرى لِمَنْ) : اللام لام التوكيد. ذكرى : اسم «إن» المؤخر منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر ولم ينون آخر اللفظة لأنها ممنوعة من الصرف ـ على وزن فعلى ـ اسم مقصور رباعي مؤنث. اللام حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بصفة محذوفة من «ذكرى».

(كانَ لَهُ قَلْبٌ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. له : جار ومجرور في محل نصب متعلق بخبر «كان» المقدم. قلب : اسم «كان» المؤخر مرفوع بالضمة المنونة بمعنى أن في إهلاكنا القرون لموعظة لمن كان له قلب واع للحق وقد يعبر به عن العقل أي لمن كان له عقل يعي الحق أي يدرك به الحق.

(أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) : حرف عطف. ألقى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. السمع : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : أو أصغى لسماعه أي سماع المواعظ.

(وَهُوَ شَهِيدٌ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هو : ضمير منفصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. شهيد : خبر «هو» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : وهو حاضر بذهنه ليفهم معانيه.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨)

٤٩٠

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا) : الواو استئنافية. اللام لام الابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. خلق : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» منصوبة مثلها وعلامة نصبها الفتحة.

(وَما بَيْنَهُما) : الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب معطوف على منصوب. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بفعل محذوف وهو مضاف بمعنى وما وجد أو استقر بينهما. الهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه و «ما» علامة التثنية والجملة الفعلية «وجد بينهما» صلة الموصول لا محل لها بمعنى وما بينهما من المخلوقات.

(فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) : جار ومجرور متعلق بخلقنا. أيام : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى في ستة أدوار ..

(وَما مَسَّنا) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. مس : فعل ماض مبني على الفتح و «نا» ضمير متصل ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم بمعنى : وما لحقنا.

(مِنْ لُغُوبٍ) : حرف جر زائد لتأكيد النفي. لغوب : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا لأنه فاعل «مس» بمعنى : تعب.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) (٣٩)

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) : الفاء استئنافية. اصبر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. على : حرف جر. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور

٤٩١

متعلق باصبر. يقولون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى فاصبر يا محمد على ما يقولون من إنكار البعث أي ما يقول المشركون من إنكارهم البعث ودعوتك إلى التوحيد. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما يقولونه أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «يقولون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بعلى التقدير : على قولهم. والجار والمجرور متعلق باصبر.

(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «اصبر» وتعرب مثلها. بحمد : جار ومجرور في محل نصب حال من ضمير «سبح» بمعنى : حامدا ربك بمعنى : ونزه ربك حامدا إياه سبحانه على نعمه. والتسبيح محمول على ظاهره أي التنزيه أو على الصلاة. ربك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره للتعظيم الكسرة وهو مضاف والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه ثان.

(قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية متعلق بسبح وهو مضاف. طلوع : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الشمس : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : في الفجر أي صلاة الفجر.

(وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) : معطوف بالواو على «قبل الطلوع» ويعرب إعرابه بمعنى وقبل غرب الشمس أي الظهر والعصر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (٤٠)

(وَمِنَ اللَّيْلِ) : معطوف بالواو على «قبل الغروب» ويعرب مثله و «من» للتبعيض بمعنى وسبحه بعض الليل بصلاتي المغرب والعشاء.

٤٩٢

(فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) : معطوفة بالفاء على جملة «سبح» وتعرب إعرابها والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. الواو عاطفة. وأدبار السجود : يعرب إعراب «قبل الغروب» بمعنى : وسبحه أي نزهه عشاء .. أو وأعقاب الصلاة. ومعنى الآية الكريمة : وسبح بحمد ربك في هذه الأوقات كلها.

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٤١)

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ) : الواو عاطفة. استمع : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. يوم : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بفعل مضمر دل عليه ذلك الخروج أي يوم ينادي المنادي يخرجون من الأجداث يوم القيامة.

(يُنادِ الْمُنادِ) : الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة خطا وبقيت الكسرة المناسبة للياء وجاء الحذف أيضا لكثرة الاستعمال. المناد : فاعل مرفوع بالضمة المقدرة للثقل على الياء المحذوفة وعلة حذفها هي نفسها المعتل بها في الفعل «يناد».

(مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) : جار ومجرور متعلق بينادي. قريب : صفة ـ نعت ـ لمكان مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة.

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) (٤٢)

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ) : الجملة بدل من «يوم ينادي» وتعرب مثلها و «يسمعون» فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى يسمع الناس أي الموتى النداء.

(الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة أي النفخة الثانية. بالحق : جار ومجرور متعلق بحال من «الصيحة» أي مقترنة بالحق والمراد : البعث والحشر للجزاء للناس على السواء.

٤٩٣

(ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. يوم : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. والجملة الاسمية «هو يوم الخروج» في محل رفع خبر «ذلك». الخروج : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة أي الخروج من القبور عند الصيحة الثانية.

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) (٤٣)

(إِنَّا نَحْنُ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. و «نا» ضمير متصل مدغم بنون «إن» مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». نحن : ضمير منفصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع مبني على الضم في محل نصب توكيد للضمير «نا».

(نُحْيِي وَنُمِيتُ) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : نحن. وحذف مفعول الفعل اختصارا لأنه معلوم .. بمعنى : نحيي الموتى ونميت الأحياء أو نحيي جيلا أو قرنا ونميت جيلا أو قرنا. ونميت : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «نحيي» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل الضمة الظاهرة على آخره.

(وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) : الواو عاطفة. إلى : حرف جر و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل جر بإلى والجار والمجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم. المصير : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة بمعنى وإلينا مرجع الخلق جميعا.

(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) (٤٤)

(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ) : ظرف زمان ـ مفعول فيه ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة والعامل فيه «إلينا المصير» وهو مضاف. تشقق : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الأرض : فاعل مرفوع بالضمة والجملة الفعلية «تشقق الأرض» في محل جر مضاف إليه بمعنى : تتصدع وأصله : تتشقق ..

٤٩٤

حذفت إحدى التاءين اختصارا ـ لتوالي التاءات ـ وتتشقق : بمعنى : تنشق. ويجوز أن ينتصب «يوم» مفعولا به بفعل محذوف تقديره : اذكر يوم ..

(عَنْهُمْ سِراعاً) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن والجار والمجرور متعلق بتشقق. سراعا : حال من ضمير الغائبين في «عنهم» بمعنى : مسرعين .. وهو منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى : يخرجون من الأرض سراعا أي مسرعين فيكون الحال على هذا المعنى من ضمير الغائبين في الفعل المقدر «يخرجون» وهي جمع «سريع» أي مسرع أو يخرجون من قبورهم مسرعين في الخروج إلى المحشر عند سماعهم المنادي.

(ذلِكَ حَشْرٌ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. حشر : خبر «ذلك» مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : ذلك يوم جمعهم للحساب وقدم الظرف «علينا» دليلا على الاختصاص أي لا يتيسر إلا على القادر.

(عَلَيْنا يَسِيرٌ) : حرف جر و «نا» ضمير الواحد المطاع مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بيسير و «يسير» صفة ـ نعت ـ لحشر مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى : وذلك أمر هين سهل علينا.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) (٤٥)

(نَحْنُ أَعْلَمُ) : ضمير منفصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على الضم في محل رفع مبتدأ. أعلم : خبر «نحن» مرفوع بالضمة.

(بِما يَقُولُونَ) : الباء حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بأعلم. والجملة الفعلية «يقولون» صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : بما يقولونه من الكفر أي من الافتراء والتكذيب بيوم البعث. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : بما يقولونه. أو تكون «ما»

٤٩٥

مصدرية فتكون جملة «يقولون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالباء. التقدير : بقولهم.

(وَما أَنْتَ) : الواو عاطفة. ما : نافية لا عمل لها. أنت : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ.

(عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق بالخبر. بجبار : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «أنت» بمعنى : بمتسلط تجبرهم على الإيمان.

(فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ) : الفاء استئنافية. ذكر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. بالقرآن : جار ومجرور متعلق بذكر. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(يَخافُ وَعِيدِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. وعيد : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على ما قبل الياء منع من ظهورها كسرة تجانس الياء والياء المحذوفة خطا واختصارا ومراعاة لفواصل الآيات ـ رأس آية ـ ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع سبحانه ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : تهديدي لمن خالف أمري. و «الكسرة» دالة على الياء المحذوفة.

***

٤٩٦

سورة الذاريات

معنى السورة : الذاريات : جمع «الذارية» والذارية : اسم فاعلة وهي مؤنث : الذاري .. وفعله «ذرا» فعل متعد إلى مفعول. يقال : ذروت الشيء ـ أذروه ذروا : بمعنى : طيرته وأذهبته وهو من باب «عدا ـ يعدو ـ عدوا» ويقال : ذرت الريح التراب وغيره من الباب نفسه أي باب «عدا» وباب «رمى» بمعنى : سفته أن نسفته ومنه القول : ذرى الناس الحنطة فالريح ذارية والرياح ذاريات .. أي مطيرات ومفرقات التراب وغيره. فالذاريات : أصلا صفة لموصوف محذوف تقديره : الرياح الذاريات فحذف الموصوف وأقيمت صفته «الذاريات» مقامه. والمصدر «ذروا» للفعل «ذرا ـ يذرو» وقد جاء الفعل المضارع مذكورا مرة واحدة في القرآن الكريم في قوله تعالى في سورة «الكهف» : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) صدق الله العظيم. بمعنى : فاضرب لهم أيها النبي مثلا هذه الحياة في سرعة زوالها بنبات قد نما والتف بعضه ببعض بسبب ماء نزل عليه من السماء فما لبث أن صار مهشوما لأن «هشيما» صيغة ـ فعيل بمعنى مفعول ـ تثيره الرياح وتفرقه إلى كل جهة. و «الذرى» بضم الذال : جمع ذروة ـ بكسر الذال ـ هو كل ما يستتر به الشخص .. أما «الذروة» بكسر الذال ـ من كل شيء .. فهي أعلاه.

تسمية السورة : وردت لفظة «الذاريات» مرة واحدة في القرآن الكريم وسميت بها إحدى سوره الشريفة .. وتصدرت آيتها الأولى : (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) أي وحق الرياح الذاريات التي تذرو التراب وغيره وحذف مفعول اسم الفاعلات «الذاريات» وهو «التراب» لأنه معلوم وجاء فعلها الثلاثي متعديا إلى المفعول والفعل الرباعي «أذرى» بمعنى : أطار وفرق ونسف .. ويأتي الفعل المشدد منه أيضا متعديا نحو : ذريت الطعام تذرية : إذا خلصته من تبنه .. والطعام هنا المقصود به الحنطة .. ومن تسمية إحدى سور القرآن الكريم بهذه التسمية تتبين أهمية الرياح عند الله لأنها تكون

٤٩٧

أحيانا سببا في رزق ومعيشة الناس لأنه عن طريق نقله للتراب من مكان لآخر حتى يتطاير وينشر الأبخرة في الجو حتى تنعقد سحابا ومن ثم مطرا يجلب الخير والنماء للإنسان والزرع.

فضل قراءة السورة : قال رسول الله الحكيم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الذاريات» أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل ريح هبت وجرت في الدنيا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١)

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) : الواو واو القسم حرف جر. الذاريات : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. التقدير : ورب الذاريات أو وحق الذاريات والأصل الرياح الذاريات فحذف الموصوف المقسم به «الرياح» وأقيمت الصفة «الذاريات» مقامه كما حذف مفعول اسم الفاعلات «الذاريات» وهو «الغبار» لأن المعنى : والرياح السافنات ـ المطيرات ـ الغبار والتراب وغيرهما بمعنى تنقله من مكان إلى آخر فيتطاير. ذروا : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. والعامل فيه هو «الذاريات» وفعل القسم المحذوف تقديره : أقسم برب الذاريات.

(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢)

(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) : معطوف بالفاء على (وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) ويعرب إعرابه على إيقاع «وقرا» موقع أو معنى «حملا» بمعنى : فالسحب الحاملات أثقال الأمطار حملا أي الماء الذي تحمله السحب حملا ثقيلا.

(فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣)

(فَالْجارِياتِ يُسْراً) : يعرب إعراب «فالحاملات وقرا» بمعنى فبالرياح الجاريات أي تقل السحاب فتجري في الجو باسطة له جريا ذا يسر أي سهلا أو جريا

٤٩٨

يسرا أو الرياح الجاريات في مهابها والكواكب التي تجري في منازلها .. وقيل : المعنى : فبالسفن الجاريات في البحر أي على سطح الماء جريا سهلا و «يسرا» صفة ـ نعت ـ للمصدر «جريا» المحذوف والعامل فيه هو «الجاريات» وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤)

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) : معطوف بالفاء أيضا على ما قبله ويعرب إعرابها. بمعنى : فالملائكة المقسمات الأمطار والأرزاق وغيرها المأمورات أمرا و «أمرا» مفعول به منصوب باسم الفاعلات «المقسمات» وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أو يكون منصوبا على المصدر ـ المفعول المطلق ـ والعامل فيه اسم المفعولات «المأمورات».

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) (٥)

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) : الجملة جواب القسم المحذوف لا محل لها. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل واقعة في جواب القسم. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». توعدون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما توعدونه أو تكون الصلة حرف جر محذوفا بتقدير : ما توعدون به بمعنى إن الذي توعدون به من البعث والحشر والحساب لمحقق. اللام لام التوكيد المزحلقة. صادق : خبر «إن» مرفوع وعلامة رفعه الضمة المنونة.

(وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) (٦)

(وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) : الواو عاطفة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الدين : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. اللام لام التوكيد ـ المزحلقة. واقع : خبر «إن» مرفوع وعلامة رفعه الضمة المنونة بمعنى وإن الجزاء لحاصل.

٤٩٩

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) (٧)

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) : الواو واو القسم حرف جر. السماء : مقسم به مجرور وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. ذات : صفة ـ نعت ـ للسماء مجرور وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الحبك : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ذات الطرائق أو الطرق لسير الكواكب جمع «حبيكة» أي طريقة.

(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) (٨)

(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ) : الجملة المؤولة من «إن» مع اسمها وخبرها جواب قسم مقدر لا محل لها. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والميم علامة جمع الذكور. اللام لام التوكيد المزحلقة. في قول : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «إن».

(مُخْتَلِفٍ) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «قول» مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى : إنكم في القرآن أو في محمد لمتناقضون أي في أقوال مختلفة فمنكم من يقول إنه ساحر ومنكم من يقول إنه شاعر وآخر يقول كاهن وتقولون : إن الله خالق الكون ثم تعبدون الأصنام.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) (٩)

(يُؤْفَكُ عَنْهُ) : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. عنه : جار ومجرور متعلق بيؤفك بمعنى : يصرف عنه أي عن القرآن.

(مَنْ أُفِكَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع نائب فاعل والجملة الفعلية (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) في محل جر صفة ـ نعت ـ للموصوف «قول» والأفصح أن تكون بيانية أو تعليلية لا محل لها. أفك : فعل ماض مبني للمجهول مبني على الفتح ونائب الفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. والجملة الفعلية «أفك» صلة الموصول لا محل لها بمعنى من

٥٠٠