إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(أُولئِكَ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ والكاف حرف خطاب والاشارة إلى الظالمين والمفسدين.

(لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) : الجملة الاسمية في محل رفع خبر «أولئك» اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم. عذاب : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. أليم : صفة ـ نعت ـ لعذاب مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة المنونة بمعنى لهم عذاب مؤلم.

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣)

(وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) : الواو عاطفة. اللام لام الابتداء والتوكيد. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. ومجموع جملتي فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من». صبر : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والجملة الفعلية «صبر» صلة الموصول «من» لا محل لها. وغفر : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «صبر» وتعرب إعرابها بمعنى : ومن صبر على الظلم والأذى وغفر للمسيء ذنبه. والفعل «صبر» في محل جزم بمن لأنه فعل الشرط.

(إِنَّ ذلِكَ) : الجملة من «إن» مع اسمها وخبرها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء لا محل لها. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» اللام للبعد والكاف حرف خطاب.

(لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ من عزم : جار ومجرور في محل رفع خبر «إن». الأمور : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى إن ذلك الصبر .. المغفرة من الأمور المؤكدة المعزومة أو من عزم أصحاب الأمور.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٤)

١٢١

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ) : الواو استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل نصب مفعول به مقدم لأن الفعل بعده لم يستوف مفعوله. يضلل : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه سكون آخره حرك بالكسر لالتقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى ومن يخذل الله من الفساق.

(فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍ) : الجملة جواب شرط جازم مسبوق بنفي مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. ما : نافية لا عمل لها. له : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. من : حرف جر زائد لتأكيد معنى النفي. ولي : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر بمعنى : من ناصر يتولاه من بعد خذلانه.

(مِنْ بَعْدِهِ) : جار ومجرور متعلق بولي ـ اسم الفاعل ـ على تأويل فعله أو متعلق بصفة محذوفة من «ولي». والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر بالإضافة.

(وَتَرَى الظَّالِمِينَ) : الواو استئنافية. ترى : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. الظالمين : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الياء لانه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى الكافرين المكذبين بيوم القيامة بمعنى يهديه من بعده وترى ..

(لَمَّا رَأَوُا) : ظرف زمان مبني على السكون في محل نصب بمعنى «حين» متعلق بترى. رأوا : الجملة الفعلية في محل جر مضاف إليه وهي فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة وبقيت الفتحة على الألف دالة على الألف المقصورة المحذوفة.

(الْعَذابَ يَقُولُونَ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. يقولون : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير «رأوا» وهي فعل مضارع

١٢٢

مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل وتعدى الفعل إلى مفعول واحد لأن رأى هنا بصرية وليست بمعنى الظن أو رأى القلبية ويجوز أن تكون الجملة الفعلية «يقولون» لا محل لها إذا اعتبرت «لما» الحينية اسم شرط غير جازم في محل نصب على الظرفية الزمانية متعلقا بالجواب.

(هَلْ إِلى مَرَدٍّ) : حرف استفهام لا عمل له يفيد هنا التمني بمعنى «ليت» إلى مرد : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم أي إلى رجعة ..

(مِنْ سَبِيلٍ) : حرف جر زائد للتأكيد. سبيل : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر بمعنى هل إلى رجعة إلى الدنيا من وسيلة أو طريق لنتوب ونعمل عملا صالحا ومعنى التمني في «هل» هو طلب شيء محبوب لا يرجى حصوله لاستحالته أو لبعد تحقيقه. قالوا ذلك حين رأوا النار وعذابها.

(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) (٤٥)

(وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ) : الواو عاطفة. ترى : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. يعرضون : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير الغائبين وهي فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل.

(عَلَيْها خاشِعِينَ) : جار ومجرور متعلق بيعرضون. خاشعين : حال ثانية منصوبة وعلامة نصبها الياء لانها جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد بمعنى خاضعين خائفين.

(مِنَ الذُّلِ) : جار ومجرور في محل نصب تمييز بمعنى مما لحقهم من الذل و «من» حرف جر بياني. ويجوز أن يتعلق بينظرون ويوقف على خاشعين بمعنى : وهم خاشعون من الذل.

١٢٣

(يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال آخر وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى ينظرون إليها أي إلى النار من طرف : جار ومجرور متعلق بينظرون. خفي : صفة ـ نعت ـ لطرف مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الموصوف والصفة ـ الكسرة المنونة بمعنى : يسترقون أو يختلسون النظر إلى النار هلعا. و «من طرف» بمعنى : بطرف.

(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) : الواو عاطفة. قال : فعل ماض مبني على الفتح. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة بعدها «إن الخاسرين الذين ..» في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الخاسرين : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره هم والجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع خبر «إن» والجملة بعدها «خسروا أنفسهم» صلة الموصول لا محل لها.

(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ) : الجملة الفعلية تعرب إعراب جملة «آمنوا». أنفس : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. وأهليهم : معطوف بالواو على «أنفسهم» ويعرب مثله وعلامة نصبه الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم وأصله : أهلين حذفت النون للاضافة بمعنى : ضيعوهما.

(يَوْمَ الْقِيامَةِ) : ظرف زمان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلق بخسروا ـ على تقدير وقوع قول المؤمنين في الدنيا ـ وهو مضاف. القيامة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة أو يكون «يوم»

١٢٤

متعلقا بقال ـ على تقدير قول المؤمنين يوم القيامة ـ أي يقولون إذا رأوهم على تلك الحال أو الصفة.

(أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ) : أداة تنبيه واستفتاح للتوكيد. إن الظالمين : تعرب إعراب «إن الخاسرين» أي الظالمين أنفسهم.

(فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر «إن». مقيم : صفة ـ نعت ـ لعذاب مجرور مثله وعلامة جرهما ـ الصفة والموصوف الكسرة المنونة بمعنى : في عذاب دائم مؤلم وحذف مفعول «الخاسرين» أي المضيعين أنفسهم.

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦)

(وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة العشرين من سورة «هود». ينصرون : الجملة الفعلية في محل جر على اللفظ صفة لأولياء وفي محل رفع على المحل صفة لأولياء وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى : ينقذونهم من العذاب غير الله تعالى.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) : أعرب في الآية الكريمة الرابعة والأربعين. بمعنى فما له إلى النجاة من طريق بمعنى : ومن يخذله الله فما له إلى النجاة من طريق إلى الهدى .. أي النجاة من العذاب.

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) (٤٧)

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ) : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. لربكم : جار ومجرور متعلق باستجيبوا وهو على معنى مفعول الفعل الذي تعدى إليه باللام بمعنى وأطيعوا ربكم وأجيبوا دعوة الرسول إياكم للايمان.

١٢٥

الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور .. أي أجيبوا أيها الناس داعي الله.

(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة الثالثة والأربعين من سورة «الروم». ما : نافية لا عمل لها. لكم : جار ومجرور متعلق بخبر مقدم والميم علامة جمع الذكور. من : حرف جر زائد لتأكيد النفي. ملجأ : اسم مجرور لفظا مرفوع محلا على أنه مبتدأ مؤخر و «من الله» من صلة «لا مرد» بمعنى لا يرده الله بعد ما حكم به أو من صلة «يأتي» بمعنى : من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده.

(وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) : معطوف بالواو على «ما لكم من ملجأ» ويعرب إعرابه بمعنى وما لكم من إنكار ما اقترفتموه من الذنوب.

** (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة والأربعين .. المعنى : وتراهم يعرضون على النار خاضعين خائفين مما لحقهم من الذل ينظرون إليها اختلاسا ذعرا منها ناظرين إليها نظرة يسترقونها بتحريك خفيف لأجفانهم نظر المحكوم عليه لآلة تنفيذ الحكم بحقه خفي معظمها تحت الجفن من شدة الخوف. والطرف هو العين قالت العرب : رد الطرف من الظرف. و «الظرف» هو الكياسة ـ أي حسن الفهم والأدب ـ والحذق : أي المهارة والبراعة. ويقال : أطرق الرجل : بمعنى : أرخى عينيه إلى الأرض .. وأطرق رأسه : أي خفضه وأرخى عينيه ينظر إلى الأرض. ويقال : لحظ الرجل صاحبه ـ يلحظه ـ لحظا وإلى صاحبه بالعين : بمعنى نظر إليه بمؤخر العين عن يمين ويسار أو راقبه .. واللحظة : هي المرة من اللحظ .. وهي وقت كقدر لحظة العين. واللحاظ ـ بفتح اللام وكسرها ـ : هو مؤخر العين مما يلي الصدغ. أما «اللحظ» فهو باطن العين .. ومنه قيل : لحظ أصدق من لفظ وقد أبدع من قال :

مرض الحبيب فعدته

فمرضت من حذري عليه

شفي الحبيب فعادني

فشفيت من نظري إليه

روي عن النبي داود ـ عليه‌السلام ـ : اللهم إني أعوذ بك من جار عينه تراني وقلبه يرعاني إن رأى حسنة كتمها وإن رأى سيئة نشرها.

** (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) : ورد هذا القول الكريم في آخر الآية الكريمة الثامنة والأربعين .. وجاء الضمير في «تصبهم» للجماعة وهو عائد على الانسان لأن «الانسان» اسم جنس يدل على المفرد والجمع .. وبما قدمت أيديهم : أي بسبب ما اقترفته أيديهم وغيرها .. وعبر بالأيدي لأن أكثر الأعمال والأفعال تزاول بها.

١٢٦

** (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الحادية والخمسين .. أي إلا عن طريق الوحي بأن يخلق في قلبه ما يشاء إلقاءه إليه و «الوحي» كلام يدرك بسرعة وهو كلام خفي.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة حينما قال اليهود للنبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا كما كلمه موسى؟ فنزلت هذه الآية الكريمة وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : لم ينظر موسى إلى الله تعالى. وقوله عزوجل : أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه : معناه : أو يرسل إليه رسولا من الملائكة ـ كجبريل ـ عليه‌السلام ـ و «رسولا» منصوب بأن .. ومثله : القول : وتقر عيني .. قال سيبويه : التقدير : وأن تقر عيني .. وهذا البيت واحد من أبيات قصيدة الشاعرة ميسون بنت بحدل الكلبية زوجة معاوية بن أبي سفيان وأم ابنه يزيد وكانت بدوية الأصل فضاقت نفسها لما تسرى عليها فعذلها عن ذلك معاوية وقال لها : أنت في ملك عظيم وما تدرين قدره وكنت قبل اليوم في العباءة فقالت :

للبس عباءة وتقر عيني

أحب إلي من لبس الشفوف

وقبله :

وبيت تخفق الأرواح فيه

أحب إلي من قصر منيف

وبعده :

فما أبغي سوى وطني بديلا

فحسبي ذاك من وطن شريف

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (٤٨)

(فَإِنْ أَعْرَضُوا) : الفاء استئنافية. إن : حرف شرط جازم. أعرضوا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة فعل الشرط في محل جزم بإن. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : فإن صدوا عنك. أي عن الإجابة.

(فَما أَرْسَلْناكَ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. ما : نافية لا عمل لها. أرسل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

١٢٧

(عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بأرسلنا. حفيظا : حال. من ضمير المخاطب منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى رقيبا أو محاسبا.

(إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) : مخففة مهملة بمعنى : ما .. النافية. عليك : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر مقدم ، إلا : أداة حصر لا عمل لها. البلاغ : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة بمعنى وما عليك إلا التبليغ أي تبليغ الرسالة.

(وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة السادسة والثلاثين من سورة «الروم» والجملة الشرطية من فعلها وجوابها في محل رفع خبر «إن». من : حرف جر و «نا» ضمير الواحد المطاع مبني على السكون في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بأذقنا.

(فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) : الجملة جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء واقعة في جواب الشرط. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الإنسان : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. كفور : خبر «إن» مرفوع وعلامة رفعه الضمة المنونة بمعنى كثير الكفران لأن «كفور» من صيغ المبالغة ـ فعول ـ بمعنى فاعل.

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) (٤٩)

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : جار ومجرور للتعظيم متعلق بخبر مقدم. ملك : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. السموات : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها.

(يَخْلُقُ ما يَشاءُ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من لفظ الجلالة وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

١٢٨

يشاء : تعرب إعراب «يخلق» والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها وحذف المفعول به أو العائد إلى الموصول اختصارا وهو منصوب المحل لأنه مفعول به. بمعنى : ما يشاؤه أو ما يشاء خلقه بمعنى ما تقتضيه حكمته سبحانه.

(يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) : تعرب إعراب «يخلق» اللام حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيهب أو هو في مقام مفعول «يهب» الأول الذي تعدى إليه باللام لأن الفعل «وهب» من الهبة بمعنى : يعطي. يشاء : أعربت. إناثا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «يهب لمن يشاء إناثا» وتعرب إعرابها بمعنى لمن يريد أي يعطي لمن يريد ذرية إناثا. ويعطي لمن يريد ذرية ذكورا.

(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٥٠)

(أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً) : حرف عطف. يزوج : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. ذكرانا : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(وَإِناثاً وَيَجْعَلُ) : معطوف بالواو على «ذكرانا» ويعرب إعرابه. ويجعل : معطوف على «يزوج» ويعرب إعرابه.

(مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء عقيما : تعرب إعراب «يزوج ذكرانا» والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به التقدير : من يشاؤه بمعنى : أو يجعلهم اناثا وذكورا أي يجعلهم ذكرا وأنثى ويجعل من يريد بلا ذرية.

١٢٩

(إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». عليم قدير : خبرا «إن» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة المنونة بمعنى عليم بصالح العباد قدير على تكوين ما يصلحهم.

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٥١)

(وَما كانَ لِبَشَرٍ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. كان : فعل ماض تام بمعنى : وما صح لأحد من البشر والجار والمجرور «لبشر» متعلق بكان. ولو أعربت «كان» ناقصة لكان الجار والمجرور «لبشر» في محل نصب متعلقا بخبرها المقدم ويكون المصدر المؤول «أن يكلمه الله» في محل رفع اسمها المؤخر والمراد ببشر : الإنسان.

(أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ) : حرف مصدري ناصب. يكلمه : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة الفعلية «يكلمه الله» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل رفع فاعل «كان» أو اسمها المؤخر على الوجهين من إعراب «كان» التقدير : تكليم الله له.

(إِلَّا وَحْياً) : أداة حصر لا عمل لها. وحيا : مصدر واقع موقع الحال منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة ويجوز أن يكون موضوعا موضع «كلاما» أو «تكليما» لأن «الوحي» كلام خفي في سرعة ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا منصوبا على المصدر من وحى ـ يحي ـ وحيا .. بمعنى : أوحى يوحي إيحاء.

(أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) : حرف عطف. من وراء : جار ومجرور ـ شبه جملة ـ في محل نصب واقع موقع الحال أيضا بمعنى : وما صح أن يكلم أحدا إلا موحيا أو مسمعا من وراء .. حجاب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى من وراء ستار كما كلم موسى ـ عليه‌السلام ـ.

١٣٠

(أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) : حرف عطف. يرسل : تعرب إعراب «أن يكلم» والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو بتقدير أن يرسل. رسولا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة و «أن» وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب حال أخرى تعرب إعراب «وحيا» لأن المصدر المؤول «أن يرسل» معطوف على «وحيا» وهو اسم صريح إذا وقع المضارع موقع المصدر و «أن» مضمرة بعد عاطف على اسم غير شبيه بالفعل ولأن «أن يرسل» في معنى : إرسالا وبتقدير الحال : مرسلا بمعنى أو يرسل ملكا يبلغه مراده كجبريل ..

(فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ) : الفاء عاطفة للتسبيب. يوحي : تعرب إعراب «يرسل» بإذنه : جار ومجرور متعلق بيوحي والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه بمعنى : بأمر الله تعالى. أي فيلقي إلى المرسل إليه بأمره.

(ما يَشاءُ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : ما يشاؤه أو بمعنى ما يشاء إيحاءه.

(إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». علي حكيم : خبرا «إن» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة المنونة بمعنى : إنه سبحانه علي عن صفات المخلوقين حكيم : أي يجري أفعاله على موجب الحكمة.

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٥٢)

(وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : الواو استئنافية. الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ والجملة الفعلية «أوحينا إليك ..» في محل رفع

١٣١

خبر المبتدأ. المعنى ومثل إيحائنا إلى غيرك من الرسل أوحينا إليك .. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد والكاف حرف خطاب. أو تكون الكاف في محل نصب صفة أو نائبة عن مفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف بمعنى : وأوحينا إليك إيحاء مثل ذلك الإيحاء إلى غيرك من الرسل. أوحى : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل. إليك : جار ومجرور متعلق بأوحينا.

(رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. من أمر : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «روحا» و «نا» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل جر مضاف إليه بمعنى القرآن.

(ما كُنْتَ تَدْرِي) : الجملة الفعلية وما بعدها في محل نصب حال من ضمير المخاطب في «إليك». ما : نافية لا عمل لها. كنت : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان». تدري : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. والجملة الفعلية «تدري ما الكتاب» في محل نصب خبر «كان» أي ما كنت تعرف.

(مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به للفعل «تدري». ما : اسم استفهام مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. الكتاب : خبر «ما» مرفوع بالضمة. ولا الإيمان : معطوف بالواو على ما الكتاب ويعرب مثله بمعنى وما الإيمان. أو تكون «لا» زائدة لتأكيد معنى النفي. و «الإيمان» معطوف على «الكتاب» مرفوع مثله بالضمة أي ما القرآن قبل الوحي إليك.

(وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً) : الواو زائدة. لكن : حرف مخفف مهمل غير عامل يفيد الاستدراك. جعلنا : تعرب إعراب «أوحينا» والهاء ضمير متصل مبني

١٣٢

على الضم في محل نصب مفعول به يعود على «الكتاب». نورا : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(نَهْدِي بِهِ) : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. به : جار ومجرور متعلق بنهدي والجملة الفعلية نهدي به من نشاء في محل نصب صفة ـ نعت ـ للموصوف «نورا» أي نهدي به إلى الدين الحق.

(مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. نشاء : تعرب إعراب «نهدي» وعلامة رفعه الضمة الظاهرة وجملة «نشاء» صلة الموصول لا محل لها وحذف العائد إلى الموصول المنصوب المحل على المفعولية. التقدير : من نشاؤه أو يكون مفعول «نشاء» هو المحذوف بتقدير : من نشاء هدايته. من عبادنا : جار ومجرور متعلق بحال محذوف من الاسم الموصول «ما» و «من» حرف جر بياني. التقدير : حال كونه من عبادنا و «نا» أعربت في «أمرنا».

(وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) : الواو استئنافية. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن» اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ تهدي : تعرب إعراب «تدري» والجملة الفعلية «تهدي ..» في محل رفع خبر «إن».

(إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) : جار ومجرور متعلق بتهدي. مستقيم : صفة ـ نعت ـ لصراط مجرور مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة أي ترشد إلى سبيل قويم أي لترشد الناس ..

(صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)

(صِراطِ اللهِ الَّذِي) : بدل من «صراط» في الآية الكريمة السابقة مجرور مثله وعلامة جره الكسرة. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل جر صفة ـ نعت ـ للفظ الجلالة أو بدل منه.

١٣٣

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ) : الجملة الاسمية صلة الموصول لا محل لها. له : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع مبتدأ مؤخر. في السموات : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر .. وجد وجملة «وجد في السموات» صلة الموصول لا محل لها.

(وَما فِي الْأَرْضِ) : معطوف بالواو على «له ما في السموات» ويعرب إعرابه. و «صراط الله» بمعنى : دين الله.

(أَلا إِلَى اللهِ) : حرف استفتاح وتنبيه للتأكيد. إلى الله : جار ومجرور للتعظيم متعلق بتصير بمعنى : ترجع الأمور إليه سبحانه.

(تَصِيرُ الْأُمُورُ) : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الأمور : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضمة بمعنى : إن مصير الأمور كلها يرجع إليه عزوجل ليجازي من آمن وأحسن ويعاقب من أساء.

***

١٣٤

سورة الزخرف

معنى السورة : الزخرف ـ بضم الزاي والراء ـ بمعنى : الذهب .. الزينة .. وقيل : ثم يشبه به كل مموه مزور .. والمزخرف ـ بضم الميم وفتح الراء ـ اسم مفعول ـ بمعنى المزين. وفعله : زخرف .. نحو : زخرف الشيء ـ يزخرفه ـ زخرفة : بمعنى : حسنه وزينه وزخرف كلامه : أي موهه بالكذب .. والزخرف : جمعه : زخارف .. ومنه القول : تزخرف الرجل : بمعنى : تزين وهذا الفعل فعل مزيد .. وتطلق اللفظة على الكلام .. فيقال : زخرف الكلام : أي أباطيله .. وذكر المنجد أيضا : زخرف الأرض : بمعنى : ألوانها ويطلق الجمع «الزخارف» على السفن وبهذين المعنيين .. أي الذهب والزينة ورد ذكرهما في كتاب الله الكريم ففي سورة «الاسراء» جاءت اللفظة بمعنى «الذهب» في قوله تعالى : (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ) بمعنى : بيت من ذهب وجاءت بمعنى «الزينة» في قوله تعالى في سورة «الزخرف» : (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) وسررا جمع «سرير» و «زخرفا» هنا بمعنى : زينة. وجاء بالمعنى نفسه في سورة «يونس» : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) بمعنى : حتى إذا بلغت الأرض كامل زينتها عن طريق النباتات المختلفة .. أما قوله تعالى في سورة «الأنعام» : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ) فمعناه : زخارف من الأباطيل وهي من زخرف الكلام : أي موهه بالكذب .. ويقال : زخرف الرجل المعدن ـ بكسر الدال ـ بمعنى : حسنه وزينه فالمعدن مزخرف ـ اسم مفعول ـ بمعنى : مزين والرجل مزخرف ـ بكسر الراء .. اسم فاعل ـ بمعنى : مزين ـ بكسر الياء ـ.

تسمية السورة : وردت لفظة «الزخرف» في القرآن الكريم أربع مرات .. ثلاث منها في السور الكريمة المذكورة آنفا .. وهي الإسراء .. يونس .. والأنعام .. والمرة الرابعة في سورة خصها الله تعالى بهذا الاسم أي في سورة «الزخرف» في الآية الكريمة المذكورة آنفا.

١٣٥

فضل قراءة السورة : قال رسول الله المختار محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «من قرأ سورة «الزخرف» كان ممن يقال له يوم القيامة : يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ادخلوا الجنة بغير حساب» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(حم) (١)

هذه الأحرف الكريمة وأمثالها شرحت بصورة مسهبة في سورة «يوسف».

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢)

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) : الواو واو القسم. حرف جر. الكتاب : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. المبين : صفة ـ نعت ـ للكتاب مجرور مثله وعلامة جره الكسرة أي وحق الكتاب أي القرآن البين أو الواضح للمتدبرين.

(إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٣)

(إِنَّا جَعَلْناهُ) : الجملة جواب القسم لا محل لها. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» المدغمة بنون «إن» ضمير متصل ـ ضمير الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». جعل : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول والجملة الفعلية «جعلناه قرآنا عربيا» في محل رفع خبر «إن».

(قُرْآناً عَرَبِيًّا) : مفعول به ثان منصوب بالفعل «جعل» المتعدي إلى مفعولين لأن معناه : صيرناه أو بيناه وعلامة نصبه الفتحة المنونة. عربيا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «قرآنا» منصوب مثله .. وعلامة نصبه الفتحة المنونة .. أي جعلناه عربيا حتى تفهموا معانيه.

١٣٦

(لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن». الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «لعل» والميم علامة جمع الذكور. تعقلون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «لعل» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : لكي تفهموا معانيه فتتعقلوها.

(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) (٤)

(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ) : الواو عاطفة. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن». في أم : جار ومجرور متعلق بعلي. الكتاب : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(لَدَيْنا) : ظرف مكان مبني على السكون في محل نصب متعلق بعلي وهو مضاف و «نا» ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع سبحانه مبني على السكون في محل جر مضاف إليه بمعنى وإن هذا القرآن المثبت في اللوح المحفوظ عندنا.

(لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) : اللام لام التوكيد ـ المزحلقة ـ علي : خبر «إن» مرفوع بالضمة المنونة. حكيم : خبر ثان لإن أو صفة لعلي مرفوع مثله بالضمة المنونة بمعنى : رفيع الشأن في الكتب لكونه معجزا من بينها ذو حكمة بالغة صفتاه هكذا في اللوح المحفوظ.

** (وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثانية الأصل : وحق الكتاب أي القرآن وأصل واو القسم الباء أي بالكتاب أي أقسم بالكتاب فأبدلت بالواو لأن المعنى : وحق الكتاب .. وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه وكونهما أي الكتاب والقرآن من واد واحد وبعد حذف المضاف المقسم به «حق» حل المضاف إليه «الكتاب» محله و «المبين» هو البين وقيل : الواضح للمتدبرين .. أو بمعنى الواضح البين على أنه هداية للبشرية فنزل بلسان عربي .. أو الذي أبان طريق الهدى من طريق الضلالة وأبان ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة وقيل : لقد عظم القرآن الكريم من أربعة أوجه .. أولها : أنه كلام موجد الكون رب العزة جلت قدرته وثانيهما : إسناد إنزاله إلى الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وجعله مختصا به دون غيره .. والثالث : أنه جاء بضميره

١٣٧

دون اسمه الظاهر شهادة له بالنباهة والاستغناء عن التنبيه عليه. والوجه الرابع : الرفع من مقدار الوقت الذي أنزل فيه .. روي أن القرآن الكريم أنزل جملة واحدة في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا وأملاه جبريل ـ عليه‌السلام ـ على السفرة ثم كان ينزله على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نجوما في ثلاث وعشرين سنة. وهذا الكتاب العظيم يحتوي على مائة وأربع عشرة سورة تشتمل على ستة آلاف ومائتين وست وثلاثين آية وتحوي سبعة وسبعين ألفا وأربعمائة وتسعا وثلاثين كلمة.

** (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المراد بأم الكتاب : اللوح المحفوظ فإنه أصل الكتب السماوية وهو كناية عن علم الله القديم بمعنى وإن هذا القرآن المثبت في اللوح المحفوظ عندنا لرفيع الشأن في الكتب وذو حكمة بالغة أي منزلته عالية عندنا.

** (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة .. وكلمة «صفحا» مصدر من غير لفظه بمعنى : أفنضرب عنكم الذكر ضربا .. ومعنى «ضرب عنه الذكر» أي أبعده وهو مصدر الفعل «صفح» نحو : صفح عنه ـ يصفح ـ صفحا .. من باب «قطع» بمعنى أعرض عن ذنبه .. وضرب عنه صفحا : أعرض عنه وتركه أو ولاه صفحة عنقه كناية عن إهماله وتركه ومنه القول : صفحة الشيء : بمعنى : جانبه وناحيته .. أما «صفح الجبل» فمعناه : سفحه .. قال الجوهري : تصفح الشيء : بمعنى : نظر في صفحاته .. والمصافحة والتصافح : الأخذ باليد. والتصفيح مثل التصفيق .. وفي الحديث : التسبيح للرجال والتصفيح للنساء. ويروى بالقاف أيضا. ويقال صفحت عن ذنب صديقي : بمعنى عفوت عنه .. وقال الفيومي : يقال : صفحت الكتاب وتصفحته : أي قلبت صفحاته وهي وجوه الأوراق .. وصفحت القوم : بمعنى : رأيت صفحات وجوههم. و «صفحا» في الآية الكريمة المذكورة آنفا : معناه : إعراضا والمراد هنا : معرضين أي المقصود : إنكار أن يكون الأمر على خلاف المطلوب من إنزال القرآن بلغتهم ليفهموه.

** (وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة .. المعنى : ما أتاهم نبي يدعوهم إلى الإيمان وطاعة الله ورسله إلا سخروا به وكذبوه .. وقول الله تعالى فيه تسلية ـ أو تسرية ـ لرسوله الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن استهزاء قومه به. أي ليسري الله عنه بسبب استهزاء قومه .. يقال : انسرى الهم عنه : أي انكشف وسري ـ بضم السين وتشديد الراء ـ مثله. ويقال أيضا : سلاه من همه تسلية : بمعنى كشف الهم عنه.

** (فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة .. المعنى : فأهلكنا قوما أشد منهم أي من المسرفين على أنفسهم تجبّرا وعنفا فحذف الموصوف «قوما» وأقيمت الصفة «أشد» مقامه. وكلمة «أشد» ممنوعة من الصرف على وزن «أفعل» ومن وزن الفعل. والبطش : هو التجبر والأخذ بعنف .. يقال بطش به ـ يبطش ـ بطشا .. من بابي «ضرب» و «نصر» بمعنى : فتك به وأخذه بصولة وشدة .. وبطش عليه : أي سطا وانقض عليه .. والبطشة : هي السطوة. وقال الفيومي : الفعل «بطش» من باب «ضرب» وبها قرأ السبعة وفي لغة من باب «قتل» وقرأ بها الحسن البصري وأبو جعفر المدني .. وبطشت اليد : إذا عملت فيه فهي باطشة ـ اسم فاعلة.

١٣٨

** (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَجَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العاشرة .. في هذه الآية الكريمة وما بعدها الكلام فيها مجزأ بعضه من قولهم ـ أي المخاطبين ـ وبعضه من قول الله عزوجل .. فالذي جاء على لسانهم قولهم : خلقهن وما بعده من قوله سبحانه. قال الزمخشري : وصف الله تعالى ذاته الكريمة بهذه الصفات .. ولما سيق الكلام كله سياقة واحدة حذف الموصوف من كل منهم وأقيمت الصفات المذكورة في كلام الله مقامه كأنه كلام واحد فلما وقع الانتقال من كلامهم ـ أي على لسانهم ـ إلى كلام الله عزوجل على ما عرف من الافتنان في البلاغة فجاء أوله على لفظ الغيبة وآخره على الانتقال منها إلى التكلم في قوله تعالى في الآية الكريمة التالية : فأنشرنا به : أي فأحيينا بالماء .. كل ذلك افتنان من أفنان البلاغة.

** (وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الخامسة عشرة. المعنى : قالوا : الملائكة : بنات الله فجعلوهم جزءا له وبعضا منه سبحانه وتعالى عن ذلك فهو عزوجل لم يلد ولم يولد. قال الزمخشري : ومن بدع التفاسير : تفسير الجزء بالإناث. وادعاء أن «الجزء» في لغة العرب هو اسم للإناث .. وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه فعلا فقالوا : أجزأت المرأة .. ثم صنعوا تأكيدا لقولهم بيتا من الشعر :

إن أجزأت حرة يوما فلا عجب

قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا

أجزأت المرأة : إذا ولدت بنتا. وفي رواية : إن أجزأت حرة وهو اسم امرأة. أما «المذكار» فمعناه المرأة التي عادتها ولادة الذكور وكذلك الرجل. وقولهم : الملائكة : بنات الله : جعلوهم جزءا له سبحانه وبعضا منه كما يكون الولد بضعة من والده وجزءا له وهي صفات المخلوقين لا يجوز وصف الخالق ـ جلت قدرته ـ بها. فإن الانسان القائل بذلك لشديد الكفر.

** (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة السابعة عشرة .. أي وإذا بشر أحدهم بأنثى ولدت له صار وجهه مسودا من الغم بمعنى : كان أحدهم إذا قيل له : قد ولدت لك بنت اغتم واربد وجهه غيظا وتأسفا وهو مملوء من الكرب ويمسك على الخبر ولا يبيحه. و «كظيم» من صيغ المبالغة ـ فعيل بمعنى فاعل ـ بمعنى : ممسك على الغم لا ينشره. من قولهم : كظم الرجل على القربة ـ يكظمها ـ كظما .. من باب «ضرب» بمعنى : شد فمها بالكظام وهو الرباط .. ومثله : كظم غيظه : أي اجترعه فهو كظيم والغيظ مكظوم ـ اسم مفعول ـ وربما قيل : كظمت على الغيظ وكظمني الغيظ فأنا كظيم ومكظوم. و «ظل» بمعنى : صار كما يستعمل أكثر الأفعال الناقصة بمعناها. وعن بعض العرب أن امرأته وضعت أنثى فهجر البيت الذي فيه المرأة فقالت :

ما لأبي حمزة لا يأتينا

يظل في البيت الذي يلينا

غضبان أن لا نلد البنينا

ليس لنا من أمرنا ماشينا

وإنما نأخذ ما أعطينا

والقول الكريم «بما ضرب للرحمن مثلا» معناه : بالجنس الذي ضربه للرحمن مثلا أي الولد فإنه لا بد أن يماثل أباه .. المراد : بأنثى ولدت له. ولفظة «مسودا» اسم مفعول من

١٣٩

الفعل : اسود : أي صار أسود ومصدره : اسوداد ومثله : سود ـ يسود ـ سوادا .. من باب «تعب» فهو أسود ويصغر الأسود على أسيد ـ على القياس ـ وعلى «سويد» أيضا على غير قياس وبه سمي .. والسواد : هو العدد الكثير والعرب تسمي الأخضر أسود لأنه يرى كذلك على بعد ومنه سواد العراق لخضرة أشجاره وزروعه وكل شخص من إنسان وغيره يسمى سوادا .. وساد القوم ـ يسودهم ـ سيادة .. والاسم هو السودد بفتح الدال وعدم همز الواو أما بهمز الواو فتكون اللفظة بضم الدال الأولى. وسواد القلب وسوداؤه وسويداؤه هو حبته. وكان الأصمعي يتأول بالسواد الذي أطلق على العراق أنه سمي بذلك لكثرته قال أبو عبيدة : وأما أنا فأحسبه سمي بذلك للخضرة التي في النخل والشجر والزرع لأن العرب قد تلحق لون الخضرة بالسواد فتضع أحدهما موضع الآخر .. ووصف ذو الرمة بشعره «الليل» وسماه أخضر لظلمته وسواده ونقول : هذه مسودة الكتاب ـ بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو ـ مأخوذة من الفعل «سود» بتشديد الواو ولا يقال : مسودة الكتاب ـ بضم الميم وتسكين السين وفتح الواو وتشديد الدال لأنه من الفعل «اسود» أي صار أسود والفرق بين المعنيين واضح.

** (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة عشرة .. المعنى قالوا : الملائكة بنات الله هل حضروا خلقهم حتى يحكموا بأنهم إناث؟

** سبب نزول الآية : قال قتادة : قال ناس من المنافقين : إن الله صاهر الجن فخرجت من بينهم الملائكة! فنزلت فيهم هذه الآية.

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) (٥)

(أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ) : الهمزة همزة إنكار بلفظ استفهام بمعنى «هل» الفاء عاطفة على محذوف تقديره : أنهملكم فنضرب. نضرب : فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. عنكم : جار ومجرور متعلق بنضرب والميم علامة جمع الذكور. الذكر : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى : القرآن.

(صَفْحاً) : مصدر في موضع المفعول لأجله من صفح عنه : إذا أعرض بمعنى أفنعزل عنكم إنزال الذكر وإلزام الحجة به إعراضا عنكم أو مصدر في موضع الحال بمعنى صافحين أو يكون منصوبا على الظرف بمعنى الجانب على معنى أفننحيه عنكم جانبا. ويجوز أن يكون مفعولا مطلقا منصوبا على المصدر من غير فعله على معنى «نضرب» أي نعرض أو يكون بتأويل «نضرب» على معنى «نصفح».

١٤٠