إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

بتأويل مصدر في محل رفع بدل اشتمال من «رجال» التقدير والمعنى : ولو لا وطؤكم رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعرفوهم أي تهلكوا أناسا مؤمنين بين ظهراني المشركين وأنتم غير عارفين بهم فيصيبكم بإهلاكهم مكروه ومشقة لأمرناكم بقتالهم .. أو يكون المصدر «وطؤكم» إياهم في محل نصب بدلا من الضمير المنصوب في «تعلموهم» أو يكون بتقدير : ولو لا كراهة أن تطئوهم أي كراهة وطئكم إياهم فيكون المصدر المؤول في محل نصب نائبا عن المفعول لأجله بمعنى : لئلا تهلكوهم وتوقعوا بهم وتبيدوهم وتقتلوهم أي تدوسوهم .. ويجوز أن يكون «لو تزيلوا» تكرارا للو لا رجال لمرجعهما إلى معنى واحد فيكون جواب «لو لا» لعذبنا.

(فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ) : الفاء سببية. تصيب : فعل مضارع منصوب لأنه معطوف على «تطأوا» وعلامة نصبه الفتحة. و «كم» أعرب في «صدوكم». من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بتصيب بمعنى : لكيلا يصيبكم بإهلاكهم. معرة : فاعل مرفوع بالضمة المنونة بمعنى : مكروه ومشقة.

(بِغَيْرِ عِلْمٍ) : جار ومجرور متعلق بتطئوا أو بحال مقدر بمعنى : غير عالمين بهم. علم : مضاف إليه مجرور بالكسرة المنونة.

(لِيُدْخِلَ اللهُ) : اللام حرف جر للتعليل .. أي تعليل لما دلت عليه الآية الكريمة وسيقت له من كف الأيدي عن أهل مكة والمنع من قتلهم صونا لما بين أظهرهم من المؤمنين. يدخل : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة والجملة الفعلية «يدخل الله ..» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بالمعلل المقدر أي كان الكف ومنع التعذيب ليدخل الله.

(فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) : جار ومجرور متعلق بيدخل والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه بمعنى في توفيقه أو في الإسلام و «من» اسم موصول

٤٢١

مبني على السكون في محل نصب مفعول به. يشاء : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : من يشاؤه من مؤمنيهم وغيرهم أو يكون المفعول به المحذوف صريحا بتقدير : من يشاء إدخاله في الإسلام من رغب فيه من مشركيهم.

(لَوْ تَزَيَّلُوا) : حرف شرط غير جازم. تزيلوا : تعرب إعراب «كفروا» بمعنى : لو تفرقوا أو مازوا أي ماز بعضهم عن بعض.

(لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. اللام واقعة في جواب «لو» عذب : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(كَفَرُوا مِنْهُمْ) : أعربت. من : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن البيانية والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة بتقدير حالة كونهم منهم.

(عَذاباً أَلِيماً) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أليما : صفة للموصوف «عذابا» منصوب بالفتحة المنونة.

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) (٢٦)

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ) : ظرف زمان بمعنى «حين» مبني على السكون متعلق بعذبنا أو بصدوا عن المسجد الحرام في ذلك الوقت أو يكون اسما مبنيا على السكون في محل نصب مفعولا به بفعل محذوف تقديره : اذكر .. جعل : فعل ماض مبني على الفتح والجملة الفعلية «جعل الذين» في محل جر بالإضافة .. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل.

٤٢٢

(كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. في قلوب : جار ومجرور متعلق بمفعول «جعل» الثاني بتقدير منصبة في قلوبهم على معنى «جعل» صير أو يكون «جعل» بمعنى «أوجد» فيكون الجار والمجرور متعلقا بحال محذوفة مقدمة من «الحمية» لأنه متعلق بصفة من «الحمية» قدم عليها. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : الأنفة .. و «الحمية» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

(حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) : بدل من «الحمية» منصوبة مثلها بالفتحة. الجاهلية : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة أي أنفة الجاهلية التي تمنع عن الإذعان للحق هذه الأنفة بمعنى غرور هؤلاء الكفار المشركين حين منعوا المسلمين من دخول المسجد بسبب شعورهم بالعظمة الكاذبة.

(فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ) : الفاء سببية. أنزل : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. سكينته : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه بمعنى : طمأنينته.

(عَلى رَسُولِهِ) : جار ومجرور متعلق بأنزل والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه.

(وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : الجار والمجرور معطوف بالواو على «على الرسول» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد.

(وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ) : الواو عاطفة. ألزم : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به أول. كلمة : مفعول به ثان منصوب بالفتحة وهو مضاف.

٤٢٣

(التَّقْوى وَكانُوا) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المقدرة على الألف المقصورة للتعذر. الواو حالية والجملة الفعلية «كانوا أحق ..» في محل نصب حال وهي فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. أو تكون الواو استئنافية والجملة الفعلية استئنافية لا محل لها.

(أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف ـ التنوين ـ على وزن ـ أفعل ـ صيغة تفضيل ومن وزن الفعل. بها : جار ومجرور متعلق بأحق. الواو عاطفة. أهل : معطوف على «أحق» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

(وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة الحادية والعشرين. وأحق بها : بمعنى أحق بها من غيرهم.

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً) (٢٧)

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ) : اللام لام الابتداء والتوكيد أو واقعة في جواب قسم مقدر. قد : حرف تحقيق. صدق : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة بمعنى لقد حقق الله رؤيا رسوله.

(رَسُولَهُ الرُّؤْيا) : مفعولا «صدق» منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة وقدرت الفتحة على آخر الرؤيا للتعذر والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه بمعنى لقد أنفذ وحقق الله رؤيا رسوله التي رآها بدخول مكة ولم يكذبه تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوا كبيرا فحذف الجار وأوصل الفعل فتعدى بنفسه إلى المفعول الثاني.

(بِالْحَقِ) : جار ومجرور متعلق بصدق أي صدقه فيما رأى وفي كونه وحصوله صدقا ملتبسا بالحق فيكون متعلقا بصفة لمصدر ـ مفعول مطلق ـ

٤٢٤

محذوف ويجوز أن يتعلق بالرؤيا حالا منها أي صدقه الرؤيا ملتبسة بالحق على معنى أنها لم تكن من أضغاث الأحلام ويجوز أن يكون «بالحق» قسما إما بالحق الذي هو نقيض الباطل أو بالحق الذي هو من أسماء الله تعالى الحسنى وجوابه : لتدخلن.

(لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) : الجملة جواب القسم المقدر المحذوف. اللام واقعة في جواب القسم. تدخلن : فعل مضارع مبني على حذف النون لأنه من الأفعال الخمسة وسبب بنائه على حذف النون اتصاله بنون التوكيد الثقيلة وواو الجماعة المحذوفة لالتقائها ساكنة مع نون التوكيد الثقيلة في محل رفع فاعل ونون التوكيد لا محل لها. المسجد : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الحرام : صفة ـ نعت ـ للمسجد منصوب بالفتحة بمعنى : لتدخلن يا محمد وصحبك المسجد الحرام.

(إِنْ شاءَ اللهُ) : حرف شرط جازم. شاء : فعل ماض مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإن. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وحذف جواب الشرط لتقدم معناه : إن شاء الله دخولكم المسجد الحرام لتدخلنه بمشيئة الله ولم يمت منكم أحدا.

(آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ) : حال من ضمير «تدخلن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. محلقين : حال ثانية تعرب إعراب «آمنين».

(رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) : مفعول به لاسم الفاعلين «محلقين» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. والأصل : شعور رءوسكم فحذف المفعول به المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه بمعنى : قد حلق بعضكم جميع شعور رءوسهم. ومقصرين : معطوف بالواو على «محلقين رءوسكم» ويعرب إعرابه وحذف مفعول اسم الفاعلين «مقصرين» وهو «شعورهم» لأنه معلوم ولأن ما قبله دال عليه بمعنى وقصر آخرون بعض شعورهم.

٤٢٥

(لا تَخافُونَ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال ثان. لا : نافية لا عمل لها. تخافون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل أو تكون الجملة الفعلية في محل نصب بدلا من الحال الأول «آمنين».

(فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا) : الفاء استئنافية. علم : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تعلموا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «لم تعلموا» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : فعلم ما لم تعلموا من حكمة تأخير دخوله.

(فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ) : الجملة الفعلية معطوفة بالفاء على جملة «علم» وتعرب مثلها. من دون : جار ومجرور متعلق بجعل. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد والكاف للخطاب بمعنى من قبل ذلك أي قبل فتح مكة أو من قبل دخول المسجد وفتح مكة وهو في مقام مفعول «جعل» الأول.

(فَتْحاً قَرِيباً) : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. قريبا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «فتحا» منصوب مثله بالفتحة المنونة بمعنى : قريبا حصوله وهو فتح خيبر فحذف «حصوله» وهو فاعل الصفة المشبهة قريبا.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٢٨)

(هُوَ الَّذِي) : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هو» والجملة الاسمية «هو الذي» في محل رفع خبر مبتدأ غير مذكور لأنه معلوم. التقدير : الله هو الذي ..

٤٢٦

(أَرْسَلَ رَسُولَهُ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. رسوله : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «أرسل رسوله ..» صلة الموصول لا محل لها.

(بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِ) : جار ومجرور متعلق بأرسل أو بحال محذوفة من «الرسول» بتقدير : أرسل رسوله مبعوثا أو مؤيدا بالهدى أو بمعنى : متلبسا بالهدى أي بالإسلام أو بالقرآن وعلامة جر الاسم الكسرة المقدرة على الألف للتعذر. ودين : معطوف بالواو على «الهدى» ويعرب إعرابه وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. الحق : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى : ودين الإسلام الحق فحذف الموصوف «الإسلام» وحلت صفته «الحق» محله.

(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) : اللام حرف جر للتعليل. يظهره : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به. على الدين : جار ومجرور متعلق بيظهر. كله : توكيد للدين مجرور مثله وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «يظهره على الدين كله» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بأرسل بمعنى : ليغلبه أو ليعليه على الأديان كلها لأن «الدين» هنا لفظة مفردة ومعناها الجمع لأن الألف واللام للجنس بمعنى : المراد جنس الأديان.

(وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) : الواو استئنافية. كفى : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر. الباء حرف جر زائد. الله لفظ الجلالة : مجرور للتعظيم لفظا بالباء مرفوع للتعظيم محلا لأنه فاعل «كفى». شهيدا : تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة ويجوز أن يكون حالا من لفظ

٤٢٧

الجلالة .. المعنى : كفى الله سبحانه شاهدا على نبوة رسوله و «شهيد» صيغة «فعيل بمعنى فاعل».

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (٢٩)

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو محمد لتقدم قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ..) مرفوع بالضمة المنونة. رسول : عطف بيان لمحمد مرفوع مثله وعلامة رفعه الضمة وهو مضاف. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة أو يكون «محمد» مبتدأ. ورسول الله : خبره أو يكون رسول الله خبر مبتدأ محذوف تقديره .. هو فتكون الجملة الاسمية «هو رسول الله» في محل رفع خبر المبتدأ «محمد».

(وَالَّذِينَ مَعَهُ) : الواو عاطفة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. معه : ظرف مكان منصوب على الظرفية يدل على المصاحبة والاجتماع متعلق بخبر لمبتدإ محذوف بتقدير : الذين هم معه والجملة الاسمية «هم معه» صلة الموصول لا محل لها والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى وأصحاب محمد ـ المؤمنون.

(أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ) : خبر المبتدأ «الذين» مرفوع وعلامة رفعه الضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن ـ أفعلاء ـ على الكفار : جار ومجرور متعلق بأشداء بتأويل فعله.

(رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) : خبر ثان للمبتدإ مرفوع وعلامة رفعه الضمة ولم ينون لأنه ممنوع من الصرف على وزن «فعلاء» بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق برحماء وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

٤٢٨

(تَراهُمْ رُكَّعاً) : الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثالث للمبتدإ «الذين» أو تكون في محل نصب حالا من ضمير الغائبين وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. ركعا : حال من ضمير الغائبين «هم» في «تراهم» منصوب بالفتحة المنونة.

(سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً) : حال ثانية منصوبة وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى تراهم راكعين ساجدين أي تبصرهم حال كونهم كثيري الركوع والسجود والفعل «ترى» هنا بصري ولهذا تعدى إلى مفعول واحد وليس بمعنى الظن أو العلم. يبتغون : الجملة الفعلية في محل نصب حال أخرى وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : يطلبون. فضلا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(مِنَ اللهِ وَرِضْواناً) : جار ومجرور للتعظيم متعلق بيبتغون ويجوز أن يكون متعلقا بصفة محذوفة من «فضلا». الواو عاطفة. ورضوانا : معطوف على «فضلا» ويعرب مثله وقد أخر عن المعطوف عليه وقدم اسم لفظ الجلالة للأهمية.

(سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) : مبتدا مرفوع بالضمة المقدرة على الألف للتعذر وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. في وجوه : جار ومجرور في محل رفع متعلق بخبر المبتدأ. و «هم» أعرب بمعنى علامتهم وهي السمة التي تحدث في جبهة السجاد من كثرة السجود. مأخوذة من : سامه : إذا علمه.

(مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) : جار ومجرور متعلق بحال من «سيماهم» أي حالة كونها من أثر السجود أي من التأثير الذي يؤثره السجود أو يكون تفسيرا لسيماهم. السجود : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة بمعنى من كثرة السجود في الصلاة.

(ذلِكَ مَثَلُهُمْ) : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. اللام للبعد والكاف للخطاب. بمعنى : ذلك الوصف. مثل : خبر «ذلك» مرفوع

٤٢٩

بالضمة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : وصفهم العجيب في الكتابين جميعا.

(فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «مثلهم». ومثلهم في الإنجيل : معطوف بالواو على «مثلهم في التوراة» ويعرب مثله.

(كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ) : الكاف اسم بمعنى «مثل» مبني على الفتح في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هم كزرع. زرع : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. وإذا كان «في التوراة» تمام الكلام تكون الواو في «ومثلهم» استئنافية و «مثلهم» مبتدأ وخبره «كزرع» ويجوز أن تكون «ذلك» إشارة مبهمة أوضحت بقوله «كزرع أخرج شطأه» ويجوز أن تكون الكاف حرف جر للتشبيه ويكون الجار والمجرور «كزرع» في محل رفع متعلقا بخبر مبتدأ تقديره : هم كزرع أو في محل رفع خبر «مثلهم». أخرج : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. شطأه : مفعول به منصوب بالفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «أخرج شطأه» في محل جر صفة ـ نعت ـ لزرع بمعنى فراخه أو سنابله.

(فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ) : الفاء حرف عطف للتراخي والجملتان الفعليتان بعده معطوفتان على «أخرج» وتعربان إعرابها والهاء ضمير متصل في محل نصب مفعول به بمعنى فقواه من الدقة إلى الغلظة أي فاستحال بمعنى فصار من الدقة إلى الغلظة.

(فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالفاء على جملة «استغلظ» وتعرب إعرابها وعلامة بناء الفعل الفتحة المقدرة على الألف للتعذر. على سوقه : جار ومجرور متعلق باستوى والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه بمعنى فاستقام على قصبه.

(يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ) : الجملة الفعلية في محل جر صفة ثانية لزرع أو في محل نصب حال من الضمير في «سوقه» جمع «ساق» وهي فعل مضارع مرفوع

٤٣٠

بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الزراع : مفعول به منصوب بالفتحة بمعنى يعجب الزراع به.

(لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) : اللام حرف جر للتعليل. يغيظ : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الباء حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بالباء والجار والمجرور متعلق بيغيظ وحرك الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين ـ الكفار : مفعول به منصوب والجملة الفعلية «يغيظ بهم الكفار» صلة حرف مصدري لا محل لها وأن المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم وترقيهم في الزيادة والقوة ويجوز أن يتعلق أو يعلل به «وعد الله الذين آمنوا» لأن ما أعد الله لهم في الآخرة يغيظ الكفار.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ) : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب مفعول به.

(آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. وعملوا : معطوفة بالواو على جملة «آمنوا» وتعرب إعرابها. الصالحات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة بدلا من الفتحة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم بمعنى : الأعمال الصالحات أو صالح الأعمال.

(مِنْهُمْ مَغْفِرَةً) : حرف جر بياني و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من «الذين» وهو لبيان الجنس المبهم «الذين» بتقدير : حالة كونهم منهم أي الذين هم منهم. مغفرة : مفعول به ثان منصوب بوعد وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(وَأَجْراً عَظِيماً) : معطوفة بالواو على «مغفرة» ويعرب إعرابها. عظيما : صفة ـ نعت ـ للموصوف «أجرا» منصوب بالفتحة المنونة.

٤٣١

سورة الحجرات

معنى السورة : الحجرات : جمع «حجرة» وهي غرفة سميت بذلك لأنها تحجر الإنسان النائم .. أو هي رقعة أو قطعة من الأرض المحجورة بحائط يحوط عليها. يقال : حجر القاضي عليه ـ يحجر ـ حجرا من باب «نصر» بمعنى : منعه عن التصرف في ماله .. و «الحجر» بكسر الحاء وضمها وفتحها بمعنى الحرام والكسر أفصح .. والحجرة ـ بضم الحاء بمعنى : حظيرة الإبل ومنه حجرة الدار ومنه القول : احتجر حجرة بمعنى اتخذ حجرة وجمعها : حجر كغرفة وغرف وحجرات ـ بضم الحاء والجيم ـ واسم المفعول من حجر عليه أي منعه التصرف هو محجور عليه والفقهاء يحذفون الصلة تخفيفا لكثرة الاستعمال ويقولون محجور وهو سائغ ويقال : فلان في حجر فلان ـ بكسر الحاء وفتحها بمعنى : في كنفه وحمايته. وقيل : الحجرة تعني البيت أيضا.

تسمية السورة : قال زيد بن أرقم : جاء ناس من العرب إلى حجر «حجرات ـ النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فجعلوا ينادون : يا محمد يا محمد فأنزل الله تعالى آية كريمة ردا على هؤلاء الذين لا يتعقلون ما ينبغي مراعاته من الأدب والاحترام لرسول الله ونبيه الكريم .. فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) صدق الله العظيم وقد جاءت هذه الآية الكريمة التي ذكرت فيها «الحجرات» في سورة مشرفة من سور القرآن سميت بها أي سورة «الحجرات» وفي رواية أخرى : لقد نزلت هذه الآية الكريمة بعد أن وفد على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عيينة بن حصن والأقرع بن حابس في سبعين رجلا من بني تميم وقت الظهيرة وهو ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ راقد فصاحا : يا محمد اخرج إلينا! فتأذى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ذلك وقد فاتهم أن هذا التصرف منهم مخالف لأمر الله عزوجل بأن لا يدعو الرسول الكريم محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ باسمه في قوله تعالى في سورة «النور» : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً) صدق الله العظيم .. أي لا تجعلوا

٤٣٢

تسميته ونداءه بينكم كما يسمي بعضكم بعضا ويناديه باسمه الذي سماه به أبواه .. ولا تقولوا يا محمد .. ولكن قولوا : يا نبي الله ويا رسول الله مع التوقير والتعظيم والصوت المخفوض والتواضع كقوله تعالى في آية كريمة سابقة من سورة «الحجرات» : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) أي لا تخاطبوه باسمه وكنيته واجعلوا أصواتكم اخفض من صوته تأدبا ..

فضل قراءة السورة : قال رسول الله محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ سورة «الحجرات» أعطي من الأجر بعدد من أطاع الله وعصاه» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) : أداة نداء. أي : منادى مبني على الضم في محل نصب و «ها» زائدة للتنبيه. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع عطف بيان لأي أو بدل منه على اللفظ وفي محل نصب على الموضع. آمنوا : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ) : ناهية جازمة. تقدموا : فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى لا تقدموا أمرا أي لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل فحذف مفعول «تقدموا» اختصارا ولكي يذهب الوهم إلى كل ما يمكن والمحذوف هو «أمرا» أي لا تقطعوا أمرا بمعنى لا تقرروا في مسألة حكما قبل أن يحكم الله ورسوله. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بتقدموا وهو مضاف. يدي : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه مثنى ـ أصله : يدين ـ حذفت النون للإضافة .. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة.

٤٣٣

(وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ) : الواو حرف عطف. رسوله : اسم مجرور بالإضافة أي بين يدي رسوله وعلامة جره الكسرة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه. الواو عاطفة. اتقوا : فعل أمر مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الله : مفعول به منصوب للتعظيم بالفتحة.

(إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الله لفظ الجلالة : اسم «إن» منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. سميع عليم : خبرا «إن» مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة المنونة أي سميع لما تقولون عليم بما تعملونه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (٢)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. أصواتكم : مفعول به منصوب بالفتحة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. فوق : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بترفعوا وهو مضاف.

(صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا) : مضاف إليه مجرور بالكسرة وهو مضاف. النبي : مضاف إليه ثان مجرور بالكسرة. ولا تجهروا : معطوفة على «لا ترفعوا» وتعرب مثلها.

(لَهُ بِالْقَوْلِ) : جار ومجرور متعلق بتجهروا. بالقول : جار ومجرور في مقام مفعول «تجهروا» الذي تعدى إليه بالباء أي لا تظهروا له القول.

(كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) : الكاف اسم مبني على الفتح في محل نصب أو حرف جر للتشبيه والجار والمجرور متعلق بصفة لمفعول مطلق محذوف بتقدير : جهرا مثل جهر بعضكم لبعض أو جهرا كجهر بعضكم. بعض : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو مضاف. و «كم» أعرب في «أصواتكم». لبعض : جار ومجرور متعلق بالمصدر «جهرا»

٤٣٤

بمعنى اخفضوا أصواتكم وأنتم في حضرته تأدبا ولا تقولوا له يا محمد يا أحمد وخاطبوه بالنبوة ولا تخاطبوه مخاطبة مثل مخاطبة بعضكم لبعض.

(أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ) : حرف مصدري ناصب. تحبط : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة بمعنى لئلا تحبط. أعمال : فاعل مرفوع بالضمة و «كم» أعرب في «أصواتكم» والجملة الفعلية «تحبط أعمالكم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب نائب عن مفعول لأجله محذوف أي على تقدير حذف مضاف بتقدير : كراهة حبوط أعمالكم بمعنى : بطلانها وهو متعلق بمعنى النهي .. أي انتهوا عما نهيتم عنه لحبوط أعمالكم أو لخشية حبوطها أو متعلق بنفس الفعل أي نهوا عن الفعل ..

(وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال من ضمير المخاطبين قبلها. أنتم : ضمير منفصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل رفع مبتدأ. لا : نافية لا عمل لها. تشعرون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «لا تشعرون» في محل رفع خبر «أنتم» بمعنى وأنتم لا تشعرون أن أعمالكم قد بطلت.

(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) (٣)

(إِنَّ الَّذِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل نصب اسم «إن».

(يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. أصوات : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه.

(عِنْدَ رَسُولِ اللهِ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بيغضون وهو مضاف. رسول الله : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة وهو

٤٣٥

مضاف. الله لفظ الجلالة مضاف إليه ثان مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة بمعنى : يخفضون أصواتهم في حضرة رسول الله تأدبا وإجلالا له والجملة الاسمية بعده «أولئك الذين ..» في محل رفع خبر إن.

(أُولئِكَ الَّذِينَ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع مبتدأ. الذين : اسم موصول مبني على الفتح خبر في محل رفع مبتدأ محذوف تقديره : هم. والجملة الاسمية «هم الذين» في محل رفع خبر «أولئك» أو يكون «الذين» بدلا من «أولئك» فتكون الجملة «لهم مغفرة» في محل رفع خبره.

(امْتَحَنَ اللهُ) : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.

(قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. للتقوى : جار ومجرور متعلق بامتحن بمعنى : مرن أي أخلص قلوبهم للتقوى أو يكون متعلقا بمحذوف بتقدير : عرف الله أن قلوبهم أهل للتقوى أي جرب قلوبهم ومرنها عليها أو عرف قلوبهم أنها أهل للتقوى أو متعلق بمبتدإ محذوف خبره بتقدير : هم صبر على التقوى أو هم للتقوى كائنون لها ومختصون بها أو يكون الجار والمجرور في محل نصب حالا .. التقدير : كائنين للتقوى ومختصين بها وعلامة جر الاسم «التقوى» الكسرة المقدرة على الألف للتعذر.

(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) : اللام حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر باللام والجار والمجرور في محل رفع خبر مقدم. مغفرة : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة المنونة. وأجر : معطوف بالواو على «مغفرة» ويعرب إعرابها. عظيم : صفة ـ نعت ـ لأجر مرفوع مثله بالضمة المنونة. والجملة الاسمية «لهم مغفرة ..» متضمنة جواب الشرط لأن «الذين» يتضمنه على معنى «من».

٤٣٦

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الأولى .. المعنى : يا أيها المؤمنون لا تقدموا أمرا أي لا تقدموا على التلبس بهذا الفعل وحذف مفعول «تقدموا» وهو «أمرا» لكي يذهب الوهم إلى كل ما يمكن أو لا تقطعوا أمرا ولا تقرروا في مسألة حكما قبل أن يحكم الله ورسوله أما قوله «بين يدي الله» فهو من ضروب المجاز .. يقال : جلس فلان بين يدي فلان : بمعنى : جلس من جهتي يمينه وشماله : أي قريبا منه.

** سبب نزول الآية : أخرج البخاري وغيره عن عبد الله بن الزبير قال : «قدم ركب من بني تميم على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال أبو بكر : أمر القعقاع بن معبد وقال عمر : أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر : ما أردت إلا خلافي .. فقال عمر : ما أردت خلافك .. فتماريا ـ أي فتجادلا ـ حتى ارتفعت أصواتهما فأنزل الله تعالى هذه الآية.

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية .. المعنى : خفضوا أصواتكم وأنتم في حضرة النبي ـ محمد ـ تأدبا ولا تقولوا له : يا محمد يا أحمد بل خاطبوه بالنبوة ـ أي يا نبي الله ـ أو بالرسالة ـ أي يا رسول الله ولا تخاطبوه مخاطبة بعضكم لبعض .. في هذا القول الرباني تتجلى منزلة الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لدى خالق الكائنات جلت قدرته. و «أصوات» نصبت بالفتحة على الرغم من أن لفظها يدل على الملحق بجمع المؤنث السالم مثل «اجتماعات» «اقتراحات» وسبب ذلك هو أن مفردها مذكر ثلاثي و «الصوت» هو جرس الكلام ـ بفتح الجيم وسكون الراء ـ و «الجرس» هو الكلام الخفي .. يقال : فلان لا يسمع له جرس ولا همس .. وسمعت جرس الطير : بمعنى صوت مناقيرها على شيء تأكله .. وفي الحديث : «فيسمعون جرس طير الجنة» و «الجرس» بفتح الجيم وسكون الراء وكسر الجيم أيضا .. أما «الجرس» بفتح الجيم والراء فهو الذي يعلق فوق الباب أو في عنق البعير .. يقال : جرس ـ بفتح الجيم والراء ـ المطرب الغناء وجرس الرجل الكلام : بمعنى : نغم به. والصوت هو لفظة مذكرة. أما قول الشاعر رويشد بن كثير الطائي :

يا أيها الراكب المزجي مطيته

سائل بني أسد ما هذه الصوت

فإنما أنث «الصوت» ذهابا إلى معنى «الاستغاثة» أو «الصيحة» أي ما هذه الصيحة؟ قال الفيومي : كثيرا ما تفعل العرب مثل ذلك إذا ترادف المذكر والمؤنث على معنى واحد أو مسمى واحد فتقول : أقبلت العشاء على معنى : أقبلت العشية .. وفي هذه العشية : على معنى : في هذا العشاء .. وفعله : صات يصوت ـ صوتا .. من باب «قال» وصوت تصويتا : أي أحدث صوتا .. وبمعنى : نادى .. ومنه القول : صوت الناخبون في الانتخابات : أي أعطوا أصواتهم للمرشح الذي يختارونه واسم الفاعل للفعل «صات» هو صائت .. وللفعل «صوت» هو مصوت .. ويقال له : صائت : إذا أطلق صيحة : أي إذا صاح .. و «الصيت» هو الذكر الجميل في الناس .. و «الصيت» بتشديد الياء من صيغ المبالغة «فعيل بمعنى فاعل ـ نحو : هذا رجل صيت : بمعنى : قوي الصوت شديده.

** (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثالثة .. أي ان الذين يخفضون أصواتهم في حضرة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أولئك هم الذين عرف الله تعالى أن قلوبهم جديرة بالتقوى وهذا القول الكريم فيه تأديب لفظ كرامة الوحي والموحى إليه. و «التقوى» هي الاسم من الفعل «وقى» نحو : وقاه الله

٤٣٧

السوء ـ يقيه ـ وقاية .. أي حفظه. و «التقوى» مثل «التقى» و «التقية» ومنه القول : اتقيت الله : بمعنى خفته سبحانه .. وخشيت الله .. وقولهم : وقاه الله السوء ومن السوء : معناه : صانه وستره عن الأذى.

** سبب نزول الآية : نزلت هذه الآية الكريمة في ثابت ابن قيس الذي جلس يبكي في الطريق خشية أن يرفع صوته فوق صوت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لأنه كان صيتا رفيع الصوت فدعاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال له : أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة؟ قال : رضيت ولا أرفع صوتي أبدا على صوت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأنزل الله تعالى قوله الكريم : «إن الذين يغضون ..».

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة .. وفاسق : اسم فاعل للفعل «فسق ـ يفسق ـ عن أمر ربه فسوقا» بمعنى خرج عن الطاعة وهو من باب «قعد» ويأتي المضارع «يفسق» بكسر السين أيضا وهو لغة حكاها الأخفش وجمع «فاسق» هو فساق .. قال الفيومي : قال ابن الأعرابي : ولم يسمع فاسق في كلام الجاهلية ولا في شعرهم وهذا عجب وهو كلام عربي أي أنه عربي فصيح ونطق به الكتاب العزيز ويقال : أصله : خروج الشيء من الشيء على وجه الفساد يقال فسقت الرطبة : إذا خرجت من قشرها.

** سبب نزول الآية : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى بني المصطلق ليتعرف أحوالهم ومصدقا ـ أي يأخذ الزكوات والغنم ـ فلما سمعوا به ركبوا إليه فخافهم ورجع وقال : إن القوم هموا بقتلي ومنعوا صدقاتهم .. فهم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بغزوهم .. فجاء وفدهم وقالوا : يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من الصدقة وقيل وبعث ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليهم خالد بن الوليد فوجدهم مقيمين على الإسلام.

** (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة .. المعنى : حسن إليكم الإيمان وغرسه في قلوبكم وبغض إليكم الكفر والكذب والمعصية .. الفعل «كره» هنا جاء على معنى «بغض» وهو على هذا التأويل عدي إلى مفعوله الأول بحرف جر لأن «بغض» منقول من : بغض إليه الشيء فهو بغيض إليه كقولنا : حبب إليه الشيء فهو حبيب إليه .. وقد جاء الفعل «كره» متعديا إلى مفعول واحد وعدي إلى الثاني بالحرف اتباعا لما قبله «حبب إليكم الايمان» وهو ما يسمى في علم البلاغة العربية : التقابل .. أو المقابلة لأن الفعل «كره» بتخفيف الراء يتعدى إلى مفعول واحد .. نحو : كرهت الشيء ـ أكرهه ـ كراهية ـ بتخفيف الياء ـ من باب «سلم» فهو شيء كريه ـ فعيل بمعنى مفعول ـ ومكروه .. فإذا ثقل الراء ـ أي شدد ـ استدعى زيادة مفعول ولم يعد بحرف الجر «إلى» لأن القياس تعدي الفعل بنفسه.

** (فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة .. و «تفيء إلى أمر الله» بمعنى : ترجع إلى الحق .. أي كتاب الله .. يقال : فاء ـ يفيء ـ فيئا من باب «باع» بمعنى : رجع .. وأفاء ـ الفعل الرباعي يتعدى إلى المفعول .. نحو : أفاء الله علينا مال الكفار يفيء ـ إفاءة بمعنى : جعله فيئا لنا أي غنيمة .. ويقال : فاء الظل ـ يفيء ـ فيئا : بمعنى : تحول أي رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق .. والفيء ما بعد الزوال من الظل سمي فيئا لرجوعه من جانب إلى جانب ..

٤٣٨

وقيل : سميت الغنيمة فيئا لرجوعها من الكفار إلى المسلمين .. والظل يسمى فيئا لرجوعه بعد إزالة الشمس له .. وكما أن الظل سمي فيئا فإن الجهة التي يواريها عنك الشخص بظله من خلف أو قدام تسمى وراء وتأتي لفظة «وراء» بمعنى «أمام» كقوله تعالى في سورة «الجاثية» : «ومن ورائهم جهنم» أي أمامهم لأنهم في الدنيا .. ويقال : ظل زيد قائما : بمعنى أتى عليه النهار وهو قائم وبات نائما : إذا أتى عليه الليل وهو نائم.

** سبب نزول الآية : نزلت هاتان الآيتان الكريمتان التاسعة والعاشرة في طائفتين من بني الأوس والخزرج من سكان المدينة اقتتلوا عقب نزاع فكره الله منهم ذلك ونصحهم هذه النصيحة .. وفي رواية أن الآية الكريمة التاسعة نزلت في رجلين من الأنصار تنازعا في حق بينهما واستعان كل منهما بعشيرته فتدافعا فتناول بعضهم بعضا بالأيدي والجريد والنعال لا بالسيوف.

** (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الحادية عشرة .. و «خيرا» بمعنى «أفضل» وهي بمعنى التفضيل لأن أصلها : أخير فحذف الألف طلبا للفصاحة ولأنها بمعنى التفضيل فإنها لا تثنى ولا تجمع ويستوي فيها المذكر والمؤنث فنقول فلان خير الناس وهما خير الناس وهم وهن خير الناس وفلانة خير الناس ولا يقال : خيرة الناس ولا أخيرهم ويؤكد ذلك قوله تعالى في الآية الكريمة المذكورة .. وتعلمنا الآية فتقول : ينبغي أن يعتقد الناس أن المسخور منه ربما كان عند الله خيرا من الساخر .. لأن الناس لا يطلعون إلا على ظواهر الأحوال ولا علم لهم بالخفيات .. وإنما الذي يزن عند الله تعالى هو خلوص الضمائر وتقوى القلوب .. ولذلك وكما أمرتنا الآية الكريمة ينبغي أن لا يجترئ أحد على الاستهزاء بمن تقتحمه عينه إذا رآه رث الثياب أو الحال أو ذا عاهة في بدنه أو كان غير لبق ـ يعني غير لين ـ في محادثته فلعله أخلص ضميرا وأتقى قلبا ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله عزوجل والاستهانة بمن عظمه الله تعالى. وعن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه خطب فرفع صوته حتى أسمع العواتق في خدورهن قال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين يتتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته. «صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ».

وقد جاء في الشعر العربي قول الشاعر بهذا المعنى :

لسانك لا تذكر به عورة امرئ

فكلك عورات وللناس ألسن

وقد بلغ بالسلف الصالح إفراط توقيهم وتصونهم من السخرية والاستهزاء بالآخرين أن عمرو بن شرحبيل قال : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي صنعه. وقوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ») على سبيل التتبع لأن قوم كل نبي رجال ونساء.

** سبب نزول الآية : نزلت الآية الكريمة في وفد بني تميم الذين نزلت السورة بشأنهم استهزءوا بفقراء الصحابة لما رأوا رثاثة حالهم فنزلت في الذين آمنوا منهم.

** (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) : المعنى : لا يعب أو يطعن بعضكم بعضا ولا تتعايروا بألقاب السوء .. أي ويطعن بعضكم بلسانه بعضا ويدع بعضكم بعضا بلقب السوء. و «اللقب» هو النبز ومنه : نبزه ـ ينبزه ـ نبزا .. من باب «ضرب» بمعنى : لقبه .. واللقب : جمعه : ألقاب وقد يجعل اللقب علما من غير نبز فلا يكون حراما ـ كما يقول الفيومي ـ ومنه تعريف بعض الأئمة المتقدمين بالأعمش والأخفش والأعرج ونحوه .. لأنه لا يقصد بذلك

٤٣٩

نبز ولا تنقيص بل هو محض تعريف مع رضا المسمى به والأعمش هو الذي تعمش عينه : أي يسيل دمعها في أكثر الأوقات مع ضعف البصر فالرجل أعمش والمرأة عمشاء .. أما «الأخفش» فهو أيضا من فيه ضعف بصر في عينيه مع صغرهما وتكون هذه الحالة خلقة وهي علة لازمة وصاحبها يبصر بالليل أكثر من النهار وهو من «خفش ـ يخفش ـ خفشا» وهو مثل «عمش» من باب «تعب» أيضا فهو أخفش وهي خفشاء. ويقال : لقب فلانا بكذا : بمعنى : جعله لقبا له وتلقب بكذا : صار له لقبا. واللقب : هو اسم يسمى به الإنسان سوى اسمه الأول ويشعر بمدح أو ذم باعتبار معناه الأصلي وهناك أسماء أيضا مثل «الأخطل» وهو الطويل الأذنين المسترخيهما .. و «الأصمعي» مشتق من «الأصمع» وهو صغر في الأذنين كما يطلق على السيف القاطع. وأبو العتاهية أي أبو الجنون .. و «الحطيئة» وهو القصير صاحب الوجه القبيح .. و «المقفع» وهو صاحب الرأس المنكس باستمرار .. قالت العرب : الكنى منبهة والأسامي منقصة .. و «الكنى» جمع «كنية» و «الأسامي» جمع «اسم» ومنبهة بمعنى : منوهة أي مادحة ومعظمة. و «الكنية» : اسم يطلق على الشخص للتعظيم نحو أبي الحسن .. أو علامة له وهي أيضا الاسم العلم المصدر بألفاظ : الأب .. الابن .. الأم .. البنت. يقال : كناه واكناه أبا محمد يكنيه تكنية : بمعنى : سماه .. ومصدر «اكناه» هو «إكناء» روي عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من حق المؤمن على أخيه أن يسميه بأحب أسمائه إليه» ولهذا كانت التكنية من السنة والأدب الحسن. وقال عمر ـ رضي الله عنه ـ : أشيعوا الكنى فإنها منبهة». أي معرفة أو إشعار بصاحبها وتعظيم له. وقد لقب «أبو بكر» بالعتيق : أي الكريم .. وبالصديق : أي الكثير الصدق ـ فعيل بمعنى فاعل .. من صيغ المبالغة ـ ولقب «عمر» بالفاروق : أي الذي يفرق أو يفصل بين الأمور .. ولقب «حمزة» بأسد الله : أي جمع بين الدين والشجاعة. ولقب «خالد» بسيف الله : أي جمع بين الدين والقتال .. بمعنى : انتفع بهما في الدين كما انتفع بهما في الشجاعة والقتال. وقل من المشاهير في الجاهلية والإسلام من ليس له لقب .. ولم تزل هذه الألقاب الحسنة في الأمم كلها من العرب وغيرهم تجري في مخاطبتهم ومكاتباتهم. وليس طريق التعظيم باللقب كطريق التعظيم بالكنية لأن التعظيم باللقب إنما هو بمعنى اللفظ كما تقول : زين العابدين .. وسيف الدولة .. أما التعظيم بالكنية فإنه بواسطتها بعدم التصريح باسم لا بمعنى الكنية .. أما إذا اجتمع الاسم مع اللقب فالأفصح تقديم الاسم وتأخير اللقب .. أما «الكناية» فهي أن يتكلم بشيء يستدل به عن المكني عنه .. أي ذكره ليدل به على غيره أو تكلم بالشيء وهو يريد غيره. فقولنا : فلان كثير الرماد : هو كناية عن كرمه.

** (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثانية عشرة. وفي هذا الاستفهام أسلوب فيه تصوير لما يناله المغتاب من عرض المغتاب على أفظع وجه وأفحشه وأشنع صورة .. قال الزمخشري : في القول الكريم مبالغات شتى .. منها الاستفهام الذي معناه التقرير .. ومنها جعل ما هو في الغاية من الكراهة موصولا بالمحبة .. ومنها إسناد الفعل إلى أحدكم والإشعار بأن أحدا من الأحدين لا يحب ذلك .. ومنها إن لم يقتصر على تمثيل الاغتياب بأكل لحم الانسان حتى جعل الإنسان أخا .. ومنها إن لم يقتصر على أكل لحم الأخ حتى جعل ميتا. وماضي «يغتب» هو اغتاب .. يقال : غابه واغتابه غيبا واغتيابا والاسم منه «الغيبة» بكسر الغين.

٤٤٠