إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من لفظ الجلالة وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. اللام حرف جر و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جر باللام والجار والمجرور متعلق بيغفر. يشاء : تعرب إعراب «يغفر» والجملة الفعلية «يشاء» صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : لمن يشاؤه من عباده أو يكون المفعول به المحذوف اختصارا اسما صريحا بمعنى : يغفر الذنوب أي يسترها لمن يشاء مغفرته وفي هذا المعنى يكون مفعول «يغفر» محذوفا أيضا وهو «الذنوب» من باب الاختصار والعلم به.

(وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على «يغفر لمن يشاء» وتعرب مثلها و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «يعذب» وحذف مفعول «يشاء» المعنى : من يشاء تعذيبه.

(وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) : الواو استئنافية. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : اسم «كان» مرفوع للتعظيم بالضمة. غفورا رحيما : خبرا «كان» منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة المنونة أي غفورا لمن تاب رحيما بعباده.

** (وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة عشرة وقد جاء الفعل «يؤمن» بصيغة الإفراد على لفظ «من» وجيء بلفظة «الكافرين» بصيغة الجمع على معنى «من» لأن «من» مفردة لفظا مجموعة معنى. و «أعتدنا» بمعنى : هيأنا مشتق من العتاد وهو الآلة .. وسعيرا : بمعنى : نارا متقدة ونكرت الكلمة لأنها نار مخصوصة. أي متسعرة بمعنى متوقدة.

** (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الخامسة عشرة .. يقال : حسده على النعمة ـ يحسده ـ حسدا .. من باب «دخل» وحسده النعمة حسدا ـ بفتح السين أكثر من سكونها يتعدى الفعل إلى المفعول الثاني بنفسه وبالحرف .. بمعنى : كرهها عنده وتمنى زوالها عنه وأما الحسد على الشجاعة ونحو ذلك فقد قال الفيومي فهو الغبطة وفيه معنى التعجب وليس فيه تمني زوال ذلك على المحسود فإن تمناه فهو القسم الأول وهو حرام والفاعل حاسد وحسود ـ فعول بمعنى فاعل ـ والجمع : حساد وحسدة والفعل «حسد» من باب «دخل» وقال الأخفش : وبعضهم يقول يحسده بكسر السين. وقيل : إذا كان هناك أبشع من الحسد فهو اغتباط المرء بأن يكون محسودا أما «الغبطة» بكسر الغين

٤٠١

فهو اسم من غبطته ـ أغبطه ـ من باب «ضرب» بمعنى تمنيت مثل حال المغبوط ـ اسم مفعول ـ من غير أن أريد زوال الحال أو النعمة عنه وهو ليس بحسد. قال أبو سعيد : الاسم : الغبطة وهي حسن الحال ومنه قولهم : اللهم غبطا لا هبطا ـ بفتح الغين والهاء بمعنى نسألك الغبطة ونعوذ بك أن نهبط عن حالنا. والغابط ـ اسم فاعل ـ وهو عكس الحاسد وقد وردت هذه اللفظة في قول الشاعر :

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسدا وبغضا إنه لدميم

بمعنى : قلن عن وجهها .. ودميم : بمعنى : قبيح المنظر .. و «ضرائر» جمع «ضرة» وهي امرأة زوجها وقال شاعر آخر :

ذل من يغبط الذليل بعيش

رب عيش أخف منه الحمام

يقال : امرأة حسود وهي حسود ولا يقال : امرأة حسودة شأنها في ذلك شأن «صبور» لأن صيغة «فعول» هنا بمعنى الفاعل وذلك لوجود الموصوف «امرأة» وقد شذت «عدوة» إذ قالوا فلانة عدوة الله .. ويجب التفريق بين المذكر والمؤنث بالتاء إذا كان الموصوف غير معروف نحو قولنا : الحسودة تؤذي نفسها لأنهم قالوا : يكفيك من الحاسد أنه يغتم عند سرورك .. وقيل أيضا : الحسد داء لا يبرأ. وقيل : ليس للحاسد إلا ما حسد .. أي لا يحصل على شيء إلا على الحسد فقط. يروى أن رجلا من أهل البصرة كان بذيئا شريرا يؤذي جيرانه بحديثه ويشتمهم فأتاه رجل ونهاه عن ذلك وسأله لما ذا يشتكي جيرانه منه؟ فقال : إنهم يحسدونني! قال له الرجل : وعلى أي شيء يحسدونك؟ قال : على الصلب! فسأله وكيف ذلك؟ قال البصري : أقبل معي فأخذه إلى جيرانه وقد بدا متحازنا .. فقال الجيران : ما لك؟ قال : جاء الليلة كتاب من معاوية بصلبي وصلب مالك بن المنذر وفلان وفلان من أشراف البصرة! فوثب الجيران عليه وقالوا له : يا عدو الله أنت تصلب مع هؤلاء الأشراف؟ وأنت لا كرامة ولا شرف لك. فالتفت البصري إلى الرجل وقال له : أرأيت كيف يحسدونني على الصلب!؟

** (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة السابعة عشرة .. المعنى : ليس على هؤلاء إثم ومؤاخذة في التخلف عن الجهاد لوجود أعذارهم معهم فهم عاجزون وغير متمكنين من خوض القتال .. ويقال : عمي الرجل ـ يعمى ـ عميا .. من باب «صدي» بمعنى : ذهب بصره فهو أعمى وهم عمي .. والعمى هو ذهاب البصر وفي قولهم : عمي عليه الأمر معناه التبس وهذا الرجل عمي القلب : كناية عن جهله. أما الأعرج ففعله «عرج» نحو عرج ـ يعرج الرجل .. من باب «دخل» إذا أصابه شيء في رجله فمشى مشية العرجان .. أما إذا كانت العاهة خلقت معه فباب الفعل هو «طرب» فنقول : عرج ـ بكسر الراء ـ فهو أعرج .. ويقال في التعجب : ما أشد عرجه! ولا نقول ما أعرجه! لأن ما كان لونا أو خلقة في الجسد لا يقال منه التعجب ما أفعله! أي من الفعل بل يقال ذلك مع «أشد» ونحوه .. والفعل «مرض» من الباب نفسه ـ باب عرج ـ وهو طرب .. نحو : مرض .. يمرض مرضا .. والمرض هو السقم ويقال في الفعل المزيد فلان يتمارض : بمعنى : تظاهر أو أرى من نفسه المرض وليس به مرض .. وقال الفيومي : يقال : مرض الحيوان مرضا ـ من باب «تعب» والمرض حالة خارجة عن الطبع ضارة بالفعل ويعلم من هذا أن الآلام والأورام أعراض عن المرض وقال

٤٠٢

ابن فارس : المرض : كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة أو نفاق أو تقصير في أمر ومرض مرضا لغة قليلة الاستعمال قال الأصمعي : قرأت على أبي عمرو ابن العلاء في قلوبهم مرض فقال لي مرض ـ بسكون الراء ـ يا غلام والفاعل من الأولى مريض وجمعه : مرضى ومن الثانية : مارض .. ومرضته تمريضا : بمعنى تكفلت بمداواته.

** سبب نزول الآية : قال ابن عباس : لما نزلت (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ) أي الآية الكريمة السابقة قال أهل الزمانة : كيف بنا يا رسول الله؟ فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ..) ولفظة «الزمانة» معناها : مرض يدوم زمانا طويلا .. يقال : زمن الشخص ـ يزمن ـ زمنا وزمانة .. من باب «تعب» بمعنى دام مرضه زمانا طويلا فهو زمن وهم زمنى ـ مثل مرضى وأزمنه الله فهو مزمن.

** (إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الثامنة عشرة .. المعنى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ عاهدوك يا محمد تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم من الإيمان والإخلاص فأنزل الطمأنينة والثبات وجعل ثوابهم فتح خيبر بعد انصرافهم وقبل فتح مكة.

** سبب نزولها : لما نزل الرسول الكريم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحديبية سنة ست وهي قرب مكة وكان قصده أن يعتمر فبعث بخراش بن أمية الخزاعي إلى أهل مكة فهموا بقتله فحماه بعضهم فرجع فبعث النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عثمان بن عفان فحبسوه فدعا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أصحابه وكانوا ألفا وثلاثمائة أو ألفا وأربعمائة أو ألفا وخمسمائة وبايعهم على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا منهم ـ بيعة الرضوان ـ وكان جالسا تحت الشجرة ـ شجرة سمرة أو سدرة في الحديبية وهي الشجرة المذكورة في الآية الكريمة.

** (وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة العشرين بمعنى : ومنع أيدي أهل خيبر أن تصيبكم بسوء .. يقال : كف عن الشيء ـ يكف ـ كفا .. من باب «قتل» بمعنى : تركه وكففته كفا : بمعنى : منعته فكف هو .. الفعل يتعدى ولا يتعدى إلى المفعول. قال الأزهري : الكف : هي الراحة ـ راحة اليد ـ مع الأصابع سميت بذلك لأنها تكف الأذى عن البدن .. وتكفف الرجل الناس واستكفهم بمعنى : مد كفه إليهم بالمسألة. قال الشاعر :

لمست بكفي كفه أبتغي الغنى

ولم أدر أن الجود من كفه يعدي

فلا أنا منه ما أفاد ذوو الغنى

أفدت وأعداني فاتلفت ما عندي

و «الكف» من الإنسان وغيره لفظة مؤنثة. قال ابن الأنباري : وزعم من لا يوثق به أن الكف مذكر ولا يعرف تذكيرها من يوثق بعلمه .. وأما قولهم : هذا كف مخضب فهو على معنى : ساعد مخضب وجمعه كفوف وأكف .. وقولهم : تكفف فلان .. إضافة إلى معنى : مد كفه إليهم بالسؤال فمعناه أيضا : أخذ الشيء بكفه.

** (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة الرابعة والعشرين المعنى : وهو الذي أي الله سبحانه منع أيدي المشركين كفار مكة أن تصل إليكم بأذى أو تنالكم بمكروه ببطن مكة أي بوادي الحديبية القريب من مكة .. ومكة ويطلق عليها : أم القرى هي مكان أول بيت وضع للناس ولأنها قبلة أهل القرى كلهم ومحجهم ولأنها أعظم القرى شأنا ومنزلة لدى المسلمين قاطبة وروت أم هانئ «أنه لما فتح باب

٤٠٣

الكعبة صلى ـ عليه الصلاة والسلام ـ صلاة الضحى ثماني ركعات وتشتهر مكة المكرمة ببئر زمزم ذات المياه المباركة التي تفجرت مياهها عند ما عطشت السيدة «هاجر» وابنها سيدنا اسماعيل ـ عليه‌السلام ـ ومعنى «الزمزم» هو المياه التي طعمها بين الملح والعذب.

** (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) : المعنى : من بعد أن أفلحكم عليهم .. وقد تعدى الفعل الرباعي «أظفر» إلى المفعول في حين أن الفعل الثلاثي «ظفر» وهو من باب «طرب» فعل لازم ومتعد أيضا نحو : ظفر الرجل بعدوه يظفر ظفرا : بمعنى : فاز به يفوز فوزا وظفره أيضا .. مثل لحق به ولحقه فالفعل يتعدى بالباء وبالمفعول الصريح واسم الفاعل منه هو : ظفر .. مثل «تعب» ويقال : أظفر الرجل مطلوبه : أي فاز به وبمطلوبه وعليه : أي فاز به وغلب .. وظفره الله وأظفره بعدوه : بمعنى : جعله يظفر به فهو رجل مظفر ـ اسم مفعول : أي صاحب دولة في الحرب أي لا يحاول أمرا إلا ظفر به.

** سبب نزول الآية : أخرج مسلم وغيره عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثمانون رجلا من جبل التنعيم يريدون غرة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخذوا فأعتقهم فنزلت هذه الآية الكريمة. أما الفعل «ضفر» فهو من باب «ضرب» يقال : ضفر الرجل ـ يضفر ـ ضفرا : بمعنى : وثب في عدوه ومنه القول : تضافر القوم : أي تعاونوا لأنه سعي. والضفائر : جمع «ضفيرة» وهي الخصلة من الشعر.

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) (١٥)

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ) : السين حرف استقبال ـ تسويف ـ يقول : فعل مضارع مرفوع بالضمة. المخلفون : فاعل مرفوع وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى المتخلفون عن الحديبية.

(إِذَا انْطَلَقْتُمْ) : ظرف لما يستقبل من الزمان مبني على السكون أداة شرط غير جازمة ـ متضمن معنى الشرط ـ خافض لشرطه متعلق ـ منصوب ـ بجوابه. انطلقتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور والجملة الفعلية «انطلقتم ..» في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف والجملة الشرطية مع جوابها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

٤٠٤

(إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) : جار ومجرور متعلق بانطلقتم وعلامة جر الاسم الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل» ولانقطاعه عن الإضافة. المعنى : إلى مغانم خيبر أي غنائم خيبر جمع «مغنم» أي غنيمة. اللام حرف جر للتعليل. تأخذوا : فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. والجملة الفعلية «تأخذوها» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بانطلقتم.

(ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها وهي فعل طلب مبني على حذف النون لأن مضارعه من الأفعال الخمسة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به بمعنى : اتركونا أو دعونا. نتبعكم : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور بمعنى : اتركونا أو دعونا نتبعكم لنأخذ منها.

(يُرِيدُونَ) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «يريدون» في محل نصب حال.

(أَنْ يُبَدِّلُوا) : حرف مصدري ناصب. يبدلوا : فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة بمعنى أن يغيروا. والجملة الفعلية «يبدلوا كلام الله» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» وما تلاها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به ليريدون.

(كَلامَ اللهِ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة بمعنى وعد الله.

٤٠٥

(قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت ـ أصله : قول ـ حذفت الواو تخفيفا ولالتقاء الساكنين والجملة الفعلية بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ لن : حرف نصب ونفي واستقبال. تتبعوا : فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «نا» ضمير متصل ـ ضمير المتكلمين ـ مبني على السكون في محل نصب مفعول به.

(كَذلِكُمْ قالَ اللهُ) : الكاف اسم مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ بمعنى «مثل» والجملة الفعلية «قال الله» في محل رفع خبر المبتدأ. التقدير : مثل ذلك القول قال الله بمعنى : مثل ذلك الإخبار أخبرنا الله أن غنيمة خيبر تؤول لمن شهد الحديبية. أو تكون الكاف في محل نصب صفة لمفعول مطلق ـ مصدر ـ أو نائبا عنه. التقدير : قال الله قولا مثل ذلك القول بمعنى : أخبرنا الله إخبارا مثل ذلك الإخبار. ذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. اللام للبعد. الكاف حرف خطاب والميم علامة الجمع. قال : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.

(مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ) : حرف جر. قبل : اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بقال. الفاء استئنافية للتسبيب. السين حرف تسويف ـ استقبال ـ للقريب. يقولون : تعرب إعراب «يريدون» والجملة الفعلية بعدها في محل نصب مفعول به.

(بَلْ تَحْسُدُونَنا) : حرف عطف للاضراب .. معناه : رد أن يكون حكم الله أن لا يتبعوهم وإثبات الحسد. تحسدون : تعرب إعراب «يريدون» و «نا» أعرب في «تتبعونا» بمعنى فسيقول المنافقون بل تمنعوننا من الخروج معكم حسدا منكم لنا.

(بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ) : حرف عطف للإضراب عن وصفهم بإضافة الحسد إلى المؤمنين وقلة الفقه إلى وصفهم بما هو أكثر منه وهو الجهل. كانوا :

٤٠٦

فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة. لا يفقهون : الجملة الفعلية في محل نصب خبر «كان» لا : نافية لا عمل لها. يفقهون : تعرب إعراب «يقولون» أو «يريدون» بمعنى لا يفهمون.

(إِلَّا قَلِيلاً) : أداة حصر لا عمل لها. قليلا : صفة ـ نعت ـ لمفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف. بمعنى : إلا فهما قليلا وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) (١٦)

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ) : أعربت في الآية الكريمة السابقة. للمخلفين : جار ومجرور متعلق بقل وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. من الأعراب : جار ومجرور متعلق بحال من «المخلفين» و «من» حرف جر بياني بمعنى قل يا محمد للمتخلفين عن نصرتك من سكان البادية. جمع : أعرابي وهو ليس العربي الذي يكون جنسه عربيا كرر سبحانه هذا القول مبالغة في ذمهم لتخلفهم عن الحديبية.

(سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ) : الجملة الفعلية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ السين حرف استقبال ـ تسويف. تدعون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل. إلى قوم : جار ومجرور متعلق بتدعون بمعنى : إلى منازلة أو قتال قوم فحذف المضاف «منازلة» وحل المضاف إليه محله.

(أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) : صفة ـ نعت ـ لقوم مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه ملحق بجمع المذكر السالم والواو تكتب ولا تلفظ والكلمة لا مفرد لها من لفظها وقيل : مفردها : ذو وهي اسم جمع بمعنى «ذوو» أي أصحاب. بأس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة بمعنى ذوي أي أصحاب شدة في الحرب. شديد : صفة ـ نعت ـ لبأس مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة قيل هم بنو ثقيف وبنو هوازن.

٤٠٧

(تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من ضمير المخاطبين في «تدعون» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به. أو : حرف عطف للتخيير. يسلمون : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «تقاتلونهم» وتعرب إعراب «تقاتلون» أي يكون أحد الأمرين إما مقاتلتهم أو إسلامهم لا ثالث لهما.

(فَإِنْ تُطِيعُوا) : الفاء استئنافية. إن : حرف شرط جازم. تطيعوا : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بإن وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة أي فإن تطيعوا الله ورسوله ..

(يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً) : الجملة الفعلية وما بعدها جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء فلا محل لها وهي فعل مضارع جواب الشرط مجزوم وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة ـ الياء ـ وبقيت الكسرة المجانسة للياء دالة عليها. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول مقدم والميم علامة جمع الذكور. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. أجرا : مفعول به ثان منصوب بيؤتي وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا) : صفة ـ نعت ـ للموصوف «أجرا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة. الواو عاطفة. إن تتولوا : معطوف على «إن تطيعوا» ويعرب مثله بمعنى وإن تعرضوا أو تبتعدوا أي تتخلفوا.

(كَما تَوَلَّيْتُمْ) : الكاف حرف جر. ما : مصدرية. توليتم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع فاعل والميم علامة جمع الذكور. والجملة الفعلية «توليتم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بالكاف والجار والمجرور متعلق بمفعول مطلق ـ مصدر ـ محذوف. التقدير : وإن تتولوا تولية كتوليتكم بمعنى وإن تتخلفوا تخلفا كتخلفكم من قبل هذه التولية عن غزوة الحديبية.

٤٠٨

(مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ) : حرف جر. قبل : اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بتوليتم أي من قبل هذه التولية. يعذب : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره : هو. و «كم» أعرب في «يؤتكم» وجملة «يعذبكم» جواب الشرط الجازم غير مقترن بالفاء لا محل لها.

(عَذاباً أَلِيماً) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. أليما : صفة ـ نعت ـ للموصوف «عذابا» منصوب بالفتحة المنونة.

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) (١٧)

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) : فعل ماض ناقص من أخوات «كان» مبني على الفتح. على الأعمى : جار ومجرور في محل نصب خبر «ليس» المقدم. حرج : اسم «ليس» المؤخر مرفوع بالضمة المنونة وعلامة جر الاسم المجرور «الأعمى» الكسرة المقدرة على الألف المقصورة للتعذر بمعنى ليس عليه وعليهم إثم في التخلف عن الجهاد.

(وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ) : معطوفان بواوي العطف على «ليس على الأعمى حرج» ويعربان إعرابه وعلامة جر «الأعرج» و «المريض» الكسرة الظاهرة على آخرهما و «لا» زائدة لتأكيد معنى النفي.

(وَمَنْ يُطِعِ) : الواو استئنافية. من : اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. يطع : فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن وعلامة جزمه حذف آخره الذي حرك بالكسر لالتقاء الساكنين وأصله : يطيع .. حذفت الياء الثانية تخفيفا ولالتقاء الساكنين أيضا وجملتا فعل الشرط وجوابه في محل رفع خبر «من».

(اللهَ وَرَسُولَهُ) : لفظ الجلالة مفعول به منصوب للتعظيم وعلامة النصب الفتحة. الواو عاطفة. رسوله : مفعول به منصوب بيطع وعلامة نصبه الفتحة والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «يطع

٤٠٩

الله ورسوله» صلة الموصول «من» لا محل لها بمعنى ومن يطع الله في كل ما أمر به ونهى عنه.

(يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ) : الجملة الفعلية جواب شرط جازم غير مقترن بالفاء فلا محل لها وهي فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط ـ جزاؤه ـ وعلامة جزمه سكون آخره والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره : هو والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به أول. جنات : مفعول به ثان منصوب بيدخل المتعدي إلى مفعولين وعلامة نصبه الكسرة المنونة بدلا من الفتحة المنونة لأنه ملحق بجمع المؤنث السالم.

(تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ـ نعت ـ لجنات وهي فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. من تحت : جار ومجرور متعلق بتجري أو بحال محذوف من «الأنهار» التقدير : كائنة تحتها و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه. الأنهار : فاعل مرفوع بالضمة.

(وَمَنْ يَتَوَلَ) : معطوف بالواو على «من يطع» ويعرب إعرابه وعلامة جزم الفعل حذف آخره ـ حرف العلة الألف المقصورة.

(يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً) : أعرب في نهاية الآية الكريمة السابقة والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل نصب مفعول به.

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (١٨)

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ) : اللام لام الابتداء والتوكيد. قد : حرف تحقيق. رضي : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة.

(عَنِ الْمُؤْمِنِينَ) : جار ومجرور متعلق برضي وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

٤١٠

(إِذْ يُبايِعُونَكَ) : حرف للتعليل لا محل لها أو ظرف لما مضى من الزمن مبني على السكون في محل نصب بمعنى «حين» متعلق برضي. يبايعونك : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون. والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية فعلها ماض محلا لا لفظا وهي في محل جر مضاف إليه لوقوعها بعد الظرف.

(تَحْتَ الشَّجَرَةِ) : ظرف مكان منصوب على الظرفية متعلق بيبايعون وهو مضاف. الشجرة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة أو يكون الظرف متعلقا بحال محذوف من ضمير الغائبين في «يبايعونك» التقدير : كائنين تحت الشجرة.

(فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ) : الجملة الفعلية معطوفة بالفاء على جملة «رضي» وتعرب إعرابها والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو أي الله سبحانه. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به. في قلوب : جار ومجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : اعتمل .. كان .. استقر و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه والجملة الفعلية «اعتمل في قلوبهم» صلة الموصول لا محل لها بمعنى ما فيها من الإيمان والصدق ..

(فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) : تعرب إعراب «فعلم» السكينة : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. على : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعلى. والجار والمجرور متعلق بأنزل بمعنى فأنزل الطمأنينة وسكون النفس عليهم.

(وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) : تعرب إعراب «فعلم» و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به أول. فتحا : مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. قريبا : صفة ـ نعت ـ للموصوف «فتحا» منصوب بالفتحة المنونة.

٤١١

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٩)

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً) : معطوفة بالواو على «فتحا قريبا» في الآية الكريمة السابقة وتعرب إعرابها بمعنى وأثابهم أي جزاهم أو أعطاهم غنائم كثيرة أيضا ولم ينون آخر «مغانم» لأنه اسم ممنوع من الصرف على وزن «مفاعل».

(يَأْخُذُونَها وَكانَ اللهُ) : الجملة الفعلية في محل نصب صفة ثانية لمغانم وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «ها» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب مفعول به. الواو عاطفة. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : اسم «كان» مرفوع للتعظيم وعلامة الرفع الضمة.

(عَزِيزاً حَكِيماً) : خبر «كان» على التتابع منصوبان وعلامة نصبهما الفتحة المنونة.

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢٠)

(وَعَدَكُمُ اللهُ) : فعل ماض مبني على الفتح. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم وعلامة الرفع الضمة.

(مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ) : أعرب في الآية الكريمة السابقة. فعجل : معطوف بالفاء على «وعد» ويعرب مثله والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. لكم : جار ومجرور متعلق بعجل والميم علامة جمع الذكور بمعنى وغنائم كثيرة تأخذونها من أعدائكم.

(هذِهِ وَكَفَ) : اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب مفعول به أي هذه الغنائم أي غنائم خيبر. وكف : معطوفة بالواو على الجملة الفعلية «عجل» وتعرب مثلها بمعنى : ومنع أيدي الناس أي أهل خيبر وحلفائهم أن تمسكم بسوء.

٤١٢

(أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. الناس : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. عنكم : جار ومجرور متعلق بكف والميم علامة جمع الذكور.

(وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) : الواو اعتراضية والجملة بعدها اعتراضية لا محل لها. اللام حرف جر للتعليل. تكون : فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد اللام وعلامة نصبه الفتحة واسمها ضمير مستتر جوازا تقديره هي أي غنائم خيبر المعجلة. آية : خبر «تكون» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة بمعنى دليلا على ما وعدكم الله به ووعد رسوله. والجملة الفعلية «تكون آية» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بفعل محذوف تقديره : فعل. أي فعل ذلك لتكون غنائم خيبر أو ولتكون الكفة آية أي دلالة على صدق الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويجوز أن يكون الجار والمجرور متعلقا بفعل مضمر معطوفا عليه بالواو بمعنى : وعدكم المغانم فعجل هذه الغنيمة وكف الأعداء عنكم لينفعكم بها ولتكون آية للمؤمنين فتكون الواو في «ولتكون» على هذا التقدير والمعنى عاطفة وليست اعتراضية. للمؤمنين : جار ومجرور متعلق بتكون أو بصفة محذوفة من «آية» وعلامة جر الاسم الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «ينفعكم» المقدرة أو على «لتكون» وهي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد اللام ـ لام التعليل ـ وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. و «كم» أعرب في «وعدكم» صراطا : مفعول به ثان منصوب بيهدي وعلامة نصبه الفتحة المنونة. مستقيما : صفة ـ نعت ـ للموصوف «صراطا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة المنونة. المعنى : ليهديكم بهذه الدلالة طريقا قويما لطاعته سبحانه. والأصل : إلى صراط فحذف حرف الجر وأوصل الفعل متعديا إليه.

٤١٣

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) (٢١)

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها) : الواو عاطفة. أخرى : معطوفة على «هذه» أي فجعل أو فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى فحذف الموصوف «مغانم» وحلت الصفة «أخرى» محله وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره ـ الألف المقصورة للتعذر أو يكون معطوفا على «وعدكم» أي ووعدكم غنيمة أخرى أو غنائم أخرى ويجوز أن تكون الكلمة منصوبة بفعل محذوف يفسره «قد أحاط الله بها» التقدير : وقضى الله أخرى قد أحاط بها. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تقدروا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. عليها : جار ومجرور متعلق بتقدروا بمعنى وغنيمة أخرى لم تقدروا على أخذها وبعد حذف المضاف «أخذ» أوصل حرف الجر «على» بالضمير «ها» المضاف إليه فصار : عليها. وقيل : المعنى : ووعدكم أيضا فتوحات وغنائم أخرى هي مغانم فارس والروم وهوازن وثقيف يوم حنين. والجملة الفعلية «لم تقدروا عليها» في محل نصب صفة لأخرى. وعلى هذا التقدير يجوز أن تكون «أخرى» مبتدأ مرفوعا على الابتداء وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر وتكون الجملة الفعلية «قد أحاط الله بها» في محل رفع خبر «أخرى».

(قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها) : حرف تحقيق. أحاط : فعل ماض مبني على الفتح. الله لفظ الجلالة : فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة. بها : جار ومجرور متعلق بأحاط.

(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِ) : الواو عاطفة. الله لفظ الجلالة اسم «كان» مرفوع للتعظيم بالضمة. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح. على كل : جار ومجرور متعلق بقدير.

(شَيْءٍ قَدِيراً) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. قديرا : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) (٢٢)

٤١٤

(وَلَوْ قاتَلَكُمُ) : الواو استئنافية. لو : حرف شرط غير جازم. قاتل : فعل ماض مبني على الفتح. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به مقدم والميم علامة جمع الذكور حرك بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين.

(الَّذِينَ كَفَرُوا) : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل. كفروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «كفروا» صلة الموصول لا محل لها أي الكفار القرشيون بالحديبية.

(لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) : الجملة الفعلية جواب شرط غير جازم لا محل لها. اللام واقعة في جواب «لو» ولوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين واتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. الأدبار : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة والفتحة فوق اللام دالة على الألف المقصورة المحذوفة بمعنى لانهزموا .. (ثُمَّ لا يَجِدُونَ) : حرف عطف للتراخي. لا : نافية لا عمل لها. يجدون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل.

(وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة. الواو عاطفة. لا : زائدة لتأكيد النفي. نصيرا : معطوف على «وليا» منصوب مثله بالفتحة المنونة بمعنى : معينا يدفع عنهم الهزيمة .. وولوا الأدبار : جمع «دبر» وهو كناية عن الهزيمة.

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) (٢٣)

(سُنَّةَ اللهِ) : مفعول مطلق ـ مصدر ـ منصوب بفعل محذوف تقديره : سن الله غلبة أنبيائه سنة بمعنى : عادة الله وطريقته في تدبير الخلق و «سنة» في موضع المصدر المؤكد. الله لفظ الجلالة : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالكسرة.

(الَّتِي قَدْ خَلَتْ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ لسنة. قد : حرف تحقيق. خلت : فعل ماض مبني على الفتح

٤١٥

المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بتاء التأنيث التي لا محل لها والفاعل ضمير مستتر جوازا تقديره هي.

(مِنْ قَبْلُ) : حرف جر. قبل : اسم مبني على الضم لانقطاعه عن الإضافة في محل جر بمن والجار والمجرور متعلق بخلت والجملة الفعلية «قد خلت من قبل» صلة الموصول لا محل لها بمعنى : قد مضت في كل الأمم من قبل.

(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ) : الواو استئنافية. لن : حرف نفي ونصب واستقبال. تجد : فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. لسنة : جار ومجرور متعلق بتجد أو بمفعوله المصدر «تبديلا».

(اللهِ تَبْدِيلاً) : مضاف إليه مجرور للتعظيم بالإضافة وعلامة الجر الكسرة. تبديلا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة أي تحويلا.

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) (٢٤)

(وَهُوَ الَّذِي) : الواو استئنافية. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ أو يكون خبر مبتدأ محذوف اختصارا لأنه معلوم بتقدير والله هو. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هو» وتكون الجملة الاسمية «هو الذي» في محل رفع خبر «الله» على الوجه الثاني.

(كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) : أعربت في الآية الكريمة العشرين و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه والجملة «كف أيديهم» صلة الموصول لا محل لها.

(وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) : معطوفة بالواو على «كف أيديهم عنكم» وتعرب إعرابها والكاف ضمير المخاطبين في محل جر مضاف إليه بمعنى ومنع أيديكم عنهم.

(بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ) : جاران ومجروران متعلقان بكف. مكة : مضاف إليه مجرور بالفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه اسم معرفة ومؤنث ممنوع من الصرف.

٤١٦

(أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) : حرف مصدري ناصب. أظفركم : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل ماض مبني على الفتح. والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ في محل نصب مفعول به. عليهم : جار ومجرور متعلق بأظفر و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر مضاف إليه بمعنى : أفلحكم عليهم.

(وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) : هذا القول الكريم أعرب في الآية الكريمة التاسعة من سورة «الأحزاب».

** (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة الخامسة والعشرين .. المعنى : المشركون هم الذين كفروا بالله ورسوله ومنعوكم عن دخول المسجد الحرام والطواف بالبيت الحرام .. يقال : سجد ـ يسجد ـ سجودا .. بمعنى «خضع» وهو من باب «دخل» و «المسجد» بكسر الجيم وفتحها وهو المكان الذي يسجد فيه وكل موضع يتعبد فيه فالمفعل منه بفتح العين اسما كان أو مصدرا .. تقول : دخل ـ يدخل ـ مدخلا وهذا مدخله .. إلا أحرفا من الأسماء ألزموها كسر العين ـ أي الجيم ـ ومنها المسجد والمطلع ـ بفتح اللام وكسرها ـ والفتح في كله جائز وإن لم يسمع ومنها المغرب والمشرق والمسقط وغيرها .. أما «المسجدان» فهما مسجد مكة ومسجد المدينة وفي مسجد المدينة المنورة : المسجد النبوي الشريف الذي يضم الجسم الطاهر لنبي الإنسانية ورسول البشرية محمد بن عبد الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعن زيد بن أسلم : الحرمات : خمس : الكعبة الحرام .. المسجد الحرام .. البلد الحرام .. الشهر الحرام .. والمحرم حتى يحل. وعن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : رجب : شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي .. وقالوا في تثنية «رجب» و «شعبان» : رجبان. للتغليب أي تغليب «رجب» على «شعبان» ويقال : رجبته مثل «عظمته» وزنا ومعنى. ومنه سمي «رجب» لأنهم كانوا يعظمونه في الجاهلية بترك القتال فيه وسمي «شعبان» بذلك لتشعب العرب فيه : أي تفرقهم في طلب المياه. ويجمع «الشهر» جمع قلة على «أشهر» وجمع «كثرة» على «شهور» مثل «الآلف» و «ألوف». ** سبب نزول الآية : قال أبو جعفر حبيب بن سبع : قاتلت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أول النهار كافرا وقاتلت معه آخر النهار مسلما وكنا ثلاثة رجال وسبع نسوة وفينا نزلت هذه الآية الكريمة في قوله (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ ..).

** (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِ) : ورد هذا القول الكريم في بداية الآية الكريمة السابعة والعشرين المعنى : لقد حقق الله تعالى رؤيا رسوله التي رآها بدخوله مكة ولم يكذبه .. تعالى الله عن الكذب وعن كل قبيح علوا كبيرا .. وقيل : رأى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فتح مكة في منامه ورؤيا الأنبياء ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وحي .. يقال : رأى في منامه رؤيا ـ بلا تنوين ـ بمعنى : حلم وجمعها «رؤى» تلفظ بالتنوين وفلان مني بمرأى ومسمع أي حيث أراه وأسمع.

٤١٧

قوله .. ويقال : تراءى لي أن الأمر كيت وكيت : بمعنى : ظهر لي .. وارتأيت الأمر : أي نظرت فيه وتدبرته. ومنه القول : رأيي كذا : بمعنى : اعتقادي .. وقال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في خطبته التي يعاتب فيها أصحابه : لا رأي لمن لا يطاع. أما الفعل «رأى» بالعين فمصدره : الرؤية .. ويتعدى إلى مفعول واحد ويكون مفعوله الثاني حالا وإذا كان بمعنى العلم والظن تعدى إلى مفعولين. وقيل في الأمثال : سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار. يضرب لمن ينهى عن شيء فيأبى إلا فعله.

** (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ) : المعنى محلقين شعور رءوسكم ومقصرين شعور رءوسكم فحذف المفعول به المضاف «شعور» وبقي المضاف إليه «رءوسكم» حالا محله كما حذف مفعول اسم الفاعلين «مقصرين» وهو «شعوركم» أو شعور رءوسكم لأن ما قبله دال عليه. ومحلقون : جمع «محلق» بمعنى : حالق ـ اسم فاعل ـ وجمع حالق هو «حالقون» جمع مذكر سالم ويجمع جمع تكسير حلقة ـ بفتح اللام ولهذا لا يصح أن يقال : هذا الرجل يدور في كلامه في حلقة مفرغة ـ بفتح اللام أو تقدم لكم حلقة من هذا الموضوع لأن هذه اللفظة تتنافى مع المعنى أو المقصود وهو حلقة ـ بسكون اللام ـ وهي الدائرة المستديرة. أي كل شيء استدار ومنها حلقة القوم : أي دائرتهم وقولهم : سأله عن حلقته : بمعنى : وهو بين طلبته المحيطين به كالحلقة ومنه أيضا حلقة الباب وهي دائرة مفرغة تعلق بها ليقرع بها. وقال ثعلب : كلهم يجيز ـ حلقة ـ بفتح اللام على ضعفه .. وقال أبو عمر الشيباني : ليس في الكلام حلقة ـ بفتح اللام ـ إلا في قولهم : هؤلاء قوم حلقة .. للذين يحلقون الشعر .. وقولهم : تحلق القوم : معناه جلسوا حلقة حلقة وهي على وزن «فعلة» وتجمع على «فعلات» أي حلقات .. أما لفظة «الحالق» فتأتي أيضا بمعنى : المنيف المرتفع الشاهق واللفظة مأخوذة من حلق الطائر في طيرانه.

** (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) : جاء هذا القول الكريم في الآية الكريمة السادسة والعشرين .. المعنى : وألزم المؤمنين أي أمرهم بكلمة التقوى ووفقهم إليها ومعنى إضافة «الكلمة» إلى «التقوى» أنها سبب التقوى وأساسها أي الثبات والوفاء بالعهد وقيل : كلمة التقوى فحذف المضاف إليه الأول «أهل» وحل المضاف إليه الثاني «التقوى» محله. وقيل : كلمة التقوى هي : لا إله إلّا الله محمد رسول الله.

** سبب نزول الآية : قال مجاهد : أري النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو بالحديبية أنه يدخل مكة هو وأصحابه آمنين محلقين رءوسهم ومقصرين فنزلت هذه الآية الكريمة السابعة والعشرون .. أي صدق الله تعالى رسوله الكريم.

** (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) : ورد هذا القول الكريم في الآية الكريمة التاسعة والعشرين .. وفي هذه الآية الكريمة وحدها دون سواها من آيات القرآن الكريم المليء بالمعجزات والإعجاز والفصاحة والبلاغة إعجاز جديد غريب فريد يندر حدوثه ألا وهو أن هذه الآية الكريمة جمعت جميع حروف اللغة العربية الأبجدية كاملة فتبارك الله العظيم .. وهذا سر من أسراره العجيبة تجلت قدرته وعظم شأنه. و «سيماهم» بمعنى علامتهم وفيه ثلاث لغات : سيما .. سيماء .. وسيمياء. والمراد بها : السمة التي تحدث في جبهة السجود من كثرة

٤١٨

السجود وقوله : «من أثر السجود» يفسرها أي من التأثير الذي يؤثره السجود. وكذا عن سعيد بن جبير : هي السمة في الوجه .. وقيل : هي صفرة الوجه من خشية الله .. وعن الضحاك : ليس بالندب في الوجوه ولكنه صفرة وعن عطاء استنارت وجوههم من طول ما صلوا بالليل كقوله : من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار وهذا يحدث في جبهة الساجد الذي لا يسجد إلا لوجه الله .. وعن سعيد بن المسيب : ندى الطهور وتراب الأرض.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) (٢٥)

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ حرك الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع خبر «هم». كفروا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. والجملة الفعلية «كفروا» صلة الموصول لا محل لها أي هم الذين أي المشركون كفروا بالله ورسوله.

(وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «كفروا» وتعرب إعرابها. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. عن المسجد : جار ومجرور متعلق بصدوا بمعنى ومنعوكم ..

(الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً) : صفة ـ نعت ـ للمسجد مجرور بالكسرة. والهدي : معطوف بالواو على ضمير المخاطبين في «صدوكم» بمعنى : منعوكم عن دخول المسجد الحرام والطواف في البيت الحرام ومنعوا الهدي أي وصول الهدي أي الذي يهدى للبيت من الذبائح من الإبل وغيرها. معكوفا : حال من «الهدي» منصوب بالفتحة المنونة أي محبوسا.

(أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) : حرف مصدري ونصب. يبلغ : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه الفتحة والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو والهاء في محله ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه. والجملة

٤١٩

الفعلية «يبلغ محله» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما بعدها بتأويل مصدر في محل نصب مفعول به بصدوا. التقدير : منعوا بلوغه محله أو يكون المصدر المؤول في محل جر بحرف جر محذوف بتقدير : عن بلوغه محله والجار والمجرور عن بلوغه محله متعلق بصدوا أي منحره بمعنى المحل الذي يحل فيه نحره و «محله» مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف. أي في محله فحذف الحرف «في» وعدي الفعل إلى المجرور «محله» فانتصب مفعولا به للفعل يبلغ بمعنى المكان الذي يحل أي يجب فيه نحره.

(وَلَوْ لا رِجالٌ) : الواو استئنافية. لو لا : حرف شرط غير جازم. رجال : مبتدأ مرفوع بالضمة المنونة وخبره محذوف وجوبا تقديره : موجودون .. بمعنى : ولو لا وجود رجال مبثوثين أي منتشرين بينهم أي قوم من المسلمين في مكة مختلطين بالمشركين غير متميزين ولا معروفي الأماكن وحذف جواب «لو لا» لدلالة الكلام عليه أي لما كف أيديكم عنهم.

(مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ) : صفة ـ نعت ـ لرجال مرفوع مثله وعلامة رفعه الواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته. ونساء مؤمنات : معطوف بالواو على «رجال مؤمنون» ويعرب مثله وعلامة رفع «مؤمنات» الضمة.

(لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) : الجملة الفعلية في محل رفع صفة للرجال والنساء جميعا. لم : حرف نفي وجزم وقلب. تعلموا : فعل مضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.

(أَنْ تَطَؤُهُمْ) : حرف مصدري ونصب. تطئوا : فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به والجملة الفعلية «تطئوهم» صلة حرف مصدري لا محل لها و «أن» المصدرية وما تلاها

٤٢٠