إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

بهجت عبدالواحد الشيخلي

إعراب القرآن الكريم لغةً وإعجازاً وبلاغة تفسيراً بالإيجاز - ج ٩

المؤلف:

بهجت عبدالواحد الشيخلي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٦

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) (٧٤)

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. المجرمين : اسم «إن» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته بمعنى : إن الكافرين ..

(فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ) : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «خالدون» بمعنى ماكثون. جهنم : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الفتحة بدلا من الكسرة المنونة لأنه ممنوع من الصرف للمعرفة والتأنيث. خالدون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (٧٥)

(لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من «المجرمين» ويجوز أن تكون في محل رفع خبرا ثانيا لإن. لا : نافية لا عمل لها. يفتر : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع وعلامة رفعه الضمة بمعنى لا يخفف. عن : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن. والجار والمجرور في محل رفع نائب فاعل. أي لا يخفف عنهم العذاب فترة.

(وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) : الواو عاطفة. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين في محل رفع مبتدأ. فيه : جار ومجرور متعلق باسم الفاعلين «مبلسون» بمعنى وهم في العذاب ساكتون من الغم أي آيسون ـ يائسون ـ من النجاة وعلى التفسير يكون نائب الفاعل «العذاب» محذوفا اختصارا ويكون الجار والمجرور «عنهم» متعلقا بيفتر. مبلسون : خبر «هم» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ) (٧٦)

(وَما ظَلَمْناهُمْ) : الواو استئنافية. ما : نافية لا عمل لها. ظلم : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل نصب مفعول به.

٢٠١

(وَلكِنْ كانُوا) : الواو زائدة. لكن : مهملة لأنها مخففة وهي حرف استدراك. كانوا : فعل ماض ناقص مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف فارقة بمعنى وما ظلمناهم بإدخالهم النار .. أو وما ظلمناهم شيئا بمعنى لا نعذبهم بغير ذنب اقترفوه ولكنهم ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية.

(هُمُ الظَّالِمِينَ) : ضمير فصل ـ عند البصريين ـ وعماد ـ عند الكوفيين ـ لا محل له من الإعراب وهو في الأصل ضمير الغائبين حرك بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين. الظالمين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته أي وما ظلمناهم بتعذيبهم ولكن كانوا الظالمين أنفسهم بالكفر.

(وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٧٧)

(وَنادَوْا يا مالِكُ) : الواو استئنافية. نادوا : فعل ماض مبني على الفتح المقدر للتعذر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين ولاتصاله بواو الجماعة. وبقيت الفتحة دالة على الألف المحذوفة. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. يا : أداة نداء. مالك : اسم علم منادى مفرد مبني على الضم في محل نصب.

(لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) : الجملة في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ لاسم فاعلين محذوف بمعنى قائلين .. اللام لام الطلب في مقام الدعاء وهي جازمة. يقض : فعل مضارع مجزوم باللام وعلامة جزمه حذف آخره ـ حرف العلة .. الياء ـ وبقيت كسرة مجانسة الياء. على : حرف جر و «نا» ضمير المتكلمين مبني على السكون في محل جر بعلى والجار والمجرور متعلق بيقضي. ربك : فاعل مرفوع بالضمة. والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ في محل جر مضاف إليه.

(قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو وقيل : إن الله سبحانه هو الذي أجابهم. إن : حرف

٢٠٢

نصب وتوكيد مشبه بالفعل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» والميم علامة جمع الذكور والجملة المؤولة من «إن» مع اسمها وخبرها في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ ماكثون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) (٧٨)

(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) : الجملة في محل نصب لأنها واقعة أيضا في مقول القول وهو قول الله تعالى لهم أي للكفار. اللام لام الابتداء للتوكيد. قد : حرف تحقيق. جئنا : فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل ـ ضمير التفخيم المسند إلى الواحد المطاع ـ مبني على السكون في محل رفع فاعل. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم علامة جمع الذكور. بالحق : جار ومجرور متعلق بجئنا بمعنى لقد آتيناكم أيها الكفرة بالحق الثابت وأنذرناكم في كتبنا المنزلة القرآن وما سبقه على لسان الرسل فلم ترعووا.

(وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ) : الواو استدراكية. لكن : حرف مشبه بالفعل من أخوات «إن» أكثر : اسم «لكن» منصوب وعلامة نصبه الفتحة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور.

(لِلْحَقِّ كارِهُونَ) : جار ومجرور متعلق بخبر «لكن» كارهون : خبر «لكن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من التنوين والحركة في الاسم المفرد «كاره» وهو اسم فاعل.

(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) (٧٩)

(أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً) : حرف إضراب بمعنى «بل» وهي «أم» المنقطعة. أبرموا : فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بواو الجماعة. الواو ضمير متصل في

٢٠٣

محل رفع فاعل والألف فارقة. أمرا : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة المنونة.

(فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) : الفاء استئنافية تفيد هنا التعليل. إن : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن» وحذفت إحدى النونين اختصارا. مبرمون : خبر «إن» مرفوع بالواو لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٨٠)

(أَمْ يَحْسَبُونَ) : حرف عطف وهي «أم» المتصلة لأنها مسبوقة بهمزة استفهام مقدرة. يحسبون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى : يظنون. أو تكون «أم» بمعنى «بل».

(أَنَّا لا نَسْمَعُ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «أن». لا : نافية لا عمل لها. نسمع : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره نحن. والجملة الفعلية «لا نسمع سرهم ..» في محل رفع خبر «أن» و «أن» مع اسمها وخبرها بتأويل مصدر سد مسد مفعولي «يحسبون».

(سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه. نجواهم : معطوف بالواو على «سرهم» ويعرب مثله وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على الألف للتعذر.

(بَلى وَرُسُلُنا) : حرف جواب بمعنى : نعم لا محل لها أي نسمع سرهم ونجواهم ونطلع عليهما. الواو استئنافية. رسل : مبتدأ مرفوع بالضمة وهو مضاف و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه.

(لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) : ظرف مكان بمعنى «عندهم» مبني على السكون في محل نصب متعلق بالخبر وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين

٢٠٤

ـ في محل جر مضاف إليه. يكتبون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر المبتدأ وتعرب إعراب «يحسبون». أو تكون الواو حالية والجملة الاسمية «رسلنا لديهم يكتبون» في محل نصب حالا من ضمير «نسمع».

(قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١)

(قُلْ) : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت وحذفت الواو ـ أصله : قول ـ لالتقاء الساكنين والجملة الشرطية بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ.

(إِنْ كانَ) : حرف شرط جازم. كان : فعل ماض ناقص مبني على الفتح فعل الشرط في محل جزم بإن.

(لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ) : جار ومجرور في محل نصب خبر «كان» المقدم. ولد : اسم «كان» المؤخر مرفوع بالضمة المنونة. بمعنى : إن ثبت أن وجد لله ولد كما تزعمون وتفترون.

(فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) : الجملة الاسمية جواب شرط جازم مقترن بالفاء في محل جزم. الفاء رابطة لجواب الشرط. أنا ضمير منفصل ـ ضمير المتكلم ـ مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. أول : خبر «أنا» مرفوع بالضمة وهو مضاف. العابدين : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته.

(سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٨٢)

(سُبْحانَ رَبِ) : مفعول مطلق منصوب بفعل محذوف تقديره أسبح. رب : مضاف إليه مجرور بالكسرة بمعنى تنزيها لرب ..

(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مضاف إليه ثان مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها.

(رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) : بدل من «رب السموات» ويعرب مثله. عما : مركبة من «عن» حرف جر و «ما» اسم موصول مبني على السكون في محل

٢٠٥

جر بعن والجار والمجرور متعلق بسبحان ـ بتأويل فعله ـ يصفون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : عما يصفونه بمعنى : أنزه رب السموات والأرض تنزيها عما يصفونه به من الولد والنسب. أو تكون «ما» مصدرية فتكون جملة «يصفون» صلة حرف مصدري لا محل لها و «ما» المصدرية وما تلاها بتأويل مصدر في محل جر بعن. التقدير سبحان الله رب السموات والأرض عن وصفهم سبحانه بالولد أو النسب.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٨٣)

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) : الفاء استئنافية. ذر : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به بمعنى فدعهم أو فاتركهم. يخوضوا : فعل مضارع مجزوم لأنه جواب الطلب وعلامة جزمه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة.

(وَيَلْعَبُوا حَتَّى) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «يخوضوا» وتعرب إعرابها بمعنى : دعهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا أي ويلهوا في دنياهم. حتى : حرف غاية وجر بمعنى : إلى أن ..

(يُلاقُوا يَوْمَهُمُ) : الجملة الفعلية صلة حرف مصدري لا محل لها وهي فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد «حتى» وعلامة نصبه حذف النون. الواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والألف فارقة. و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر «ملاقاة» في محل جر بحتى والجار والمجرور متعلق بيخوضوا. يوم : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف و «هم» ضمير متصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل جر مضاف إليه وحرك الميم بالضم للوصل ـ التقاء الساكنين.

(الَّذِي يُوعَدُونَ) : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب صفة ـ نعت ـ لليوم. يوعدون : الجملة الفعلية صلة الموصول لا محل لها وهي

٢٠٦

فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : يوعدونه. أو يكون العائد مجرورا بحرف جر بتقدير : يوعدون به بمعنى : الذي وعدوا به.

(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (٨٤)

(وَهُوَ الَّذِي) : الواو استئنافية. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع خبر «هو» وشبه الجملة «في السماء» متعلق بصلة الموصول لا محل له بمعنى والله هو الإله في السماء ..

(فِي السَّماءِ إِلهٌ) : جار ومجرور متعلق بصلة الموصول المحذوفة وهو أي الجار والمجرور ليس معناه الاستقرار وفيه نفي للآلهة التي كانت تعبد في الأرض. إله : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مرفوع وعلامة رفعه الضمة المنونة. والجملة الاسمية «هو إله» بيان للصلة أي أن كونه سبحانه في السماء على سبيل الالهية والربوبية.

(وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ) : معطوف بالواو على «في السماء إله» ويعرب إعرابه. الواو عاطفة. هو : ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.

(الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) : خبر ان للمبتدإ «هو» على التتابع .. أي خبر بعد خبر مرفوعان وعلامة رفعهما الضمة.

(وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٥)

(وَتَبارَكَ الَّذِي) : الواو عاطفة. تبارك : فعل ماض مبني على الفتح. الذي : اسم موصول مبني على السكون في محل رفع فاعل.

(لَهُ مُلْكُ) : جار ومجرور في محل رفع خبر مقدم. ملك : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة وهو مضاف.

٢٠٧

(السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها. والجملة الاسمية «له ملك السموات والأرض» صلة الموصول لا محل لها بمعنى تعظم الله الذي ..

(وَما بَيْنَهُما) : الواو عاطفة. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر لأنه معطوف على مجرور «السموات» بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر أو وجد. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه و «ما» علامة التثنية والجملة الفعلية «استقر أو وجد بينهما» صلة الموصول «ما» لا محل لها.

(وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ) : الواو عاطفة. عنده : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف وشبه الجملة «عنده» متعلق بخبر مقدم. علم : مبتدأ مؤخر مرفوع بالضمة. الساعة : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة.

(وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) : الواو عاطفة. إليه : جار ومجرور متعلق بترجعون ويجوز أن يكون المعنى : وأنتم إليه ترجعون فتكون الجملة الفعلية «ترجعون» في محل رفع خبر مبتدأ محذوف. ترجعون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل بمعنى : تردون للمحاسبة. وعلم الساعة : علم قيام الساعة.

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٨٦)

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ) : الواو استئنافية. لا : نافية لا عمل لها. يملك : فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة. الذين : اسم موصول مبني على الفتح في محل رفع فاعل والجملة الفعلية بعده «يدعون ..» صلة الموصول لا محل لها.

٢٠٨

(يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل. من دونه : جار ومجرور متعلق بيدعون والهاء ضمير متصل في محل جر مضاف إليه والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به. التقدير : يدعونهم بمعنى ولا تملك الآلهة التي يدعونها بمعنى يعبدونها من غير الله سبحانه.

(الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ) : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. إلا : أداة استثناء. من : اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مستثنى بإلا .. والجملة الفعلية «شهد بالحق» صلة الموصول لا محل لها. أو تكون «إلا» بمعنى ولكن.

(شَهِدَ بِالْحَقِ) : فعل ماض مبني على الفتح والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. بالحق : جار ومجرور متعلق بشهد بمعنى : الذي شهد بأن الله هو الحق.

(وَهُمْ يَعْلَمُونَ) : الواو حالية والجملة الاسمية في محل نصب حال. هم : ضمير منفصل ـ ضمير الغائبين ـ في محل رفع مبتدأ. يعلمون : تعرب إعراب «يدعون» والجملة الفعلية «يعلمون» في محل رفع خبر «هم».

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧)

هذه الآية الكريمة أعربت في الآية الكريمة التاسعة و «هم» في «خلقهم» ضمير الغائبين في محل نصب مفعول به.

(اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) : لفظ الجلالة فاعل مرفوع للتعظيم بالضمة وقد حذف الفعل لأن ما بعده يدل عليه. التقدير : خلقهم الله. أو يكون لفظ الجلالة مبتدأ وخبره محذوفا وهو جملة اسمية في محل رفع خبر المبتدأ. التقدير : الله هو خالقهم. الفاء استئنافية. أنى : اسم استفهام مبني على السكون في محل نصب ظرف مكان بمعنى : أين أو كيف. يؤفكون : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع نائب فاعل بمعنى : فكيف يصرفون عن الايمان بالله سبحانه أو عن عبادته إلى عبادة غيره؟.

٢٠٩

(وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) (٨٨)

(وَقِيلِهِ يا رَبِ) : معطوف بالواو على «الساعة» في الآية الكريمة الخامسة والثمانين مجرور مثلها وعلامة جره الكسرة وهو مضاف والهاء ضمير متصل ـ ضمير الغائب ـ في محل جر مضاف إليه بمعنى : وقوله أي وقول الرسول الكريم ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وعطف على «علم الساعة» على تقدير حذف مضاف معناه : وعنده علم الساعة وعلم قيله. وقيل : هذا التقدير ليس بقوي في المعنى مع وقوع الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بما لا يحسن اعراضا ومع تنافر النظم .. وأقوى من ذلك وأوجه أن يكون الجر على إضمار حرف القسم بتقدير : وأقسم بقيله يا رب وحذف حرف القسم ويكون قوله «إن هؤلاء قوم ..» جواب القسم. يا : أداة نداء. رب : منادى مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدرة على آخره منع من ظهورها اشتغال المحل بالكسرة التي هي الحركة الدالة على الياء والياء المحذوفة خطا واختصارا ولفظا ضمير متصل ـ ضمير المتكلم ـ في محل جر مضاف إليه. والقيل والقال والقول : بمعنى واحد ..

(إِنَّ هؤُلاءِ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل. هؤلاء : اسم إشارة مبني على الكسر في محل نصب اسم «إن».

(قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) : خبر ثان» مرفوع بالضمة المنونة. لا : نافية لا عمل لها. يؤمنون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل والجملة الفعلية «لا يؤمنون» في محل رفع صفة ـ نعت ـ لقوم.

(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) (٨٩)

(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) : الفاء استئنافية تفيد هنا التعليل. اصفح : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت. عن : حرف جر و «هم» ضمير الغائبين في محل جر بعن. والجار والمجرور متعلق باصفح بمعنى أجاب الله تعالى فاعف عن المشركين.

٢١٠

(وَقُلْ سَلامٌ) : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «اصفح» وتعرب إعرابها وحذفت الواو ـ أصله : قول ـ تخفيفا ولالتقاء الساكنين. والجملة الاسمية بعده في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ سلام : خبر مبتدأ محذوف تقديره : أمري سلام بمعنى تسلم منكم ومتاركة لا سلام تحية مرفوع بالضمة المنونة. أو يكون مبتدأ ويكون خبره محذوفا بتقدير : سلام عليكم أي سلام اهمال لا سلام تحية وجاز الابتداء بالنكرة لأنه بمعنى الدعاء.

(فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) : الفاء استئنافية. سوف : حرف تسويف ـ استقبال ـ يعلمون : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل بمعنى فسوف يعلمون أن وعدنا لهم بالعذاب حق. أو فسوف يعلمون عاقبة كفرهم وفي القول الكريم وعيد ـ تهديد ـ من الله تعالى للمشركين وتسلية لرسوله الحبيب ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

***

٢١١

سورة الدخان

معنى السورة : الدخان : اسم معروف يلفظ بتخفيف الخاء وأكثر ما يلازم النار فيقال تصاعد دخان النار .. ونحو دخنت النار : أي ارتفع دخانها والفعل من بابي دخل وخضع وجمعه دواخن على غير قياس ومثل عنان ـ بضم العين وجمعه : عوائن ولا نظير لهما ويقال : دخنت النار ـ تدخن ـ دخنا .. من باب «تعب» إذا ألقيت عليها حطبا فأفسدتها حتى يهيج لذلك دخان. ويقال أيضا دخنت ـ تدخن ـ دخونا النار أي ارتفع دخانها.

تسمية السورة : ذكرت لفظة «الدخان» في القرآن الكريم مرتين مرة في سورة «فصلت» في قوله تعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) بمعنى : وهي كتلة غازية «وهي السديم» تشبه الدخان : أي ما ارتفع من لهب النار ومرة آخرة في سورة من سور القرآن الكريم التي كرمها الله فسمى إحدى سوره بهذه اللفظة .. أي سورة «الدخان» : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) صدق الله العظيم .. بمعنى : فانتظر يوم تجيء السماء بدخان بسبب حدوث كوارث أو لأن الدخان إشارة أو علامة من علامات يوم القيامة. قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الآية المذكورة آنفا والآية التي بعدها : (يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) أي يغطي الناس فيقولون هذا عذاب مؤلم. وقال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يملأ ما بين الشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة .. أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة .. وأما الكافر فهو كالسكران يخرج الدخان من منخريه وأذنيه .. وجاء في المصحف المفسر : أي فانتظر يوم شدة ومجاعة لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار أو لأن العرب تسمي الشر المتفاقم دخانا. وقيل : سمي «الدخان» نحاسا في قوله تعالى في سورة «الرحمن» : (يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ) صدق الله العظيم.

٢١٢

فضل قراءة السورة : قال رسول الله البشير محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من قرأ حاميم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك» وعنه ـ عليه أفضل الصلاة والسلام : «من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة جمعة أصبح مغفورا له» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ.

إعراب آياتها

(حم) (١)

حم : هذه الأحرف الكريمة وأمثالها شرحت وفسرت بصورة مفصلة في سورة «يوسف».

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) (٢)

(وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) : الواو حرف جر للقسم. الكتاب : مقسم به مجرور بواو القسم وعلامة جره الكسرة. والجار والمجرور متعلق بفعل القسم المحذوف. والأصل : بالكتاب فأبدلت بالواو بمعنى وحق الكتاب أي القرآن وهو من الأيمان الحسنة البديعة لتناسب القسم والمقسم عليه وكونهما أي الكتاب والقرآن من واد واحد. المبين : صفة ـ نعت ـ للكتاب مجرور مثله ويعرب إعرابه بمعنى البين أو الواضح للمتدبرين.

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (٣)

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل وكسرت همزتها لأنها جاءت بعد فعل قسم غير ظاهر أي وقعت جوابا للقسم و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل نصب اسم «إن». أنزلناه : الجملة الفعلية في محل رفع خبر «إن» وهي فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به يعود على «الكتاب» وهو القرآن و «إن» وما في حيزها من اسمها وخبرها جواب القسم المقدر لا محل لها من الإعراب.

٢١٣

(فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) : جار ومجرور متعلق بأنزلنا. مباركة : صفة ـ نعت ـ لليلة مجرورة مثلها وعلامة جرهما الكسرة المنونة.

(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) : أعرب والجملة الفعلية بعده «كنا منذرين» في محل رفع خبر «إن». كنا : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بنا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع اسم «كان». منذرين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته والجملة مستأنفة لا محل لها لأنها بيان لجملة القسم.

(فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٤)

(فِيها يُفْرَقُ كُلُ) : جار ومجرور متعلق بيفرق. يفرق : فعل مضارع مبني للمجهول مرفوع بالضمة. كل : نائب فاعل مرفوع بالضمة.

(أَمْرٍ حَكِيمٍ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة المنونة. حكيم : صفة ـ نعت ـ لأمر مجرور مثله وعلامة جره الكسرة المنونة والجملة الفعلية استئنافية أيضا مثل سابقتها لا محل لها من الإعراب لأنها مفسرة لجواب القسم الذي هو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ).

** (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثالثة .. المعنى : إنا أنزلنا القرآن في ليلة كثيرة الخيرات وهي ليلة القدر .. وقيل : هي ليلة النصف من شعبان .. ولها أربعة أسماء : الليلة المباركة .. ليلة البراءة .. ليلة الصك .. وليلة الرحمة. وقيل : بينها وبين ليلة القدر أربعون ليلة .. وقيل في تسميتها ليلة البراءة والصك أن البندار إذا استوفى الخراج «أي الإتاوة» من أهله كتب لهم البراءة كذلك فإن الله سبحانه يكتب لعباده المؤمنين البراءة في هذه الليلة .. وقيل : هي مختصة بخمس خصال : تفريق كل أمر حكيم وفضيلة العبادة فيها. قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «من صلى في هذه الليلة مائة ركعة أرسل الله إليه مائة ملك ثلاثون يبشرونه بالجنة وثلاثون يؤمنونه من عذاب النار وثلاثون يدفعون عنه آفات الدنيا وعشرة يدفعون عنه مكايد الشيطان» ونزول الرحمة .. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ «إن الله يرحم أمتي في هذه الليلة بعدد شعر أغنام بني كلب» وحصول المغفرة .. قال ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن الله تعالى يغفر لجميع المسلمين في تلك الليلة إلا لكاهن أو ساحر أو مشاحن أو مدمن خمر أو عاق للوالدين أو مصر على الزنا» صدق رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وليلة القدر في أكثر الأقاويل في شهر رمضان. وقيل : سبب إنزال القرآن الكريم في هذه الليلة هو أنه أنزل جملة واحدة من السماء السابعة إلى السماء الدنيا وأمر السفرة الكرام بانتساخه في ليلة القدر .. وكان جبريل ـ عليه‌السلام ـ ينزل على رسول الله

٢١٤

ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نجوما نجوما. وعن الشعبي : المعنى : إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر واختلفوا في وقتها ؛ فأكثرهم على أنها في شهر رمضان في العشر الأواخر في أوتارها وأكثر القول على أنها في شهر رمضان في السابعة والعشرين منها ولعل الداعي إلى إخفائها هو أن يحيي من يزيدها الليالي الكثيرة طلبا لموافقتها فتكثر عبادته ويتضاعف ثوابه وأن لا يتكل الناس عند إظهارها على إصابة الفضل فيها فيفرطوا في غيرها. وقيل : إن معنى «ليلة القدر» هو ليلة تقدير الأمور وقضائها من قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) وقوله تعالى : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) معناه : ولم تبلغ درايتك غاية فضلها ومنتهى علو قدرها ثم بين له ذلك بأنها خير من ألف شهر .. وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها من تنزيل الملائكة والروح وفصل كل أمر حكيم .. وذكر في تخصيص هذه المدة أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذكر رجلا من قوم موسى ـ عليه‌السلام ـ لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فعجب المؤمنون من ذلك وتقاصرت إليهم أعمالهم فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي. وقيل : إن الرجل فيما مضى ما كان يقال له : عابد حتى يعبد الله ألف شهر فأعطوا ليلة إن أحيوها كانوا أحق بأن يسموا عابدين من أولئك العباد. وقيل : سميت ليلة القدر بذلك لخطرها وشرفها على سائر الليالي.

** (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الرابعة .. المعنى : في هذه الليلة يفصل ويقضى كل أمر محكم .. أو كل شأن ذي حكمة أي مفعول ما تقتضيه الحكمة وهو من الإسناد المجازي لأن الحكيم صفة صاحب الأمر على الحقيقة ووصف الأمر بها مجاز.

** (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة العاشرة المعنى : فانتظر يوم حلول الساعة يوم تأتي السماء بظلمة تغطي الناس والجو وهو من علامات قيام الساعة أو لأن الظلام يحل وذلك عام القحط والشدة لقلة الأمطار وكثرة الغبار فيرى المكروب ظلمة الجو كأنها دخان واضح .. أو لأن العرب تسمي الشر المتفاقم دخانا .. وقد اختلف في «الدخان» وعن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أول الآيات الدخان ونزول عيسى ابن مريم ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر» ويروى أنه قيل لابن مسعود : إن قاصا عند أبواب كندة يقول : إنه دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأنفاس الخلق فقال : من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من علم الرجل أن يقول لشيء لا يعلمه الله أعلم. ومن أسماء يوم القيامة : الواقعة لأنها تقع بالخلق فتغشاهم. وعن الحسن : ما من يوم يمر إلا وينادي : إني يوم جديد وإني على ما يعمل شهيد ـ أي شاهد ـ فاغتنمني .. فلو غابت شمسي لم تدركني إلى يوم القيامة.

** سبب نزول الآية : أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود : أن قريشا لما استعصت على رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأبطئوا عن الإسلام قال : «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ..» فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع .. فأنزل الله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ) فأتي النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقيل : يا رسول الله استسق الله لمضر .. فاستسقى لهم فسقوا.

** (أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة الثامنة عشرة المعنى : سلموا لي بني إسرائيل ليخرجوا معي من مصر أو بمعنى : أدوا إلي حق الله من الايمان وقبول الدعوة التي بعثت بها. و «الأمين» تعني : الآمن .. وهو من «الأمن» وفعله :

٢١٥

أمن .. نحو : أمن زيد الأسد أمنا .. وأمن منه .. مثل «سلم منه» وزنا ومعنى. والأصل : أن يستعمل في سكون القلب .. يتعدى بنفسه وبالحرف ويعدى إلى ثان بالهمزة نحو آمنته منه وأمنته عليه وائتمنته عليه فأنا مؤتمن ـ بكسر الميم الثانية .. اسم فاعل ـ وهو أمين ـ اسم مفعول ـ ولهذا قيل : وهب الأمين ما لا يملك وهو أصح من القول الشائع : وهب الأمير ما لا يملك لأن المعنى الأول : ائتمن على شيء لا يملكه ومعنى الثاني : أن الأمير أعطى ما لا يملك بلا عوض .. أي إذا أريد الأمانة فهو القول الأول وإذا أريد الهبة فهو القول الثاني. ويجوز أن يكون «الأمين» اسم فاعل بمعنى : المؤتمن إضافة إلى كونه «المؤتمن» بفتح الميم الثانية وهو بذلك شبيه بمعنى «المأمون» أي الموثوق به. والأمين هو الموثوق به أيضا أي المأمون الثقة ..

** (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) : هذا القول الكريم هو نص الآية الكريمة التاسعة والعشرين .. والقول الكريم مجاز من عدم الاكتراث بهلاكهم وفي القول : تهكم بحالهم المنافية من يعظم فقده أو بمعنى : فما بكى عليهم الملائكة والمؤمنون يعني فما بكى عليهم أهل السماء وأهل الأرض فحذف الفاعل المضاف «أهل» وحل المضاف إليه «السماء .. والأرض» محله أي وما كانوا ممهلين إلى الآخرة بل عجل لهم الهلاك في الدنيا. وقيل هذا القول الكريم على سبيل التمثيل والتخييل مبالغة .. وفيه تهكم بهم أي كان أهل السماء وأهل الأرض مسرورين بهلاكهم. يروى أن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان في مأتم فبكى النساء فانتهرهن عمر ـ رضي الله عنه ـ فقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : دعهن يا عمر فإن النفس مصابة والعين دامعة والعهد قريب. و «المأتم» عند العرب : نساء يجتمعن في الخير والشر وجمعه : مآتم .. وعند العامة يعني : المصيبة .. يقولون : كنا في مأتم فلان والصواب هو : كنا في مناحة فلان .. أي في موضع النوح : وهو مكان اجتماع الناس للحزن. و «النوح» و «النياح» هو البكاء بصياح وعويل وجزع. قال المعري :

غير مجد في ملتي واعتقادي

نوح باك أو ترنم شاد

واسم الفاعل للفعل «ناح» هو نائح وجمعه : نائحون ولكن الفعل مختص بالإناث فاسم الفاعل للمؤنث هو نائحة وجمعه : نائحات ـ جمع مؤنث سالم ـ ويجمع جمع تكسير فيقال : نوح ـ بضم النون وتشديد الواو ـ ونوح. قال الشاعر :

لا أنت زاحمت عن ملك فتمنعه

ولا مددت إلى قوم بأسباب

ما شق جيب ولا ناحتك نائحة

ولا بكتك جياد عند أسلاب

وإذا كان الفعل «ناح» قد اختص بالإناث ـ أي النساء ـ فقد استعير ليطلق على الطير أيضا مع فارق وهو أن قولنا : ناح الطير أو ناحت الحمامة : يعني غرد أو غردت لأن «ناحت» تعني : بكت وبكاء الحمام هو تغريده كما جاء في شعر أبي فراس الحمداني :

أقول وقد ناحت بقربي حمامة

أيا جارتا لو تشعرين بحالي

وقال الشاعر جميل بن عبد الله العذري صاحب «بثينة» :

وما زلتم يا بثن حتى لو أنني

من الشوق أستبكي الحمام بكى ليا

وأنت التي إن شئت كدرت عيشتي

وإن شئت بعد الله أنعمت باليا

و «بثن» منادى مرخم. والألف في «ليا» و «باليا» للاطلاق وقد جاء الفعل «بكى» مزيدا وهو استبكي فتعدى إلى المفعول.

٢١٦

(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٥)

(أَمْراً مِنْ عِنْدِنا) : مفعول به منصوب على الاختصاص أو المدح بتقدير : أعني بهذا أمرا أو يكون حالا من «أمر» بعد أن خصص بوصف وسوغ تنكير صاحب الحال «أمر» اعتماده على الوصف أي يكون أمرا من ضمير المفعول .. أي أنزلناه في حالة كونه أمرا ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر أي يوضع موضع «فرقانا» الذي هو مصدر «يفرق» لأن معنى الأمر والفرقان واحد من حيث إنه إذا أحكم الشيء وكتبه فقد أمر به وأوجبه. من عند : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «أمرا» بمعنى أمرا صادرا أو حاصلا منا و «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل جر مضاف إليه أو بمعنى كائنا من لدنا.

(إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) : يعرب إعراب «إنا كنا منذرين» الوارد في الآية الكريمة الثالثة وهو بدل منه أو يكون تعليلا ليفرق.

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (٦)

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) : مفعول لأجله ـ من أجله .. أو له ـ على معنى : إنا أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم ويجوز أن تكون مفعولا به وقد وصف الرحمة بالإرسال والأصل : إنا كنا مرسلين رحمة منا فوضع الظاهر وهو «من ربك» موضع الضمير وهو «منا» ويكون نصبه باسم الفاعل «مرسلين» ويجوز أن تكون بدلا من «أمرا» من ربك : جار ومجرور متعلق بصفة محذوفة من «رحمة» والكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطب ـ مبني على الفتح في محل جر مضاف إليه.

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) : حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب اسم «إن» هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ. السميع : خبر «هو» مرفوع بالضمة. العليم : صفة ـ نعت ـ للسميع مرفوع مثله بالضمة. والجملة الاسمية «هو السميع العليم» في محل رفع خبر «إن» أو يكون «هو» ضمير فصل أو

٢١٧

عمادا زائدا لا محل له ويكون «السميع» خبر «إن» بمعنى : السميع لأقوال الناس العليم بأحوالهم.

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) (٧)

(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : بدل من «ربك» في الآية الكريمة السابقة ويعرب إعرابه والمضاف إليه «السموات» مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره. والأرض : معطوفة بالواو على «السموات» وتعرب إعرابها.

(وَما بَيْنَهُما) : الواو حرف عطف. ما : اسم موصول مبني على السكون في محل جر بالإضافة لأنه معطوف على مجرور بمعنى : ورب ما بينهما أي ما بين السموات والأرض. بين : ظرف مكان منصوب على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة وهو مضاف متعلق بفعل محذوف تقديره : استقر .. وجد .. كان .. والجملة الفعلية «استقر بينهما» صلة الموصول لا محل لها. والهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه و «ما» علامة التثنية لا محل لها.

(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) : حرف شرط جازم. كنتم : فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك فعل الشرط في محل جزم بإن. التاء ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل رفع اسم «كان» والميم علامة جمع الذكور. موقنين : خبر «كان» منصوب وعلامة نصبه الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته وحذف جواب الشرط لتقدم معناه. التقدير والمعنى إن كان إقراركم عن علم وإيقان فإن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السموات والأرض لأنهم كانوا يقرون بأن للسماوات والأرض ربا وخالقا فقيل لهم هذا القول الكريم.

(لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (٨)

(لا إِلهَ) : أداة نافية للجنس تعمل عمل «إن». إله : اسم «لا» مبني على الفتح في محل نصب وخبر «لا» محذوف وجوبا تقديره معبود.

٢١٨

(إِلَّا هُوَ) : أداة استثناء. هو : ضمير منفصل مبني على الفتح في محل رفع بدل من موضع «لا إله» لأن موضع «لا» وما عملت فيه رفع بالابتداء ولو كان المستثنى منصوبا لقال إلا إياه بمعنى لا إله يعبد بحق إلا الله.

(يُحْيِي وَيُمِيتُ) : الجملة الفعلية في محل نصب حال من الضمير «هو» أو في محل رفع خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو. يحيي ويميت : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. ويميت : الجملة الفعلية معطوفة بالواو على جملة «يحيي» وتعرب إعرابها وعلامة رفع الفعل «يميت» الضمة الظاهرة على آخره بمعنى : يحيي الأموات ويميت الأحياء أو يحيي بعضا أو قرنا ويميت بعضا أو قرنا.

(رَبُّكُمْ وَرَبُ) : خبر مبتدأ محذوف تقديره هو مرفوع بالضمة. الكاف ضمير متصل ـ ضمير المخاطبين ـ مبني على الضم في محل جر مضاف إليه والميم علامة جمع الذكور. ورب : معطوف بالواو على «رب» في قوله «ربكم» ويعرب مثله.

(آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) : مضاف إليه مجرور بالإضافة وعلامة جره الكسرة و «كم» أعرب. الأولين : صفة ـ نعت ـ للموصوف «آبائكم» مجرور مثله وعلامة جره الياء لأنه جمع مذكر سالم والنون عوض من تنوين المفرد وحركته أي وخالقهم.

(بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) (٩)

(بَلْ هُمْ) : حرف اضراب للاستئناف. هم : ضمير منفصل مبني على السكون في محل رفع مبتدأ بمعنى : بل المشركون في شك من البعث.

(فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ) : جار ومجرور في محل رفع خبر «هم» بمعنى : إن إقرارهم غير صادر عن علم وتيقن ولا عن جد وحقيقة بل قول مخلوط بهزؤ ولعب. يلعبون : الجملة الفعلية في محل رفع خبر ثان للمبتدإ «هو» وهي فعل مضارع مرفوع بثبوت النون والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل أو بمعنى يهزءون بالنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بفعلهم هذا.

٢١٩

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠)

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ) : الفاء استئنافية. ارتقب : فعل أمر مبني على السكون والفاعل ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره : أنت. يوم : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة بمعنى فانتظر يوم .. أو يكون مفعول «ارتقب» محذوفا تقديره فارتقب ما يحل بهؤلاء المشركين المستهزئين ويكون «يوم» ظرف زمان منصوبا على الظرفية وعلامة نصبه الفتحة متعلقا بارتقب والجملة الفعلية بعده «تأتي السماء بدخان» في محل جر مضاف إليه.

(تَأْتِي السَّماءُ) : فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على الياء للثقل. السماء : فاعل مرفوع بالضمة.

(بِدُخانٍ مُبِينٍ) : جار ومجرور متعلق بتأتي. مبين : صفة ـ نعت ـ لدخان مجرور مثله وعلامة جرهما الكسرة المنونة.

(يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١)

(يَغْشَى النَّاسَ) : الجملة الفعلية في محل جر صفة ـ نعت ـ لدخان وهي فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على الألف للتعذر والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو. الناس : مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة. بمعنى : بدخان ظاهر يشمل الناس ـ يغطيهم ـ ويلبسهم من كل جانب.

(هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) : الجملة الاسمية في محل نصب مفعول به ـ مقول القول ـ والعامل محذوف أي فيقولون : هذا عذاب مؤلم. هذا : اسم إشارة مبني على السكون في محل رفع مبتدأ. عذاب : خبر «هذا» مرفوع بالضمة المنونة. أليم : صفة ـ نعت ـ لعذاب مرفوع مثله بالضمة المنونة والجملة الفعلية «يقولون أي يقول الناس هذا عذاب أليم» في محل نصب حال من «الناس» بتقدير : قائلين هذا عذاب أليم.

(رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١٢)

٢٢٠