تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(تُصَعِّرْ) الصعر الكبر ، أو الميل ، أو التشدق في الكلام ، يقول لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا ، أو بالتشدق ، أو في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو يلوي شدقه عن ذكر الإنسان احتقارا ، أو الإعراض عمن بينه وبينه إحنة هجرا له فكأنه أمر بالصفح والعفو ، أو أن يكون الغني والفقير عنده في العلم سواء.

(مَرَحاً) بالمعصية ، أو بالخيلاء والعظمة ، أو البطر والأشر.

(مُخْتالٍ) منان ، أو متكبر ، أو بطر. (فَخُورٍ) متطاول على الناس بنفسه ، أو مفتخر عليهم بما يصفه من مناقبه ، أو الذي يعدد ما أعطى ولا يشكر الله تعالى فيما أعطاه.

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان : ١٩].

(وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) تواضع فيه ، أو انظر في مشيك إلى موضع قدمك ، أو أسرع فيه أو لا تسرع فيه ، أو لا تختل فيه.

(وَاغْضُضْ) اخفض.

(أَنْكَرَ الْأَصْواتِ) أقبحها ، أو شرها ، أو أشدها ، أو أبعدها. خص الحمار لأن صوته مستقبح في النفوس مستنكر في السمع ، أو لأن صياح كل شيء تسبيحه إلّا الحمار فإنه يصيح لرؤية الشيطان.

(أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) [لقمان : ٢٠].

(سَخَّرَ) سهل ، أو الانتفاع به.

(نِعَمَهُ) جنس أو أراد الإسلام. (ظاهِرَةً) على اللسان. (وَباطِنَةً) في القلب ، أو الظاهرة الإسلام والباطنة ما ستره من المعاصي ، أو الظاهرة الخلق والرزق والباطنة ما أخفاه من العيوب والذنوب ، أو ما أعطاهم من الزي والثياب والباطنة متاع المنازل ، أو الظاهرة الولد والباطنة الجماع.

(مَنْ يُجادِلُ) نزلت في يهودي قال للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أخبرني عن ربك من أي شيء هو ، فجاءت صاعقة فأحرقته ، أو في النظر بن الحارث كان يقول الملائكة بنات الله.

(وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ) [لقمان : ٢٢].

(يُسْلِمْ وَجْهَهُ) يخلص دينه ، أو يقصد بوجهه طاعة الله تعالى.

٨١

(وَهُوَ مُحْسِنٌ) في عمله.

(بِالْعُرْوَةِ) قول لا إله إلا الله ، أو القرآن ، أو الإسلام ، أو الحب في الله تعالى والبغض فيه.

(الْوُثْقى) للاستيثاق بالتمسك بها كما يتوثق من الشيء بإمساك عراه أو تشبيها بالبناء الوثيق لأنه لا ينحل.

(عاقِبَةُ الْأُمُورِ) ثواب ما صنعوا.

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان : ٢٧].

(وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ) نزلت لما قال المشركون إنما القرآن كلام يوشك أن ينفد ، أو نزلت لما قال اليهود للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرأيت قولك (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء : ٨٥] إيانا تريد أم قومك فقال : كل لم يؤت من العلم إلا قليلا أنتم وهم. قالوا : فإنك تتلو ما جاءك من الله أنّا أوتينا التوراة وفيها تبيان كل شيء. فقال : إنها في علم الله تعالى قليلة. والمعنى لو أن الأشجار أقلام والبحار مداد لتكسرت الأقلام ، ونفدت مياه البحار قبل أن تنفد عجائب ربي وعلمه وحكمته.

(يَمُدُّهُ) يزيد فيه شيئا بعد شيء يقال في الزيادة مددته وفي المعونة أمددته.

(كَلِماتُ اللهِ) نعمه على أهل الجنة ، أو على أصناف الخلق ، أو جميع ما قضاه في اللوح المحفوظ من أمور خلقه ، أو عبّر بالكلمات عن العلم.

(ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [لقمان : ٢٨].

(ما خَلْقُكُمْ) نزلت في أبي بن خلف وأبي الأشدين ونبيه ومنبه ابني الحجاج. قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن الله تعالى خلقنا أطوارا نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم تقول إنا نبعث جميعا في ساعة فنزلت (ما خَلْقُكُمْ) أي لا يصعب على الله تعالى ما يصعب على الناس.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [لقمان : ٢٩].

(يُولِجُ اللَّيْلَ) يأخذ الصيف من الشتاء والشتاء من الصيف. أو ما ينقص من النهار يجعله في الليل وما ينقص من الليل يجعله في النهار ، أو يسلك الظلمة مسلك الضياء والضياء مسلك الظلمة فيصير كل واحد منهما مكان الآخر.

(وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) ذللهما بالطلوع والأفول تقديرا للآجال وإتماما للمنافع.

(أَجَلٍ مُسَمًّى) القيامة ، أو وقت طلوعه وأفوله.

٨٢

(ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) [لقمان : ٣٠].

(هُوَ الْحَقُّ) لا إله غيره ، أو الحق اسم من أسمائه ، أو القاضي بالحق.

(ما يَدْعُونَ) الشيطان ، أو الأصنام. (الْعَلِيُّ) في أحكامه. (الْكَبِيرُ) في سلطانه.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ) [لقمان : ٣١].

(مِنْ آياتِهِ) يجري السفن فيه ، أو ما تشاهدون من قدرة الله فيه ، أو ما يرزقكم الله تعالى منه.

(صَبَّارٍ) على البلوى.

(شَكُورٍ) على النعماء ، أو صبار على الطاعة شكور على الجزاء.

(وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) [لقمان : ٣٢].

(كَالظُّلَلِ) السحاب ، أو الجبال شبهه بها لسواده ، أو لعظمه.

(مُخْلِصِينَ) موحدين لا يدعون سواه.

(مُقْتَصِدٌ) عدل يوفي بعهده الذي التزمه في البحر ، أو مؤمن متمسك بالطاعة ، أو مقتصد في قوله وهو كافر.

(خَتَّارٍ) جاحد ، أو غدار عند الجمهور. جحد الآيات : إنكار أعيانها والجحد بها إنكار دلائلها.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [لقمان : ٣٣].

(لا يَجْزِي) لا يغني ، أو لا يقضي ، أو لا يحمل.

(الْغَرُورُ) الشيطان ، أو الأمل.

(إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ما ذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان : ٣٤].

(عِلْمُ السَّاعَةِ) وقت مجيئها. (وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ) يعلم نزوله في زمانه ومكانه ، أو منزله فيما يشاء من زمان ومكان.

(ما فِي الْأَرْحامِ) من ذكر وأنثى وصحيح وسقيم ، أو مؤمن وكافر وشقي وسعيد.

٨٣

(تَكْسِبُ غَداً) من خير وشر ، أو إيمان وكفر.

(بِأَيِّ أَرْضٍ) على أي حكم تموت من سعادة وشقاوة ، أو في أي أرض تموت وتدفن. قيل نزلت في الوارث بن عمرو بدوي قال : للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إن امرأتي حبلى فأخبرني ماذا تلد وبلادنا جدبة فأخبرني متى ينزل الغيث وقد علمت متى ولدت فأخبرني متى أموت وقد علمت ما عملت اليوم فأخبرني ، ما أعمل غدا وأخبرني متى تقوم الساعة.

سورة السجدة (١)

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [السجدة : ٢].

(لا رَيْبَ) الرّيب الشك الذي يميل إلى السوء والخوف.

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) [السجدة : ٥].

(يُدَبِّرُ الْأَمْرَ) يقضيه ، أو يدبره بنزول الوحي من السماء الدنيا إلى الأرض العليا ويدبر أمر الدنيا أربعة : جبريل موكل بالرياح والجنود وميكائيل بالقطر والماء وملك الموت بقبض الأرواح وإسرافيل ينزل عليهم بالأمر.

(يَعْرُجُ) يصعد جبريل إلى السماء بعد نزوله بالوحي ، أو الملك الذي يدبر من السماء إلى الأرض ، أو أخبار أهل الأرض تصعد إليه مع الملائكة.

(مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ) يقضي أمر كل شيء لألف سنة في يوم واحد ثم يلقيه إلى الملائكة فإذا مضت قضى لألف أخرى ثم كذلك أبدا أو يصعد الملك في يوم مسيرة ألف سنة ، فيكون بين السماء والأرض ألف سنة ، أو ينزل الملك ويصعد في يوم مقداره ألف سنة ينزل في خمسمائة ويصعد في مثلها فيكون بين السماء والأرض خمسمائة.

(تَعُدُّونَ) تحسبون من أيام الدنيا وعبّر عن الزمان باليوم ولا يريد ما بين طلوع الفجر وغروب الشمس.

(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) [السجدة : ٧].

__________________

(١) سميت سورة السجدة لما ذكر تعالى فيها من أوصاف المؤمنين الأبرار الذين إذا سمعوا آيات القرآن العظيم خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ، وهي سورة مكية ، ما عدا الآيات من (١٦ : ٢٠) فمدنية. ، وقد نزلت بعد سورة المؤمنون ، وهي كسائر السور المكية تعالج أصول العقيدة الإسلامية الإيمان بالله واليوم الآخر والكتب والرسل والبعث والجزاء والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع البعث بعد الفناء الذي طالما جادل المشركون حوله واتخذوه ذريعة لتكذيب الرسول.

٨٤

(أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) في خلقه حسن حتى الكلب حسن في خلقه ، أو أحكمه حتى أتقنه ، أو أحسن إلى كل شيء خلقه فكان خلقه إحسانا إليه ، أو ألهم الخلق ما يحتاجون إليه فعلموه من قولهم فلان يحسن كذا أن يعلمه ، أو أعطى خلقه ما يحتاجون إليه ثم هداهم إليه.

(ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [السجدة : ٨].

(سُلالَةٍ) سمى ماء الرجل سلالة لانسلاله من صلبه والسلالة الصفوة التي تنسل من غيرها.

(مَهِينٍ) ضعيف.

(ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [السجدة : ٩].

(سَوَّاهُ) سوى خلقه في الرحم ، أو سوى خلقه كيف شاء.

(مِنْ رُوحِهِ) قدرته ، أو ذريته ، إذ المراد بالإنسان آدم ، أو من أمره أن يقول كن فيكون ، أو روحا من روحه أي خلقه أضافه إلى نفسه لأنه من فعله وعبر عنه بالنفخ لأن الروح من جنس الريح.

(وَالْأَفْئِدَةَ) سمي القلب فؤادا لأنه منبع الحرارة الغريزية من المفتأد وهو موضع النار.

(وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ) [السجدة : ١٠].

(ضَلَلْنا) هلكنا ، أو صرنا رفاتا وترابا ، وكل شيء غلب على غيره مخفى فيه أثره فقد ضل ، أو غيّبنا ، وبالصاد أنتنّا من صل اللحم ، أو صرنا بالصلة وهي الأرض اليابسة ومنه الصلصال قيل : قاله أبي بن خلف.

(قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [السجدة : ١١].

(يَتَوَفَّاكُمْ) بأعوانه ، أو بنفسه رآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند رأس أنصاري. فقال أرفق بصاحبي فإنه مؤمن. فقال طب نفسا وقر عينا فإني بكل مؤمن رفيق.

(ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ) إلى جزائه ، أو إلى أن لا يملك لكم أحد ضرا ولا نفعا سواه.

(وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) [السجدة : ١٢].

(ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) من الغم ، أو الذل ، أو الحياء ، أو الندم.

(عِنْدَ رَبِّهِمْ) عند محاسبته. (أَبْصَرْنا) صدق وعيدك. (وَسَمِعْنا) صدق رسلك ، أو أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا.

٨٥

(مُوقِنُونَ) مصدقون بالبعث أو بما أتى به محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣].

(هُداها) إلى الإيمان ، أو الجنة ، أو هدايتها في الرجوع إلى الدنيا لأنهم سألوا الرجعة.

(حَقَّ الْقَوْلُ) سبق ، أو وجب. (مِنَ الْجِنَّةِ) الملائكة قاله عكرمة. سموا جنة لا جتنانهم عن الأبصار ، أو عصاة الجن.

(فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [السجدة : ١٤].

(فَذُوقُوا) عذابي بما تركتم أمري ، أو بترك الإيمان بالبعث في هذا اليوم.

(نَسِيناكُمْ) تركناكم من الخير ، أو في العذاب ، ويعبر بالذوق عما يطرأ على النفس لأحساسها به. قال :

فذق هجرها إن كنت تزعم أنه

رشاد ألا يا ربما كذب الزعم

(إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [السجدة : ١٥].

(بِآياتِنَا) بحججنا ، أو القرآن.

(ذُكِّرُوا بِها) عدوا إلى الصلوات الخمس بالآذان والإقامة أجابوا إليها وإذا قرأت آيات القرآن خروا سجودا على الأرض طاعة وتصديقا وكل من سقط على شيء فقد خرّ عليه.

(وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) صلّوا حمدا له ، أو سبحوه بمعرفته وطاعته.

(لا يَسْتَكْبِرُونَ) عن العبادة ، أو السجود كما استكبر أهل مكة.

(تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة : ١٦].

(تَتَجافى) ترتفع لذكر الله في الصلاة ، أو في غيرها ، أو الصلاة : العشاء ، أو الصبح والعشاء في جماعة ، أو للنفل بين المغرب والعشاء ، أو قيام الليل. والمضاجع مواضع الاضطجاع خوفا من حسابه وطمعا في رحمته ، أو خوفا من عقابه وطمعا في ثوابه.

(يُنْفِقُونَ) الزكاة ، أو صدقة التطوع ، أو نفقة الأهل ، أو النفقة في الطاعة.

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة : ١٧].

(ما أُخْفِيَ) للذين تتجافى جنوبهم ، أو للمجاهدين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا

٨٦

خطر على قلب بشر. مأثور ، أو هو جزاء قوم أخفوا عملهم فأخفى الله تعالى ما أعده لهم ، أو زيادة تحفّ من الله ليست في جناتهم يكرمون بها في مقدار كل يوم من أيام الدنيا ثلاث مرات ، أو زيادة نعيمهم وسجود الملائكة لهم.

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ) [السجدة : ١٨].

(أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً) علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه والفاسق عقبة بن أبي معيط تسابّا فقال عقبة : أنا أحدّ منك سنانا وأبسط منك لسانا وأملأ منك حشوا. فقال : علي رضي الله تعالى عنه ليس كما قلت يا فاسق. فنزلت فيهما.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة : ٢١].

(الْعَذابِ الْأَدْنى) مصائب الدنيا في النفس والمال ، أو القتل بالسيف ، أو الحدود ، أو القحط والجدب ، أو عذاب القبر قاله البراء بن عازب ومجاهد ، أو عذاب الدنيا ، أو غلاء السعر.

(الْعَذابِ الْأَكْبَرِ) جهنم ، أو خروج المهدي بالسيف. (يَرْجِعُونَ) إلى الحق ، أو يتوبون من الكفر.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [السجدة : ٢٣].

(فَلا تَكُنْ فِي) شك من لقاء موسى فقد لقيته ليلة الإسراء ، وقد أخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رآه ليلته. قال أبو العالية : قد بينه الله تعالى بقوله (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف : ٤٥] أو لا تكن في شك من لقاء موسى فستلقاه في القيامة ، أو لا تشك في لقاء موسى للكتاب ، أو لا تشك في لقاء الأذى كما لقيه موسى ، أو لا تشك في لقاء موسى لربه.

(وَجَعَلْناهُ هُدىً) موسى ، أو الكتاب.

(وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) [السجدة : ٢٤].

(أَئِمَّةً) رؤساء في الخير تبعوا الأنبياء ، أو الأنبياء مأثور. (لَمَّا صَبَرُوا) عن الدنيا ، أو على الحق ، أو على الأذى بمصر لما كلفوا ما لا يطيقون.

(بِآياتِنا) التسع ، أنها من عند الله يوقنون.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [السجدة : ٢٥].

(يَفْصِلُ) يقضي بين الأنبياء وقومهم ، أو بين المؤمنين والمشركين فيما اختلفوا فيه من الإيمان والكفر.

٨٧

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ) [السجدة : ٢٧].

(نَسُوقُ الْماءَ) بالمطر والثلج أو بالأنهار والعيون. (الْأَرْضِ الْجُرُزِ) اليابسة ، أو التي أكلت ما فيها من زرع وشجر ، أو التي لا يأتيها الماء إلا من السيول ، أو التي لا تنبت ، أو هي قرى بين اليمن والشام وأصله الانقطاع. سيف جزار أي قاطع ، وناقة جرازة إذا كانت تأكل كل شيء لأنها لا تبقي شيئا إلا قطعته رجل جروز : أكول.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [السجدة : ٢٨].

(الْفَتْحُ) فتح مكة ، أو القضاء بعذاب الدنيا ، أو بالثواب والعقاب في الآخرة.

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [السجدة : ٢٩].

(قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا) الذين قتلهم خالد يوم الفتح من بني كنانة ، أو يوم القيامة ، أو اليوم الذي يأتيهم في العذاب.

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ) [السجدة : ٣٠].

(فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) نزلت قبل الأمر بقتالهم.

سورة الأحزاب (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) [الأحزاب : ١].

(اتَّقِ اللهَ) أكثر من تقواه في جهاد عدوه ، أو دم على تقواك ، أو الخطاب له والمراد أمته ، أو نزلت لما قدم أبو سفيان وعكرمة بن أبي جهل وأبو الأعور السّلمي المدينة ليجددوا خطاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عهد بينهم وبينه فنزلوا على ابن أبي والجد بن قيس ومتعب بن قشير فتآمروا بينهم وأتوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعرضوا عليه أمورا كرهها فهمّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون بقتلهم فنزلت (اتَّقِ اللهَ) في عهدهم.

__________________

(١) سميت سورة الأحزاب لأن المشركين تحزبوا على المسلمين من كل جهة فاجتمع كفار مكة مع غطفان وبني قريظة وأوباش العرب على حرب المسلمين ولكن الله ردهم مدحورين وكفي المؤمنين القتال بتلك المعجزة الباهرة ، وهي سورة مدنية ، وقد نزلت بعد سورة آل عمران ، وتتناول السورة الجانب التشريعي لحياة الأمة الإسلامية شأن سائر السور المدنية وقد تناولت حياة المسلمين الخاصة والعامة وبالأخص أمر الأسرة فشرعت الأحكام بما يكفل للمجتمع السعادة والهناء وأبطلت بعض التقاليد والعادات الموروثة مثل التبني والظهار واعتقاد وجود قلبين لإنسان وطهرته من رواسب المجتمع الجاهلي ومن تلك الخرافات والأساطير الموهومة التي كانت متفشية في ذلك الزمان.

٨٨

(وَلا تُطِعِ) كفار مكة ومنافقي أهل المدينة فيما دعوا إليه.

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ) [الأحزاب : ٤].

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ) كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما يوما يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه : إن له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فنزلت إكذابا لهم فالمراد بالقلبين جسدين ، أو قال قرشي من بني فهر : إن لي قلبين أعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت إكذابا له فيكون المراد بالقلبين عقلين ، أو قال رجل : إن لي نفسين نفسا تأمرني ونفسا تنهاني فنزلت فيه ، أو كان جميل بن معمر الجمحي أحفظ الناس لما يسمع ذا فهم ودهاء فقالت قريش : ما يحفظ ما يسمعه بقلب واحد وإن له قلبين فانهزم يوم بدر بيده إحدى نعليه والأخرى في رجله فلقي أبا سفيان بشاطىء البحر فأخبره بمن قتل من أشرافهم. فقال : إنه قد ذهب عقلك فما بال أحدى نعليك في يدك والأخرى في رجلك. فقال : ما كنت أظنها إلا في يدي فظهر لهم حاله ونزلت فيه ، أو ضرب ذلك مثلا لزيد لما تبناه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يكون لرجل أبوان حتى يكون زيد بن محمد وابن حارثة ، أو لا يكون لرجل قلب مؤمن معنا وقلب كافر علينا لأنه لا يجتمع الإيمان والكفر في قلب واحد فيكون معناه ما جعل الله لرجل من دينين.

(أَدْعِياءَكُمْ) كان الذليل في الجاهلية يأتي القوي الشريف فيقول أنا ابنك فيقول نعم فإذا قبله واتخذه ابنا أصبح أعز أهله وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تبنى زيد بن حارثة على تلك العادة فنزلت (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ) في الجاهلية.

(أَبْناءَكُمْ) في الإسلام. (ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ) في المظاهر عنها وابن التبني.

(وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ) في أنها ليست بأم ولا الدعي بابن.

(ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٥].

(أَقْسَطُ) أعدل قولا وحكما.

(فَإِخْوانُكُمْ) فانسبوهم إلى أسماء إخوانكم كعبد الله وعبد الرحمن وغيرهما ، أو قولوا أخونا فلان ومولانا فلان ، أو إن لم يعرف نسبهم كانوا إخوانا في الدين إن كانوا أحرارا وموالي إن كانوا عتقاء.

٨٩

(أَخْطَأْتُمْ بِهِ) قبل النهي.

(ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) بعد النهي في هذا وغيره ، أو ما سهوتم به وما تعمدته قلوبكم قصدته ، أو ما أخطأتم أن تدعوه إلى غير أبيه ظانا أنه أبوه وما تعمدت قلوبكم أن تدعوه إلى غير أبيه عالما بذلك.

(غَفُوراً) لما كان في الشرك. (رَحِيماً) بقبول التوبة في الإسلام.

(النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) [الأحزاب : ٦].

(أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) من بعضهم ببعض لإرساله إليهم وفرض طاعته ، أو أولى بهم فيما رآه لهم منهم بأنفسهم ، أو لما أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الناس بالخروج إلى تبوك قال قوم : نستأذن آباءنا وأمهاتنا فنزلت ، أو أولى بهم في قضاء ديونهم وإسعافهم في نوائبهم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم في الدنيا والآخرة فمن ترك مالا فليرثه عصبته وإن ترك دينا ، أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه» (١).

(وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) في حرمة نكاحهن وتعظيم حقوقهن دون النفقة والميراث ، وفي إباحة النظر إليهن مذهبان هذا في اللائي مات عنهن ، وفي إلحاقه مطلقاته بمن مات عنهن ثلاثة مذاهب يفرق في الثالث بين من دخل بهن ومن لم يدخل بهن وهل هن أمهات المؤمنات كالرجال فيه مذهبان ، قالت امرأة لعائشة رضي الله تعالى عنها : يا أمّه فقالت : لست لك بأم إنما أنا أم رجالكم.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الأنصار. (وَالْمُهاجِرِينَ) قريش. نسخت التوارث بالهجرة لما نزل في الأنفال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا.) الآية [الأنفال : ٧٢]. توارثوا بالهجرة فكان لا يرث الأعرابي المسلم من قريبه المسلم المهاجر شيئا فنسخ ذلك بقوله هل هنا.

(وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) أو نسخت التوارث بالحلف والمؤاخاة في الدين ، قال الزبير : نزلت فينا خاصة قريش والأنصار قدمنا المدينة فآخينا الأنصار فأورثونا وأورثناهم فآخى أبو بكر خارجة بن زيد وآخيت كعب بن مالك فقتل يوم أحد فوالله لقد مات عن الدنيا ما ورثه أحد غيري حتى أنزل الله هذه الآية فرجعنا إلى مواريثنا.

__________________

(١) أخرجه البخارى (٢ / ٨٤٥ ، رقم ٢٢٦٩).

٩٠

(فِي كِتابِ اللهِ) القرآن ، أو اللوح المحفوظ.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) أي التوارث بالأنساب أولى من التوارث بالمؤاخاة في الهجرة.

(تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) بالوصية للمشرك من ذوي الأرحام ، أو الوصية للحلفاء والذين آخى بينهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من المهاجرين والأنصار ، أو الذين آخيتم فآتوا إليهم معروفا في الحياة ، أو وصية الرجل لإخوانه في الدين.

(مَسْطُوراً) كان التوارث بالهجرة والمؤاخاة في الكتاب مسطورا قبل النسخ ، أو كان نسخه بميراث ذوي الأرحام مسطورا قبل التوارث ، أو كان لا يرث مسلم كافرا في الكتاب مسطورا. و (الْكِتابِ) اللوح المحفوظ ، أو القرآن ، أو الذكر ، أو التوراة ، أمر بني إسرائيل أن يصنعوا مثله في بني لاوي بن يعقوب.

(وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) [الأحزاب : ٧].

(مِيثاقَهُمْ) على قومهم أن يؤمنوا بهم ، أو ميثاق الأمم على الأنبياء أن يبلغوهم ، أو ميثاق الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضا.

(وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ) سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : «كنت أولهم في الخلق وآخرهم في البعث» (١) وخص هؤلاء بالذكر تفضيلا ، أو لأنهم أصحاب الشرائع.

(مِيثاقاً غَلِيظاً) تبليغ الرسالة ، أو أن يصدق بعضهم بعضا ، أو أن يعلنوا أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسول ويعلن محمدا أن لا رسول بعده.

(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) [الأحزاب : ٨].

(لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) الأنبياء عن تبليغ الرسالة ، أو عما أجابهم به قومهم أو عن الوفاء بالميثاق الذي أخذ عليهم ، أو يسأل الأفواه الصادقة عن القلوب المخلصة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الأحزاب : ٩].

(نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) بالنصر والصبر.

(جُنُودٌ) أبو سفيان وعيينة بن حسن وطلحة بن خويلد وأبو الأعور والسلمي وبنو قريظة.

__________________

(١) أخرجه الديلمى (٣ / ٢٨٢ ، رقم ٤٨٥٠).

٩١

(رِيحاً) الصّبا أكفأت قدورهم ونزعت فساطيطهم.

(وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) الملائكة. تقوية لقلوب المؤمنين من غير قتال ، أو بإيقاع الرعب في قلوب المشركين ، أو بتفريق كلمتهم وإقعاد بعضهم عن بعض ، أو نصروهم بالزجر حتى جأوت بهم مسيرة ثلاثة أيام فقال طلحة بن خويلد : إن محمدا قد بدأكم بالسحر فالنجاة النجاة.

(إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) [الأحزاب : ١٠].

(مِنْ فَوْقِكُمْ) من فوق الوادي وهو أعلاه جاء منه عوف بن مالك في بني نصر وعيينة بن حصن في أهل نجد وطلحة بن خوليد الأسدي في بني أسد.

(وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) بطن الوادي من قبل المغرب جاء منه أبو سفيان بن حرب على أهل مكة ويزيد بن جحش على قريش وجاء أبو الأعور وحيي بن أخطب في بني قريظة وعامر بن الطفيل من وجه الخندق.

(زاغَتِ الْأَبْصارُ) شخصت ، أو مالت.

(وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) زالت عن أماكنها من الرعب فبلغت الحناجر وهي الحلاقم وإحدها حنجرة ويعبّر بذلك عن شدة الخوف وإن لم تزل عن أماكنها مع بقاء الحياة.

(الظُّنُونَا) فيما وعدهم به من النصر ، أو اختلاف ظنونهم ظن المنافقون أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه يستأصلون وأيقن المؤمنون أن وعده في إظهاره على الدين كله حق.

(هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) [الأحزاب : ١١].

(ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) بالحصار ، أو الجوع أصابهم بالخندق جوع شديد ، أو امتحنوا بالصبر على إيمانهم. هنالك للمكان البعيد وهنا للقريب وهناك للمتوسط.

(وَزُلْزِلُوا) حركوا بالخوف ، أو اضطربوا عما كانوا عليه ، منهم من اضطرب في نفسه ومنهم من اضطرب في دينه ، أو راحوا عن أماكنهم فلم يكن لهم إلا موضع الخندق.

(وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً) [الأحزاب : ١٢].

(مَرَضٌ) نفاق ، أو شرك لما أخبرهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يومئذ بما يفتح عليهم من بيض المدائن وقصور الروم ومدائن اليمن. قال رجل من الأوس أيعدنا ذلك واحد لا يستطيع أن يقضي حاجته إلا قتل. هذا والله الغرور فنزلت.

(وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ

٩٢

النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً) [الأحزاب : ١٣].

(طائِفَةٌ مِنْهُمْ) ابن أبي وأصحابه ، أو أوس بن قيظى ، أو من بني سليم.

(يَثْرِبَ) المدينة ويثرب من المدينة ، أو المدينة في ناحية من يثرب قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال للمدينة يثرب فليستغفر الله هي طابة ثلاث مرات» (١).

(لا مُقامَ لَكُمْ) على دين محمد فارجعوا إلى دين مشركي العرب ، أو لا مقام لكم على القتال فارجعوا إلى طلب الأمان ، أو لا مقام لكم في أماكنكم فارجعوا إلى مساكنكم. والمقام بالفتح الثبات على الأمر وبالضم الثبات على المكان ، أو بالفتح النزل وبالضم الإقامة.

(عَوْرَةٌ) قاصية من المدينة نخاف على عورة النساء والصبيان من السبي ، أو خالية ليس فيها إلا العورة من النساء من قولهم أعور الفارس إذا كان فيه موضع خلل للضرب ، أو مكشوفة الحيطان نخاف عليها السّرق والطلب. أعور المنزل إذا ذهب ستره وسقط جداره ، وكل ما كره كشفه فهو عورة.

(وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً) [الأحزاب : ١٤].

(وَلَوْ دُخِلَتْ) المدينة على المنافقين من نواحيها. (الْفِتْنَةَ) القتال في المعصية ، أو الشرك. (وَما تَلَبَّثُوا) بالإجابة إلى الفتنة ، أو بالمدينة. (إِلَّا يَسِيراً) حتى يعذبوا.

(وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً) [الأحزاب : ١٥].

(عاهَدُوا) قبل الخندق وبعد بدر ، أو قبل نظرهم إلى الأحزاب ، أو قبل قولهم : يا أهل يثرب.

(قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [الأحزاب : ١٧].

(سُوءاً) هزيمة والرحمة النصر ، أو عذابا والرحمة الخير ، أو قتلا والرحمة التوبة.

(قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ١٨].

(الْمُعَوِّقِينَ) المثبطين : ابن أبي وأصحابه.

(وَالْقائِلِينَ) المنافقون قالوا لإخوانهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ، وهو هالك

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٢٨٥ ، رقم ١٨٥٤٢). قال الهيثمى (٣ / ٣٠٠) : رجاله ثقات.

٩٣

ومن تبعه فهلم إلينا ، أو قريظة قالوا لإخوانهم المنافقين : هلم إلينا فإن محمدا هالك وإن ظفر بكم أبو سفيان لم يبق منكم أحدا ، أو انصرف يومئذ صحابي فوجد بين يدي أخيه لأبويه رغيفا وشواء ، فقال : أنت هكذا والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بين الرماح والسيوف فقال : هلم إليّ فقد أحيط بك وبصاحبك. فقال : كذبت ، وأتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليخبره فوجدها قد نزلت.

(وَلا يَأْتُونَ) القتال إلا كارهين ، أيديهم مع المسلمين وقلوبهم مع المشركين ، أو لا يشهدونه إلا رياء وسمعة.

(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [الأحزاب : ١٩].

(أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ) بالخير ، أو بالقتال معكم ، أو بالغنائم إذا أصابوها ، أو بالنفقة في سبيل الله.

(فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ) من النبي إذا غلب ، أو من العدو إذا أقبل.

(سَلَقُوكُمْ) رفعوا أصواتهم عليكم ، أو آذوكم بالكلام الشديد والسّلق : الأذى ، قال الخليل : سلقته باللسان إذا أسمعته ما يكره.

(حِدادٍ) شديدة ذربة ، جدالا في أنفسهم ، أو نزاعا في الغنيمة.

(أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ) على قسمة الغنيمة ، أو الغنيمة في سبيل الله ، أو على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لظفره.

(لَمْ يُؤْمِنُوا) بقلوبهم. (فَأَحْبَطَ اللهُ) ثواب حسناتهم.

(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب : ٢٠].

(يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا) لخوفهم وشدة جزعهم ، أو تصنعا للرياء واستدامة للتخوف.

(إِلَّا قَلِيلاً) كرها ، أو رياء.

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً) [الأحزاب : ٢١].

(أُسْوَةٌ) مواساة عند القتال ، أو قدوة حسنة يتبع فيها ، والأسوة : المشاركة في الأمر ، واساه في ماله جعل له فيه نصيبا. حثّهم بذلك على الصبر معه في الحروب ، أو تسلية فيما أصابهم ، فإن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم شج وكسرت رباعيته وقتل عمه.

٩٤

(يَرْجُوا) ثواب الله في اليوم الآخر ، أو يرجوا لقاءه بالإيمان ويصدق بالبعث. خطاب للمنافقين ، أو المؤمنين ، وهذه الأسوة واجبة ، أو مستحبة.

(وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلَّا إِيماناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب : ٢٢].

(هذا ما وَعَدَنَا اللهُ) بقوله في البقرة (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ.)

الآية [البقرة : ٢١٤] ، أو قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الخندق أخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة في قصور الحيرة ومدائن كسرى فأبشروا بالنصر فاستبشروا وقالوا : الحمد لله موعد صادق إذ وعدنا بالنصر بعد الحصر فطلعت الأحزاب فقالوا : هذا ما وعدنا الله ورسوله.

(إِيماناً) بالرب. (وَتَسْلِيماً) لقضائه ، أو إيمانا بوعده وتسليما لأمره.

(مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) [الأحزاب : ٢٣].

(عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) بايعوا على أن لا يفروا فصدقوا في اللقاء يوم أحد ، أو قوم لم يشهدوا بدرا فعاهدوا الله أن لا يتأخروا عن رسوله في حرب حضرها أو أمر بها ، فوفوا بما عاهدوا.

(قَضى نَحْبَهُ) مات.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) الموت ، أو قضى عهده قتلا ، أو عاش (وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ) أن يقضيه بقتال ، أو صدق لقاء ، أو النحب : النذر ، وعلى الأول الأجل وعلى الثاني العهد.

(وَما بَدَّلُوا) ما غيروا كما غير المنافقون ، أو (وَما بَدَّلُوا) عهدهم بالصبر ولا نكثوا بالفرار.

(لِيَجْزِيَ اللهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب : ٢٤].

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) بإخراجهم من النفاق ، أو يعذبهم في الدنيا ، أو في الآخرة بالموت على النفاق (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) بإخراجهم من النفاق حتى يموتوا تائبين.

(وَرَدَّ اللهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللهُ قَوِيًّا عَزِيزاً) [الأحزاب : ٢٥].

(بِغَيْظِهِمْ) بحقدهم ، أو غمهم. (لَمْ يَنالُوا خَيْراً) لم يصيبوا ظفرا ولا مغنما.

(وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) بالريح الملائكة ، أو بعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه.

٩٥

(قَوِيًّا) في سلطانه.

(عَزِيزاً) في انتقامه.

(وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً) [الأحزاب : ٢٦].

(الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ) بنو قريظة وكان بينهم وبين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عهد فنقضوه ، والمظاهرة : المعاونة ، فغزاهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ستة عشر يوما من الخندق فحصرهم إحدى وعشرين ليلة فنزلوا على التحكيم في أنفسهم وأموالهم فحكموا سعدا فحكم بقتل مقاتلتهم وبسبي ذراريهم وأن عقارهم للمهاجرين دون الأنصار فكبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «قضى فيهم بحكم الله» أو نزلوا على حكم الرسول ولم يحكم فيه سعد وإنما أرسل إليه يستشيره فقال : لو وليت أمرهم لقتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم ، فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده لقد أشرت فيهم بالذي أمرني الله تعالى به فيهم».

(صَياصِيهِمْ) حصونهم لا متناعهم بها كما تمتنع البقر بصياصيها وهي قرونها ومنه صيصية الديك شوكة في ساقه.

(وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) بصنيع جبريل بهم.

(فَرِيقاً تَقْتُلُونَ) قتل أربعمائة وخمسين وسبى سبعمائة وخمسين ، وقيل : عرضوا عليه فأمر بقتل من احتلم ، أو أنبت.

(وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) [الأحزاب : ٢٧].

(أَرْضَهُمْ) المزارع والنخيل. (وَدِيارَهُمْ) منازلهم وأموالهم المنقولة.

(وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) مكة ، أو خيبر ، أو فارس والروم ، أو ما ظهر المسلمون عليه إلى يوم القيامة.

(وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ) أراد فتحه من القرى والحصون.

(قَدِيرٌ أَ) وعلى ما أراده من نقمة أو عفو.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب : ٢٨].

(قُلْ لِأَزْواجِكَ) لم يخيرهن في الطلاق بل خيرهن من اختيار الدنيا فيفارقهن ، أو اختيار الآخرة فيمسكهن ، أو خيرهن في الطلاق ، أو المقام معه فاخترن كلهن إلا الحميرية فإنها اختارت نفسها. وسبب تخييرهن أن الرسول صلّى الله عليه سلم خير بين ملك الدنيا

٩٦

ونعيم الآخرة فاختار الآخرة فأمره بتخييرهن ليكنّ على مثل حاله أو لأنهن تغايرن عليه فآلى منهن شهرا ، وأمر بتخييرهن ، أو اجتمعن يوما وقلن : نريد ما تريده النساء من الحلي والثياب ، حتى قال بعضهن : لو كنا عند غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لكان لنا شأن وحلي وثياب فنزلت ، أو لأن الله تعالى صان خلوة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخيرهن على أن لا يتزوجن بعده فأجبن إلى ذلك فأمسكهن ، أو سألته أم سلمة سترا معلما وميمونة حلة يمانية وزينب ثوبا مخططا وهو البرد اليماني وأم حبيبة ثوبا سحوليا وحفصة ثوبا من ثياب مصر وجويرية معجرا وسودة قطيفة فدكية فلم تطلب عائشة رضي الله تعالى عنها شيئا فأمره الله تعالى بتخييرهن ، وكان تحته يومئذ تسع سوى الحميرية خمس قريشات عائشة وحفصة وأم حبيبة وأم سلمة وسودة وصفية بنت حيي الخيبرية وميمونة بنت الحارث الهلالية وزينب بنت جحش الأسدية ، وجويرية بنت الحارث المصطلقية. فلما اخترن الصبر معه على الرخاء والشدة عوضن بأن جعلن أمهات المؤمنين تعظيما لحقوقهن وتأكيدا لحرمتهن ، وحظر عليه طلاقهن أبدا وحرم النكاح عليهن ما دام معسرا فإن أيسر ففيه مذهبان ، قالت عائشة رضى الله عنها ما مات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى حل له النساء ، يعني اللآتي حظرن عليه ، وقيل الناسخ لتحريمهن قوله : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ.) الآية [الأحزاب : ٥٠].

(يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [الأحزاب : ٣٠].

(بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الزنا ، أو النشوز وسوء الخلق.

(ضِعْفَيْنِ) عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ، أو عذابان الدنيا ، لأذاهن للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدان في الدنيا غير السرقة. قال أبو عبيدة الضعفان أن تجعل الواحد ثلاثة فيكون عليهن ثلاثة حدود لأن ضعف الواحد اثنان فكان ضعفي الواحد ثلاثة ، أو المراد بالضعف المثل والضعفان المثلان قاله ابن قتيبة قال آخرون إذا كان ضعف الشيء مثليه وجب أن يكون ضعفان أربعة أمثاله.

قال ابن جبير : فجعل عذابهن ضعفين وجعل على من قذفهن الحد ضعفين.

(وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) [الأحزاب : ٣١].

(يَقْنُتْ) تطع. (وَتَعْمَلْ صالِحاً) بينها وبين ربها. (مَرَّتَيْنِ) كلاهما في الآخرة ، أو أحدهما في الدنيا والثاني في الآخرة.

(رِزْقاً كَرِيماً) في الجنة ، أو في الدنيا وسعا حلالا.

(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي

٩٧

فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب : ٣٢].

(لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ) من نساء هذه الأمة.

(فَلا تَخْضَعْنَ) فلا ترققن بالقول ، أو لا ترخصن به أو تلن القول أو لا تكلمن بالرفث أو بالكلام الذي فيه ما يهوي المريب أو ما يدخل من كلام النساء في قلوب الرجال.

«مريض» شهوة الزنا والفجور ، أو النفاق ، وكان أكثر من تصيبه الحدود في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم المنافقون.

(مَعْرُوفاً) صحيحا ، أو عفيفا ، أو جميلا.

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣].

(وَقَرْنَ) من القرار في المكان وبالكسر من السكينة والوقار.

(تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ) التبختر ، أو كانت لهن مشية وتكسر وتغنج. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المائلات المميلات لا يدخلن الجنة» (١) المائلات في مشيهن والمميلات قلوب الرجال إليهن ، أو كانت المرأة تمشي بين يدي الرجال ، أو أن تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وعنقها وقرطها فيبدوا ذلك كله منها ، أو تبدي من محاسنها ما يلزمها ستره ، أصله من تبرج العين وهو سعتها.

(الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسّلام ، أو زمن إبراهيم عليه الصلاة والسّلام كان أحداهن تمشي في الطريق لابسة درعا مفرجا ليس عليها غيره ، أو ما بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسّلام ثمانمائة سنة فكن النساء يردن الرجال على أنفسهن لحسن رجالهن وقبح نسائهن ، أو بين نوح وإدريس عليهما الصلاة والسّلام ألف سنة كانت إحداهن تجمع زوجا وخلما أي صاحبا فتجعل لزوجها النصف الأسفل ولخلمها النصف الأعلى ، أو كان بطنان من بني آدم يسكن أحدهما الجبل رجالهم صباح وفي نسائهم دمامة وأهل السهل عكس ذلك فاتخذ لهم إبليس عيدا اختلط فيه أهل السهل بأهل الجبل فظهرت فيهم الفاحشة فذلك تبرج الجاهلية الأولى.

(الرِّجْسَ) الإثم ، أو الشرك ، أو الشيطان ، أو المعاصي ، أو الشك ، أو الأقذار.

__________________

(١) أخرجه بنحوه مسلم (٣ / ١٦٨٠ ، رقم ٢١٢٨) ، وأحمد (٢ / ٣٥٥ ، رقم ٨٦٥٠) ، وأبو يعلى (١٢ / ٤٦ ، رقم ٦٦٩٠) ، وابن حبان (١٦ / ٥٠٠ ، رقم ٧٤٦١).

٩٨

(أَهْلَ الْبَيْتِ) علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله تعالى عنهم أجمعين قاله أربعة من الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أو الأزواج خاصة ، أو الأهل والأزواج.

(وَيُطَهِّرَكُمْ) من الإثم ، أو السوء ، أو الذنوب.

(وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً) [الأحزاب : ٣٤].

(آياتِ اللهِ) القرآن. (وَالْحِكْمَةِ) السنة ، أو الحلال والحرام والحدود. (لَطِيفاً) باستخراجها. (خَبِيراً) بمواضعها.

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب : ٣٥].

(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ) قالت أم سلمة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ما للرجال يذكرون في القرآن ولا تذكر النساء فنزلت المسلمين المتذللين.

(وَالْمُؤْمِنِينَ) المصدقين ، أو المسلمين في أديانهم ، والمسلم والمؤمن واحد ، أو الإسلام الإقرار باللسان والإيمان التصديق بالقلب ، أو الإسلام اسم الدين والإيمان التصديق به والعمل عليه.

(وَالْقانِتِينَ) المطيعين ، أو الداعين.

(وَالصَّادِقِينَ) في أيمانهم أو عهودهم.

(وَالصَّابِرِينَ) على أمر الله ونهيه ، أو في البأساء والضراء. (وَالْخاشِعِينَ) المتواضعين لله ، أو الخائفين منه ، أو المصلين.

(وَالْمُتَصَدِّقِينَ) بأنفسهم في طاعة الله ، أو بأموالهم في الزكاة المفروضة أو بأعطاء النوافل بعد الفرض.

(وَالصَّائِمِينَ) عن المعاصي والقبائح أو الصوم الشرعي المفروض ، أو رمضان وثلاثة أيام من كل شهر.

(فُرُوجَهُمْ) عن الحرام والفواحش ، أو منافذ الجسد كلها يحفظون السمع عن اللغو والخنا والأعين عن النظر إلى ما لا يحل والفروج عن الفواحش والأفواه عن قول الزور وأكل الحرام.

(وَالذَّاكِرِينَ اللهَ) باللسان أو التالين لكتابه ، أو المصلين.

٩٩

(مَغْفِرَةً) لذنوبهم. (وَأَجْراً عَظِيماً) لأعمالهم.

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب : ٣٦].

(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) لما خطب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زينب بنت جحش لزيد بن حارثة امتنعت هي وأخوها لأنهما ولدا عمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أميمة بنت عبد المطلب ، وأنهما من قريش وأن زيدا مولى فنزلت فقالت زينب : أمري بيد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزوجها من زيد أو نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهي أول من هاجر من النساء فوهبت نفسها للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قد قبلت فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها وقالا إنما أردنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فزوجها عبده.

(ضَلالاً مُبِيناً) جار جورا مبينا ، أو أخطأ خطأ طويلا.

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) [الأحزاب : ٣٧].

(أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) بمحبة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بالتبني ، أو بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق وهو زيد بن حارثة أتى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم منزله فرأى زوجته زينب بنت جحش فأعجبته فقال : سبحان مقلب القلوب ، فسمعت ذلك فجلست فجاء زيد فذكرت له ذلك فعرف أنها وقعت في نفسه فأتاه فقال : يا رسول الله ائذن لي في طلاقها فإن فيها كبرا إنها لتؤذيني بلسانها ، فقال : اتق الله تعالى وأمسك عليك زوجك وفي نفسه صلى‌الله‌عليه‌وسلم غير ذلك.

(وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ) إيثار طلاقها ، أو الميل إليها ، أو أنه إن طلقها تزوجتها ، أو أعلمه الله بغيب أنها تكون من زوجاته قبل أن يتزوجها.

(وَتَخْشَى) مقالة الناس ، أو أن تبديه لهم. (وَطَراً) حاجة ، أو طلاقا والوطر الأرب المشتهى.

(زَوَّجْناكَها) فدعا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيدا ، وأمره أن يخبرها أن الله تعالى زوجه إياها فجاءها فاستفتح فقالت : من هذا قال : زيد فقالت : وما حاجة زيد إليّ وقد طلقني فقال : إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرسلني فقالت : مرحبا برسول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفتحت فدخل وهي تبكي فقال : لا يبكي الله عينيك قد كنت نعمت المرأة إن كنت لتبري قسمي وتطيعي أمري وتشبعي

١٠٠