تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة : ١٠].

(فَضْلِ اللهِ) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ليس بطلب دنيا ولكن من عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى أو البيع والشراأ أو العمل يوم السبت».

(وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة : ١١].

(تِجارَةً أَوْ لَهْواً) قدم دحية بعير عند مجاعة وغلاء سعر وكان معه جميع ما يحتاجون إليه من برود ودقيق وغيره فنزل عند أحجار الزيت وضرب بطبل ليؤذن بقدومه فانفضوا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في الخطبة فلم يبق معه إلا ثمانية أو اثنا عشر فقال : «والذي نفسي بيده لو ابتدرتموها حتى لم يبق معي منك أحد لسال بكم الواد نارا».

(لَهْواً) لعبا أو الطبل أو المزمار أو الغناء. (قائِماً) في الخطبة. (إِلَيْها) لأن غالب انفضاضهم كان إلى التجارة دون اللهو فاقتصر على ذكرها أو تقديره تجارة انفضوا إليها أو لهوا. (انْفَضُّوا) ذهبوا أو تفرقوا.

سورة المنافقون (١)

(إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [المنافقون : ١].

(نَشْهَدُ) نحلف عبر عن الحلف بالشهادة لأن كل واحد منهما إثبات لأمر غائب.

(وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ) فلا يضرك نفاق من نافق.

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [المنافقون : ٢].

(جُنَّةً) من القتل والسبي فعصموا بها دماءهم وأموالهم أو من الموت أن لا تصلي عليهم فيظهر للناس نفاقهم.

(فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) عن الإسلام بالتنفير أو عن الجهاد بتثبيط المسلمين عنه بالإرجاف.

(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ

__________________

(١) سورة المنافقون سميت بهذا الاسم لأن المحور الذي تدور عليه السورة هو أخلاق المنافقين وأحوالهم في النفاق ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الحج ، والسورة تعالج التشريعات والأحكام وتتحدث عن الإسلام من زاويته العملية وهى القضايا التشريعية.

٢٨١

يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [المنافقون : ٤].

(تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) لحسن منظرهم. (تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لحسن منطقهم.

(خُشُبٌ) شبهوا بالنخل القائمة لحسن منظرهم أو بالخشب النخرة لسوء مخبرهم أو لأنهم لا ينتفعون بسماع الهدى فصاروا كالخشب. (مُسَنَّدَةٌ) لاستنادهم إلى الإيمان لحقن دمائهم.

(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ) لخبثهم لا يسمعون صيحة إلا ظنوا أن العدو قد اصطلمهم وأن القتل قد حل بهم أو يظنون عند كل صيحة أن قد فطن بهم وعلم نفاقهم لأن المريب خائف ، أو يظنون عند كل صياح في المسجد أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد أمر بقتلهم فهم أبدا وجلون.

(فَاحْذَرْهُمْ) أن تثق بقولهم أو احذر ممايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك.

(قاتَلَهُمُ) لعنهم أو أحلهم محل من قاتله ملك قاهر لقهر الله تعالى لكل معاند.

(يُؤْفَكُونَ) يكذبون أو يعدلون عن الحق أو يصرفون عن الرشد أو كيف تضل عقولهم عن هذا؟

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) [المنافقون : ٥].

(لَوَّوْا) لما كانت غزوة تبوك قال ابن أبي.

(لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ) فارتحل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن ينزل الناس فقيل لابن أبيّ ائت الرسول حتى يستغفر لك فلوّى رأسه استهزاء وامتناعا من إتيانه ، أو لوّاه بمعنى ما ذا قلت.

(يَصُدُّونَ) يمتنعون ، أو يعرضون عما دعوا إليه من استغفار الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عن إخلاص الإيمان. (مُسْتَكْبِرُونَ) متكبرون أو ممتنعون.

(هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ) [المنافقون : ٧].

(لا تُنْفِقُوا) لما قال ابن أبي لما رجع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة بني المصطلق وقد جرت مشاجرة بين بعض المهاجرين والأنصار يا معشر الأوس والخزرج ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك أوطأنا هذا الرجل ديارنا وقاسمناهم أموالنا ولو لاها لانفظوا عنه.

(لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) فبلغت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاعتذر له

٢٨٢

قومه فنزلت هذه الآية والتي بعدها.

(خَزائِنُ السَّماواتِ) المطر وخزائن. (الْأَرْضِ) النبات أو خزائن السماوات ما قضاه وخزائن الأرض ما أعطاه.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المنافقون : ٩].

(عَنْ ذِكْرِ اللهِ) الصلاة المكتوبة أو عامة في جميع الفرائض أو الجهاد.

(وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون : ١٠].

(وَأَنْفِقُوا) زكاة المال أو صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر.

سورة التغابن (١)

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [التغابن : ٢].

(فَمِنْكُمْ كافِرٌ) بأنه خلقه.

(مُؤْمِنٌ) بأنه خلقه أو كافر به وإن أقر بأنه خالقه ومؤمن به وفيه محذوف تقديره ومنكم فاسق أو لا تقدير فيه بل ذكر الطرفين.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [التغابن : ٣].

(بِالْحَقِّ) للحق قاله الكلبي. (وَصَوَّرَكُمْ) آدم ، أو جميع الخلق.

(فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) في العقول أو في المنظر أو أحكم صوركم.

(ذلِكَ بِأَنَّهُ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللهُ وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) [التغابن : ٦].

(أَبَشَرٌ) استحقروا البشر أن يكونوا رسلا لله إلى أمثالهم والبشر والإنسان واحد فالبشر من ظهور البشرة والإنسان من الأنس أو من النسيان.

(فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا) عن الإيمان.

(وَاسْتَغْنَى اللهُ) بسلطانه عن طاعة عباده أو بما أظهر لهم من البرهان عن زيادة

__________________

(١) سورة التغابن سميت بهذا الاسم لاشتمال السورة على التغابن من جانب كلا من المؤمنين بعدم زيادة الطاعة والكافر لتركه الإيمان ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة التحريم ، والسورة تعني بالتشريع ولكن جوها جو السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية.

٢٨٣

تدعوهم إلى الرشد. (غَنِيٌّ) عن أعمالكم أو صدقاتكم.

(حَمِيدٌ) مستحمد إلى خلقه بإنعامه عليهم أو مستحق لحمدهم.

(زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ وَذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [التغابن : ٧].

(زَعَمَ) كنية الكذب.

(يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التغابن : ٩].

(الْجَمْعِ) بين كل نبي وأمته أو بين المظلومين والظالمين. (يَوْمُ التَّغابُنِ) من أسماء القيامة أو غبن فيه أهل الجنة أهل النار أو يغبن فيه المظلوم الظالم.

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [التغابن : ١١].

(بِإِذْنِ اللهِ) بأمره أو بحكمه.

(يَهْدِ قَلْبَهُ) يؤمن قلبه لله أو يعلم أنه من عند الله فيرضى به أو يسترجع أو إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التغابن : ١٤].

(إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ) نزلت في قوم أسلموا بمكة فأرادوا الهجرة فمنعهم أزواجهم وأولادهم أو منهم من لا يأمر بطاعة ولا ينهى عن معصية وكبر ذلك عداوة أو منهم من يأمر بقطع الرحم ومعصية الله ولا يستطيع مع حبه إلا أن يطيعه أو منهم من يخالفك في دينك فصار بذلك عدوا أو منهم من يحملك على طلب الدنيا والاستكثار منها.

(وَإِنْ تَعْفُوا) عن الظالم. (وَتَصْفَحُوا) عن الجاهل. (وَتَغْفِرُوا) للمسيء. (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) للذنب.

(رَحِيمٌ) بالعباد. لما هاجر بعض من منعه أهله من الهجرة فلم يقبل منهم قال لئن رجعت إلى أهلي لأفعلن ولأفعلن ومنهم من قال لا ينالون مني خيرا أبدا فلما كان عام الفتح أمروا بالعفو والصفح عن أهاليهم ونزلت هذه الآية فيهم.

(إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن : ١٥].

(فِتْنَةٌ) بلاء أو محنة يكن بهما عن الآخرة ويتوفر لأجلهما على الدنيا أو يشح لأجل

٢٨٤

أولاده فيمنع حقوق الله من ماله الولد مبخلة مجهلة محزنة مجبنة.

(أَجْرٌ عَظِيمٌ) الجنة.

(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [التغابن : ١٦].

(مَا اسْتَطَعْتُمْ) جهدكم أو أن يطاع فلا يعصى أو ما يتطوع به من نافلة أو صدقة لما نزلت (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ) [آل عمران : ١٠٢] اشتد عليهم فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فنسخها الله تعالى بهذه الآية.

(وَاسْمَعُوا) كتاب الله تعالى. (وَأَنْفِقُوا) في الجهاد أو الصدقة أو نفقة المؤمن لنفسه.

(شُحَّ نَفْسِهِ) هواها أو ظلمها أو منع الزكاة فمن أعطاها فقد وقي شح نفسه.

(إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ) [التغابن : ١٧].

(قَرْضاً) نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر.

(حَسَناً) طيبة بها نفسه أو لا يمتن بها. (يُضاعِفْهُ) بالحسنة عشرا أو ما لا يحد من تفضله. (شَكُورٌ) للقليل من أفعالنا. (حَلِيمٌ) عن ذنوبنا أو. «عالم» بمضاعفة الصدقة.

(حَلِيمٌ) بأن لا يعاجل عقوبة مانع الزكاة.

سورة الطلاق (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١].

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) خوطب به وهو عام لأمته نزلت لما طلق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حفصة فأوحى إليه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة وهي من أزواجك في الجنة.

(لِعِدَّتِهِنَّ) في الطهر من غير جماع وجمع الثلاث بدعة أو ليس ببدعة فإن طلقها

__________________

(١) سورة الطلاق سميت بهذا الاسم حيث تضمنت السورة أحكام الطلاق الطلاق السني ، والطلاق البدعي ، وتسمى النساء الصغرى ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الإنسان ، تناولت السورة بعض الأحكام التشريعية المتعلقة بأحوال الزوجين كبيان أحكام الطلاق السني وكيفيته وما يترتب على الطلاق من العدة والنفقة والسكنى وأجر المرضع إلى غير ما هنالك من أحكام.

٢٨٥

حائضا أو في طهر جماع وقع أو لا يقع.

(وَاتَّقُوا اللهَ) في المطلقات. (لا تُخْرِجُوهُنَّ) في عدتهن. (بِفاحِشَةٍ) الزنا فتخرج لإقامة الحد أو بذاء على أحمائها أو كل معصية لله أو خروجها من بيتها تقديره إلا أن يأتين بفاحشة بخروجهن. (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ) طاعته أو شرطه أو سننه وأمره. (يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) لم يرض بها أو خالفها. (ظَلَمَ نَفْسَهُ) بترك الرضا لأنه يأثم به أو بإضراره بالمرأة بإيقاع الطلاق في غير الطهر المشروع. (أَمْراً) بالرجعة اتفاقا.

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [الطلاق : ٢].

(بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) قاربنه. (فَأَمْسِكُوهُنَّ) ارتجعوهن. (بِمَعْرُوفٍ) طاعة الله في الشهادة أو أن لا يقصد إضرارها بتطويل العدة. (فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أن يتركها في منزلها حتى تنقضي عدتها. (وَأَشْهِدُوا) على الرجعة فإن لم يشهد فقولان في صحتها.

(مَخْرَجاً) ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة أو علمه بأنه من الله وأنه هو المعطي المانع أو قناعته برزقه أو مخرجا من الباطل إلى الحق ومن الضيق إلى السعة أو من يتق بالطلاق في العدة يجعل له مخرجا بالرجعة وأن يكون كأحد الخطاب بعد انقضائها ، أو بالصبر عند المصيبة يجعله له مخرجا من النار إلى الجنة ، أو نزلت في مالك الأشجعي أسر ابنه عوف فشكا ذلك إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع ضر أصابه فأمره بالإكثار من الحوقلة فأفلت ابنه من الأسر واستاق معه سرحا للكفار فأتى أباه فأخبر أبوه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأله عن الإبل فقال اصنع بها ما أحببت فنزلت.

(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣].

(بالِغُ أَمْرِهِ) قاض أمره فيمن توكل ومن لم يتوكل إلا أن من توكل يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا. (قَدْراً) أجلا ووقتا أو منتهى وغاية أو مقدارا واحدا فإن كان فعلا للعبد فهو مقدر بأمر الله وإن كان فعلا لله فهو مقدر بمشيئته أو بمصلحة عباده.

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً) [الطلاق : ٤].

(إِنِ ارْتَبْتُمْ) بدمها هل هو حيض أو استحاضة أو بحكم عدتها فلم تعلموا بماذا

٢٨٦

يعتدون. قالوا قد بقي من عدد النساء عدد لم يذكرن الصغار والكبار المنقطع حيضهن وذوات الحمل فنزلت. (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) بطلاق السنة ييسر أمره بالرجعة أو باجتناب المعصية يسّر أمره بالتوفيق للطاعة.

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) [الطلاق : ٦].

(وُجْدِكُمْ) سعتكم أو قوتكم أو طاقتكم أو مما تجدون. (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) في المساكن أو النفقة. (فَإِنْ أَرْضَعْنَ) أي المطلقات. (فَآتُوهُنَّ) أجرة الرضاع لوجوب النفقة على الآباء. (وَأْتَمِرُوا) تشاوروا أو تراضوا في إرضاع الولد إذا وقعت بينكما الفرقة.

(تَعاسَرْتُمْ) تضايقتم أو اختلفتم.

(فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) وإن اختلفا فطلبت الأم الإرضاع وامتنع الأب أو طلبه الأب فامتنعت الأم والولد لا يقبل ثدي غيرها أجبر الممتنع وإن أعسر الأب بالأجرة لزمها الإرضاع للولد.

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [الطلاق : ٧].

(مِمَّا آتاهُ) نفقة المرضع بقدر المكنة أو لا يكلف بصدقة ولا زكاة ولا مال له أو لا يكلفه فريضة إلا بحسب قدرته.

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) [الطلاق : ١٠].

(ذِكْراً) القرآن.

(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً) [الطلاق : ١١].

(رَسُولاً) جبريل عليه‌السلام. فيكون الذكر والرسول منزلين أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقديره وبعث رسولا نزلت في مؤمني أهل الكتاب.

(الظُّلُماتِ) الجهل.

(النُّورِ) العلم أو ظلمات المنسوخ إلى ضياء الناسخ أو الباطل إلى الحق.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَ

٢٨٧

اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [الطلاق : ١٢].

(سَبْعَ سَماواتٍ) اتفقوا أن السموات بعضها فوق بعض.

(وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) سبع أرضين منبسطة ليس بعضها فوق بعض تفرق بينهن البحار ويظل جميعهن السماء وقال الجمهور سبع أرضين بعضها فوق بعض في كل أرض خلق تقلهم تلك الأرض وتظلهم أرض أخرى ولا تصل إلينا إلا الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن الأرض العليا التي نحن عليها فعلى هذا إن كان منهم من يعقل فلا يلزمه دعوة الإسلام ولهم ضياء خلقه الله تعالى في أراضيهم عند من رأى الأرض كرية فلا يشاهدون السماء أو يشاهدونها من كل جوانب أرضهم فيرون منها الضياء عند من رأى الأرض منبسطة.

(الْأَمْرُ) الوحي. (بَيْنَهُنَّ) الأرض العليا والسماء السابعة وقال الأكثر الأمر قضاؤه وقدره. (بَيْنَهُنَّ) بين أقصى الأرضين والسماء العليا. (لِتَعْلَمُوا) خلق هذا الملك العظيم لتعلموا أنه قادر على كل شيء قدير وإنها على ما بينهما من الخلق أقدر.

سورة التحريم (١)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التحريم : ١].

(لِمَ تُحَرِّمُ) أراد المرأة التي وهبته نفسها فلم يقبلها أو سقته حفصة أو سودة أو أم سلمة عسلا فحسدها نساؤه فقلن للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجد منك ريح المغافير فقال شربت عسلا فقلن جرست نحله العرفط فحرمه على نفسه أو خلا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمارية في بيت حفصة لما خرجت لزيارة أبيها فلما عادت وعلمت عتبت فحرم مارية إرضاءا لحفصة وقال لا تخبرين أحدا من نسائي فأخبرت به عائشة رضي الله تعالى عنها لمصافاة كانت بينهما وكانتا تتظاهران على نسائه فحرم مارية وطلق حفصة وجعل على نفسه أن يحرم سائر نسائه شهرا فاعتزلهن شهرا فنزلت هذه الآية فراجع حفصة واستحل مارية وعاد إلى سائر نسائه وحلف يمينا حرمها بها فعوتب على ذلك وأمر بتكفير يمينه أو حرمها بغير يمين فكان التحريم

__________________

(١) سورة التحريم سميت بهذا الاسم لبيان شأن التحريم الذي حرمه النبي على نفسه من غير أن يحرمه الله ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الحجرات ، وتتناول السورة الشئون التشريعية وهي هنا تعالج قضايا وأحكاما تتعلق ببيت النبوة وبأمهات المؤمنين أزواج رسول الله الطاهرات وذلك في إطار تهيئة البيت المسلم والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة.

٢٨٨

موجبا لكفارة اليمين.

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [التحريم : ٢].

(فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ) بيّن المخرج من أيمانكم أو قدر كفارة حنثها.

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) [التحريم : ٣].

(حَدِيثاً) أسر إلى حفصة تحريم مارية فلما ذكرته لعائشة وعلم الرسول ذلك عرفها بعض ما ذكرت. (وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ) أدبا وإبقاءا ، أو أسرّ إليها تحريم مارية وبشرها أن أبا بكر خليفته من بعده وأن أباها الخليفة بعد أبي بكر فذكرتهما لعائشة فلما اطلع على ذلك عرّف ذلك التحريم. (وَأَعْرَضَ) عن ذكر الخلافة لئلا ينتشر. (عَرَّفَ) مخففا غضب منه وجازى عليه.

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التحريم : ٤].

(إِنْ تَتُوبا) يا عائشة وحفصة من الإذاعة والمظاهرة أو من السرور بما ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التحريم. (صَغَتْ) زاغت أو مالت أو أثمت. (تَظاهَرا) تتعاونا على معصيته. (مَوْلاهُ) وليه. (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) الأنبياء أو الملائكة أو الصحابة أو علي أو أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهم. (ظَهِيرٌ) أعوان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [التحريم : ٥].

(خَيْراً مِنْكُنَّ) مع أنهن خير نساء الأمة أي أطوع منكن أو أحب إليه منكن أو خيرا منكن في الدنيا. (مُسْلِماتٍ) مخلصات أو يقمن الصلاة ويؤتين الزكاة كثيرا أو مسلمات لأمر الله تعالى ورسوله. (مُؤْمِناتٍ) مصدقات بما أمرن به ونهين عنه. (قانِتاتٍ) مطيعات أو راجعات عما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه. (تائِباتٍ) من الذنوب أو راجعات إلى أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم تاركات لمحابهن عابدات لله أو متذللات للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالطاعة. (سائِحاتٍ) صائمات لأن الصائم كالسائح في السفر بغير زاد أو مهاجرات لسفرهن للهجرة. (ثَيِّباتٍ) كامرأة فرعون. (وَأَبْكاراً) كمريم ابنة عمران سميت الثيب لأنه راجعة إلى زوجها إن أقام معها أو إلى غيره إن فارقها أو لأنها ثابت إلى بيت أبويها وهذا أصح والبكر لأنها على أول حالتها التي خلقت عليها.

٢٨٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) قال خيثمة كل ما في القرآن. (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فهو في التوراة يا أيها المساكين وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه إذا قال الله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا فارعها سمعك فإنها خير تؤمر به أو شر تنهى عنه».

(قُوا أَنْفُسَكُمْ) اصرفوا عنها النار. (وَأَهْلِيكُمْ) فليقوا أنفسهم أو قوا أنفسكم ومروا أهليكم حتى يقيكم الله تعالى بهم أو أنفسكم بأفعالكم وأهليكم بوصيتكم إياهم بالطاعة وترك المعصية أو بتعلم الفروض وآداب الدنيا أو بتعلم الخير والأمر به وتعلم الشر والنهي عنه. (وَالْحِجارَةُ) المعبودة أو حجارة الكبريت أو ذكر الحجارة لينبه على أن ما أحرق الحجارة فهو أبلغ في أحراق الناس. (غِلاظٌ) القلوب. (شِدادٌ) الأبدان.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [التحريم : ٩].

(جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف. (وَالْمُنافِقِينَ) بالغلظة أو بالقول أو بإقامة الحدود أو بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليلقهم بوجه مكفهر. (وَاغْلُظْ) بالقول الزجر أو بالإبعاد والهجر.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [التحريم : ١٠ ـ ١١].

(فَخانَتاهُما) بالكفر أو النفاق ما بغت امرأة نبي قط أو بالنميمة إذا أوحي إليهما أفشتاه إلى المشركين أو كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وتخبر الجبابرة بمن آمن به.

وإذا نزل بلوط ضيف دخنت امرأته لتعلم قومها به لما كانوا عليه من إتيان الرجال.

(فَلَمْ يُغْنِيا) عن امرأتهما شيئا من عذاب الله. مثل ضربه الله تعالى يحذرهما به لعائشة وحفصة لما تظاهرتا على رسوله ثم ضرب لهما مثلا بمريم وامرأة فرعون لما اطلع فرعون على إيمانها خرج الملأ فقال : ما تعلمون من آسية بنت مزاحم فأثنوا عليها خيرا قال : فإنها تعبد ربا غيري قالوا اقتلها فأوتد أوتادا وشدّ يديها ورجليها فقالت.

(رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ) الآية فنظرت إلى بيتها في الجنة فضحكت فقال فرعون : ألا تعجبون من جنونها إنا لنعذبها وهي تضحك فقبضت روحها.

٢٩٠

(وَعَمَلِهِ) الشرك أو الجماع. (الظَّالِمِينَ) أهل مصر أو القبط.

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢].

(فَرْجَها) جيبها.

(بِكَلِماتِ رَبِّها) الإنجيل. (وَكُتُبِهِ) الزبور أو قول جبريل عليه‌السلام (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ.) الآية [مريم : ١٩] وكتبه الإنجيل أو كلمات ربها عيسى وكتبه الإنجيل. (الْقانِتِينَ) المطيعين.

سورة الملك (١)

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الملك : ١].

(تَبارَكَ) تفاعل من البركة وهو أبلغ من المبارك لاختصاص الله تعالى به واشترك الخلق في المبارك أو بارك في الخلق بما جعل فيهم من البركة أو علا وارتفع.

(الْمُلْكُ) ملك النبوة أو ملك السموات والأرض في الدنيا والآخرة.

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك : ٢].

(الْمَوْتَ) خلقكم للموت في الدنيا. (وَالْحَياةَ) في الآخرة أو خلقهما جسمين الموت في صورة كبش أملح والحياة في صورة فرس مأثور حكاه الكلبي ومقاتل.

(أَحْسَنُ عَمَلاً) أتم عقلا أو أزهد في الدنيا أو أورع عن محارم الله وأسرع في طاعته مأثور أو أكثر ذكرا للموت وحذرا منه واستعدادا له.

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣].

__________________

(١) سورة الملك سميت بهذا الاسم لاحتوائها على أحوال الملك ، سواء كان الكون أم الإنسان ، وأن ذلك ملك الله تعالى ، وسماها النبي سورة تبارك الذي بيده الملك ، وسميت أيضا تبارك الملك ، وسميت سورة الملك ، وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال : كنا نسميها على عهد رسول الله المانعة وروى أن اسمها المنجية ، وتسمى أيضا الواقية وذكر الرازى أن ابن عباس كان يسميها المجادلة ؛ لأنها تجادل عن قارئها عند سؤال الملكين ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الطور ، تعالج موضوع العقيدة في أصولها الكبرى ، وقد تناولت هذه السورة أهدافا رئيسية ثلاثة وهى : إثبات عظمة الله وقدرته على الإحياء والإماتة ، وإقامة الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين ، ثم بيان عاقبة المكذبين الجاحدين للبعث والنشور.

٢٩١

(طِباقاً) متشابهة هذا مطابق لهذا أي شبيه به أو بعضها فوق بعض وسبع أرضين بعضها فوق بعض بين كل سماء وأرض خلق وأمر. (تَفاوُتٍ) اختلاف أو عيب أو تفرق أو لا يفوت بعضه بعضا. (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) فانظر إلى السماء. (فُطُورٍ) شقوق أو خلل أو خروق أو وهن.

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) [الملك : ٤].

(كَرَّتَيْنِ) انظر إليها مرة بعد أخرى قيل أراد بالمرتين قلبا وبصرا.

(يَنْقَلِبْ) يرجع إليكم البصر خاسئا لأنه لا يرى فطورا فينفذ. (خاسِئاً) ذليلا أو منقطعا أو كليلا أو مبعدا خسأت الكلب أبعدته. (حَسِيرٌ) نادم أو كليل ضعيف عن إدراك مداه أو منقطع من الإعياء.

(إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ) [الملك : ٧].

(شَهِيقاً) سمعوه من أنفسهم أو شهيقا تشهق إليهم شهقة البغلة للشعير ثم تزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف والشهيق في الصدر أو الصياح أو الشهيق في الصدر وهو أول نهيق الحمار ، الزفير في الحلق والشهيق في الصدر لبعده منه جبل شاهق لبعده في الهواء. (تَفُورُ) تغلي.

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [الملك : ٨].

(تَمَيَّزُ) تنقطع أو تتفرق. (الْغَيْظِ) الغليان أو غضبا لله تعالى عليهم وانتقاما منهم ، النذير : الرسول والنبي أو النذير من الجن والرسل من الإنس.

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١١].

(فَسُحْقاً) فبعدا يعني جهنم أو اسم واد فيها.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [الملك : ١٢].

(بِالْغَيْبِ) الله تعالى وملائكته أو الجنة والنار أو القرآن أو الإسلام أو القلب أو إذا خلا فذكر ذنبه استغفر.

(لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) بالتوبة والاستغفار أو بخشية ربهم بالغيب أو حلو باجتناب الذنوب محل المغفور له. (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) الجنة.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك : ١٥].

٢٩٢

(ذَلُولاً) مذللة سهلة. (مَناكِبِها) جبالها أو أطرافها أو طرقها أو منابت أشجارها وزرعها. (رِزْقِهِ) الحلال أو مما أنبته لكم.

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) [الملك : ١٦].

(مَنْ فِي السَّماءِ) الله أو الملائكة. (تَمُورُ) تتحرك أو تدور أو تسيل ويجري بعضها في بعض.

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك : ٢٢].

(مُكِبًّا) مثل ضربه الله تعالى للمتقين ومعناه ليس الماشي مكبا لا ينظر بين يديه ولا يمينا ولا شمالا كمن يشمي معتدلا ناظرا بين يديه وعن يمينه وشماله فالمكب الكافر يهوي بكفره والذي يمشي سويا المؤمن يهتدي بإيمانه أو المكب أبو جهل والذي يمشي سويا عمار.

(صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) طريق واضح لا يضل سالكه أو حق مستقيم.

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الملك : ٢٤].

(ذَرَأَكُمْ) جعلكم فيها أو نشركم وفرقكم على ظهرها.

(تُحْشَرُونَ) تبعثون.

(فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) [الملك : ٢٧].

(زُلْفَةً) قريبا أو عيانا. (سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ظهرت عليها المساءة لما شاهدوه أو ظهر عليها سمة تدل على كفرهم (وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران : ١٠٦].

(تَدَّعُونَ) تمترون فيه وتختلفون أو تسألون في الدنيا وتزعمون أنه لا يكون أو تستعجلون بالعذاب أو دعاؤهم بذلك لأنفسهم افتعال من الدعاء يقول لهم ذلك خزنة جهنم.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) [الملك : ٣٠].

(غَوْراً) ذاهبا أو لا تناله الدلاء وكان ماؤهم من بئر زمزم وبئر ميمون. (مَعِينٍ) عذب أو ظاهر أو تمده العيون فلا ينقطع أو جاري.

٢٩٣

سورة القلم (١)

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ) [القلم : ١].

(ن) الحوت التي عليها الأرض أو الدواة مأثور أو حرف من حروف الرحمن ، أو لوح من نور أو اسم للسورة مأثور أو قسم أقسم الله به وله أن يقسم بما شاء أو حرف من حروف المعجم.

(وَالْقَلَمِ) الذي يكتب به الذكر على اللوح المحفوظ وهو نور طوله ما بين السماء والأرض أو القلم الذي يكتبون به لأنه نعمة عليهم ومنفعة لهم.

(يَسْطُرُونَ) يعملون أو يكتبون من الذكر أو الملائكة تكتب أعمال العباد.

(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) [القلم : ٢].

(بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) برحمته ويحتمل أن يكون فيما نفى عنه ما نسبوه إليه من الجنون وقال الكلبي : ما أنت بنعمة ربك بمخفق.

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) [القلم : ٣].

(مَمْنُونٍ) محسوب أو أجرا بغير عمل أو غير ممنون عليك من أذى أو غير منقطع.

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤].

(خُلُقٍ عَظِيمٍ) دين الإسلام أو آداب القرآن أو طبع كريم وكل ما أخذ المرء به نفسه من الآداب فهو خلق لأنه يصير كالخلقة فيه وما طبع عليه من الأدب فهو الخيم.

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) [القلم : ٥].

(فَسَتُبْصِرُ) فسترى ويرون يوم القيامة إذا تبين الحق من الباطل أو ستعلم ويعلمون يوم القيامة.

(بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [القلم : ٦].

(الْمَفْتُونُ) المجنون أو الضال أو الشيطان أو المعذب فتنت الذهب بالنار أحميته.

__________________

(١) سورة القلم سميت بهذا الاسم لأن الله سبحانه وتعالى أقسم فيها بأداة الكتابة وهى القلم ففضلت السورة بهذا الاسم تعظيما للقلم ، وسميت أيضا نون والقلم وسورة القلم ، وفي تفسير القرطبي أن معظم السورة نزلت في الوليد بن المغيرة وأبي جهل ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة العلق ، وقد تناولت السورة ثلاثة مواضيع أساسية هى : موضوع الرسالة ، والشبه التي أثارها كفار مكة حول دعوة محمد بن عبد الله ، قصة أصحاب الجنة البستان لبيان نتيجة الكفر بنعم الله تعالى ، والآخرة وأهوالها وشدائدها ، وما أعد الله للفريقين المسلمين والمجرمين ، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو موضوع إثبات نبوة محمد.

٢٩٤

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) [القلم : ٩].

(تُدْهِنُ) تكفر فيكفرون أو تضعف فيضعفون أو تلين فيلينون أو تكذب فيكذبون أو ترخص لهم فيرخصون أو تذهب عن هذا الأمر فيذهبون معك والمداهنة : مجاملة العدو ومما يلته أو النفاق وترك المناصحة ، المبرد : أدهن الرجل في دينه وداهن في أمره.

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم : ١٠].

(حَلَّافٍ مَهِينٍ) كذاب أو ضعيف القلب أو مكثار من الشر أو الذليل بالباطل الأخنس بن شريق أو الأسود بن عبد يغوث أو الوليد بن المغيرة عرض على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مالا وحلف أن يعطيه إن رجع عن دينه.

(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم : ١١].

(هَمَّازٍ) مغتاب أو الذي يلوي شدقيه وراء الناس أو يهمزهم بيده دون لسانه ويضربهم. (مَشَّاءٍ) ينقل الأحاديث من بعض الناس إلى بعض أو يسعى بالكذب. (بِنَمِيمٍ) جمع نميمة أو النميم والنميمة واحد.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ) [القلم : ١٢].

(لِلْخَيْرِ) لحقوق ماله أو يمنع الناس من الإسلام.

(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ) [القلم : ١٣].

(عُتُلٍّ) فاحش مأثور أو قوي في كفره أو الوفير الجسم أو الجافي الشديد الخصومة بالباطل أو الشديد الأشر أو الدعي أو يعتل الناس فيجرهم إلى حبس أو عذاب من العتل وهو الجر أو الفاحش اللئيم أو قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في العتل الزنيم : «إنه الشديد الخلق الرحيب الجوف المصح الأكول الشروب الواجد للطعام الظلوم للناس» (١).

(زَنِيمٍ) لئيم مأثور أو ظلوم أو فاجر أو ولد الزنا أو الدعي أو كان للوليد بن المغيرة زنمة كزنمة الشاة أسفل من أذنه وفيه نزلت أوفى الأخنس بن شريق فسمي زنيما لأنه حليف ملحق أو الذي يعرف بالأبنة أو علامة الكفر كقوله (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ.)

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ) [القلم : ١٤].

(ذا مالٍ) كان للوليد بن المغيرة حديقة بالطائف واثنا عشر ولدا.

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ) [القلم : ١٦].

(سَنَسِمُهُ) سمة سوداء على أنفه يوم القيامة يتميز بها أو يضرب في النار على أنفه أو

__________________

(١) أخرجه أحمد (٤ / ٢٢٧ رقم ١٨٠٢٢).

٢٩٥

وسمه بإشهار ذكره بالقبح أو ما يبتلى به في الدنيا في نفسه وولده وماله من سوء وذل وصغار. المبرد : الخرطوم من الناس الأنف ومن البهائم الشفة.

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) [القلم : ١٧].

(بَلَوْناهُمْ) أهل مكة بالجوع كرتين كما بلونا أصحاب الجنة حتى عادت رمادا أو قريش يوم بدر. قال أبو جهل خذوهم أخذا واربطوهم في الحبال ولا تقتلوا منهم أحدا فضرب بهم عند القدرة عليهم مثلا بأصحاب الجنة إذ أقسموا ليصر منها.

(الْجَنَّةِ) حديقة باليمن بينها وبين صنعاء اثنا عشر ميلا لقوم من الحبشة أو لشيخ من بني إسرائيل يمسك منها كفايته وكفاية أهله ويتصدق بالباقي فلامه بنوه فلم يطعهم فلما ورثوها عنه قالوا : نحن أحق بها من الفقراء لكثرة عيالنا فأقسموا : أي حلفوا.

(لَيَصْرِمُنَّها) ليقطعن ثمرها صباحا.

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) [القلم : ١٨].

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) حق المساكين أو قول سبحان الله أو إن شاء الله.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) [القلم : ١٩].

(طائِفٌ) أمر من ربك أو عذاب منه أو عنق من نار جهنم خرج من وادي جهنم.

(وَهُمْ نائِمُونَ) ليلا.

(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) [القلم : ٢٠].

(كَالصَّرِيمِ) الرماد الأسود أو الليل المظلم أو كالمصروم الذي لم يبق فيه ثمر.

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) [القلم : ٢١].

(فَتَنادَوْا) صاح بعضهم ببعض عند الصباح وكان حرثهم كرما.

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) [القلم : ٢٣].

(يَتَخافَتُونَ) يتكلمون أو يسرون كلامهم حتى لا يعلم بهم أحد أو يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يرونهم أو يتشاورون بينهم.

(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) [القلم : ٢٥].

(حَرْدٍ) غيظ أو جد أو منع أو قصد أو فقر أو حرص أو قدرة أو غضب أو القرية تسمى حردا.

(قادِرِينَ) على المساكين أو على جنتهم عند أنفسهم أو موافاتهم إلى الجنة في الوقت الذي قدروه.

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) [القلم : ٢٦].

٢٩٦

(لَضَالُّونَ) لما رأوا ما أصابها قالوا قد ضللنا الطريق أو أخطأنا مكان جنتنا.

(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [القلم : ٢٧].

(مَحْرُومُونَ) خير جنتنا.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) [القلم : ٢٨].

(أَوْسَطُهُمْ) أعدلهم أو خيرهم أو أعقلهم. (تُسَبِّحُونَ) تستثنون لما قلتم لنصر منّها مصبحين سماه تسبيحا لاشتماله على ذكر الله تعالى أو تذكروا نعمة الله عليكم فتؤدوا حقه من أموالكم.

(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) [القلم : ٣٩].

(بالِغَةٌ) أي مؤكدة بالله. (لَما تَحْكُمُونَ) أن يديم النعمة عليكم إلى يوم القيامة أو ألّا يعذبكم إلى يوم القيامة.

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [القلم : ٤٠].

(زَعِيمٌ) كفيل أو رسول.

(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [القلم : ٤٢].

(عَنْ ساقٍ) الآخرة أو غطاء أو كرب وشدة.

كشفت لهم عن ساقها

وبدا من الشر الصراح

أو إقبال الآخرة وإدبار الدنيا لأنه أول الشدائد وروي أن الله تعالى يكشف عن ساقه أي عظم أمره أو نوره وهذا اليوم يوم الموت والمعاينة أو يوم الكبر والهرم والعجز عن العمل أو يوم القيامة.

(وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) توبيخا لا تكليفا عند من رآه يوم القيامة ومن رآه من أيام الدنيا فالأمر بالسجود تكليف أو تنديم وتوبيخ للعجز عنه.

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [القلم : ٤٤].

(بِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن. (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) نأخذهم في غفلة أو نتبع السيئة السيئة وننسيهم التوبة أو أخذهم حيث درجوا ودبوا أو تدريجهم بإدنائهم من العذاب قليلا بعد قليل حتى يلاقيهم من حيث لا يعلمون لأنهم لو علموا وقت العذاب لارتكبوا المعاصي واثقين بإمهالهم أو يستدرجون بالإحسان والاستدراج النقل من حال إلى حال ومنه الدرجة لأنها منزلة بعد منزلة.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) [القلم : ٤٨].

(لِحُكْمِ رَبِّكَ) لقضائه أو نصره. (كَصاحِبِ الْحُوتِ) في عجلته نادى ب (لا إِلهَ إِلَّا

٢٩٧

أَنْتَ). الآية [الأنبياء : ٨٧].

(مَكْظُومٌ) مغموم أو مكروب ، الغم في القلب والكرب في الأنفاس أو محبوس ، كظم غيظه حبسه أو مأخوذ بكظمه وهو مجرى النفس.

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ) [القلم : ٤٩].

(نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) نبوته أو عبادته السالفة أو نداؤه ب (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ.) الآية [الأنبياء : ٨٧] أو إخراجه من بطن الحوت.

(بِالْعَراءِ) الأرض الفضاء وهي أرض باليمن أو عراء يوم القيامة وأرض المحشر.

(مَذْمُومٌ) مليم أو مذنب معناه أنه نبذ غير مذموم.

(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [القلم : ٥١].

(لَيُزْلِقُونَكَ) يصرعونك أو يرمقونك أو يرهقونك أو ينفذونك أو يمسونك بأبصارهم من شدة نظرهم إليك أو يصيبونك بالعين قالوا ما رأينا مثل حججه ونظروا إليه ليعينوه كان أحدهم إذا أراد العين يجوع ثلاثا ثم يقول : تالله ما رأيت أقوى ولا أشجع ولا أكثر منه مالا فيصيبه بعينه فيهلك.

(الذِّكْرَ) القرآن أو ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) [القلم : ٥٢].

(ذِكْرٌ) شرف أو يذكرهم وعد الجنة والنار.

(لِلْعالَمِينَ) الجن والإنس أو كل أمة من أمم الخلق ممن يعرف أو لا يعرف.

سورة الحاقة (١)

(الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١].

(الْحَاقَّةُ) ما حق من الوعد والوعيد بحلوله أو القيامة التي يستحق فيها الوعد والوعيد

__________________

(١) سورة الحاقة سميت بهذا الاسم لتضمن السورة أحوال يوم القيامة من سعادة وشقاء لبني الإنسان. اسم الحاقة في كل المصاحف قيل في كتاب بصائر التيسير أنها تسمى السلسلة وسماها الجعبري في منظومته الواعية ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الملك ، تناولت السورة أمور عديدة : كالحديث عن القيامة وأهوالها ، والساعة وشدائدها ، والحديث عن المكذبين وما جرى لهم ، مثل عاد وثمود وقوم لوط وفرعون وقوم نوح ، وغيرهم من الطغاة المفسدين في الأرض ، كما تناولت ذكر السعداء والأشقياء ، ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو إثبات صدق القرآن ، وأنه كلام الحكيم العليم ، وبراءة الرسول مما اتهمه به أهل الضلال.

٢٩٨

عن الجمهور أو لأنه حق على العاقل أن يخافها أو فيها حقائق الأمور.

(وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ٣].

كل ما في القرآن (وَما أَدْراكَ) فقد أعلمه به «وما يدريك» فهو مما لم يعلمه به.

(مَا الْحَاقَّةُ) تفخيما لقدرها وشأنها. (وَما أَدْراكَ) ما هذا الاسم لأنه لم يكن من كلام قومه أو (وَما أَدْراكَ) ما يكون في الحاقة.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) [الحاقة : ٤].

(بِالْقارِعَةِ) كل ما قرع بصوت كالصيحة أو بضرب كالعذاب ويجوز أن يكون في الدنيا ويجوز أن يكون في الآخرة. أو القارعة القيامة لأنها تقرع بهولها وشدائدها أو من القرعة في رفع قوم وحط آخرين قاله المبرد.

(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) [الحاقة : ٥].

(بِالطَّاغِيَةِ) الصيحة أو الصاعقة أو الذنوب أو بطغيانهم أو الطاغية : عاقر الناقة.

(وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [الحاقة : ٦].

(صَرْصَرٍ) بارد من الصر وهو البرد أو شديدة الصوت.

(عاتِيَةٍ) قاهرة أو متجاوزة لحدها أو لا تبقي ولا تذر عتت على خزانها بإذن ربها أو على عاد بلا رحمة ولا رأفة.

(سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ) [الحاقة : ٧].

(سَبْعَ لَيالٍ) أولها غداة الأحد أو الأربعاء أو الجمعة.

(حُسُوماً) متتابعات أو مشائيم أو حسمت الليالي والأيام حتى استوفتها بدأت طلوع الشمس وانقطعت مع غروبها آخر يوم أو حسمتهم فلم تبق منهم أحدا.

(خاوِيَةٍ) بالية أو خالية الأجواف أو ساقطة الأبدان خاوية الأصول شبهوا بها لأن أبدانهم خلت من أرواحهم كالنخل الخاوية أو لأن الريح قطعت رؤوسهم عن أجسادهم أو كانت تدخل من أفواههم فتخرج حشوتهم من أدبارهم فصاروا كالنخل الخاوية.

(وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ) [الحاقة : ٩].

(قَبْلَهُ) من معه و (قَبْلَهُ) من تقدمه.

(وَالْمُؤْتَفِكاتُ) الأمم الآفكة من الإفك وهو الكذب أو المقلوبات بالخسف قوم لوط أو قارون وقومه لأنه خسف بهم. (بِالْخاطِئَةِ) الذنوب والخطايا.

(فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠].

٢٩٩

(رَسُولَ رَبِّهِمْ) على ظاهره أو رسالة ربهم.

(رابِيَةً) شديدة أو مهلكة أو تربو بهم في العذاب أبدا أو مرتفعة أو رابية الشر أي زائدة.

(إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ) [الحاقة : ١١].

(طَغَى الْماءُ) على خزّانه غضبا لربه فلم يقدروا على منعه فزاد على كل شيء خمسة عشر ذراعا أو زاد وكثر أو ظهر. (حَمَلْناكُمْ) في ظهور آبائكم أو آباءكم. (الْجارِيَةِ) سفينة نوح.

(لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة : ١٢].

(لِنَجْعَلَها) سفينة نوح تذكرة وعظة لهذه الأمة حتى أدركها أوائلهم أو كانت ألواحها على الجودي.

(واعِيَةٌ) سامعة أو مؤمنة أو حافظة أو أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتابه ، وعيت الشيء حفظته في نفسك وأوعيته حفظته في غيرك.

(فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الحاقة : ١٥].

(الْواقِعَةُ) القيامة أو الصيحة أو ساعة فناء الخلق.

(وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) [الحاقة : ١٦].

(وَانْشَقَّتِ) عن المجرة أو فتحت أبوابا. (واهِيَةٌ) ضعيفة أو متخرقة وهى السقاء : انخرق ، وقال :

خل سبيل من وهى سقاؤه

ومن هريق بالفلاة ماؤه

أي من كان ضعيف العقل لا يحفظ نفسه.

(وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ) [الحاقة : ١٧].

(أَرْجائِها) أرجاء السماء أو الدنيا حافّاتها أو نواحيها أو أبوابها أو ما استدق منها.

(فَوْقَهُمْ) يحملونه فوق رؤوسهم أو حملة العرش فوق الملائكة الذين على أرجائها أو فوق أهل القيامة. (ثَمانِيَةٌ) أملاك أو ثمانية صفوف من الملائكة أو ثمانية أجزاء من تسعة وهم الكروبيون قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يحمله اليوم أربعة وهم يوم القيامة ثمانية».

(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) [الحاقة : ١٨].

«لا يخفى» المؤمن من الكافر ولا البر من الفاجر أو لا يستتر منكم عورة. حفاة عراة. أو ما كانوا يخفونه من أعمالهم.

٣٠٠