تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ) هو أقدر من خلقه فلو جاز عليه الولد لكان أحق بالبنين دون البنات منهم ، أو لا يعطي النبوة إلا لمن شاء لأنه ملك الدنيا والآخرة.

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [النجم : ٣٢].

(كَبائِرَ الْإِثْمِ) الشرك ، أو ما زجر عنه بالحد ، أو ما لا يكفر إلا بالتوبة ، أو ما قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تدعو لله ندا أو تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك وأن تزاني حليلة جارك ، أو كبائر الإثم ما لم يستغفر منه.

(وَالْفَواحِشَ) الربا ، أو جميع المعاصي.

(اللَّمَمَ) ما ألموا به في الجاهلية من إثم وفاحشة عفي عنه في الإسلام ، أو أن يلم بها ويفعلها ثم يتوب ، أو يعزم على المواقعة ثم يقلع عنها قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

إن تغفر اللهم تغفر جمّا

وأي عبد لك لا ألمّا

أو ما دون الوطء من القبلة والغمزة والنظرة والمضاجعة ، أو صغائر الذنوب ، أو ما لا حد عليه في الدنيا ولا عذاب في الآخرة ، أو النظرة الأولى فإن عاد فليس بلمم جعله ما لم يتكرر من الذنوب ، أو النكاح قيل : نزلت في نبهان التمار أتته امرأة تشتري تمرا فقال إن داخل الدكان ما هو خير من هذا فلما دخلت راودها عن نفسها فأبت وندم نبهان وأتى الرسول صلّى الله عليه سلم فقال : ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته إلا الجماع فقال : لعل زوجها غاز فنزلت.

(أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) آدم عليه الصلاة والسّلام. (فَلا تُزَكُّوا) لا تمادحوا ، أو لا تعملوا بالمعاصي وتقولون نعمل بالطاعة ، أو إذا عملت خيرا فلا تقل عملت كذا أو كذا.

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [النجم : ٣٣].

(الَّذِي تَوَلَّى) العاص بن وائل ، أو الوليد بن المغيرة كان يأتي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبا بكر رضي الله تعالى عنه فيسمع ما يقولان ثم يتولى عنهما ، أو النضر بن الحارث أعطى خمس قلائص لفقير من المهاجرين حين ارتد وضمن له أن يتحمل عنه إثم ارتداده.

(وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) [النجم : ٣٤].

(وَأَعْطى قَلِيلاً) من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع ، أو أطاع قليلا ثم عصى ، أو قليلا من ماله ثم منع ، أو بلسانه وأكدى بقلبه.

(وَأَكْدى) قطع ، أو منع.

٢٤١

(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) [النجم : ٣٥].

(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) أعلم الغيب فرأى أن الذي سمعه باطل ، أو نزل عليه القرآن فرأى ما صنعه حقا.

(وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) [النجم : ٣٧].

(وَفَّى) ما أمر به من الطاعة ، أو أبلغ ما حمله من الرسالة ، أو عمل يومه بأربع ركعات في أوله ، أو بقوله كلما أصبح وأمسى (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ.) الآية [الروم : ١٧] وكلاهما مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو ما أمر بأمر إلا أداه ولا نذر نذرا إلا وفاه ، أو ما امتحن به من ذبح ولده وإلقائه في النار وتكذيبه ، أو وفّى (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [النجم : ٣٨] لأن الرجل كان يؤخذ بجريرة أبيه وابنه فيما بين نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسّلام.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى) [النجم : ٤٣].

(أَضْحَكَ وَأَبْكى) قضى أسباب الضحك والبكاء ، أو سرّ وأحزن ، أو خلق قوتي الضحك والبكاء للإنسان فلا يضحك من الحيوان إلا القرد ولا يبكي إلا الإبل واجتمعا في الإنسان.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا) [النجم : ٤٤].

(أَماتَ) بالجدب. (وَأَحْيا) بالخصب ، أو أمات بالمعصية وأحيا بالطاعة ، أو أمات الآباء وأحيا الأبناء ، أو خلق الموت والحياة ، أو خلق أسبابهما.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) [النجم : ٤٨].

(أَغْنى) بالكفاية. (وَأَقْنى) بالزيادة ، أو أغنى بالمعيشة وأقنى بالمال أو أغنى بالمال وأقنى بأن جعل لهم القنية وهي أصول الأموال ، أو أغنى بأن موّل وأقنى بأن حرم ، أو أغنى نفسه وأفقر خلقه إليه ، أو أغنى من شاء وأفقر من شاء ، أو أغنى بالقناعة وأقنى بالرضا ، أو أغنى عن أن يخدم وأقنى عن أن يستخدم.

(وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) [النجم : ٤٩].

(رَبُّ الشِّعْرى) وهي كوكب يضيء وراء الجوزاء يسمى مرزم الجوزاء خصه بالذكر لأنهم عبدوه فأخبر أنه مربوب فلا يصلح للربوبية وكان يعبده حمير وخزاعة وقيل : أول من عبده أبو كبشة.

(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [النجم : ٥٠].

(عاداً الْأُولى) عاد بن إرم أهلكوا بريح صرصر وعاد الآخرة قوم هود ، أو عاد الأولى

٢٤٢

قوم هود والآخرة كانوا بحضرموت.

(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى) [النجم : ٥٣].

(وَالْمُؤْتَفِكَةَ) المنقلبة بالخسف وهي مدائن قوم لوط رفعها جبريل إلى السماء ثم قلبها.

(فَغَشَّاها ما غَشَّى) [النجم : ٥٤].

(فَغَشَّاها) جبريل حين قلبها ، أو الحجارة حتى أهلكها فغشاها : ألقاها ، أو غطاها.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) [النجم : ٥٥].

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) فبأي نعمة أيها المكذب تشك فيما أولاك أو فيما أكفاك.

(هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) [النجم : ٥٦].

(نَذِيرٌ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنذر بالحق الذي أنذر به الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام قبله ، أو القرآن نذير بما أنذرت به الكتب الأولى.

(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) [النجم : ٥٧].

(أَزِفَتِ) دنت وقربت القيامة سماها آزفة لقربها عنده.

(لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) [النجم : ٥٨].

(كاشِفَةٌ) من يؤخرها ، أو يقدمها ، أو من يعلم وقتها ويكشف عن مجيئها ، أو من يكشف ضررها.

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) [النجم : ٥٩].

(هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) من نزوله.

(وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ) [النجم : ٦٠].

(وَتَضْحَكُونَ) استهزاء.

(وَلا تَبْكُونَ) انزجارا ، أو تفرحون ولا تحزنون.

(وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) [النجم : ٦١].

(سامِدُونَ) شامخون كما يخطر البعير شامخا ، أو غافلون ، أو معرضون ، أو مستكبرون ، أو لاعبون لاهون ، أو تغنون بلغة حمير كانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا ، أو أن يجلسوا غير مصلين ولا منتظرين ، أو واقفون للصلاة قبل وقوف الإمام. وخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والناس ينتظرونه قياما فقال «ما لي أراكم سامدين» أو خامدون.

(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) [النجم : ٦٢].

(فَاسْجُدُوا) سجود الصلاة ، أو سجود التلاوة.

٢٤٣

سورة القمر (١)

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر : ١].

(اقْتَرَبَتِ) دنت سميت ساعة لقرب الأمر فيها ، أو لمجيئها في ساعة من يومها.

(وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) اتضح الأمر وظهر يضربون المثل بالقمر فيما وضع وظهر ، أو انشقاقه انشقاق الظلمة عنه بطلوعه في أثنائها كما سمي الصبح فلقا لانفلاق الظلمة عنه ، أو ينشق حقيقة بعد النفخة الثانية ، أو انشق على عهد رسول الله صلّى الله عليه سلم عند الجمهور ، قال ابن مسعود رضي الله عنه رأيت القمر منشقا شقتين مرتين بمكة قبل مخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء فقالوا سحر القمر.

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر : ٢].

(آيَةً) انشقاق القمر أو أي آية رأوها أعرضوا عنها.

(مُسْتَمِرٌّ) ذاهب ، أو شديد من إمرار الحبل وهو شدة فتله ، أو دائم ، أو استمر من الأرض إلى السماء أو يشبه بعضه بعضا.

(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) [القمر : ٣].

(مُسْتَقِرٌّ) يوم القيامة ، أو الخير لأهل الخير والشر لأهل الشر ، أو يستقر حقه من باطله ، أو لكل شيء غاية في حلوله ووقوعه.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [القمر : ٤].

(الْأَنْباءِ) القرآن ، أو أحاديث من سلف. (مُزْدَجَرٌ) مانع من المعصية.

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ) [القمر : ٥].

(حِكْمَةٌ) بالغة الكتاب والسنة.

(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) [القمر : ٨].

(مُهْطِعِينَ) مسرعين ، أو مقبلين ، أو عامدين ، أو ناظرين ، أو فاتحين آذانهم إلى الصوت ، أو قابضين ما بين أعينهم.

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) [القمر : ١١].

__________________

(١) سورة القمر سورة مكية ، نزلت بعد سورة الطارق ، وقد بدأت السورة بفعل ماضي ، وهذه السورة لم يذكر فيها لفظ الجلالة الله ، وقد عالجت السورة أصول العقيدة الإسلامية ، وهى من بدئها إلى نهايتها حملة عنيفة مفزعة على المكذبين بآيات القرآن ، وطابع السورة الخاص هو طابع التهديد والوعيد والإعذار والإنذار مع صور شتى من مشاهد العذاب والدمار.

٢٤٤

(مُنْهَمِرٍ) كثير ، أو منصب متدفق. (فَفَتَحْنا) رتاج السماء ، أو ووسعنا مسالكها ، أو المجرة وهي شرج السماء فتحت بماء منهمر قاله علي رضي الله تعالى عنه.

(وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) [القمر : ١٢].

(قُدِرَ) قضي عليهم إذا كفروا أن يغرقوا ، أو التقى ماء السماء وماء الأرض على مقدار لم يزد أحدهما على الآخر.

(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) [القمر : ١٣].

(وَدُسُرٍ) المعاريض التي تشد بها السفينة ، أو المسامير التي يدسر بها أي يشد ، أو صدر السفينة الذي يدسر به الموج أي يدفعه ، أو طرفها وأصلها.

(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [القمر : ١٤].

(بِأَعْيُنِنا) بمرأى منا ، أو بأمرنا ، أو بأعين ملائكتنا الموكلين بحفظها ، أو بأعيننا التي فجرناها من الأرض وقيل كانت تجري ما بين السماء والأرض.

(لِمَنْ كانَ كُفِرَ) لكفرهم بالله تعالى ، أو لتكذيبهم ، أو مكافأة لنوح عليه الصلاة والسّلام حين كفره قومه أن حمل على ذات ألواح.

(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٥].

(تَرَكْناها) الغرق ، أو السفينة حتى أدركها أوائل هذه الأمة. (مُدَّكِرٍ) متذكر ، أو طالب خير فيعان عليه ، أو مزدجر عن المعاصي.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ١٩].

(صَرْصَراً) باردة ، أو شديدة ، أو لهبوبها صرير كالصوت. (نَحْسٍ) عذاب وهلاك ، أو برد أو يوم الأربعاء. (مُسْتَمِرٍّ) ذاهب ، أو دائم.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ٢٢].

(يَسَّرْنَا) سهلنا تلاوته على أهل كل لسان ، أو سهلنا علم ما فيه واستنباط معانيه ، أو هونا حفظه فلا يحفظ من كتب الله سواه.

(فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) [القمر : ٢٤].

(وَسُعُرٍ) جنون ، أو عناء ، أو تيه ، أو افتراق ، أو جمع سعير وهو الوقود. استعظموا اتباعهم لواحد منهم كاستعظام النار كقول من ناله خطب عظيم : أنا في النار ، أو لما وعد بالنار على تكذيبه ، ردوا مثل ما قيل لهم فقالوا إن اتبعناه كنا إذا في النار.

(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) [القمر : ٢٥].

(أَشِرٌ) بطر ، أو عظيم الكذب ، أو متعد إلى منزلة لا يستحقها.

٢٤٥

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) [القمر : ٢٨].

(الْماءَ قِسْمَةٌ) لما نزل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحجر قال : «أيها الناس لا تسئلوا الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث الله تعالى لهم آية فبعث لهم ناقة فكانت ترد من ذلك الفج فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون منها مثل الذي كانوا يشربون يوم غبها» فهذا معنى قوله (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ.)

(مُحْتَضَرٌ) تحضر الناقة الماء يوم وردها وتغيب يوم وردهم ، أو تحضر ثمود الماء يوم غبها فيشربون ويحضرون اللبن يوم وردها فيحتلبون.

(فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ) [القمر : ٢٩].

(صاحِبَهُمْ) أحمر ثمود وشقيّها ، أو قدار بن سالف. (فَتَعاطى) بطش بيده ، أو تناولها وأخذها. (فَعَقَرَ) كمن في أصل شجرة بطريقها فرماها بسهم انتظم به أصل ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها فخرت ورغت رغاءة واحدة تحدّر سقبها ثم نحرت وانطلق سقبها إلى صخرة في رأس جبل فرغى ثم نادى بها فأتاهم صالح فلما رآها عقرت بكى وقال : انتهكتم حرمة الله تعالى فأبشروا بعذاب الله عزوجل ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان عاقرها أشقر أزرق أحمر أكشف أقفى.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [القمر : ٣١].

(كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) العظام المحترقة ، أو التراب يتناثر من الحائط فتصيبه الريح فيتحظر مستديرا ، أو الحضار البالية من الخشب إذا صارت هشيما ، أو حشيش حضرته الغنم فأكلته ، أو يابس الشجر الذي فيه شوك والمحتضر الذي تحتضر به العرب حول مواشيها من السباع.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [القمر : ٣٤].

(حاصِباً) الحجارة التي رموا بها والحصباء : صغار الأحجار ، أو السحاب الذي حصبهم ، أو الملائكة الذين حصبوهم ، أو الريح التي حملت عليهم الحصباء ، أو الحاصب الرمي بالأحجار ، أو غيرها.

(بِسَحَرٍ) السحر : ما بين آخر الليل وطلوع الفجر وهو اختلاط سواد آخر الليل ببياض أول النهار لأن في هذا الوقت مخاييل الليل ومخاييل النهار.

(وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ) [القمر : ٣٧].

(فَطَمَسْنا) أخفيناهم فلم يروهم مع بقاء أعينهم ، أو ذهب أعينهم ، الطمس : محو

٢٤٦

الأثر ، ومنه طمس الكتاب.

(فَذُوقُوا) وعيد بالعذاب الأدنى ، أو تقريع بما أصابهم في الحال من العمى.

(وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) [القمر : ٣٨].

(مُسْتَقِرٌّ) إلى الموت ، أو دائم إلى نار جهنم.

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) [القمر : ٤٣].

(أَكُفَّارُكُمْ) ليس كفاركم خيرا ممن أهلك من القرون.

(بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ) الكتب السالفة أنكم لا تهلكون.

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤].

(مُنْتَصِرٌ) لآلهتهم بالعبادة ، أو لأنفسهم بالظهور.

(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [القمر : ٤٥].

(سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) يوم بدر.

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ) [القمر : ٤٦].

(أَدْهى) أعظم. (وَأَمَرُّ) أشد مرارة أو أنفذ من نفوذ المرارة فيما خالطته.

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [القمر : ٤٩].

(بِقَدَرٍ) على قدر ما أردنا من غير زيادة ولا نقصان ، أو بحكم سابق وقضاء محتوم.

(وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠].

(كَلَمْحٍ) إذا أردنا شيئا أمرنا به مرة واحدة من غير مثنوية فيكون ذلك الشيء مع أمرنا كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء ولا تأخير.

(وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) [القمر : ٥٣].

(مُسْتَطَرٌ) مكتوب ، أو محفوظ.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) [القمر : ٥٤].

(وَنَهَرٍ) أنهار الماء والخمر واللبن والعسل ، أو النهر الضياء والنور ، أو سعة العيش ومنه اشتق نهر الماء.

(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٥٥].

(مَقْعَدِ صِدْقٍ) حق لا لغو فيه ولا تأثيم ، أو صدق الله تعالى وعده لأوليائه فيه.

٢٤٧

سورة الرحمن (١)

(الرَّحْمنُ) [الرحمن : ١].

(الرَّحْمنُ) اسم ممنوع لا يستطيع الناس أن ينتحلوه ، أو جمع من فواتح ثلاث سور الر وحم ون وقاله سعيد بن جبير وعامر.

(عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن : ٢].

(عَلَّمَ الْقُرْآنَ) لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأداه إلى جميع الخلق ، أو سهل تعلمه على جميع الناس.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) [الرحمن : ٣].

(الْإِنْسانَ) جنس عند الأكثر ، أو آدم عليه الصلاة والسّلام.

(عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [الرحمن : ٤].

(الْبَيانَ) تفضيلا على جميع الحيوان الحلال والحرام ، أو الخير والشر ، أو المنطق والكلام ، أو الخط أو الهداية ، أو العقل لأن بيان اللسان مترجم عنه.

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [الرحمن : ٥].

(بِحُسْبانٍ) بحساب ، والحسبان : مصدر الحساب ، أو جمعه أو حسبانهما : أجلهما إذا انقضى قامت القيامة ، أو تقديرهما الزمان لامتياز النهار بالشمس والليل بالقمر ولو استمر أحدهما لكان الزمان ليلا أو نهارا ، أو يجريان بقدر ، أو يدوران في مثل قطب الرحا.

(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [الرحمن : ٦].

(وَالنَّجْمُ) جنس لنجوم السماء ، أو النبات الذي نجم في الأرض وانبسط فيها وليس له ساق.

(وَالشَّجَرُ) ما كان على ساق.

(يَسْجُدانِ) سجود ظلهما ، أو ظهور قدرته فيهما توجب السجود له ، أو دوران الظل معهما (يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ) [النحل : ٤٨] ، أو استقبالهما الشمس إذا أشرقت ثم يميلان إذا انكسر الفيء ، أو سجود النجم أفوله وسجود الشجر إمكان اجتناء ثماره.

(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ) [الرحمن : ٧].

__________________

(١) سورة الرحمن سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الرعد ، بدأت السورة باسم من أسماء الله الحسنى الرحمن ، ولم يذكر لفظ الجلالة في السورة ، وتعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية ، وهي كالعروس بين سائر السور الكريمة ، ولهذا ورد في الحديث الشريف : لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن.

٢٤٨

(الْمِيزانَ) ذو اللسان ، أو الحكم ، أو العدل.

(أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ) [الرحمن : ٨].

(أَلَّا تَطْغَوْا) في العدل بالجور ، أو في ذي اللسان بالبخس ، أو بالتحريف في الحكم.

(وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) [الرحمن : ٩].

(بِالْقِسْطِ) العدل بالرومية. (وَلا تُخْسِرُوا) لا تنقصوه بالجور ، أو البخس ، أو التحريف ، أو ميزان حسناتكم.

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ) [الرحمن : ١٠].

(وَضَعَها) بسطها ووطأها. (لِلْأَنامِ) الناس ، أو الإنس والجن ، أو كل ذي روح لأنه ينام.

(فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) [الرحمن : ١١].

(الْأَكْمامِ) ليفها الذي في أعناقها ، أو رقبة النخلة التي يتكمم فيه طلعها ، أو كمام الثمرة ، أو ذوات فصول عن كل شيء.

(وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ) [الرحمن : ١٢].

(الْعَصْفِ) من الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح ، أو الزرع المصفر اليابس ، أو الحب المأكول منه كقوله (كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥].

(وَالرَّيْحانُ) الرزق وقالوا : خرجنا نطلب ريحان الله سبحانك وريحانك أي رزقك ، أو الزرع الأخضر الذي لم يسنبل ، أو الريحان المشموم ، أو الريحان الحب الذي لا يؤكل والعصف الحب المأكول ، أو الريحان الحب المأكول والعصف الورق الذي لا يؤكل.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [الرحمن : ١٣].

(آلاءِ) الآلاء : النعم ، أو القدرة قاله ابن زيد والكلبي.

(تُكَذِّبانِ) للثقلين اتفاقا وكررها تقريرا لهم بما عدده عليهم في هذه السورة من النعم ، يقررهم عند كل نعمة منها كقول القائل : أما أحسنت إليك أعطيتك مالا أما أحسنت إليك بنيت لك دارا أما أحسنت إليك ومثله قول مهلهل بن ربيعة

على أن ليس عدلا من كليب

إذا طرد اليتيم عن الجزور

على أن ليس عدلا من كليب

إذا ماضيم جيران المجير

على أن ليس عدلا من كليب

إذا خرجت مخبأة الخدور

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ) [الرحمن : ١٤].

٢٤٩

(صَلْصالٍ) طين مختلطة برمل ، أو طين إذا عصرته بيدك خرج الماء من بين أصابعك ، أو طين يابس يسمع له صلصلة ، أو أجوف إذا ضرب صل : أي سمع له صوت ، أو طين منتن من صل اللحم إذا أنتن يريد آدم تركه طينا لازبا أربعين سنة ثم صلصله كالفخار أربعين ثم صورة جسدا لا روح فيه أربعين فذلك مائة وعشرون سنة كل ذلك تمر به الملائكة فتقول سبحان الذي خلقك لأمر ما خلقك.

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ) [الرحمن : ١٥].

(الْجَانَّ) ، أبو الجن ، أو إبليس.

(مارِجٍ) لهب النار ، أو خلطها ، أو الأخضر والأصفر اللذان يعلوانها ويكونان بينها وبين الدخان ، أو النار المرسلة التي لا تمتنع ، أو النار المضطربة التي تذهب وتجيء ، سمي مارجا : لاضطرابه وسرعة حركته.

(مِنْ نارٍ) الظاهرة التي بين الخلق عند الأكثر ، أو نار تكون بين الجبال دون السماء كالكلة الرقيقة ، أو نار دون الحجاب منها هذه الصواعق ويرى خلف السماء منها.

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [الرحمن : ١٧].

(الْمَشْرِقَيْنِ) مشرقي الشمس في الشتاء والصيف ومغربيها فيهما ، أو مشرقي الشمس والقمر ومغربيهما ، أو مشرقي الفجر والشمس ومغربي الشمس والشفق.

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ) [الرحمن : ١٩].

(الْبَحْرَيْنِ) بحر السماء وبحر الأرض ، أو بحر فارس والروم ، أو البحر الملح والأنهار العذبة ، أو بحر المشرق والمغرب يلتقي طرفاهما ، أو بحر اللؤلؤ وبحر المرجان ، ومرجهما طريقهما ، أو إرسالهما ، أو استواؤهما ، أصل المرج : الإهمال كما تمرج الدابة في المرج.

(بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ) [الرحمن : ٢٠].

(بَرْزَخٌ) حاجز ، أو عرض الأرض ، أو ما بين السماء والأرض ، أو الجزيرة التي نحن عليها وهي جزيرة العرب.

(لا يَبْغِيانِ) لا يختلطان فيسيل أحدهما على الآخر ، أو لا يغلب أحدهما الآخر ، أو لا يبغيان أن يلتقيان.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [الرحمن : ٢٢].

(وَالْمَرْجانُ) كبار اللؤلؤ ، أو صغاره ، أو الخرز الأحمر كالقضبان قاله ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، أو الجوهر المختلط من مرجت الشيء خلطته.

(مِنْهُمَا) من أحدهما ، أو من كليهما لأن ماء بحر السماء إذا وقع في صدف البحر انعقد

٢٥٠

لؤلؤا فصار خارجا منهما ، وقيل : لا يخرج اللؤلؤ إلا من موضع يلتقي فيه العذب والملح فيكون العذب كاللقاح للملح فلذلك نسب إليهما كما نسب الولد إلى الذكر والأنثى.

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [الرحمن : ٢٤].

«الجواري» السفن واحدتها جارية لجريها في الماء والشابة جارية لجريان ماء الشباب فيها.

(الْمُنْشَآتُ) المخلوقات من الإنشاء ، أو المحملات ، أو المرسلات ، أو المجريات ، أو ما رفع قلعه فهو منشأة وما لا فلا وبكسر الشين البادئات ، أو التي تنشىء لجريها كالأعلام في البحر.

(كَالْأَعْلامِ) القصور ، أو الجبال سميت بذلك لارتفاعها كارتفاع الأعلام.

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن : ٢٩].

(يَسْئَلُهُ) من في الأرض الرزق والمغفرة أو النجاة عند البلوى ، ويسأله من في السماء الرزق لأهل الأرض أو القوة على العبادة ، أو الرحمة لأنفسهم ، أو المغفرة لأنفسهم.

(كُلَّ يَوْمٍ) الدنيا يوم والآخرة يوم ، فشأنه في الدنيا الابتلاء والاختبار بالأمر والنهي والإحياء والإماتة والإعطاء والمنع ، وشأنه في يوم الآخرة الجزاء والحساب والثواب والعقاب فالدهر كله يومان ، أو أراد كل يوم من أيام الدنيا فشأنه بعثه الرسل بالشرائع فعبر عن اليوم بالمدة ، أو ما يحدثه في خلقه من تنقل الأحوال فعبّر عن الوقت باليوم قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

«من شأنه أن يغفر ذنبا ويفرج كربا ويرفع قوما ويضع آخرين» وأكثروا من ذكر عطائه ومنعه وغفرانه ومؤاخذته وتيسيره وتعسيره.

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [الرحمن : ٣١].

(سَنَفْرُغُ) سنتوفر عليكم على وجه التهديد ، أو سنقصد إلى حسابكم ، أو جزائكم توعدا ، فالله تعالى لا يشغله شأن عن شأن.

(الثَّقَلانِ) الإنس والجن لأنهم ثقل على وجه الأرض.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) [الرحمن : ٣٣].

(تَنْفُذُوا) تعلموا ما في السماوات والأرض فاعلموا ، أو تخرجوا من جوانبها فرارا من الموت فاخرجوا.

(بِسُلْطانٍ) بحجة وهي الإيمان ، أو بملك وليس لكم ملك ، أو لا تنفذون إلا في سلطانه وملكه لأنه مالكهما وما بينهما.

٢٥١

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ) [الرحمن : ٣٥].

(شُواظٌ) لهب النار ، أو قطعة من النار فيها خضرة ، أو الدخان ، أو طائفة من العذاب.

(وَنُحاسٌ) صفر مذاب على رؤوسهم ، أو دخان النار ، أو نحس لأعمالهم ، أو القتل.

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ) [الرحمن : ٣٧].

(وَرْدَةً) وردة النبات الحمراء مثل لون السماء أحمر إلا أنها ترى زرقاء لكثرة الحوائل وبعد المسافة كعروق البدن حمرة لحمرة الدم وترى زرقاء للحوائل ، فإذا زالت الحواجز ، وقربت يوم القيامة من الأبصار يرى لونها الأصلي الأحمر ، أو أراد بالوردة الفرس الورد يحمر في الشتاء ويصفر في الربيع ويغبر في شدة البرد شبها لاختلاف ألوانها يوم القيامة به لاختلاف ألوانه.

(كَالدِّهانِ) خالصة ، أو صافية أو ذوات ألوان ، أو أصفر كلون الدهن ، أو الدهان الأديم الأحمر.

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٣٩].

(لا يُسْئَلُ) استفهاما هل عملت بل توبيخا لم عملت ، أو لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم رفعوا أعمالهم في الدنيا ، أو لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله لشغل كل واحد بنفسه ، أو لأنهم معروفون بسواد الوجوه وبياضها فلا يسأل عنهم أو كانت مسألة ثم ختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم.

(يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤].

(بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ) مرة بين الحميم ومرة بين الجحيم. (آنٍ) انتهى حره ، أو حاضر ، أو آن شربه وبلغ غايته.

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) [الرحمن : ٤٦].

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) بعد أداء الفرائض ، أو الذي يذنب فيذكر مقام ربه فيدعه ، أو نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة حين ذكرت الجنة والنار يوما ، أو شرب لبنا على ظمأ فأعجبه فسأل عنه فأخبر أنه من غير حل فاستقاءه والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ينظر إليه فقال : «رحمك الله لقد أنزلت فيك آية» وتلا هذه الآية.

(مَقامَ رَبِّهِ) وقوفه بين يديه للغرض والحساب ، أو قيام الله تعالى على نفس بما كسبت.

(جَنَّتانِ) أحدهما للإنس والأخرى للجان ، أو جنة عدن وجنة النعيم ، أو بستانان من بساتين الجنة ، أو إحداهما منزله والأخرى منزل أزواجه وخدمه كعادة رؤساء الدنيا.

(ذَواتا أَفْنانٍ) [الرحمن : ٤٨].

٢٥٢

(أَفْنانٍ) ألوان ، أو أنواع من الفاكهة أو أفناء واسعة أو أغصان واحدها فنن.

(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ) [الرحمن : ٥٤].

(بَطائِنُها) ظواهرها والعرب يجعلون البطن ظهرا فيقولون هذا بطن السماء وظهر السماء ، أو نبه بذكر البطانة على شرف الظهارة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : إنما وصف لكم بطائنها لتهتدي إليه قلوبكم فأما الظواهر فلا يعلمها إلا الله تعالى ، وجناهما : ثمرهما.

(دانٍ) لا يبعد على قائم ولا قاعد أو لا يرد أيديهم عنه بعد ولا شوك.

(فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ) [الرحمن : ٥٦].

(فِيهِنَّ) في الفرش المذكورة.

(قاصِراتُ) قصرن طرفهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم ولا يبغين بهم بدلا.

(يَطْمِثْهُنَّ) يمسهن أو يذللهن ، والطمث : التذليل ، أو يدمهن بالنكاح والحيض طمث من ذلك.

(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) [الرحمن : ٦٠].

(الْإِحْسانِ) هل جزاء الطاعة إلا الثواب أو إحسان الدنيا إلا الإحسان في الآخرة ، أو هل جزاء من شهد أن لا إله إلا الله إلا الجنة ، أو جزاء التوبة إلا المغفرة.

(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ) [الرحمن : ٦٢].

(دُونِهِما) أقرب منهما ، أو دون صفتهما.

(جَنَّتانِ) الأربع لمن خاف مقام ربه ، أو الأوليان من ذهب للمقربين والأخريان من ورق لأصحاب اليمين ، أو الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين ، أو الأوليان جنة عدن وجنة النعيم والأخريان جنة الفردوس وجنة المأوى.

(مُدْهامَّتانِ) [الرحمن : ٦٤].

(مُدْهامَّتانِ) خضروان ، أو مسودتان من الدهمة وهي السواد ، أو مرتويتان ناعمتان.

(فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) [الرحمن : ٦٦].

(نَضَّاخَتانِ) ممتلئتان لا تنقطعان ، أو جاريتان ، أو فوارتان ، والجري أكثر من النضخ تنضخان بالماء ، أو بالمسك والعنبر ، أو بالخير والبركة ، أو بأنواع الفاكهة فهي في الجنان الأربع.

(فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ) [الرحمن : ٧٠].

(خَيْراتٌ) الخير والنعيم : المستحسن ، أو خيرات الفواكه والثمار.

٢٥٣

(حِسانٌ) في الألوان والمناظر وخيّرات مختارات ، أو ذوات الخير وهن الحور المنشآت في الجنة ، أو الفاضلات من أهل الدنيا سمين به لأنهن خيرات الأخلاق حسان الوجوه ، أو عذارى أبكار ، أو مختارات ، أو صالحات.

(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) [الرحمن : ٧٢].

(مَقْصُوراتٌ) محبوسات في الحجال لسن بالطوافات في الطرق ، أو مخدرات مصونات لا متطلعات ولا صياحات ، أو مسكنات في القصور وقصرن بطرفهن على أزواجهن فلا يبغين بهم بدلا.

(الْخِيامِ) البيوت ، أو خيام تضرب خارج الجنة فرجة كهيئة البداوة قاله ابن جبير ، أو خيام في الجنة تضاف إلى القصور قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «هي خيم الدر المجوف» قال الكلبي فهن محبوسات لأزواجهن في خيام الدر المجوف.

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) [الرحمن : ٧٦].

(رَفْرَفٍ) المجلس المطبق ببسطه ، أو فضل الفرش والبسط ، أو الوسائد ، أو الفرش المرتفعة مأخوذ من الرف ، أو المجالس يتكئون على فضولها ، أو رياض الجنة.

(وَعَبْقَرِيٍّ) طنافس مخملية ، أو الديباج ، أو ثياب في الجنة لا يعرفها أحد ، أو كثياب في الدنيا تنسب إلى عبقر وهي أرض كثيرة الجن ، أو كثيرة الرمل ، والعبقري : السيد ينسب إلى أرفع الثياب لاختصاصه بها.

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٧٨].

(تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) ثبت ودام ، أو ذكر اسمه يمن وبركة ترغيبا في الإكثار منه.

(ذِي الْجَلالِ) الجليل ، أو المستحق للإجلال والإعظام.

(وَالْإِكْرامِ) الكريم ، أو المكرم لمن أطاعه.

سورة الواقعة (١)

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [الواقعة : ١].

__________________

(١) سورة الواقعة سورة مكية ، نزلت بعد سورة طه ، بدأت السورة بأسلوب شرط إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ ، لم يذكر في السورة لفظ الجلالة ، والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة ، تشتمل هذه السورة الكريمة على أحوال يوم القيامة ، وما يكون بين يدي الساعة من أهوال وانقسام الناس إلى ثلاث طوائف (أصحاب اليمين ، أصحاب الشمال ، السابقون).

عن ابن مسعود سمعت رسول الله يقول : من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا.

٢٥٤

(الْواقِعَةُ) الصيحة أو الساعة وقعت بحق فلم تكذب ، أو القيامة ، سميت به لكثرة ما وقع فيها من الشدائد.

(لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ) [الواقعة : ٢].

(كاذِبَةٌ) ليس لها رد ، أو لا رجعة فيها ولا مثنوية ، أو إذ ليس لها مكذب من مؤمن وكافر ، أو ليس الخبر عن وقوعها كذبا.

(خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [الواقعة : ٣].

(خافِضَةٌ) أعداء الله تعالى في النار. (رافِعَةٌ) أولياءه في الجنة ، أو خفضت رجالا كانوا مرتفعين في الدنيا ورفعت رجالا كانوا مخفوضين ، أو خفضت فأسمعت الأدنى ورفعت فأسمعت الأقصى.

(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) [الواقعة : ٤].

(رُجَّتِ) رجفت وزلزت ، أو ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه.

(وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا) [الواقعة : ٥].

(وَبُسَّتِ) سالت ، أو هدت ، أو سيرت ، أو قطعت ، أو بست كما يبس السويق أي يلت.

(فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٦].

(هَباءً) رهج الغبار يسطع ثم يذهب ، أو شعاع الشمس يدخل من الكوة ، أو ما يطير من النار إذا اضطرمت فإذا وقع لم يكن شيئا ، أو ما يبس من ورق الشجر تذروه الرياح.

(مُنْبَثًّا) متفرقا ، أو منتشرا ، أو منثورا.

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً) [الواقعة : ٧].

(أَزْواجاً) أصنافا وفرقا.

(ثَلاثَةً) اثنان في الجنة وواحدة في النار قاله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما هم المذكورون في قوله (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) [فاطر : ٣٢] ، أو المذكورون في هذه الآية.

(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) [الواقعة : ٨ ـ ٩].

(فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) الذي أخذوا من شق آدم الأيمن يومئذ.

(وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) الذين أخذوا من شقة الأيسر يومئذ ، أو من أوتي كتابه بيمينه ومن أوتيه بشماله ، أو أهل الحسنات وأهل السيئات ، أو الميامين على أنفسهم والمشائيم

٢٥٥

عليها ، أو أهل الجنة وأهل النار.

(ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) تكثير لثوابهم. (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) تكثير لعقابهم.

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة : ١٠].

(وَالسَّابِقُونَ) إلى الإيمان من كل أمة أو الأنبياء ، أو الذين صلوا إلى القبلتين ، أو أول الناس رواحا إلى المسجد وأسرعهم إلى الجهاد ، أو أربعة سابق أمة موسى مؤمن آل فرعون وسابق أمة عيسى حبيب النجار صاحب أنطاكية وأبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما سابقا هذه الأمة.

(السَّابِقُونَ) بالإيمان هم السابقون إلى الجنان.

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ) [الواقعة : ١٣].

(ثُلَّةٌ) جماعة ، أو شطر ، أو بقية. (الْأَوَّلِينَ) أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو قوم نوح.

(وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة : ١٤].

(الْآخِرِينَ) أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا.

(عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ) [الواقعة : ١٥].

(مَوْضُونَةٍ) موصولة بالذهب ، أو مشبكة بالدر منسوجة بالذهب التوضين : التشبيك والنسج ، أو مسند بعضها إلى بعض ، أو مضفورة وضين الناقة بطانها العريض المضفور من السيور.

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [الواقعة : ١٧].

(مُخَلَّدُونَ) باقون على صغرهم لا يتغيرون ، أو محلون بالأسورة والأقراط ، أو باقون معهم لا يتغيرون عليهم ولا ينصرفون عنه بخلاف الدنيا.

(بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [الواقعة : ١٨].

(بِأَكْوابٍ) الأكواب : ما لا عروة له ، والأباريق : ما لها عرى ، أو الأكواب : مدورة الأفواه ، والأباريق : لها أعناق ، أو الأكواب أصغر من الأباريق.

(مَعِينٍ) خمر جار ، والمعين : الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين وهو ألذ الخمر.

(لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ) [الواقعة : ١٩].

(يُصَدَّعُونَ) يمنعون منها ، أو يتفرقون ، أو يأخذهم صداع في رؤوسهم. (يُنْزِفُونَ) ، يملون ، أو يتقيئون ، أو لا تنزف عقولهم فيسكرون. (يُنْزِفُونَ) يفنى خمرهم وفي خمر الدنيا السكر والصداع والقيء والبول فنزهت خمر الجنة عن ذلك كله.

(وَحُورٌ عِينٌ) [الواقعة : ٢٢].

٢٥٦

(وَحُورٌ) بيض. (عِينٌ) الكبار الأعين ، أو سواد أعينهن حالك وبياض أعينهم نقي.

(كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [الواقعة : ٢٣].

(كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ) في نضارتهن وصفاء ألوانهن ، أو في تشابه أجسادهن في الحسن من جميع الجوانب.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً) [الواقعة : ٢٥].

(لا يَسْمَعُونَ) في الجنة باطلا ولا كذبا ، أو لا يتخالفون عليها كما في الدنيا ولا يأثمون بشربها كما في الدنيا ، أو لا يسمعون شتما ولا مأثما.

(إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً) [الواقعة : ٢٦].

(سَلاماً) لكن يسمعون قولا سارا وكلاما حسنا ، أو يتداعون بالسلام على حسن الآداب وكرم الأخلاق ، أو قولا يؤدي إلى السلامة.

(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٢٧].

(وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) دون منزلة المقربين ، أو أصحاب الحق ، أو من كتابه بيمنيه ، أو التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم ، أو الذين أخرجوا من صفحة ظهر آدم اليمنى ، أو الذين خلطوا عملا صالحا وسيئا ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [الواقعة : ٢٨].

«السدر» : النبق. (مَخْضُودٍ) لين لا شوك فيه ، خضدت الشجرة حذفت شوكها ، أو لا عجم لنبقه ، أو المدلى الأغصان.

(وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ) [الواقعة : ٢٩].

(وَطَلْحٍ) الموز ، أو شجرة تكون باليمن والحجاز تسمى طلحة ، أو الطلع قاله علي رضي الله تعالى عنه. (مَنْضُودٍ) مصفوف ، أو متراكم.

(وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) [الواقعة : ٣٠].

(مَمْدُودٍ) دائم.

(وَماءٍ مَسْكُوبٍ) [الواقعة : ٣١].

(مَسْكُوبٍ) منصب في غير أخدود ، قال الضحاك : من جنة عدن إلى أهل الجنان.

(وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٤].

(وَفُرُشٍ) زوجات والمرأة تسمى فرشا ومنه الولد للفراش ، أو الفرش الحقيقة مرفوعة بكثر حشوها.

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً) [الواقعة : ٣٥].

٢٥٧

(أَنْشَأْناهُنَّ) نساء أهل الدنيا أنشأهن من القبور ، أو أعادهن بعد المشط والكبر صغارا أبكارا.

(فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً) [الواقعة : ٣٦].

(أَبْكاراً) عذارى بعد أن لم يكنّ كذلك ، أو لا يأتيها إلا وجدها بكرا.

(عُرُباً أَتْراباً) [الواقعة : ٣٧].

(عُرُباً) متحببات إلى أزواجهن منحبسات عليهم ، أو متحابيات بخلاف الضرائر ، أو الشّكلة بلغة مكة والمغنوجة بلغة أهل المدينة ، أو حسان الكلام ، أو العاشقة لزوجها ، أو الحسنة التبعل ، أو كلامهن عربي.

(أَتْراباً) أقرانا قيل على سن ثلاث وثلاثين سنة ، أو أمثالا وأشكالا ، أو أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد.

(وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) [الواقعة : ٤٣].

(يَحْمُومٍ) دخان ، أو نار سوداء.

(لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٤٤].

(لا بارِدٍ) المخرج. (وَلا كَرِيمٍ) المخرج ، أو لا كرامة لأهله فيه.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ) [الواقعة : ٤٥].

(مُتْرَفِينَ) منعمين ، أو مشركين.

(وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٤٦].

(الْحِنْثِ) الشرك ، أو الذنب العظيم لا يتوبون منه ، أو اليمين الغموس.

(فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [الواقعة : ٥٥].

(الْهِيمِ) الأرض الرملة التي لا تروى بالماء وهي هيام الأرض ، أو الإبل الهيم ، والهيام : داء يأخذ الإبل فيعطشها فلا تزال تشرب الماء حتى تموت ، أو الإبل الهائمة في الأرض الضالة لا تجد ماء فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شربا ، أو شرب الهيم أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس فيه ثلاث نفسات.

(أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ) [الواقعة : ٥٨].

(تُمْنُونَ) منى يمني وأمنى يمني واحد سمي بذلك لإمنائه وهي إراقته ، أو لأنه مقدار لتصوير الخلقة كالمنا الذي يوزن به.

(نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) [الواقعة : ٦٠].

(قَدَّرْنا) قضينا به للفناء والجزاء ، أو ليخلف الأبناء الآباء ، أو كتبنا مقداره فلا يزيد

٢٥٨

ولا ينقص ، أو وقته فلا يتقدم ولا يتأخر ، أو سوينا فيه بين المطيع والعاصي ، أو بين أهل السماء والأرض.

(بِمَسْبُوقِينَ) على تقديرنا موتكم حتى لا تموتوا ، أو على أن تزيدوا في قدره ، أو تؤخروا في وقته ، أو (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) على تبديل أمثالكم معناه لما لم نسبق إلى خلق غيركم لم نعجز عن إعادتكم ، أو لما لم نعجز عن تغير أحوالكم بعد خلقكم لم نعجز عن تغييرها بعد موتكم.

(لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ) [الواقعة : ٦٥].

(تَفَكَّهُونَ) تحزنون ، أو تلاومون ، أو تعجبون ، أو تندمون بلغة عكل وتميم.

(إِنَّا لَمُغْرَمُونَ) [الواقعة : ٦٦].

(لَمُغْرَمُونَ) معذبون ، أو مولع بنا ، أو مردودون عن حظنا.

(أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ) [الواقعة : ٧١].

(تُورُونَ) تستخرجون بالزند.

(نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ) [الواقعة : ٧٣].

(تَذْكِرَةً) للنار الكبرى ، أو تبصرة للناس من الظلام. (لِلْمُقْوِينَ) المسافرين قال الفراء : إنما يقال لهم ذلك إذ نزلوا بالقيّ وهي القفر التي لا شيء فيها ، أو المستمتعين من حاضر ومسافر ، أو الجائعين في إصلاح طعامهم ، أو الضعفاء المساكين من أقوت الدار إذا خلت وأقوى الرجل ذهب ماله ، أو المقوي الكثير المال من القوة.

(فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ) [الواقعة : ٧٥].

(فَلا أُقْسِمُ) نفي للقسم لأنه لا يقسم بشيء من خلقه ولكنه افتتاح يفتتح به كلامه قال الضحاك ، أو للرب أن يقسم بخلقه تعظيما منه لما أقسم به وليس ذلك للخلق فتكون لا صلة ، أو نافية لما تقدم من تكذيبهم وجحدهم ثم استأنف القسم.

(بِمَواقِعِ النُّجُومِ) مطالعها ومساقطها ، أو انتشارها يوم القيامة ، أو مواقعها في السماء ، أو أنواؤها نفي للقسم بها ، أو نجوم القرآن تنزل على الأحداث في الأمة ، أو محكم القرآن.

(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ) [الواقعة : ٧٦].

(وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ) وإن الشرك بالله محرم عظيم ، أو القرآن قسم عظيم.

(إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ) [الواقعة : ٧٧].

(كَرِيمٌ) عند الله تعالى ، أو عظيم النفع للناس ، أو لما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور.

٢٥٩

(فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : ٧٨].

(فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) اللوح المحفوظ ، أو التوراة والإنجيل فيهما ذكره وذكر من ينزل عليه ، أو الزبور ، أو المصحف الذي بأيدينا.

(مَكْنُونٍ) مصون ، أو مكنون من الباطل.

(لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩].

(الْمُطَهَّرُونَ) إن جعلناه اللوح المحفوظ فلا يمسه إلا الملائكة المطهرون ، أو لا ينزله إلا رسل الملائكة على رسل الأنبياء وإن جعلناه المصحف الذي بأيدينا فلا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك ، أو من الذنوب والخطايا ، أو من الأحداث والأنجاس ، أو لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون بالإيمان ، أو لا يمس ثوابه إلا المؤمنون مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو لا يلتمسه إلا المؤمنون.

(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ) [الواقعة : ٨١].

(أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ) القرآن. (مُدْهِنُونَ) مكذبون ، أو معرضون ، أو ممالئون الكفار على الكفر به ، أو منافقون في تصديقه.

(وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) [الواقعة : ٨٢].

(رِزْقَكُمْ) الاستسقاء بالأنواء مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الاكتساب بالسحر ، أو أن يجعل شكر الله على رزقه تكذيب رسله والكفر به فيكون الرزق الشكر.

(فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ) [الواقعة : ٨٦].

(مَدِينِينَ) محاسبين ، أو مبعوثين ، أو مصدقين أو مقهورين ، أو موقنين ، أو مجزيين بأعمالكم ، أو مملوكين قاله الفرّاء.

(تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الواقعة : ٨٧].

(تَرْجِعُونَها) النفس إلى الجسد بعد الموت. (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنكم غير مذنبين.

(فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ) [الواقعة : ٨٨].

(الْمُقَرَّبِينَ) أهل الجنة ، أو السابقون.

(فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ) [الواقعة : ٨٩].

(فَرَوْحٌ) راحة ، أو فرح ، أو رحمة ، أو رجاء ، أو روح من الغم وراحة من العمل إذ لا غم فيها ولا عمل ، أو مغفرة أو نسيم. قيل قرأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فروح بالضم أي تبقى روحه باقية بلا موت يناله.

(وَرَيْحانٌ) استراحة عند الموت ، أو رحمة ، أو رزق ، أو ريحان مشموم يتلقى به عند

٢٦٠