تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(إِنَّ ذلِكَ) إن حفظه بغير كتاب هين على الله تعالى.

(وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [فاطر : ١٢].

(فُراتٌ) أي عذب كقولهم حسن جميل.

(أُجاجٌ) مرّ من أجة النار كأنه يحرق لمرارته. (لَحْماً طَرِيًّا) الحيتان منهما.

(وَتَسْتَخْرِجُونَ) الحلية من الملح دون العذب ، أو في البحر الملح عيون عذبة يخرج اللؤلؤ فيما بينهما عند التمازج ، أو من مطر السماء.

(لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) بالتجارة في الفلك.

(وَلا تَزِرُ) لا تحمل نفس ذنوب أخرى ومنه الوزير لتحمله أثقال الملك بتدبيره.

(وَإِنْ تَدْعُ) نفس مثقلة بالذنوب إلى تحمل ذنوبها لم تجد من يحمل عنها شيئا وإن كان المدعو للتحمل قريبا مناسبا ولو تحمل ما قبل تحمله لقوله تعالى (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ.)

(بِالْغَيْبِ) في السر حيث لا يراه أحد أو في التصديق بالآخرة.

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ) [فاطر : ١٩ ـ ٢١].

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى) فيه قولان أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر كما لا يستوي الأعمى والبصير ولا تستوي الظلمات ولا النور ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر. قاله قتادة. الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان ولا يستوي ظل الجنة وحرور النار ، والحرور : الريح الحارة كالسموم قال الفراء : الحرور بالليل والنهار والسموم لا يكون إلا بالنهار وقال : لا يكون الحرور إلا مع شمس النهار والسموم يكون بالليل والنهار وقيل : الحرور الحر والظل البرد.

(وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر : ٢٢].

(وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ) كما لا يستوي الحي والميت فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر أو الأحياء المؤمنون أحياهم إيمانهم والأموات الكفار أماتهم كفرهم أو العقلاء والجهال.

(وَلَا) صلة مؤكدة أو نافية. (يُسْمِعُ) يهدي. (مَنْ فِي الْقُبُورِ) كما لا تسمع الموتى كذلك لا تسمع الكافر أو لا تسمع الكافر الذي أماته الكفر حتى أقبره في كفره.

١٢١

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤].

(وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا) سلف فيها نبي قيل : إلا العرب.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ) [فاطر : ٢٧].

(جُدَدٌ) جمع جدة وهي الخطط.

(وَغَرابِيبُ) الغريب الشديد السواد. كلون الغراب قيل تقديره سود غرابيب.

(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر : ٢٨].

(كَذلِكَ) أي مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود ، أو كما اختلف ألوان ما ذكرت فكذلك تختلف أحوال العباد من الخشية ثم استأنف فقال : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) به.

(إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ) [فاطر : ٢٩].

(تِجارَةً) الجنة. (تَبُورَ) تكسد ، أو تفسد.

(لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر : ٣٠].

(أُجُورَهُمْ) ثواب أعمالهم.

(وَيَزِيدَهُمْ) يفسح لهم في قبورهم ، أو يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا ، أو تضاعف حسناتهم مأثور ، أو يغفر لهم الكثير ويشكر اليسير.

(غَفُورٌ) للذنب. (شَكُورٌ) للإحسان لأنه يقابله مقابلة الشاكر.

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) [فاطر : ٣٢].

(أَوْرَثْنَا الْكِتابَ) القرآن. ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم ، أو إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث الانتقال من قوم إلى آخرين.

(الَّذِينَ اصْطَفَيْنا) الأنبياء. فيكون قوله.

(فَمِنْهُمْ ظالِمٌ) كلاما مستأنفا لا يرجع إلى المصطفين أو الذين اصطفينا أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

والظالم لنفسه أهل الصغائر. قال عمر رضي الله تعالى عنه : وظالمنا مغفور له ، أو أهل الكبائر وأصحاب المشأمة ، أو المنافقون ، أو أهل الكتاب ، أو الجاحد.

(مُقْتَصِدٌ) متوسط في الطاعات قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما السابق فيدخل الجنة بغير

١٢٢

حساب وأما المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا وأما الظالم فيحبس طول الحبس ثم يتجاوزر الله تعالى عنه» أو أصحاب اليمين ، أو أهل الصغائر ، أو متبعو سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعده.

(سابِقٌ بِالْخَيْراتِ) المقربون ، أو أهل المنزلة العليا في الطاعة ، أو من كان في عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشهد له بالجنة وسأل عقبة بن صهبان عائشة رضي الله تعالى عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم في الجنة السابق من مضى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فشهد له بالجنة والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر : ٣٤].

(الْحَزَنَ) خوف النار ، أو حزن الموت ، أو تعب الدنيا وهمومها أو حزن الخبز ، أو حزن الظالم يوم القيامة لما يشاهد من سوء حاله ، أو الجوع ، أو خوف السلطان ، أو طلب المعاش ، أو حزن الطعام مأثور.

(الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ) [فاطر : ٣٥].

(الْمُقامَةِ) الإقامة. (نَصَبٌ) تعب ، أو وجع. (لُغُوبٌ) عناء ، أو إعياء.

(وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر : ٣٧].

(يَصْطَرِخُونَ) يستغيثون.

(ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ) البلوغ ، أو ثماني عشرة سنة ، أو أربعون ، أو ستون ، أو سبعون.

(وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الشيب ، أو الحمى ، أو موت الأهل والأقارب.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً) [فاطر : ٣٩].

(خَلائِفَ) يخلف بعضكم بعضا خلفا بعد خلف وقرنا بعد قرن والخلف هو التالي للمتقدم ولما قيل لأبي بكر رضي الله تعالى عنه خليفة الله قال : لست خليفة الله ولكني خليفة رسوله وأنا راضي بذلك ، قال بعض السلف : إنما يستخلف من يغيب ، أو يموت والله تعالى لا يغيب ولا يموت.

(فَعَلَيْهِ) عقاب كفره.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً) [فاطر : ٤٠].

١٢٣

(شُرَكاءَكُمُ) في الأموال الذين جعلتم لهم قسطا منها وهي الأوثان أو الذين أشركتموهم في العبادة.

(مِنَ الْأَرْضِ) أي في الأرض. (شِرْكٌ) في خلق السموات.

(كِتاباً) بما هم عليه من الشرك فهم على احتجاج منه ، أو بأن لله شركاء من الأصنام والملائكة فهم متمسكون به ، أو بألا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به.

(إِلَّا غُرُوراً) وعدوهم أن الملائكة تشفع لهم ، أو أنهم ينصرون عليهم أو بالمعصية.

(اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلاً) [فاطر : ٤٣].

(وَمَكْرَ السَّيِّئِ) الشرك ، أو مكرهم بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(يَحِيقُ) يحيط ، أو ينزل ، فعاد ذلك عليهم فقتلوا ببدر.

(سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) وجوب العذاب عند الإصرار على الكفر ، أو لا تقبل توبتهم عند نزول العذاب.

(وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً) [فاطر : ٤٥].

(بِما كَسَبُوا) من الذنوب.

(ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) قيل : بحبس المطر عنهم. عام في كل ما دبّ ودرج وقد فعل ذلك زمن الطوفان ، أو من الجن والإنس دون غيرهم لأنهما أهل تكليف أو من الناس وحدهم.

(أَجَلٍ مُسَمًّى) وعدوا به في اللوح المحفوظ ، أو القيامة.

(جاءَ أَجَلُهُمْ) نزول العذاب ، أو القيامة.

سورة يس (١)

(يس) [يس : ١].

__________________

(١) سميت السورة سورة يس لأن الله تعالى افتتح السورة الكريمة بها وفي الافتتاح بها إشارة إلى إعجاز القرآن الكريم ، وهي سورة مكية ما عدا الآية (٤٥) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة الجن ، وقد تناولت مواضيع أساسية ثلاثة وهى : الإيمان بالبعث والنشور ، وقصة أهل القرية ، والأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين.

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله : «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس». وعن جندب بن عبد الله قال : قال رسول الله : «من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له».

١٢٤

(يس) اسم للقرآن ، أو لله تعالى أقسم به ، أو فواتح من كلام الله تعالى افتتح بها كلامه ، أو يا محمد وهو مأثور ، أو يا إنسان بالحبشية أو السريانية ، أو بلغة كلب ، أو طيء.

(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [يس : ٦].

(ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) كما أنذر آباؤهم فيكون عاما ، أو خاص بقريش أنذروا ولم ينذر آباؤهم قبلهم.

(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [يس : ٧].

(حَقَّ الْقَوْلُ) وجب العذاب ، أو سبق في علمي.

(أَكْثَرِهِمْ) الذين عاندوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قريش لم يؤمنوا ، أو ماتوا على كفرهم ، أو قتلوا عليه تحقيقا لقوله (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)

(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) [يس : ٨].

(أَغْلالاً) شبّه امتناعهم من الهدى بامتناع المغلول من التصرف ، أو همّت ظائفة منهم بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فغلّت أيديهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدا.

(فِي أَعْناقِهِمْ) عبّر عن الأيدي بالأعناق لأن الغل يكون في الأيدي ، أو أراد حقيقة الأعناق لأن الأيدي تجمع بالأغلال إلى الأعناق.

(إِلَى الْأَذْقانِ) مجتمع اللحيين والأيدي تماسها ، أو عبّر بها عن الوجوه لأنها منها.

(مُقْمَحُونَ) المقمح الرافع رأسه الواضع يده على فيه ، أو الطامح ببصره إلى موضع قدميه أو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو الذي يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء ، أو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه من القمح وهو رفع الشيء إلى الفم.

(وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) [يس : ٩].

(سَدًّا) عن الحق ، أو ضلالا ، أو ظلمة منعتهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هموا به. قيل : السّد بالضم ما صنعه الله وبالفتح ما صنعه الناس.

(فَأَغْشَيْناهُمْ) بظلمة الكفر. (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) الهدى ، أو بظلمة الليل فهم لا يبصرون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما هموا بقتله.

(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) [يس : ١١].

(بِالْغَيْبِ) بما يغيب عن الناس من شر عمله ، أو بما غاب من عذاب الله تعالى.

١٢٥

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) [يس : ١٢].

(نُحْيِ الْمَوْتى) بالإيمان بعد الكفر ، أو بالبعث للجزاء.

(ما قَدَّمُوا) من خير ، أو شر.

(وَآثارَهُمْ) ما ابتدءوا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم ، أو خطاهم إلى المساجد نزلت لما أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إن آثاركم تكتب» (١) فلم يتحولوا.

(إِمامٍ) اللوح المحفوظ ، أو أم الكتاب ، أو طريق مستقيم.

(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) [يس : ١٣].

(الْقَرْيَةِ) إنطاكية اتفاقا.

(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) [يس : ١٤].

(اثْنَيْنِ) شمعون ويوحنا. أو صادق وصدوق ، أو سمعان ويحيى.

(فَعَزَّزْنا) فزدنا أو قوينا ، أو شددنا كانوا رسلا من الله تعالى ، أو من الحواريين أرسلهم عيسى.

(وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [يس : ١٧].

(الْبَلاغُ الْمُبِينُ) بالإعجاز قيل : إنهم أحيوا ميتا وأبرءوا زمنا.

(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) [يس : ١٨].

(تَطَيَّرْنا) تشاءمنا ، أو معناه إن أصابنا شر فهو من أجلكم تحذيرا من الرجوع من دينهم.

(لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجارة ، أو الشتم والأذى أو لنقتلنكم.

(عَذابٌ أَلِيمٌ) القتل ، أو التعذيب المؤلم قبل القتل.

(قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) [يس : ١٩].

(طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) الشؤم إن أقمتم على الكفر إذا ذكّرتم أو أعمالكم معكم إن ذكّرتم بالله تطيرتم ، أو كل من ذكّركم بالله تطيرتم.

(مُسْرِفُونَ) في تطيركم ، أو كفركم.

__________________

(١) أخرجه الترمذى (٥ / ٣٦٣ ، رقم ٣٢٢٦) وقال : حسن غريب.

١٢٦

(وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) [يس : ٢٠].

(وَجاءَ) رجل هو حبيب النجار ، أو كان إسكافا أو قصارا علم نبوتهم لأنه كان مجذوما زمنا فأبرءوه ، أو لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجرا قالوا لا فآمن بهم وصدقهم.

(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : ٢٢].

(وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) لما قالها وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول يا رب أهد قومي فإني لا يعلمون.

(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ) [يس : ٢٥].

(إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ) يا قوم ، أو خاطب به الرسل. (فَاسْمَعُونِ) فاشهدوا لي.

(قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) [يس : ٢٦].

(يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ) تمنى أن يعلموا حسن عاقبته ، أو تمنى ذلك ليؤمنوا كإيمانه فيصيروا إلى ما صار إليه فنصحهم حيا وميتا.

(وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ) [يس : ٢٨].

(مِنْ جُنْدٍ) أي رسالة لأن الله تعالى قطع عنهم الرسل لما قتلوا رسله ، أو الملائكة الذين ينزلون الوحي على الأنبياء.

(إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ) [يس : ٢٩].

(صَيْحَةً) عذابا ، أو صاح بهم جبريل عليه‌السلام صحية ليس لها مثنوية.

(يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [يس : ٣٠].

(يا حَسْرَةً) يا حسرة العباد على أنفسهم ، أو يا حسرتهم على الرسل الثلاثة أو حلوا محل من يتحسر عليه والحسرة بعد معاناة العذاب ، أو في القيامة.

(وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ) [يس : ٣٢].

(مُحْضَرُونَ) معذبون ، أو مبعوثون.

(لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس : ٣٥].

(وَما عَمِلَتْ) ومما عملت ، أو وما لم تعمله أيديهم من الأنهار التي أجراها الله تعالى لهم كالفرات ودجلة والنيل ونهر بلخ ، أو وما لم تعمله أيديهم من الزرع الذي أنبته الله تعالى لهم.

(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) [يس : ٣٦].

(الْأَزْواجَ) الأصناف ، أو الذكر والأنثى. (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ) النخل والشجر والزرع من كل صنف زوج. (وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) الأرواح.

١٢٧

(وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ) [يس : ٣٧].

(نَسْلَخُ) نخرج من سلخ الشاة إذا أخرجت من جلدها. (مُظْلِمُونَ) داخلون في الظلمة.

(وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) [يس : ٣٨].

(لِمُسْتَقَرٍّ لَها) انتهاء أمرها عند انتهاء الدنيا ، أو لوقت واحد لا تعدوه ، أو أبعد منازلها في الغروب وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف.

(وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) [يس : ٣٩].

(قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) يطلع كل ليلة في منزلة.

(كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) قنو النخل اليابس وهو العذق أو النخل إذا انحنى حاملا.

(لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [يس : ٤٠].

(أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ) لكلّ حد وعلم لا يعدوه ولا يقصر دونه ويذهب سلطان كل واحد منهما مجيء الآخر ، أو لا يدرك أحدهما ضوء الآخر ، أو لا يجتمعان في السماء ليلة الهلال خاصة ، أو إذا اجتمعا في السماء كان أحدهما بين يدي الآخر ، أو لا تدركه ليلة البدر خاصة لأنه يبادر بالغروب قبل طلوعها.

(سابِقُ النَّهارِ) لا يتقدم الليل قبل كمال النهار ، أو لا يأتي ليلتين متصلتين من غير نهار فاصل.

(وَكُلٌّ) الشمس والقمر والنجوم. (فِي فَلَكٍ) بين الأرض والسماء غير ملتصقة بالسماء. (يَسْبَحُونَ) يعلمون ، أو يجرون ، أو يدورون كما يدور المغزل في الفلكة.

(وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [يس : ٤١].

(ذُرِّيَّتَهُمْ) آباءهم لأن منهم ذرى الأبناء والفلك سفينة نوح أو الأبناء والنساء لأنهم ذرءوا الآباء حملوا في الفلك : وهي السفن الكبار أو النطف حملها الله تعالى في بطون النساء تشبيها بالفلك قاله علي رضي الله تعالى عنه.

(الْمَشْحُونِ) الموقر ، أو المملوء.

(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ) [يس : ٤٢].

(وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ) خلقنا مثل سفينة نوح من السفن ما يركبونه ، أو السفن الصغار خلقها كالكبار ، أو سفن الأنهار كسفن البحار ، أو الإبل تركب في البر كما تركب السفن في البحر والعرب يشبهون الإبل بالسفن.

١٢٨

(وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ) [يس : ٤٣].

(فَلا صَرِيخَ) فلا مغيث ، أو لا منعة. (يُنْقَذُونَ) من الغرق ، أو العذاب.

(إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ) [يس : ٤٤].

(إِلَّا رَحْمَةً) نعمة ، أو إلا برحمتنا. (إِلى حِينٍ) الموت ، أو القيامة.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [يس : ٤٥].

(ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) ما مضى من ذنوبكم وما خلفكم ما يأتي من الذنوب ، أو ما بين أيديكم من الدنيا وما خلفكم عذاب الآخرة ، أو ما بين أيديكم عذاب الله لمن تقدم كعاد وثمود وما خلفكم أمر الساعة وجواب هذا الكلام أعرضوا.

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [يس : ٤٦].

(مِنْ آيَةٍ) من كتاب الله ، أو من رسوله ، أو من معجزة.

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [يس : ٤٧].

(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ) اليهود أمروا بإطعام الفقراء فقالوا ذلك أو الزنادقة أو مشركو قريش جعلوا لأصنامهم سهما من أموالهم فلما سألهم الفقراء أجابوهم بذلك.

(إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) قول الكفار لمن أمرهم بالإطعام ، أو قول الله للكفار لما ردوا هذا الجواب.

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [يس : ٤٨].

(هذَا الْوَعْدُ) من العذاب ، أو ما وعدوا به من الظفر بهم.

(ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ) [يس : ٤٩].

(صَيْحَةً) النفخة الأولى ينتظرها آخر هذه الأمة من المشركين.

(يَخِصِّمُونَ) يتكلمون ، أو يخصّمون في دفع النشأة الثانية.

(فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ) [يس : ٥٠].

(تَوْصِيَةً) أن يوصي بعضهم إلى بعض بما في يديه من حق.

(إِلى أَهْلِهِمْ) منازلهم.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ) [يس : ٥١].

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) نفخة البعث يبعث بها كل ميت والأولى يموت بها كل حي وبينهما أربعون سنة والنفخة الثانية من الآخرة والأولى من الدنيا ، أو الآخرة.

(الْأَجْداثِ) القبور. (يَنْسِلُونَ) يخرجون ، أو يسرعون.

١٢٩

(قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ) [يس : ٥٢].

(قالُوا يا وَيْلَنا) يقوله المؤمنون ثم يجيبون أنفسهم فيقولون :.

(هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ) أو يقوله الكفار فيقول لهم المؤمنون ، أو الملائكة (هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ)

(إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ) [يس : ٥٥].

(شُغُلٍ) عما يلقاه أهل النار ، أو افتضاض الأبكار ، أو الطرب أو النعمة.

(فاكِهُونَ) وفكهون واحد كحاذر وحذر ، أو الفكه الذي يتفكه بالطعام أو بأعراض الناس والفاكه ذو الفاكهة وها هنا فرحون ، أو ناعمون ، أو معجبون ، أو ذو فاكهة كشاحم ولا حم ولا بن وتامر.

(لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ) [يس : ٥٧].

(ما يَدَّعُونَ) يشتهون ، أو يسألون ، أو يتمنون ، أو يدعونه فيأتيهم مأخوذ من الدعاء.

(سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) [يس : ٥٨].

(سَلامٌ) تسليم الرب عليهم إكراما لهم ، أو تبشيره لهم بالسلامة.

(وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) [يس : ٦٢].

(جِبِلًّا) جموعا ، أو أمما ، أو خلقا.

(الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس : ٦٥].

(نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ) ليعرفهم أهل الموقف فيتميزون منهم ، أو لأن إقرار غير الناطق وشهادته أبلغ من إقرار الناطق ، أو ليعلم أن أعضاءه التي أعانته في حق نفسه من المعصية صارت شهودا عليه في حق الله ، أو إذا قالوا (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] ختم على أفواههم حتى نطقت جوارحهم.

(وَتُكَلِّمُنا) نطقا ، أو يظهر منها ما يقوم مقام الكلام ، أو إن الموكلين بها يشهدون عليها.

وسمي كلام الأرجل شهادة لأن العمل باليد والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة وقول الفاعل على نفسه إقرار فعبّر عما صدر عن الأيدي بالكلام وعما صدر عن الأرجل بالشهادة قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أول عظم من الإنسان يتكلم فخذه من الرجل اليسرى».

(وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) [يس : ٦٦].

(لَطَمَسْنا) أعمينا أبصار المشركين في الدنيا فضلوا عن الطريق فلا يبصرونه أو أعمينا

١٣٠

قلوبهم فضلوا عن الحق فلا يهتدون إليه والمطموس الذي لا يكون بين عينيه شق مأخوذ من طمس الأثر.

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) [يس : ٦٧].

(لَمَسَخْناهُمْ) أقعدناهم على أرجلهم فلا يستطيعون تقدما ولا تأخرا ، أو لأهلكناهم في مساكنهم ، أو لغيرنا خلقهم فلا ينتقلون.

(فَمَا اسْتَطاعُوا) لو فعلنا ذلك تقدما ولا تأخرا أو ما استطاعوا مضيا في الدنيا ولا رجوعا فيها.

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ) [يس : ٦٨].

(نُعَمِّرْهُ) ببلوغ الهرم ، أو ثمانين سنة. (نُنَكِّسْهُ) نرده إلى الضعف وحالة الصغر لا يعلم شيئا ، أو نغير سمعه وبصره وقواه.

(أَفَلا يَعْقِلُونَ) أن فاعل هذا قادر على البعث.

(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) [يس : ٧٠].

«لتنذر» يا محمد وبالياء القرآن. (حَيًّا) عاقلا ، أو مؤمنا ، أو مهتديا ، أو حي القلب والبصر. (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) يجب العذاب.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) [يس : ٧١].

(مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) من فعلنا من غير أن نكله إلى غيرنا ، أو بقوتنا (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ) [الذاريات : ٤٧].

(مالِكُونَ) ضابطون ، أو مقتنون ، أو مطيقون.

(وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [يس : ٧٢].

(رَكُوبُهُمْ) الدابة التي تصلح للركوب.

(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) [يس : ٧٣].

(مَنافِعُ) لباس أصوافها. (وَمَشارِبُ) ألبانها.

(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) [يس : ٧٥].

(جُنْدٌ) شيعة ، أو أعوان أي المشركون جند الأصنام.

(مُحْضَرُونَ) في النار ، أو عند الحساب ، أو في الدفع عن الأصنام وهي لا تدفع عنهم.

قال قتادة : كانوا في الدنيا يغضبون لآلهتهم إذا ذكرت بسوء وآلهتهم لا تنصرهم.

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) [يس : ٧٧].

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) أبي بن خلف جادل في البعث ، أو العاص بن وائل أخذ عظما من

١٣١

البطحاء ففته بيده ثم قال يا محمد : أيحيي هذا الله بعد ما بلى. قال : نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم فنزلت.

(خَصِيمٌ) مجادل. (مُبِينٌ) حجة ، يجوز أن يذكّره بذلك نعمه ، أو يدله به على قدرته على البعث.

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) [يس : ٨٠].

(مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ) الذي قدر على إخراج النار من الشجر مع ما بينهما من التضاد قادر على البعث. قيل تقدح النار من كل شجر إلا العناب وقيل الشجر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والنار الهدى والنور الذي جاء به.

(تُوقِدُونَ) تقتبسون الدين.

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢].

(أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ) بأمره فيوجد ، أو ليس في كلامهم أخف ولا أسرع من كن فجعلها مثلا لأمره في السرعة.

(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس : ٨٣].

(مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) خزائنه ، أو ملكه وفيه مبالغة.

سورة الصافات (١)

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [الصافات : ١].

(وَالصَّافَّاتِ) الملائكة صفوفا في السماء ، أو في الصلاة عند ربهم أو صافة أجنحتها في الهواء قائمة حتى يأمرها الله تعالى بما يريد ، أو هم عباد السماء أو جماعة المؤمنين صافّين في الصلاة والقتال.

(فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) [الصافات : ٢].

(فَالزَّاجِراتِ) الملائكة لزجرها السحاب ، أو عن المعاصي ، أو آيات القرآن الزواجر الأمر والنهي التي زجر الله تعالى بهما عباده.

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [الصافات : ٣].

__________________

(١) سميت السورة سورة الصافات تذكيرا للعباد بالملأ الأعلى من الملائكة الأطهار الذين لا ينفكون عن طاعة الله وعبادته يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ وبيان وظائفهم التي كلّفوا بها ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة الأنعام ، وهي من السور المكية التي تعني بأصول العقيدة الإسلامية التوحيد والوحي والبعث والجزاء شأنها كشأن سائر السورة المكية التي تهدف إلى تثبيت دعائم الإيمان.

١٣٢

(فَالتَّالِياتِ) الملائكة تقرأ كتب الله ، أو الأنبياء يتلون الذكر على أممهم أو ما يتلى في القرآن من أخبار الأمم السالفة. أقسم بذلك ، أو برب ذلك تعظيما له فحذف.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) [الصافات : ٥].

(رَبُّ السَّماواتِ) خالقها ، أو مالكها.

(الْمَشارِقِ) مشارق الشمس صيفا وشتاء مائة وثمانون مشرقا تطلع كل يوم في مطلع فتنتهي إلى آخرها ثم ترجع في تلك المطالع حتى تعود إلى أولها قاله السدي وهو بعيد.

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) [الصافات : ٧].

(وَحِفْظاً) للسماء من كلّ شيطان مارد ، أو جعلنا من الكواكب حفظا من كل شيطان قاله السدي.

(مارِدٍ) متجرد من الخير.

(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ) [الصافات : ٨].

(لا يَسَّمَّعُونَ) منعوا من السمع والتسمع ، أو يتسمعون ولا يسمعون. (الْمَلَإِ الْأَعْلى) السماء الدنيا ، أو الملائكة. (وَيُقْذَفُونَ) يرمون من كل مكان.

(دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) [الصافات : ٩].

(دُحُوراً) قذفا بالنار ، أو طردا بالشهب ، أو الدحور الدفع بعنف.

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ) [الصافات : ١٠].

(خَطِفَ الْخَطْفَةَ) وثب الوثبة ، أو استرق السمع. (شِهابٌ) نجم. (ثاقِبٌ) مضيء ، أو ماضي ، أو محرق ، أو يثقب ، أو يستوقد من قولهم أثقب زندك أي استوقد نارك.

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [الصافات : ١١].

(فَاسْتَفْتِهِمْ) فحاجهم ، أو سلهم من استفتاء المفتي.

(أَمْ مَنْ خَلَقْنا) السماوات والأرض والجبال ، أو السموات والملائكة ، أو الأمم الماضية هلكوا وهم أشد خلقا من هؤلاء.

(طِينٍ لازِبٍ) خلق آدم من ماء وتراب ونار ، أو لزج ، أو لاصق ، أو لازق وهو الذي لزق بما أصابه واللاصق الذي يلصق بعضه ببعض ، أو اللازب واللازم بمعنى قيل نزلت في ركانة بن عبد يزيد وأبي الأشد بن أسيد بن كلاب الجحمي.

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) [الصافات : ١٢].

(بَلْ عَجِبْتَ) أنكرت ، أو حلوا محل من يتعجب منه لأن الله تعالى لا يتعجب إذ

١٣٣

التعجب بحدوث العلم بما لم يعلم وبالفتح عجبت يا محمد من القرآن حين أعطيته ، أو من الحق الذي جاءهم فلم يقبلوه.

(وَيَسْخَرُونَ) من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا دعاهم ، أو من القرآن إذا تلي عليهم.

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) [الصافات : ١٣].

(لا يَذْكُرُونَ) لا ينتفعون ، أو لا يبصرون.

(وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ) [الصافات : ١٤].

(يَسْتَسْخِرُونَ) يستهزئون قيل ذلك في ركانه وأبي الأشد.

(قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) [الصافات : ١٨].

(داخِرُونَ) صاغرون.

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) [الصافات : ١٩].

(زَجْرَةٌ) صيحة أي النفخة الثانية.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) [الصافات : ٢٠].

(الدِّينِ) الجزاء ، أو الحساب.

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [الصافات : ٢١].

(يَوْمُ الْفَصْلِ) بين الحق والباطل ، أو القضاء بين الخلق.

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) [الصافات : ٢٢].

(وَأَزْواجَهُمْ) أشباههم المرابي مع المرابين والزاني مع الزناة وشارب الخمر مع شاربيه ، أو قرناءهم ، أو أشياعهم ، أو نساؤهم الموافقات على الكفر.

(وَما كانُوا يَعْبُدُونَ) إبليس ، أو الشياطين ، أو الأصنام.

(مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٢٣].

(فَاهْدُوهُمْ) دلوهم ، أو وجهوهم ، أو ادعوهم. (صِراطِ الْجَحِيمِ) طريق النار.

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات : ٢٤].

(مَسْؤُلُونَ) عن قول لا إله إلا الله ، أو عما دعوا إليه من بدعة مأثور أو عن جلسائهم ، أو عن ولاية علي ، أو محاسبون ، أو مسئولون بقوله (ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٥] توبيخا وتقريعا.

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [الصافات : ٢٥].

(لا تَناصَرُونَ) لا ينصر بعضكم بعضا ، أو لا يمنع بعضكم بعضا عن دخول النار ، أو لا يتبع بضعكم بعضا في النار يعني العابد والمعبود.

١٣٤

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧].

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) عام ، أو أقبل الإنس على الجن.

(يَتَساءَلُونَ) يتلاومون ، أو يتوانسون.

(قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [الصافات : ٢٨].

(إِنَّكُمْ كُنْتُمْ) قاله الإنس والجن ، أو الضعفاء للمستكبرين.

(عَنِ الْيَمِينِ) تقهروننا بالقوة واليمين القوة ، أو من قبل ميامنكم ، أو من قبل الخير فتصدونا عنه ، أو من حيث نأمنكم ، أو من قبل الدين ، أو من قبل النصيحة واليمن ، والعرب تتيمن بما جاء عن اليمين ، أو من قبل الحق.

(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [الصافات : ٤٥].

(بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) الخمر الجاري ، أو الذي لم يعصر ، والماء المعين هو الظاهر للعيون ، أو الشديد الجري من قولهم أمعن في كذا إذا اشتد دخوله فيه.

(لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [الصافات : ٤٧].

(غَوْلٌ) صداع ، أو وجع البطن ، أو أدنى مكروه ، أو إثم ، أو لا تغتال عقولهم.

(يُنْزَفُونَ) لا تنزف عقولهم ولا يذهب حلمهم بالسكر ، أو لا يبولون برأ الله خمرهم عن السكر والبول والصداع والقيء بخلاف خمر الدنيا ، أو لا تفنى خمرهم من نزف الركيّة ، بفتح الزاي ذهاب العقل وبكسرها فناء الخمر.

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ) [الصافات : ٤٨].

(قاصِراتُ الطَّرْفِ) قصرن نظرهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى سواهم واقتصر على كذا قنع به وعدل عن غيره.

(عِينٌ) حسان الصور ، أو عظام الأعين.

(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ) [الصافات : ٤٩].

(بَيْضٌ مَكْنُونٌ) لؤلؤ في صدفة ، أو بيض مصون في قشره شبهن ببيض النعام يكنه الريش من الغبار والريح فهو أبيض إلى الصفرة ، أو شبههن ببطن البيض إذا لم تناله يد أو شبههن ببياضه حين ينزع قشره أو بالحساء الذي يكون بين قشر البيضة العليا ولبابها.

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٥٠].

(يَتَساءَلُونَ) يسأل أهل الجنة كما يسأل أهل النار.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) [الصافات : ٥١].

(قَرِينٌ) في الدنيا شيطان يغويه فلا يطيعه ، أو شريك له يدعوه إلى الكفر فلا يجيبه ،

١٣٥

أو الأخوان المذكوران في سورة الكهف.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) [الصافات : ٥٣].

(لَمَدِينُونَ) محاسبون ، أو مجازون.

(قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) [الصافات : ٥٤].

(قالَ هَلْ) قال لأهل الجنة ، أو الملائكة هل أنتم. (مُطَّلِعُونَ) في النار.

(فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٥٥].

(سَواءِ الْجَحِيمِ) وسطها سمي الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب قال قتادة : فو الله لو لا أن الله تعالى عرّفه إياه لما كان يعرفه لقد تغير حبره وسبره يعني حسنه وتخطيطه.

(قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [الصافات : ٥٦].

(قالَ تَاللهِ) قاله المؤمن لقرينه الكافر. (لَتُرْدِينِ) لتباعدني من الله تعالى ، أو لتهلكني لو أطعتك.

(وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [الصافات : ٥٧].

(نِعْمَةُ رَبِّي) بالإيمان.

(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) [الصافات : ٦٢].

(نُزُلاً) النزل الرزق الواسع أصله الطعام الذي يصلح أن ينزلوا معه.

(شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) قوت أهل النار مرة الثمرة خشنة اللمس منتنة الريح ، ولما نزلت قال كفار قريش ما نعرف هذه الشجرة وقال ابن الزّبعرى الزقوم رطب البربر والزبد فقال أبو جهل يا جارية أبغينا تمرا وزبدا ثم قال لأصحابه تزقموا هذا الذي يوعدنا محمد بالنار.

(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) [الصافات : ٦٣].

(فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) بما ذكرنا أنهم قالوه فيها ، أو شدة عذاب لهم.

(إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٦٤].

(تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) وصفها بذلك لاختلافهم فيها قال قطرب : الزقوم من خبيث النبات وهو كل طعام قتال ، أو أعلمهم بذلك جواز بقائها في النار لأنها تنبت فيها قيل تنبت في الباب السادس وتحي بلهب النار كما تحي أشجارنا بالماء.

(طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [الصافات : ٦٥].

(رُؤُسُ الشَّياطِينِ) شبهها بها لاستقباحها في النفوس وإن لم تشاهد قال : امرؤ القيس :

١٣٦

أيقتلني والمشرفيّ مضاجعي

ومسنونة زرق كأنياب أغوال

شبهها بالأغوال وإن لم ترها الناس ، أو شبهها بحية قبيحة الرأس يسميها العرب شيطانا ، أو أراد شجرا بين مكة والمدينة سمي رؤوس الشياطين.

(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ) [الصافات : ٦٧].

(لَشَوْباً) مزاجا. (مِنْ حَمِيمٍ) الحار الداني من الإحراق وسمي القريب حميما لقربه من القلب والمحموم لقرب حرارته من الإحراق.

أحم الله ذلك من لقاء

أي قرّبه ، فيمزج الزقوم بالحميم لتجمع حرارة الحميم ومرارة الزقوم.

(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصافات : ٦٨].

(مَرْجِعَهُمْ) مأواهم في النار ، أو يدل على أنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا الحميم ليسوا في النار بل في عذاب آخر ، أو مرجعهم بعد أكل الزقوم إلى عذاب الجحيم ، والجحيم : النار الموقدة ، أو هم في النار (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٤] ثم يرجعون إلى مواضعهم.

(فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [الصافات : ٧٠].

(يُهْرَعُونَ) يسرعون الإهراع : إسراع المشي برعدة ، أو يستحثون من خلفهم ، أو يزعجون إلى الإسراع.

(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) [الصافات : ٧٥].

(نادانا) دعانا على قومه بالهلاك لما يئس من إيمانهم ليطهر الأرض منهم ، أو ليكونوا عبرة لغيرهم ممن بعدهم.

(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات : ٧٦].

(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ) كانوا ثمانية. نوح وأولاده الثلاثة وأربع نسوة.

(الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) أذى قومه ، أو غرق الطوفان.

(وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [الصافات : ٧٧].

(هُمُ الْباقِينَ) فالناس كلهم من ذريته العرب والعجم أولاد سام والروم والترك والصقالبة أولاد يافث والسودان أولاد حام.

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [الصافات : ٧٨].

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) الثناء الحسن ، أو لسان صدق للأنبياء كلهم ، أو قوله (سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) [الصافات : ٧٩].

١٣٧

(وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) [الصافات : ٨٣].

(شِيعَتِهِ) من أهل دينه ، أو على سنته ومنهاجه يعني إبراهيم من شيعة نوح ، أو شيعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل الشيعة الأعوان أخذ من الأشياع الحطب الصغار يوضع مع الكبار لتعين على وقودها.

(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الصافات : ٨٤].

(سَلِيمٍ) من الشك «أو ناصح لله تعالى في خلقه ، أو الذي يحب للناس ما يحب لنفسه وسلم الناس من غشه وظلمه وأسلم لله تعالى بقلبه ولسانه» أو مخلص ، أو لا يكون لعانا.

(فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [الصافات : ٨٩].

(فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه ، أو سقيم فيما في عنقي من الموت ، أو بما أرى من قبح عبادتكم لغير الله تعالى ، أو سقيم لعلة عرضت له ، أو أرسل إليه ملكهم بأن يخرج معهم من الغد إلى عيدهم فنظر إلى نجم فقال إن هذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي فكابد نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن دينه ، سقيم : أي طعين وكانوا يفرون من المطعون وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وعدها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كذبه في ذات الله.

(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) [الصافات : ٩١].

(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ذهب ، أو مال إليهم ، أو أقبل عليهم ، أو أحال عليهم.

(أَلا تَأْكُلُونَ) استهزاء بهم ، أو وجدهم خرجوا إلى العيد وجعلوا لأصنامهم طعاما كثيرا فقال لها ألا تأكلون تجهيلا لمن عبدها وتعجيزا لها.

(فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) [الصافات : ٩٣].

(بِالْيَمِينِ) اليد اليمنى لأن ضربها أشد ، أو باليمين التي حلفها في قوله (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] أو اليمين القوة وقوة النبوة أشد.

(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) [الصافات : ٩٤].

(يَزِفُّونَ) يجرون ، أو يسعون ، أو يتسللون ، أو يرعدون غضبا ، أو يختالون وهو مشية الخيلاء ومنه أخذ زفاف العروس إلى زوجها ، وقوله يتسللون حال بين المشي والعدو ومنه زفيف النعامة لأنه بين المشي والعدو.

(فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [الصافات : ٩٨].

(الْأَسْفَلِينَ) في الحجة ، أو في جهنم ، أو المهلكين لأن الله تعالى عقب ذلك بهلاكهم ، أو المقهورين لخلاصه من كيدهم فما أحرقت النار إلا وثاقه وما انتفع بها يومئذ أحد من الناس وكانت الدواب كلها تطفىء النار عنه إلا الوزغ فإنه كان ينفخها عليه فأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقتله.

١٣٨

(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الصافات : ٩٩].

(ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) منقطع إليه بالعبادة ، أو ذاهب إليه بقلبي وديني وعملي ، أو مهاجر إليه بنفسي من أرض العراق وهو أول من هاجر من الخلق مع لوط وسارة إلى حران ، أو الشام.

(سَيَهْدِينِ) إلى طريق الهجرة ، أو الخلاص من النار ، أو إلى قول حسبي الله عليه توكلت.

(فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات : ١٠١].

(بِغُلامٍ) إسماعيل ، أو إسحاق. (حَلِيمٍ) وقور.

(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [الصافات : ١٠٢].

(السَّعْيَ) مشى معه ، أو العمل ، أو العبادة ، أو العمل الذي تقوم به الحجة وكان ابن ثلاث عشرة سنة.

(أَرى فِي الْمَنامِ) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رؤيا الأنبياء وحي». (ما ذا تَرى) من صبرك وجزعك ، أو قاله امتحانا لصبره على أمر الله تعالى ولم يقل ذلك استشارة. (مِنَ الصَّابِرِينَ) على القضاء ، أو الذبح. فوجده صادق الطاعة سريع الإجابة قوي الدين.

(فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣].

(أَسْلَما) اتفقا على أمر واحد ، أو سلما لأمر الله تعالى فسلم إسحاق نفسه لله تعالى وسلم إبراهيم أمره لله تعالى.

(وَتَلَّهُ) صرعه على جبينه فالجبين ما عن يمين الجبهة وشمالها ، أو أكبه لوجهه ، أو وضع جبينه على تل قال إسحق : «يا أبت إذبحني وأنا ساجد ولا تنظر إلى وجهي فقد ترحمني فلا تذبحني».

(قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [الصافات : ١٠٥].

(صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) عملت بما رأيته في النوم وكان رأى أنه قعد منه مقعد الذابح ينتظر الأمر بإمضاء الذبح ففعل ذلك ، أو رأى أنه أمر بذبحه بشرط التمكين فلم يمكن وكان كلما اعتمد بالشفرة انقلبت وجعل على حلقه صفيحة من نحاس ، أو رأى أنه ذبحه وفعل ذلك فوصل إلى الأوداج بلا فصل ، والذبيح إسحاق بن سارة كان له سبع سنين وكان مذبحه من بيت المقدس على ميلين ولدته سارة ولها تسعون سنة ولما علمت ما أراد بإسحاق بقيت يومين وماتت في الثالث ، أو إسماعيل مذبحه بمنى عند الجمار التي رمي إبليس منها في كل

١٣٩

جمرة بسبع حصيات فجمر بين يديه أي أسرع فسميت جمارا ، أو ذبحه على الصخرة التي بأصل الجبل بمنى.

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [الصافات : ١٠٦].

(الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الاختبار العظيم ، أو النعمة البينة.

(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) [الصافات : ١٠٧].

(بِذِبْحٍ) كبش من غنم الدنيا ، أو كبش نزل من الجنة وهو الذي قربه أحد ابني آدم فتقبل منه ، أو كبش رعى في الجنة أربعين خريفا ، أو تيس من الأروى أهبط عليهما من ثبير والذبح المذبوح وبالفتح فعل الذبح.

(عَظِيمٍ) لرعيه في الجنة ، أو لأنه ذبح بحق ، أو لأنه متقبل.

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [الصافات : ١٠٨]

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) الثناء الحسن ، أو أن يقال (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [الصافات : ١٠٩].

(وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ١٢٣].

(إِلْياسَ) إدريس ، أو نبي من ولد هارون وجوز قوم أن يكون إلياس بن مضر.

(أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) [الصافات : ١٢٥].

(بَعْلاً) ربا بلغة أزد شنوءة وسمع ابن عباس رضي الله تعالى عنهما رجلا من أهل اليمن يسوم ناقة بمنى فقال من بعل هذه؟ أي ربها ، أو صنم اسمه بعل كانوا يعبدونه وبه سميت بعل بك ، أو امرأة كانوا يعبدونها.

(أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) أحسن من قيل له خالق ، أو أحسن الصانعين لأن الناس يصنعون ولا يخلقون.

(سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [الصافات : ١٣٠].

(إِلْ ياسِينَ) جمع يدخل فيه جميع إلياسين ، أو زاد في إسم إلياس لأنهم يغيرون الأسماء الأعجمية بالزيادة كميكال وميكائيل.

(إِلْ ياسِينَ) تسليم على آله دونه وأضافهم إليه تشريفا له ، أو هو إلياس فقيل ياسين لمؤاخاة الفواصل كطور سيناء وطور سينين ، أو دخلت للجمع فيكون داخلا في جملتهم.

(إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) [الصافات : ١٣٥].

(الْغابِرِينَ) الهلكى ، أو الباقين من الهلكى ، أو الباقين في عذاب الله ، أو الماضين في العذاب.

١٤٠