تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩].

(هاؤُمُ) أصله هاكم فأبدل أو يا هؤلاء اقرءوا تقول العرب للواحدها وللاثنين هاؤما وللثلاثة هاؤم أو كلمة وضعت لإجابة الداعي عند النشاط والفرح. نادى أعرابي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بصوت عال فأجابه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هاؤم بطول صوته.

(إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٢٠].

(ظَنَنْتُ) علمت أو أحسن الظن بربه فأحسن العمل. (حِسابِيَهْ) البعث أو الجزاء.

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١].

(راضِيَةٍ) مرضية.

(يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ) [الحاقة : ٢٧].

(الْقاضِيَةَ) موتة لا حياة بعدها أو تمنى أن يموت في الحال.

(هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ) [الحاقة : ٢٩].

(سُلْطانِيَهْ) ضلت عني حجتي أو سلطانه الذي تسلط به على بدنه حتى أقدم به على المعصية أو ما كان به في الدنيا مطاعا في أتباعه عزيزا بامتناعه قيل : نزلت في أبي جهل أو في الأسود بن عبد الأشد أخي أبي سلمة ينظر فيه.

(فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ) [الحاقة : ٣٥].

(حَمِيمٌ) قريب ينفعه أو يرد عنه كما كان في الدنيا.

(وَلا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ) [الحاقة : ٣٦].

(غِسْلِينٍ) غسالة أجوافهم فعلين من الغسل أو صديد أهل النار أو شجرة في النار هي أخبث طعامهم أو الماء الحار اشتد نضجه بلغة أزد شنوءة.

(فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) [الحاقة : ٣٨ ـ ٣٩].

(فَلا أُقْسِمُ) لا صلة لما قال الوليد إن محمدا ساحر ، وقال أبو جهل شاعر ، وقال عقبة كاهن ، أقسم الله تعالى على كذبهم. (تُبْصِرُونَ) الأرض والسماء.

(وَما لا تُبْصِرُونَ) الملائكة أو تبصرون من الخلق وما لا تبصرون الخالق.

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ) [الحاقة : ٤٠].

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ) إن القرآن لقول جبريل أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) [الحاقة : ٤٥].

(بِالْيَمِينِ) لأخذنا قوته كلها أو بالحق أو بالقدرة أو قطعنا يده اليمنى أو أخذنا يمينه إذلالا له واستخفافا به كما يقال لمن يراد هوانه خذوا بيده.

٣٠١

(ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ) [الحاقة : ٤٦].

(الْوَتِينَ) حبل القلب ونياطه الذي القلب معلق به أو القلب ومراقّه وما يليه أو الحبل الذي في الظهر أو عرق بين العلباء والحلقوم إرادة لقتله بقطع وتينه وإتلافه أو لأن الوتين إذا قطع لا إن جاع عرف ولا إن شبع عرف.

(وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) [الحاقة : ٤٨].

(لَتَذْكِرَةٌ) وإن القرآن لبيان أو رحمة أو موعظة أو نجاة.

(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ) [الحاقة : ٥٠].

(وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ) وإن القرآن لندامة على الكافر يوم القيامة.

(وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ) [الحاقة : ٥١].

(لَحَقُّ الْيَقِينِ) حقا يقينا ليكونن القرآن حسرة على الكافر أو إن القرآن يقين عند جميع الخلق أيقن به المؤمن في الدنيا فنفعه وأيقن به الكافر في الآخرة فلم ينفعه.

سورة المعارج (١)

(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ) [المعارج : ١]

استخبر مستخبر متى يقع العذاب تكذيبا أو دعا داع بوقوع العذاب استهزاء أو طلب طالب.

(بِعَذابٍ واقِعٍ) وهو النضر بن الحارث قال : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ.) الآية [الأنفال : ٣٢] وكان حامل لوائهم يوم بدر أو أبو جهل هو قائل ذلك أو جماعة من كفار قريش.

(بِعَذابٍ) الآخرة أو يوم بدر بالقتل والأسر.

(سَأَلَ) بغير همز ، سائل اسم واد في جهنم لأن يسيل بالعذاب.

(مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ) [المعارج : ٣].

(ذِي الْمَعارِجِ) الدرجات أو الفواضل والنعم أو العظمة والعلاء أو الملائكة لعروجهم إليه أو معارج السماء.

__________________

(١) سورة المعارج سميت بهذا الاسم لأنها تضمّن على وصف حالة الملائكة في عروجها إلى السماء ، فسميت بهذا الاسم ، وتسمى أيضا سورة (سأل سائل) ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الحاقة ، تعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية ، وقد تناولت الحديث عن القيامة وأهوالها والآخرة وما فيها من سعادة وشقاوة ، وعن أحوال المؤمنين والمجرمين في دار الجزاء والخلود ، والمحور الذي تدور عليه السورة الكريمة هو الحديث عن كفار مكة وإنكارهم للبعث والنشور ، واستهزاؤهم بدعوة الرسول.

٣٠٢

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٤].

(تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ) تصعد.

(وَالرُّوحُ) أرواح الموتى عند القبض أو جبريل عليه‌السلام أو خلق كهيئة الناس وليسوا بناس.

(خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) يوم القيامة أو مدة الدنيا لا يعلم كم مضى ولا كم بقي إلا الله أو لو تولى بعض الخلق حساب بعض كان مدته خمسين ألفا ويفرغ الله تعالى منه في أسرع مدة قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يحاسبهم بمقدار ما بين الصلاتين ولذلك سمى نفسه سريع الحساب وأسرع الحاسبين».

(فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) [المعارج : ٥].

(فَاصْبِرْ) على كفرهم قبل فرض الجهاد أو على قولهم مثل ساحر وشاعر وكاهن ومجنون.

(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) [المعارج : ٦].

(يَرَوْنَهُ بَعِيداً) البعث أو عذاب النار بعيدا مستحيلا غير كائن أو استبعدوا الآخرة.

(وَنَراهُ قَرِيباً) [المعارج : ٧].

(وَنَراهُ قَرِيباً) لأن كل آت قريب.

(يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ) [المعارج : ٨].

(كَالْمُهْلِ) كدردي الزيت أو كذوب النحاس والرصاص والفضة أو كقيح ودم.

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ) [المعارج : ٩].

(كَالْعِهْنِ) الصوف المصبوغ تلين بعد شدتها وتتفرق بعد اجتماعها.

(يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ) [المعارج : ١١].

(يُبَصَّرُونَهُمْ) يبصر بعضهم بعضا فيتعارفون أو يبصر المؤمنون الكافرين أو يبصر الكافرون الذين أضلوهم في النار أو يبصر المظلوم ظالمه والمقتول قاتله.

(يَوَدُّ) يحب أو يتمنى. (الْمُجْرِمُ) الكافر. (لَوْ يَفْتَدِي) بأعز أقاربه في الدنيا.

(وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ) [المعارج : ١٣].

(وَفَصِيلَتِهِ) عشيرته التي تنصره. وقال أبو عبيدة الفصيلة دون القبيلة. (تُؤْوِيهِ) يأوي إليها في نسبه أو من خوفه أو فصيلته أمه التي تربيه.

(كَلَّا إِنَّها لَظى) [المعارج : ١٥].

(لَظى) اسم لجهنم لتلظيها وهو اشتداد حرها أو للدرك الثاني منها.

(نَزَّاعَةً لِلشَّوى) [المعارج : ١٦].

٣٠٣

(لِلشَّوى) أطراف اليدين والرجلين أو جلدة الرأس أو العصب والعقب أو مكارم وجهه أو اللحم أو الجلد الذي على العظم لأن النار تشويه.

(تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى) [المعارج : ١٧].

(تَدْعُوا) تدعوهم بأسمائهم يا كافر يا منافق أو عبّر عن مصيرهم إليها بدعائها لهم أو يدعوا خزنتها فأضيف الدعاء إليها.

(أَدْبَرَ) عن الإيمان. (وَتَوَلَّى) إلى الكفر أو عن الطاعة وتولى عن الحق أو عن أمر الله وتولى عن كتاب الله أو أدبر عن القول وتولى عن العمل.

(وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعارج : ١٨].

(وَجَمَعَ) المال فجعله في وعاء حفظا له ومنعا من أداء حق الله تعالى فيه فكان جموعا منوعا.

(إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩].

(الْإِنْسانَ) الكافر عند الضحاك. (هَلُوعاً) بخيلا أو حريصا أو ضجورا أو ضعيفا أو شديد الجزع أو معناه ما بعده إذا مسه. الآية.

(إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً) [المعارج : ٢٠ ـ ٢١].

(مَسَّهُ) الخير لم يشكر والشر لم يصبر وإذا استغنى منع حق الله تعالى وشح وإذا افتقر سأل وألح.

(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) [المعارج : ٢٣].

(دائِمُونَ) يحافظون على مواقيت فروضها أو يكثرون نوافلها أو لا يلتفتون فيها.

(وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) [المعارج : ٣٢].

(لِأَماناتِهِمْ) ما ائتمنه الناس عليه. (وَعَهْدِهِمْ) ما عاهدوه عليه أن يقوم بموجبهما أو الأمانة الزكاة أن يؤديها والعهد الجنابة أن يغتسل منها.

(وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) [المعارج : ٣٣].

«بشهادتهم» على أنبيائهم بالبلاغ وعلى الأمم بالقبول أو الامتناع أو بحفظ الحقوق تحملا لها وأداء.

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) [المعارج : ٣٦].

(مُهْطِعِينَ) مسرعين أو معرضين أو ناظرين إليك تعجبا.

(عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) [المعارج : ٣٧].

(عِزِينَ) متفرقين أو مجتنبين أو الرفقاء الحلفاء ، أو الجماعة القليلة أو الحلق والفرق.

٣٠٤

خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أصحابه وهم حلق فقال : «ما لي أراكم عزين» (١).

(يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) [المعارج : ٤٣].

(نُصُبٍ) الغاية التي ينصب إليها بصرك و (نُصُبٍ) واحد الأنصاب وهي الأصنام أو النّصب والنّصب واحد. إلى علم يستبقون أو غايات يستبقون أو إلى أصنامهم يسرعون.

وقيل إنها أحجار طوال كانوا يعبدونها أو إلى صخرة بيت المقدس يسرعون.

(يُوفِضُونَ) يسرعون.

سورة نوح (٢)

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [نوح : ١].

(عَذابٌ أَلِيمٌ) بنار الآخرة أو عذاب الدنيا بالطوفان فأنذرهم فلم ير مجيبا وكانوا يضربونه حتى يغشى عليه فيقول : رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.

(يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [نوح : ٤].

(مِنْ ذُنُوبِكُمْ) من صلة أو بمعنى يخرجكم من ذنوبكم أو يغفر لكم منها ما استغفر تموه.

(وَيُؤَخِّرْكُمْ) إلى أجل موتكم فلا تهلكوا بالعذاب. (أَجَلَ اللهِ) للبعث أو العذاب أو الموت.

(لَوْ كُنْتُمْ) بمعنى إن كنتم أو لو كنتم تعلمون لعلمتم أن أجله إذا جاء لا يؤخر.

(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) [نوح : ٥].

(دَعَوْتُ) دعوتهم ليلا ونهارا إلى عبادتك أو دعوتهم أن يعبدوك ليلا ونهارا.

(فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح : ٦].

__________________

(١) أخرجه مسلم (١ / ٣٢٢ ، رقم ٤٣٠) ، وأبو داود (٤ / ٢٥٨ ، رقم ٤٨٢٣) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٩٨ ، رقم ١١٦٢٢) ، وأحمد (٥ / ٩٣ ، رقم ٢٠٩٠٤).

(٢) سورة نوح سميت بهذا الاسم لأنها خصّت بذكر قصة نوح منذ بداية الدعوة حتى الطوفان وهلاك المكذبين. وسميت أيضا إنا أرسلنا نوح ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة النحل ، تعنى السورة بأصول العقيدة ، وتثبيت قواعد الإيمان ، وقد تناولت السورة تفصيلا قصة شيخ الأنبياء نوح ، من بدء دعوته حتى نهاية حادثة الطوفان التي أغرق الله بها المكذبين من قومه ، ولهذا سميت سورة نوح ، وفي السورة بيان لسنة الله تعالى في الأمم التي انحرفت عن دعوة الله ، وبيان لعاقبة المرسلين ، وعاقبة المجرمين في شتى العصور والأزمان.

٣٠٥

(فِراراً) بلغنا أن أحدهم كان يذهب بابنه إليه فيقول : احذر هذا لا يغرنك فإن أبي ذهب إليه وأنا مثلك فحذرني كما حذرتك.

(وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) [نوح : ٧].

(كُلَّما دَعَوْتُهُمْ) إلى الإيمان.

(لِتَغْفِرَ لَهُمْ) ما تقدم من الشرك سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ليوئسوه من إجابة ما لم يسمعوه وكان حليما صبورا. (وَأَصَرُّوا) أقاموا على الكفر أو الإصرار تعمد الذنب أو سكتوا على ذنوبهم فلم يستغفروا. (وَاسْتَكْبَرُوا) بترك التوبة أو بكفرهم بالله تعالى وتكذيبهم نوحا عليه الصلاة والسّلام.

(ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) [نوح : ٨].

(جِهاراً) مجاهرة يرى بعضهم بعضا.

(ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) [نوح : ٩].

(أَعْلَنْتُ) الدعاء صحت به. (وَأَسْرَرْتُ) الدعاء عن بعضهم من بعض دعاهم في وقت سرا وفي وقت جهر أو دعا بعضهم سرا وبعضهم جهرا مبالغة منه وتلطفا.

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) [نوح : ١٠].

(اسْتَغْفِرُوا) ترغيبا منه في التوبة.

(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) [نوح : ١١].

(مِدْراراً) غيثا متتابعا قيل أجدبوا أربعين سنة فأذهب الجدب أموالهم وانقطع الولد عن نسائهم فلما علم حرصهم على الدنيا قال : هلموا إلى طاعة الله تعالى فإن فيها درك الدنيا والآخرة ترغيبا لهم في الإيمان.

(ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣].

(لا تَرْجُونَ) لا تعرفون له عظمه ولا تخشون عقابه ولا ترجون ثوابه أو لا تعرفون حقه ولا تشكرون نعمه أو لا تؤدون طاعته أو الوقار : الثبات منه (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) [الأحزاب : ٣٣] أي لا تثبتون وحدانيته.

(وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) [نوح : ١٤].

(أَطْواراً) طورا نطفة وطورا علقة وطورا مضغة وطورا عظما ثم كسا العظام اللحم ثم أنشأه خلقا آخر أنبت له الشعر وكمل له الصورة أو الأطوار اختلافهم طولا وقصرا ، وقوة وضعفا وهما وتصرفا وغنى وفقرا.

٣٠٦

(أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) [نوح : ١٥].

(سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) على سبع أرضين بين كل سماء وأرض خلق وأمر أو سبع سماوات طباقا بعضهن فوق بعض كالقباب.

(وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [نوح : ١٦].

(الْقَمَرَ فِيهِنَّ) معهن نورا لأهل الأرض أو لأهل السماء والأرض. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنه وجهه يضيء لأهل الأرض وظهره يضيء لأهل السماء.

(سِراجاً) مصباحا يضيء لأهل الأرض أو لأهل الأرض والسماء.

(وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) [نوح : ١٧].

(أَنْبَتَكُمْ) آدم خلقه من أديم الأرض كلها أو أنبتهم في الأرض بالكبر بعد الصغر وبالطول بعد القصر.

(لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) [نوح : ٢٠].

(سُبُلاً فِجاجاً) طرقا مختلفة أو واسعة أو أعلاما.

(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) [نوح : ٢١].

(عَصَوْنِي) لبث يدعوهم ألف سنة إلا خمسين عاما وهم على كفرهم وعصيانهم ورجا الأبناء بعد الآباء فيأتي بهم الولد بعد الولد حتى بلغوا سبع قرون ثم دعا عليهم بعد الإياس منهم وعاش بعد الطوفان ستين عاما حتى كثر الناس وفشوا. قال الحسن : وكانوا يزرعون في الشهر مرتين.

(وَوَلَدُهُ) واحد الأولاد وبالضم جماعة الأولاد أو بالضم العشيرة وبالفتح الأولاد.

(وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) [نوح : ٢٢].

(كُبَّاراً) أبلغ من كبير جعلوا لله تعالى صاحبة وولدا أو قول الكبراء للأتباع لا تذرنّ آلهتكم.

(وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [نوح : ٢٣].

(وَدًّا وَلا سُواعاً) كانت هذه الأصنام للعرب ولم يعبدها غيرهم. فخرج من قصة نوح إلى قول العرب ثم رجع إلى قصتهم أو كانت آلهة لقوم نوح وهم أول من عبد الأصنام ثم عبدها العرب بعدهم قاله الأكثر. قال ابن الزبير اشتكى آدم وعنده بنوه ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر. وكان ود أكبرهم وأبرهم به أو كانت أسماء رجال قبل نوح حزن عليهم آباؤهم بعد موتهم فصوروا صورهم ليتسلوا بالنظر إليها ثم عبدها أبناؤهم بعدهم أو

٣٠٧

كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح عليهما الصلاة والسّلام فخلفهم من أخذ في العبادة مأخذهم فصوروا صورهم ليذكروا بها اجتهادهم فعبدها قوم نوح بعدهم ثم انتقلت إلى العرب فعبدها ولد إسماعيل فكان ود لكلب بدومة الجندل وهو أول صنم معبود سمي بذلك لودهم له وسواع لهذيل بساحل البحر ويغوث لغطيف من مراد أو حي في نجران قال أبو عثمان النهدي : رأيت يغوث وكان من رصاص وكانوا يحملونه على جمل أحرد ويسيرون معه لا يهيجونه حتى يكون هو الذي يبرك فإذا برك قالوا : قد رضي لكم المنزل فيضربون عليه بناء وينزلون حوله ويعوق لهمدان ونسر لذي الكلاع من حمير.

(وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) [نوح : ٢٤].

(وَقَدْ أَضَلُّوا) أضل أكابرهم أصاغرهم أو ضل بالأصنام كثير منهم. (ضَلالاً) عذابا ويحتمل فتنة بالمال والولد.

(وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦].

(دَيَّاراً) أحدا أو من يسكن الديار دعا بذلك لما قيل له (لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ.)

الآية [هود : ٣٦] أو مر به رجل يحمل ولدا له صغيرا فقال : يا بني احذر هذا فإنه يضلك فقال : يا أبت أنزلني فأنزله فرماه فشجه فغضب نوح عليه الصلاة السّلام ودعا عليهم.

(رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) [نوح : ٢٨].

(وَلِوالِدَيَّ) أراد أباه لمكا وأمه هنجل وكانا مؤمنين أو أباه وجدّه. (دَخَلَ بَيْتِيَ) دخل مسجدي أو في ديني أو صديقي الداخل إلى منزلي. (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) من قومه أو جميع الخلق إلى قيام الساعة. (تَباراً) هلاكا أو خسارا.

سورة الجن (١)

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ١].

(اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ) القرآن صرفهم الله تعالى إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسماع القرآن أو

__________________

(١) سورة الجن سميت بهذا الاسم لأنها ذكر فيها أوصاف الجن وأحوالهم وطوائفهم وأيضا سورة قل أوحي إلىّ ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الأعراف ، وتعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية الوحدانية ، الرسالة ، البعث ، والجزاء ومحور السورة يدور حول الجن وما يتعلق بهم من أمور خاصة ، بدءا من استماعهم للقرآن إلى دخلوهم في الإيمان ، وقد تناولت السورة بعض الأنباء العجيبة الخاصة بهم : كاستراقهم للسمع ، ورميهم بالشهب المحرقة ، وإطلاعهم على بعض الأسرار الغيبية ، إلى غير ذلك من الأخبار المثيرة.

٣٠٨

منعوا من استراق السمع ورموا بالشهب ولم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين له ظاهر فأتوا إبليس فأخبروه فقال ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها فأتوه فشمها فقال صاحبكم بمكة أو رجعوا إلى قومهم فقالوا ما حال بيننا وبين خبر السماء إلا حدث في الأرض فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ففعلوا حتى أتوا تهامة فوجدوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ. فمن قال صرفوا إليه ذكر أنه رآهم ودعاهم وقرأ عليهم ومن قال ضربوا مشارق الأرض ومغاربها قال لم يرهم ولم يقرأ عليهم بل أتوه بنخلة عامدا إلى سوق عكاظ وهو يصلي بنفر من أصحابه الصبح فلما سمعوا القرآن قالوا هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء وكانت قراءته (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وكانوا تسعة أحدهم زوبعة أو سبعة ثلاثة من حرّان وأربعة من نصيبين أو تسعة من أهل نصيبين قرية باليمن غير التي بالعراق فصلوا مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصبح ثم ولوا إلى قومهم منذرين. قيل الجن تعرف الإنس كلها فلذلك توسوس إلى كلامه قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الجن من ولد الجان منهم المؤمن والكافر وليسوا شياطين والشياطين من ولد إبليس ولا يموتون إلا مع إبليس ويدخل مؤمنو الجن الجنة وقال الحسن رضي الله تعالى عنه هم ولد الجان والإنس ولد آدم عليه الصلاة السّلام فمن الجن الإنس المؤمن والكافر يثابون ويعاقبون فمؤمن الطائفتين ولي الله تعالى وكافرهما شيطان ويدخلون الجنة بإيمانهم أو لا يدخلها الجان وإن صرفوا عن النار قاله مجاهد.

(عَجَباً) في فصاحته أو في بلاغة مواعظه أو في عظم بركته.

(يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) [الجن : ٢].

(الرُّشْدِ) مراشد الأمور أو معرفة الله تعالى.

(وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) [الجن : ٣].

(جَدُّ رَبِّنا) أمره أو فعله أو ذكره أو غناه أو بلاغه أو ملكه وسلطانه أو جلاله وعظمته أو نعمه على خلقه أو (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) أي ربنا أو الجد أب الأب لأن هذا من قول الجن.

(وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) [الجن : ٤].

(سَفِيهُنا) إبليس أو جاهلنا وعاصينا. (شَطَطاً) جورا أو كاذبا أصله البعد فعبّر به عن الجور والكذب لبعدهما من العدل والصدق.

(وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) [الجن : ٦].

(يَعُوذُونَ) كانوا في الجاهلية إذا نزل أحدهم بواد قال أعوذ بكبير هذا الوادي من سفهاء قومه فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم.

٣٠٩

(رَهَقاً) طغيانا أو إثما أو خوفا أو كفرا أو أذى أو غيا أو عظمة أو سفها.

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً) [الجن : ٨].

(لَمَسْنَا) طلبنا التمست الرزق ولمسته أو قاربناها لأن الملموس مقارب فوجدنا أبوابها أو طرقها.

(حَرَساً شَدِيداً) الملائكة الغلاظ الشداد.

(وَشُهُباً) جمع شهاب وهو انقضاض الكواكب المحترقة وكان انقضاضها قبل البعث وإنّما زيد بالبعث إنذارا بحال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قاله الأكثر وقال الجاحظ لم يكن الانقضاض إلا بعد المبعث.

(وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) [الجن : ٩].

(مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) كانوا يسمعون من الملائكة الأخبار فيلقونها إلى الكهنة فلما حرست بالشهب قالوا ذلك ، ولم يكن لهم طريق إلى استماع الوحي قبل الحراسة ولا بعدها.

(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) [الجن : ١٠].

(لا نَدْرِي) هل بعث محمد ليؤمنوا به فيرشدوا أم يكفروا به فيعاقبوا وهل حراسة السماء لرشد وثواب أم لشر وعقاب.

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) [الجن : ١١].

(الصَّالِحُونَ) المؤمنون. (دُونَ ذلِكَ) المشركون.

(طَرائِقَ قِدَداً) فرقا شتى أو أديانا مختلفة أو أهواء متباينة.

(وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) [الجن : ١٣].

(لَمَّا سَمِعْنَا) القرآن من الرسول صدقنا به وكان مبعوثا إلى الإنس والجن قال الحسن لم يبعث الله تعالى رسولا قط من الجن ولا من أهل البادية ولا من النساء لقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) [يوسف : ١٠٩].

(بَخْساً) نقصا من حسناته ولا زيادة في سيئاته البخس : النقصان والرهق : العدوان وهذا من قول الجن.

(وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) [الجن : ١٤].

(الْقاسِطُونَ) الخاسرون أو الفاجرون أو الناكثون القاسط : الجائر لعدوله عن الحق

٣١٠

والمقسط العادل لعدوله إلى الحق.

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) [الجن : ١٦ ـ ١٧].

(وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) لو أقاموا على طريق الكفر والضلال.

(لَأَسْقَيْناهُمْ) لأغر قناهم كآل فرعون أو كثرنا الماء لإنبات زروعهم وكثرة أموالهم.

(لِنَفْتِنَهُمْ) بزينة الدنيا أو بالاختلاف بينهم بكثرة المال أو بالعذاب كقولهم (هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣].

(وَمَنْ يُعْرِضْ) عن قبول القرآن يسلطه عذابا قاله جماعة. أو لو استقاموا على الهدى والطاعة.

(لَأَسْقَيْناهُمْ) لهديناهم الصراط المستقيم أو لأوسعنا عليهم الدنيا أو لأعطيناهم عيشا رغدا أو مالا واسعا.

(غَدَقاً) عذبا معينا أو كثيرا واسعا قال عمر رضي الله تعالى عنه : حيثما كان الماء كان المال وحيثما كان المال كانت الفتنة.

(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) في الدنيا بالاختبار أو بتطهيرهم من الكفر أو بإخراجهم من الشدّة والجدب إلى الرخاء والخصب أو لنفتنهم فيه في الآخرة بتخليصهم وإنجائهم من فتنت الذهب إذا خلصت غشه بالنار (وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً) [طه : ٤٠] خلصناك من فرعون أو نصرفهم عن النار (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ) [الإسراء : ٧٣] ليصرفونك.

(وَمَنْ يُعْرِضْ) منهم عن العمل بالقرآن.

(عَذاباً صَعَداً) جب في النار أو جبل فيها إذا وضع عليه يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت. مأثور أو مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار يكلفون صعودها على وجوههم فإذا رقوها حدروا فذلك دأبهم أبدا.

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) [الجن : ١٨].

(الْمَساجِدَ) الصلوات أو أعضاء السجود أو بيوت الله أو كل موضع صلّى فيه الإنسان فهو بسجوده فيه مسجد.

(فَلا تَدْعُوا) فلا تعبدوا معه غيره قالت الجن للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ائذن لنا نصلّ معك في مسجدك فنزلت أو نزلت في اليهود والنصارى أضافوا إلى الله غيره في بيعهم وكنائسهم أو في قول المشركين في تلبيتهم حول البيت إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك.

(وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) [الجن : ١٩].

٣١١

(عَبْداً لِلَّهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قام إلى الصلاة يدعو الله فيها وائتمّ به أصحابه عجبت الجن من ذلك أو قام إليهم داعيا لهم إلى الله.

(لِبَداً) أعوانا أو جماعات بعضها فوق بعض واللبد لاجتماع الصوف بعضه فوق بعض وهم المسلمون في اجتماعهم على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو الجن في استماع قراءته أو الجن والإنس لتعاونهم عليه في الشرك.

(قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) [الجن : ٢١].

(لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) لمن آمن.

(وَلا أُشْرِكُ بِهِ) لمن كفر وفيه ثلاثة أوجه عذابا ولا نعيما أو موتا ولا حياة أو ضلالة ولا هدى.

(قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الجن : ٢٢].

(لَنْ يُجِيرَنِي) كان الجن الذين بايعوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سبعين ألفا وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر قاله مكحول وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه لما تقدّم إليهم ازدحموا عليه فقال سيدهم وردان أنا أزجلهم عنك فقال : إني لن يجيرني من الله أحد.

(مُلْتَحَداً) ملجأ وحرزا أو وليا ومولى أو مذهبا ومسلكا.

(إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [الجن : ٢٣].

(إِلَّا بَلاغاً) لا أملك لكم ضرّا ولا رشدا إلا أن أبلغكم رسالات ربي أو لن يجيرني منهم إن أحد لم أبلغ رسالته.

(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) [الجن : ٢٦].

(الْغَيْبِ) السر أو ما لم تروه مما غاب عنكم أو القرآن أو القيامة وما يكون فيها.

(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) [الجن : ٢٧].

(مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) جبريل عليه‌السلام أو نبي فيما يطلعه عليه من غيب أو نبي فيما أنزله عليه من كتاب.

(رَصَداً) يجعل له طريقا إلى علم بعض ما كان قبله وما يكون بعده أو ملائكة يحفظون النبي من الجن والشياطين من ورائه وأمامه وهم أربعة. أو يحفظون الوحي فما كان من الله تعالى قالوا هو من عند الله وما ألقاه الشيطان قالوا هو من الشيطان أو يحفظون جبريل عليه‌السلام إذا نزل بالوحي من السماء أن يسمعه مسترقو السمع من الشياطين فيلقوه إلى الكهنة قبل أن يبلغه الرسول إلى أمّته.

٣١٢

(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [الجن : ٢٨].

(لِيَعْلَمَ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن جبريل عليه‌السلام قد بلغ إليه رسالة ربه وما نزل جبريل عليه‌السلام إلا ومعه ملائكة حفظة أو ليعلم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّ الرسل قبله قد بلغت الرسالات وحفظت أو ليعلم مكذب الرسل أنّ الرسل قد بلغت أو لعلم الجن أنّ الرسل بلغوا الوحي ولم يكونوا هم المبلغين باستراق السمع أو ليعلم الله تعالى أنّ رسله قد بلغوا رسالاته.

سورة المزمل (١)

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) [المزمل : ١].

(الْمُزَّمِّلُ) المتحمل زمل الشيء حمله ومنه الزاملة أو المتلفف المزمل بالنبوّة أو القرآن أو بثيابه قيل نزلت وهو في قطيفة.

(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً) [المزمل : ٢].

(إِلَّا قَلِيلاً) من أعداد الليالي فلا تقمها أو إلّا قليلا من زمان كل ليلة وكان قيامه فرضا عليه خاصة أو عليه وعلى أمّته فقاموا حتى ورمت أقدامهم ثم نسخ عنهم بعد سنة بآخر السورة أو بعد ستة عشر شهرا بالصلوات الخمس ولم ينسخ عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو نسخ عنه كما نسخ عن أمته بعد سنة أو ستة عشر شهرا أو بعد عشر سنين تمييزا له بالفضل عليهم.

(نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) [المزمل : ٣].

(قَلِيلاً) الثلث وما دون العشار والسدس والقليل من الشيء دون نصفه.

(أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) [المزمل : ٤].

(وَرَتِّلِ) بينه أو فسره أو اقرأه على نظمه وتواليه من غير تغيير لفظ ولا تقديم ولا تأخير من ترتل الأسنان إذا استوى نبتها وحسن انتظامها.

(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل : ٥].

(ثَقِيلاً) عليه إذا أوحي إليه فلا يقدر على الحركة أو العمل به ثقيل أو في الميزان يوم

__________________

(١) سورة المزمل سميت بهذا الاسم لأن محورها دار حول الرسول وما كان عليه من حالة ، فوصفه الله وناداه بحالته التي كان عليها. المزمل المغشي بثوبه ، وهي سورة مكية نزلت بعد سورة القلم ، تتناول السورة جانبا من حياة الرسول الأعظم في تبتله وطاعته وقيام الليل وتلاوته لكتاب الله ، ومحور السورة يدور حول الرسول ولهذا سميت سورة المزمل.

٣١٣

القيامة أو كريم من قولهم فلان ثقيل عليّ : أي كريم.

(إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) [المزمل : ٦].

(ناشِئَةَ اللَّيْلِ) قيامه بالحبشية أو ما بين المغرب والعشاء أو ما بعد العشاء أو بدو الليل أو ساعاته لأنها تنشأ ساعة بعد ساعة أو الليل كله لأنه ينشأ بعد النهار.

(أَشَدُّ وَطْئاً) مواطأة قلبك وسمعك وبصرك أو مواطأة قولك بعملك أو نشاطا لأنه في زمان راحتك أو أشدّ وأثبت وأحفظ للقراءة.

(وَأَقْوَمُ قِيلاً) أبلغ في الخير وأمنع من العدو أو أصوب للقراءة وأثبت للقول لأنه زمان التفهم أو أعجل إجابة للدعاء.

(إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) [المزمل : ٧].

(سَبْحاً) فراغا لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك أو دعاءا كثيرا أو عملا وتقلبا يشغلك عن فراغ ليلك والسبح : الذهاب ومنه السبح في الماء.

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) [المزمل : ٨].

(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ) واقصد بعملك وجه ربك أو ابدأ القراءة بالبسملة. (وَتَبَتَّلْ) أخلص أو تعبد أو انقطع مريم البتول لانقطاعها إلى الله تعالى ، نهى الرسول صلّى الله عليه سلم عن التبتل الانقطاع عن الناس والجماعات أو تضرّع إليه تضرعا.

(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩].

(رَبُّ الْمَشْرِقِ) أي رب العالم لأنهم بين المشرق المغرب أو مشرق الشمس ومغربها يريد استواء الليل والنهار أو وجه الليل ووجه النهار أو أول النهار وآخره أضاف نصفه الأول إلى المشرق ونصفه الآخر إلى المغرب.

(وَكِيلاً) معينا أو كفيلا أو حافظا.

(وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) [المزمل : ١٠].

(هَجْراً جَمِيلاً) اصفح وقل سلاما أو أعرض عن سفههم وأرهم صغر عداوتهم أو هجرا لا جزع فيه.

(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) [المزمل : ١١].

(وَالْمُكَذِّبِينَ) قيل بنو المغيرة أو اثنا عشر رجلا من قريش. (وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً) إلى السيف.

(إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً) [المزمل : ١٢].

(أَنْكالاً) أغلالا أو قيودا أو أنواع العذاب الشديد قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يحب

٣١٤

النكل على النكل» فسئل عن ذلك فقال : «الرجل القوي المجرب على الفرس القوي المجرب» وبه سمي القيد والغل لقوتهما.

(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً) [المزمل : ١٣].

(ذا غُصَّةٍ) الزقوم أو شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج.

(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل : ١٤].

(مَهِيلاً) رملا سائلا أو الذي نزل تحت القدم فإذا وطئت أسفله أنهى أعلاه.

(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً) [المزمل : ١٦].

(وَبِيلاً) شديدا أو متتابعا أو مقبلا غليظا ومنه الوابل للمطر العظيم أو مهلكا.

(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً) [المزمل : ١٧].

(شِيباً) جمع أشيب والأشيب والأشمط الذي اختلط سواد شعره ببياضه.

(السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً) [المزمل : ١٨].

(مُنْفَطِرٌ بِهِ) ممتلئة به أو مثقلة أو مخزونة به أو منشقة من عظمته وشدّته.

(كانَ وَعْدُهُ) بالثواب والعقاب أو بإظهار دينه على الدين كله أو بانفطار السماء وشيب الولدان وكون الجبال كثيبا مهيلا.

(بِهِ) الضمير لليوم يعني أشاب الولدان وجعل السماء منفطرة بما ينزل منها أي يوم القيامة يجعل الولدان شيبا ، وانفطارها انفتاحها لنزول هذا القضاء منها.

(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المزمل : ٢٠].

(لَنْ تُحْصُوهُ) لن تطيقوا قيام الليل أو تقدير نصفه وثلثه وربعه.

(فَاقْرَؤُا) فصلوا عبر عن الصلاة بالقراءة.

(ما تَيَسَّرَ) من النوافل إذ لا يؤمر في الفرض بما تيسر أو الصلوات الخمس ما تيسر من أفعالها وأركانها على قدر القوّة والضعف والصحة والمرض دون العدد لأنّ الناس انتقلوا من قيام الليل إلى الصلوات الخمس أو بحمل القرآن على حقيقته يقرأ به في الصلاة وما تيسر : الفاتحة عند من أوجبها أو قدر آية واحدة من القرآن أو أراد القراءة خارج الصلاة

٣١٥

وهي مستحبة أو واجبة ليقف بها على إعجازه ودلائله فإذا قرأه وعرف إعجازه ودلائل التوحيد منه فلا يلزمه حفظه. لأنّ حفظه متسحب فعلى هذا المراد به جميع القرآن لأنّ الله تعالى يسره على العباد أو ثلثه أو مائتا آية منه أو ثلاث آيات كأقصر سورة.

(يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ) بالمسافرة ، أو بالتقلب للتجارة.

(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ) قيل إعادة لنسخ ما فرضه من قيام الليل وجعل ما تيسر منه تطوعا ونفلا فأقيموا الصلوات الخمس.

(الزَّكاةَ) الطاعة والإخلاص أو صدقة الفطر أو زكوات الأموال كلها.

(قَرْضاً حَسَناً) النوافل بعد الفروض أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو نفقة الأهل أو النفقة في سبيل الله أو جميع الطاعات وسماه قرضا لأنه أوجب جزاءه على نفسه فصار كالقرض المردود.

(تَجِدُوهُ) أي ثوابه.

(هُوَ خَيْراً) مما أعطيتم أو فعلتم.

(وَأَعْظَمَ أَجْراً) الجنة.

(غَفُورٌ) لما كان قبل التوبة.

(رَحِيمٌ) لكم بعدها.

سورة المدثر (١)

(يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [المدثر : ١].

(الْمُدَّثِّرُ) بثيابه أو بالنبوّة وأثقالها.

(قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢].

(قُمْ) من نومك. (فَأَنْذِرْ) قومك العذاب وهي أول سورة نزلت.

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر : ٤].

(وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وعملك فأصلح قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يحشر المرء في ثوبيه اللذين مات فيهما» يعني عمله الصالح والطالح أو نفسك طهرها من الخطايا أو مما نسبوه إليك من السحر والشعر والكهانة والجنون أو مما كنت تفكر فيه وتحذره من قول الوليد بن المغيرة

__________________

(١) سورة المدثر سميت بهذا الاسم لأن المرتكز الأساسى دار حول الرسول فناداه الله بحالته وهى التدثر بالثوب فوصف بحالته ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة المزمل ، والسورة تتحدث عن بعض جوانب من شخصية الرسول الأعظم ولهذا سميت سورة المدثر.

٣١٦

أو قلبك طهره من الإثم والمعاصي أو الغدر.

فسلي ثيابي من ثيابك تنسلي

أو نساءك فطهّر باختيارهم مؤمنات عفيفات أو بالإتيان في القبل والطهر دون الدبر والحيض (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) [البقرة : ١٨٧].

أو ثياب اللبس فقصّر وشمّر أو انقها أو طهرها من النجاسة بالماء أو لا تلبسها إلّا من كسب حلال لتكون مطهرّة من الحرام.

(وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) [المدثر : ٥].

(وَالرُّجْزَ) الأوثان والأصنام أو الشرك أو الذنب أو الإثم أو العذاب أو الظلم.

(وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) [المدثر : ٦].

(وَلا تَمْنُنْ) لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها قال الضحاك : حرمه على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأباحه لأمّته أو لا تمنن بعملك تستكثره على ربك أو لا تمنن بالنبوّة على الناس تأخذ عليها أجرا أو لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه.

(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) [المدثر : ٧].

(وَلِرَبِّكَ) لأمر ربك أو لوعده أو لوجهه.

(فَاصْبِرْ) على ما لقيت من الأذى والمكروه أو على محاربة العرب ثم العجم أو على الحق فلا يكن أحد أبرد عندك فيه من أحد أو على عطيتك لله أو على الوعظ لوجه الله أو على انتظار ثواب عملك من الله تعالى أو على ما أمرت به من أداء الرسالة وتعليم الدين.

(فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ) [المدثر : ٨].

(النَّاقُورِ) الصور النفخة الأولى أو الثانية أو القلب يجيب إذا دعي للحساب حكاه ابن كامل.

(ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) [المدثر : ١١].

(وَحِيداً) منفردا بخلقه أو وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد أعلمه بذلك قدر نعمه عليه بالمال والولد أو ليدلّه على أنّه يبعث وحيدا كما خلق وحيدا نزلت في الوليد بن المغيرة.

(وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) [المدثر : ١٢].

(مَمْدُوداً) ألف دينار أو أربعة آلاف دينار أو ستّة آلاف دينار أو مائة ألف دينار أو أرض يقال لها الميثاق أو غلة شهر بشهر أو الذي لا ينقطع شتاء ولا صيفا أو الأنعام التي يمتد سيرها من أقطار الأرض للرعي والسفر.

(وَبَنِينَ شُهُوداً) [المدثر : ١٣].

٣١٧

(وَبَنِينَ) عشرة أو اثنا عشر أو ثلاثة عشر رجالا قال الضحاك : ولد له سبعة بمكة وخمسة بالطائف.

(شُهُوداً) حضور معه لا يغيبون عنه أو يذكرون معه إذا ذكر أو كلهم ربّ بيت.

(وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) [المدثر : ١٤].

(وَمَهَّدْتُ لَهُ) من المال والولد أو الرئاسة في قومه.

(ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) [المدثر : ١٥].

(أَنْ أَزِيدَ) من المال والولد أو أدخله الجنة قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما فلم يزل يرى النقص في ماله وولده.

(كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) [المدثر : ١٦].

(لِآياتِنا) القرآن أو الحق أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(عَنِيداً) معاندا أو مباعدا أو جاحدا أو معرضا.

(سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) [المدثر : ١٧].

(صَعُوداً) مشقة من العذاب أو عذاب لا راحة فيه أو صخرة في النار ملساء كلف صعودها فإذا صعدها زلق منها أو جبل في جهنم من نار كلف صعوده فإذا وضع يده أو رجله ذابت فإذا رفعها عادت مأثور.

(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) [المدثر : ١٨].

(إِنَّهُ فَكَّرَ) قال لقد نظرت فيما قال هذا الرجل فإذا هو ليس بشعر وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى وما أشك أنه سحر ففكر في القرآن وقدر في قوله إنه سحر وليس بشعر.

(فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) [المدثر : ١٩].

(فَقُتِلَ) ثم قتل فعوقب ثم عوقب فتكرر عليه العذاب مرة بعد أخرى أو لعن ثم لعن.

(كَيْفَ قَدَّرَ) إنه ليس بشعر ولا كهانة وإنه سحر.

(ثُمَّ نَظَرَ) [المدثر : ٢١].

(ثُمَّ نَظَرَ) في القرآن أو إلى بني هاشم لما قال إنه ساحر ليعلم ما عندهم.

(ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) [المدثر : ٢٢].

(ثُمَّ عَبَسَ) قبض ما بين عينيه.

(وَبَسَرَ) كلح وجهه أو تغير قيل ظهور العبوس في الوجه بعد المحاورة وظهور البسور فيه قبل المحاورة.

٣١٨

(فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) [المدثر : ٢٤].

(إِنْ هذا) القرآن.

(إِلَّا سِحْرٌ) يأثره محمد عن غيره.

(إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) [المدثر : ٢٥].

(قَوْلُ الْبَشَرِ) وليس من قول الله تعالى نسبوه إلى أبي اليسر عبد لبني الحضرمي كان يجالس الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنسبوه إلى أنه تعلّم ذلك منه.

(سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) [المدثر : ٢٦].

(سَقَرَ) اسم لجهنم من سقرته الشمس إذا آلمت دماغه لشدّة إيلامها.

(وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) [المدثر : ٢٧].

(لا تُبْقِي) من فيها حيّا ولا تذره ميتا أو لا تبقي أحدا منهم أن تتناوله ولا تذره من العذاب.

(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) [المدثر : ٢٩].

(لَوَّاحَةٌ) مغيرة للألوان تلفح وجوههم لفحة تدعها أشدّ سوادا من الليل أو تحرق البشر حتى تلوّح العظم أو تلوّح بشرة أجسادهم على النار أو معطشة للبشر واللوح شدّة العطش قال :

سقتني على لوح من الماء شربة

سقاها به الله الرهام الغواديا

(لِلْبَشَرِ) الإنس عند الأكثر أو جمع بشرة وهي الجلدة الظاهرة.

(عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠].

(تِسْعَةَ عَشَرَ) خزنة جهنم من الزبانية وكذلك عددهم في التوراة والإنجيل ولما نزلت قال أبو جهل يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم أن يأخذوا واحدا منهم وأنتم أكثر منهم وقال أبو الأشد بن الجمحي لا يهولنكم التسعة عشر أنا أدفع عنكم بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة وبمنكبي الأيسر التسعة ثم تمرون إلى الجنة يقولها مستهزئا فنزلت.

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً وَلا يَرْتابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) [المدثر : ٣١].

٣١٩

(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ) ولما وصفهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : كأن أعينهم البرق وكأنّ أفواههم الصياصي يجرون شعورهم لأحدهم مثل قوّة الثقلين يسوق أحدهم الأمّة على رقبته جبل فيرمي بهم في النار ويرمي الجبل عليهم.

(لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) نبوّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عدد الخزنة لموافقة ذلك لما في التوراة والإنجيل.

(وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا) بذلك إيمانا.

(وَما هِيَ) وما نار جهنم إلّا ذكر ، أو ما نار الدنيا إلّا تذكرة لنار الآخرة أو ما هذه السورة إلّا تذكرة للناس.

(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) [المدثر : ٣٣].

«دبر» ولى أو أقبل عن إدبار النهار دبر وأدبر واحد أو دبر إذا خلفته خلفك وأدبر إذا ولّى أمامك أو دبر جاء بعد غيره على دبره وأدبره ولّى مدبرا.

(وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) [المدثر : ٣٤].

(أَسْفَرَ) أضاء.

(إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) [المدثر : ٣٥].

(إِنَّها) إن سقر لإحدى الكبر أو قيام الساعة أو هذه الآية.

(الْكُبَرِ) العظائم من العقوبات والشدائد.

(نَذِيراً لِلْبَشَرِ) [المدثر : ٣٦].

(نَذِيراً) يعني النار أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢].

(لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) [المدثر : ٣٧].

(يَتَقَدَّمَ) يتقدّم. (أَوْ يَتَأَخَّرَ) في المعصية أو يتقدّم في الخير أو يتأخر في الشر أو يتقدّم إلى النار أو يتأخر عن الجنة تهديد ووعيد.

(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) [المدثر : ٣٨ ـ ٣٩].

(كُلُّ نَفْسٍ) بالغة محتبسة بعملها.

(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) أطفال المسلمين أو كل نفس من أهل النار مرتهنة في النار إلّا المسلمين أو كل نفس محاسبة بعملها إلا أهل الجنة فلا يحاسبون.

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) [المدثر : ٤٥].

(نَخُوضُ) نكذب أو كلما غوى غاو غوينا معه أو قولهم محمد ساحر محمد شاعر محمد كاهن.

٣٢٠