تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

سوى بينهم في الصحة وسوى بينهم في العذاب جميعا.

(فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٨].

(فَأَلْهَمَها) أعلمها أو ألزمها.

(فُجُورَها) الشقاء والسعادة أو الشر والخير أو المعصية والطاعة.

(قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩].

(قَدْ أَفْلَحَ) على هذا أقسم وفيها أحد عشر قسما.

(مَنْ زَكَّاها) من زكى الله تعالى نفسه أو من زكى نفسه بالطاعة.

(زَكَّاها) أصلحها أو طهرها.

(وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ١٠].

(دَسَّاها) الله تعالى أو دسى نفسه أغواها وأضلها لأنه دسس نفسه في المعاصي أو أثمها أو خسرها أو كذبها أو أشقاها أو خيبها من الخير أو أخفاها وأخملها بالبخل.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها) [الشمس : ١١].

(بِطَغْواها) طغيانها ومعصيتها أو بأجمعها أو بعذابها وكان اسمه الطّغوى.

(فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها) [الشمس : ١٤].

(فَدَمْدَمَ) فغضب أو فأطبق أو فدمر.

(فَسَوَّاها) سوى بينهم في الهلاك أو سوى بهم الأرض.

(وَلا يَخافُ عُقْباها) [الشمس : ١٥].

(عُقْباها) لا يخاف الله تعالى عقبى إهلاكهم أو لا يخاف عاقروها عقبى عقرها.

سورة الليل (١)

(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) [الليل : ١].

(يَغْشى) أظلم أو ستر أو غشى الخلائق فعمهم.

(وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل : ٢].

(تَجَلَّى) أضاء أو ظهر.

(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [الليل : ٣].

__________________

(١) سورة الليل سورة مكية ، نزلت بعد سورة الأعلى ، بدأت السورة بقسم وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، لم يذكر لفظ الجلالة في السورة ، ويدور محور السّورة حول سعي الإنسان وعمله ، وعن كفاحه ونضاله في هذه الحياة ، ثمّ نهايته إلى النّعيم أو إلى الجحيم.

٣٦١

(وَما خَلَقَ) ومن خلق أقسم بنفسه.

(الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) آدم وحواء أو كل ذكر وأنثى.

(إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) [الليل : ٤].

(لَشَتَّى) مختلف في نفسه مؤمن وكافر وطائع وعاص أو مختلف الجزاء فمعاقب ومنعّم قيل نزلت في أبي بكر وأمية وأبي ابني خلف لما عذبا بلالا على إسلامه فاشتراه أبو بكر رضي الله تعالى عنه منهما ببردة وعشر أواق وعتقه لله عزوجل.

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) [الليل : ٥].

(مَنْ أَعْطى) أبو بكر رضي الله تعالى عنه أعطى حق الله تعالى عليه أو أعطى الله تعالى الصدق من قلبه أو أعطى من فضل ماله.

(وَاتَّقى) ربه أو محارمه التي نهى عنها أو اتقى البخل.

(وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) [الليل : ٦].

(بِالْحُسْنى) بلا إله إلا الله أو بوعد الله تعالى أو بثوابه أو بالجنة أو بالصلاة والزكاة والصوم أو بما أنعم الله عليه أو بالخلف من عطائه.

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى) [الليل : ٧].

(لِلْيُسْرى) للخير أو للجنة.

(وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى) [الليل : ٨].

(مَنْ بَخِلَ) أمية وأبي ابنا خلف بخل بماله الذي لا يبقى أو بحق الله تعالى.

(وَاسْتَغْنى) عن ربه أو بماله.

(وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى) [الليل : ٩].

(بِالْحُسْنى) فيها الأقوال السبعة.

(فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى) [الليل : ١٠].

(لِلْعُسْرى) للشر من الله تعالى أو للنار.

(وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى) [الليل : ١١].

(تَرَدَّى) في النار أو مات.

(إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى) [الليل : ١٢].

(لَلْهُدى) بيان الهدى والضلال أو بيان الحلال والحرام.

(وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [الليل : ١٣].

(وَإِنَّ لَنا) ملك الدنيا والآخرة أو ثوابهما.

٣٦٢

(فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى) [الليل : ١٤].

(تَلَظَّى) تتغيظ أو تستطيل أو توهج.

(لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى) [الليل : ١٥].

(الْأَشْقَى) الشقي.

(الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [الليل : ١٦].

(كَذَّبَ) كتاب الله تعالى.

(وَتَوَلَّى) عن طاعته أو كذب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتولى عن طاعته.

(وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل : ١٩ ـ ٢٠].

(وَما لِأَحَدٍ) عند الله تعالى.

(مِنْ نِعْمَةٍ) يجازيه بها إلا أن يفعلها.

(ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ) فيستحق عليها الجزاء أو ما لبلال عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه لما اشتراه وأعتقه وخلصه من العذاب نعمة سلفت جازاه بها.

(إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) ثوابه وعتقه.

سورة الضحى (١)

(وَالضُّحى) [الضحى : ١].

(وَالضُّحى) أول ساعة من النهار إذا ترحّلت الشمس أو صدر النهار أو طلوع الشمس أو ضوء النهار في اليوم كله من قولهم ضحى فلان للشمس إذا ظهر لها.

(وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [الضحى : ٢].

(سَجى) أقبل أو أظلم أو استوى أو ذهب أو سكن الخلق فيه سجى البحر سكن.

(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) [الضحى : ٣].

(ما وَدَّعَكَ) رمي الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحجر في إصبعه فدميت فقال :

هل أنت إلا أصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت

فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم فقالت له امرأة : يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فنزلت ، أو أبطأ عليه جبريل عليه‌السلام فجزع جزعا شديدا فقال كفار قريش : إنا نرى

__________________

(١) سورة الضحى سورة مكية ، نزلت بعد سورة الفجر ، بدأت السورة بقسم وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ، ويدور محور السّورة حول شخصيّة النّبيّ الأعظم ، وما حباه الله به من الفضل والإنعام في الدّنيا والآخرة ؛ ليشكر الله على تلك النّعم الجليلة.

٣٦٣

ربك قد قلاك مما رأى من جزعك فنزلت ، أو أبطأ الوحي فقالوا : ودع محمدا ربّه فنزل.

(ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ) ما قطع الوحي عندك توديعا لك.

(وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى) [الضحى : ٤].

(وَلَلْآخِرَةُ) لما عرض على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما يفتح على أمته من بعده كفرا بعد كفر فسرّ بذلك نزل (وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ.)

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى) [الضحى : ٥].

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ) أي أجر الآخرة خير مما أعجبك في الدنيا أو الذي لك عند الله أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا.

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى) [الضحى : ٦].

(يَتِيماً) لا مثل لك ولا نظير فآواك إلى نفسه واختصك لرسالته ، درة يتيمة إذا لم يكن لها مثل أو يتيما بموت أبويك فآواك بكفالة أبي طالب لأن عبد المطلب كفله بعد أبويه ثم مات عبد المطلب فكفله أبو طالب أو جعل لك مأوى لنفسك أغناك به عن كفالة عبد المطلب.

(وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧].

(ضَالًّا فَهَدى) لا تعرف الحق فهداك إليه أو عن النبوة فهداك إليها أو عن الهجرة فهداك إليها أو في قوم ضلال فهداك لإرشادهم أو ناسيا فأذكرك كقوله (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) [البقرة : ٢٨٢] أو طالبا للقبلة فهداك إليها عبر عن الطلب بالضلال لأن الضال طالب أو وجدك متحيرا في بيان ما نزل عليك فهداك إليه عبر عن التحير بالضلال لأن الحيرة تلزم الضلال أو ضائعا في قومك فهداك إليهم أو محبا للهداية فهداك إليها ومنه (إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] أي محبتك.

(وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى) [الضحى : ٨].

(عائِلاً) ذا عيال فكفاك أو فقيرا فمولك أو فقيرا من الحجج والبراهين فأغناك بها أو وجدك العائل الفقير فأغناه بك.

(فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩].

(فَلا تَقْهَرْ) لا تحقر أو لا تظلم أو لا تستذل أو لا تمنعه حقه الذي في يدك أو كن لليتيم كالرب الرحيم.

(وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ) [الضحى : ١٠].

(السَّائِلَ) للبر إذا رددته فرده برفق ولين أو السائل عن الدين لا تغلظ عليه وأجبه برفق ولين.

٣٦٤

(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى : ١١].

(بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) النبوة فادع أو القرآن فبلغ أو ما أصاب من خير أو شر فحدث به الثقة من إخوانك أو حدث به نفسك ندب إلى ذلك ليكون ذكرها شكرا.

سورة الشرح (١)

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١].

(أَلَمْ) استفهام تقرير.

(نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) بإزالة همك حتى خلا لما أمرت به أو نوسعه لما حملته فلا يضيق عنه ، وتشريح اللحم تفتيحه لتفريقه ، شرحه بالإسلام أو بأن ملأه حكمة وعلما أو بالصبر والاحتمال.

(وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) [الشرح : ٢].

(وِزْرَكَ) غفرنا لك ذنبك أو حططنا عنك ثقلك أو حفظناك في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك جبريل عليه‌السلام وأنت مطهر منها.

(الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) [الشرح : ٣].

(أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) كما ينقض البعير من الحمل الثقيل فيصير نقضا. أثقل ظهره بالذنوب حتى غفرها أو بالرسالة حتى بلغها أو بالنعم حتى شكرها.

(وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) [الشرح : ٤].

(وَرَفَعْنا) ذكرك بالنبوة أو في الآخرة كما رفعناه في الدنيا أو تذكر معي إذا ذكرت قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتاني جبريل عليه‌السلام فقال : إن الله تعالى يقول أتدري كيف رفعت ذكرك قال الله تعالى أعلم قال إذا ذكرت ذكرت معي» (٢) قال قتادة ورفع ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله

__________________

(١) سورة الشرح ، تسمّى أيضا سورة ألم نشرح ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الضحى ، لم يذكر في السورة لفظ الجلالة ، ويدور محور السّورة حول مكانة الرّسول الجليل ، ومقامه الرّفيع عند الله تعالى ، وقد تناولت الحديث عن نعم الله العديدة على عبده ورسوله محمّد وذلك بشرح صدره بالإيمان ، وتنوير قلبه بالحكمة والعرفان ، وتطهيره من الذّنوب والأوزار وكلّ ذلك بقصد التّسلية لرسول الله عمّا يلقاه من أذى الفجّار ، وتطييب خاطره الشّريف بما منحه الله من الأنوار أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ.

(٢) أخرجه أبو يعلى (٢ / ٥٢٢ ، رقم ١٣٨٠) ، وابن حبان (٨ / ١٧٥ رقم ٣٣٨٢). قال الهيثمي (٨ / ٢٥٤) : إسناده حسن.

٣٦٥

وأشهد أن محمدا رسول الله.

(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥].

(فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) مع اجتهاد الدنيا جزاء إلا الجنة أو مع الشدة رخاء ومع الضيق سعة ومع الشقاوة سعادة ومع الحزونة سهولة وكرره تأكيدا ومبالغة أو العسر واحد واليسر اثنان لدخول الألف واللام على العسر وحذفهما من اليسر.

(فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) [الشرح : ٧].

(فَرَغْتَ) من الفرائض.

(فَانْصَبْ) في قيام الليل أو من الجهد فانصب لعبادة ربك أو من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك أو من صلاتك فانصب في دعائك.

(وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ) [الشرح : ٨].

(فَارْغَبْ) إليه في دعائك أو معونتك أو في إخلاص نيتك.

سورة التين (١)

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين : ١].

(وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) المأكولان أو التين دمشق والزيتون بيت المقدس أو التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس أو التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس أو الجبل الذي عليه التين والجبل الذي عليه الزيتون وهما جبلان : بالشام أحدهما طور تينا والآخر طور زيتا أو جبلان بين حلوان وهمدان حكاه ابن الأنباري أو التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء أو التين مسجد نوح عليه الصلاة والسّلام الذين بني على الجودي والزيون مسجد بيت المقدس أو عبر بهما عن جميع النعم لأن التين طعام والزيتون إدام.

(وَطُورِ سِينِينَ) [التين : ٢].

(وَطُورِ) جبل بالشام أو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه الصلاة والسّلام.

(سِينِينَ) الحسن بلغة الحبشة ونطقت بها العرب أو المبارك أو اسم للبحر الميت أو

__________________

(١) سورة التين ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة البروج ، ويدور محور السّورة حول موضوعين بارزين هما :

الأوّل ـ تكريم الله جل وعلا للنّوع البشري.

الثّاني ـ موضوع الإيمان بالحساب والجزاء.

٣٦٦

الشجر الذي حوله.

(وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) [التين : ٣].

(الْبَلَدِ) مكة.

(الْأَمِينِ) الآمن أهله من القتل والسبي لأن العرب كانت تكف عنه في الجاهلية أن تسبي فيه أحدا أو تسفك دما أو المأمون على ما أودعه الله تعالى معالم دينه.

(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين : ٤].

(الْإِنْسانَ) عام أو كلدة بن أسيد أو أبو جهل أو الوليد بن المغيرة أو عتبة وشيبة أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) أعدل خلق أو أحسن صورة أو شباب وقوة أو منتصب القامة وسائر الحيوان منكب.

(ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [التين : ٥].

(أَسْفَلَ سافِلِينَ) الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة أو النار يعني الكافر في الدرك الأسفل.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) [التين : ٦].

(مَمْنُونٍ) منقوص أو محسوب أو مكدر بالمن والأذى أو مقطوع أو أجر بغير عمل لأن من بلغ الهرم كتب له أجر ما عجز عنه من العمل الصالح أو لا يضره ما عمل في كبره.

(فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ) [التين : ٧].

(فَما يُكَذِّبُكَ) أيها الإنسان بعد هذه الحجج أو ما يكذبك أيها الرسول بعدها بالدين والدين : حكم الله تعالى أو الجزاء.

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) [التين : ٨].

(أَلَيْسَ اللهُ) تقرير لمن اعترف من الكفار بالصانع.

(بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ) صنعا وتدبيرا أو قضاء بالحق وعدلا بين الخلق وفيه محذوف وتقديره : فلم ينكرون مع هذه الحال البعث والجزاء. وكان علي رضي الله تعالى عنه إذا قرأها يقول بلى وأنا على ذلك من الشاهدين.

٣٦٧

سورة العلق (١)

(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق : ١].

(بِاسْمِ رَبِّكَ) لما كانوا يعبدون آلهة لا تخلق ميز ربه عنهم بقوله (الَّذِي خَلَقَ.)

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ) [العلق : ٢].

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) جنس.

(عَلَقٍ) جمع علقة وهي قطعة دم رطب سميت بذلك لأنها تعلق لرطوبتها بما تمر عليه فإذا جفت لم تكن علقة.

(الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) [العلق : ٤].

(عَلَّمَ بِالْقَلَمِ) عام في كل كاتب أو أراد آدم عليه الصلاة والسّلام لأنه أول من كتب أو إدريس وهو أول من كتب ، والقلم : لأنه يقلم كالظفر أي يقطع.

(عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ٥].

(ما لَمْ يَعْلَمْ) الخط بالقلم أو كل صنعة.

(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) [العلق : ٦].

(كَلَّا) رد وتكذيب أو بمعنى «ألا».

(لَيَطْغى) ليعصي أو ليبطر أو ليتجاوز قدره أو ليرتفع من منزلة إلى منزلة.

(أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى) [العلق : ٧].

(اسْتَغْنى) بماله أو عن ربه نزلت في أبي جهل.

(إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى) [العلق : ٨].

(الرُّجْعى) المنتهى أو المرجع في القيامة.

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) [العلق : ٩].

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى) نزلت في أبي جهل حلف لئن رأى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي ليطأن رقبته وليعفرن وجهه في التراب فجاءه وهو يصلي ليطأ رقبته فأراه الله تعالى بينه وبينه خندقا

__________________

(١) سورة العلق ، وتسمّى أيضا سورة اقرأ ، وهى أول ما نزل من القرآن الكريم ، ويدور محور السّورة حول القضايا الآتية :

أوّلا : موضوع بدء نزول الوحي على خاتم الأنبياء محمّد.

ثانيا : موضوع طغيان الإنسان بالمال وتمرّده على أوامر الله.

ثالثا : قصّة الشّقيّ أبي جهل ونهيه الرّسول عن الصّلاة.

٣٦٨

من نار وهواء وأجنحة فنكص وقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو دنا مني لا ختطفته الملائكة عضوا عضوا وكان في صلاة الظهر».

(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى) [العلق : ١١].

(أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مهتديا في نفسه وأمر بطاعة ربه أو إن كان أبو جهل مهتديا ألم يكن خيرا منه؟

(أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) [العلق : ١٣].

(كَذَّبَ) بالله تعالى.

(وَتَوَلَّى) عن طاعته أو بالقرآن وتولى عن الإيمان.

(أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) [العلق : ١٤].

(أَلَمْ يَعْلَمْ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو أبو جهل.

(بِأَنَّ اللهَ يَرى) عمله ويسمع قوله أو يراك في صلاتك حتى نهاك أبو جهل عنها.

(كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) [العلق : ١٥].

(لَنَسْفَعاً) لنأخذن بناصيته وهو عند العرب أبلغ شيء في الإذلال والهوان أو أراد تسويد وجهه وتشويه خلقه والسفعة السواد من سفعته النار والشمس إذا غيرت وجهه وشوهته والناصية : شعر مقدم الرأس وقد يعبرون بها عن جملة الإنسان كقولهم ناصية مباركة.

(ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ) [العلق : ١٦].

(كاذِبَةٍ) في قولها. (خاطِئَةٍ) في فعلها.

(فَلْيَدْعُ نادِيَهُ) [العلق : ١٧].

(نادِيَهُ) أهل ناديه والنادي : مجلس أهل الندى والجود.

(سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨].

(الزَّبانِيَةَ) خزنة جهنم وهم أعظم الملائكة خلقا وأشدهم بطشا ويطلق الزبانية على من اشتد بطشه.

(كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) [العلق : ١٩].

(وَاسْجُدْ) يا محمد.

(وَاقْتَرِبْ) إلى الله تعالى أقرب ما يكون في سجوده أو اسجد يا محمد واقترب يا أبا جهل من النار قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما نزلت في أبي جهل أربع وثمانون آية وفي الوليد مائة وأربع آيات وفي النظر بن الحارث اثنتان وثلاثون آية وهذه أول سورة نزلت عند الأكثرين وقد ذكر نزول جميع السور.

٣٦٩

سورة القدر (١)

(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر : ١].

(أَنْزَلْناهُ) جبريل عليه‌السلام أو القرآن نزل.

(فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) في شهر رمضان في ليلة مباركة من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكاتبين في السماء الدنيا فنجمته السفرة على جبريل عليه‌السلام عشرين ليلة ونجمه جبريل عليه‌السلام على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في عشرين سنة فكان ينزل أرسالا على مواقع النجوم في الشهر والأيام أو ابتدأ الله تعالى بإنزاله في ليلة القدر قاله الشعبي وليلة القدر في الشهر كله أو في العشر الأواخر ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو السابع والعشرين أو الرابع والعشرين أو تنقل في كل عام من ليلة إلى أخرى.

(الْقَدْرِ) لأن الله تعالى قدر فيها إنزال القرآن أو لأنه يقدر فيها أمور السنة أو لعظم قدرها أو لعظم قدر الطاعات فيها وجزيل ثوابها.

(وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) [القدر : ٢].

(وَما أَدْراكَ) تضخيما لشأنها وحثا على العمل فيها قال الشعبي : يومها كليلها وليلها كيومها قال الضحاك لا يقدر الله تعالى فيها إلا السعادة والنعم ويقدر في غيرها البلايا والنقم وكان ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يسميها ليلة التعظيم وليلة النصف من شعبان ليلة البراءة وليلتي العيدين ليلة الجائزة.

(لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) [القدر : ٣].

(خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أو العمل فيها خير من العمل في غيرها ألف شهر أو خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر أو كان في بني إسرائيل رجل يقوم حتى يصبح ويجاهد العدو حتى يمسي فعل ذلك ألف شهر فأخبر الله تعالى أن قيامها خير من عمل ذلك الرجل ألف شهر أو كان ملك سليمان عليه الصلاة والسّلام خمسمائة شهر وملك ذي القرنين خمسمائة شهر فجعلت ليلة القدر خيرا من ملكهما.

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) [القدر : ٤].

__________________

(١) سورة القدر سميت لذلك لتكرار ذكر ليلة القدر فيها ، وعظم شرفها ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة عبس ، ويدور محور السّورة حول بدء نزول القرآن العظيم ، وعن فضل ليلة القدر على سائر الأيام والشّهور ، لما فيها من الأنوار والتّجلّيات القدسيّة ، والنّفحات الرّبّانيّة ، الّتي يفيضها الباري جلّ وعلا على عباده المؤمنين ؛ تكريما لنزول القرآن المبين ، كما تحدّثت عن نزول الملائكة الأبرار حتّى طلوع الفجر فيا لها من ليلة عظيمة القدر ، هي خير عند الله من ألف شهر.

٣٧٠

(تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ) قال أبو هريرة رضي الله تعالى عنه الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى.

(وَالرُّوحُ) جبريل عليه‌السلام أو حفظة الملائكة أو أشراف الملائكة أو جند من جند الله تعالى من غير الملائكة.

(بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) بأمره.

(مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) يقضى في تلك الليلة من رزق وأجل إلى مثلها من قابل.

(سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [القدر : ٥].

(سَلامٌ) سالمة من كل شر لا يحدث فيها حدث ولا يرسل فيها شيطان أو هي سلامة وخير وبركة أو تسلم الملائكة على المؤمنين إلى طلوع الفجر.

سورة البينة (١)

(لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ١].

(مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) اليهود والنصارى ومن المشركين.

(مُنْفَكِّينَ) منتهين عن الكفر حتى يتبين لهم الحق أو لم يزالوا على الشك حتى يأتيهم الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أو لم يختلفوا أن الله تعالى سيبعث إليهم رسولا حتى بعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاختلفوا فآمن بعض وكفر آخرون أو لم يكونوا ليتركوا منفكين عن حجج الله تعالى حتى تأتيهم بينة تقوم بها الحجة عليهم.

(الْبَيِّنَةُ) القرآن أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الذي بانت دلائل نبوته أو بيان الحق وظهور الحجج.

(رَسُولٌ مِنَ اللهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً) [البينة : ٢].

(رَسُولٌ مِنَ اللهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(صُحُفاً) القرآن.

(مُطَهَّرَةً) من الشرك أو لحسن الثناء والذكر.

__________________

(١) سورة البينة تسمّى أيضا سورة القيامة ، وسورة لم يكن ، وهي سورة مدنية ، وقد نزلت بعد سورة الطلاق ، ويدور محور السّورة حول القضايا الآتية :

١ ـ موقف أهل الكتاب من رسالة محمّد.

٢ ـ موضوع إخلاص العباد لله جلّ وعلا.

٣ ـ مصير كلّ من السّعداء والأشقياء في الآخرة.

٣٧١

(فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ) [البينة : ٣].

(فِيها كُتُبٌ) الله تعالى المستقيمة التي جاء القرآن بتصديقها وذكرها أو فروض الله تعالى العادلة.

(وَما تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة : ٤].

(وَما تَفَرَّقَ) اليهود والنصارى إلا من بعد ما جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو القرآن.

(وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة : ٥].

(مُخْلِصِينَ) مقرين له بالعبادة أو ينوون بعبادتهم وجهه أو إذا قال لا إله إلا الله قال على أثرها الحمد لله.

(حُنَفاءَ) متبعين أو مستقيمين أو مخلصين أو مسلمين أو حجاجا وقال عطية إذا اجتمع الحنيف والمسلم فالحنيف الحاج وإذا انفرد الحنيف فهو المسلم وقال سعيد بن جبير ولا تسمي العرب الحنيف إلا لمن حج واختتن أو المؤمنون بالرسل كلهم.

(دِينُ الْقَيِّمَةِ) الأمة المستقيمة أو القضاء القيم أو الحساب البيّن.

سورة الزلزلة (١)

(إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].

(زُلْزِلَتِ) حركت الزلزلة : شدة الحركة مكرر من زل يزل.

(زِلْزالَها) لأنها غاية زلزالها المتوقعة أو لأنها عامة في جميع الأرض بخلاف الزلازل المعهودة وفي زلزلة في الدنيا من أشراط الساعة عند الأكثر أو زلزلة يوم القيامة.

(وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها) [الزلزلة : ٢].

(أَثْقالَها) كنوزها عند من رآها من الأشراط أو من الموتى عند من رآها زلزلة القيامة أو ما عليها من جميع الأثقال.

(وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها) [الزلزلة : ٣].

(وَقالَ الْإِنْسانُ) المؤمن والكافر عند من رآها شرطا أو الكافر عند الآخرين.

(يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها) [الزلزلة : ٤].

(تُحَدِّثُ) يخلق الله تعالى فيها الكلام أو يقلبها حيوانا يتكلم أو يكون عنها بيان يقوم مقام الكلام.

__________________

(١) سورة الزلزلة سميت بذلك لافتتاحها بها ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة النساء.

٣٧٢

(أَخْبارَها) ما عمله العباد على ظهرها عند من رآها القيامة أو بما أخرجت من أثقالها عند الآخرين أو تخبر إذا قال الإنسان مالها بأن الدنيا قد انقضت وأن الآخرة قد أتت فيكون ذلك جوابا لسؤالهم.

(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥].

(أَوْحى لَها) ألهمها فأطاعت أو قال لها أو أمرها والذي أوحاه إليها أن تخرج أثقالها أو تحدث أخبارها.

(يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ) [الزلزلة : ٦].

(يَوْمَئِذٍ) يوم القيامة.

(يَصْدُرُ النَّاسُ) من بين يدي الله تعالى فرقا مختلفين بعضهم إلى الجنة وبعضهم إلى النار أو يصيرون في الدنيا عند غلبة الأهواء فرقا مختلفين بالكفر والإيمان والإساءة والإحسان ليروا جزاء أعمالهم يوم القيامة والشتات : التفرق والاختلاف.

(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) [الزلزلة : ٧].

(يَرَهُ) يعرفه أو يرى صحيفة عمله أو يرى جزاءه ويلقاه في الآخرة مؤمنا كان أو كافرا أو يرى المؤمن جزاء سيئاته في الدنيا وجزاء حسناته في الآخرة ويرى الكافر جزاء حسناته في الدنيا وجزاء سيئاته في الآخرة قاله طاوس قيل نزلت في ناس من أهل المدينة كانوا لا يتورعون من الصغائر كالنظرة والغمزة والغيبة واللمسة قائلين إنما أوعدنا الله تعالى على الكبائر وفي ناس استقلوا إعطاء الكسرة والتمرة والجوزة قائلين إنما نؤجر على ما نعطيه ونحن نحبه ونزلت والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه يتغديان فقاما وأمسكا من شدة حزنهما.

سورة العاديات (١)

(وَالْعادِياتِ ضَبْحاً) [العاديات : ١].

(وَالْعادِياتِ) الخيل في الجهاد أو الإبل في الحج قاله علي وابن مسعود رضي الله عنهما قال الشاعر :

فلا والعاديات غداة جمع

بأيديها إذا سطع الغبار

من العدو وهو تباعد الأرجل في سرعة المشي.

(ضَبْحاً) حمحمة الخيل عند العدو أو شدة النفس عند سير الإبل قيل لا يضج

__________________

(١) سورة العاديات سورة مكية ، نزلت بعد سورة العصر ، بدأت بقسم وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ولم يذكر فيها لفظ الجلالة.

٣٧٣

بالحمحمة في العدو إلا الفرس والكلب وضج الإبل تنفسها أو ضجها بقول سابقها أح أح.

(فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) [العاديات : ٢].

(فَالْمُورِياتِ) الخيل توري النار بحوافرها إذا جرت أو نيران المجاهدين إذا اشتعلت فأكثرت إرهابا أو تهيج الحرب بينهم وبين عدوهم أو مكر الرجال في الحرب أو نيران الحجيج بمزدلفة أو الألسن إذا أقيمت بها الحجج وظهرت الدلائل فاتضح الحق قاله عكرمة.

(فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً) [العاديات : ٣].

(فَالْمُغِيراتِ) الخيل تغير على العدو.

(صُبْحاً) أي علانية تشبيها بظهور الصبح أي الإبل حين تغدوا صبحا من مزدلفة إلى منى.

(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً) [العاديات : ٤].

(نَقْعاً) غبارا أو النقع ما بين مزدلفة إلى منى أو بطن الوادي ولعله يرجع إلى الغبار المثار في هذا الموضع.

(فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً) [العاديات : ٥].

(جَمْعاً) جمع العدو حين يلتقي الزحف أو المزدلفة تسمى جمعا لاجتماع الناس فيها وإثارة النقع في الدفع منها إلى منى قاله مكحول.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ) [العاديات : ٦].

(لَكَنُودٌ) كنود قيل الذي يكفر اليسير ولا يشكر الكثير أو اللوام لربه يذكر المصائب وينسى النعم أو جاحد الحق قيل إنها سميت كندة لأنها جحدت أباها أو العاصي بلسان كندة وحضرموت أو البخيل بلسان مالك بن كنانة أو الذي ينفق نعم الله في معاصيه أو الذي يضرب عبده ويأكل وحده ويمنع رفده قيل نزلت في الوليد بن المغيرة.

(وَإِنَّهُ عَلى ذلِكَ لَشَهِيدٌ) [العاديات : ٧].

(وَإِنَّهُ) وإن الله تعالى شاهد على كفر الإنسان أو الإنسان شاهد على أنه كنود.

(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات : ٨].

(الْخَيْرِ) الدنيا أو المال.

(لَشَدِيدٌ) لحب الخير أي زائد أو لشحيح بحق الله تعالى في المال فلان شديد أي شحيح.

(أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) [العاديات : ٩].

(بُعْثِرَ) أخرج من فيها من الأموات أو قلب أو بحث.

٣٧٤

(وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ) [العاديات : ١٠].

(وَحُصِّلَ) ميز أو استخرج أو كشف.

سورة القارعة (١)

(الْقارِعَةُ) [القارعة : ١].

(الْقارِعَةُ) العذاب لأنه يقرع أهل النار أو القيامة لقرعها بأهوالها.

(مَا الْقارِعَةُ) [القارعة : ٢].

(مَا الْقارِعَةُ) تفخيما لشأنها.

(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ) [القارعة : ٤].

(كَالْفَراشِ) الهمج الطائر من بعوض وغيره ومنه الجراد أو طير يتساقط في النار شبه تهافت الكفار في النار بتهافت الفراش فيها.

(الْمَبْثُوثِ) المبسوط أو المتفرق أو الذي يجول بعضه في بعض.

(وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) [القارعة : ٥].

(كَالْعِهْنِ) الصوف ذو الألوان شبهها في ضعفها وخفتها بالصوف المنفوش.

(فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ) [القارعة : ٦].

(مَوازِينُهُ) ميزان ذو كفتين توزن به الحسنات والسيئات أو الحساب أو الحجج والدلائل ، والموازين : جمع ميزان أو موزون.

(فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [القارعة : ٧].

(عِيشَةٍ راضِيَةٍ) معيشة من المعاش مرضية وهي الجنة أو في نعيم دائم من العيش.

(فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [القارعة : ٩].

(هاوِيَةٌ) جهنم جعلها أمّا لأنه يأوي إليها كما يأوي إلى أمه سميت هاوية لبعد قعرها وهويه فيها أو أم رأسه هاوية في النار.

__________________

(١) سورة القارعة سميت بالقارعة ؛ لأنها تقرع القلوب والأسماع بهولها ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة قريش ، لم يذكر فيها لفظ الجلالة ، ويدور محور السّورة حول القيامة وأهوالها ، والآخرة وشدائدها ، وما يكون فيها من أحداث وأهوال عظام ؛ كخروج النّاس من القبور ، وانتشارهم في ذلك اليوم الرّهيب كالفراش المتطاير ، المنتشر هنا وهناك ، يجيئون ويذهبون على غير نظام من شدّة حيرتهم وفزعهم.

٣٧٥

سورة التكاثر (١)

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) [التكاثر : ١].

(أَلْهاكُمُ) أنساكم أو شغلكم عن طاعة الله وعبادته.

(التَّكاثُرُ) بالمال والأولاد أو التفاخر بالقبائل في العشائر أو بالمعاش والتجارة.

(حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) [التكاثر : ٢].

(زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) صرتم فيها زوارا ترجعون كرجوع الزائر إلى الجنة أو نار أو تفاخرت بنو سهم وبنو عبد مناف أنهم أكثر عددا فكثرت بنو عبد مناف فقال بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعدّوا الأحياء والأموات فعدّهم فكثرت بنو سهم فنزلت.

(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) يعني بالعدد.

(حَتَّى زُرْتُمُ) أي ذكرتم الموتى في المقابر.

(كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) [التكاثر : ٣].

(كَلَّا) حقا أو بمعنى «ألا».

(سَوْفَ تَعْلَمُونَ) تهديد ووعيد.

(كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٥].

(لَوْ تَعْلَمُونَ) الآن من البعث والجزاء ما ستعلمونه بعد الموت.

(عِلْمَ الْيَقِينِ) علم الموت الذي هو يقين لا يعترضه شك أو ما تعلمونه يقينا بعد الموت من البعث والجزاء قاله ابن جريج.

(لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) [التكاثر : ٦].

(لَتَرَوُنَّ) أيها الكفار أو عام لأن المؤمن يمر على صراطها.

(ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ) [التكاثر : ٧].

(عَيْنَ الْيَقِينِ) المشاهدة والعيان أو بمعنى الحق اليقين.

(ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر : ٨].

__________________

(١) سورة التكاثر سورة مكية ، نزلت بعد سورة الكوثر ، ويدور محور السّورة حول انشغال النّاس بمغريات الحياة ، وتكالبهم على جمع حطام الدّنيا ، حتّى يقطع الموت عليهم متعتهم ويأتيهم فجأة وبغتة ، فينقلهم من القصور إلى القبور ، وقد تكرّر في هذه السّورة الزّجر والإنذار ؛ تخويفا للنّاس ، وتنبيها لهم على خطئهم ، باشتغالهم بالفانية الدّنيا عن الباقية الآخرة (كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ) وختمت السّورة الكريمة ببيان المخاطر والأهوال الّتي سيلقونها في الآخرة ، والّتي لا يجوزها ولا ينجو منها إلّا المؤمن الّذي قدّم صالح الأعمال.

٣٧٦

(النَّعِيمِ) الأمن والصحة أو الصحة والفراغ أو الإدراك بحواس السمع والبصر أو ملاذ المأكول والمشروب أو الغداء والعشاء أو ما أنعم عليكم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو تخفيف الشرائع وتيسير القرآن أو شبع البطون وبارد الشراب وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم فيسأل الكافر تقريعا والمؤمن تبشيرا بما جمع له من نعيم الدارين.

سورة العصر (١)

(وَالْعَصْرِ) [العصر : ١].

(وَالْعَصْرِ) الدهر أو العشي ما بين الزوال إلى الغروب أو صلاة العصر.

(إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) [العصر : ٢].

(الْإِنْسانَ) جنس.

(خُسْرٍ) هلاك أو شر أو نقص أو عقوبة.

(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ٣].

(بِالْحَقِّ) بالله أو بالتوحيد أو القرآن.

(بِالصَّبْرِ) على طاعة الله تعالى أو فرائضه.

سورة الهمزة (٢)

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) [الهمزة : ١].

(هُمَزَةٍ) المغتاب واللّمزة العيّاب أو الهمزة الذي همز الناس بيده واللمزة الذي يلمزهم بلسانه أو الهمزة الذي يهمز الذي يلمز في وجهه إذا أقبل واللمزة الذي يلمز في خلفه إذا أدبر أو الهمزة الذي يعيب الناس جهرا بيد أو لسان واللمزة الذي يعيبهم سرا بعين أو حاجب نزلت في أبي بن خلف أو جميل بن عامر أو الأخنس بن شريق أو الوليد بن المغيرة أو عامة عند الأكثرين.

(الَّذِي جَمَعَ مالاً وَعَدَّدَهُ) [الهمزة : ٢].

(وَعَدَّدَهُ) أحصى عدده أو عدّد أنواعه أو أعده لما يكفيه من السنين أو اتخذ لماله من يرثه من أولاده.

__________________

(١) سورة العصر سورة مكية ، نزلت بعد سورة الشرح ، يدور محور السّورة حول سعادة الإنسان أو شقائه ، ونجاحه في هذه الحياة أو خسرانه ودماره.

(٢) سورة الهمزة سورة مكية ، نزلت بعد سورة القيامة ، ويدور محور السّورة حول الّذين يعيبون النّاس ، ويأكلون أعراضهم ، بالطّعن والانتقاص والازدراء ، وبالسّخرية والاستهزاء.

٣٧٧

(يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ) [الهمزة : ٣].

(أَخْلَدَهُ) يزيد في عمره أو يمنعه من الموت.

(كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ) [الهمزة : ٤].

(الْحُطَمَةِ) الباب السادس من أبواب جهنم أو الدرك الرابع منها أو جهنم نفسها لأنها تأكل ما ألقي فيها والحطمة الرجل الأكول أو لأنها تحطم ما فيها أي تكسره.

(الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ) [الهمزة : ٧].

(تَطَّلِعُ) قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن النار تأكل أهلها حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت ثم إذا صدروا تعود».

(إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) [الهمزة : ٨].

(مُؤْصَدَةٌ) مطبقة أو مغلقة بلغة قيس أو مسدودة الجوانب لا يفتح منها جانب فلا يدخلها روح ولا يخرج منها غم.

(فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) [الهمزة : ٩].

(عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) موصدة بعمد ممدودة أو معذبون فيها بعمد ممددة أو العمد الممددة أغلال في أعناقهم أو قيود في أرجلهم أو في دهر ممدود.

سورة الفيل (١)

(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) [الفيل : ١].

(أَلَمْ تَرَ) ألم تخبر أو ألم تر آثار ما فعل ربك بأصحاب الفيل لأنه ما رأه وولد بعده بأربعين سنة أو ثلاث وعشرين سنة أو ولد عام الفيل أو يوم الفيل وسبب قصدهم لمكة أن أبرهة بن الصباح بنى بصنعاء كنيسة وأراد صرف حج العرب إليها فسمع بذلك رجل من كنانة فخرج فأتاها ليلا فأحدث فيها فبلغ أبرهة فحلف بالله تعالى ليهدمن الكعبة فسار إليها بالفيل. أو خرج فتية من قريش تجارا إلى الحبشة فنزلوا على ساحل البحر على بيعة للنصارى فأوقدوا نارا لطعامهم وتركوها وارتحلوا فهبت ريح فأحرقت البيعة فبلغ النجاشي

__________________

(١) سورة الفيل سورة مكية ، نزلت بعد سورة الكافرون ، ويدور محور السّورة حول قصّة أصحاب الفيل حين قصدوا هدم الكعبة المشرّفة ، فردّ الله كيدهم في نحورهم ، وحمى بيته من تسلّطهم وطغيانهم ، وأرسل على جيش أبرهة الأشرم وجنوده أضعف مخلوقاته ، وهي الطّير الّتي تحمل في أرجلها ومناقيرها حجارة صغيرة ، ولكنّها أشدّ فتكا وتدميرا من الرّصاصات القاتلة ، حتّى أهلكهم الله وأبادهم عن آخرهم ، وكان ذلك الحدث التّاريخيّ الهامّ ، في عام ميلاد سيّد الكائنات محمّد ، وكان من أعظم الإرهاصات الدّالّة على صدق نبوّته.

٣٧٨

فاستشاط غضبا فأتاه أبرهة بن الصباح وحجر بن شراحيل وأبو يكسوم الكنديون وضمنوا له إحراق الكعبة وسبي مكة وكان أبرهة صاحب جيش النجاشي وأبو يكسوم نديم أو وزير وحجر بن شراحيل من قواده فساروا بالجيش ومعهم فيل واحد عند الأكثر أو كانت ثمانية فيلة فأهلكهم الله عزوجل فرجع منهم أبرهة إلى اليمن فهلك في الطريق.

(أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ) [الفيل : ٢].

(كَيْدَهُمْ) لقريش بإرادة قتلهم وسبيهم وتخريب الكعبة.

(وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ) [الفيل : ٣].

(طَيْراً) من السماء لم ير قبلها ولا بعدها مثلها وروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنها بين السماء والأرض تعشش وتفرخ أو هي العنقاء المغربة التي يضرب بها الأمثال قاله عكرمة أو من طير السماء أرسلت من ناحية البحر مع كل طائر ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره قيل كانت سودا خضر المناقير طوال الأعناق أو كانت أشباه الوطاويط حمرا وسودا أو أشباه الخطاطيف وسئل أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عنها فقال حمام مكة منها.

(أَبابِيلَ) كثيرة أو متتابعة يتبع بضعها بعضا أو متفرقة من ها هنا ومن ها هنا أو مختلفة الألوان أو جمعا بعد جمع أو أخذت من الإبل المؤبلة وهي الأقاطيع ولا واحد للأبابيل من جنسه أو واحدة إبالة وأبول أو أبيل.

(تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ) [الفيل : ٤].

(سِجِّيلٍ) كلمة فارسية سنك وكل أولها حجر وآخرها طين أو الشديد أو اسم للسماء الدنيا نسب الحجارة إليها لنزولها منها أو اسم بحر في الهواء جاءت منه الحجارة وكانت كحصى الخذف أو فوق العدسة ودون الحمصة قال أبو صالح رأيت في دار أم هانىء نحو قفيز منها مخططة بحمرة كأنها الجزع ولما رمتها الطير أرسل الله تعالى ريحا فضربتها فزادتها شدة فلم تقع على أحد إلا هلك.

(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ) [الفيل : ٥].

(كَعَصْفٍ) ورق الزرع.

(مَأْكُولٍ) أكلته الدود أو الطعام أو قشر الحنطة إذا أكل ما فيه أو ورق البقل إذا أكلته البهائم فراثته أو العصف التبن والمأكول القصيل يجز للدواب فعل الله تعالى ذلك بهم معجزة لنبي كان في ذلك الزمان قيل هو خالد بن سنان أو توطيدا لنبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه ولد في عامه أو في يومه.

٣٧٩

سورة قريش (١)

(لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) [قريش : ١].

(لِإِيلافِ) مأخوذ من ألف يألف وهي العادة المألوفة لإيلاف نعمتي على قريش لأن نعمته إلفة لهم أو لإيلاف الله تعالى لهم لأنه آلفهم إيلافا قاله الخليل أو يلافهم حرمي وقيامهم ببيتي أو لإيلافهم الرحلتين واللام معلقة بقوله (فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ) [الفيل : ٥] أي ليلافهم أهلك أصحاب الفيل وكان عمر وأبي رضي الله تعالى عنهما يريانهما سورة واحدة لا يفصلان بينهما أو اللام متعلقة بقوله تعالى (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) أي لنعمتي عليهم فليعبدوا قاله أهل البصرة.

(قُرَيْشٍ) بنو النضر بن كنانة على المشهور أو بنو فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وكانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم فاتخذوه مسكنا قال الشاعر :

أبونا قصي كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

فسموا قريشا لاجتماعهم بعد الفرقة والتقريش الجمع أو كانوا تجارا يأكلون من مكاسبهم والتقريش الكسب أو كانوا يفتشون الحاج عن ذي الخلة فيسدون خلته والقرش الفتش أو قريش اسم دابة في البحر سميت بها قريش لأنها تأكل ولا تؤكل وتعلو ولا تعلى قال الشاعر معنى ذلك :

قريش هي التي تسكن البحر

بها سميت قريش قريشا

(إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ) [قريش : ٢].

(رِحْلَةَ الشِّتاءِ) الرحلة : السفرة لما فيها من الارتحال كانوا يرتحلونهما للتجارة والكسب. والرحلتان إلى فلسطين رحلة الشتاء في البحر وأيلة طلبا للدفء ورحلة الصيف على بصرى وأذرعات طلبا للهواء أو رحلة الشتاء إلى اليمن لأنها حامية ورحلة الصيف إلى الشام لأنها باردة منّ عليهم بذلك لأنهم كانوا يسافرون في العرب آمنين لكونهم أهل الحرم أو لأنهم يكسبون فيتوسعون ويصلون ويطعمون أو أراد بالرحلتين أنهم كانوا يشتون بمكة لدفاءتها ويصيفون بالطائف لهوائها قال الشاعر :

__________________

(١) سورة قريش سورة مكية ، نزلت بعد سورة التين ، ويدور محور السّورة حول نعم الله الجليلة على أهل مكّة ، حيث كانت لهم رحلتان : رحلة في الشّتاء إلى اليمن ، ورحلة في الصّيف إلى الشّام من أجل التّجارة ، وقد أكرم الله تعالى قريشا بنعمتين عظيمتين من نعمه الكثيرة هما : نعمة الأمن والاستقرار ، ونعمة الغنى واليسر فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.

٣٨٠