تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

الموت أو تخرج روحه في ريحانه ، أو الجنة والروح والريحان عند الموت أو في البرزخ إلى البعث ، أو في الجنة ، أو الروح في القبر ، والريحان في الجنة ، أو الروح لقلوبهم والريحان لنفوسهم والجنة لأبدانهم.

(فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ) [الواقعة : ٩١].

(فَسَلامٌ) بشارة بالسلامة من الخوف ، أو يحييهم ملك الموت بالسلام عند قبض أرواحهم ، أو منكر ونكير في القبور يسلمان عليهم ، أو الملائكة عند بعثه إلى الآخرة تسلمان عليه.

سورة الحديد (١)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحديد : ١].

(سَبَّحَ) التسبيح هنا دلالة المخلوقات على وجوب تسبيحه عن الأمثال ، أو التنزيه قولا مما نسبه الملحدون إليه عند الجمهور ، أو الصلاة سميت تسبيحا لاشتمالها عليه.

(الْعَزِيزُ) في انتصاره. (الْحَكِيمُ) في تدبيره.

(هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٣].

(وَالظَّاهِرُ) العال على كل شيء.

(وَالْباطِنُ) المحيط بكل شيء أو القاهر لما ظهر وبطن ، أو العالم بما ظهر وبطن.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الحديد : ٤].

(يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) من مطر ، أو مطر وغيره. (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات ، أو نبات وغيره. (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها) من ملائكة ، أو ملائكة وغيرها.

(مَعَكُمْ) بعلمه فلا تخفى عليه أعمالكم ، أو بقدرته فلا يعجزه شيء من أموركم.

(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد : ٧].

__________________

(١) سميت السورة سورة الحديد لذكر الحديد فيها ، وهو قوة الإنسان في السلم والحرب وعدته في البنيان والعمران ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الزلزلة ، بدأت السورة بفعل ماضي سبح وهو أحد أساليب الثناء ، وهذه السورة الكريمة من السور المدنية التي تعني بالتشريع والتربية والتوجيه وتبني المجتمع الإسلامي على أساس العقيدة الصافية والخلق الكريم والتشريع الحكيم.

٢٦١

(مُسْتَخْلَفِينَ) بوارثته عمن قبلكم ، أو معمّرين فيه.

(وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد : ١٠].

(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ) أي أسلم ، أو أنفق ماله في الجهاد.

(الْفَتْحِ) فتح مكة ، أو الحديبية قال قتادة كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل منهما بعد فتحها.

(الْحُسْنى) الجنة أو الحسنة.

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١١].

(قَرْضاً) النفقة في سبيل الله ، أو على الأهل أو تطوع العبادات ، أو عمل الخير ، أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سمي قرضا لاستحقاق ثوابه.

(حَسَناً) طيبة بها نفسه ، أو محتسبا لها عند الله سمي حسنا لصرفه في وجوه حسنة ، أو لأنه لا منّ فيه ولا أذى فيضاعف القرض الحسنة بعشر ، أو الثواب تفضلا بما لا نهاية له.

(كَرِيمٌ) على من يناله ، أو لأنه لم يبتذل في طلبه ، أو لأنه كريم الحظ ، أو لكرم صاحبه.

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الحديد : ١٢].

(نُورُهُمْ) ضياء يثابون به ، أو هداهم ، أو نور أعمالهم. (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ليدلهم على الجنة ، أو ليستضيئوا به على الصراط. (وَبِأَيْمانِهِمْ) كتبهم ، أو نورهم ، أو ما أخرجوه بأيمانهم في الصدقات والزكوات وسبل الخير ، أو بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء.

(بُشْراكُمُ) نورهم بشراهم أو بشارة تلقاهم الملائكة بها في القيامة.

(يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) [الحديد : ١٣].

(انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) يغشى الناس ظلمة يوم القيامة فيعطى المؤمن نورا بقدر إيمانه ولا يعطاه الكافر ولا المنافق ، أو يعطاه المنافق ثم يسلبه ، فيقول المنافق لما غشيته الظلمة للمؤمن لما أعطي النور الذي يمشي به انظروا أي انتظرونا.

(فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ) وبين المؤمنين بسور أو بينهم وبين النور فلم يقدروا على التماسه.

(بِسُورٍ) حائط بين الجنة والنار ، أو بسور المسجد الشرقي ، أو حجاب من الأعراف.

٢٦٢

(باطِنُهُ) فيه الجنة.

(وَظاهِرُهُ) فيه جهنم ، أو في باطنه المسجد وما يليه. والعذاب الذي في ظاهره وادي جهنم يعني بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص.

(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) [الحديد : ١٤].

(مَعَكُمْ) نصلي ونغزو ونفعل كما تفعلون. (فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ) بالنفاق أو المعاصي ، أو الشهوات. (وَتَرَبَّصْتُمْ) بالحق وأهله ، أو بالتوبة. (الْأَمانِيُّ) خدع الشيطان ، أو الدنيا ، أو قولهم سيغفر لنا ، أو قولهم اليوم وغدا. (الْغَرُورُ) الشيطان ، أو الدنيا قاله الضحاك.

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد : ١٦].

(لِلَّذِينَ آمَنُوا) بألسنتهم دون قلوبهم ، أو قوم موسى قبل أن يبعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو مؤمنو هذه الأمة ، استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا ومعاتبتنا بها إلا أربع سنين فنظر بعضنا إلى بعض يقول ما أحدثنا قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه ، أو ملوا مثله فقالوا : حدثنا يا رسول الله فنزل (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزل (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزلت (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) يأن : يحن يخشع يلين ، أو يذل ، أو يخرج.

(لِذِكْرِ اللهِ) القرآن. (وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) القرآن ، أو الحلال والحرام.

(اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الحديد : ١٧].

(يُحْيِ الْأَرْضَ) يلين القلوب بعد قسوتها أو مثل ضربه لإحياء الموتى.

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١٨].

(الْمُصَّدِّقِينَ) لله ورسوله أو. (الْمُصَّدِّقِينَ) بأموالهم.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [الحديد : ١٩].

(الصِّدِّيقُونَ) هم الصديقون وهم الشهداء ، أو الشهداء مبتدأ الرسل تشهد على أمتها

٢٦٣

بالتصديق والتكذيب ، أو الأمم تشهد لرسلها بتبليغ الرسالة ، أو تشهد على أنفسهم بما عملوا ، أو القتلى في سبيل الله تعالى.

(وَنُورُهُمْ) على الصراط ، أو إيمانهم في الدنيا.

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) [الحديد : ٢٠].

(لَعِبٌ وَلَهْوٌ) على ظاهره أو أكل وشرب.

(سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : ٢١].

(إِلى مَغْفِرَةٍ) التوبة ، أو الصف الأول ، أو التكبيرة الأولى مع الإمام ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(كَعَرْضِ السَّماءِ) نبّه بذكر العرض على الطول ويعبرون عن سعة الشيء بعرضه دون طوله. (فَضْلُ اللهِ) الجنة أو الدين.

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) [الحديد : ٢٢].

(مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ) بالجوائح في الثمار والزرع ، أو القحط والغلاء. (أَنْفُسِكُمْ) الدّين ، أو الأمراض والأوصاب ، أو إقامة الحدود ، أو ضيق المعاش. (كِتابٍ) اللوح المحفوظ.

(نَبْرَأَها) نخلق الأنفس والأرض.

(لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد : ٢٣].

(فاتَكُمْ) من الدنيا ، أو العافية والخصب قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

(لِكَيْلا تَأْسَوْا) ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن من جعل المصيبة صبرا والخير شكرا.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [الحديد : ٢٤].

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) بالعلم.

(وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ) بأن لا يعلموا شيئا ، أو بما في التوراة من ذكر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو بحقوق الله في أموالهم ، أو بالصدقة والحقوق ، أو بما في يديه.

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ

٢٦٤

وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحديد : ٢٥].

(وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) نزل مع آدم : الحجر الأسود أشد بياضا من الثلج ، وعصا موسى من آس الجنة طولها عشرة أذرع كطول موسى ، والسندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة ، أو ما ينزل من السماء وإنزاله إظهاره وإثارته ، أو لأن ما ينعقد من جوهره في الأرض أصله من ماء السماء.

(بَأْسٌ شَدِيدٌ) الحرب تكون بآلته وسلاحه ، أو خوف شديد من خشية القتل به.

(وَمَنافِعُ) الآلة.

(ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) [الحديد : ٢٧].

(وَرَهْبانِيَّةً) من الرّهب وهو الخوف. (ابْتَدَعُوها) لم يفعلها من تقدمهم فأحسنوا بفعلها ولم تكتب عليهم وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع ، أو لحوقهم بالجبال ولزوم البراري ، أو الانقطاع عن الناس تفردا بالعبادة.

(رَأْفَةً) في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها ، أو بخلقها في قلوبهم.

(إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ) ابتدعوها طلبا لمرضاة الله ولم تفرض عليهم قبل ذلك ولا بعده ، أو تطوعوا بها ثم كتبت بعد ذلك عليهم.

(فَما رَعَوْها) بتكذيبهم لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو بتبديلهم دينهم وتغييرهم له قبل أن يبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ارتكبت الملوك المحارم بعد عيسى ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم أهل الاستقامة فقتلوهم فقال من بقي منهم لا يسعنا المقام بينهم فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحديد : ٢٨].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بموسى وعيسى أمنوا بمحمد.

(كِفْلَيْنِ) ضعفين بلغة الحبشة ، أو أجرين أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء ، والآخر لإيمانهم بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو أجر الدنيا وأجر الآخرة.

(نُورٍ أَ) القرآن ، أو الهدى.

(لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ

٢٦٥

يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد : ٢٩].

(لِئَلَّا يَعْلَمَ) ليعلم ولا صلة. (فَضْلِ اللهِ) الإسلام ، أو الرزق.

سورة المجادلة (١)

(قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة : ١].

(الَّتِي تُجادِلُكَ) خولة بنت خويلد ، أو بنت ثعلبة أحدهما أبوها والآخر جدها ، زوجها أوس بن الصامت كان به لمم فأصابه بعض لممه فظاهر منها فأتت الرسول صلّى الله عليه سلم تستفتيه فقالت : يا رسول الله إن الله قد نسخ سنن الجاهلية وإن زوجي ظاهر مني فقال : ما أوحي إليّ في هذا شيء فقالت : أوحي إليك في كل شيء وطوي عنك هذا فقال : هو ما قلت فقالت أشكو إلى الله لا إلى رسوله فنزلت وكانت تقول يا رسول الله أكل شبابي وانقطع ولدي ونثرت له بطني حتى إذا كبرت سني ظاهر مني اللهم حتى إليك أشكو فما برحت حتى نزلت.

(وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ) تستغيث به ، أو تسترحمه. (تَحاوُرَكُما) المحاورة : مراجعة الكلام.

(الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) [المجادلة : ٢].

(يَظْهَرُونَ) سمي ظهارا لأنه حرم ظهرها عليه ، أو شبهها بظهر أمه وكان في الجاهلية طلاقا لا رجعة فيه ولا إباحة بعده فنسخ بوجوب الكفارة بالعود.

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ بَيِّناتٍ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [المجادلة : ٥].

(يُحَادُّونَ) يعادون ، أو يخالفون ، من الحديد المعد للمحاربة ، أو أن تكون في حد يخالف حد صاحبك.

(كُبِتُوا) أخزوا ، أو أهلكوا ، أو لعنوا ، بلغة مذحج ، أو ردوا مقهورين.

__________________

(١) سميت سورة المجادلة لبيان قصة المرأة التي جادلت النبي وهى خولة بنت ثعلبة ، وتسمى أيضا قد سمع ، الظهار. وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة المنافقون ، وقد بدأت السورة بأسلوب توكيد قد سمع ، وقد ذكر لفظ الجلالة في كل آية من السورة ، وتناولت السورة أحكاما تشريعية كثيرة كأحكام الظهار والكفارة التي تجب على المظاهر وحكم التناجي وآداب المجالس وتقديم الصدقة عند مناجاة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعدم مودة أعداء الله إلى غير ذلك كما تحدثت عن المنافقين وعن اليهود.

٢٦٦

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [المجادلة : ٨].

(الَّذِينَ نُهُوا) المسلمون ، أو المنافقون ، أو اليهود يتناجون بما يسوء المسلمين.

(النَّجْوى) السرار من النجوة وهي ما ارتفع وبعد لبعد الحاضرين عنه وكل سرار نجوى ، أو السرار ما كان بين اثنين والنجوى ما كان بين ثلاثة.

(حَيَّوْكَ) كان اليهود إذا دخلوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالوا السام عليك فيقول وعليكم ، والسام : الموت ، أو السيف ، أو ستسأمون دينكم ولما رد ذلك عليهم قالوا لو كان نبيا لاستجيب له فينا وليس بنا سأمة وليس في أجسادنا فترة فنزلت (وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) الآية.

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة : ١٠].

(إِنَّمَا النَّجْوى) أحلام النوم المحزنة أو تناجي اليهود والمنافقين بالإرجاف بالمسلمين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة : ١١].

«المجلس» مجالس الذكر ، أو صلاة الجمعة ، أو في الحرب ، أو مجلس الرسول خاصة كانوا يشحون أن يؤثروا به ، أو يتفسحوا فأمروا بذلك.

(تَفَسَّحُوا) وسعوا.

(انْشُزُوا) إلى القتال ، أو الصلاة ، بالنداء ، أو الخير أو كانوا يطيلون الجلوس في بيت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليكون كل واحد منهم آخر عهد به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا.

(فَانْشُزُوا) قوموا أو ارتفعوا من النشز إلى الصلاة ، أو الغزو ، أو إلى كل خير. (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم في الإيمان. (وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) على من ليس بعالم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المجادلة : ١٢].

(فَقَدِّمُوا) كان المنافقون يناجون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما لا حاجة لهم به فقطعوا عنه بالأمر بالصدقة ، أو كان يخلو به طائفة من المسلمين يناجونه فظن قوم من المسلمين أنهم

٢٦٧

ينتقصونهم في نجواهم فقطعوا عن استخلائه ، أو أكثر المسلمون المسائل عليه فخفف الله عنه بذلك فظنوا فكفوا ، ولم يناجه إلا علي رضي الله تعالى عنه سأله عن عشر خصال وقدم دينارا تصدق به ولم يعمل بها غيره حتى نسخت بعد عشر ليال ، أو ناجاه رجل من الأنصار بكلمات وتصدق بآصع ثم نسخت بما بعدها.

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [المجادلة : ١٤].

(الَّذِينَ تَوَلَّوْا) المنافقون تولوا اليهود. (ما هُمْ مِنْكُمْ) على دينكم. (وَلا مِنْهُمْ) على يهوديتهم. (وَيَحْلِفُونَ) على نفي النفاق. (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) نفاقهم.

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) [المجادلة : ١٩].

(اسْتَحْوَذَ) قوي ، أو أحاط ، أو غلب واستولى.

(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [المجادلة : ٢٢].

(لا تَجِدُ) نهي بلفظ الخبر ، أو مدحهم باتصافهم بذلك.

(حَادَّ) حارب ، أو خالف ، أو عادى.

(كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ) أثبت ، أو حكم ، أو كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان ، أو جعل على قلوبهم سمة للإيمان تدل على إيمانهم.

(بِرُوحٍ) برحمة ، أو نصر وظفر ، أو نور الهدى ، أو رغبهم في القرآن حتى آمنوا ، أو بجبريل يوم بدر.

(رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) في الدنيا بطاعتهم.

(وَرَضُوا عَنْهُ) في الآخرة بالثواب ، أو في الدنيا بما قضاه عليهم فلم يكرهوه.

(حِزْبُ) يغضبون له ولا تأخذهم فيه لومة لائم نزلت في أبي عبيدة قتل أباه الجراح يوم بدر ، أو في أبي بكر رضي الله تعالى عنه سمع أباه يسب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصكه فسقط على وجهه فأخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «أفعلت يا أبا بكر» فقال : والله لو كان السيف قريبا مني لضربته به فنزلت ، أو في حاطب بن أبي بلتعة لما كتب إلى قريش عام الفتح يخبرهم بمسير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

٢٦٨

سورة الحشر (١)

(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢].

(لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) لأنهم أول من أجلي من اليهود ، أو لأنه أول حشرهم لأنه يحشرون بعده إلى أرض المحشر في القيامة ، أو حشرهم الثاني بنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب تبيت معهم حيث باتوا وتأكل من تخلف.

(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا) لقوتهم وامتناعهم. (حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) من أمره. (لَمْ يَحْتَسِبُوا) بأمر الله ، أو بقتل ابن الأشرف. (الرُّعْبَ) بقتل ابن الأشرف ، أو بخوفهم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. (بِأَيْدِيهِمْ) بنقض الموادعة.

(وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) بالمقاتلة ، أو بأيديهم في تركها ، وأيدي المؤمنين في إجلائهم عنها ، أو كانت منازلهم مزخرفة فحسدوا المسلمين أن يسكنوها فخربوا بواطنها بأيديهم وخرب المسلمون ظواهرها ليصلوا إليه أو كما هدم المؤمنون من حصونهم شيئا نقضوا من بيوتهم ما يبنون بهم ما خرب من حصونهم أو لما صولحوا على حمل ما أقلته الإبل نقضوا ما أعجبهم من بيوتهم حتى الأوتاد ليحملوها معهم.

(يُخْرِبُونَ) ويخربون واحد أو بالتخفيف خرابها بفعل غيرهم وبالتشديد خرابها بفعلهم أو بالتخفيف فراغها لخروجهم عنها وبالتشديد هدمها.

(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) [الحشر : ٣].

(الْجَلاءَ) القتل لعذبهم في الدنيا بالسّبي أو الإخراج من المنازل لعذبهم بالقتل أو الجلاء

__________________

(١) سورة الحشر سميت بهذا الاسم لأن الله الذي حشر اليهود وجمعهم خارج المدينة هو الذي يحشر الناس ويجمعهم يوم القيامة للحساب ، وتسمى أيضا بني النضير ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة البينة ، بدأت بفعل ماضي سبّح وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح ، تعني السورة بجانب التشريع شأن سائر السور المدنية والمحور الرئيسي الذي تدور عليه السورة الكريمة هو الحديث عن غزوة بني النضير وهم اليهود الذين نقضوا العهد مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجلاهم عن المدينة المنورة ولهذا كان ابن عباس يسمى هذه السورة سورة بني النضير وهي هذه السورة الحديث عن المنافقين الذين تحالفوا مع اليهود وبإيجاز هى سورة الغزوات والجهاد والفئ والغنائم.

٢٦٩

ما كان مع الأهل والولد بخلاف الإخراج فقد يكون مع بقائهما والجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد.

(ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ) [الحشر : ٥].

(لِينَةٍ) النخلة من أي صنف كانت أو كرام النخل أو العجوة وكانت العجوة والعتيق مع نوح في السفينة والعتيق الفحل وكانت العجوة أصول الإناث كلها ولذلك شق على اليهود قطعها أو اللينة الفسيلة لأنها ألين من النخلة أو جميع الأشجار للينها بالحياة وقال الأخفش اللينة من اللون لا من اللين قطعوا وأحرقوا ست نخلات أو قطعوا نخلة وحرقوا أخرى توسيعا للمكان أو إضعافا لهم فقالوا ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح أفمن الصلاح قطع النخل وعقر الشجر. وقال شاعرهم سماك اليهودي :

ألسنا ورثنا الكتاب الحكيم

على عهد موسى ولم نصدف

وأنتم رعاء لشاء عجاف

بسهل تهامة والأخيف

ترون الرعاية مجدا لكم

لدى كل دهر لكم مجحف

فيا أيها الشاهدون انتهوا عن

الظلم والمنطق الموكف

لعل الليالي وصرف الدهور

يديل من العادل المنصف

بقتل النضير وإجلائها

وعقر النخيل ولم يقطف

فأجابه حسان بن ثابت :

هم أوتوا الكتاب فضيعوه

وهم عمي عنا لتوراة بور

كفرتم بالقرآن وقد أبيتم

بمصداق الذي قال النذير

فهان على سراة بني لؤي

حريق بالبويرة مستطير

وحز في صدور بعض المسلمين ما فعلوه فقالوا هذا فساد ، وقال آخرون : هذا مما تحدى الله به أعداءه وينصر به أولياءه ، فقالوا : يا رسول الله هل لنا فيما قطعنا من أجر وفيما تركنا من وزر فشق ذلك على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الحشر : ٦].

(أَوْجَفْتُمْ) الإيجاف الإسراع ، والركاب : الإبل فكانت أموالهم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خاصة فقسهما في المهاجرين إلّا سهل بن حنيف وأبا دجانة فإنهما ذكرا فقرا فأعطاهما.

٢٧٠

(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) [الحشر : ٧].

(دُولَةً) ودولة واحد أو بالفتح الظفر في الحرب وبالضم الغنى عن الفقر ، أو بالفتح في الأيام ، وبالضم في الأموال ، أو بالفتح ما كان كالمستقر ، وبالضم ما كان كالمستعار ، أو بالفتح الظفر في الحرب ، وبالضم أيام الملك وأيام السنين التي تتغير.

(وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ) من الفيء فاقبلوه وما منعكم فلا تطلبوه ، أو من الغنيمة فخذوه وما نهاكم عنه من الغلول فلا تفعلوه ، أو من طاعتي فافعلوه وما نهاكم عنه من معصيتي فاتركوه ، أو هو عام من أوامره ونواهيه. قيل نزلت في رؤساء المسلمين قالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما ظهر عليه من أموال المشركين يا رسول الله خذ صفيّك والربع ودعنا والباقي فهكذا كنا نفعل في الجاهلية وأنشدوه :

لك المرباع منها والصفايا

وحكمك والنشيطة والفضول

فنزلت.

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [الحشر : ٨].

(الْمُهاجِرِينَ) إلى المدينة لنصرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخوفا من قومهم.

(فَضْلاً) من عطاء الدنيا.

(وَرِضْواناً) ثواب الآخرة. كان أحدهم يعصب الحجر على بطنه ليقم به صلبه من الجوع ويتخذ الحفيرة في الشتاء ما له دثار غيرها.

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر : ٩].

(تَبَوَّؤُا الدَّارَ) من قبل المهاجرين.

(وَالْإِيمانَ) من بعدهم ، أو تبوءوا الدار والإيمان قبل الهجرة إليه وهم الأنصار والدار المدينة.

(يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ) بالفضول والمواساة بالأموال والمساكين. (حاجَةً) حسدا على ما خصوا به من مال الفيء وغيره. (وَيُؤْثِرُونَ) يقدمونهم على أنفسهم.

٢٧١

(خَصاصَةٌ) فاقة وحاجة آثروهم بالفيء والغنيمة حتى قسم في المهاجرين دونهم لما قسم الرسول صلّى الله عليه سلم للمهاجرين أموال النضير أو قريظة على أن يردوا على الأنصار ما كانوا أعطوهم من أموالهم ، قالت الأنصار : بل نقسم لهم من أموالنا ونؤثرهم بالفيء فنزلت أو آثروهم بأموالهم وواسوهم بها قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إخوانكم تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم» فقالوا : يا رسول الله أموالنا بينهم قطائع فقال : «أو غير ذلك هم قوم لا يعرفون العمل فتكفوهم وتقاسمونهم الثمر» يعني ما صار لهم من نخيل بني النضير قالوا : نعم يا رسول الله.

(شُحَّ نَفْسِهِ) الشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له أو منع الزكاة ، أو هوى نفسه ، أو اكتساب الحرام ، أو إمساك النفقة ، أو الظلم ، أو العمل بالمعاصي ، أو ترك الفرائض وانتهاك المحارم ، والبخل والشح واحد ، أو الشح أخذ المال بغير حق والبخل منع المال المستحق ، أو الشح بما في يدي غيره والبخل بما في يديه.

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ) [الحشر : ١٠].

(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) المهاجرون بعد ذلك أو التابعون ومن يأتي إلى يوم القيامة.

(الَّذِينَ سَبَقُونا) السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ، أو سابقو هذه الأمة ومؤمنو أهل الكتاب قالت عائشة رضي الله تعالى عنها : أمروا أن يستغفروا لهم فسبّوهم. (غِلًّا) غشا أو عداوة.

(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) [الحشر : ١٤].

(بَأْسُهُمْ) حرب بعضهم لبعض أو اختلافهم واختلاف قلوبهم فلا يتفقون على أمر واحد ووعيدهم للمسلمين لنفعلن كذا وكذا.

(تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) اليهود ، أو المنافقون واليهود.

(شَتَّى) مختلفة لأنهم على باطل والباطل مختلف أو على نفاق والنفاق اختلاف وتركه ائتلاف.

(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [الحشر : ١٥].

(الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كفار قريش ببدر أو قتلى بدر أو بنو النضير الذين أجلوا إلى الشام ، أو بنو قريظة كانوا بعد إجلاء النضير بسنة.

٢٧٢

(ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ) نزولهم على حكم سعد أن يقتل المقاتلة وسبي الذرية مثّلهم بهم في تخاذلهم أو في نزول العذاب بهم.

(كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) [الحشر : ١٦].

(لِلْإِنْسانِ) ضرب مثلا للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في كل إنسان أو عني راهبا حسن العبادة من بني إسرائيل فافتتن إلى أن زنا وقتل النفس وسجد لإبليس وقصته مشهورة فكذلك المنافقون وبنو النضير مصيرهم إلى النار.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [الحشر : ١٨].

(اتَّقُوا اللهَ) باجتناب المنافقين ، أو اتقاء الشبهات. (لِغَدٍ) يوم القيامة ، قربه حتى جعله كالغد. (وَاتَّقُوا اللهَ) تأكيد للأولى أو الأولى التوبة فيما مضى والثانية ترك المعصية في المستقبل ، أو الأولى فيما تقدم لغد والثانية فيما يكون منكم.

(بِما تَعْمَلُونَ) بعملكم ، أو بما يكون منكم.

(وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) [الحشر : ١٩].

(نَسُوا اللهَ) تركوا أمره. (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ) أن يعملوا لها خيرا ، أو نسوا حقه فأنساهم حق أنفسهم ، أو نسوا شكره وتعظيمه فأنساهم بالعذاب أن يذكر بعضهم بعضا ، أو نسوه عند الذنوب فأنساهم أنفسهم عند التوبة.

(الْفاسِقُونَ) العاصون أو الكاذبون.

(لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر : ٢٠].

(الْفائِزُونَ) الناجون من النار ، أو المقربون المكرمون.

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) [الحشر : ٢٢].

(هُوَ اللهُ) قال جابر بن زيد اسم الله الأعظم هو الله لمكان هذه الآية.

(الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) السر والعلانية ، أو ما كان وما يكون ، أو الدنيا والآخرة ، أو ما يدرك وما لا يدرك من الحياة والموت والأجل والرزق.

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر : ٢٣].

(الْمَلِكُ) المالك ، أو الواسع القدرة. (الْقُدُّوسُ) المبارك ، أو الطاهر ، أو المنزه عن

٢٧٣

القبائح. (السَّلامُ) مأخوذ من سلامته وبقائه وإذا وصف بمثله المخلوق قيل سالم ، أو من سلامة عباده من ظلمه. (الْمُؤْمِنُ) خلقه من ظلمه ، أو يصدقهم وعده ، أو دعاهم إلى الإيمان. (الْمُهَيْمِنُ) الشاهد على خلقه بأعمالهم وعلى نفسه بثوابهم ، أو الأمين ، أو المصدق ، أو الحافظ قال عمر رضي الله تعالى عنه : إني داع فهيمنوا أي قولوا آمين حفظا للدعاء لما يرجى من الإجابة أو الرحيم. (الْعَزِيزُ) في امتناعه ، أو انتقامه. (الْجَبَّارُ) العظيم الشأن في القدرة والسلطان ، أو الذي جبر خلقه على ما يشاء ، أو جبر فاقة عباده ، أو أذل له من دونه. (الْمُتَكَبِّرُ) عن النسيان أو عن ظلم عباده ، أو المستحق لصفات الكبر والتعظيم.

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الحشر : ٢٤].

(الْخالِقُ) محدث الأشياء على إرادته ، أو مقدرها بحكمته. (الْبارِئُ) المنشىء للخلق ، أو المميز له برئت منه تميزت. (الْمُصَوِّرُ) للخلق على مشيئته ، أو كل جنس على صورته. (الْأَسْماءُ الْحُسْنى) جميع أسمائه حسنى لاشتقاقها من صفاته الحسنى ، أو الأمثال العليا.

سورة الممتحنة (١)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) [الممتحنة : ١].

لما أراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم التوجه إلى مكة ورّى لخيبر فأرسل حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بذلك ليحفظ ماله عندهم فاطلع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على كتابه فاسترده ثم سأله فاعتذر بأنه فعل ذلك ليحموا ماله فقدره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصدقه ونزلت هذه الآية والتي بعدها.

__________________

(١) سورة الممتحنة ، سميت بهذا الاسم لما ورد فيها من وجوب امتحان المؤمنات عند الهجرة وعدم ردّهنّ إلى الكفار إذا ثبت إيمانهن. وتسمى أيضا الامتحان والمودة ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الأحزاب ، وقد بدأت السورة بأسلوب النداء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، والسورة تهتم بجانب التشريع ومحور السورة يدور حول فكرة الحب والبغض في الله الذي هو أوثق عرى الإيمان وقد نزل صدر السورة عتابا لحاطب بن أبي بلتعة حين كتب كتابا لأهل مكة يخبرهم أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد تجهز لغزوهم كما ذكر تعالى حكم موالاة أعداء الله وضرب الأمثال في إبراهيم والمؤمنين في تبرؤهم من المشركين وبين حكم الذين لم يقاتلوا المسلمين وحكم المؤمنات المهاجرات وضرورة امتحانهن وغير ذلك من الأحكام التشريعية.

٢٧٤

(تُسِرُّونَ) تعلمونهم في السر أن بينكم وبينهم مودة ، أو تعلمونهم سرا بأحوال الرسول لمودة بينكم وبينهم.

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [الممتحنة : ٤].

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ) يا حاطب أسوة حسنة أو عبرة حسنة فهلا تبرأت يا حاطب من كفار مكة كما تبرأ إبراهيم والمؤمنون معه.

(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) إلا استغفاره فلا تقتدوا به فيه ، أو إلا إبراهيم فإنه استثنى أباه من قومه في الاستغفار له.

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الممتحنة : ٥].

(فِتْنَةً) لا تسلطهم علينا فيفتنونا ، أو لا تعذبنا بعذاب منك ولا بأيديهم فيفتنوا بنا يقولون لو كانوا على حق لما عذبوا دعا بذلك إبراهيم.

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة : ٧].

(مَوَدَّةً) بإسلامهم عام الفتح ، أو نزلت في أبي سفيان والمودة تزوج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابنته أم حبيبة أو ولاه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم على بعض اليمن ، فلما قبض الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أقبل فلقي ذا الخمار مرتدا فقاتله فكان أو من قاتل في الردة وجاهد عن الدين.

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة : ٨].

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ) كان هذا في الابتداء عند موادعة المشركين ثم صارت منسوخة بالأمر بالقتال أو كان لخزاعة والحارث بن عبد مناة عهد فأمروا أن يبروهم بالوفاء به ، أو أراد النساء والصبيان أمروا ببرهم ، أو نزلت في قتيلة امرأة أبي بكر كان قد طلقها في الجاهلية فقدمت على ابنتها أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه في الهدنة فأهدت لها قرطا وأشياء فكرهت قبوله حتى ذكرته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(وَتُقْسِطُوا) تعطوهم قسطا من أموالكم أو تعدلوا فيهم فلا تغلوا في مقاربتهم ولا تسرفوا في مباعدتهم.

٢٧٥

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الممتحنة : ١٠].

(إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) لما هادن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم قريشا على أن يرد إليهم من جاء منهم جاءت أميمة بنت بشر مسلمة أو سعيدة زوجة صفي أو أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أو سبيعة الأسلمية فلما طلب المشركون الرد منع الله من ذلك نسخا منه للرد عند من قال دخلن في العموم أو بيانا لخروجهن من العموم ، وإنهن لم يشترط ردهن لسرعة انخداعهن إلى الكفر وحفظا لفروجهن عند من قال لم يدخلن في العموم وإن كان ظاهرا في شمولهن.

(فَامْتَحِنُوهُنَّ) بالشهادتين أو بما في قوله (يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ.) [الممتحنة : ١٢] أو تحلف بالله تعالى ما خرجت من بغض زوج ، بالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، بالله ما خرجت التماس دنيا ، بالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله.

(وَآتُوهُمْ) آتوا الأزواج ما أنفقوا من المهور وهل يدفع إلى غير الأزواج من أهلن فيه اختلاف.

(بِعِصَمِ) العصمة : الحبل أو العقد فإذا أسلم الكافر على وثنية فلا يجوز له التمسك بعصمتها إلا أن تسلم قبل انقضاء عدتها. ولما نزلت طلق جماعة من الصحابة أزواجهم من المشركات.

(وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ) من المهور إذا ارتد أزواجكم المسلمات ولحقن بالكفار من ذوي العهد المذكور ولا يجوز لأحد بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يشترط رد النساء المسلمات لأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان له وعد من الله بفتح بلادهم ودخولهم في الإسلام طوعا وكرها فجاز له ما لم يجز لغيره.

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) [الممتحنة : ١١].

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ) إذا فاتت المسلم زوجته بارتدادها إلى أهل العهد المذكور فلم يصل إلى مهرها منهم ثم غنمها المسلمون ردوا عليه مهرها مما غنموه ، أو من مال الفيء أو

٢٧٦

من صداق من أسلمت منهن عن زوج كافر.

(فَعاقَبْتُمْ) فغنمتم مأخوذ من معاقبة الغزو أو فأصبتم منهم عاقبة من قتل أو سبي أو عاقبتم المرتدة بالقتل فلزوجها المهر من الغنائم وهذا منسوخ لنسخ الشرط الذي شرطه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية أو محكم.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الممتحنة : ١٢].

(يُبايِعْنَكَ) لما دخل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مكة عام الفتح بايعه الرجال ثم جاءت النساء بعدهم للبيعة فبايعهن فجلس على الصفا وعمر رضي الله تعالى عنه دون الصفا فأمره أن يبايع النساء أو أمر أميمة أخت خديجة بنت خويلد بعدما أسلمت أن تبايع عنه النساء أو بايعهن بنفسه وعلى يده ثوب قد وضعه على كفه أو وضع ماء في قعب وغمس يده فيه وأمرهن فغمسن أيديهن.

(وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) كانوا يئدون الأولاد في الجاهلية.

(بِبُهْتانٍ) بسحر أو المشي بالنميمة والسعي بالفساد أو أن يلحقن بأزواجهن غير أولادهم كانت أحداهن تلتقط الولد وتلحقه بزوجها قاله الجمهور.

(يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ) ما أخذته لقيطا.

(وَأَرْجُلِهِنَّ) ما ولدنه من زنا.

(مَعْرُوفٍ) طاعة الله ورسوله أو ترك النوح أو خمش الوجه ونشر الشعر وشق الجيب والدعاء بالويل أو عام في كل معروف مأمور به.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) [الممتحنة : ١٣].

(قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ) اليهود أو اليهود والنصارى أو جميع الكفار.

(يَئِسُوا) من ثواب الآخرة كما يئس الكفار من بعث من في القبور أو كما يئس الكفار المقبورون من ثوابها لمعاينة عقابها أو يئسوا من خير الآخرة كما يئسوا من خير أهل القبور أو يئسوا من البعث والرحمة كما يئس منها من مات منهم وقبر.

٢٧٧

سورة الصف (١)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢].

قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما فرض الجهاد تثاقلوا عنه فنزلت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) أو نزلت في قوم كان أحدهم يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر وضربت ولم يضرب ، أو في المنافقين قالوا إن خرجتم وقاتلتم خرجنا وقاتلنا فلما خرجوا نكص المنافقون وتخلفوا أو أراد لم تقولون نفعل فيما ليس أمره إليكم فلا تدرون هل تفعلون أو لا تفعلون.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) [الصف : ٤].

(صَفًّا) كصف الصلاة لأنه بالتلاصق يكون أثبت لهم وأمنع لعددهم.

(مَرْصُوصٌ) ملصق بعضه إلى بعض أو مبني بالرصاص.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) [الصف : ٥].

(زاغُوا) عدلوا أو مالوا ولا يستعمل إلا في الميل عن الحق يريد بذلك الخوارج أو المنافقين أو عام.

(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف : ٦].

(وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ) بشرهم به ليؤمنوا به عند مجيئه أو ليكون مجيئه معجزة مصدقة لعيسى.

(أَحْمَدُ) اسم للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كمحمد أو اشتق من اسم الله تعالى المحمود قال حسان :

__________________

(١) سورة الصف سميت بهذا الاسم للوصف الذي يجب أن يكون عليه المسلمون في القتال ، وهو كونهم على صف واحد كالبنيان المرصوص ، وتسمى أيضا الحواريين وعيسى ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة التغابن ، بدأت بفعل ماضي سبّح وهو أحد أساليب الثناء والتسبيح ، تعني السورة بالأحكام التشريعية وهذه السورة تتحدث عن موضع القتال وجهاد أعداء الله والتضحية في سبيل الله لإعزاز دينه وإعلاء كلمته وعن التجارة الرابحة التي بها سعادة المؤمن في الدنيا والآخرة ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو القتال ولهذا سميت سورة الصف.

٢٧٨

وشق له من اسمه ليجله

فذو العرش محمود وهذا محمد

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الصف : ٧].

(افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) اليهود والمنافقون أو النضر من بني عبد الدار قال إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزى فنزلت.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [الصف : ٨].

(نُورَ اللهِ) القرآن يريدون إبطاله أو الإسلام يريدون دفعه بالكلام أو محمد يريدون هلاكه بالأراجيف أو حجج الله ودلائله يريدون إبطالها بتكذيبهم وإنكارهم أو مثل من أراد إبطال الحق بمن أراد إطفاء نور الشمس بفمه ، قال كعب بن الأشرف : لما أبطأ الوحي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعين يوما يا معشر اليهود أبشروا فقد أطفأ الله نور محمد فيما كان ينزل عليه وما كان الله ليتم أمره فحزن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت ثم اتصل الوحي.

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [الصف : ٩].

(لِيُظْهِرَهُ) بالغلبة لأهل الأديان كلها ، أو بالعلو على الأديان أو بعلمه بالأديان كلها ظهرت على سره : علمت به.

سورة الجمعة (١)

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة : ٢].

(الْأُمِّيِّينَ) لأنهم لم ينزل فيهم كتاب أو لم يكونوا يكتبون ، قريش خاصة لم يكونوا يكتبون حتى تعلم بعضهم في آخر الجاهلية من أهل الحيرة أو جميع العرب لأنه لم يكن لهم كتاب ولا كتب منهم إلا القليل ومنّ عليهم بكونه أميا لموافقة ذلك بشارة الأنبياء قبله أو لمشاكلته لهم ليكون أقرب إلى الموافقة أو لئلا يتهم بقراءة كتب الأولين.

(وَيُزَكِّيهِمْ) يجعل قلوبهم زكية بالإيمان أو يطهرهم من الكفر والذنوب أو يأخذ زكاة

__________________

(١) سورة الجمعة سميت بهذا الاسم لأنها تناولت أحكام صلاة الجمعة فدعت المؤمنين إلى المسارعة لأداء الصلاة ، وحرمت عليهم البيع وقت الأذان ، ووقت النداء لها وختمت بالتحذير من الانشغال عن الصلاة بالتجارة وغيرها ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة الصف ، والسورة تتناول جانب التشريع والمحور الذي تدور عليه السورة بيان أحكام صلاة الجمعة التي فرضها الله على المؤمنين.

٢٧٩

أموالهم.

(الْكِتابَ) القرآن أو الخط بالقلم لأنه شاع فيهم لما أمروا بتقييد الشرع بالخط أو معرفة الخير والشر كما يعرف بالكتاب.

(وَالْحِكْمَةَ) السنة أو الفقه في الدين أو الفهم والاتعاظ.

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجمعة : ٣].

(وَآخَرِينَ) ويعلم آخرين ويزكيهم وهم المسلمون بعد الصحابة أو العجم بعد العرب أو الملوك أبناء الأعاجم أو الأطفال بعد الرجال.

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الجمعة : ٤].

(فَضْلُ اللهِ) النبوة أو الإسلام أو ما ذكره الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قوله للفقراء في أهل الدثور ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة : ٩].

(فَاسْعَوْا) بالمشي على الأقدام من غير إسراع أو بنية القلوب أو بالعمل لها أو بإجابة الداعي.

(ذِكْرِ اللهِ) موعظة الخطبة أو الصلاة عند الجمهور أو الوقت ، وكانوا يسمون الأيام في الجاهلية غير هذه الأسماء الأحد أول والاثنين أهون والثلاثاء جبار والأربعاء دبار والخميس مؤنس والجمعة عروبة والسبت شيار.

أؤمل أن أعيش وإن يومي

بأول أو بأهون أو جبار

أو التالي دبار فإن أفته

فمؤنس أو عروبة أو شيار

وأول من سماه الجمعة كعب بن لؤي لاجتماع قريش فيه إلى كعب أو في الإسلام لاجتماعهم فيه إلى الصلاة.

(وَذَرُوا الْبَيْعَ) فحرم البيع على المخاطب بالجمعة من بعد الزوال إلى الفراغ منها ، أو من وقت آذان الخطبة إلى الفراغ من الصلاة والآذان الأول أحدثه عثمان رضي الله تعالى عنه ليتأهبوا لحضور الخطبة لما اتسعت المدينة وكثر أهلها وكان عمر رضي الله تعالى عنه أمر بآذان في السوق قبل المسجد ليقوموا عن البيع فإذا اجتمعوا أذّن في المسجد فجعله عثمان آذانين في المسجد. (ذلِكُمْ) الصلاة خير من البيع الشراء.

(فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً

٢٨٠