تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

الْإِيمانَ) حسّنه عندكم ، أو بما وصف من الثواب عليه. (وَزَيَّنَهُ) بما وعد عليه من نصر الدنيا وثواب الآخرة ، أو بدلالات صحته. (وَكَرَّهَ) قبح ، أو بما وصف عليه من العقاب ، الفاسقون : الكاذبون أو كل ما خرج من الطاعة.

(وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات : ٩].

(وَإِنْ طائِفَتانِ) كان بين الأوس والخزرج قتال بالنعال والسعف ونحوه على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت ، أو اختصم اثنان منهم في حق فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته فدعاه الآخر إلى المحاكمة إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأبى لم يزل الأمر حتى نال بعضهم بعضا بالأيدي والنعال فنزلت ، أو كان لرجل منهم امرأة فأرادت زيارة أهلها فمنعها زوجها وجعلها في علية لا يدخل عليها أحد من أهلها فأرسلت إلى أهلها وجاءوا فأنزلوها لينطلقوا بها فاستعان زوجها بعصبته فجاءوا ليحولوا بينها وبين عصبتها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت ، أو مر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بابن أبي فوقف عليه فراث حماره فأمسك ابن أبي أنفه وقال إليك حمارك فغضب ابن رواحة وقال أتقول هذا لحمار رسول الله صلى عليه وسلم فو الله لهو أطيب ريحا منك ومن أبيك فغضب لكل واحد منهما قومه حتى اقتتلوا بالأيدي والنعال فنزلت فأصلح الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما.

(الَّتِي تَبْغِي) بالتعدي في القتال ، أو ترك الصلح ، البغي التعدي بالقوة إلى طلب ما لا يستحق.

(إِلى أَمْرِ اللهِ) كتابه وسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الصلح الذي أمر به. (بِالْعَدْلِ) بالحق أو كتاب الله. (الْمُقْسِطِينَ) ذوو العدل في أقوالهم وأفعالهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات : ١١].

(لا يَسْخَرْ) غني بفقير أو مسلم بمن أعلن بفسقه والقوم : الرجال خاصة لقيام بعضهم مع بعض ، أو لقيامهم بالأمور دون النساء.

(أَنْفُسَكُمْ) أهل دينكم أو بعضكم بعضا واللمز : العيب لا يطعن بعضكم على بعض ، أو لا يلعنه ، أو لا يخونه.

(تَنابَزُوا) وضع اللقب المكروه على الرجل ودعاؤه به قدم وفد بني سلمة على

٢٢١

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولأحدهم اسمان وثلاثة فكان يدعوه بالاسم فيقال إنه يكره هذا فنزلت أو التسمية بالأعمال السيئة بعد الإسلام يا سارق يا زاني ، أو يا فاسق ، أو التعيير بعد الإسلام بما سلف من الشرك أو تسميته بعد الإسلام باسم دينه السابق كاليهودي والنصراني لمن كان يهوديا أو نصرانيا ولا يأتي بالألقاب الحسنة والنبز اللقب الثابت ، أو القول بالقبيح نزلت في ثابت بن قيس نبز رجلا بلقب كان لأمه ، أو في كعب بن مالك كان على المقسم فقال لعبد الله بن أبي حدرد يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فتشاكيا إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو في الذين نادوا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من وراء الحجرات لما عابوا أتباع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الفقراء والموالي ، أو في عائشة رضي الله تعالى عنها عابت أم سلمة بالقصر أو بلباس تشهرت به.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات : ١٢].

(كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ) ظن السوء.

(بَعْضَ الظَّنِّ) أي ظن السوء ، أو التكلم بما ظنه فإن لم يتكلم به فلا إثم عليه.

(تَجَسَّسُوا) بتتبع عثرات المؤمن أو بالبحث عما خفي حتى يظهر ، والتجسس والتحسس واحد ، أو بالجيم البحث ومنه الجاسوس وبالحاء الإدراك ببعض الحواس ، أو بالحاء أن يطلبه لنفسه وبالجيم أن يكون رسولا لغيره.

(وَلا يَغْتَبْ) الغيبة : ذكر العيب بظهر الغيب إذا كان صدقا فإن كان كذبا فهو بهتان وإن كان من سماع فهو إفك.

(لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) كما تمتنعون من أكل لحوم الموتى فكذلك يجب أن تمتنعوا من غيبة الأحياء ، أو كما يحرم الأكل يحرم الاغتياب.

(فَكَرِهْتُمُوهُ) كرهتم أن يغتابكم الناس فكذلك فاكرهوا غيبتهم ، أو كرهتم أكل الميتة فاكرهوا الغيبة.

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات : ١٣].

(مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) نهى عن التفاخر بالأحساب.

(شُعُوباً) النسب الأبعد والقبائل النسب الأقرب لأنها تشعبت من الشعوب ، أو الشعوب عرب اليمن من قحطان والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان ، أو الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب.

٢٢٢

(لِتَعارَفُوا) لا لتفتخروا ، وواحد الشعوب شعب بالفتح والشعب الطريق جمعه شعاب.

(قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحجرات : ١٦].

(أَتُعَلِّمُونَ اللهَ) أعراب حول المدينة أظهروا الإسلام وأبطنوا الشرك ومنوا بإسلامهم على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقالوا : فضلنا على غيرنا لأنا أسلمنا طوعا.

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الحجرات : ١٧].

(لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) لأنه إن كان حقا فهو لخلاصكم وإن كان نفاقا فللدفع عنكم فلا منّة لكم فيه.

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) [الحجرات : ١٨].

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) أقروا ولم يعملوا فالإسلام قول والإيمان عمل ، أو أرادوا التسمي باسم الهجرة قبل المهاجرة فأعلموا أن اسمهم أعراب ، أو منّوا بإسلام وقالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم نقاتلك فقيل لهم لم تؤمنوا.

(وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) خوف السيف لأنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم وتركوا القتال فصاروا مستسلمين لا مسلمين فيكون من الاستسلام دون الإسلام قيل نزلت في أعراب بني أسد.

(يَلِتْكُمْ) لا يمنعكم ، أو لا ينقصكم من ثواب أعمالكم يألتكم ويلتكم واحد أو يألت أبلغ وأكثر من يلت.

سورة ق (١)

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) [ق : ١].

(ق) اسم لله تعالى أقسم به ، أو اسم القرآن ، أو قضى والله كما حم : حم والله ، أو الجبل المحيط بالدنيا.

__________________

(١) سورة ق سورة مكية إلا الآية (٣٨) فمدنية ، نزلت بعد سورة المرسلات ، بدأت السورة بأسلوب قسم ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ، تعالج السورة أصول العقيدة الإسلامية الوحدانية ، الرسالة ، البعث ولكن المحور الذي تدور حوله هو موضوع البعث والنشور حتى ليكاد يكون هو الطابع الخاص للسورة الكريمة وقد عالجه القرآن بالبرهان الناصع والحجة الدامغة وهذه السورة رهيبة شديدة الوقع على الحس تهز القلب هزا وترج النفس رجا وتثير فيها روعة الإعجاب ورعشة الخوف بما فيها من الترغيب والترهيب.

٢٢٣

(الْمَجِيدِ) الكريم أو الكثير القدر والمنزلة ، في كل الشجر نار واستمجد المرخ والعفار استكثر ، أو العظيم من مجدت الإبل عظمت بطونها من كلأ الربيع أقسم به تعظيما لقدره وتشريفا لخطره لأن القسم لا يكون في العرف إلا بمعظم.

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) [ق : ٢].

(عَجِيبٌ) كون الإله واحد ، أو كون المنذر منهم ، أو إنذارهم بالبعث.

(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) [ق : ٤].

(ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ) من يموت منهم ، أو ما تأكله من لحومهم وتبليه من عظامهم.

(كِتابٌ) اللوح المحفوظ. (حَفِيظٌ) لأعمالهم ، أو لما تأكله الأرض من لحومهم وأبدانهم.

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) [ق : ٥].

(بِالْحَقِّ) القرآن اتفاقا. (مَرِيجٍ) مختلط ، أو مختلف ، أو ملتبس ، أو فاسد.

(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) [ق : ٦].

(فُرُوجٍ) شقوق ، أو فتوق إلا أن الملك تفتح له أبوابها.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) [ق : ٧].

(مَدَدْناها) بسطناها. (رَواسِيَ) جبالا ثوابت واحدها راسية. (بَهِيجٍ) حسن ، أو من أبهجني الأمر أي سرني لأن السرور يحدث حسن الوجه قال الشعبي : الناس نبات الأرض من دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم.

(تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) [ق : ٨].

(تَبْصِرَةً) دلالة ، أو بصيرة للإنسان ، أو نعما بصر الله تعالى بها عباده. (مُنِيبٍ) مخلص ، أو تائب ، أو راجع متذكر.

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) [ق : ٩].

(مُبارَكاً) لإحيائه النبات والحيوان. (جَنَّاتٍ) البساتين عند الجمهور ، أو الشجر.

(وَحَبَّ الْحَصِيدِ) البر والشعير وكل ما يحصد من الحبوب إذا تكامل واستحصد سمي حصيدا.

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ) [ق : ١٠].

(باسِقاتٍ) طوالا ، أو أثقلها حملها. (نَضِيدٌ) منضود أي متراكم ، أو منظوم ، أو قائم معتدل.

(رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ) [ق : ١١].

٢٢٤

(رِزْقاً لِلْعِبادِ) ماء المطر ونبات الأرض. (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) إذا كانت النشأة الأولى مقدورة من غير أصل فالثانية أولى بذلك لأن لها أصلا ، أو مشاهدة إعادة ما مات من زرع ونبات دالة على أن إعادة الموتى أولى للتكليف والجزاء.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ) [ق : ١٢].

(الرَّسِّ) كل بئر لم تطو أو كل حفر في الأرض من بئر أو قبر وهي البئر التي قتل فيها صاحب ياسين ورسّوه ، أو بئر بأذربيجان ، أو قوم باليمامة على آبار لهم ، أو أصحاب الأخدود.

(وَثَمُودُ) قوم صالح وهم عرب بوادي القرى وما حوله من الثمر وهو الماء القليل.

(وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ) [ق : ١٣].

(وَعادٌ) أسلم رجل من العماليق كثر ولده وصاروا قبائل بأحقاف اليمن وهم قوم هود.

(وَفِرْعَوْنُ) كان فارسيا من أهل اصطخر أو كان من أهل مصر وكان من لخم ، أو من تبع.

(وَإِخْوانُ لُوطٍ) كانوا أربعة آلاف ألف ألف وما من نبي إلا يقوم يوم القيامة معه قوم إلا لوط فإنه يقوم وحده.

(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) [ق : ١٤].

(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قوم شعيب أهلكوا بيوم الظلة وأرسل إلى مدين أيضا فأهلكوا بالصيحة والأيكة : الغيضة ذات الشجر الملتف وكان عامة شجرهم الدوم.

(تُبَّعٍ) لكثرة أتباعه أسلم وكفر قومه وهو حميري من ملوك العرب.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥].

(أَفَعَيِينا) ما عجزت عن أهلاك الأولين مع قوتهم أفيشكون في إهلاكي إياهم مع قلتهم وضعفهم ، أو ما عجزت عن الإنشاء أفتشكون في قدرتي على الإعادة. واللبس اكتساب الشك والخلق الجديد إعادة خلق بعد خلق أول.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦].

(تُوَسْوِسُ) الوسوسة كثرة حديث النفس بما لا يتحصل في خفاء وإسرار.

(الْوَرِيدِ) حبل معلق به القلب وهو الوتين ، أو عرق في الحلق عرق العنق وهو حبل العاتق وهما وريدان عن يمين وشمال سمي وريدا لأنه ينصب إليه ما يرد من الرأس.

٢٢٥

(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) من وريده الذي هو منه أو أملك به من حبل وريده مع استيلائه عليه.

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ) [ق : ١٧].

(الْمُتَلَقِّيانِ) ملكان يتلقيان العمل أحدهما عن يمينك يكتب الحسنات والآخر عن شمالك يكتب السيئات وهم أربعة ملكان بالليل وملكان بالنهار.

(قَعِيدٌ) قاعد أو رصد حافظ من القعود.

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق : ١٨].

(يَلْفِظُ) يتكلم من لفظ الطعام وهو إخراجه من الفم. (رَقِيبٌ) متبع للأمور ، أو حافظ ، أو شاهد. (عَتِيدٌ) حاضر لا يغيب ، أو حافظ معد للحفظ ، أو الشهادة.

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق : ١٩].

(تَحِيدُ) تفر ، أو تعدل.

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق : ٢١].

(سائِقٌ) ملك يسوقه إلى محشره ، أو أمر الله يسوقه إلى الحسنات.

(وَشَهِيدٌ) ملك يشهد بعمله ، أو الإنسان يشهد على نفسه بعمله ، أو يداه ورجلاه تشهد عليه ، أو العمل يشهد عليه بنفسه ، وهي عامة في المسلمين والكافرين عند الجمهور ، أو خاصة بالكفار.

(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢].

(كُنْتَ) أيها النبي. (غَفْلَةٍ) عن الرسالة فكشفنا عنك غطاءك بالوحي قاله ابن زيد ، أو كنت أيها الكافر في غفلة من عواقب كفرك.

(غِطاءَكَ) كان في بطن أمه فولد ، أو في القبر فنشر ، أو وقت العرض في القيامة.

(فَبَصَرُكَ) بصيرتك سريعة ، أو صحيحة لسرعة مور الحديد وصحة قطعه ، أو أبصر عينك حديد شديد ، أو بصير ، ومدركه معاينة الآخرة ، أو لسان الميزان ، أو ما يصير إليه من ثواب وعقاب ، أو ما أمر من طاعة وحذر من معصية وهو معنى قول ابن زيد ، أو العمل الذي كان يعمله في الدنيا.

(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) [ق : ٢٣].

(قَرِينُهُ) الملك الشهيد عليه ، أو الذي قيض له من الشياطين ، أو الإنس قاله ابن زيد.

(ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) هذا الذي وكلت به قد أحضرته ، أو هذا الذي كان يحبني وأحبه قد حضر قاله ابن زيد.

٢٢٦

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق : ٢٤].

(أَلْقِيا) يؤمر بإلقاء كل كافر ملكان ، أو ملك ويؤمر بلفظ الاثنين قال :

فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر

وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا

أو بمعنى تثنية القول ألق ألق.

(عَنِيدٍ) معاند للحق ، أو منحرف عن الطاعة ، أو جاحد متمرد ، أو مشاق ، أو المعجب بما عنده المقيم على العمل به.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ) [ق : ٢٥].

(لِلْخَيْرِ) المال أن ينفقه في الطاعة ، أو الزكاة المفروضة ، أو عام في الخير من قول وعمل.

(مُرِيبٍ) شاك في الله تعالى ، أو في البعث ، أو متهم نزلت في الوليد بن المغيرة استشاره بنو أخيه في الإسلام فمنعهم.

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) [ق : ٢٨].

(لا تَخْتَصِمُوا) اختصامهم اعتذار كل واحد منهم فيما قدم من معاصيه ، أو تخاصم كل واحد مع قرينه الذي أغواه في الكفر وأما خصامهم في مظالم الدنيا فلا يضاع لأنه يوم التناصف.

(بِالْوَعِيدِ) بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو القرآن ، أو الأمر والنهي.

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [ق : ٢٩].

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) فيما أوجبه من أمر ونهي ، أو فيما وعد به من ثواب وعقاب أو في أن الحسنة بعشر والصلوات الخمس بخمسين صلاة.

(بِظَلَّامٍ) بمعذب من لم يجترم.

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [ق : ٣٠].

(نَقُولُ) بلسان حالها.

امتلأ الحوض وقال قطني

أو يقول : زبانيتها.

(هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) هل يزاد إلى من ألقي فيّ غيرهم كالاستخبار عمن بقي ، أو امتلأت بمن ألقي فهل أتسع لغيرهم ، أو هل يزاد في سعتي لإلقاء غير من ألقي فيّ.

(هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ) [ق : ٣٢].

(أَوَّابٍ) ذاكر ذنبه في الخلاء ، أو إذا ذكر ذنبا تاب واستغفر ، أو الذي لا يقوم من

٢٢٧

مجلس حتى يستغفر.

(حَفِيظٍ) لوصية الله تعالى ، أو مطيع فيما أمر ، أو حافظ لحق الله تعالى بالاعتراف ولنعمه بالشكر.

(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [ق : ٣٣].

(بِالْغَيْبِ) يدع الذنب سرا كما يدعه جهرا ، أو يتوب سرا كما أذنب سرا ، أو أطاع الله تعالى بالأدلة ولم يره.

(مُنِيبٍ) تائب ، أو مقبل على الله تعالى أو مخلص.

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣٥].

(مَزِيدٌ) مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها ، أو التزوج بالحور العين ويوم الجمعة يسمى في الآخرة يوم المزيد إما لزيادة ثواب العمل فيه أو لأن الله تعالى يقضي فيه بين خلقه يوم القيامة.

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) [ق : ٣٦].

(فَنَقَّبُوا) أثّروا ، أو ملكوا ، أو ساروا ، أو طوّفوا ، أو اتخذوا فيها طرقا ومسالك.

(مَحِيصٍ) منجى من الموت ، أو مهرب ، أو مانع.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧].

(قَلْبٌ) عقل لأن القلب محله ، أو نفس حية مميزة عبر عنها بالقلب لأنه وطنها ومعدن حياتها.

(أَلْقَى السَّمْعَ) فيما غاب عنه بالأخبار. (وَهُوَ شَهِيدٌ) فيما عاينه بالحضور ، أو سمع ما نزل من الكتب وهو شهيد بصحته ، أو سمع ما أنذر به من ثواب وعقاب وهو شهيد على نفسه بما عمل من خير أو شر خاصة بأهل القرآن ، أو باليهود والنصارى ، أو عامة في جميع أهل الكتب.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) [ق : ٣٨].

(لُغُوبٍ) نصب وتعب زعم يهود المدينة أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام أولها يوم الأحد وآخرها الجمعة واستراح يوم السبت ولذلك جعلوه يوم راحة فنزلت تكذيبا لهم.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [ق : ٣٩].

٢٢٨

(عَلى ما يَقُولُونَ) من تكذيب ، أو وعيد. (وَسَبِّحْ) بقولك تنزيها لله تعالى ، أو فصلّ قبل طلوع الشمس الصبح.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) [ق : ٤٠].

(فَسَبِّحْهُ) قولا بالليل ، أو عشاء الآخرة ، أو صلاة الليل ، أو ركعتا الفجر.

(وَأَدْبارَ السُّجُودِ) التسبيح أدبار الصلوات ، أو النوافل بعد الفرائض ، أو ركعتان بعد المغرب قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ركعتين بعد المغرب إدبار السجود وركعتين قبل الفجر إدبار النجوم» (١).

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) [ق : ٤١].

(يُنادِ) بالنفخة الثانية إلى أرض المحشر.

(مَكانٍ قَرِيبٍ) صخرة بيت المقدس ، أو وسط الأرض : يا أيتها العظام البالية قومي لفصل القضاء وما أعد من الجزاء وهي أقرب إلى السماء بثمانية عشر ميلا ، أو يسمعها كل قريب وبعيد.

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) [ق : ٤٢].

(بِالْحَقِّ) بقول الحق ، أو بالبعث الذي هو حق.

(الْخُرُوجِ) من القبور ، أو الخروج من أسماء القيامة.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [ق : ٤٥].

(بِجَبَّارٍ) برب ، أو متجبر مسلط عليهم ، كل متسلط : جبار ، أو لا تجبرهم على الإسلام من جبرته على الأمر قهرته عليه.

سورة الذاريات (٢)

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) [الذاريات : ١].

(وَالذَّارِياتِ) الرياح واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء.

__________________

(١) أخرجه الترمذى (٥ / ٣٩٢ ، رقم ٣٢٧٥) ، وقال : غريب.

(٢) سورة الذاريات سورة مكية ، نزلت بعد سورة الأحقاف ، وقد بدأت السورة بأسلوب قسم وَالذَّارِياتِ ، ويقصد بها الرياح ، وهذه السورة الكريمة من السور المكية التي تقوم على تشييد دعائم الإيمان ، وتوجيه الأبصار إلى قدرة الله الواحد القهار ، وبناء العقيدة الراسخة على أسس التقوى والإيمان.

٢٢٩

(ذَرْواً) مصدر ، أو ما ذرته أقسم بها وبما ذرته.

(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) [الذاريات : ٢].

(فَالْحامِلاتِ) السحاب موقرة بالمطر ، أو الرياح موقرة بالسحاب.

(فَالْجارِياتِ يُسْراً) [الذاريات : ٣].

(فَالْجارِياتِ) السفن ، أو السحاب. (يُسْراً) إلى حيث يسرها الله من البلاد ، أو سهولة تيسيرها.

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) [الذاريات : ٤].

(فَالْمُقَسِّماتِ) السحاب يقسم الله بها الحظوظ بين الناس ، أو الملائكة تقسم أمره في خلقه : جبريل صاحب الوحي والغلظة ، وميكائيل صاحب الرزق والرحمة ، وإسرافيل صاحب الصور واللوح ، وعزرائيل قابض الأرواح ؛ أقسم الله تعالى بذلك لما فيه من الآيات والمنافع.

(إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ) [الذاريات : ٥].

(إِنَّما تُوعَدُونَ) يوم القيامة كائن ، أو الثواب والعقاب حق.

(وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) [الذاريات : ٦].

(الدِّينَ) الحساب لواجب ، أو الجزاء لكائن.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات : ٧].

(وَالسَّماءِ) السحاب أو السماء المعروفة على المشهور قال ابن عمر رضي الله عنهما هي السماء السابعة.

(الْحُبُكِ) الاستواء ، أو الشدة ، أو الصفاقة ، أو الطرائق من حباك الحمام طرائق على جناحه ، أو الحسن والزينة ، أو كحبك الماء إذا ضربته الريح ، أو الريح ، أو لأنها حبكت بالنجوم.

(إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) [الذاريات : ٨].

(قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) أمر مختلف فمؤمن وكافر ومطيع وعاص ، أو مصدق بالقرآن ومكذب به ، أو أهل الشرك يختلف عليه بالباطل.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ) [الذاريات : ٩].

(يُؤْفَكُ) يضل عنه من ضل ، أو يصرف عنه من صرف ، أو يؤفن عنه من أفن ، والأفن فساد العقل ، أو يخدع عنه من خدع ، أو يكذب فيه من كذب ، أو يدفع عنه من دفع.

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [الذاريات : ١٠].

(قُتِلَ) لعن. (الْخَرَّاصُونَ) المرتابون ، أو الكذابون ، أو أهل الظنون والفرية ، أو

٢٣٠

المتكهنون ، والخرص هاهنا تعمد الكذب ، أو ظن الكذب لأن الخرص حذر وظن ومنه خرص الثمار ، خرصوا للتكذيب بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو بالبعث.

(الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) [الذاريات : ١١].

(غَمْرَةٍ) غفلة لاهون ، أو ضلالة يتمادون ، أو عمى وشبهة يترددون.

(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [الذاريات : ١٢].

(أَيَّانَ) متى يوم الجزاء قيل إنها مركبة من أي والآن.

(يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [الذاريات : ١٣].

(يُفْتَنُونَ) يعذبون ، أو يطبخون ويحرقون كما يفتن الذهب بالنار ، أو يكذبون توبيخا وتقريعا.

(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [الذاريات : ١٤].

(فِتْنَتَكُمْ) عذابكم أو تكذيبكم أو حريقكم.

(آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) [الذاريات : ١٦].

(ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) من الفرائض ، أو الثواب. (قَبْلَ ذلِكَ) قبل الفرائض. (مُحْسِنِينَ) بالإجابة ، أو قبل القيامة محسنين بالفرائض.

(كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) [الذاريات : ١٧].

(كانُوا قَلِيلاً) تم الكلام ثم قال. (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) الهجوع : النوم ، أو كان هجوعهم قليلا ، أو كان القليل منهم ما يهجعون وإن كان الأكثر هجوعا ، أو كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى صلوا المغرب والعشاء ، أو قليلا يهجعون وما صلة وهذا لما كان قيام الليل فرضا.

(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات : ١٨].

(يَسْتَغْفِرُونَ) يصلون ، أو يؤخرون الاستغفار إلى السّحر كما أخره يعقوب لبنيه ، قال ابن زيد : السحر هو السدس الأخير من الليل.

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات : ١٩].

(حَقٌّ) معلوم : الزكاة ، أو غيرها مما يصل به رحما ، أو يقري به ضيفا ، أو يحمل به كلا ، أو يغني به محروما.

(وَالْمَحْرُومِ) الذي لا يسأل ، أو الذي يجيء بعد الغنيمة ليس له فيها سهم ، أو من لا سهم له في الإسلام أو من لا يكاد يتيسر له كسب أو من يطلب الدنيا وتدبر عنه ، أو المصاب بثمره وزرعه ، أو المملوك أو الكلب.

٢٣١

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات : ٢٠].

(وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) الجبال والبحار والأنهار ، أو من أهلك من الأمم الخالية.

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١].

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) سبيل البول والغائط ، أو تسوية مفاصل الأيدي والأرجل والجوارح دال على أنه خلقكم لعبادته ، أو خلقكم من تراب ، فإذا أنتم بشر أو حياتكم وقوتكم وما يخرج ويدخل من طعامكم وشرابكم ، أو الكبر والضعف والشيب بعد الشباب والقوة والسواد.

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ) [الذاريات : ٢٢].

(وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) ، من عند الله الذي في السماء ، أو المطر والثلج ينبتان الزرع فيحيا به الخلق فهو رزق من السماء.

(وَما تُوعَدُونَ) من خير وشر ، أو جنة ونار ، أو أمر الساعة.

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [الذاريات : ٢٣].

(إِنَّهُ لَحَقٌّ) ما جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو ما عدده في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [الذاريات : ٢٤].

(الْمُكْرَمِينَ) عند الله تعالى ، أو خدمهم إبراهيم بنفسه.

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [الذاريات : ٢٥].

(سَلاماً) من المسالمة ، أو دعاء بالسلامة عند الجمهور. (مُنْكَرُونَ) لا يعرفون أو يخافون أنكرته خفته أنكرهم لمجيئهم على غير صور البشر وعلى غير صور الملائكة التي يعرفها.

(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [الذاريات : ٢٦].

(فَراغَ) فعدل ، أو مال خفية. (بِعِجْلٍ) كان عامة ماله البقر سمي عجلا لعجلة بني إسرائيل بعبادته ، أو لأنه عجل في اتباع أمه.

(فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [الذاريات : ٢٨].

(بِغُلامٍ) إسحاق من سارة فبشرناه بإسحاق ، أو إسماعيل من هاجر.

(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ) [الذاريات : ٢٩].

(صَرَّةٍ) رنّة ، أو صيحة ومنه صرير الباب ، أو جماعة ومنه صرّة الدراهم ، المصرّاة جمع لبنها في ضرعها. (فَصَكَّتْ) لطمت ، أو ضربت جبينها أتلد عجوز عقيم؟

٢٣٢

(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [الذاريات : ٣٩].

(فَتَوَلَّى) أدبر ، أو أقبل من الأضداد. (بِرُكْنِهِ) جموعه وجنده ، أو قوته ، أو جانبه ، أو عناده بالكفر وميله عن الحق.

(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [الذاريات : ٤١].

(الْعَقِيمَ) التي لا تلقح ، أو لا تنبت ، أو لا رحمة فيها ، أو لا منفعة لها وهي الجنوب ، أو الدبور ، أو الصبا قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وأهلكت عاد بالدبور» (١).

(ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ) [الذاريات : ٤٢].

(كَالرَّمِيمِ) التراب ، أو الرماد ، أو الشيء البالي الهالك ، أو ما ديس من يابس النبات.

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧].

(لَمُوسِعُونَ) الرزق بالمطر ، أو السماء ، أو لا يضيق علينا شيء نريده ، أو نخلق سماء مثلها ، أو على الاتساع بأكثر من اتساع السماء.

(وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات : ٤٩].

(زَوْجَيْنِ) من كل جنس نوعين ، أو أمر خلقه ضدين : صحة وسقم ، وغنى وفقر ، وموت وحياة ، وفرح وحزن ، وضحك وبكاء.

(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات : ٥٠].

(فَفِرُّوا) فتوبوا.

(وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [الذاريات : ٥٥].

(وَذَكِّرْ) بالقرآن ، أو بالموعظة.

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦].

(لِيَعْبُدُونِ) ليقروا بالعبودية طوعا ، أو كرها ، أو لآمرهم وأنهاهم ، أو لأجبلهم على الشقاء والسعادة ، أو ليعرفون ، أو للعبادة.

__________________

(١) أخرجه الضياء (٧ / ١٠٨ ، رقم ٢٥٢٨) ، والطبراني في الأوسط (٨ / ٢٢ ، رقم ٧٨٤١) ، وفي الصغير (٢ / ٢٢٤ ، رقم ١٠٦٩) جميعا عن أنس.

وأخرجه البخاري (١ / ٣٥٠ ، رقم ٩٨٨) ، ومسلم (٢ / ٦١٧ ، رقم ٩٠٠) ، والنسائي (٦ / ٤٧٦ ، رقم ١١٥٥٦) ، وأحمد (١ / ٢٢٨ ، رقم ٢٠١٣) ، والطيالسي (ص ٣٤٣ ، رقم ٢٦٤١) ، وابن أبي شيبة (٦ / ٣٠٤ ، رقم ٣١٦٤٦) ، وعبد بن حميد (ص ٢١٤ ، رقم ٦٣٧) ، وأبو يعلى (٥ / ٨٢ ، رقم ٢٦٨٠) ، والطبراني في الأوسط (٤ / ١٩٠ ، رقم ٣٩٤١) ، وابن حبان (١٤ / ٣٣١ ، رقم ٦٤٢١) ، والبيهقي (٣ / ٣٦٤ ، رقم ٦٢٧٦) جميعا عن ابن عباس.

٢٣٣

(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [الذاريات : ٥٧].

(مِنْ رِزْقٍ) أن يرزقوا عبادي ولا يطعموهم ، أو يرزقوا أنفسهم ولا يطعموها ، أو معونة ولا فضلا.

(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) [الذاريات : ٥٩].

(ذَنُوباً) عذابا ، أو سبيلا أو عني به الدلو ، أو نصيبا. (أَصْحابِهِمْ) مكذبو الرسل من الأمم السالفة.

سورة الطور (١)

(وَالطُّورِ) [الطور : ١].

(وَالطُّورِ) الجبل بالسريانية ، أو اسم لما ينبت من الجبال دون ما لا ينبت وهو هنا طور سيناء ، أو الذي كلم عليه موسى عليه الصلاة والسّلام ، أو جبل مبهم.

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) [الطور : ٢].

(وَكِتابٍ) القرآن في اللوح المحفوظ ، أو صحائف الأعمال ، أو التوراة ، أو كتاب تقرأ فيه الملائكة ، ما كان وما يكون.

(فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) [الطور : ٣].

(رَقٍّ مَنْشُورٍ) صحيفة مبسوطة تخرج للناس أعمالهم كل صحيفة رق لرقة حواشيها ، أو هي رق مكتوب ، أو ما بين المشرق والمغرب.

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) [الطور : ٤].

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) بالقصد إليه ، أو بالمقام عليه وهو البيت الحرام ، أو بيت في السماء السابعة حيال الكعبة لو خرّ لخرّ عليها يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، أو بيت في ست سماوات دون السابعة يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس ثم لا يعودون إليه ، أو كان في الأرض زمان آدم عليه الصلاة والسّلام ، فرفع زمان الطوفان إلى السماء الدنيا يعمره كل يوم سبعون ألف ملك.

__________________

(١) سميت سورة الطور لأن الله تعالى بدأ السورة الكريمة بالقسم بجبل الطور الذي كلم الله تعالى عليه موسى عليه‌السلام ونال ذلك الجبل من الأنوار والتجليات والفيوضات الإلهية ما جعله مكانا وبقعة مشرفة على سائر الجبال في بقاع الأرض ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة السجدة ، وقد بدأت السورة بأسلوب قسم وَالطُّورِ والطور هو الجبل الذي كلم الله سيدنا موسى عليه ، وسورة الطور من السور المكية التي تعالج موضوع العقيدة الإسلامية وتبحث في أصول العقيدة وهي الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء.

٢٣٤

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) [الطور : ٥].

(وَالسَّقْفِ) السماء ، أو العرش.

(وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [الطور : ٦].

(وَالْبَحْرِ) جهنم ، أو بحر تحت العرش ، أو بحر الأرض.

(الْمَسْجُورِ) المحبوس ، أو المرسل ، أو الممتلىء ، أو الموقد نارا ، أو المختلط ، أو الذي ذهب ماؤه ويبس ، أو الذي لا يشرب من مائه ولا يسقى به زرع.

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) [الطور : ٩].

(تَمُورُ) تدور ، أو تموج ، أو تشقق ، أو تكفأ ، أو تنقلب ، أو تجري جريا ، أو السماء هنا الفلك وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره.

(يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [الطور : ١٣].

(يُدَعُّونَ) يدفعون دفعا عنيفا ، أو يزعجون إزعاجا.

(فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [الطور : ١٨].

(فاكِهِينَ) معجبين ، أو ناعمين ، أو فرحين ، أو متقابلين بالحديث السار المؤنس من الفكاهة ، أو ذو فاكهة كلابن وتامر أو ذو بساتين فيها فواكه.

(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [الطور : ٢٠].

(سُرُرٍ) وسائد. (مَصْفُوفَةٍ) بين العرش ، أو مرمولة بالذهب. أو وصل بعضها إلى بعض فصارت صفا.

(بِحُورٍ) سمّين بذلك لأنه يحار فيهن الطرف ، أو لبياضهن ومنه الخبز الحواري.

(عِينٍ) عيناء وهي الواسعة العين في صفائها.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ) [الطور : ٢١].

(وَأَتْبَعْناهُمْ) يدخل الله تعالى الذرية بإيمان الآباء الجنة ، أو نعطيهم مثل أجور الآباء من غير نقص في أجور الآباء ، أو البالغون أطاعوا الله تعالى فألحقهم الله بآبائهم ، أو لما أدركوا أعمال آبائهم تابعوهم عليها فصاروا مثلهم فيها.

(أَلَتْناهُمْ) ظلمناهم أو نقصناهم أي لم ننقص أجور الآباء ، بما أعطيناه الأبناء فضلا منا وإكراما للآباء.

(رَهِينٌ) مؤاخذ كما يؤخذ الحق من الرهن أو محتبس كاحتباس الرهن بالحق.

(يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) [الطور : ٢٣].

٢٣٥

(يَتَنازَعُونَ) يتعاطون ويناول بعضهم بعضا المؤمن وزوجاته وخدمه. (كَأْساً) كل إناء مملوء من شراب أو غيره فهو كأس ، فإذا فرغ لم يسم كأسا.

(لا لَغْوٌ فِيها) لا باطل في الخمر ولا مأثم ، أو لا كذب ولا خلف ، أو لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضا ، أو لا لغو في الجنة ولا كذب ، واللغو هنا فحش الكلام.

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) [الطور : ٢٤].

(غِلْمانٌ) أولادهم الأصاغر ، أو أولاد غيرهم. (مَكْنُونٌ) مصون بالكن والغطاء.

(فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [الطور : ٢٧].

(السَّمُومِ) النار ، أو اسم لجهنم ، أو وهجها ، أو حر السموم في الدنيا والسموم لفح الشمس والحر وقد يستعمل في لفح البرد.

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ) [الطور : ٢٨].

(الْبَرُّ) الصادق ، أو اللطيف ، أو فاعل البر المعروف.

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [الطور : ٢٩].

(فَذَكِّرْ) بالقرآن.

(بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) برسالته. (بِكاهِنٍ) بساحر تكذيبا لشيبة بن ربيعة. (وَلا مَجْنُونٍ) تكذيبا لعقبة بن أبي معيط.

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [الطور : ٣٠].

(نَتَرَبَّصُ بِهِ) قال أناس منهم تربصوا بمحمد الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعر بني فلان وشاعر بني فلان قيل هم بنو عبد الدار.

(رَيْبَ الْمَنُونِ) الموت ، أو حوادث الدهر والمنون الدهر.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) [الطور : ٣٧].

(خَزائِنُ رَبِّكَ) مفاتيح الرحمة ، أو خزائن الرزق. «المسيطرون» المسلطون ، أو الأرباب ، أو المنزلون ، أو الحفظة من تسطير الكتاب الذي يحفظ ما كتب فيه فالمسيطر حافظ لما كتبه الله تعالى في اللوح المحفوظ.

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [الطور : ٣٨].

(سُلَّمٌ) مرتقى إلى السماء ، أو سبب يتوصل به إلى عوالي الأشياء تفاؤلا فيه بالسلامة.

(بِسُلْطانٍ) بحجة دالة على صدقه ، أو بقوة يتسلط بها على الاستماع تدل على قوته.

(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤].

(كِسْفاً) قطعا ، أو جانبا ، أو عذابا سمي كسفا لتغطيته والكسف التغطية ومنه كسوف

٢٣٦

الشمس.

(مَرْكُومٌ) غليظ ، أو كثير متراكب.

(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [الطور : ٤٥].

(يُصْعَقُونَ) يموتون ، أو النفخة الأولى ، أو يوم القيامة يغشى عليهم من هوله (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) [الأعراف : ١٤٣].

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الطور : ٤٧].

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أهل الصغائر من المسلمين ، أو مرتكبو الحدود منهم.

(دُونَ ذلِكَ) عذاب القبر ، أو الجوع ، أو مصائب الدنيا.

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ) [الطور : ٤٨].

(بِأَعْيُنِنا) بعلمنا ، أو بمرأى منا ، أو بحراستنا وحفظنا.

(حِينَ تَقُومُ) من نومك افتتاحا لعملك بذكر ربك ، أو من مجلسك تكفيرا للغوه ، أو صلاة الظهر ، إذا قام من نوم القائلة ، أو تسبيح الصلاة إذا قام إليها في ركوعها سبحان ربي العظيم وفي سجودها سبحان ربي الأعلى ، أو في افتتاحها سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ) [الطور : ٤٩].

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) صلاة الليل ، أو التسبيح فيها ، أو التسبيح في الصلاة وخارج الصلاة.

(وَإِدْبارَ النُّجُومِ) ركعتان قبل الفجر مروي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو ركعتا الفجر ، أو التسبيح بعد الصلاة.

سورة النجم (١)

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) [النجم : ١].

(وَالنَّجْمِ) نجوم القرآن إذا نزلت ، أو الثريا ، أو الزهرة ، أو جنس النجوم ، أو النجوم المنقضة.

(هَوى) رمى به الشياطين ، أو سقط ، أو غاب أو ارتفع ، أو نزل ، أو جرى ومهواها

__________________

(١) سورة النجم سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة الإخلاص ، وقد بدأت بأسلوب قسم وَالنَّجْمِ ، وسورة النجم مكية وهى تبحث عن موضوع الرسالة في إطارها العام ، وعن موضوع الإيمان بالبعث والنشور شأن سائر السور المكية.

٢٣٧

جريها لأنها لا تفتر في طلوعها ولا غروبها قاله الأكثرون.

(ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى) [النجم : ٢].

(ما ضَلَّ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قصد الحق ولا غوى في اتباع الباطل ، أو ما ضل بارتكاب الضلال.

(وَما غَوى) بخيبة سعيه والغي الخيبة قال :

ومن يغو لا يعدم على الغي لائما

قيل : هي أو سورة أعلنها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة.

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم : ٣ ـ ٤].

(وَما يَنْطِقُ) عن هواه. (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ) يوحيه الله تعالى إلى جبرائيل عليه‌السلام ويوحيه جبريل إليه أو وما ينطق عن شهوة وهوى.

(إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) بأمر ونهي من الله تعالى وطاعة له.

(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى) [النجم : ٥ ـ ٦].

(شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ) جبريل عليه‌السلام اتفاقا ، مرّة : منظر حسن ، أو غنى ، أو قوة ، أو صحة في الجسم ، وسلامة من الآفات أو عمل.

(فَاسْتَوى) جبريل عليه‌السلام في مكانه ، أو على صورته التي خلق عليها ، ولم يره عليها إلا مرتين ، مرة سادا للأفق ومرة حيث صعد معه وذلك قوله (وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) [النجم : ٧] ، أو فاستوى القرآن في صدر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو صدر جبريل ، أو فاعتدل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوته ، أو برسالته ، أو فارتفع محمد صلّى الله عليه سلم بالمعراج ، أو ارتفع جبريل عليه‌السلام إلى مكانه.

(وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) [النجم : ٧].

(وَهُوَ بِالْأُفُقِ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما رأى جبريل ، أو جبريل لما رآه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالأفق مطلع الشمس ، أو مطلع النهار أي الفجر ، أو كانت من جوانب السماء.

(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى) [النجم : ٨].

(دَنا) جبريل عليه‌السلام ، أو الرب عزوجل.

(فَتَدَلَّى) قرب (وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ) [البقرة : ١٨٨] تقربوها إليهم ، أو تعلق بين العلو والسفل لأنه رآه منتصبا مرتفعا ثم رآه متدليا قيل فيه تقديم معناه تدلى فدنا.

(فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى) [النجم : ٩].

(فَكانَ) جبريل من ربه ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من ربه عزوجل ، أو جبريل عليه‌السلام من

٢٣٨

محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(قابَ قَوْسَيْنِ) قيد قوسين ، أو بحيث الوتر من القوس ، أو من مقبضها إلى طرفها ، أو قدر ذراعين عبّر عن القدر بالقاب وعن الذراع بالقوس.

(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠].

(عَبْدِهِ) جبريل عليه‌السلام أوحى الله تعالى إليه ما يوحيه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أوحى الله تعالى إليه على لسان جبريل عليه‌السلام.

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) [النجم : ١١].

(الْفُؤادُ) نفسه ، أو عبّر به عن صاحبه لأنه قطب جسده وقوام حياته.

(ما كَذَبَ) مخففا ما أو همه فؤاده خلاف الأمر كرائي السراب فيصير بتوهمه المحال كالكاذب به. (ما كَذَبَ) ما أنكر قلبه ما رأته عينه.

(ما رَأى) رأى ربه بعينه ، أو في المنام ، أو بقلبه سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فقال : «رأيته بقلبي مرتين» أو رأى جلاله وعظمته سئل هل رأيت ربك فقال : «رأيت نهرا ووراء النهر حجابا ورأيت وراء الحجاب نورا فلم أر غير ذلك» أو رأى جبريل عليه‌السلام على صورته مرتين.

(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى) [النجم : ١٢].

(أَفَتُمارُونَهُ) أفتجحدونه ، أو تجادلونه ، أو تشككونه.

(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) [النجم : ١٣].

(نَزْلَةً) رأى ما رآه ثانية بعد أولى قال كعب سمع موسى عليه الصلاة والسّلام كلام الله تعالى كرتين ورآه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم مرتين.

(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) [النجم : ١٤].

(الْمُنْتَهى) لانتهاء علم الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام إليها وعزوبه عما وراءها ، أو لانتهاء الأعمال إليها وقبضها منها ، أو لانتهاء الملائكة والبشر إليه ووقوفهم عندها ، أو لانتهاء كل من كان على سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومنهاجه إليها ، أو لأنه ينتهي إليها ما يهبط من فوقها ويصعد من تحتها.

(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [النجم : ١٥].

(عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) قصد بذلك تعريف موضع الجنة أنها عند السدرة قاله الجمهور المأوى : المبيت ، أو منزل الشهداء. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهي عن يمين العرش.

٢٣٩

(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى) [النجم : ١٦].

(يَغْشَى السِّدْرَةَ) فراش من ذهب ، أو الملائكة ، أو نور الله.

(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧].

(زاغَ) انحرف ، أو ذهب ، أو نقص. (طَغى) ارتفع عن الحق ، أو تجاوزه ، أو زاد عليه بالتخيل. رآه على ما هو به بغير نقص عجز عن إدراكه ولا زيادة توهمها في تخيله.

(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [النجم : ١٨].

(الْكُبْرى) ما غشي السدرة من الفراش ، أو جبريل سادا الأفق بأجنحته ، أو ما رآه في النوم ونظره بفؤاده.

(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى) [النجم : ١٩].

(اللَّاتَ) صنم بالطائف كان صاحبه يلت عليه السويق لأصحابه ، أو صخرة يلت عليها السويق بين مكة والطائف.

(وَالْعُزَّى) صنم كانوا يعبدونه عند الجمهور ، أو سمرة يعلق عليها ألوان العهن يعبدها سليم وغطفان وجشم فبعث إليها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد فقطعها ، أو كانت نخلة يعلق عليها الستور والعهن ، أو اللات والعزى رجل وامرأة زنيا في الكعبة فمسخا حجرين ، أو اللات بيت بنخلة تعبده قريش والعزى بيت بالطائف يعبده أهل مكة والطائف ، واللاتّ بالتشديد رجل كان يلت السويق على صخرة فلا يشرب منه أحد إلا سمن فعبدوه ثم مات فعكفوا على قبره ، أو كان رجلا يقوم على آلهتهم ويلت لهم السويق بالطائف فاتخذوا قبره وثنا معبودا.

(وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [النجم : ٢٠].

(وَمَناةَ) صنم بقديد بين مكة والمدينة ، أو بيت بالمشلل يعبده بنو كعب ، أو أصنام حجارة في الكعبة يعبدونها ، أو وثن كانوا يريقون عليه الدماء تقربا إليه وبذلك سميت مناة لكثرة ما يراق عليها من الدماء.

(الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) لأنها كانت مرتبة عندهم في التعظيم بعد اللات والعزى ولما جعلوا الملائكة بنات الله قال : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى.)

(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) [النجم : ٢٢].

(ضِيزى) عوجاء ، أو جائرة ، أو منقوصة عند الأكثر ، أو مخالفة.

(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) [النجم : ٢٤].

(ما تَمَنَّى) البنوة تكون له دون غيره ، أو البنين دون البنات.

(فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) [النجم : ٢٥].

٢٤٠