تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الصافات : ١٣٩].

(يُونُسَ) بعثه الله تعالى إلى نينوى من أرض الموصل بشاطىء دجلة.

(إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الصافات : ١٤٠].

(أَبَقَ) فر ، والآبق المار إلى حيث لا يعلم به وكان أنذرهم بالعذاب إن لم يؤمنوا وجعل علامته خروجه من بنيهم فلما خرج جاءتهم ريح سوداء فخافوا فدعوا الله تعالى بأطفالهم وبهائمهم فصرف الله تعالى عنهم العذاب فخرج مكايدا لقومه مغاضبا لدين ربه فركب في سفينة موقرة فلما استثقلت خافوا الغرق لريح عصفت بهم أو لحوت عارضهم فقالوا فينا مذنب لا ننجوا إلا بإلقائه فاقترعوا فخرجت القرعة عليه فألقوه فأمنوا.

(فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [الصافات : ١٤١].

(فَساهَمَ) قارع بالسهام. (الْمُدْحَضِينَ) المقروعين ، أو المغلوبين.

(فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ) [الصافات : ١٤٢].

(مُلِيمٌ) مسيء مذنب ، أو يلوم نفسه على ما صنع ، أو يلام على ما صنع.

(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [الصافات : ١٤٣].

(الْمُسَبِّحِينَ) المصلين ، أو القائلين (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ.) الآية [الأنبياء : ٨٧] ، أو العابدين ، أو التائبين.

(لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [الصافات : ١٤٤].

(إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) إلى القيامة فيصير بطن الحوت قبرا له والتقمه ضحى ولفظه عشية ، أو بعد ثلاثة أيام ، أو سبعة ، أو أربعين.

(فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ) [الصافات : ١٤٥].

(بِالْعَراءِ) بالساحل أو الأرض ، أو موضع بأرض اليمن ، أو الفضاء الذي لا يواريه نبت ولا شجر.

(سَقِيمٌ) كهيئة الصبي ، أو الفرخ الذي ليس عليه ريش.

(وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ) [الصافات : ١٤٦].

(مِنْ يَقْطِينٍ) القرع ، أو كل شجرة ليس لها ساق تبقى من الشتاء إلى الصيف ، أو كل شجرة لها ورق عريض ، أو كل ما ينبسط على وجه الأرض من البطيخ والقثاء ، أو شجرة سماها الله تعالى يقطينا أظلته.

(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [الصافات : ١٤٧].

(وَأَرْسَلْناهُ) بعد نبذ الحوت فكأنه أرسل إلى أمة بعد أمة أو أرسل إلى الأولين فآمنوا

١٤١

بشريعته.

(أَوْ يَزِيدُونَ) أو للإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين ، أو هو على شك المخاطبين ، أو معناه بل يزيدون فزادوا على ذلك عشرين ألفا مأثور ، أو ثلاثين ألفا أو بضعة وثلاثين ألفا قاله الحكم ، أو بضعه وأربعين ألفا ، أو سبعين ألفا.

(أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) [الصافات : ١٥٦].

(سُلْطانٌ مُبِينٌ) عذر بين ، أو حجة واضحة ، أو كتاب مبين.

(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [الصافات : ١٥٨].

(بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) إشراكهم الشياطين في عبادته ، أو قول يهود أصفهان إن الله صاهر الجن فكانت الملائكة من بينهم ، أو الزنادقة قالوا إن الله وإبليس أخوان فالخير والنور الحيوان النافع من خلق الله والظلمة والشر والحيوان الضار من خلق الشيطان ، أو قول المشركين الملائكة بنات الله فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه فمن أمهاتهم؟ فقالوا بنات سروات الجن. سموا جنة لاجتنانهم واستتارهم كالجن ، أو لأنهم على الجنان ، أو بطن من الملائكة يسمون الجنة.

(عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) الملائكة ، أو الجن أن قائل هذا القول محضر ، أو علمت الجن أن أنفسهم محضرة في النار ، أو للحساب.

(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) [الصافات : ١٦١].

(فَإِنَّكُمْ) أيها المشركون. (وَما تَعْبُدُونَ) من آلهتكم.

(ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ) [الصافات : ١٦٢].

(بِفاتِنِينَ) بمضلين من تدعونه إلى عبادتها.

(إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ١٦٣].

(إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ) إلا من سبق في العلم الأول أنه يصلاها أو من أوجب الله أنه يصلاها.

(وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [الصافات : ١٦٤].

(وَما مِنَّا) ملك إلّا له في السماء.

(مَقامٌ مَعْلُومٌ) ، أو كان يصلي الرجال والنساء جميعا حتى نزلت فتقدم الرجال وتأخر النساء.

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [الصافات : ١٦٥].

«نحن الصافون» الملائكة صفوف في السماء ، أو في الصلاة ، أو حول العرش ينتظرون

١٤٢

ما يؤمرون به ، أو كان الناس يصلون متبددين فلما نزلت أمرهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصطفوا.

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [الصافات : ١٦٦].

(الْمُسَبِّحُونَ) المصلون ، أو المنزهون الله عما أضافه إليه المشركون فكيف يعبدوننا ونحن نعبده.

(إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) [الصافات : ١٧٢].

(لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ) بالحجج ، أو بأنهم سينصرون ، قال الحسن رضي الله تعالى عنه لم يقتل من الرسل أصحاب الشرائع أحد قط نصروا بالحجج في الدنيا وبالعذاب في الآخرة أو بالظفر إما بالإيمان ، أو بالانتقام.

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ) [الصافات : ١٧٤].

(حَتَّى حِينٍ) يوم بدر ، أو فتح مكة ، أو الموت أو القيامة منسوخة ، أو محكمة.

(وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [الصافات : ١٧٥].

(وَأَبْصِرْهُمْ) أبصر ما ضيعوا من أمري فسيبصرون ما يحل بهم من عذابي أو أبصرهم وقت النصر فسوف يبصرون ما يحل بهم ، أو أبصر حالهم بقلبك فسوف يبصرون ذلك في القيامة ، أو أعلمهم فسوف يعلمون.

سورة ص (١)

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص : ١].

(ص) اسم للقرآن ، أو لله أقسم به ، أو فواتح افتتح بها القرآن ، أو حرف من هجاء أسماء الله تعالى ، أو صدق الله ، أو من المصاداة وهي المعارضة أي عارض القرآن بعملك ، أو من المصاداة وهي الاتباع أي اتبع القرآن بعملك.

(ذِي الذِّكْرِ) الشرف ، أو البيان ، أو التذكير ، أو ذكر ما قبله من المكتب وجواب القسم (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ) [ص : ٢] أو (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) [ص : ٦٤] ، أو حذف جوابه تفخيما لتذهب النفس فيه كل مذهب ، وتقدير المحذوف قد جاء بالحق ، أو ما الأمر كما قالوا.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) [ص : ٢].

__________________

(١) سميت السورة الكريمة سورة ص وهو حرف من حروف الهجاء للإشادة بالكتاب المعجز الذي تحدى الله به الأولين والآخرين وهو المنظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة القمر ، وهي من السورة المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية.

١٤٣

(عِزَّةٍ وَشِقاقٍ) حمية وفراق أو تعزز واختلاف أو أنفة وعداوة.

(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣].

(مِنْ قَرْنٍ) من أمة والقرن : زمان مدته عشرون سنة ، أو أربعون ، أو ستون ، أو سبعون ، أو ثمانون ، أو مائة ، أو عشرون ومائة.

(وَلاتَ) بمعنى لا ، أو ليس ولا يعمل إلا في الحين خاصة أي ليس حين ملجأ ، أو مغاث ، أو زوال ، أو فرار ، والمناص : مصدر ناص ينوص والنوص والبوص التأخر وهو من الأضداد ، أو بالنون التأخر وبالباء التقدم كانوا إذا أحسوا في الحرب بفشل قال بعضهم لبعض مناص أي حملة واحدة ينجوا فيها من ينجو ويهلك من يهلك فمعناه أنهم لما عاينوا الموت لم يستطيعوا فرارا من العذاب ولا رجوعا إلى التوبة.

(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ) [ص : ٥].

(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) لما أمرهم بكلمة التوحيد قالوا أيسع لحاجتنا جميعا إله واحد.

(عُجابٌ) عجيب كطوال وطويل وقال الخليل : العجيب والطويل ماله مثل والعجاب والطوال مالا مثل له.

(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) [ص : ٦].

(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ) الانطلاق الذهاب بسهولة ومنه طلاقة الوجه الملأ عقبة بن أبي معيط أو أبو جهل أتى أبا طالب في مرضه شاكيا من الرسول صلّى الله عليه سلم ثم انطلق من عنده حين يئس من كفه.

(أَنِ امْشُوا) اتركوه واعبدوا آلهتكم ، أو امضوا في أمركم في المعاندة واصبروا على عبادة آلهتكم تقول العرب امش على هذا الأمر أي امض عليه والزمه.

(إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ) لما أسلم عمر وقوي به الإسلام قالوا : إن إسلامه وقوة الإسلام لشيء يراد وأن مفارقة محمد لدينه ، أو خلافه إيانا إنما يريد به الرياسة علينا والتملك لنا.

(ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧].

(الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ) النصراينة لأنها آخر الملل ، أو فيما بين عيسى ومحمد ، أو ملة قريش ، أو ما سمعنا أنه يخرج ذلك في زماننا.

(اخْتِلاقٌ) كذب اختلقه محمد.

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) [ص : ٩].

١٤٤

(خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ) مفاتيح رحمته ، أو مفاتيح النبوة فيعطونها من أرادوها ويمنعونها ممن أرادوا.

(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [ص : ١٠].

(فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) في السماء أو الفضل والدين ، أو طرق السماء وأبوابها ، أو فيعملوا في أسباب القوة إن ظنوا أنها مانعة.

(جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ) [ص : ١١].

(جُنْدٌ ما هُنالِكَ) يعني قريشا ، و (ما) صلة وقوله (جُنْدٌ) أي أتباع مقلدون لا عالم فيهم.

(مَهْزُومٌ) بشّره بهزيمتهم وهو بمكة فكان تأويله يوم بدر.

(مِنَ الْأَحْزابِ) أحزاب إبليس وتباعه ، أو لأنهم تحزبوا على جحود ربهم وتكذيب رسله.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ) [ص : ١٢].

(كَذَّبَتْ) أنت لأن القوم تذكر وتؤنث ، أو هو مذكر اللفظ ولا يجوز تأنيثه إلا أن يقع المعنى على القبيلة والعشيرة.

(الْأَوْتادِ) أي الكثير البنيان والبنيان يعبّر عنه بالأوتاد ، أو كانت له ملاعب من أوتاد يلعب له عليها ، أو كان يعذب الناس بالأوتاد ، أو أراد أن ثبوت ملكه وشدة قوته كثبوت ما شد بالأوتاد.

(وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ) [ص : ١٣].

(وَثَمُودُ) قيل عاد وثمود أبناء عم بعث الله إلى ثمود صالحا فآمنوا فمات صالح فارتدوا فأحياه الله تعالى وبعثه إليهم وأعلمهم أنه صالح فأكذبوه وقالوا : قد مات صالح فأت بآية إن كنت من الصادقين ، فأتاهم الله تعالى بالناقة فكفروا وعقروها فأهلكوا ، أو بعث إليهم صالح شابا فدعاهم حتى صار شيخا فعقروا الناقة ولم يؤمنوا حتى هلكوا.

(وَقَوْمُ لُوطٍ) لم يؤمنوا حتى هلكوا ، وكانوا أربعمائة ألف بيت في كل بيت عشرة وما من نبي إلا يقوم معه طائفة من أمته إلا لوط فإن يقوم وحده.

(وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ) قوم شعيب والأيكة الغيضة ، أو الملتف من النبع والسدر فأهلكوا بعذاب يوم الظلة وأرسل إلى مدين فأخذتهم الصيحة.

(وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ) [ص : ١٥].

(صَيْحَةً واحِدَةً) النفخة الأولى.

(فَواقٍ) بالفتح من الإفاقة وبالضم فواق الناقة وهو قدر ما بين الحلبتين من المدة ، أو

١٤٥

كلاهما بمعنى واحد أي ما لها من ترداد ، أو حبس ، أو رجوع إلى الدنيا أو رحمة ، أو راحة ، أو تأخير لسرعتها ، أو ما لهم بعدها من إفاقة.

(وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ) [ص : ١٦].

(قِطَّنا) نصيبنا من الجنة التي وعدتنا بها ، أو حظنا من العذاب استهزاء منهم ، أو رزقنا ، أو أرنا منازلنا ، أو عجل لنا في الدنيا كتابنا في الآخرة المذكور في قوله (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الحاقة : ١٩] قالوه استهزاء وأصل القط القطع ومنه قط القلم وما رأيته قط أي قطع الدهر بيني وبينه فأطلق على النصيب والكتاب والرزق لقطّه من غيره وهو في الكتاب أظهر استعمالا والقط كل كتاب يتوثق به ، أو مختص بما فيه عطية وصلة.

(اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص : ١٧].

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ) فإنا نحسن إليك كما أحسنا إليه قبلك بصبره.

(الْأَيْدِ) القوة ، أو النعمة في الطاعة والنصر في الحرب أو في العبادة والفقه في الدين كان يقوم نصف الليل ويصوم نصف الدهر.

(أَوَّابٌ) تواب ، أو مسبح ، أو الذي يؤوب إلى الطاعة ويرجع إليها ، أو الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها.

(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) [ص : ٢٠].

(وَشَدَدْنا مُلْكَهُ) بالتأييد والنصر ، أو بالجنود والهيبة قال قتادة : باثنين وثلاثين ألف حرس.

(الْحِكْمَةَ) النبوة ، أو السنة أو العدل ، أو العلم والفهم ، أو الفضل والفطنة.

(وَفَصْلَ الْخِطابِ) علم القضاء والعدل فيه ، أو تكليف المدعي البينة والمدعى عليه اليمين ، أو أما بعد وهو أول من تكلم بها ، أو البيان الكافي في كل غرض مقصود ، أو الفصل بين الكلام الأول والكلام الثاني.

(وَهَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ) [ص : ٢١].

(الْخَصْمِ) يقع على الواحد والاثنين والجماعة لكونه مصدرا. (تَسَوَّرُوا) أتوه من أعلى سوره.

(الْمِحْرابَ) صدر المجلس ومنه محراب المسجد ، أو مجلس الأشراف الذي يحارب عنه لشرف صاحبه ، أو الغرفة. حدث داود نفسه أنه إن ابتلي اعتصم فقيل له إنك ستبتلى وتعلم اليوم الذي تبتلى فيه فخذ حذرك فأخذ الزبور ودخل المحراب ومنع من الدخول عليه فبينما هو يقرأ الزبور إذ جاء طائر من أحسن ما يكون فدرج بين يديه فهم بأخذه فاستدرج حتى

١٤٦

وقع في كوة المحراب فدنا ليأخذه فانقض فاطلع لينظره فأشرف على امرأة تغتسل فلما رأته غطت جسدها بشعرها وكان زوجها في الغزاة فكتب داود إلى أميرهم أن يجعل زوجها في حملة التابوت وكان حملة التابوت إما أن يفتح عليهم ، أو يقتلوا فقدمه فيهم فقتل فخطب زوجته بعد عدتها فشرطت عليه إن ولدت غلاما أن يكون الخليفة من بعده وكتبت عليه بذلك كتابا فأشهدت فيه خمسين رجلا من بني إسرائيل فلم يشعر بفتنتها حتى ولدت سليمان وشبّ ، وتسور الملكان المحراب ولم يكونا خصمين ولا بغى أحدهما على الآخر وإنما قالا ذلك على الفرض والتقدير إن أتاك خصمان فقالا : كيت وكيت.

(إِذْ دَخَلُوا عَلى داوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قالُوا لا تَخَفْ خَصْمانِ بَغى بَعْضُنا عَلى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) [ص : ٢٢].

(فَفَزِعَ) لتسورهم من غير باب ، أو لإتيانهم في غير وقت جلوسه للنظر. (بِالْحَقِّ) بالعدل. (تُشْطِطْ) تمل ، أو تجر ، أو تسرف ، مأخوذ من البعد شطت الدار بعدت ، أو من الإفراط.

(سَواءِ الصِّراطِ) أرشدنا إلى قصد الحق ، أو عدل القضاء.

(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ واحِدَةٌ فَقالَ أَكْفِلْنِيها وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) [ص : ٢٣].

(أَخِي) صاحبي ، أو على ديني. (نَعْجَةً) ضرب النعجة مثلا لداود ، أو المرأة تسمى نعجة.

(أَكْفِلْنِيها) ضمها إليّ ، أو أعطنيها أو تحول عنها.

(وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) قهرني في الخصومة ، أو غلبني على حقي من عزّبزّ أي من غلب سلب ، أو إن تكلم كان أبين مني وإن بطش كان أشد مني وإن دعا كان أكثر مني.

(قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [ص : ٢٤].

(لَقَدْ ظَلَمَكَ) حكم عليك بالظلم بعد إقراره. وحذف ذكر الإقرار اكتفاء بفهم السامعين ، أو تقديره إن كان الأمر كما تقول فقد ظلمك.

(وَقَلِيلٌ ما هُمْ) وقليل منهم من يبغي بضعهم على بعض ، أو قليل من لا يبغي بعضهم على بعض و (ما) صلة مؤكدة أو بمعنى الذي تقديره : قليل الذين هم كذلك.

(وَظَنَّ داوُدُ) علم.

١٤٧

(فَتَنَّاهُ) اختبرناه ، أو ابتليناه ، أو شددنا عليه في التعبد قال قتادة : قضى نبي الله على نفسه ولم يفطن لذلك فلما تبين له الذنب استغفر.

(فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ) من ذنبه وهو سماعه من أحد الخصمين وقضاؤه له قبل أن يسمع من الآخر ، أو أشبع نظره من امرأة أو ريا وهي تغتسل حتى علقت بقلبه ، أو نيته أنه إن قتل بعلها تزوجها وأحسن الخلافة عليها ، أو إغراؤه زوجها ليستشهد قال علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه : «لو سمعت رجلا يذكر أن داود عليه الصلاة والسلام قارف من تلك المرأة محرما لجلدته ستين ومائة لأن حد الناس ثمانون وحدود الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم ستون ومائة».

(راكِعاً) عبّر بالركوع عن السجود مكث ساجدا أربعين يوما حتى نبت المرعى من دموعه فغطى رأسه ، ثم رفع رأسه وقد تقرح جبينه ومكث حينا لا يشرب ماء إلا مزجه بدموعه وكان يدعو على الخطائين فلما أصاب الخطيئة كان لا يمر بواد إلا قال : «اللهم اغفر للخطائين لعلك تغفر لي ولهم».

(فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) [ص : ٢٥].

(لَزُلْفى) كرامة ، أو رحمة. (مَآبٍ) مرجع.

(يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [ص : ٢٦].

(خَلِيفَةً) لله تعالى والخلافة : النبوة ، أو ملكا ، أو خليفة لمن تقدمك.

(وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى) لا تمل مع من تهواه فتجور أو لا تحكم بما تهواه فتزل.

(سَبِيلِ اللهِ) دينه ، أو طاعته.

(بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) تركهم العمل له ، أو بإعراضهم عنه.

(إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِناتُ الْجِيادُ) [ص : ٣١].

(الصَّافِناتُ) الخيل وصفونها : قيامها ، أو رفع إحدى اليدين على طرف الحافر حتى تقوم على ثلاث.

(الْجِيادُ) السراع لأنها تجود بالركض ، أو الطوال الأعناق من الجيد وهو العنق ، وطوله من صفة فراهتها.

(فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢].

(حُبَّ الْخَيْرِ) حب المال ، أو حب الخيل ، أو حب الدنيا.

١٤٨

(أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) آثرت حب الخير ، أو تقديره أحببت حبا الخير ثم أضافه فقال حب الخير.

(ذِكْرِ رَبِّي) ذكر الله تعالى ، أو صلاة العصر سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الصلاة الوسطى فقال : هي صلاة العصر التي فرط فيها نبي الله سليمان عليه الصلاة والسّلام.

(تَوارَتْ) الشمس. (بِالْحِجابِ) وهو جبل أخضر محيط بالدنيا ، أو توارت الخيل بالحجاب والحجاب : الليل لستره ما فيه.

(رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْناقِ) [ص : ٣٣].

(فَطَفِقَ) بسوقها وأعناقها من شدة حبه لها ، أو ضرب عراقيبها وأعناقها لما شغلته عن الصلاة وكانت نفلا ولم تكن فرضا إذ ترك الفرض عمدا فسوق. فعل ذلك تأديبا لنفسه والخيل مأكولة فلم يكن ذلك إتلافا يأثم به قاله الكلبي وكانت ألف فرس فعرقبت منها تسعمائة وبقي مائة فما في أيدي الناس من الخيل العتاق فمن نسل تلك المائة.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمانَ وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ) [ص : ٣٤].

(فَتَنَّا سُلَيْمانَ) ابتليناه ، أو عاقبناه بأنه قارب بعض نسائه في شيء من حيض ، أو غيره ، أو كانت له زوجة اسمها جرادة وكان بين أهلها وبين قوم خصومة فحكم بينهم بالحق ولكنه ودّ أن الحق كان لأهلها فقيل له : سيصيبك بلاء فجعل لا يدري أيأتيه البلاء من الأرض أم من السماء ، أو احتجب ثلاثة أيام عن الناس فأوحى الله تعالى إليه إني لم أستخلفك لتحتجب عن عبادي ولكن لتقضي بينهم وتنصف مظلومهم من ظالمهم ، أو غزا ملكا وسبا ابنته وأحبها وهي معرضة عنه تذكرا لأبيها لا تكلمه ولا تنظر إليه إلا شزرا ثم سألته أن يصنع لها تمثال على صورة أبيها ففعل فعظمته وسجدت له هي وجواريها وعبد في داره أربعين يوما حتى فشا خبره في بني إسرائيل وعلم به سليمان فكسره ثم حرقه ثم ذراه في الريح ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه خاتمه فألقاه في البحر حتى ذهب ملكه ، أو قال والله لأطوفن على نسائي في هذه الليلة كلهن سيحملن بغلام يقاتل في سبيل الله تعالى ولم يستثن فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فولدت له شق إنسان.

(وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) وجعلنا في ملكه جسدا والكرسي الملك ، أو ألقينا على سرير ملكه جسدا وهو جسد سليمان كان مريضا ملقى على كرسيه ، أو ولد له ولد فخاف عليه الجن فأودعه في السحاب يغذى في اليوم كالجمعة وفي الجمعة كالشهر فلم يشعر إلا وقد وقع على كرسيه ميتا قاله الشعبي ، أو جعل الله تعالى ملكه في خاتمه وكان إذا أجنب ،

١٤٩

أو أتى الغائط دفعه لأوثق نسائه فدفعه إليها يوما فجاء شيطان في صورته فأخذه منها واسمها جرادة ، أو الأمينة. فجاء سليمان يطلبه فقالت : قد أخذته فأحسّ سليمان ، أو وضع الخاتم تحت فراشه فأخذه الشيطان من تحته ، أو قال للشيطان : كيف تضلون الناس فقال : أعطني خاتمك حتى أخبرك فأعطاه الخاتم فجلس على كرسيه متشبها بصورته يقضي بغير الحق ويأتي نساء سليمان في الحيض أو منعه الله تعالى منهن فالجسد الشيطان الذي قعد على كرسيه واسمه صخر ، أو آصف ، أو حبقيق ، أو أسيد ثم وجد سليمان خاتمه في جوف سمكة بعد أربعين يوما من زوال ملكه قيل : وجد الخاتم بعسقلان فمشى منها إلى بيت المقدس تواضعا لله تعالى ثم ظفر بالشيطان فجعله في تخت رخام وشده بالنحاس وألقاه في البحر.

(ثُمَّ أَنابَ) تاب من ذنبه ، أو رجع إلى ملكه ، أو برىء من مرضه.

(قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) [ص : ٣٥].

(وَهَبْ لِي مُلْكاً) سأل ذلك ليكون معجزة له ويستدل به على الرضا وقبول التوبة ، أو ليقوى به على عصاته من الجن فسخرت له حينئذ الريح ، أو.

(لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) في حياتي أن ينزعه مني كالجسد الذي جلس على كرسيه قيل : سأل ذلك بعد الفتنة فزاده الله تعالى الريح والشياطين بعدما ابتلي.

(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ) [ص : ٣٦].

(فَسَخَّرْنا) ذللنا. (رُخاءً) طيبة ، أو سريعة ، أو لينة أو مطيعة ، أو ليست بالعاصف المؤذية ولا بالعصيفة المعصرة.

(أَصابَ) أراد بلسان هجر ، أو حيثما قصد من إصابة السهم الغرض المقصود.

(وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ) [ص : ٣٧].

(كُلَّ بَنَّاءٍ) في البر. (وَغَوَّاصٍ) في البحر على حليته وجواهره.

(وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) [ص : ٣٨].

(فِي الْأَصْفادِ) السلاسل ، أو الأغلال ، أو الوثاق ، ولم يكن يفعل ذلك إلا بكفارهم فإذا آمنوا أطلقهم ولم يسخرهم.

(هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [ص : ٣٩].

(هذا عَطاؤُنا) الملك الذي لا ينبغي لأحد والريح والشياطين.

(فَامْنُنْ) على الجن بالإطلاق ، أو الإمساك في عملك من غير حرج عليك في ذلك ، أو اعط من شئت من الناس وامنع من شئت منهم.

١٥٠

(بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير تقدير فيما تعطي وتمنع ، أو بغير حرج ، أو لا تحاسب عليه في القيامة فما أنعم على أحد بنعمة إلا عليه فيها تبعة إلا سليمان ، أو التقدير هذا عطاؤنا بغير حساب أي جزاء ، أو قلة ، أو هذا عطاؤنا إشارة إلى غير مذكور وهو أنه كان في ظهره ماء مائة وكان له ثلاثمائة حرة وسبعمائة سرّية فقيل له (هذا عَطاؤُنا) يعني القوة على الجماع (فَامْنُنْ) بجماع من شئت من نسائك (أَوْ أَمْسِكْ) بغير مؤاخذة فيمن جامعت أو تركت ، أو بغير عدد محصور فيمن استبحت ، أو نحكت وهذا خلاف الظاهر بغير دليل.

(وَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) [ص : ٤١].

(عَبْدَنا أَيُّوبَ) من نسل يعقوب ، أو لم يكن من نسله كان في زمنه وتزوج ابنته ليا بن يعقوب وكانت أمه بنت لوط.

(مَسَّنِيَ الشَّيْطانُ) بوسوسته وتذكيره ما كان فيه من نعمة وما صار إليه من بلية أو استأذن الشيطان ربه أن يسلطه على ماله فسلطه ثم على أهله وولده فلسطه ثم على جسده فسلطه ثم على قلبه فلم يسلطه فهذا مسه.

(بِنُصْبٍ وَعَذابٍ) النصب الألم والعذاب السقم ، أو النصب في جلده والعذاب في ماله ، أو النصب العناء والعذاب البلاء.

(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) [ص : ٤٢].

(هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ) هما عينان في الشام بأرض يقال لها الجابية اغتسل من إحداهما فأذهب الله تعالى ظاهر دائه وشرب من الأخرى فأذهب الله تعالى باطن دائه ، أو اغتسل من إحداهما فبرأ وشرب من الأخرى فروي.

(مُغْتَسَلٌ) موضع الغسل ، أو ما يغستل به ، ومرض سبع سنين وسبعة أشهر أو ثماني عشرة سنة مأثور.

(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) [ص : ٤٣].

(وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ) كانوا مرضى فبرئوا ، أو غيّبا فردوا ، أو ماتوا عند الجمهور فرد الله تعالى عليه أهله وولده ومواشيه بأعيانهم لأنهم ماتوا قبل آجالهم ابتلاء ووهب له من أولادهم مثلهم ، أو ردوا عليه بأعيانهم ووهب له مثلهم من غيرهم ، أو رد عليه ثوابهم في الجنة ووهبه مثلهم في الدنيا ، أو رد عليه أهله في الجنة وأصاب امرأته فجاءت بمثلهم في الدنيا ، أو لم يرد عليه منهم أحدا وكانوا ثلاثة عشر ووهب له من أمهم مثلهم فولدت ستة وعشرين ابنا قاله الضحاك.

(رَحْمَةً مِنَّا) نعمة. (وَذِكْرى) عبرة لذوي العقول.

(وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ

١٥١

أَوَّابٌ) [ص : ٤٤].

(ضِغْثاً) عثكال النخل بمشاريخه ، أو الأثل ، أو السنبل ، أو الثمام اليابس ، أو الشجر الرطب ، أو حزمة من حشيش ، أو ملء الكف من الحشيش أو الشجر ، أو الشماريخ وذلك خاص لأيوب عليه الصلاة والسّلام أو يعم هذه الأمة ، لقي إبليس زوجة أيوب في صورة طبيب فدعته إلى مداواته فقال : أداويه على أنه إذا برىء قال : أنت شفيتني لا أريد جزاء سواه قالت : نعم فأشارت على أيوب بذلك فحلف ليضربنها ، أو أتته بزيادة على عادتها من الخبز فخاف خيانتها فحلف ليضربنها ، أو أغواها الشيطان على أن تحمل أيوب على أن يذبح له سخلا ليبرأ بها فحلف ليجلدنها فلما برأ وعلم الله تعالى إيمانها أمره أن يضربها بالضغث رفقا بها وبرا. وكان بلاؤه اختبارا لرفع درجته وزيادة ثوابه أو عقوبة على أنه دخل على بعض الجبابرة فرأى منكرا فكست عنه ، أو لأنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع لم يطعمه.

(أَوَّابٌ) راجع إلى ربه.

(وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) [ص : ٤٥].

(الْأَيْدِي) القوة على العبادة.

(وَالْأَبْصارِ) الفقه في الدين ، أو الأيدي القوة في أمر الله تعالى والأبصار العلم بكتابه أو الأيدي النعم والأبصار العقول ، أو الأيدي قوة أبدانهم والأبصار قوة أديانهم ، أو الأيدي العمل والأبصار العلم قيل : لم يذكر معهم إسماعيل لأنه لم يبتل وابتلي إبراهيم بالنار وإسحاق بالذبح ويعقوب بذهاب البصر.

(إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) [ص : ٤٦].

(أَخْلَصْناهُمْ) نزعنا ذكر الدنيا وحبها من قلوبهم وأخلصناهم بحب الآخرة وذكرها ، أو اصطفيناهم بأفضل ما في الآخرة وأعطيناهم إياه ، أو أخلصناهم بخاصلة الكتب المنزلة التي فيها ذكر الآخرة مأثور ، أو أخلصناهم بالنوبة وذكر الدار الآخرة ، أو أخلصناهم من العاهات والأفات وجعلناهم ذاكرين للدار الآخرة.

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ) [ص : ٥٢].

(أَتْرابٌ) أمثال ، أو أقران ، أو متواخيات لا يتباغضن ولا يتغايرن ، أو مستويات الأسنان بنات ثلاث وثلاثين ، أو أتراب أزواجهن خلقن على مقاديرهم والترب اللذة مأخوذ من اللعب بالتراب.

(هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [ص : ٥٧].

(فَلْيَذُوقُوهُ) منه حميم ومنه غساق ، أو تقديره هذا حميم وغساق فليذوقوه.

١٥٢

(وَغَسَّاقٌ) البارد الزمهرير ، أو قيح يسيل من جلودهم ، أو دموع تسيل من أعينهم ، أو عين تسيل في جهنم لها حمة كلّ ذي حمة من حية أو عقرب ، أو المنتن مأثور. أو السواد والظلمة ضد ما يراد من صفاء الشراب ورقته وهو بلغة الترك أو عربي من الغسق وهو الظلمة ، أو من غسقت القرحة إذا خرجت.

(وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ) [ص : ٥٨].

(وَآخَرُ مِنْ) شكل العذاب أنواع ، أو من شكل عذاب الدنيا في الآخرة لم تر في الدنيا ، أو الزمهرير.

(أَزْواجٌ) أنواع ، أو ألوان أو مجموعة.

(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صالُوا النَّارِ قالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنا فَبِئْسَ الْقَرارُ قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ) [ص : ٥٩ ـ ٦١].

(فَوْجٌ) يدخلونها قوم بعد قوم فالفوج الأول بنو إبليس والثاني بنو آدم ، أو كلاهما بنو آدم الأول الرؤساء والثاني الأتباع أو الأول قادة المشركين ومطعموهم ببدر والثاني أتباعهم ببدر يقول الله تعالى للفوج الأول عند دخول الفوج الثاني (هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ) فيقولون (لا مَرْحَباً بِهِمْ) فيقول الفوج الثاني بل أنتم (لا مَرْحَباً بِكُمْ) أو قالت الملائكة لبني إبليس.

(هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ) إشارة إلى بني آدم لما أدخلوا عليهم فقال بنو إبليس لا مرحبا بهم فقال بنو آدم بل أنتم لا مرحبا بكم.

(قَدَّمْتُمُوهُ) شرعتموه وجعلتم لنا إليه قدما ، أو قدمتم لنا هذا العذاب بإضلالنا على الهدى ، أو قدمتم لنا الكفر ، الموجب لعذاب النار.

(فَبِئْسَ الْقَرارُ) بئس الدار النار. (مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا) من سنه وشرعه ، أو من زينه.

(مَرْحَباً) المرحب والرحب السعة ومنه الرحبة لسعتها معناه لا اتسعت لكم أماكنكم.

(وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ) [ص : ٦٢].

(ما لَنا لا نَرى) يقوله أبو جهل وأتباعه.

(رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ) عمارا وصهيبا وبلالا وابن مسعود.

(أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) [ص : ٦٣].

(سِخْرِيًّا) من الهزؤ وبالضم من التسخير.

(زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ) يعني أهم معنا في النار أم زاغت عنهم أبصارنا فلا نراهم ولا

١٥٣

نعلم مكانهم وإن كانوا معنا في النار وقال الحسن رضي الله تعالى عنه : كلا قد فعلوا اتخذوهم سخريا وزاغب عنهم أبصارهم حقرية لهم.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ) [ص : ٦٧].

(هُوَ نَبَأٌ) القيامة لأن الله تعالى أنبأ بها في كتابه ، أو القرآن لأنه أنبأنا به فعرفناه ، أو أنبأ به عن الأولين.

(عَظِيمٌ) زواجره وأوامره أو عظيم قدره كثير نفعه.

(ما كانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [ص : ٦٩].

(بِالْمَلَإِ الْأَعْلى) الملائكة.

(يَخْتَصِمُونَ) قولهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) [البقرة : ٣٠] ، أو قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألني ربي فقال يا محمد «فيم يختصم الملأ الأعلى قلت في الكفارات والدرجات قال وما الكفارات قلت المشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات والتعقيب في المساجد انتظار الصلوات قال وما الدرجات قلت إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام» (١).

(قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) [ص : ٧٥].

(بِيَدَيَّ) بقوتي ، أو قدرتي ، أو توليت خلقه بنفسي ، أو خلقته بيدي صفة ليست بجارحة.

(أَسْتَكْبَرْتَ) عن الطاعة أم تعاليت عن السجود.

(قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ) [ص : ٨٤].

(فَالْحَقُّ) أنا وأقول الحقّ ، أو الحقّ مني والحقّ قولي ، أو أقول حقا حقا لأملأن جهنم.

(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [ص : ٨٦].

(ما أَسْئَلُكُمْ) على طاعة الله ، أو على القرآن أجرا.

(الْمُتَكَلِّفِينَ) للقرآن من تلقاء نفسي ، أو لأن آمركم بما لم أؤمر به ، أو ما أنا

__________________

(١) أخرجه الترمذى (٥ / ٣٦٧ ، رقم ٣٢٣٤) ، وقال : حسن غريب. وأحمد (١ / ٣٦٨ ، رقم ٣٤٨٤) ، وعبد بن حميد (ص ٢٢٨ ، رقم ٦٨٢) جميعا عن ابن عباس.

وأخرجه الترمذى (٥ / ٣٦٨ ، رقم ٣٢٣٥) ، وقال : حسن صحيح ، والطبراني (٢٠ / ١٠٩ ، رقم ٢١٦) ، وأحمد (٥ / ٢٤٣ ، رقم ٢٢١٦٢) ، والبزار (٧ / ١١٠ ، رقم ٢٦٦٨) جميعا عن معاذ بن جبل.

١٥٤

بمكلفكم الأجر.

(وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [ص : ٨٨].

(نَبَأَهُ) نبأ القرآن أنه حق ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه رسول ، أو الوعيد أنه صدق.

(بَعْدَ حِينٍ) بعد الموت ، أو يوم بدر ، أو القيامة.

سورة الزمر (١)

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الزمر : ١].

(الْعَزِيزِ) في ملكه.

(الْحَكِيمِ) في أمره ، أو العزيز في نقمته الحكيم في عدله.

(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) [الزمر : ٢].

(مُخْلِصاً) للتوحيد ، أو للنية لوجهه.

(الدِّينَ) الطاعة ، أو العبادة.

(أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر : ٣].

(الدِّينُ الْخالِصُ) شهادة أن لا إله إلا الله ، أو الإسلام ، أو ما لا رياء فيه من الطاعات.

(ما نَعْبُدُهُمْ) قالته قريش في أوثانها وقاله من عبد الملائكة وعزيرا وعيسى.

(زُلْفى) منزلة ، أو قربا ، أو الشفاعة ها هنا.

(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ) [الزمر : ٥].

(يُكَوِّرُ اللَّيْلَ) يحمل كل واحد منهما على الآخر ، أو يغشي الليل على النهار فيذهب ضوءه ويغشي النهار على الليل فتذهب ظلمته ، أو يرد نقصان كل واحد منهما في زيادة الآخرة.

__________________

(١) سميت بهذا الاسم لأن الله تعالى ذكر فيها زمرة السعداء من آهل الجنة ، وزمرة الأشقياء من آهل النار ، أولئك مع الإجلال والإكرام ، وهؤلاء مع الهوان والصغار ، وسورة الزمر سورة مكية ما عدا الآيات (٥٢ ، ٥٣ ، ٥٤) فمدنية ، وقد نزلت بعد سبأ ، وقد تحدثت السورة عن عقيدة التوحيد بالإسهاب حتى لتكاد تكون هى المحور الرئيسي للسورة الكريمة لأنها أصل الإيمان وأساس العقيدة السليمة وأصل كل عمل صالح.

١٥٥

(خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [الزمر : ٦].

(نَفْسٍ واحِدَةٍ) آدم. (زَوْجَها) حواء خلقها من ضلع آدم السفلي ، أو خلقها من مثل ما خلقه منه. (وَأَنْزَلَ لَكُمْ) جعل أو أنزلها بعد أن خلقها في الجنة.

(ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) المذكورة في سورة الأنعام.

(خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ) نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما ثم لحما ، أو خلقا في بطون أمهات بعد خلق في ظهر آبائكم قاله ابن زيد.

(ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة المشيمة ، أو ظلمة صلب الرجل وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم.

(وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) [الزمر : ٨].

(مُنِيباً) مخلصا له ، أو مستغيثا به ، أو مقبلا عليه.

(نِعْمَةً مِنْهُ) ترك الدعاء ، أو عافية نسي الضر ، والتخويل العطية من هبة ، أو منحة.

(أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ٩].

(قانِتٌ) مطيع ، أو خاشع في الصلاة ، أو قائم فيها ، أو داع لربه.

(آناءَ اللَّيْلِ) جوف الليل ، أو ساعاته ، أو ما بين المغرب والعشاء.

(رَحْمَةَ رَبِّهِ) نعيم الجنة. نزلت في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو في أبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ، أو عثمان بن عفان ، أو عمار وصهيب وأبي ذر وابن مسعود ، أو مرسلة فيمن هذا حاله.

(أَمَّنْ) فجوابه كمن ليس كذلك ، أو كمن جعل لله أندادا. ومن جعل له نداء فمعناه : يا من هو قانت.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ) الذي يعلمون هذا فيعلمون له والذين لا يعلمونه ولا يعلمون به ، أو الذين يعلمون أنهم ملاقو ربهم والذين لا يعلمون المشركون الذين جعلوا لله أندادا ، أو الذي يعلمون نحن والذين لا يعلمون هم المرتابون في هذه الدنيا.

(قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) [الزمر : ١٠].

١٥٦

(حَسَنَةٌ) في الآخرة وهي الجنة ، أو في الدنيا زيادة على ثواب الآخرة وهو ما رزقهم من خير الدنيا ، أو العافية والصحة أو طاعة الله في الدنيا وجنته في الآخرة ، أو الظفر والغنيمة.

(وَأَرْضُ اللهِ) أرض الجنة ، أو أرض الهجرة.

(بِغَيْرِ حِسابٍ) بغير منّ ولا تباعة أو لا يحسب عليهم ثواب عملهم فقط ولكن يزادون على ذلك ، أو يعطونه جزافا غير مقدر أو واسعا بغير ضيق قال علي رضي الله تعالى عنه كل أجر يكال كيلا ويوزن وزنا إلا أجر الصابرين فإنه يحثى لهم حثوا.

(فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ) [الزمر : ١٥].

(خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) بهلاك النار وخسروا أهليهم بأن لا يجدوا في النار أهلا وقد كان لهم في الدنيا أهل ، أو خسروا أنفسهم بما حرموا من الجنة وأهليهم : الحور العين الذين أعدوا لهم في الجنة.

(وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَأَنابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ) [الزمر : ١٧].

(الطَّاغُوتَ) الشيطان ، أو الأوثان أعجمي كهاروت وماروت أو عربي من الطغيان.

(وَأَنابُوا إِلَى اللهِ) أقبلوا عليه أو استقاموا إليه. (الْبُشْرى) الجنة ، أو بشارة الملائكة للمؤمنين.

(الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ) [الزمر : ١٨].

(الْقَوْلَ) كتاب الله ، أو لم يأتيهم كتاب الله ولكنهم استمعوا أقوال الأمم. قاله ابن زيد.

(أَحْسَنَهُ) طاعة الله ، أو لا إله إلا الله ، أو أحسن ما أمروا به ، أو إذا سمعوا قول المشركين وقول المسلمين اتبعوا أحسنه وهو الإسلام ، أو يسمع حديث الرجل فيحدث بأحسنه ويمسك عن سواه فلا يحدث به قال ابن زيد نزلت في زيد بن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان اجتنبوا الطاغوت في الجاهلية واتبعوا أحسن ما صار من القول إليهم.

(أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الزمر : ٢٢].

(شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ) وسعه للإسلام حتى ثبت فيه أو شرحه بفرحه وطمأنينته إليه.

(نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) هدى ، أو كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه نزلت في الرسول صلّى الله عليه

١٥٧

سلم ، أو في عمر ، أو في عمار بن ياسر تقديره : أفمن شرح الله صدره كمن طبع على قلبه.

(فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) القاسية قلوبهم قيل : أبو جهل وأتباعه من قريش.

(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الزمر : ٢٣].

(مُتَشابِهاً) في نوره وصدقه وعدله ، أو متشابه الآي والحروف.

(مَثانِيَ) لأنه ثنى فيه القضاء ، أو قصص الأنبياء ، أو ذكر الجنة والنار ، أو الآية بعد الآية والسورة بعد السورة ، أو تثنى تلاوته فلا يمل لحسنه ، أو يفسر بعضه بعضا ويرد بعضه على بعض أو المثاني اسم لأواخر الآي والقرآن أسم جميعه والسورة اسم كل قطعة منه والآية اسم كل فصل من السورة.

(تَقْشَعِرُّ) من وعيده وتلين من وعده ، أو تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء ، أو تقشعر من إعظامه وتلين القلوب عند تلاوته.

(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) [الزمر : ٢٤].

(يَتَّقِي بِوَجْهِهِ) تبدأ النار بوجهه إذا دخلها ، أو يسحب على وجهه إليها.

(كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) [الزمر : ٢٥].

(مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) فجأة ، أو من مأمنهم.

(قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [الزمر : ٢٨].

(عِوَجٍ) لبس ، أو اختلاف ، أو شك.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٢٩].

(مُتَشاكِسُونَ) متنازعون ، أو مختلفون ، أو متعاسرون ، أو متضايقون. رجل شكس أي ضيق الصدر ، أو متظالمون ؛ شكسني مالي أي ظلمني.

«سالما» مخلصا مثل لمن عبد آلهة ومن عبد إلها واحدا لأن العبد المشترك لا يقدر على توفية حقوق سادته من الخدمة والذي سيده واحد يقدر على القيام بخدمته.

(إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠].

(إِنَّكَ مَيِّتٌ) ستموت ، الميّت بالتشديد الذي سيموت وبالتخفيف من قد مات. ذكرهم الموت تحذيرا من الآخرة ، أو حثا على الأعمال ، أو لئلا يختلفوا في موته كاختلاف الأمم في

١٥٨

غيره وقد احتج بها أبو بكر على عمر رضي الله تعالى عنهما لما أنكر موته ، أو ليعلمه الله تعالى أنه سوّى فيه بين خلقه. وكل هذه احتمالات يجوز أن يراد كلها ، أو بعضها.

(ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) [الزمر : ٣١].

(تَخْتَصِمُونَ) فيما كان بينهم في الدنيا ، أو المداينة أو الإيمان والكفر ، أو يخاصم الصادق الكاذب والمظلوم الظالم والمهتدي الضال والضعيف المستكبر قال الصحابة. لما نزلت ما خصومتنا بيننا فلما قتل عثمان رضي الله تعالى عنه قالوا : هذه خصومتنا بيننا.

(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) [الزمر : ٣٣].

(وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) محمد ، أو الأنبياء عليه وعليهم الصلاة والسّلام ، أو جبريل عليه‌السلام ، أو المؤمنون جاءوا بالصدق يوم القيامة ، والصدق لا إله إلا الله ، أو القرآن.

(وَصَدَّقَ بِهِ) الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو مؤمنو هذه الأمة ، أو أتباع الأنبياء كلهم ، أو أبو بكر ، أو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما والذي ها هنا يراد به الجمع وإن كان مفرد اللفظ.

(لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر : ٣٥].

(أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) قبل الإيمان والتوبة ، أو الصغائر لأنهم قد اتقوا الكبائر.

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الزمر : ٣٦].

(بِكافٍ عَبْدَهُ) محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم كفاه الله تعالى المشركين. «بكاف عباده» الأنبياء.

(بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) خوفوه بأوثانهم يقولون تعفل بك كذا وتفعل ، أو خوفوه من أنفسهم بالتهديد والوعيد.

(قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الزمر : ٣٩].

(مَكانَتِكُمْ) ناحيتكم ، أو تمكنكم ، أو شرككم.

(عامِلٌ) على ما أنا عليه من الهدى.

(اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الزمر : ٤٢].

(يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) يقبض أرواحها من أجسادها ويقبض نفس النائم عن التصرف مع بقاء الروح في الجسد.

(فَيُمْسِكُ) أرواح الموتى أن تعود إلى أجسادها ويرسل نفس النائم فيطلقها باليقظة للتصرف إلى أجل موتها ، أو لكل جسد نفس وروح فيقبض بالنوم النفوس دون الأرواح

١٥٩

حتى تتقلب بها وتتنفس ويقبض بالموت الأرواح والنفوس فيمسك نفوس الموتى فلا يردها إلى أجسادها ويرد نفوس النيام إلى أجسادها حتى تجتمع مع روحها إلى أجل موتها ، أو يقبض أرواح النيام بالنوم والأموات بالموت فتتعارف ما شاء الله أن تتعارف فيمسك التي قضى عليها الموت فلا يعيدها ويرسل الأخرى فيعيدها قاله علي رضي الله تعالى عنه فما رأته النفس وهي في السماء قبل إرسالها فهي الرؤيا الصادقة وما رأته بعد الإرسال وقبل الاستقرار في الجسد يلقها الشياطين ويخيل لها الأباطيل فهي الرؤيا الكاذبة.

(وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) [الزمر : ٤٥].

(اشْمَأَزَّتْ) انقبضت ، أو نفرت ، أو استكبرت.

(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الزمر : ٤٦].

(فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) من الهدى والضلال.

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر : ٤٩].

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ) نزلت في أبي حذيفة بن المغيرة.

(عَلى عِلْمٍ) عندي : على خبر عندي ، أو بعلمي ، أو علمت أن سوف أصيبه أو علم يرضاه عني ، أو بعلم علمنيه الله إياه.

(بَلْ هِيَ) النعمة ، أو مقالته : أوتيته على علم. (فِتْنَةٌ) بلاء ، أو اختبار. (لا يَعْلَمُونَ) البلاء من النعماء.

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر : ٥٣].

(أَسْرَفُوا) بالشرك.

(تَقْنَطُوا) تيأسوا.

(يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) بالتوبة منها ، أو بالعفو عنها إلا الشرك ، أو يغفر الصغائر باجتناب الكبائر نزلت والتي بعدها في وحشي قاتل حمزة قال علي : ما في القرآن آية أوسع منها. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أحب أن لي الدنيا وما عليها بهذه الآية» (١).

__________________

(١) أخرجه أحمد (٥ / ٢٧٥ ، رقم ٢٢٤١٦) ، والطبراني في الأوسط (٢ / ٢٥٠ ، رقم ١٨٩٠) قال الهيثمى

١٦٠