تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

تشتوا بمكة نعمة

ومصيفها بالطائف

وهذه نعمة جليلة فذكروا بها.

(فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) [قريش : ٣].

(رَبَّ هذَا الْبَيْتِ) ميّز نفسه عن أوثانهم بإضافة البيت إليه أو فذكره تذكيرا لنعمه لشرفهم بالبيت على سائر العرب.

(فَلْيَعْبُدُوا) فليألفوا عبادته كما ألفوا الرحلتين أو فليعبدوه لإنعامه عليهم بالرحلتين أو فليعبدوه لأنه.

(أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ) الآية أو فليتركوا الرحلتين لعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف.

(الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش : ٤].

(أَطْعَمَهُمْ) بما أعطاهم من الأموال وساق إليهم من الأرزاق أو بإجابة دعوة إبراهيم لما قال.

(وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) [إبراهيم : ٣٧].

أو أصابهم جوع في الجاهلية فحملت إليهم الحبشة طعاما فخافوهم فخرجوا إليه متحرزين فإذا بهم قد جلبوا لهم الطعام وأعانوهم بالأقوات.

(مِنْ خَوْفٍ) العرب أن تقتلهم أو تسبيهم تعظيما للبيت ولما سبق من دعوة إبراهيم (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥] أو من خوف الحبشة مع الفيل أو من خوف الجذام أو آمنهم أن تكون الخلافة إلا فيهم. قاله علي.

سورة الماعون (١)

(أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) [الماعون : ١].

(بِالدِّينِ) الحساب أو حكم الله أو الجزاء نزلت في العاص بن وائل أو الوليد بن المغيرة أو أبي جهل أو عمرو بن عائذ أو أبي سفيان نحر جزورا فأتاه يتيم فسأله منها فقرعه بعصا.

(فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ) [الماعون : ٢].

__________________

(١) سورة الماعون سورة مكية ، نزلت بعد سورة التكاثر ، ويدور محور السّورة حول فريقين من البشر هما :

١ ـ الكافر الجاحد لنعم الله ، المكذّب بيوم الحساب والجزاء.

٢ ـ المنافق الّذي لا يقصد بعمله وجه الله ، بل يرائي في أعماله وصلاته.

٣٨١

(يَدُعُّ الْيَتِيمَ) يحقره أو يظلمه أو يدفعه دفعا شديدا عن حقه وماله ظلما وطمعا فيه أو إبعادا له وزجرا.

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) [الماعون : ٤].

(فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ) فيه إضمار تقديره إن صلاها لوقتها لم يرج ثوابها وإن صلاها لغير وقتها لم يخش عقابها وهو المنافق أو لا إضمار فيه وتمامها بقوله (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ.)

(ساهُونَ) لاهون أو غافلون أو لا يصليها سرا بل علانية أو الملتفت يمنة ويسرة في صلاته هوانا بها أو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله أو الذي يؤخرها عن مواقيتها مأثور.

(الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ) [الماعون : ٦].

(يُراؤُنَ) المنافق يصلي مع الناس ولا يصلي إذا خلا أو عامة في أهل الرياء.

(وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) [الماعون : ٧].

(الْماعُونَ) الزكاة أو المعروف أو الطاعة أو المال بلسان قريش أو الماء إذا احتيج إليه ومنه المعين الماء الجاري أو ما يتعاوره الناس بينهم كالدلو والقدر والفأس وما يوقد أو الحق أو المغتسل من منافع الأموال من المعن وهو القليل.

سورة الكوثر (١)

(إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) [الكوثر : ١].

(الْكَوْثَرَ) النبوة والقرآن أو الإسلام أو نهر في الجنة مأثور أو حوضه يوم القيامة أو كثرة أمته أو الإيثار أو رفعة الذكر وهو فوعل من الكثرة.

(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) [الكوثر : ٢].

(فَصَلِّ) الصبح بمزدلفة أو صلاة العيد أو اشكر ربك.

(وَانْحَرْ) الهدي أو الأضحية أو وأسل أو وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة أو رفع اليدين في التكبير إلى النحر أو استقبال القبلة في الصلاة بنحره.

(إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر : ٣].

(شانِئَكَ) مبغضك أو عدوك.

__________________

(١) سورة الكوثر سورة مكية ، نزلت بعد سورة العاديات ، يدور محور السّورة حول فضل الله العظيم على نبيّه الكريم ، بإعطائه الخير الكثير والنّعم العظيمة في الدّنيا والآخرة ، ومنها نهر الكوثر وغير ذلك من الخير العظيم العميم ، وقد دعت الرّسول إلى إدامة الصّلاة ، ونحر الهدي شكرا لله.

٣٨٢

(الْأَبْتَرُ) الحقير الذليل أو الفرد الوحيد أو ألّا خير فيه حتى صار منه أبتر مأثور أو كانت قريش تقول لمن مات ذكور أولاده بتر فلان فلما مات للرسول ابنه القاسم بمكة وإبراهيم بالمدينة قالوا قد بتر محمد فليس له من يقوم بأمره من بعده أو لما دعا قريشا إلى الإيمان قالوا ابتتر منا محمد أي خالفنا وانقطع عنا فأخبر الله أنهم هم المبترون. نزلت في أبي لهب وأبي جهل أو العاص بن وائل.

سورة الكافرون (١)

(قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون : ١].

لقي الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف رسول الله فقالوا يا محمد هلم فلتعبدوا ما نعبد ونعبد ما تبعدون ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه وأخذنا بحظنا منه وإن كان الذي بأيدنا خيرا مما بيدك كنت قد شركتنا في أمرنا وأخذت بحظك منه فنزلت.

(لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ٢ ـ ٥].

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ) يعني المعنيين الذي التمسوا ذلك فإنهم لا يعبدون الله وليس بعامة لأن في الكفار من يؤمن وإنما نزلت جوابا لأولئك.

(لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) الآن.

(وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ) في المستقبل.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) الآن.

(وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) في المستقبل وقال ما أعبد ولم يقل من أعبد لتقابل الكلام.

(لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦].

(لَكُمْ دِينُكُمْ) الكفر.

__________________

(١) سورة الكافرون كما تسمّى المقشقشة ، أي : المبرّئة من الشّرك والنّفاق وتسمّى : العبادة ، والإخلاص ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الماعون ، ويدور محور السّورة حول التّوحيد والبراءة من الشّرك والضّلال ، فقد دعا المشركون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المهادنة ، وطلبوا منه أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدوا إلهه سنة ، فنزلت السّورة تقطع أطماع الكافرين ، وتفصل النّزاع بين الفريقين : (أهل الإيمان ، وعبدة الأوثان) ، وتردّ على الكافرين تلك الفكرة السّخيفة في الحال والاستقبال.

٣٨٣

(وَلِيَ) الإسلام ، أو لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني تهديد معناه وكفى بجزائكم عقابا وبجزائي ثوابا.

سورة النصر (١)

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) [النصر : ١].

(نَصْرُ) المعونة نصر الغيث الأرض أعان على نباتها ومنع قحطها يريد نصره على قريش أو على كل من قاتله من الكفار.

(وَالْفَتْحُ) فتح مكة أو فتح المدائن والقصور أو ما فتح عليه من العلوم.

(وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً) [النصر : ٢].

(النَّاسَ يَدْخُلُونَ) أهل اليمن أو كل من دخل في الإسلام. قال الحسن لما فتحت مكة قالت العرب بعضها لبعض لا يدان لكم هؤلاء القوم فجعلوا يدخلون في دين الله أفواجا أمة أمة قال الضحاك : الأمة أربعون رجلا.

(أَفْواجاً) زمرا أو قبائل قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا» (٢).

(فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) [النصر : ٣].

(فَسَبِّحْ) فصل.

(وَاسْتَغْفِرْهُ) داوم ذكره أو صريح التسبح والاستغفار من الذنوب فكان يكثر بعدها أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفرلي.

(تَوَّاباً) قابلا للتوبة أو متجاوزا عن الصغائر وأمر بذلك شكرا لله على نعمته من النصر والفتح أو نعى إليه نفسه ليجتهد في العمل قال ابن عباس داع من الله وداع من الدنيا فلم يلبث بعدها إلّا سنتين مستديما لما أمره به من التسبيح والاستغفار أو سنة واحدة فنزل في حجة الوداع (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ) [المائدة : ٣] فعاش بعدها ثمانين يوما فنزلت آية الكلالة وهي آية الصيف فعاش بعدها خمسين يوما فنزلت (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ) [التوبة : ١٢٨]

__________________

(١) سورة النصر سورة مدنية ، نزلت بعد سورة التوبة ، ويدور محور السّورة حول فتح مكّة الّذي عزّ به المسلمون ، وانتشر الإسلام في الجزيرة العربيّة ، وتقلّمت أظافر الشّرك والضّلال وبهذا الفتح المبين دخل النّاس في دين الله ، وارتفعت راية الإسلام ، واضمحلّت ملّة الأصنام ، وكان الإخبار بفتح مكّة قبل وقوعه ، من أظهر الدّلائل على صدق نبوّته عليه أفضل الصّلاة والسّلام.

(٢) أخرجه أحمد (٣ / ٣٤٣ ، رقم ١٤٧٣٧).

٣٨٤

فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما فنزلت (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ) [البقرة : ٢٨١] فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما أو سبعة أيام.

سورة المسد (١)

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) [المسد : ١].

(تَبَّتْ) خابت أو ضلت أو صفرت من كل خير أو خسرت.

(يَدا) عبر بيديه عن نفسه (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ) [الحج : ١٠] أو عن عمله لأن العمل يكون بهما في الأغلب.

(أَبِي لَهَبٍ) كنوه بذلك لحسنه وتلهب وجنتيه وذكره الله تعالى بكنيته لأنها أشهر من اسمه أو عدل عن اسمه لأنه كان اسمه عبد العزى أو لأن الاسم أشرف من الكنية لأن الكنية إشارة إليه باسم غيره وكذلك دعا الله تعالى أنبياءه بأسمائهم.

(وَتَبَّ) تأكيد للأول أو قد تب أو تبت يداه بما منعه الله من أذى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتب بماله عند الله تعالى من العقاب أو تب ولد أبي لهب ، تبت يداه عن التوحيد أو من الخيرات.

(ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) [المسد : ٢].

(ما أَغْنى) ما دفع أو ما نفع.

(مالُهُ) غنمه كان صاحب سائمة أو تليدة أو طارفة.

(وَما كَسَبَ) عمله الخبيب أو ولده قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أولادكم من كسبكم» (٢) وكان ابنه عتبة مبالغا في عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال كفرت بالنجم إذا هوى وبالذي دنا فتدلى وتفل في وجه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وخرج إلى الشام فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» فأكله الذئب. فلم يغن عنه ماله وكسبه في عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو في دفع النار يوم القيامة.

(سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) [المسد : ٣].

__________________

(١) سورة المسد كما تسمّى سورة تبّت ، وهي سورة مكية ، نزلت بعد سورة الفاتحة ، ويدور محور السّورة حول هلاك أبي لهب عدوّ الله ورسوله ، الّذي كان شديد العداء لرسول الله ، فكان يترك شغله ويتبع الرّسول ؛ ليفسد عليه دعوته ، ويصدّ النّاس عن الإيمان به ، وقد توعّدته السّورة في الآخرة بنار موقدة يصلاها ويشوى بها ، وقرنت زوجته به في ذلك ، واختصّتها بلون من العذاب الشّديد ، هو ما يكون حول عنقها أي حبل من ليف تجذب به في النّار ؛ زيادة في التّنكيل والدّمار.

(٢) أخرجه الترمذي (٣ / ٦٣٩ ، رقم ١٣٥٨) ، والنسائي (٧ / ٢٤١ ، رقم ٤٤٥٠) ، وابن ماجه (٢ / ٧٦٨ ، رقم ٢٢٩٠) ، وابن أبي شيبة (٧ / ٢٩٤ ، رقم ٣٦٢١٣) ، وأحمد (٦ / ١٦٢ ، رقم ٢٥٣٣٥).

٣٨٥

(سَيَصْلى) سين الوعيد أو بمعنى سوف يصلى يكون صلى لها حطبا لها ووقودا أو تصليه النار أي تنضجه.

(لَهَبٍ) ارتفاع أو قوة واشتعال وهذه صفة مضارعة لكنيته وعده الله تعالى بأنه يدخل النار بكفره أو يموت على كفره فكان كما أخبر.

(وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) [المسد : ٤].

(وَامْرَأَتُهُ) أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان.

(حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) تحتطب الشوك فتلقيه في طريق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلا أو كانت تعير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفقر وكانت تحطب فعيّرت بأنها كانت تحطب أو لما حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها التي تصلى به أو لأنها كانت تمشي بالنميمة وسمي النمام حمالا للحطب لأنه يشعل العداوة كما يشعل الحطب النار أو جعل ما حملته من الإثم في عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم كالحطب في مصيره إلى النار فيكون عذابا.

(فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) [المسد : ٥].

(فِي جِيدِها) يوم القيامة. جيدها : عنقها.

(حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا سميت مسدا لأنها ممسودة أي مفتولة أو حبل من ليف المقل أو قلادة من ودع على وجه التعيير لها أو حبل ذو ألوان من أحمر وأصفر تتزين به في جيدها فعيرت بذلك أو قلاده جوهر فاخر قالت لأنفقنها في عداوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عبر بذلك عن خذلانها كالمربوطة عن الإيمان بحبل من مسد ولما نزلت أقبلت تولول وبيدها فهر وهي تقول :

مذمما أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا

والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأبو بكر رضي الله تعالى عنه في المسجد فقال يا رسول الله إني أخاف أن تراك فقال إنها لن تراني وقرأ قرآنا اعتصم به فلم تره فقالت لأبي بكر رضي الله تعالى عنه إني أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا ورب هذا البيت ما هجاك فولت فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله تعالى شرها» فعثرت في مرطها فقالت : تعس مذمم.

٣٨٦

سورة الإخلاص (١)

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١].

(أَحَدٌ) الأحد المنفرد بصفاته فلا شبه له ولا مثل تقديره الأحد فحذفت الألف واللام أو ليس بنكرة وإنما هو بيان وترجمة قال المبرد : الأحد والواحد سواء أو الأحد الذي لا يدخل في العدد والواحد يدخل في العدد لأنك تقول للواحد ثانيا أو الأحد يستوعب جنسه والواحد لا يستوعبه لأنك لو قلت فلان لا يقاومه أحد لم يجز أن يقاومه اثنان ولا أكثر فالأحد أبلغ من الواحد وسميت سورة الإخلاص لأن قراءتها خلاص من عذاب الله أو لأن فيها إخلاص الله تعالى من شريك وولد أو لأنها خالصة لله تعالى ليس فيها أمر ولا نهي.

(اللهُ الصَّمَدُ) [الإخلاص : ٢].

(الصَّمَدُ) المصمت الذي لا جوف له أو الذي لا يأكل ولا يشرب أو الباقي الذي لا يفنى أو الدائم الذي لم يزل ولا يزال أو الذي لم يلد ولم يولد أو الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم.

ألا بكر الناعي بخير بني أسد

بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد

أو السيّد الذي انتهى سؤدده أو الكامل الذي لا عيب فيه أو المقصود إليه في الرغائب والمستعان به في المصائب أو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد أو الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

__________________

(١) سميت سورة الإخلاص ؛ لما فيها من التّوحيد ، ولذا سميت أيضا سورة الأساس ، وقل هو الله أحد ، والتّوحيد ، والإيمان ولها غير ذلك أسماء كثيرة ، وهي سورة مكية ، وقد نزلت بعد سورة الناس ، ويدور محور السّورة حول صفات الله جلّ وعلا الواحد الأحد ، الجامع لصفات الكمال ، المقصود على الدّوام ، الغنيّ عن كلّ ما سواه ، المتنزّه عن صفات النّقص ، وعن المجانسة والمماثلة وردّت على النّصارى القائلين بالتّثليث ، وعلى المشركين الّذين جعلوا لله الذّرّية والبنين.

عن أبي الدرداء عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن».

وعن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله إني أحب هذه السورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فقال : «إن حبك إياها يدخلك الجنة».

وعن معاذ بن عبد الله بن خبيب بن أبية قال : خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي لنا ، قال : فأدركته فقال : قل فلم أقل شيئا ثم قال : قل فلم أقل شيئا قال : قل فقلت ما أقول ، قال : «قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء».

٣٨٧

(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣].

(لَمْ يَلِدْ) فيكون والدا.

(وَلَمْ يُولَدْ) فيكون ولدا أو لم يلد فيكون في العز مشاركا ولم يولد فيكون موروثا هالكا لأنهما صفتا نقص أو لأنه لا مثل له فلو ولد لكان له مثل.

(وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) [الإخلاص : ٤].

(كُفُواً) لا مثل له ولا عديل أو لا يكافئه من خلقه أحد أو نفى عنه الصاحبة.

سورة الفلق (١)

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) [الفلق : ١].

(الْفَلَقِ) اسم لجهنم أو لسجن فيها أو الخلق كلهم أو فلق الصبح أو الجبال والصخور تنفلق بالمياه أو كل ما انفلق عن كل ما خلق من صبح وحيوان وصخور وجبال وحب ونوى وكل شيء من نبات وغيره وأصل الفلق الشق الواسع قيل للصبح فلق لانفلاق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه والله سبحانه وتعالى أعلم والحمد لله رب العالمين.

(مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) [الفلق : ٢].

(شَرِّ ما خَلَقَ) جهنم أو إبليس وذريته أو عام من كل شرور الدنيا والآخرة أو التعوذ من شر موجب للعقاب أو عام في كل شر.

(وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) [الفلق : ٣].

(غاسِقٍ) الشمس إذا غربت أو القمر إذا ولج في الظلام. نظر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى القمر وقال لعائشة رضي الله تعالى عنها «تعوذي بالله من شر غاسق إذا وقب وهذا الغاسق إذا وقب» أو الثريا إذا سقطت لأن الأسقام والطواعين تكثر عند سقوطها وترتفع عند طلوعها أو الليل لخروج السباع والهوام فيه وينبعث أهل الشر على العبث والفساد.

(إِذا وَقَبَ) أظلم أو دخل أو ذهب أصل الغسق الجريان غسقت القرحة جرى صديدها والغساق صديد أهل النار لجريانه وغسقت العين جرى دمعها بالضرر.

(وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثاتِ فِي الْعُقَدِ) [الفلق : ٤].

__________________

(١) سورة الفلق سورة مكية ، نزلت بعد سورة الفيل ، ويدور محور السّورة حول تعليم العباد أن يلجئوا إلى حمى الرّحمن ، ويستعيذوا بجلاله وسلطانه من شرّ مخلوقاته ، ومن شرّ الّليل إذا أظلم ؛ لما يصيب النّفوس فيه من الوحشة ، ولانتشار الأشرار والفجّار فيه ، ومن شرّ كلّ حاسد وساحر وهي إحدى المعوذتين الّلتين كان يعوّذ نفسه بهما.

٣٨٨

(النَّفَّاثاتِ) السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر وربما فعل في الرقي مثل ذلك طلبا للشفاء والنفث النفخ في العقد بغير ريق والتفل النفخ فيها بريق وأثره تخييل للأذى والمرض أو يمرض ويؤذي لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله أو قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله تعالى به بعض عباده والأكثرون على أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم سحر واستخرج وترا فيه إحدى عشرة عقدة فأمر بحلها فكانت كلما حلت عقدة وجد راحة حتى حلت العقد كلها فكأنما أنشط من عقال فنزلت المعوذتان إحدى عشرة آية بعدد العقد وأمر أن يتعوذ بهما ومنع آخرون من تأثير السحر في الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وإن جاز في غيره لما في استمراره من خبل العقل ولإنكار الله تعالى على من قال : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الإسراء : ٤٧].

(وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ) [الفلق : ٥].

(وَمِنْ شَرِّ حاسِدٍ) من شر نفسه وعينه أن يصيب بها أو لأن حسده يحمله على الأذى والحسد : تمني زوال النعمة عن المحسود وإن لم تصر للحاسد والمنافسة تمني مثلها فالمؤمن يغبط والمنافق يحسد.

سورة الناس (١)

(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس : ١].

(بِرَبِّ النَّاسِ) لما أمر بالاستعاذة من شرهم أخبر أنه هو الذي يعيذ منهم.

(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) [الناس : ٤].

(الْوَسْواسِ) وسوسة الإنسان التي تحدث بها نفسه وقد تجاوز الله عنها والشيطان جاثم على قلب ابن آدم إذا سها وغفل وسوس وإذا ذكر الله تعالى خنس.

(الْخَنَّاسِ) الشيطان لكثرة اختفائه كقوله (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ) [التكوير : ١٥] أي النجوم لاختفائها أو لأنه يرجع بالوسوسة عن الهدى أو يخرج بالوسوسة عن اليقين.

(الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) [الناس : ٥].

(يُوَسْوِسُ) يدعو إلى طاعته بما يصل إلى القلب من قول متخيل أو يقع في النفس من أمر متوهم وأصله الصوت الخفي.

__________________

(١) سورة الناس سورة مكية ، ويدور محور السّورة حول الاستجارة والاحتماء بربّ الأرباب من شرّ أعدى الأعداء إبليس وأعوانه من شياطين الإنس والجنّ ، الّذين يغوون النّاس بأنواع الوسوسة والإغواء.

٣٨٩

تسمع للحلي وسواسا

(مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ٦].

(مِنَ الْجِنَّةِ) من وسواس الشيطان كما ذكرت.

(وَالنَّاسِ) وسوسة الإنسان لنفسه أو إغواء من يغويه من الناس.

والحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلامه وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

٣٩٠

فهرس الجزء الثاني

سورة النور...................................................................... ٣

سورة الفرقان.................................................................. ١٨

سورة الشعراء.................................................................. ٢٨

سورة النمل................................................................... ٣٥

سورة القصص................................................................. ٤٩

سورة العنكبوت................................................................ ٦٣

سورة الروم.................................................................... ٧٠

سورة لقمان................................................................... ٧٨

سورة السجدة................................................................. ٨٤

سورة الأحزاب................................................................. ٨٨

سورة سبأ................................................................... ١٠٩

سورة فاطر.................................................................. ١١٩

سورة يس................................................................... ١٢٤

سورة الصافات............................................................... ١٣٢

سورة ص.................................................................... ١٤٣

سورة الزمر.................................................................. ١٥٥

سورة غافر.................................................................. ١٦٣

سورة فصلت................................................................ ١٧١

سورة الشورى................................................................ ١٧٩

سورة الزخرف................................................................ ١٨٦

سورة الدخان................................................................ ١٩٥

سورة الجاثية................................................................. ٢٠٠

سورة الأحقاف.............................................................. ٢٠٣

سورة محمد.................................................................. ٢٠٩

سورة الفتح.................................................................. ٢١٤

سورة الحجرات............................................................... ٢١٩

سورة ق..................................................................... ٢٢٣

سورة الذاريات............................................................... ٢٢٩

سورة الطور.................................................................. ٢٣٤

سورة النجم.................................................................. ٢٣٧

سورة القمر .................................................................. ٢٤٤

سورة الرحمن ................................................................. ٢٤٨

سورة الواقعة................................................................. ٢٥٤

سورة الحديد................................................................. ٢٦١

سورة المجادلة................................................................. ٢٦٦

سورة الحشر................................................................. ٢٦٩

سورة الممتحنة................................................................ ٢٧٤

سورة الصف................................................................ ٢٧٨

سورة الجمعة................................................................. ٢٧٩

سورة المنافقون............................................................... ٢٨١

سورة التغابن................................................................. ٢٨٣

سورة الطلاق................................................................ ٢٨٥

سورة التحريم................................................................ ٢٨٨

سورة الملك.................................................................. ٢٩١

سورة القلم.................................................................. ٢٩٤

سورة الحاقة.................................................................. ٢٩٨

٣٩١

سورة المعارج................................................................. ٣٠٢

سورة نوح................................................................... ٣٠٥

سورة الجن................................................................... ٣٠٨

سورة المزمل.................................................................. ٣١٣

سورة المدثر.................................................................. ٣١٦

سورة القيامة................................................................. ٣٢١

سورة الإنسان................................................................ ٣٢٥

سورة المرسلات............................................................... ٣٢٩

سورة النبأ................................................................... ٣٣١

سورة النازعات............................................................... ٣٣٤

سورة عبس.................................................................. ٣٣٨

سورة التكوير................................................................ ٣٤٠

سورة الانفطار............................................................... ٣٤٣

سورة المطففين............................................................... ٣٤٤

سورة الانشقاق.............................................................. ٣٤٦

سورة البروج ................................................................. ٣٤٨

سورة الطارق................................................................. ٣٤٩

سورة الأعلى................................................................. ٣٥١

سورة الغاشية................................................................ ٣٥٣

سورة الفجر................................................................. ٣٥٥

سورة البلد................................................................... ٣٥٨

سورة الشمس................................................................ ٣٦٠

سورة الليل.................................................................. ٣٦١

سورة الضحى................................................................ ٣٦٣

سورة الشرح................................................................. ٣٦٥

سورة التين.................................................................. ٣٦٦

سورة العلق.................................................................. ٣٦٨

سورة القدر.................................................................. ٣٧٠

سورة البينة.................................................................. ٣٧١

سورة الزلزلة.................................................................. ٣٧٢

سورة العاديات............................................................... ٣٧٣

سورة القارعة................................................................. ٣٧٥

سورة التكاثر................................................................ ٣٧٦

سورة العصر................................................................. ٣٧٧

سورة الهمزة.................................................................. ٣٧٧

سورة الفيل.................................................................. ٣٧٨

سورة قريش .................................................................. ٣٨٠

سورة الماعون................................................................. ٣٨١

سورة الكوثر................................................................. ٣٨٢

سورة الكافرون............................................................... ٣٨٣

سورة النصر................................................................. ٣٨٤

سورة المسد .................................................................. ٣٨٥

سورة الإخلاص.............................................................. ٣٨٧

سورة الفلق.................................................................. ٣٨٨

سورة الناس.................................................................. ٣٨٩

فهرس الجزء الثاني............................................................ ٣٩١

٣٩٢