تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي

تفسير العزّ بن عبدالسلام - ج ٢

المؤلف:

عبدالعزيز بن عبدالسلام السّلمي


المحقق: أحمد فتحي عبدالرحمن
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5684-6

الصفحات: ٣٩٢
الجزء ١ الجزء ٢

تارة رحمة وتارة نقمة.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الجاثية : ٧].

(أَفَّاكٍ) كذاب ، أو مكذب بربه ، أو كاهن.

(يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الجاثية : ٨].

(يُصِرُّ) يقيم على الشرك مستكبرا عن الطاعة ، أو الإصرار عقد العزم على الشيء من عقد الصرة إذا شدها.

(كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها) في عدم الاتعاظ بها والقبول لها ، نزلت في النظر بن الحارث.

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [الجاثية : ١٤].

(لا يَرْجُونَ) لا يبالون نعم الله أو لا يخشون عقابا ولا يطمعون في نصره في الدنيا ولا في الآخرة وأراد بالأيام أيام النعم والنقم في الدنيا إذ ليس في الآخرة ليل ولا نهار ، أو أيام ثواب الآخرة وعقابها فعبّر عن الوقت بالأيام.

(يَغْفِرُوا) تقديره.

«قل اغفروا» يغفر بالعفو وترك المجازاة على الأذى نزلت في عمر رضي الله تعالى عنه سبّه مشرك فهمّ أن يبطش به فلما نزلت كف عنه وهي محكمة في العفو عن الأذى في غير الدين ، أو نسختها آية السيف ، أو قوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ) [الحج : ٣٩].

(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) [الجاثية : ١٧].

(بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) ذكر الرسول صلّى الله عليه سلم وشواهد نبوته ، أو بيان الحلال والحرام.

(مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) من بعد يوشع بن نون فآمن بعضهم وكفر بعض ، أو من بعد علمهم بما في التوراة.

(بَغْياً) طلبا للرياسة وأنفة من اتباع الحق ، أو بغيا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجحد صفته في كتابهم ، أو أرادوا رخاء الدنيا فأحلوا من كتابهم ما شاءوا وحرموا ما شاءوا.

(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية : ١٨].

(شَرِيعَةٍ) طريقة كالشريعة التي هي طريق الماء والشارع طريق إلى المقصد.

٢٠١

(مِنَ الْأَمْرِ) الدين لأنه طريق النجاة. أو الفرائض والحدود والأمر والنهي ، أو السنة ، أو البينة لأنها طريق إلى الحق أو السنة بمن تقدمه.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ) [الجاثية : ٢١].

(اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) اكتسبوا الشرك يريد عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة.

(كَالَّذِينَ آمَنُوا) علي وحمزة وعبيدة بن الحارث حين برزوا لهم يوم بدر فقتلوهم.

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية : ٢٣].

(إِلهَهُ هَواهُ) لا يهوى شيئا إلا ركبه ، أو يعبد ما يهواه ويستحسنه كان أحدهم يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رماه وعبد الآخر ، أو أرأيت من ينقاد لهواه انقياده لإلهه ومعبوده.

(وَأَضَلَّهُ اللهُ) وجده ضالا ، أو ضل عند الله.

قال الشاعر :

هبوني امرأ منكم أضل بعيره

له ذمّة إنّ الذّمام كبير

ضل عنه بعيره.

(عَلى عِلْمٍ) منه أنه ضال ، أو علم الله تعالى في سابق علمه أنه سيضل.

(وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) فلا يسمع الوعظ ولا يفقه الهدى وغشي بصره فلا يبصر الرشد أخبر عنهم بذلك ، أو دعا به عليهم نزلت في الحارث بن قيس ، أو في الحارث بن نوفل.

(وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية : ٢٤].

(نَمُوتُ) نحن ويحيا أولادنا ، أو يموت بعضنا ويحيا بعضنا ، أو تقديره نحيا ونموت.

(إِلَّا الدَّهْرُ) العمر ، أو الزمان ، أو الموت.

والدهر ليس بمعتب من يجزع

أو وما يهلكنا إلا الله. قاله عكرمة.

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٨].

(كُلَّ أُمَّةٍ) كل أهل ملة.

٢٠٢

(جاثِيَةً) مستوفزة والمستوفز الذي لا يصيب الأرض إلا ركبتاه وأطراف أنامله أو مجتمعة ، أو متميزة ، أو خاضعة بلغة قريش ، أو باركة على الركب للكفار خاصة ، أو عامة فيهم وفي المؤمنين انتظارا للحساب. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم «كأني أراكم بالكوم جاثين دون جهنم».

(كِتابِهَا) حسابها ، أو المنزل على رسولها ، أو الذي كان يستنسخ لها فيه ما عملت من شر أو خير.

(هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية : ٢٩].

(هذا كِتابُنا) القرآن يدلكم على ما فيه من الحق فكأنه شاهد عليكم ، أو اللوح المحفوظ يشهد بما فيه من شقاوة وسعادة أو كتاب أعمالهم يشهد عليكم بما تضمنه من صدق أعمالكم.

(نَسْتَنْسِخُ) يستكتب الحفظة أعمالهم في الدنيا ، أو الحفظة تستنسخ الخزنة ما هو مدون عندها من أحوال العباد. أو ما حفظته عليكم الحفظة لأن الحفظة ترفع إلى الخزنة صحائف الأعمال.

(وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [الجاثية : ٣٤].

(نَنْساكُمْ) نترككم في النار كما تركتم أمري ، أو نترككم من الخير كما تركتم العمل ، أو نترككم من الرحمة كما تركتم الطاعة.

(وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية : ٣٧].

(الْكِبْرِياءُ) العظمة ، أو السلطان ، أو الشرف ، أو البقاء. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه.

(الْحَكِيمُ) في تدبيره.

سورة الأحقاف (١)

(حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [الأحقاف : ١ ـ ٢].

(حم) قضي نزول الكتاب من الله العزيز الحكيم ، أو هذا الكتاب القرآن تنزيل من الله.

__________________

(١) سميت سورة الأحقاف لأنها مساكن عاد الذين أهلكهم الله بطغيانهم وجبروتهم وكانت مساكنهم بالأحقاف من أرض اليمن وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ. الآية ، وهي سورة مكية إلا الآيات (١٠ ، ١٥ ، ٣٥) فمدنية ، وقد نزلت بعد سورة الجاثية ، ويدور محور السورة حول العقيدة في أصوله الكبرى الوحدانية ، الرسالة ، البعث والجزاء والرسالة والرسول لإثبات صحة رسالة محمد وصدق القرآن.

٢٠٣

(ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف : ٣].

(بِالْحَقِّ) الصدق ، أو العدل ، أو للحق ، أو للبعث.

(وَأَجَلٍ مُسَمًّى) آجال الخلق ، أو القيامة.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الأحقاف : ٤].

(أَثارَةٍ) راوية ، أو بقية ، أو علم تأثرونه عن غيركم.

«أثرة» خط ، أو ميراث ، أو خاصة ، أو بينة ، أو أثره يستخرجه فيثيره.

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف : ٩].

(بِدْعاً) أولا والبدع الأول والبديع من كل شيء المبتدأ.

(ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) في الدنيا دون الآخرة أتخرجوني ، أو تقتلوني كما أخرجت الأنبياء وقتلت.

(وَلا بِكُمْ) في العذاب والإمهال وفي تصديقي وتكذيبي ، أو في الآخرة قبل نزول (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ٢] عام الحديبية فعلم ما يفعل به فلما تلاها على أصحابه قالوا هنيئا لك. قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فما ذا يفعل بنا فنزلت (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٥] أو رأى في نومه بمكة أنه يخرج إلى أرض فلما اشتد عليهم البلاء قالوا : يا رسول الله : حتى متى نلقى هذا البلاء ومتى نخرج إلى الأرض التي أريت فقال ما أدري ما يفعل بي ولا بكم أنموت بمكة أم نخرج منها ، أو لا أدري ما أؤمر به ولا ما تؤمرون به.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأحقاف : ١٠].

(إِنْ كانَ) القرآن من عند الله ، أو محمد نبيا منه.

(شاهِدٌ) عبد الله بن سلام شهد على اليهود أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم مذكور في التوراة ، أو آمين بن يامين لما أسلم ابن سلام قال : أنا شاهد كشهادته ومؤمن كإيمانه ، أو هو موسى مثل محمد يشهد على نبوته والتوراة مثل القرآن تشهد بصحته ، أو مؤمنو بني إسرائيل بموسى والتوراة لأن محمدا مثل موسى والتوراة مثل القرآن ، أو موسى الذي هو مثل محمد شهد على التوراة التي هي مثل القرآن.

٢٠٤

(فَآمَنَ) ابن سلام بالرسول والقرآن واستكبر الباقون عنه. أو آمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم أنتم عن الإيمان بمحمد والقرآن. وجواب الشرط محذوف التقدير فآمن أتؤمنون ، أو أفما تهلكون ، أو فمن أضلّ منكم.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) [الأحقاف : ١١].

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) لو كان ما جاء به محمد خيرا لما أسلمت غفار قالته قريش ، أو قال الكفار لو كان خيرا ما سبقنا إليه اليهود ، أو الذين كفروا عامر وأسد وغطفان وحنظلة قالوا لمن أسلم من غفار وأسلم وغطفان وجهينة وأشجع : لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم ، أو لما أسلمت زنّيرة أصيب بصرها فقالوا أصابك اللات والعزى فرد الله بصرها فقال عظماء قريش لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنّيرة.

(لَمْ يَهْتَدُوا) يؤمنوا. (بِهِ) بالقرآن ، أو بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الأحقاف : ١٣].

(اسْتَقامُوا) على أن الله ربهم ، أو على شهادة أن لا إله إلا الله ، أو على أداء الفرائض ، أو على إخلاص الدين والعمل ، أو استقاموا عليه فلم يرجعوا عنه إلى موتهم.

(فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الآخرة.

(وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عند الموت.

(وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف : ١٥].

(إِحْساناً) برا. (كُرْهاً) بمشقة والكره بالضم ما حمله الإنسان على نفسه وبالفتح ما حمل على غيره.

(وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) فطامه ثلاثون شهرا مدة لأكثر فصاله وأقل حمله ففصاله حولان كاملان فإن وضعته لتسعة أشهر ، أو أكثر فلا يوجب ذلك نقص الحولين قاله الجمهور ، أو الثلاثون جامعة لزمان الحمل ومدة الرضاع فإن وضعته لتسعة أشهر أرضعته إحدى وعشرين شهرا وإن وضعته لعشرة أرضعته عشرين لئلا تزيد مدتهما على الثلاثين.

(أَشُدَّهُ) بلوغه ، أو خمس عشرة سنة ، أو ثماني عشرة سنة ، أو عشرون ، أو خمس

٢٠٥

وعشرون ، أو ثلاثون ، أو ثلاث وثلاثون ، أو أربع وثلاثون ، أو أربعون.

(أَرْبَعِينَ سَنَةً) لأنها زمان الأشد ، أو زمان الاستواء ولما بلغ موسى أشده واستوى ببلوغ الأربعين ، أو لأنها عمر بعد تمام عمر.

(أَوْزِعْنِي) ألهمني أصله الإغراء أوزع بكذا أغرى به. (فِي ذُرِّيَّتِي) اجعلهم لي خلف صدق ولك عبيد حق وأبرارا بي مطيعين لك ، أو وفقهم لما يرضيك عنهم.

(تُبْتُ إِلَيْكَ) رجعت عما كنت عليه نزلت في أبي بكر رضي الله تعالى عنه خاصة أو هي عامة.

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف : ١٦].

(نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ) نقبل حسناتهم ونغفر خطاياهم إذا أسلموا ، أو الجزاء بالحسنة عشرا ، أو الطاعات يثابون عليها لأنها أحسن أعمالهم وليس في المباح ثواب ولا عقاب.

(وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ) بالرحمة ، أو عن صغائرهم بالعفو ، أو عن كبائرهم بالتوبة.

(وَعْدَ الصِّدْقِ) الجنة. (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) في الدنيا على ألسنة الرسل.

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأحقاف : ١٧].

(أُفٍّ) كلمة تبرم يقصد بها إظهار السخط وقبح الرد وأصل الأف والتف أن الأف وسخ الأذن والتف وسخ الأنف أو الأف وسخ الأظفار والتف الذي يكون في أصول الأفخاذ ، أو الأف تقليب الأنف والتف الإبعاد.

(أَنْ أُخْرَجَ) أبعث.

(يَسْتَغِيثانِ اللهَ) يدعوان اللهم أهده اللهم أقبل بقلبه اللهم اغفر له.

(وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ) فلم يبعثوا نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر كان أبوه وأمه يدعوانه إلى الإسلام فيجيبهما بذلك ثم أصاب الله تعالى فيه دعوة أبيه فأسلم ونزلت توبته في قوله (وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) [الأحقاف : ١٩] قاله السدي وقال ما رأيت بالمدينة أعبد منه أو في عبد الله بن أبي بكر قاله مجاهد ، أو في جماعة من الكفار قالوا ذلك لآبائهم ولذلك قال (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) [الأحقاف : ١٨] فأراد بقوله (وَالَّذِي) جمعا لأنهم يذكرون الواحد يريدون به الجمع.

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ

٢٠٦

بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) [الأحقاف : ٢٠].

(طَيِّباتِكُمْ) شبابكم وقوتكم من قولهم ذهب أطيباه أي شبابه وقوته. قاله الضحاك.

(الْهُونِ) الهوان بلغة قريش.

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الأحقاف : ٢١].

(أَخا عادٍ) في النسب.

(بِالْأَحْقافِ) جمع حقف وهو ما استطال واعوج من الرمل العظيم ولم يبلغ أن يكون جبلا هي رمال مشرفة على البحر في الشّحر باليمن ، أو أرض من حسمى تسمى الأحقاف ، أو جبل بالشام يسمى الأحقاف ، أو ما بين عمان وحضرموت ، أو واد بين عمان ومهرة.

(وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) الرسل. (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) قبله. (وَمِنْ خَلْفِهِ) بعده.

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) [الأحقاف : ٢٢].

(لِتَأْفِكَنا) لتزيلنا عن عبادتها بالإفك ، أو لتصدنا عنها بالمنع.

(فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) [الأحقاف : ٢٤].

«العارض» : السحاب لأخذه في عرض السماء أو لأنه يملأ آفاقها ، أو لأنه مار فيها والعارض المار الذي لا يلبث وهذا أشبه ، وكان المطر أبطأ عنهم فظنوه سحابا ممطرا. فقال بكر بن معاوية منهم هذا عارض ممطر فنظر إليه هود فقال.

(بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ) لأنهم استعجلوا العذاب استهزاء فنظر بكر بن معاوية إلى السحاب فقال إني لأرى سحابا مرمدا لا يبقى من عاد أحدا ، والريح : الدبور كانت تأتيهم بالرجل الغائب حتى تقذفه في ناديهم واعتزل هود والمؤمنون في حظيرة لا يصيبهم منها إلا ما يلين على الجلود وتلذ به الأنفس وإنها لتمر من عاد بالظّعن بين السماء والأرض قال شاعرهم :

فدعا هود عليهم

دعوة أضحوا همودا

عصفت ريح عليهم

تركت عادا خمودا

سخرت سبع ليال

لم تدع في الأرض عودا

وعمّر هود بعدهم في قومه مائة وخمسين سنة.

٢٠٧

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأحقاف : ٢٦].

فيما لم نمكنكم فيه ، أو فيما مكناكم فيه وإن صلة زائدة.

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) [الأحقاف : ٢٩].

(صَرَفْنا) صرفوا عن استراق السمع لما بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا ما هذا الذي حدث في الأرض ضربوا في الأرض حتى وقفوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببطن نخلة عامدا إلى عكاظ وهو يصلي الفجر فنظروا إلى صلاته واقتداء أصاحبه به وسمعوا القرآن فرجعوا إلى قومهم فقالوا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ١] ، وكانت السورة التي قرأها ببطن نخلة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] ، أو صرفوا عن بلادهم بتوفيق الله تعالى هداية لهم حتى وقفوا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ببطن نخلة وكانوا من جن نصيبين أو نينوى ، أو جزيرة الموصل ، أو حران اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل ، أو تسعة أحدهم زوبعة ، أو سبعة ثلاثة من أهل نجران وأربعة نصيبين ولم يشعر بهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى أوحي إليه أمرهم وأخبر به أو أعلمه الله تعالى بهم قبل مجيئهم فأتاهم وقرأ عليهم القرآن وقضى بينهم في قتيل منهم.

(فَلَمَّا قُضِيَ) فرغ من الصلاة. (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم مخوفين به ، أو فلما فرغ من القراءة ولوا إلى قومهم مؤمنين.

(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الأحقاف : ٣٢].

(داعِيَ اللهِ) نبيه.

(فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ) أي سابق فلا يفوت الله هربا.

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) [الأحقاف : ٣٥].

(أُولُوا الْعَزْمِ) الذين أمروا بالقتال ، أو العرب من الأنبياء ، أو من لم تصبه منهم فتنة ، أو من أصابه بلاء بغير ذنب أو أولو العزم الذين صبروا على أذى قومهم فلم يجزعوا أو جميع الأنبياء أولو العزم أمر أن يصبر كما صبروا أو نوح وهود وأبراهيم أمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكون رابعهم ، أو نوح وهود وإبراهيم وشعيب وموسى ، أو إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد أو منهم إسماعيل ويعقوب أيوب وليس منهم يونس ولا سليمان لا آدم.

٢٠٨

(وَلا تَسْتَعْجِلْ) بالدعاء عليهم ، أو بالعذاب. (ما يُوعَدُونَ) من العذاب ، أو الآخرة.

(لَمْ يَلْبَثُوا) في الدنيا ، أو القبور. (بَلاغٌ) هذا اللبث بلاغ أو هذا القرآن بلاغ ، أو ما وصفه من هلاك الدنيا ، أو عذاب الآخرة بلاغ. (فَهَلْ يُهْلَكُ) بعد هذا البلاغ.

(إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) أي المشركون قيل نزلت هذه الآية بأحد فأمر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يصبر على ما أصابه كما صبر أولو العزم.

سورة محمد (١)

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١].

(كَفَرُوا) بالتوحيد.

(سَبِيلِ اللهِ) الإسلام بنهيهم عن الدخول فيه ، أو عن بيت الله بمنع قاصديه إذا عرض عليهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم الدخول في الإسلام قيل نزلت في اثني عشر رجلا من أهل مكة.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) [محمد : ٢].

(وَالَّذِينَ آمَنُوا) الأنصار.

(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بمواساتهم في مساكنهم وأموالهم ، أو خاصة في ناس من قريش.

(وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بهجرتهم. (كَفَّرَ) ستر ، أو غفر. (بالَهُمْ) حالهم ، أو شأنهم ، أو أمرهم.

(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) [محمد : ٣].

(الْباطِلَ) الشيطان ، أو إبليس. (اتَّبَعُوا الْحَقَّ) القرآن ، أو محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم لمجيئه بالحق.

(لِلنَّاسِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو عام. (أَمْثالَهُمْ) صفات أعمالهم.

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٤].

(الَّذِينَ كَفَرُوا) عبدة الأوثان ، أو كل كافر من كتابي أو مشرك إذا لم يكن ذمة أو عهد.

__________________

(١) سورة محمد سورة مدنية إلا الآية (١٣) نزلت في الطريق أثناء الهجرة ، نزلت السورة بعد سورة الحديد ، وتناولت السورة أحكام القتال والأسرى والغنائم وأحوال المنافقين ولكن المحور الذي تدور عليه السورة هو موضوع الجهاد في سبيل الله.

٢٠٩

(فَضَرْبَ الرِّقابِ) بالقتل صبرا عند القدرة ، أو قتالهم بالسلاح واليدين.

(أَثْخَنْتُمُوهُمْ) ظفرتم بهم.

(فَشُدُّوا الْوَثاقَ) بالأسر. (مَنًّا) بالعفو والإطلاق. (فِداءً) بمال ، أو أسير ، أو بالبيع.

(الْحَرْبُ أَوْزارَها) أثقالها من السلاح. الوزر الثقل ، وزير الملك يحمل أثقاله ، أو يضعون السلاح بالهزيمة ، أو الموادعة ، أو أوزار كفرهم بالإسلام ، أو يظهر الإسلام على الدين كله ، أو ينزل عيسى ابن مريم. وهي منسوخة بقوله (فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال : ٥٧] أو محكمة فتخير الإمام بين المن والفداء ، والقتل والاسترقاق.

(لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) بالملائكة ، أو بغير قتال. (وَالَّذِينَ قُتِلُوا) قيل قتلى أحد.

(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) [محمد : ٥].

(سَيَهْدِيهِمْ) يحقق لهم الهداية ، أو إلى محاكمة منكر ونكير في القبر أو إلى طريق الجنة.

(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) [محمد : ٦].

(عَرَّفَها) بوصفها على ما يشوق إليها ، أو عرفهم ما لهم فيها من الكرامة ، أو طيّبها بأنواع الملاذ من العرف وهو الرائحة الطيبة ، أو عرفهم مساكنهم حين لا يسألون عنها ، أو وصفها لهم في الدنيا فلما دخلوها عرفوها بصفتها.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) [محمد : ٧].

(تَنْصُرُوا اللهَ) دينه ، أو نبيه.

(وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) بالنصر ، أو قلوبكم بالأمن.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٨].

(فَتَعْساً) خزيا ، أو شقاء ، أو شتما من الله ، أو هلاكا ، أو خيبة أو قبحا ، أو بعدا ، أو غما. والتعس الانحطاط والعثار.

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [محمد : ١٤].

(أَفَمَنْ كانَ) محمد والبينة : الوحي ، أو المؤمنون والبينة معجزة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الدين ، أو القرآن.

(كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ) بالشرك ، أو عبادة الأوثان عامة ، أو في الاثني عشر رجلا من قريش زينها الشيطان ، أو أنفسهم.

(وَاتَّبَعُوا) يعني المنافقين ، أو من زين له سوء عمله.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) [محمد : ١٦].

٢١٠

(مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) عبد الله بن أبي وجامعة من المنافقين ، كانوا يستمعون خطبة الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين أعرضوا فإذا خرجوا سألوا عنه ، أو كانوا يحضرون مع المؤمنون فيسمعون قوله فيعيه المؤمن دون المنافق.

(أُوتُوا الْعِلْمَ) ابن عباس وابن مسعود ، أو أبو الدرداء ، أو الصحابة قاله ابن زيد.

(آنِفاً) قريبا ، أو مبتدئا سألوا عن ذلك استهزاء ، أو بحثا عما جهلوه.

(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) [محمد : ١٧].

(زادَهُمْ) الاستهزاء هدى ، أو زادهم القرآن ، أو الناسخ والمنسوخ.

(هُدىً) علما ، أو نصرة في الدين وتصديقا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو شرحا لصدورهم ، أو عملا بما علموا مما سمعوا.

(تَقْواهُمْ) الخشية ، أو ثواب التقوى ، أو وفقهم للعمل بما فرض عليهم ، أو بين لهم ما يتقون ، أو ترك المنسوخ والعمل بالناسخ.

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) [محمد : ١٨].

(أَشْراطُها) آياتها ، أو انشقاق القمر على عهد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه آخر الرسل وأمته آخر الأمم ، قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت والساعة كهاتين».

(فَأَنَّى لَهُمْ) كيف لهم بالنجاة. (جاءَتْهُمْ) الساعة ، أو الذكرى عند مجيء الساعة.

(ذِكْراهُمْ) تذكيرهم بما عملوا من خير ، أو شر ، أو دعاؤهم بأسمائهم تبشيرا وتخويفا. قال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حسنوا أسماءكم فإنكم تدعون بها يوم القيامة يا فلان قم إلى نورك. يا فلان قم فلا نور لك» (١).

(فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) [محمد : ١٩].

(فَاعْلَمْ) أن الله أعلمك.

(أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) هو ، أو ما علمته استدلالا فاعلمه يقينا ، أو ما ذكر عبر عن الذكر بالعلم لحدوثه عنه.

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ

__________________

(١) أخرجه بنحوه أبو داود (٤ / ٢٨٧ ، رقم ٤٩٤٨) ، وابن حبان (١٣ / ١٣٥ ، رقم ٥٨١٨) ، وأحمد (٥ / ١٩٤ ، رقم ٢١٧٣٩) ، وأبو نعيم في الحلية (٥ / ١٥٢) ، والبيهقى (٩ / ٣٠٦ ، رقم ١٩٠٩١).

٢١١

رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد : ٢٠ ـ ٢١].

(لَوْ لا نُزِّلَتْ) كان المؤمنون إذا تأخر نزول القرآن اشتاقوا إليه وتمنوه.

(مُحْكَمَةٌ) بذكر الحلال والحرام ، أو بالقتال. (مَرَضٌ) شك لأن القلب به كالمريض.

(فَأَوْلى لَهُمْ) وعيد كأنه قال العقاب أولى ، أو أولى لهم.

(طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) من أن يجزعوا عن فرض الجهاد ، أو طاعة وقول معروف حكاية من الله تعالى عنهم قبل فرض الجهاد.

(مَعْرُوفٌ) الصدق والقبول ، أو الإجابة بالسمع والطاعة.

(صَدَقُوا اللهَ) بأعمالهم. (لَكانَ خَيْراً) من نفاقهم.

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢].

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ) يا قريش ، أو أيها الخوارج ، أو المنافقون وهو الأظهر.

(تَوَلَّيْتُمْ) الحكم فتفسدوا بأخذ الرشا ، أو توليتم أمر الأمة أن تفسدوا بالظلم ، أو توليتم عن القرآن فتفسدوا بسفك الدم ، أو توليتم عن الطاعة فتفسدوا بالمعاصي وقطع الأرحام.

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) [محمد : ٢٥].

(الَّذِينَ ارْتَدُّوا) اليهود كفروا بمحمد بعد علمهم أنه نبي ، أو المنافقون قعدوا عن الجهاد بعد ما علموه في القرآن.

(سَوَّلَ) أعطاهم سؤالهم ، أو زين لهم خطاياهم.

(وَأَمْلى لَهُمْ) أمهلهم الله بالعذاب ، أو مدّ لهم في الأمل ، أو مدّ الشيطان آمالهم بالتسويف.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) [محمد : ٢٦].

(بِأَنَّهُمْ قالُوا) قالت اليهود للمنافقين.

(سَنُطِيعُكُمْ) في أن لا نصدق بشيء من مقالته ، أو في كتم ما علمناه من نبوته ، أو قال المنافقون لليهود سنطيعكم في غير القتال في بغض محمد والقعود عن نصرته ، أو في الميل إليكم والمظاهرة على محمد ، أو في الارتداد بعد الإيمان.

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) [محمد : ٢٩].

(مَرَضٌ) نفاق ، أو شك.

٢١٢

(أَضْغانَهُمْ) غشهم ، أو حسدهم ، أو حقدهم ، أو عدوانهم.

(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٠].

(لَحْنِ الْقَوْلِ) كذبه ، أو فحواه واللحن الذهاب بالكلام في غير جهته ، واللحن في الإعراب الذهاب عن الصواب ، ألحن بحجته أذهب بها في الجهات ، فلم يتكلم بعدها منافق عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا عرفه.

(يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) يميزها أو يراها.

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) [محمد : ٣١].

(الْمُجاهِدِينَ) في سبيل الله ، أو الزاهدين في الدنيا. (وَالصَّابِرِينَ) على الجهاد ، أو عن الدنيا.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٣].

(أَطِيعُوا اللهَ) تعالى بتوحيده.

(الرَّسُولَ) صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتصديقه ، أو أطيعوا الله تعالى في حرمة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تعظيم الله عزوجل.

(أَعْمالَكُمْ) حسناتكم بالمعاصي ، أو لا تبطلوها بالكبائر ، أو بالرياء والسمعة.

(فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) [محمد : ٣٥].

(يَتِرَكُمْ) ينقصكم أجود أعمالكم ، أو يظلمكم ، أو يستلبكم ، ومنه فقده.

«وتر أهله وماله».

(إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) [محمد : ٣٦].

(وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) لنفسه ، أو لا يسألكم جميعها في الزكاة ولكن بعضها ، أو لا يسألكم أموالكم إنما هي أمواله وهو المنعم بها.

(إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) [محمد : ٣٧].

(فَيُحْفِكُمْ) بأخذ الجميع ، أو الإلحاح وإكثار السؤال من الحفاء وهو المشي بغير حذاء ، أو (فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) فيجدكم تبخلوا.

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا

٢١٣

أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨].

(تَتَوَلَّوْا) عن كتابي ، أو طاعتي أو الصدقة التي أمرتكم بها أو عن هذا الأمر فلا تقبلوه.

(قَوْماً غَيْرَكُمْ) أهل اليمن ، أو من شاء من سائر الناس ، أو الفرس. سئل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن ذلك فضرب على منكب سلمان ، فقال : هذا وقومه.

(أَمْثالَكُمْ) في البخل بالنفقة في سبيل الله ، أو في المعصية وترك الطاعة.

سورة الفتح (١)

(إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) [الفتح : ١].

(فَتَحْنا) أعلمناك بما أنزلناه من القرآن وعرفناك من الدين يعبّر عن العلم بالفتح ومنه (مَفاتِحُ الْغَيْبِ) [الأنعام : ٥٩] علم الغيب ، أو قضينا لك بفتح مكة قضاء بيّنا. وعده بذلك مرجعه من الحديبية ، أو قضينا في الحديبية قضاء مبينا بالهدنة. قال جابر : ما كنا نعد فتح مكة إلا يوم الحديبية ، أو بيعة الرضوان قال البراء : أنتم تعدون الفتح فتح مكة ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية ، أو نحره وحلقه يومئذ ، والحديبية بئر تمضمض فيها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد غارت فجاشت بالماء.

(لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [الفتح : ٢].

(لِيَغْفِرَ لَكَ) إكمالا للنعمة عليك ، أو يصبرك على أذى قومك. (ما تَقَدَّمَ) قبل الفتح. (وَما تَأَخَّرَ) بعده ، أو ما تقدم النبوة وما تأخر عنها ، أو ما وقع وما لم يقع. وعده بأنه مغفور إن وقع.

(نِعْمَتَهُ) بفتح مكة والطائف وخيبر ، أو بخضوع من استكبر وطاعة من تجبر قال عبد الله بن أبي للأنصار كيف تدخلون في دين رجل لا يدري ما يفعل به ولا بمن اتبعه هذا والله هو الضلال المبين ، فقال شيحان : يا رسول الله ألا تسأل ربك يخبرك بما يفعل بك وبمن اتبعك فقال : إن له أجلا فأبشرا بما يسركما فلما نزلت قرأها على أصحابه فقال أحدهم : هنيئا مريئا يا رسول الله قد بيّن الله تعالى لك ما يفعل بك فما ذا يفعل بنا فنزلت

__________________

(١) سميت سورة الفتح لأن الله تعالى بشّر المؤمنين بالفتح المبين إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً .. الآيات ، وهي سورة مدنية نزلت في الطريق عند الانصراف من الحديبية ، بعد سورة الجمعة ، وتعني السورة بجانب التشريع شأن سائر السور المدنية التي تعالج الأسس التشريعية في المعاملات والعبادات والأخلاق والتوجيه.

٢١٤

(لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ) [الفتح : ٥].

(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [الفتح : ٤].

(السَّكِينَةَ) الصبر على أمر الله ، أو الثقة بوعده ، أو الرحمة لعباده.

(وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) [الفتح : ٦].

(ظَنَّ السَّوْءِ) أن له شريكا ، أو أنه لن يبعث أحدا ، أو أن يجعلهم كرسوله ، أو ينصرهم عليه. ظنت أسد وغطفان لما خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحديبية أنه يقتل أو ينهزم فعاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى المدينة سالما ظافرا.

(إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) [الفتح : ٨].

(شاهِداً) على أمتك بالبلاغ ، أو بأعمالهم من طاعة ومعصية ، أو مبينا لهم ما أرسلت به. (وَمُبَشِّراً) للمؤمنين. (وَنَذِيراً) للكافرين ، أو مبشرا بالجنة للطائع ونذيرا بالنار للعاصي.

(لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفتح : ٩].

(وَتُعَزِّرُوهُ) الضمائر الثلاثة لله ، فتوقيره بإثبات ربوبيته ونفي الأولاد والشركاء عنه ، أو التعزير والتوقير للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتوقيره أن يدعى بالنبوة والرسالة دون الاسم والكنية ، أو تسوّدوه ، والتعزير المنع وها هنا الطاعة ، أو التعظيم ، أو النصر.

(وَتُسَبِّحُوهُ) بتنزيهه عن كل قبيح ، أو بالصلاة المشتملة على التسبيح.

(بُكْرَةً وَأَصِيلاً) غودة وعشيا.

(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ١٠].

(يُبايِعُونَكَ) بيعة الرضوان. (إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) لأن بيعة نبيه طاعة له. سميت بيعة تشبيها بالبيع ، أو لأنهم باعوا أنفسهم بالجنة.

(يَدُ اللهِ) عقده في هذه البيعة فوق عقودهم ، أو قوته في نصرة النبي فوق قوتهم ، أو ملكه فوق ملكهم لأنفسهم ، أو يده بالمنة في هدايتهم فوق أيديهم في طاعتهم ، أو يده عليهم في فعل الخير بهم فوق أيديهم في بيعتهم.

(نَكَثَ) نقض العهد عند الجمهور ، أو كفر. (عاهَدَ عَلَيْهُ) في البيعة ، أو الإيمان.

(بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي

٢١٥

(قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) [الفتح : ١٢].

(بُوراً) فاسدين أو هلكى أو أشرارا.

(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً) [الفتح : ١٥].

(يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) وعده لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالنصر والظفر لما ظنوا ظن السوء أنه يهلك ، أو قوله (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً) [التوبة : ٨٣] لما استأذنوا في الخروج لأجل الغنائم بعد امتناعهم عنه بظن السوء.

(قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَما تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ١٦].

(لِلْمُخَلَّفِينَ) المنافقون ثلاثة أحدهم : لا يؤمن (سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ) [التوبة : ١٠١] والثاني : تابوا (عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢] فقبلت توبتهم والثالث : قوم بين الخوف والرجاء وهم المدعوون.

(إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ) فارس ، أو الروم ، أو غطفان وهوازن بحنين ، أو بنو حنيفة مع مسيلمة ، أو قوم لم يأتوا بعد.

(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) [الفتح : ١٨].

(يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) لما تأخر عثمان رضي الله تعالى عنه بمكة وأرجف بقتله بايع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه البيعة على الصبر والجهاد. وكانوا ألفا وأربعمائة ، أو وخمسمائة ، أو ثلاثمائة والشجرة سمرة ، وسميت بيعة الرضوان لقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ.)

(ما فِي قُلُوبِهِمْ) من صدق النية ، أو كراهية البيعة على الموت. (السَّكِينَةَ) الصبر ، أو سكون النفس بصدق الوعد. (فَتْحاً قَرِيباً) خيبر ، أو مكة.

(وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [الفتح : ٢٠].

(وَمَغانِمَ كَثِيرَةً) خيبر ، أو كل مغنم غنمه المسلمون. (لَكُمْ هذِهِ) خيبر ، أو صلح الحديبية.

(أَيْدِيَ النَّاسِ) اليهود كف أيديهم عن المدينة لما خرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الحديبية ، أو

٢١٦

قريش بالحديبية أو الحليفان أسد وغطفان ، جاءوا لنصرة أهل خيبر فألقى في قلوبهم الرعب فانهزموا.

(وَلِتَكُونَ) فتح خيبر ، أو كف الأيدي. (آيَةً) علامة لصدق وعد الله تعالى.

(وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللهُ بِها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) [الفتح : ٢١].

(وَأُخْرى) أرض فارس والروم وكل ما فتحه المسلمون ، أو خيبر ، أو مكة.

(أَحاطَ اللهُ بِها) قدر عليها أو حفظها لكم لتفتحوها.

(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً) [الفتح : ٢٣].

(سُنَّةَ اللهِ) طريقته السالفة في نصر رسله وأوليائه على أعدائه.

(وَلَنْ تَجِدَ) لن يغير سنته في نصرك على أعدائك.

(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) [الفتح : ٢٤].

(كَفَّ أَيْدِيَهُمْ) بالرعب. (وَأَيْدِيَكُمْ) بالنهي ، أو أيديهم بالخذلان وأيديكم بالإبقاء لعلمه بمن يسلم منهم ، أو أيديكم وأيديهم بصلح الحديبية.

(بِبَطْنِ مَكَّةَ) الحديبية لأن بعضها مضاف إلى الحرم ، أو بمكة نفسها.

(أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) بفتح مكة فيكون نزول هذه الآية بعد الفتح ، أو بقضاء العمرة التي صدوكم عنها ، أو بالثمانين بأخذه الثمانين سلما وأعتقهم وكانوا هبطوا من التنعيم ليقتلوا من ظفروا به.

(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) [الفتح : ٢٥].

(وَصَدُّوكُمْ) عام الحديبية. (مَعْكُوفاً) محبوسا ، أو واقفا ، أو مجموعا. (مَحِلَّهُ) منحره أو الحرم المحل بالكسر غاية الشيء وبالفتح الموضع الذي يحله الناس وكان الهدي سبعين بدنة. (لَمْ تَعْلَمُوهُمْ) لم تعلموا إيمانهم.

(تَطَؤُهُمْ) بخيلكم ورجلكم فتقتلوهم ، أو لو لا أن في أصلاب الكفار وأرحام نسائهم رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهن أن تطؤوا آباءهم فيهلك الأبناء.

(مَعَرَّةٌ) إثم ، أو غرم الدية ، أو كفارة قتل الخطأ ، أو الشدة ، أو العيب ، أو الغم.

٢١٧

(تَزَيَّلُوا) تميزوا ، أو تفرقوا ، أو زايلوا حتى لا يختلطوا بمشركي مكة.

(لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقتل بالسيف ولكن الله يدفع بالمؤمنين عن الكفار.

(إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) [الفتح : ٢٦].

(حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ) عصبيتهم لآلهتهم وأنفتهم أن يعبدوا غيرها ، أو أنفتهم من الإقرار بالرسالة والافتتاح ببسم الله الرحمن الرحيم ومنعهم من دخول مكة.

(سَكِينَتَهُ) الصبر وإجابتهم إلى الصلح حتى عاد في قابل فقضى عمرته.

(كَلِمَةَ التَّقْوى) لا إله إلا الله ، أو الإخلاص ، أو بسم الله الرحمن الرحيم ، أو قولهم سمعنا وأطعنا بعد خوضهم وسميت كلمة التقوى لأنهم يتقون بها غضب الله تعالى فكان المؤمنون أحق بكلمة التقوى ، أو أهل مكة لتقدم إنذارهم لو لا سلب التوفيق.

(لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) [الفتح : ٢٧ ـ ٢٨].

(الرُّؤْيا) كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى أنه يدخل مكة على الصفة المذكورة فلما صالح بالحديبية ارتاب المنافقون فقال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : فما رأيت في هذا العام.

(فَعَلِمَ) أن دخولها إلى سنة ولم تعلموه أنتم ، أو علم أن بها رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات لم تعلموهم.

(فَتْحاً قَرِيباً) صلح الحديبية ، أو فتح خيبر. (إِنْ شاءَ اللهُ) شرط واستثناء ، أو ليس بشرط بل خرج مخرج الحكاية معناه لتدخلنه بمشيئة الله تعالى أو إن شاء الله دخول الجميع أو البعض لأنهم علم أن بعضهم يموت.

(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح : ٢٩].

(سِيماهُمْ) ثرى الأرض وندى الطهور ، أو السمت الحسن ، أو الصفار من السهر ، أو

٢١٨

تبدو صلاتهم في وجوههم ، أو نور وجوههم يوم القيامة.

(مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ) بأن سيماهم في وجوههم.

(وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ) كزرع ، أو كلا المثلين في التوراة والإنجيل.

(شَطْأَهُ) شوك السنبل وهو البهمي والسفا ، أو السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان ، أو فراخه التي تخرج من جوانبه. شاطىء النهر جانبه.

(فَآزَرَهُ) ساواه فصار مثل الأم ، أو شد فراخ الزرع أصول النبت وقواها.

(فَاسْتَغْلَظَ) باجتماع الفراخ مع الأصول.

(لِيَغِيظَ بِهِمُ) بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم لأن ما أعجب المؤمنين من قوتهم كإعجاب الزراع بقوة زرعهم هو الذي غاظ الكفار منهم شبه ضعف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أمره وإجابة الواحد بعد الواحد له حتى قوي أمره وكثر جمعه بالزرع يبدو ضعيفا فيقوى حالا بعد حال حتى يغلظ بساقه وأفراخه.

سورة الحجرات (١)

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات : ١].

(لا تُقَدِّمُوا) كان بعضهم يقول لو أنزل فيّ كذا لو أنزل فيّ كذا فنزلت ، أو نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه ، أو لا يفتاتوا على الله تعالى ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى يقضي على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو ذبحوا قبل الرسول صلّى الله عليه سلم فأمروا بإعادة الذبح ، أو لا تقدموا أعمال الطاعات قبل وقتها المأمور به قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : بعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أربعة عشر رجلا من أصحابه إلى بني عامر فقتلوهم إلا ثلاثة فلما رجعوا إلى المدينة لقوا رجلين من بني سليم فسألوهم عن نسبهما فقالا من بين عامر فقتلوهما فأتى بنو سليم وقالوا للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن بيننا وبينك عهدا وقد قتل منا رجلان فوداهما الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونزلت هذه الآية في قتلهما.

(وَاتَّقُوا) في التقديم. (إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لأقوالكم. (عَلِيمٌ) بأفعالكم.

__________________

(١) سميت سورة الحجرات لأن الله تعالى ذكر فيها بيوت النبي وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهن ، وهي سورة مدنية ، نزلت بعد سورة المجادلة ، بدأت السورة بأسلوب النداء يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ، ونهت السورة المسلمين عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي ، كما تضمنت السورة حقائق التربية الخالدة وأسس المدنية الفاضلة حتى سماها بعض المفسرين سورة الأخلاق.

٢١٩

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات : ٢].

(لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ) تمار عند الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلان فارتفعت أصواتهما فنزلت فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعدها إلا كأخي السرار.

(وَلا تَجْهَرُوا) برفع أصواتكم ، أو لا تدعوه باسمه وكنيته كدعاء بعضكم بعضا بالأسماء والكنى ولكن ادعوه بالنبوة والرسالة.

(أَنْ تَحْبَطَ) أي فتحبط ، أو لئلا تحبط.

(إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات : ٣].

(امْتَحَنَ) أخلصها ، أو اختصها.

(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) [الحجرات : ٤].

(الَّذِينَ يُنادُونَكَ) جاءه رجل فناداه من وراء الحجرة يا محمد إن مدحي زين وإن شتمي شين فخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «ويلك ذلك الله ، ذلك الله» فنزلت. أو قال قوم انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فإن كان نبيا فنحن أسعد الناس به وإن يكن ملكا نعش في جنابه فأتوه ينادونه وهو في حجرته يا محمد يا محمد فنزلت قيل : كانوا تسعة من بني تميم.

(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الحجرات : ٥].

(لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أحسن أدبا وطاعة لله ورسوله ، أو لأطلقت أسرارهم بغير فداء لأنه كان سبى قوما من بني العنبر فجاءوا في فداء سبيهم.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ) [الحجرات : ٦].

(جاءَكُمْ فاسِقٌ) الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بني المصطلق مصدقا وأقبلوا نحوه فهابهم فرجع وأخبر الرسول صلّى الله عليه سلم أنهم ارتدوا عن الإسلام فأرسل خالدا وأمره بالتثبت فأرسل خالد عيونه فرأوا أذانهم وصلاتهم فأخبروا خالدا فلما علم ذلك منهم أخبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت.

(وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) [الحجرات : ٧].

(لَعَنِتُّمْ) لأثمتم ، أو لا تهمتم ، أو هلكتم ، أو نالتكم شدة ومشقة. (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ

٢٢٠