تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وإما قاصد عرضا دنيويّا مراعيا فيه حكم الله على ما ورد الأمر في قوله : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ ؛)(١) وإما قاصد عرضا دنيويّا غير مراع فيه حكم الله على ما دل عليه قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ)(٢) ، فقوله : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا)(٣) فسّر على الوجهين : أحدهما : أن لفظ الثواب ههنا على التوسع ، وإنما هو على نحو الحرث في قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ)(٤) ويكون المعنى على نحو ما بينه في قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)(٥). والثاني : أن الثواب هو الذي يحصل للإنسان ولا / يلحقه فيه تبعة (٦) ، فالمراد به ما ذكره في قوله :

__________________

(١) سورة الجمعة ، الآية : ١٠.

(٢) سورة هود ، الآية : ١٥.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.

(٤) سورة الشورى ، الآية : ٢٠.

(٥) سورة الإسراء ، الآية : ١٨.

(٦) وأغلب المفسرين على القول الأول ، ولم أجد من أشار إلى الثاني ، لأن في الآية تعريضا بالفريق الذي شغلته الغنائم عن حماية ظهور المسلمين. انظر : جامع البيان (٧ / ٢٦٢) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٤٧٥) ، والوسيط (١ / ٥٠٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١١٥) ، والمحرر الوجيز

٦١

(وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ)(١) ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من طلب الدنيا استعفافا عن المسألة ، وسعيا على أهله ، بعثه الله ووجهه كالقمر» (٢) ، وقوله : (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(٣) قد تقدم الكلام فيه (٤).

قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(٥).

كأين : بمعنى كم (٦) ، وأصله أي دخله الكاف ، والنون في

__________________

ـ (٣ / ٢٥٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٢٧) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٧٢) ، والبحر المحيط (٣ / ٧٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٧) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ٩٤).

(١) سورة الجمعة ، الآية : ١٠.

(٢) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (٧ / ١٦) ، وأبو نعيم في الحلية (٣ / ١١٠) ، (٨ / ٢١٥) وقال : غريب من حديث مكحول ، لا أعلم له راويا عنه إلا الحجاج. ورواه البيهقي في شعب الإيمان (٧ / ٢٩٨) رقم (١٠٣٧٤ ، ١٠٣٧٥). ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب «العيال» ص (١١١) رقم (٣٢). وقال العراقي : رواه أبو الشيخ في «الثواب» ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بسند ضعيف.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.

(٤) انظر : ص ٤٤٨ من هذه الرسالة.

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٦.

(٦) ذكر ذلك في معاني القرآن للفراء (١ / ٢٣٧) ، والصاحبي ص (٢٤٨).

٦٢

آخره هو التنوين ، قيل : وإذا وقف يقال كأي على قول من قال مررت بزيد ، وكأيّي على قول من قال بزيدي ، وقال بعض النحويين : يجوز أن يقال كأيّن في الوقف ، لأنّه لمّا تركبا صار التنوين كحرف من الكلمة ، كقولهم : رعملي ولعمري (١) ، والرّبيّ : قيل : التقيّ العالم المنسوب إلى الربّ ، وكذلك الرّباني وغيّر في النسبة كقولهم في أمس إمسيّ ، وفي الجمّة جمّانيّ (٢) ، وقيل الرّبيّون الجماعات الكثيرة ، ومنه قيل للجماعة ربّة ، ولما يجمع فيه القداح رباية (٣) ، والفرق بين الوهن والضعف : أن الوهن إخلال يغير

__________________

(١) انظر الكلام على (كأيّن) في : الكامل (٣ / ١٢٥١ ، ١٢٥٢) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٤٧٥) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ١٧٥ ، ١٧٦) ، والصاحبي ص (٢٤٨) ، وكشف المشكلات (١ / ٢٦٣) ، وشرح المفصل (٤ / ١٣٥ ، ١٣٦) ، ومغني اللبيب ص (٢٤٦ ، ٢٤٧). وانظر الأوجه الجائزة في الوقف على المكسور والمضموم في : أمالي ابن الشجري والشافية (٦٣) ، والمساعد (٤ / ٣٠٣). وقلب لعمري إلى رعملي هو المسمى القلب المكاني ، وتعريفه : أنه جعل حرف مكان حرف بالتقديم والتأخير ، نحو : أيس في يئس. وراء في رأى.

انظر : المخصص (١٤ / ٢٧ ـ ٢٨) ، المساعد (٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٠).

(٢) انظر : المخصص (١٣ / ٢٤١) ، وتاج العروس (١٥ / ٤٠٨).

(٣) انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٧٦) ، والمفردات ص (٣٣٦ ، ٣٣٧) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٥٥ ، ٢٥٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٧ / ٢٦٥) ، ، والبحر المحيط (٣ / ٧٩) ، وقد مضى تفصيل القول في (الرباني) عند تفسير الآية ٧٩ من هذه السورة. انظر : ص (٢٠٢ ، ٢٠٣).

٦٣

الإنسان ، ويضادّه الشّدة ، والضعف اختلال بنقصه ويضادّه القوى (١) ، والاستكانة : الخشوع والتضرّع للمخافة (٢) ، وقيل : قتل هو فعل مسند إلى قوله : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ) ، و (مَعَهُ رِبِّيُّونَ) ، استئناف في موضع الحال ، كأنه قتل ومعه (٣) ، وقال الحسن : ما قتل نبي قط في حرب (٤) ، وقال بعضهم ما قال الحسن ؛

__________________

(١) قال العسكري : «والفرق بين الوهن والضعف : أن الضعف ضدّ القوة ، وهو من فعل الله تعالى ، كما أن القوة من فعل الله ... والوهن هو أن يفعل الإنسان فعل الضعيف تقول : وهن في الأمر يهن وهنا ، وهو واهن ، إذا أخذ فيه أخذ الضعيف ...» الفروق ص (١٢٤ ، ١٢٥) ، وانظر : المفردات ص (٥٠٦ ، ٥٠٧ ، ٨٨٧).

(٢) قال الطبري : وَمَا اسْتَكانُوا يعني وما ذلوا فيتخشعوا لعدوهم بالدخول في دينهم ومداهنتهم فيه خيفة منهم. جامع البيان (٧ / ٢٦٩). وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٤٧٦) ، والزاهر (٢ / ٢٩٧ ـ ٢٩٩) ، وتهذيب اللغة (١٠ / ٣٧٤ ـ ٣٧٥) ، والمسائل الحلبيات (٥ / ١) ، والوسيط (١ / ٥٠١) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٣٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٨).

(٣) قال ابن زنجلة : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : (وكأين من نبي قتل) بضم القاف وكسر التاء ، أي وكم من نبي قتل قبل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومعه ربيون كثير ... وقرأ الباقون (قتل معه). انظر : حجة القراءات ص (١٧٥) ، والغاية ص (٢١٨) ، والمبسوط ص (١٤٨) ، وغاية الاختصار لأبي العلاء الهمذاني العطار ص (٤٥٤).

(٤) لم أجد ذلك منسوبا للحسن إلا فيما ذكره عنه السمعاني في تفسيره

٦٤

وإن صحّ فإنّه لا ينفي أنه قتل في غير حرب ، وقيل : إن قوله : قتل فعل لقوله ربيون أي قتل جماعة منهم ، فلم يهن الباقون منهم (١) ، ومن قرأ : قاتل فيحتمل الوجهين (٢) ، وقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)(٣) ، فقد جعلهم محبوبيه تعظيما لقدرهم ، وإلى معنى المحبّة أشار بقوله : (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)(٤) ، وقوله : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا)(٥) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصبر خير كلّه» (٦) ، وقال : «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد» (٧).

__________________

ـ (١ / ٣٦٤). وقد وجدته منسوبا لسعيد بن جبير ذكره عنه عبد بن حميد في تفسيره (ق ٧٣ / ٢ ـ مخطوط) عن سعيد بن جبير ، قال : «ما سمعنا أن نبيّا قط قتل في قتال» ، وذكره عن سعيد بن جبير القرطبي في الجامع (٤ / ١٤٧) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٧٩) ، والسيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٤٦). وعزاه لسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير.

(١) رجح هذا القول ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٢٦٤ ، ٢٦٥) وحسّن ابن عطية ترجيح الطبري في المحرر الوجيز (٣ / ٢٥٥). وانظر : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٣٦٩) ، والحجة لأبي علي (٢ / ٣٨٦ ـ ٣٨٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٧٢ ـ ٧٣).

(٢) انظر : الوسيط (١ / ٥٠١).

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٦.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ١٥٣.

(٥) سورة الطور ، الآية : ٣٨.

(٦) لم أجده مرفوعا ، ولكن يروى من كلام الجنيد بلفظ «الصبر مفتاح كل خير» رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (٧ / ٢٠١) رقم (٩٩٩٦).

(٧) روي هذا الحديث مرفوعا وموقوفا ، فقد عزاه السيوطي في الجامع الصغير

٦٥

قوله تعالى : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ ...)(١) الآية ، الفرق بين الذنب (٢) والإسراف (٣) من وجهين : أحدهما : أن الإسراف تجاوز الحدّ في فعل ما يجب ، والذنب عامّ فيه وفي التقصير ، فإذا كل إسراف ذنب ، وليس كل ذنب إسرافا. والثاني : أن حقيقة الذنب : التقصير وترك الأمر حتى يفوت ، ثم يؤخذ بالذنب. والذنب إذن في الأصل مقابل الإسراف ، وكلاهما مذمومان ، أحدهما : من جهة التفريط. والآخر : من جهة الإفراط (٤). والمحمود هو

__________________

ـ للديلمي عن أنس ، وأشار بضعفه. فيض القدير (٤ / ٢٣٤). ورواه البيهقي في شعب الإيمان عن علي رضي الله عنه (١ / ٧١٠). ونقل المناوي في فيض القدير (٤ / ٢٣٤) عن الحافظ العراقي تضعيفه بيزيد الرقاشي. وقد ضعفه أيضا الشيخ الألباني في ضعيف الجامع رقم (٣٥٣٥) مرفوعا وموقوفا.

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٧. ونصّ الآية : (وَما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَإِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَثَبِّتْ أَقْدامَنا وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ).

(٢) قال الراغب : والذنب في الأصل الأخذ بذنب الشيء ، ويستعمل في كل فعل يستوخم عقباه اعتبارا بذنب الشيء ، ولهذا يسمى الذنب تبعة ، اعتبارا لما يحصل من عاقبته. المفردات ص (٣٣١). وانظر : الفروق ص (٢٥١ ، ٢٥٢ ، ٢٥٦ ، ٢٥٧).

(٣) قال الطبري : وأما الإسراف فإنه الإفراط في الشيء ، يقال منه : «أسرف فلان في هذا الأمر» إذا تجاوز مقداره فأفرط. جامع البيان (٧ / ٢٧٢).

وانظر : مجاز القرآن (١ / ١٠٤) ، والمفردات ص (٤٠٧).

(٤) ظاهره أن الإسراف : إفراط ، وهو القريب إلى الأصل في هذا اللفظ ، ولكن

٦٦

العدالة ، والقصد المنفك منهما (١) ، وثبات القدم في الأمر اللزوم (٢) ، وعلى هذا قوله : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها)(٣) ، وكيفيّة تثبيت الأقدام ، قيل بإلطاف من جهته ، وقيل بإنزال الملائكة عليهم ، وذلك عام في كل نصرة ينصر الله بها عبده من قوّة نفسه ، ومما يعينه من خارج (٤). وقيل : أشار بذلك إلى سؤال الصيانة عما يحبط ما تقدم من الأعمال (٥) ، وهذا السؤال نحو ما روي

__________________

ـ أبا عبيدة في المجاز فسر الإسراف بالتفريط. انظر : مجاز القرآن (١ / ١٠٤).

(١) وذكر المفسرون أن الفرق بين الذنوب والإسراف في الآية : أن الذنوب هي الصغائر ، والإسراف هو الذنوب العظام. انظر : جامع البيان (٧ / ٢٧٢) ، وبحر العلوم (١ / ٣٠٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٥٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٣١) ، والبحر المحيط (٣ / ٨١).

(٢) قال الراغب : «الثبات ضد الزوال يقال : ثبت يثبت ثباتا ...» المفردات ص (١٧١). وانظر : تهذيب اللغة (١٤ / ٢٦٧).

(٣) سورة النحل ، الآية : ٩٤.

(٤) قال العلامة نظام الدين النيسابوري : والمراد بتثبيت الأقدام : إزالة الخوف عن قلوبهم ، وإماطة الخواطر الفاسدة عن صدورهم ، والمراد بالنصر : الأمور الزائدة على القوة والعدة والشدة ؛ كإلقاء الرعب في قلوب الأعداء ، وكإحداث أحوال سماوية أو أرضية توجب انهزامهم ، كهبوب ريح تثير الغبار في وجوههم ، وإجراء سيل في مواضع وقوفهم. تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٧٤).

(٥) قال القشيري مشيرا إلى ذلك المعنى : «تحققوا بحقائق المعنى ، فخرسوا

٦٧

عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك» (١).

والآية هي من جملة الحكاية عن الرّبيين ، وتحقيق لما قال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ)(٢) الآية ، وحثّ على الاقتداء بمن تقدّم في أحوالهم التي وصفوا بها ، وهذه الجملة من التضرّع إلى الله وهو جماع سؤال الخيرات ، فقد سألوا الله العفو عنهم فيما كان منهم من إفراط وتفريط ، والحراسة في أنفسهم ونصرهم على أعدائهم. /

قوله تعالى : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا ...)(٣) الآية. ذكر في ثواب الآخرة الحسن تنبيها أن ثواب الدنيا بالإضافة إليها غير مستحسن لانقطاعه (٤) ، ونبّه بالآية أنّ من أراد ثواب الدنيا لم

__________________

ـ عن إظهار الدعوى ، ثم نطقوا بلسان الاستغفار ، ووقفوا في موقف الاستحياء كما قيل :

يتجنب الآثام ثم يخافها

فكأنما حسناته آثام!!

لطائف الإشارات (١ / ٢٩٥).

(١) تقدم تخريجه ص (٤٣٢).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٢.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٨. ونصها : (فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ).

(٤) قال القشيري : ولما قال : (ثَوابَ الدُّنْيا) قال في الآخرة (وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ) فوجب أن يكون لثواب الآخرة مزية عن ثواب الدنيا ، حيث

٦٨

يحصل له ثواب الآخرة ، وأنّ من أراد الآخرة حصلت له الدنيا والآخرة معا (١) ، وعلى هذا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من كانت همّته للدنيا شتت الله عليه أمره ، وجعل فقره بين عينيه ، ولم يؤته من الدنيا إلا ما كتب له ؛ ومن كانت همّته الآخرة جمع الله شمله ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة» (٢) وهذا المعنى الذي اقتضاه الخبر ذكره ابن

__________________

ـ خصّه بوصف الحسن ، وتلك المزية دوامها وتمامها وثمارها ، وأنها لا يشوبها ما ينافيها ، ويوقع آفة فيها. لطائف الإشارات (١ / ٢٩٦). وانظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٧٤) ، والبحر المحيط (٣ / ٨٢) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٨٤) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ٩٧).

(١) قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى : (وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها ...) [آل عمران : ١٤٥] ، قال : «أي من كان عمله للدنيا فقط ناله منها ما قدّره الله له ، ولم يكن له في الآخرة من نصيب ، ومن قصد بعمله الدار الآخرة أعطاه الله منها وما قسم له في الدنيا ...» تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٧).

(٢) رواه الترمذي في كتاب ـ صفة القيامة ـ رقم (٢٤٦٥) ، ورواه ابن ماجه في كتاب ـ الزهد ـ باب «الهم بالدنيا» رقم (٤١٠٥) وقال البوصيري في الزوائد (٣ / ٢٧١) : إسناده صحيح. ورواه أحمد في المسند (٥ / ١٨٣) والطبراني في الأوسط رقم (٥٩٨٧ ، ٨٨٧٧) ، وابن عدي في الكامل (٣ / ٩٦٦) ، والبغوي في شرح السنة رقم (٤١٤٢). والحديث أورده الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (٩٤٩ ، ٩٥٠).

٦٩

الرومي (١) في قوله :

وتاجر الأجر لا يزال له

أمران في كل متجر تجره

أجر وحمد وإنّما قصد ال

أجر ولكن كلاهما اعتوره (٢)

وسئل سفيان بن عيينة (٣) : هل يعطى المسلم ثواب عمله في الدنيا؟ فقال : نعم ، وتلا هذه الآية ، وقوله تعالى : (وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)(٤). وقوله في قصة يوسف : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ...)(٥) الآية ، ثم

__________________

(١) أبو الحسن علي بن العباس بن جريج ابن الرومي مولى آل منصور ، شاعر زمانه مع البحتري ، له النظم العجيب والتوليد الغريب ، كان رأسا في الهجاء والمديح ، ولد سنة ٢٢١ ه‍ ، ومات مسموما سنة ٢٨٣ ه‍. انظر : الفهرست ص (٢٧١) ، وتاريخ بغداد (١٢ / ٢٣ ـ ٢٦) «، وسير أعلام النبلاء (١٣ / ٤٩٥).

(٢) انظر : ديوان ابن الرومي (٣ / ٩٤٢) والبيتان في «الذريعة» للراغب ص (٤١٥) ، ونسبهما لابن الرومي أيضا. ومعنى اعتوره : تداوله. انظر القاموس ص (٥٧٤).

(٣) هو أبو محمد سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي الكوفي ، ثم المكي ، ثقة حافظ فقيه إمام حجة ، إلا أنه تغيّر حفظه بآخره ، وكان ربما دلّس (ط ٢) لكن عن الثقات ، محدث الحرم المكي ، له كتاب في التفسير وكتاب الجامع في الحديث ، ولد بالكوفة سنة ١٠٧ ه‍ ، وتوفي بمكة في رجب سنة ١٩٨ ه‍. انظر : تقريب التهذيب ص (٢٤٥) ، وتهذيب التهذيب (٤ / ١١٧).

(٤) سورة العنكبوت ، الآية : ٢٧.

(٥) سورة يوسف ، الآية : ٥٦. وتمامها : (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).

٧٠

قال : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا ...)(١) الآية.

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا ...)(٢) الآية. هذا هو المعنى المذكور في قوله : (إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ)(٣) ، لكنه لما ذكر هناك باللفظ العام وهو أهل الكتاب الواقع على مؤمنهم وكافرهم خصّ فريقا منهم ، فإن قيل : لم غيّر العبارتين (٤)؟ ولم كرر ذلك؟ قيل : إنه عرّض في الأول بالنهي ، فلما بيّن أحوال المنهيّ عن طاعتهم ، ونبّه على فساد طريقتهم وإرادتهم الشر بالمسلمين أعاد النهي عن طاعتهم مصرّحا (٥) ، وهذه الطريقة يسلكها الوعظة المهرة ، فنهي الإنسان عما يهواه إذا لم يعرف قبحه إغراء بفعله ،

__________________

(١) الآية ٥٧ من سورة يوسف وتمامها : (وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٩. ونصها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ).

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٠٠.

(٤) في الأصل (العبارتان) ، والصواب ما أثبته.

(٥) قال البقاعي بعد أن فسرّ الآية : وذلك ناظر إلى قوله تعالى أول ما حذّر من مكر الكفار : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) وموضح أن جميع هذه الآيات شديد اتصال بعضها ببعض. نظم الدرر (٢ / ١٦٥).

٧١

فحقّ للواعظ أن يتوصل أولا إلى كشف قبحه ، وما يعرض فيه من الفساد ، ثم يصرّح بتحريمه ، والنهي عنه ، وقول الحسن : إنه عنى بالذين كفروا : اليهود والنصارى (١) ، وقول السدّي : إنه أراد المشركين أبا سفيان وأصحابه (٢) ، فكلاهما صحيح ، فاللفظ عام ، ومطاوعتهما تردّ على الأعقاب وتورث الخسران.

قوله تعالى : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ)(٣) لما تقرر في العقول : أن المولى يعزّ بحسب عزّة مواليه ، وتقرر عند المسلمين أن الله هو العزيز في الحقيقة ، وأن كل عزيز فمنه وبه يعزّ ، وقد كان نهاهم في الآية المتقدمة عن موالاة الكفار ، والدخول تحت طاعتهم [بيّن](٤) أن [من

__________________

(١) لم أجد هذا القول منسوبا للحسن ، وإنما وجدته منسوبا لابن جريج ، وذلك فيما رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٢٧٧) بسنده عن ابن جريج ، قال : لا تنتصحوا اليهود والنصارى على دينكم. ورواه كذلك ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٨٥) ، وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٤٧٤) عن ابن جريج ، وكذلك السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٤٨).

(٢) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٢٧٧) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٨٤) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٤٨) ، وعزاه لهما.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٠.

(٤) ليست في الأصل والسياق يقتضيها.

٧٢

كان](١) الله مولاه فهو غني عنهم فهو خير مولى وناصر ، وهذا المعنى قد نبه تعالى عليه في مواضع بألفاظ كثيرة ، نحو (نِعْمَ الْمَوْلى)(٢) ، وقوله : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا)(٣) ، وفي لفظة بل تلطف وتنبيه أن من المحال أن يكون من تخصص بموالاة الله ، وعرف أن العزّ منه أن يعتمد غيره أو يقصد سواه (٤).

قوله تعالى : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)(٥) الآية. الرعب : استرخاء القوى وتقطّعها من الخوف (٦) ، ومنه :

__________________

(١) ليست في الأصل والسياق يقتضيها.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ٤٠.

(٣) سورة محمد ، الآية : ١١.

(٤) قال أبو حيان : (بل) لترك الكلام الأول من غير إبطال ، وأخذ في كلام غيره. والمعنى : ليس الكفار أولياء فيطاعوا في شيء ، بل الله مولاكم ...» البحر المحيط (٣ / ٨٢) ، وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٧٨) ولطائف الإشارات (١ / ٢٩٦) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٧٥).

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٥١. ونصّها : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ).

(٦) ذكر ابن فارس أن مادة الرعب أصل في ثلاثة معان : الخوف والملء والقطع ، وقد رد المؤلف المعنى الأول إلى الثالث ؛ لأن أحدهما سبب في الآخر. وهذا من دليل حسه اللغوي المرهف. انظر : المقاييس (٢ / ٤٠٩ ـ ٤١٠).

٧٣

جارية رعبوبة (١) ، ورعبت السنام قطعته (٢) ، وبهذا النظر قالوا : تقطّع نياط قلبه ، وانخلع قلبه ، وتوزّع خاطره (٣) ، والسلطان : الحجة (٤) ، وقد تقدم والمثوى : إطالة الملازمة (٥) ، وقوله : (بِما أَشْرَكُوا) أي إشراكهم (٦) ،

__________________

(١) الرعبوبة : السمينة اللينة ، والرعبوبة أيضا القطعة من السنام. انظر : المقاييس (٢ / ٤١٠) ، والمحكم (٢ / ٩٦).

(٢) انظر : جامع البيان (٧ / ٢٧٩) ، وتهذيب اللغة (٢ / ٣٦٧ ، ٣٦٨) ، والمفردات ص (٣٥٦) ، وأساس البلاغة ص (١٦٦) ، واللسان (١ / ٤٢٠).

(٣) هذه عبارات يكنى بها عن شدة الفزع. والنياط : عرق معلق به القلب. والخاطر : ما يخطر في القلب من تدبير أو أمر. انظر : المقاييس (٥ / ٣٧٠) ، والمخصص (١٢ / ١٢٦) ، وتاج العروس (١١ / ١٩٤) و (٢٠ / ١٥٦).

(٤) قال الجوهري : والسلطان : الحجة والبرهان ، ولا يجمع ، لأن مجراه مجرى المصدر. الصحاح (٣ / ١١٣٣) وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٧٩) ، والمفردات ص (٤٢٠) ، وأساس البلاغة ص (٢١٧) ، واللسان (٧ / ٣٢١).

(٥) قال الأزهري : «الثواء طول المقام ... والمثوى الموضع الذي يقام به وجمعه : المثاوي ...» تهذيب اللغة (١٥ / ١٦٦). وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٧٩) ، والصحاح (٦ / ٢٢٩٦) ، والمفردات ص (١٨١) ، وأساس البلاغة ص (٤٩) ، واللسان (١٤ / ١٢٥).

(٦) قال أبو حيان : «الباء للسبب وما مصدرية ، أي بسبب إشراكهم بالله آلهة ، لم ينزل بإشراكها حجة ولا برهانا» البحر المحيط (٣ / ٨٣) ، وانظر : التبيان (١ / ٣٠١).

٧٤

وقوله : (ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ) بدل من ما الأولى ، لكن بمعنى المصدر ، إذ لا ضمير يرجع إليه ، والثاني بمعنى الذي ، إذ فيما / بعده ضمير ، ويجوز أن يكون خبر ابتداء مضمر ، أو على تقدير : أعني شيئا لم ينزل به سلطانا ، والمعنى لا يختلف (١) ، ونبّه أنه لم يجعل لهم حجة فيما قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)(٢) ، ولقوله : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ،) ولظهور حكمه ، وما شوهد

__________________

(١) هذه الأوجه الثلاثة التي ذكرها المؤلف في إعراب (ما) الثانية لا تخلو من تكلف. ولم أجدها لغيره ، والأولى أن تكون (ما) نكرة موصوفة أو اسما موصولا في محل نصب مفعولا به ل «أشركوا». ولعل كثرة ورود الإشراك في القرآن محذوف المفعول به ، أوحى إلى المؤلف بأن (أشركوا) فعل لازم لا يحتاج إلى مفعول. مع أن (أشرك) وردت في القرآن في مواضع مذكورا مفعولها صريحا أو شبه صريح ، منها قوله تعالى : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ) [إبراهيم : ٢٢] فياء المتكلم مفعول به ، وقد بقيت نون الوقاية والكسرة الدالتان عليها. وقال تعالى : (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه : ٣٢] فالهاء مفعول به. وقال تعالى : (وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) [الأنعام : ٨١] «(ما لم) : «ما» : بمعنى الذي ، أو نكرة موصوفة ، وهي في موضع نصب بأشركتم ...» التّبيان (١ / ٥١٤). وانظر في إعراب الآية : إملاء ما منّ به الرحمن ص (١٥٣) ، والتبيان (١ / ٣٠١) ، والدر المصون (٣ / ٤٣٥).

(٢) سورة الزمر ، الآية : ٣.

٧٥

من صدقه. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نصرت بالرّعب» (١) ، وتصديق ذلك قد شوهد ، فقد كان الصناديد يقصدونه عليه‌السلام لمكاوحته (٢) أو الاغتيال عليه ، فما كانوا إلا أن يمكّنوا أبصارهم منه فيذّلوا ، ولمشاهدة الحالة قال فيه الشاعر :

لو لم تكن فيه آيات مبينة

كانت بداهته تغنيك عن خبر (٣)

وهذا أحد دلائل للنبوات التي يعتمدها من عرف الحقائق ، وليس هذا الرعب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقط ، بل لأحزابه والمقتدين به ، حتى نرى من رجح عقله وحسن في قمع الشهوة حاله مهيبا.

وجعل جهنم مثوى مذموما بالإضافة إلى الطباع ، واعتبارها بكراهتها لها (٤) ، ...

__________________

(١) جزء من حديث رواه البخاري ، كتاب ـ التيمم ـ باب قول الله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) رقم (٣٣٥). ورواه مسلم في كتاب ـ المساجد ومواضع الصلاة ـ رقم (٥٢١). ورواه النسائي كتاب ـ الجهاد ـ باب «وجوب الجهاد» (٦ / ٣).

(٢) قال الفيروز آبادي : كاوحه : شاتمه وجاهره ، وتكاوحا : تمارسا في الشر بينهما. القاموس ص (٣٠٥).

(٣) البيت لعبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، انظر : ديوانه (١٦٠) ، وبصائر ذوي التمييز (٣ / ٤٨٧) ، والإصابة (٤ / ٧٥).

(٤) قال أبو حيان : «بالغ في ذم مثواهم ، والمخصوص بالذم محذوف ، أي وبئس مثوى الظالمين النار ، وجعل النار مأواهم ومثواهم ...» البحر

٧٦

وعلى ذلك قوله : (وَساءَتْ مَصِيراً)(١).

قوله تعالى : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ ...)(٢) الآية.

الحسّ : يقال للإصابة بالحاسّة نحو عنته ويديته ، أي أصبته بهما ، ويقال تارة لإصابة الحاسّ نحو بطنته وظهرته ، أي أصبتهما (٣) ، ولمّا كان إصابة الحاسّة قد يتولد منه فقد الروح استعير للقتل (٤) ،

__________________

ـ المحيط (٣ / ٨٤). وفرق القرطبي بين المثوى والمأوى ، فقال : «والمثوى : المكان الذي يقام فيه ، يقال : ثوى يثوي ثواء. والمأوى : كلّ مكان يرجع إليه شيء ليلا أو نهارا». الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٣٣).

(١) سورة النساء ، الآية : ٩٧.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٢. ونصها : (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

(٣) ذكر ذلك الراغب في المفردات ص (٢٣١ ، ٢٣٢). وانظر دلالة الفعل الثلاثي (فعل) على الإصابة في : المساعد (٢ / ٥٩٢) وما سبق في (٣٥٤).

وانظر : معاني (حسّ) في : جامع البيان (٧ / ٢٨٧) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (١ / ٤٧٨) ، وتهذيب اللغة (٣ / ٤٠٥ ـ ٤١٠) ، والصحاح (٣ / ٩١٦ ـ ٩١٨) ، وتاج العروس (١٥ / ٥٣٥ ـ ٥٤٤).

(٤) قال الطبري : (إِذْ تَحُسُّونَهُمْ) يعني حين تقتلونهم. جامع البيان (٧ / ٢٨٧) ، وفي العين : «الحس : القتل الذريع» (٣ / ١٥). وانظر : مجاز القرآن

٧٧

وإذنه هاهنا يصح أن يكون أمره ، وأن يكون تسهيله وتوفيقه (١) ، والفشل : ضعف النجيزة (٢) ، وذلك يكون عن الحرب ، وعن السخاء ، بل عن تحمل المضض كله (٣) ، وجعل تعالى ميلهم إلى الغنيمة فشلا ، فإن الحرص والبخل من فشل النجيزة ، وسبب نزول هذه الآية فيما روي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان قد وعد المؤمنين بقهر الكفار يوم أحد ، ولما صفّ الصفوف جعل أحدا خلف ظهره ، واستقبل المدينة ، وجعل عينين وهو جبل (٤) عن يساره ، ورتّب

__________________

ـ (١ / ١٠٤ ـ ١٠٥). وانظر المصادر السابقة ، والوسيط (١ / ٥٠٤) ، الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٣٥) ، ولسان العرب (٦ / ٥١ ، ٥٢) ، البحر المحيط (٣ / ٨٤).

(١) قال الطبري : وأما قوله (بإذنه) فإنه يعني : بحكمي وقضائي لكم بذلك ، وتسليطي إياكم عليهم. جامع البيان (٧ / ٢٨٨).

(٢) النجيزة : الجزاء ، يقال : لأنجزنّ نجيزتك أي لأجزينّ جزاءك. انظر : تاج العروس (١٥ / ٣٤٥).

(٣) قال الراغب : الفشل : ضعف مع جبن. المفردات ص (٦٣٧). وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٨٩) ، وأساس البلاغة ص (٣٤١ ، ٣٤٢) ، والنهاية (٣ / ٤٤٩) ، والقاموس ص (١٣٤٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٨٤). ويقال : أمضه الأمر : إذا بلغ منه المشقة. انظر : العين (٧ / ١٧).

(٤) عينين : أكمة صغيرة بارزة ، قرب جبل أحد من جهة المدينة ، بينهما مجرى وادي قناة ، وهو الذي قام عليه إبليس يوم أحد ، فنادى : ألا إن محمدا قد قتل. وفيه أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الرماة يوم أحد. انظر : معجم ـ

٧٨

عليه رماة خمسين ، واستعمل عليهم عبد الله بن جبير (١) ، وأو عز إليهم أن قوموا في مصافّكم ، فإن رأيتمونا وقد غنمنا فلا تشاركونا ، وإن رأيتمونا نقتل فلا تنصرونا ، فلما رأوا الكفار يهزمون ، اختلفوا فبادر بعض إلى المعركة ، ونظر خالد بن الوليد (٢) إلى الجبل وكان كمينا (٣) للمشركين ، فكرّ بالخيل ، فقتل من بقي من الرماة ، وانتقضت صفوف المسلمين حتى كان ما كان ، فقال

__________________

ما استعجم (٣ / ٩٨٧) ، والمعالم الأثيرة في السنة والسيرة ص (٢٠٤).

(١) عبد الله بن جبير بن النعمان بن أميّة الأنصاري ، شهد العقبة وبدرا ، واستشهد بأحد ، كان أمير الرماة يومئذ ، وهو الذي نهى الرماة عن ترك أماكنهم لطلب الغنائم فخالفوه ، فثبت حتى قتل رضي الله عنه ، وذلك في السنة الثالثة من الهجرة. انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٣٣١) ، والإصابة (٤ / ٣١).

(٢) أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر المخزومي القرشي ، من كبار الصحابة ، كان من أشراف قريش في الجاهلية وقائد فرسانها ، أسلم قبل فتح مكة بسنة ، فكان سيفا من سيوف الله على أعداء الدين ، وكان أميرا على قتال أهل الردّة وغيرها في الفتوح. توفي رضي الله عنه في خلافة عمر سنة ٢١ ه‍ بمدينة حمص. انظر : الإصابة (٢ / ٢١٩) ، والتقريب ص (١٩١) ، والتهذيب (٣ / ١٢٤).

(٣) يقال كمن فلان يكمن كمونا : إذا استخفى في مكمن لا يفطن له. والكمين في الحرب من هذا ، وهو : أن يستخفوا في مكمن بحيث لا يفطن لهم ، ثم ينهضون على العدو على غفلة منهم. انظر : تهذيب اللغة (١٠ / ٢٩٠) ، والمصباح المنير (٥٤١).

٧٩

قوم : إن الله قد وعدنا نصرنا ، فتغيّرت قلوبهم ، فبيّن تعالى أنه قد صدقكم وعده ، وأخذتم تقتلونهم إلى أن اعتراكم الفشل ، ووقع بينكم تنازع ، فصرفكم عنهم (١) ، وقوله : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا)(٢) قيل : الغنيمة (٣) ، (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) أي نصرة النبي في ترك المكان والمبادرة إلى القتال (٤).

__________________

(١) انظر : السيرة النبوية لابن هشام (٣ / ١٦٣ ، ١٦٤) ، وجامع البيان (٧ / ٢٨١ ـ ٢٨٣ ، ٢٨٩ ـ ٢٩١) ، وأسباب النزول ص (١٢٥ ، ١٢٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٦٣ ، ٢٦٤).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٢.

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ٢٩٣) ، والوسيط (١ / ٥٠٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٦٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١١٩) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٦٤) ، ووضح البرهان (١ / ٢٦١) ، وزاد المسير (١ / ٤٧٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٣٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٩).

(٤) هذا القول لم أجد من ذكره من المفسرين ، وكأن الراغب وجّه الخطاب في قوله تعالى : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) إلى الرماة دون غيرهم من أفراد الجيش. وقد نقل النيسابوري عن الجبائي المعتزلى نحوا من هذا القول. قال الجبائي : «إن الرماة كانوا فريقين ، بعضهم فارقوا المكان أولا لطلب الغنائم ، وبعضهم بقوا هناك إلى أن أحاط بهم العدو ، وعلموا أنهم لو استمروا على المكث هناك لقتلهم العدو من غير فائدة أصلا ، فلهذا السبب جاز لهم أن يتنحوا عن ذلك

٨٠