تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وكذا مراجعة عمر له بما همّ به من كتاب القضية عام الحديبية (١) ، فثبت أن ما يتعلق بالأمور الدنيوية حال الرسول عليه‌السلام وغيره فيه سواء ، والمشاورة مستحبة له كما هي مستحبة لغيره (٢).

قوله تعالى : (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(٣) أكثر المفسرين جعلوا نصرة الله للعبد في الحقيقة تقويته بأعظم السلطانين الذي هو الحجّة القاهرة وأعظم التمكينين الذي هو العاقبة المذكورة في قوله : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)(٤) وفي أشرف الدارين حيث لا

__________________

ـ والبزار كما في كشف الأستار (٢ / ١٣١ ، ١٣٢) ، والبيهقي في الدلائل (٣ / ٤٣٠ ، ٤٣١) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٦ / ١٣٦) : ورجال البزار والطبراني فيهما محمد بن عمرو ، وحديثه حسن ، وبقية رجاله ثقات.

(١) قصة صلح الحديبية أخرجها البخاري في صحيحه ، كتاب ـ الشروط ـ باب «الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ، وكتابة الشروط» رقم (٢٧٣١ ، ٢٧٣٢).

والحديبية : بضم الحاء وفتح الدال ، وياء ساكنة موضع بينه وبين مكة مسافة مرحلة ، وبعض الحديبية في الحل وبعضها في الحرم. انظر : معجم البلدان (٢ / ٢٢٩).

(٢) انظر : جامع البيان (٧ / ٣٤٥) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٤٠ ـ ٤١) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٠ ، ٢٨١) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٤٩ ـ ٢٥٣) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٩٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٤).

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠.

(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٢٨.

١٢١

ينفع مال ولا بنون. فقالوا : معناه : إن حصل لكم النصرة فلا تعتدّوا ما يعرض من العوارض الدنيوية في بعض الأحوال غلبة ، وإن خذلكم في ذلك فلا تعتدّوا ما يحصل لكم من القهر في الدنيا نصرة ، فالنصرة والخذلان معتبران بالمآل (١). ومنهم من اعتبر ذلك في أمر الدنيا ، فقال : معناه : إن نصركم الله في الدنيا بموافقتكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا غالب لكم ، وإن لم ينصركم فلا ناصر (٢) لكم (٣). وحمله على الأول يدخل فيه الثاني ، فإن من نصر في آخرته فهو في الدنيا منصور ، وإن لم يدرك نصرته إلا بالبصيرة دون البصر ، وحمله على الثاني قد ينفك من نصرة الآخرة ، وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)(٤) أمرهم بالتوكل عليه ، كما أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الآية الأولى (٥) ، وأن يستجلبوا النصرة منه بذلك.

__________________

(١) ذكر أبو حيان كلام الراغب هذا ، واختصره ، ولم ينسبه إليه. انظر : البحر المحيط (٣ / ٣٠٦).

(٢) تصحّفت في الأصل إلى (فالناصر). والصواب ما أثبته.

(٣) وهذا اختيار الطبري ، وهو ما حكاه عن ابن إسحاق ، وظاهر كلام المفسرين يدل على هذا القول ، لأنهم ربطوا ذلك بما حصل يوم بدر وأحد. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٤٧ ، ٣٤٨) ، والوسيط (١ / ٥١٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٢٥) ، والكشاف (١ / ٤٣٢ ، ٤٣٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٥٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٥) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٨٧) ، وروح المعاني (٤ / ١٠٨).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٠.

(٥) يشير إلى قوله تعالى في الآية السابقة : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩].

١٢٢

قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ ...)(١) الآية.

الغلول : تناول مال الغير بضرب من المكيدة ، وكثر استعماله في الغنيمة (٢) ، وسبب نزول ذلك ، قال ابن عباس : هو أن فقد قطيفة حمراء يوم بدر ، فقال بعض الناس : لعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخذها (٣) ، وقال الضحاك : هو عتاب لمن استحفظوا الثنيّة (٤) يوم

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٦١. ونصّها : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

(٢) انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٨٤) ، والمغرب ص (٣٤٣) ، وطلبة الطلبة ص (١٨٧) ، وفي الأخير تفسير الغلول بالخيانة في المغنم خاصة وقال الراغب في المفردات : «وأغلّ أي صار ذا إغلال أي خيانة ، وغلّ يغلّ : إذا خان» انظر : المفردات ص (٦١٠) ، وقال الفيروزآبادي : «وغلّ غلولا خان كأغلّ أو خاص بالفيء» انظر : القاموس المحيط مادة «غلّ» ص (١٣٤٣).

(٣) أخرجه أبو داود في سننه ، كتاب الحروف والقراءات ، رقم (٣٩٧١) ، والترمذي في سننه كتاب تفسير القرآن ، باب (٤) ومن سورة آل عمران ، رقم (٣٠٠٩) ، والطبري في جامع البيان (٧ / ٣٤٨) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٠٣). وأبو يعلى في المسند رقم (٢٦٥١) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (٥٦٠٢) ، وابن عدي في الكامل (٣ / ٩٤٢). وقال الترمذي : حسن غريب. وانظر صحيح الترمذي للشيخ للألباني رحمه‌الله (٢٤٠٧).

(٤) الثنيّة من الأرض كالمرتفع ، والثنية في الجبل كالعقبة فيه ، وقيل : هو الطريق العالي فيه. انظر : مجمل اللغة ص (١١٠) ، والنهاية في غريب الحديث (١ / ٢٢٦).

١٢٣

أحد ، حيث قال بعضهم : ربما يقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من / تناول شيئا فهو له» فنبقى بلا غنيمة (١) ، فعلى هذا يكون هذا القول ثناء عليه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال بعضهم : بل ذلك حثّ للنبي على التعفف ، وإن كان معلوما أنه لا يغلّ (٢) ، كقوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ)(٣) ومن قرأ يغلّ (٤) فقد قيل : نهي للناس أن ينسبوا ذلك إلى النبي

__________________

(١) روى الطبري قول الضحاك ولفظه : عن الضحاك : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ) يقول : ما كان لنبي أن يقسم لطائفة من أصحابه ويترك طائفة ، لكن يعدل ويأخذ في ذلك بأمر الله عزوجل ، ويحكم فيه بما أنزل الله. جامع البيان (٧ / ٣٥١) ، وأشار إليه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٠٣). وأما القول الذي ذكره الراغب فقد ذكره البغوي في معالم التنزيل (٢ / ١٢٦) ونسبه للكلبي ومقاتل. وكذلك ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٤٩٠) ، والنيسابوري في غرائب القرآن (٢ / ٣٠٠) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٠٦) ، ونسبه ابن عطية للنقاش في البحر المحيط (٣ / ٢٨٤).

(٢) ذكر الطبري أن هذا المعنى على قراءة من قرأ (يغل) بفتح الياء وضم الغين. قال : فتأويل قراءة من قرأ ذلك كذلك : ما ينبغي لنبيّ أن يكون غالّا ، بمعنى أنه ليس من أفعال الأنبياء خيانة أممهم. ثم روى هذا المعنى عن السدي ومجاهد ، واختاره. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٥٢ ـ ٣٥٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٩٩).

(٣) سورة الزمر ، الآية : ٦٥.

(٤) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ، ويعقوب برواية روح وزيد (أن يغلّ)

١٢٤

صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قولهم : أغللت فلانا (١). كقولهم : أكذبته ، وقرأ رجل بحضرة ابن عباس يغل فقال : بلى ويقتل. فكأنه حمله على الخبر ، ولم يرتض قراءته (٢) ، وقال الحسن : نهي أن يخونوه (٣) ، فإن قيل : فلم خصّه والخيانة معه ومع غيره مذمومة؟ قيل : قد قال بعض الناس : إن تخصيصه تعظيم له ، فإن الخيانة وإن كانت مستقبحة مع كل أحد ، فمع من يرشح لهداية الناس أقبح (٤) ،

__________________

ـ بفتح الياء وضم الغين. وقرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب برواية دويس (أن يغلّ) بضم الياء وفتح الغين. انظر : المبسوط ص (١٤٩) ، والغاية ص (٢١٩) ، والتلخيص ص (٢٣٧).

(١) أي نسبت إليه الغلول والكذب. انظر : غريب القرآن للسجستاني ص (٥٠٥) ، والحجة لأبي علي (٢ / ٣٩٦) ، وقال الماوردي : وأما قراءة من قرأ (ويغلّ) بضم الياء وفتح الغين ففيها قولان : أحدهما : يعني وما كان لنبي أن يتهمه أصحابه ويخوّنوه ...» النكت والعيون (١ / ٤٣٣) ، وانظر : معالم التنزيل (٢ / ١٢٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٥٤ ، ٢٥٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٩٨).

(٢) القارئ هو ابن مسعود رضي الله عنه. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٥٠) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٦).

(٣) رواه الطبري في جامع البيان (٧ / ٣٥٣) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٦٢) وعزاه للطبري وابن المنذر وسعيد بن منصور وعبد بن حميد.

(٤) قال النيسابوري : وفي تخصيصه بهذه الحرمة ، والخيانة محرمة على الإطلاق

١٢٥

وقال بعض الناس : إن ذلك في الحقيقة نهي عن الخيانة رأسا في كل ما أتى به النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الأحكام ، كقوله : (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ)(١). وقال بعض الناس : قراءة من قرأ ؛ يغلّ أولى (٢) ، لأن كل ما جاء في التنزيل من هذا النحو فمسند إلى الفاعل دون المفعول ، نحو (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ)(٣) ، وقوله : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ)(٤) وقوله : (وَمَنْ يَغْلُلْ) تعظيم للغلول ، وأنه لا انفكاك له من جزائه ، فكأنّ ما قد غلّه يصحبه ، وعلى هذا ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أعرفنّ رجلا يأتي بفرس له حمحمة» (٥) ، وعلى هذا ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أعرفن رجلا يأتي ببعير

__________________

ـ فوائد منها : أن المجنيّ عليه كلما كان أجلّ منصبا كانت الخيانة في حقه أفحش ، ومنها أنه لا يكاد يخفى عليه من قبل الوحي ، فكان فيه مع عذاب الآخرة فضيحة الدنيا ، ومنها أن المسلمين في ذلك الوقت كانوا في غاية الفقر ، فكانت تلك الخيانة وقتئذ أقبح. تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٩٩ ، ٣٠٠) ، وانظر : جامع البيان (٧ / ٣٥٥) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٥) ، والتفسير الكبير (٩ / ٥٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٥٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٦).

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٢٧.

(٢) انظر : جامع البيان (٧ / ٣٥٤).

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٧٩.

(٥) رواه البخاري في كتاب الجهاد ، باب «الغلول» رقم (٣٠٧٣) ، ومسلم في

١٢٦

قد غلّه له رغاء» (١) ، وعلى هذا ما حكي عن لقمان (٢) : (يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ)(٣) وقد تقدم الكلام في باقي الآية (٤).

قوله تعالى : (أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(٥) ...

__________________

ـ كتاب الإمارة ، باب «غلظ تحريم الغلول» رقم (١٨٣١) ، وأحمد في المسند (٢ / ٤٣٦). والحمحمة : صوت الفرس دون الصهيل. انظر : النهاية (١ / ٤٣٦).

(١) هذا جزء من الحديث السابق. والرغاء : صوت البعير يقال : رغا البعير والضبع والنعام رغاء بالضم : صوّتت فضجّت. القاموس ص (١٦٦٣).

(٢) هو لقمان الحكيم المذكور في القرآن ، والذي حملت إحدى سور القرآن اسمه. قيل : كان عبدا حبشيّا لرجل من بني إسرائيل ، فأعتقه وأعطاه مالا ، وكان في زمن داود عليه‌السلام. وقيل : كان حرّا واسمه لقمان بن باعوراء ، ذكر بعض أهل العلم أنه كان نبيّا. قال ابن كثير : «والمشهور عن الجمهور أنه كان حكيما ولم يكن نبيّا» البداية والنهاية (٢ / ١١٤).

وانظر : البحر المحيط (٧ / ١٨١).

(٣) سورة لقمان ، الآية : ١٦.

(٤) وذلك عند تفسيره لقوله تعالى : (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [البقرة : ٢٨١] ، انظر : تفسير الراغب (ق ١٩٢ ـ مخطوط).

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٢.

١٢٧

قرئ : رضوان (١) ، وهما مصدران نحو : كفران وحسبان (٢) ، وهو غاية الرضا (٣) ، وباء بكذا رجع به ، ومنه البواء في القصاص ، إذا كان فيه مرجوع فيمن قتل (٤) ، والسخط : حصول غضب يقتضي عقوبة ، وإذا استعمل في الله فبمعنى إيجابه العقوبة (٥) والغيظ

__________________

(١) قرأ عاصم وحده برواية أبي بكر (رضوان) بضم الراء في جميع القرآن إلا في سورة المائدة فإنه قرأ بالكسرة. وحجته أنه فرق بين الاسم والمصدر ، وذلك أن اسم خازن الجنة (رضوان) كما جاء في الحديث. و (رضوان) مصدر (رضي يرضى رضى ورضوانا). وقرأ الباقون بالكسر ، وحجتهم أن ذلك لغتان معروفتان ، يقال : (رضي يرضى رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا) والمصادر تأتي على فعلان وفعلان. انظر : حجة القراءات ص (١٥٧) ، والمبسوط ص (١٤١) ، والغاية ص (٢٠٩) ، وغاية الاختصار (٢ / ٤٤٦).

(٢) انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٨٦).

(٣) قال الراغب : «والرضوان : الرضا الكثير ، ولما كان أعظم الرضا رضا الله تعالى خصّ لفظ الرضوان في القرآن بما كان من الله تعالى». انظر : المفردات ص (٣٥٦) ، وتاج العروس (١٩ / ٤٦٣).

(٤) قال ابن فارس : «الباء والواو والهمزة أصلان : أحدهما : الرجوع إلى الشيء ، والثاني : تساوي الشيئين .. ومن الثاني قول العرب : إن فلانا لبواء لفلان إن قتل به كان كفؤا». انظر : معجم مقاييس اللغة ص (١٦٠) بتصرف يسير. والمفردات ص (١٥٨).

(٥) قال أبو هلال : «والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير ، يقال :

١٢٨

يقاربه ، الا أنه يقال إذا كان معه تغيّر منكر ، ولا يوصف به الله (١) ، والفرق بين المصير والمرجع : أن الرجوع هو انقلاب الشيء إلى حال كان عليها ، أو ما هو مقدّر تقديرها ، والمصير : التنقّل من حال إلى حال أخرى ، فهو أعمّ من الرجوع (٢) ، والقصد بالآية تبعيد ما بين الفريقين (٣) كقوله : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ)(٤).

قوله تعالى : (هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٥)

__________________

ـ سخط الأمير على الحاجب. ولا يقال : سخط الحاجب على الأمير».

انظر : الفروق ص (١٤١) ، والمفردات ص (٤٠٢).

(١) قال أبو هلال : «والغيظ يقرب من الغمّ». انظر : الفروق ص (١٤١) ، والمفردات ص (٦١٩).

(٢) انظر : معجم مقاييس اللغة ص (٤٤٣) ، (٥٨٣) ، وقال الكفوي : المرجع : الرجوع إلى الموضع الذي كان فيه. والمصير : هو الرجوع إلى الموضع الذي لم يكن فيه. انظر : الكليات ص (٨٧١). المفردات ص (٣٤٢ ، ٤٩٩).

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ٣٦٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٣) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٠١) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠٠).

(٤) سورة الحشر ، الآية : ٢٠.

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٣.

١٢٩

قيل : هي صفة لمن اتبع رضوانه (١) ، وبيّن أنه كما أن من باء بسخط من الله مأواه جهنم ، فمن اتبع رضوانه هم ذوو درجات عند الله أي ثواب كبير ، والصحيح أنه قسّم الناس في الأولى قسمين : فائزا برضوانه وبائيا بسخطه ، وبيّن في هذه أن القسمين كل واحد بين البعض والبعض تفاوت (٢) ، وذاك أن الناس إذا اعتبروا فمن بين ملك مقرب ، كما قال : (إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ)(٣) ، وبين أخسّ بهيمة ، كما قال : (وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ)(٤) ، وما بينهما بحيث لا يمكننا حصره ، ولذلك قيل في المثل :

__________________

(١) وهذا القول منقول عن مجاهد والسدي وابن جبير وأبي صالح ومقاتل ، والمعنى أن من اتبع رضوان الله له منازل عند الله كريمة. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٦٧) ، والوسيط (١ / ٥١٦) ، وتفسير السمعاني (١ / ٣٧٥) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٧) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٨) ، وغرائب القرآن (٢ / ٣٠٢).

(٢) وهذا قول ابن عباس وابن إسحاق والحسن والكلبي واختاره الطبري.

انظر : جامع البيان (٧ / ٣٦٧) ، والوسيط (١ / ٥١٦) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٥) ، ومعاني التنزيل (٢ / ١٢٩) ، (٤ / ٢٦٣) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٠٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠٠).

(٣) سورة يوسف ، الآية : ٣١.

(٤) سورة المائدة ، الآية : ٦٠.

١٣٠

الناس أخياف (١) وشتّى في الشيم

وكلّهم يجمعهم بيت الأدم (٢)

ولتفاوت درجاتهم وتفاوت ثوابهم وعقابهم ما روي أن الجنة درجات والنار دركات (٣) ، ونبّه بقوله : (وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ)(٤) ، أنه لا يخفى عليه ما يتحرّاه كل واحد ، فإذن

__________________

(١) أخياف : أي مختلفون. انظر : مختار الصحاح ص (١٩٥).

(٢) هذا الرجز في عيون الأخبار (٢ / ٤) ، وهو من شواهد اللسان مادة «أدم» (١٢ / ١٣). وتفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن (١ / ٢٨).

(٣) يدلّ على درجات الجنة ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله» أخرجه البخاري في كتاب الجهاد ، باب «درجات المجاهدين في سبيل الله» رقم (٢٧٩٠) ، وروى أبو هريرة أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «في الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين مائة عام» أخرجه الترمذي في كتاب صفة الجنة ، باب «ما جاء في صفة درجات الجنة» رقم (٢٥٢٩) ، ورواه أحمد (٢ / ٣٣٥ ، ٢٩٢) ، والحاكم (١ / ٨٠) وقال الترمذي : حسن صحيح. وأما دركات النار فيدل عليها قوله تعالى : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) [النساء ، ١٤٥] وما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهون أهل النار عذابا أبو طالب ، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» أخرجه مسلم في كتاب الإيمان ، باب «أهون أهل النار عذابا» رقم (٢١٢).

وفي حديث العباس أنه قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك ، فهل نفعه ذلك؟ قال : «نعم! وجدته في غمرات من النار ، فأخرجته إلى ضحضاح».

رواه مسلم ، كتاب الإيمان ، باب «شفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي طالب» رقم (٢٠٩).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٣.

١٣١

يقف كلّ موقفه الذي يستحقه.

قوله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ...)(١) الآية.

المنّة : / استكبار النعمة بالفعل أو بالقول (٢) ، فأما بالفعل فحسن ، وأما بالقول فما لم يكن فيه وعظ ممن له الوعظ فمستقبح (٣) ، ولذلك قيل : المنّة تهدم الصنيعة (٤) ، وقوله :

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٤. ونصّها : (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

(٢) قال الخليل : «المن : الإحسان الذي تمن به على من لا يستثنيه ، المنة الاسم».

انظر : العين (٨ / ٣٧٤). ونقل الأزهري عن الزجاج قال : جملة المنّ في اللغة : ما يمن الله به مما لا تعب فيه ولا نصب ... ومن صفات الله تعالى المنان ، ومعناه : المعطي ابتداء ، ولله المنة على عباده ، ولا منة لأحد منهم عليه ... والمنة : العطية. تهذيب اللغة (١٥ / ٤٧٠ ، ٤٧١) وانظر : مجمل اللغة ص (٦٥٠) ، والمفردات ص (٧٧٧ ، ٧٧٨) ، والقاموس (١٥٩٤).

(٣) فصّل الراغب مراده بهذا التقسم في المفردات ، فقال : والمنة : النعمة الثقيلة. ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منّ فلان على فلان ، إذا أثقله بالنعمة ... وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله. والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة. المفردات ص (٧٧٧).

(٤) انظر : أمثال أبي عبيد ص (٦٦) ، مجمع الأمثال (٢ / ٢٨٧) ، والمستقصى

١٣٢

(رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ)(١) ، وقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ)(٢) قيل : عنى من أهل بيتهم ومن العرب (٣) ، وقال بعضهم : ليس هذا بسائغ ، إذ لم يخصّ أهل بيته به ولا العرب خاصة ، بل هو مبعوث إلى العالمين ، فالوجه في قوله : (مِنْ أَنْفُسِكُمْ) أي من البشر (٤) ، وذاك أن كل ما أوجده الله في هذا العالم لا يأخذ نفعه إلا مما بينه وبين المأخوذ منه ملاءمة ما ، وذلك حكم مستمر في كل شيء ، فلما كان كذلك جعل الله تعالى الأنبياء المبعوثين إلى كافة البشر بشرا مثلهم في الخلقة والصورة ، وخصّهم بفضل قوة التمييز والمعرفة ، يأخذون من ملائكته وحيه ، ويولونهم ، ولو لا كونهم من جنسهم لما قدروا على أخذهم

__________________

ـ (١ / ٣٥٠) ، والمفردات ص (٧٧٧).

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٤.

(٢) سورة التوبة ، الآية : ١٢٨.

(٣) انظر : بحر العلوم (١ / ٣١٣) ، والوسيط (١ / ٥١٦) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٥ ، ٣٧٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٢٩) ، والكشاف (١ / ٤٣٥) ، وغرائب القرآن (٢ / ٣٠٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٩).

(٤) انظر : بحر العلوم (١ / ٣١٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٣) ، وغرائب القرآن (٢ / ٣٠٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٠٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠٠).

١٣٣

منهم ، ولهذا قال : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً)(١) ، فبيّن تعالى نعمته عليهم أن رشح لهم من سهل تناولهم منه ، وقوله : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) لم يعن تلاوة آيات القرآن فقط ، بل عنى بذلك (٢) تنبيههم على آيات الله في السموات والأرض ، وفي أنفسهم (٣) ، ولهذا حسن عطف قوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ) عليه ، وقد تقدم الفصل بين الكتاب والحكمة (٤) ، ومعنى التزكية (٥).

قوله تعالى : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ ...)(٦) الآية.

__________________

(١) سورة الأنعام ، الآية : ٩.

(٢) في الأصل : (ذلك) ، والصواب ما أثبته.

(٣) أغلب المفسرين على أن المراد تلاوة آيات القرآن ، ولم يذكروا غيرها. قال الطبري : أي يقرأ عليهم آي كتابه وتنزيله. جامع البيان (٧ / ٣٦٩) ، وقال ابن عطية : والآيات في هذه الآية يحتمل أن يراد بها القرآن ، ويحتمل أن يراد بها العلامات ، والأول أظهر. المحرر الوجيز (٣ / ٢٨٨) ، وقال القرطبي : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) ومعناه يقرأ ، والتلاوة : القراءة. الجامع (٤ / ٢٦٤). وقال ابن كثير : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ) يعني القرآن. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠١).

(٤) انظر : تفسير الراغب للآية ١٢٩ من سورة البقرة (ق ٩٨ ـ مخطوط).

(٥) انظر : تفسير الراغب للآية ١٥١ من سورة البقرة (ق ١٠٨ ـ مخطوط).

(٦) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٥. ونصّها : (أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ

١٣٤

دخل ألف الاستفهام على واو العطف (١) ليفيد مع الاستفهام تعلق ما (٢) بعده بما قبله ، وكذلك إذا قلت : أو كان كما تقول؟ إذا أردت بناء كلامك على كلام المخاطب (٣) ، وكان المسلمون قتلوا من المشركين يوم بدر سبعين ، وأسروا سبعين ، فلمّا كان يوم أحد ، وقتل جماعة من المسلمين تغيّر قلوب قوم ، فخاطبهم الله بذلك ، وعنى أنكم أنكرتم أن نالكم منهم شطر ما نالهم منكم ، وأخذتم تقولون : أنّى نالنا ذلك؟! فأجابهم الله بأن ذلك من عند أنفسكم ، فإن الله وعدكم أن ينصركم بشريطة أن تصبروا وتتقوا ،

__________________

ـ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(١) ذكر الزجاج أن الواو هنا هي واو النسق. انظر : معاني القرآن (١ / ٤٨٧) ، ورجح الأكثرون أنها واو العطف ، كما حكاه الراغب. قال ابن عطية : والواو في قوله : (أولما) عطف جملة على جملة. المحرر الوجيز (٣ / ٢٨٨).

وقال القرطبي : الألف للاستفهام والواو للعطف. الجامع (٤ / ٢٦٤) وانظر : البحر المحيط (٣ / ١١١) ، والدر المصون (٣ / ٤٧٣).

(٢) تصحفت (ما) في الأصل إلى (بما) ، والصواب ما أثبته.

(٣) قال الأخفش : «فهذه الألف ألف الاستفهام ، دخلت على واو العطف ، كأنه قال : صنعتم كذا وكذا ولمّا أصبتكم. ثم أدخل على الواو ألف الاستفهام». انظر : معاني القرآن (١ / ٢٢٠) ، وذكر ابن هشام : «أن همزة الاستفهام إذا كانت في جملة معطوفة بالواو أو بالفاء أو بثم قدمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التصدير». انظر : المغني ص (٢٢).

١٣٥

فخالفتم (١) ، وقد قيل : مخالفتهم أنهم دعوا إلى التحصّن بالمدينة فأبوا إلا (٢) الخروج (٣) ، وقيل لاختيارهم الفداء يوم بدر (٤) ، وقيل لمخالفة الرماة (٥) ، والأولى أن يكون عامّا في جميعها ، وهو

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٧ / ٣٧١) ، وبحر العلوم (١ / ٣١٣) ، والوسيط (١ / ٥١٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٦). ومعالم التنزيل (٢ / ٢٢٩) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٥).

(٢) في الأصل (إلى) والصواب ما أثبته.

(٣) وهذا مروي عن قتادة والربيع بن أنس والحسن وابن جريج ، انظر : جامع البيان (٧ / ٣٧٢ ، ٣٧٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٣٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٥) ، وحكاه أبو حيان عن الجمهور (٣ / ١١٢) وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠١).

(٤) وهذا مروي عن عبيدة السلماني وعمر بن الخطاب رضي الله عنه.

انظر : جامع البيان (٧ / ٣٧٥ ، ٣٧٦) ، والنكت والعيون (١ / ٤٣٥) ، والوسيط (١ / ٥١٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٧٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٢٩) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١١٢) ، ورجّحه ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٠١).

(٥) انظر : بحر العلوم (١ / ٣١٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٣٥) ، والوسيط (١ / ٥١٧) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٨٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١١٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠١).

١٣٦

إشارة إلى ما فصّله قبل بقوله : (حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ)(١) الآية ، إن قيل : ما وجه قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عقب هذه الآية؟ قيل : نبّه بذلك أن لم يصبكم ما أصابكم لوهن في دينكم أو ضعف في قدرة الله ، فكأنّه قيل : هو من عند أنفسكم ، لا من خلل دخل في أمره ، فإن الله على كل شيء قدير ، ومن كان هذه حاله فهو قادر على دفاعهم (٢).

قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ)(٣) الآية.

دخول الفاء في قوله : (فَبِإِذْنِ اللهِ) لتضمّن الذي (٤) معنى الشرط (٥) ، كأنّه قيل : إن أصابتكم مصيبة فإصابتها بإذن الله ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٥٢.

(٢) ذكر أبو حيان نفس المعنى في البحر المحيط (٣ / ١١٢) ولم ينسبه للراغب.

(٣) سورة آل عمران ، الآيتان : ١٦٦ ، ١٦٧. ونصّهما : (وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ).

(٤) انظر : معاني القرآن للأخفش (١ / ٢٢٠).

(٥) قال السمين الحلبي : «ودخلت الفاء في الخبر لشبه المبتدأ بالشرط». الدر المصون (٣ / ٤٧٤) ، وانظر : المحرر الوجيز (٣ / ٢٨٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٥). والفتوحات الإلهية (١ / ٣٣٣) وانظر تفصيل أحكام دخول الفاء في خبر المبتدأ وجواب الشرط في : تسهيل الفوائد (١ / ٢٣٦) ، وشرحه لابن مالك (١ / ٣٢٨).

١٣٧

وقد أصابتكم ، فإذا كان بإذن الله (١) ، وأصل الإذن العلم بالشيء من أذنت له ، أي استمعت إليه فعلمته (٢) ، ثم يقال في التعارف لمن لا يمنع من فعل شيء مع العلم به ، والقدرة عليه على منعه ، سواء أمر به أو لم يأمر : فعل كذا بإذنه (٣) ، فإذا حمل على العلم فنحو قوله : (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها)(٤) وإذا حمل على الأمر فليس يعني أنه أمر الكفار بذلك ، وإنما عنى أنه أمر الملائكة المذكورين في قوله : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً)(٥) إن قيل : وإذا

__________________

(١) قال ابن عطية : «... فيحسن دخول الفاء إذا كان القيام سبب الإعطاء ، وكذلك ترتيب الآية فالمعنى إنما هو : وما أذن الله فيه فهو الذي أصاب ...» المحرر الوجيز (٣ / ٢٩٠).

(٢) قال ابن فارس : أذن له : إذا استمع ... وآذنتك بالشيء أعلمتكه ، وأذنت لك فيه. مجمل اللغة ص (٤٩).

(٣) وهذا ما عليه مذهب أهل السنة والجماعة في أن كل شيء يحدث في العالم إنما هو بقضاء الله وقدره ، سواء أكان مما يحبه الله أو مما يبغضه ، ولذلك فسرّ إماما التفسير ابن جرير الطبري وابن كثير الإذن في الآية بالقضاء والقدر أي المشيئة. انظر : جامع البيان (٧ / ٣٧٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٠١). وفي المعنى اللغوي انظر : تهذيب اللغة (١٥ / ١٦) ، والصحاح (٥ / ٢٠٦٨) ، ومعجم مقاييس اللغة ص (٦٧).

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ٥٩.

(٥) سورة النازعات ، الآية : ٥. والصحيح أن الإذن في الآية هو الإذن الكوني ، وهو يرجع إلى مشيئة الله تعالى وقضائه وقدره. قال ابن أبي العز :

١٣٨

حمل على الأمر فليس يعني العلم ، فكيف يصح وقد قال بعده : (وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ)(١) قيل : ليعلم المؤمنين أي ليحصل إيمان المؤمنين ، وقد تقدم حقيقة / ذلك (٢) ، ثم بيّن تعالى ما كان من ذنوبهم ، فقال : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا)(٣) أي استعملوا النفاق في أعمالهم. ولمّا قيل لهم إمّا أن تحاربوا أو تحضروا مكثّرين للسواد دافعين عن الحوزة (٤) ، قالوا مجيبين بما حكي عنهم ، وقول السدّي : ادفعوا بتكثير سوادنا إن لم تقاتلوا (٥) ، وقول غيره : رابطوا

__________________

ـ «فإن قيل : كيف يريد الله أمرا ولا يرضاه ولا يحبه ، وكيف يشاؤه ويكوّنه؟ وكيف يجتمع إرادته له وبغضه وكراهته؟ قيل : هذا السؤال هو الذي افترق الناس لأجله فرقا ، وتباينت طرقهم وأقوالهم. ثم قسّم رحمه‌الله المراد إلى نوعين : مراد لنفسه ، ومراد لغيره. فالمراد لنفسه مطلوب محبوب لذاته وما فيه من الخير ، والمراد لغيره قد لا يكون مقصودا للمريد ، ولا فيه مصلحة له بالنظر إلى ذاته ، وإن كان وسيلة إلى مقصوده ومراده ... فهو سبحانه يكره الشيء ، ولا ينافي ذلك إرادته لأجل غيره ، وكونه سببا إلى أمر هو أحبّ إليه من فوته» شرح العقيدة الطحاوية ص (٣٢٨). وانظر : جامع البيان (٧ / ٢٨٨).

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٦.

(٢) انظر : تفسير الآية : ١٤٢ ، والآية : ١٥٤ من سورة آل عمران.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٦٧.

(٤) الحوزة : الناحية ، وبيضة الملك. انظر القاموس ص (٦٥٥).

(٥) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٣٨٠) ، وذكره الماوردي في النكت والعيون (١ / ٤٣٥) ونسبه للسدي ، وابن جريج ، وابن الجوزي في

١٣٩

بالقيام على الجبل إن لم تقاتلوا (١) ، وقول غيرهما : احضروا موضع الحرب (٢). ليست بأقوال مختلفة في المعنى ، كما قدره بعض النقلة ، وإلا ذلك اختلاف عبارات وتعيين أمثلة لمقصد واحد ، وحمل بعض الصوفية ذلك على الجهاد فيقول : معناه إما أن تبلغوا منازل الصديقين في مجاهدة وإماتة الشهوات أو ادفعوها عن

__________________

ـ زاد المسير ، وزاد ابن عباس ، والحسن ، وعكرمة ، والضحاك. وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٠٢) وزاد أبا صالح. وانظر : معالم التنزيل (٢ / ١٣٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١١٤).

(١) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٣٨١) عن أبي عون الأنصاري. قال ابن عطية : «وهذا قريب من الأول ، ولا محالة أن المرابط مدافع ، لأنه لو لا مكان المرابطين في الثغور لجاءها العدو». المحرر الوجيز (٣ / ٢٩٠). وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٣٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٦٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١١٤).

(٢) ذكر ابن عطية في المحرر الوجيز (٣ / ٢٩٠) ، والقرطبي في الجامع (٤ / ٢٦٦) أن بعض المفسرين ذهبوا إلى أن قول عبد الله بن عمرو بن حرام : أو ادفعوا إنما هو استدعاء القتال حميّة ، لأنه دعاهم إلى القتال في سبيل الله ، وهو أن تكون كلمة الله هي العليا ، فلما رأى أنهم ليسوا أهل ذلك عرض عليهم الوجه الذي يحشمهم ويبعث الأنفة أي : أو قاتلوا دفاعا عن الحوزة. انظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٠٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١١٤).

١٤٠