تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

مفعول أحد الفاعلين (١) ، وإذا قرئ بالياء (٢) ، فكذلك ، ويكون بتقديره : لا تحسبنّ أنفسهم كذلك ، والآية قيل : نزلت في قوم دخلوا على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنافقوه ، فلمّا خرجوا ، أثنى عليهم بعض الناس ففرحوا بذلك (٣) ، وقيل : نزلت في الذين كتموا أمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وادّعوا علما وعبادة أثنى عليهم بها قومهم (٤) ، وقيل : نزلت

__________________

ـ الجنى الداني ص (١٤٣) ، والمغني ص (٤٤٤).

(١) انظر : الحجة للفارسي (٢ / ٤٠٠ ـ ٤٠٤).

(٢) قرأ عاصم وحمزة والكسائي (لا تحسبن الذين يفرحون ... فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب) بالتاء ، وقرأ الباقون (لا يحسبن) ، وقرأ ابن كثير وأبو عمر : (فلا يحسبنّهم) ، وقرأ الباقون (تحسبنهم) ، انظر : حجة القراءات ص (١٨٦ ، ١٨٧) ، والمبسوط ص (١٤٩) ، والغاية ص (٢٢٠) ، والنشر (٢ / ٢٤٤).

(٣) رواه الطبري في جامع البيان (٧ / ٤٦٧) وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٣٩) ، والواحدي في أسباب النزول ص (١١٦). ورواه البخاري في كتاب التفسير ، باب : (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) رقم (٤٥٦٨). ورواه مسلم في كتاب صفة المنافقين وأحكامهم رقم (٢٧٧٨). ورواه الإمام أحمد في المسند (١ / ٢٩٨) ، والترمذي في التفسير رقم (٣٠١٤) وقال : حسن صحيح غريب ، والنسائي في الكبرى في التفسير (١٠٦) والطبراني في الكبير رقم (١٠٧٣٠) ، ورواه الحاكم (١ / ٢٩٢) وصححه ووافقه الذهبي.

(٤) رواه الطبري في جامع البيان (٧ / ٤٦٧ ، ٤٦٨) عن الضحاك والسدي ، ـ

٢٠١

في المنافقين المتخلفين عن الجهاد ، المدعين دعاوى يحبّون أن يحمدوا عليها (١) ، وكيف ما كان. فالآية عامة في النهي عن الرياء والتشبّع (٢) ، والذمّ لمن فعل خيرا ففرح به ، وإلحاق الوعيد بمن أحب أن يحمد بما لم يفعل ، وقد روي أنّ إبليس قال : إذا ظفرت من ابن آدم بثلاث لم أطالبه بغيرها : إذا أعجب بنفسه ،

__________________

ورواه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٢٨) ، ورواه عبد بن حميد في تفسيره المخطوط بهامش تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (ق ٩٧) ، وعبد الرزاق في تفسيره (١ / ١٤١ ، ١٤٢) وذكره ابن حجر في العجاب (٢ / ٨١٥) ، والسيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٩٢) وعزاه لابن جرير وعبد بن حميد.

(١) يشير الراغب إلى ما رواه البخاري في كتاب التفسير ، باب (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) رقم (٤٥٦٨) ، ومسلم في كتاب صفات المنافقين رقم (٢٧٧٨) ، والترمذي وقال : حسن صحيح غريب في كتاب التفسير رقم (٣٠١٤) من تفسير سورة آل عمران ، والطبري في جامع البيان (٧ / ٤٦٥) ، وابن أبي حاتم (٣ / ٨٣٩) ، وأحمد في المسند (١ / ٢٩٨) ، والحاكم في المستدرك (١ / ٢٩٢) وصححه ووافقه الذهبي ، وابن حبان رقم (٤٧٣٢) الإحسان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه «أن رجالا من المنافقين كانوا إذا خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الغزو تخلّفوا عنه ، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فإذا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الغزو اعتذروا إليه وحلفوا له ، وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، فنزلت». والأقوال الثلاثة متشابهة.

(٢) التشبع : أي التكثر بأكثر مما عنده ، يتجمّل بذلك ، كالذي يري أنه شبعان وليس كذلك ، ومن فعله فإنما يسخر من نفسه. انظر : النهاية (٢ / ٤٤١).

٢٠٢

واستكثر عمله ، وسرّ بمدحه بما لم يفعله (١).

إن قيل : فكيف قال عليه‌السلام : «من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن» (٢)؟ قيل : السرور بذلك محمود ، والفرح به مذموم ، وقد تقدّم الفرق بينهما (٣) ، وبين بقوله : (وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)(٤) مع أنّهم لا ينجون ، فإنهم يعذّبون عذابا أليما.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ

__________________

(١) ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص (٤٠) بلفظ : «إذا أعجبته نفسه ، واستكثر عمله ، ونسى ذنوبه».

(٢) رواه الحاكم في المستدرك (١ / ١٤) من حديث أبي أمامة. وقال : هذه الأحاديث صحيحة على شرط الشيخين ، ولم يعقّب عليه الذهبي. ورواه الترمذي رقم (٢١٦٥) كتاب الفتن ، باب ما جاء في لزوم الجماعة ، والحاكم (١ / ١١٤) ، وابن أبي عاصم في السنة ، رقم (٨٨) ، والخطيب في الفقيه والمتفقه رقم (٤٣٠) ، وأحمد (١ / ١٨) نحوه ، والنسائي في الكبرى ـ كتاب عشرة النساء ـ كما في التحفة (٨ / ٦٢) ، والبيهقي في الكبرى (٧ / ٩١) ، والقضاعي في مسند الشهاب (١ / ٢٤٩) رقم (٤٠٣) ، والبزار كما في البحر الزخّار رقم (١٦٦) ، وابن حبان رقم (٧٢٥٤) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب. وقال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

(٣) قال أبو هلال : السرور لا يكون إلا بما هو نفع أو لذة على الحقيقة ، وقد يكون الفرح بما ليس بنفع ولا لذة ...». انظر : الفروق ص (٢٩١).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٨٨.

٢٠٣

قَدِيرٌ)(١) أتبع تكذيبهم فيما قالوا : إن الله فقير. وتبكيتهم فيما فعلوه ، وما وعدهم به من العذاب بما أنبأ عن قدرته عزوجل وسعة ملكه ، وأن لا سبيل لهم إلى النجاة وإلى الخروج عن ملكه وسلطانه ، وهذا هو المعنى الذي تحرّاه النابغة (٢) بقوله :

فإنك كالليل الذي هو مدركي (٣)

 ...

لكن على الآية رونق الإلهية وتعميم الملك والقدرة بلا مثنويّة ، وإضافة الفعل إلى موجد الليل والنهار.

قول تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٤) الآية.

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٨٩.

(٢) النابغة الذبياني : هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، شاعر جاهلي من أصحاب المعلقات ، توفي سنة ١٨ قبل الهجرة. انظر : طبقات الشعراء ص (٤١) ، والشعر والشعراء (١ / ١٥٧) ، والمؤتلف والمختلف ص (٢٥٢) ، والأغاني (١١ / ٣).

(٣) هذا صدر بيت من بحر الطويل للنابغة الذبياني ، وتمامه :

فإنك كالليل الذي هو مدركي

وإن خلت أن المنتأى عنك واسع

انظر : ديوانه ص (٥٢) ، والكامل ص (٩٢٣) ، والشعر والشعراء (١ / ١٥٨).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٠. ونصّها : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ).

٢٠٤

نبّه تعالى أن التفكر في ذلك يدل على وحدانية الله تعالى ، وأن جميع هذه الأشياء لا تنفكّ من ثلاثة أضرب : إمّا موجود العين ، قائم الجوهر ، قابل للانتقال وتبدّل الأمكنة بأجزائه : كالسماء والنجوم ، وإمّا قابل للاستحالة والتغير بجملته وأجزائه ، وذلك كالأرض وما عليها ، وإمّا أن يكون مما لا بقاء له بحاله ، بل ينصرم ، ويقابله نظيره كالليل والنهار ، وقد ذكر ثلاثتها ، ونبّه على حدوثها ، لأن المتنقل لا ثبات له ، والمستحيل لا بقاء له ، وما كان هذا حاله فغير منفك من دلالة الحدث ، وما لم يخل من محدث / فمسخّر له ، ومحال أن يكون المسخّر المحدث أزليّا واجب الوجود (١) ، فإذن لا بد له من موجد يوجده ، وموجده (٢) واجب الوجود ، وذلك هو الباري تعالى (٣) ، (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ

__________________

(١) واجب الوجود : هو الذي يكون وجوده من ذاته ، ولا يحتاج إلى شيء أصلا. انظر : التعريفات ص (٢٦١).

(٢) في الأصل طمس على الأحرف الثلاثة الأولى من الكلمة ، وصورة ما بقي تدل على ما أثبته.

(٣) قال شارح الطحاوية : «... فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجب الوجود لذاته قطعا للتسلسل ، فإن نشاهد حدوث الحيوان والنبات والمعادن ، وحوادث الجو كالسحاب والمطر وغير ذلك ، وهذه الحوادث وغيرها ليست ممتنعة ، فإن الممتنع لا يوجد ، ولا واجبة الوجود بنفسها ، فإن واجب الوجود بنفسه لا يقبل العدم. شرح العقيدة الطحاوية (١ / ٧٦).

٢٠٥

وَالْأَرْضِ)(١) الآية ، ونبّه بقوله : (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ)(٢) أن من لم يكن ذا لبّ قلّ عناؤه في التفكّر فيها ، واللب هو اسم للعقل (٣) أزيل عنه الدرن (٤) ، وذاك أن العقل وإن كان أشرف مدرك من الأشياء فهو في الأصل كسيف حديد لم يطبع ولم يصقل ، فإذا تفقّد وتعهّد بالحكمة صار كسيف طبع ، فأزيل خبثه ، وشحذ حدّه ، وكل موضع يذكر الله تعالى فيه أجلّ مدرك لا يمكن إدراكه إلا بأجلّ مدرك ، قال بعض الصوفية : هذه المنزلة وإن خصّ بها أولوا الألباب فمنزلة الأنبياء والأولياء أشرف منها ، لأنهم ينظرون من خالق السموات والأرض إليها (٥) ، ولهذا قال لنبيه

__________________

(١) سورة الروم ، الآية : ٢٢.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٠.

(٣) انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٩٨) ، ومعاني القرآن للنحاس (١ / ٥٢٣) ، ومعجم مقاييس اللغة ص (٩٣٤) ، وفي الأصل فراغ وطمس بمقدار كلمة بين كلمتي (العقل) و (أزيل) مع استقامة المعنى بدونه.

(٤) انظر : مجمل اللغة ص (٦٢٩) ، والمفردات ص (٧٣٣).

(٥) الآية عامة تشمل الأنبياء والأولياء وغيرهم من ذوي العقول السليمة.

قال أبو حيان : «ومعنى (لآيات) : لعلامات واضحة على الصانع وباهر حكمته ، ولا يظهر ذلك إلا لذوي العقول ، ينظرون في ذلك بطريق الفكر والاستدلال لا كما تنظر البهائم» البحر المحيط (٣ / ١٤٥) ، فجعل الأولياء في منزلة فوق منزلة أولي الألباب ، وقرنهم بالأنبياء من

٢٠٦

صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)(١) ، وهذا الذي قاله صحيح ، فإن الإنسان يمكنه أن يعرف حكمة الصانع أولا بتدبر مصنوعه ، ومتى عرف حكمة الصانع حينئذ عرف مصنوعاته به ، فيصير ما كان دالّا مدلولا ، وما كان مدلولا دالّا ، وبهذا النظر قال من سئل : بم عرفت الله؟ فقال : به عرفت كل ما سواه (٢).

__________________

ـ حيث إنهم يتلقون عن الله مباشرة من غلو الصوفية. والقشيري نفسه ذكر عن أولي الألباب ما ذكره الراغب عن الأولياء ، فقال : «قوله تعالى : (لِأُولِي الْأَلْبابِ) أولو الألباب الذين صحّت عقولهم عن سكر الغفلة ، وأمارة من كان كذلك ، أن يكون نظره بالحق ، فإذا نظر من الحق إلى الحق استقام نظره ، وإذا نظر من الخلق إلى الحق انتكست نعمته ، وانقلبت أفكاره مورّثة للشبهة» لطائف الإشارات (١ / ٣١٦). وانظر : قضايا هامة في الولي والولاية ، ص (٣٥٩) من الرسالة القشيرية. وص (٢٣٨ ، ٢٤١ ، ٢٤٨) من قطر الولي على حديث الولي للشوكاني.

(١) سورة الفرقان ، الآية : ٤٥.

(٢) ولهذا كان الإقرار بتوحيد الربوبية وأن الله تعالى خالق كل شيء ، وأنه ليس للعالم صانعان متكافئان متفقا عليه بين جميع الطوائف ، وهذا التوحيد لم يذهب إلى نقيضه طائفة معروفة من بني آدم ، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات ، كما قالت الرسل : (أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [إبراهيم : ١٠].

انظر : شرح العقيدة الطحاوية (١ / ٢٥ ، ٢٦).

٢٠٧

قوله تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ ...)(١) الآية.

الذّكر : ذكر باللسان ، وذكر بالقلب (٢). وذكر القلب ذكران : ذكر عن نسيان ، وهو إعادة ما انحذف عن الحفظ ، وذلك هو التذكر في الحقيقة ، وذكر هو إدامة مراعاة ما ثبت في الحفظ (٣) ، وقوله : (وَعَلى جُنُوبِهِمْ)(٤) عبارة عن حال الاضطجاع ، وعلى ذلك قوله : (وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً)(٥) فمن حمل الآية على الصلاة ، وقال : معناه لا يخلون بها في شيء من أحوالهم قائمين إذا قدروا ، قاعدين إذا عجزوا ،

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١. ونصّها : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ).

(٢) قال ابن القيم : «والذكر عبودية القلب واللسان ، وهي غير مؤقتة» مدارج السالكين (٢ / ٤٤٠).

(٣) وهذا ضد الغفلة ، وقد أشار إلى هذين النوعين الهروي في منازل السائرين قال : «والذكر هو التخلص من الغفلة والنسيان». قال ابن القيم : «والفرق بين الغفلة والنسيان أن الغفلة ترك باختيار الغافل ، والنسيان ترك بغير اختياره» انظر : مدارج السالكين (٢ / ٤٥١ ، ٤٥٢).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.

(٥) سورة يونس ، الآية : ١٢. وانظر : جامع البيان (٧ / ٤٧٥).

٢٠٨

وعلى جنوبهم إذا مرضوا (١). وقد روي في ذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لسهل بن حنيف (٢) : «صلّ قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب» ، ثم تلا الآية (٣) ، ومنهم من جعله أعمّ من

__________________

(١) ذكر أبو حيان أن هذا قول ابن عباس وجماعة. انظر : البحر المحيط (٣ / ١٤٥) ، وروى ابن أبي حاتم عن ابن مسعود ما يدل على ذلك في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٤٠). وانظر : الوسيط (١ / ٥٣٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٥٢) ، وزاد علي بن أبي طالب والنخعي ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣١٩) ، ونسب القرطبي هذا القول للحسن وجماعة ، انظر : الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٣١١) قال القرطبي : «وإذا كانت الآية في الصلاة ففقهها أن الإنسان يصلي قائما ، فإن لم يستطع فقاعدا ، فإن لم يستطع فعلى جنبه ...». وانظر : الدر المنثور (٢ / ١٩٤).

(٢) الصواب أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ذلك لعمران بن حصين. وسهل بن حنيف هو ابن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن مجدعة بن الحارث الأوسي الأنصاري أبو ثابت ، ويقال : أبو سعيد المدني ، صحابي مشهور ، شهد بدرا والمشاهد كلها ، وبايع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم أحد على الموت ، استخلفه عليّ على البصرة ، وولّاه فارس ، وصلى عليه حين مات سنة ٣٨ ه‍. انظر : الإصابة (٣ / ١٦٥) ، وتقريب التهذيب ص (٢٥٧).

(٣) رواه البخاري ، كتاب تقصير الصلاة ، باب «إذا لم يطق قاعدا صلى على جنب» رقم (١١١٧). ورواه أبو داود كتاب الصلاة ، باب «في صلاة القاعد» رقم (٩٥٢) ، والترمذي كتاب الصلاة ، باب «ما جاء على أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم» رقم (٣٧٢) ، وابن ماجه

٢٠٩

ذلك ، وقال : لا ينفكون من ذكر الله في جميع أحوالهم (١) ، كقولك : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ)(٢) ، ومنهم من جعله أعمّ من ذلك أيضا ، وقال : معناه لا يتحرّون بجميع أفعالهم إلا وجهه (٣) ، وبيان ذلك أن مباحات أولياء الله كلها قرب يستحق بها الثواب ، وذاك أنهم لا يأكلون ولا ينامون إلا وقت الضرورة ، ومقدار ما يستعينون به على العبادة ، وما لا تتم عبادتهم إلا به فذاك واجب كوجوبها. وذلك قوله (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ)(٤) إشارة إلى ما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تفكّروا في

__________________

ـ كتاب إقامة الصلاة ، باب «ما جاء في صلاة المريض» ، وأحمد في المسند (٤ / ٤٢٦) ، وابن خزيمة رقم (٩٧٩ ، ١٢٥٠) ، والدارقطني (١ / ٣٨٠) ، والبيهقي (٢ / ٣٠٤) ، والبغوي رقم (٩٨٣) ، وليس فيه أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ الآية.

(١) هذا قول مجاهد وقتادة وابن جريج. انظر : جامع البيان (٧ / ٤٧٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٤٢). وانظر : بحر العلوم (١ / ٣٢٣).

(٢) سورة النور ، الآية : ٣٧.

(٣) قال السمعاني : «وقيل معناه : الذين يوحّدون الله على كل حال». تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٨٨). وقال القشيري : «استغرق الذكر جميع أوقاتهم ، فإن قاموا فبذكره ، وإن قعدوا أو ناموا أو سجدوا ، فجملة أحوالهم مستهلكة في حقائق الذكر. لطائف الإشارات (١ / ٣١٦).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.

٢١٠

آلاء الله ، ولا تفكّروا في الله» (١) ، وقوله : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(٢) أي يقولون (٣) وليس يعني بذلك القول من دون العلم ، فإن ذلك إقامة شهادة ، ومن شهد بشيء وهو على ما شهد به ، لكن لا يعلم كونه كذلك فشهادته مردودة بدلالة قوله : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٤) ، ومن عرف حقيقة ذلك وأقام هذه الشهادة فكأنهم شهدوا الله وهو يخلق

__________________

(١) رواه الطبراني في الأوسط رقم (٦٣١٩) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٤٢) ، اللالكائي في السنة (٢ / ١٥٢٥) ، وابن عدي في الكامل (٧ / ٢٥٥٦) ، ورمز السيوطي لضعفه في الجامع الصغير. وقال العراقي في تخريج الإحياء (٤ / ٣٦١) : فيه نظر : ورواه البيهقي في الأسماء والصفات ص (٥٣٠) وأبو الشيخ في العظمة رقم (٢) نحوه. ورجح الحافظ في فتح الباري (١٣ / ٣٨٣) وقفه ، وقال : سنده جيد. أي الموقوف. والحديث عزاه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٩٤ ، ١٩٥) إلى ما تقدم ، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في «التفكّر» والأصفهاني في الترغيب والترهيب. وقال السخاوي في المقاصد الحسنة ص (٢٦١) : وأسانيده ضعيفة ، لكن اجتماعها يكتسب قوة.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.

(٣) قال أبو جعفر : «قائلين. فترك ذكر «قائلين» إذا كان فيما ظهر من الكلام دلالة عليه». انظر : جامع البيان (٧ / ٤٧٦). والبحر المحيط (٣ / ١٤٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤١٥).

(٤) سورة الزخرف ، الآية : ٨٦.

٢١١

السموات ، ولهذا قال تعالى في ذمّ الكفار حيث ثكلوا (١) هذه الفضيلة ، فقال : (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ)(٢) وفي قوله : (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً)(٣) تنبيه أنه قصد تعالى بخلق هذه الأشياء قصدا صحيحا (٤) ، وذلك ما قاله الحكماء أن القصد بخلق السموات والأرض إنّما هو الإنسان ، وإنّما خلق النبات والحيوانات قواما / له ، قال : (خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً)(٥) ، والقصد بخلق الإنسان أن يستخلفه في الأرض ، فيقوم بحق الخلافة ، ويبلغ بها إلى أعظم السعادة في جواره ، وعلى ذلك قال تعالى : (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا)(٦) ، فلما تحقق المتفكرون ما لأجله خلقت السموات والأرض ، وعرفوا مآلهم سبّحوه ، واستعاذوا

__________________

(١) ثكلوا : أي فقدوا. انظر : القاموس ص (١٢٥٧).

(٢) سورة الكهف ، الآية : ٥١.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٩١.

(٤) قال ابن كثير : «أي ما خلقت هذا الخلق عبثا ، بل بالحق ؛ لتجزي الذين أساؤوا بما عملوا ، وتجزي الذين أحسنوا بالحسنى ...» تفسير ابن كثير (١ / ١٤٥) ، وانظر : جامع البيان (٧ / ٤٦٧).

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢٩.

(٦) سورة ص ، الآية : ٢٧.

٢١٢

به من النار (١).

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ)(٢) ، يقال : خزي الرجل : إذا لحقه انكسار ، إمّا من نفسه بإفراط ، يقال في مصدره الخزاية ، وإمّا من غيره ، ويقال في مصدره الخزي (٣) ، وعلى هذا هان وذلّ ، متى كان ذلك من نفسه ، يقال له الهون والذّل ، ومتى كان من غيره يقال له الهوان والذّل (٤) ،

__________________

(١) أشار إلى هذا المعنى الألوسي بقوله : «ثم لما استغرقوا في بحار العظمة والجلال ـ وبلغوا هذا المبلغ الأعظم ، وتحققوا أن من قدر على ما ذكر من الإنشاء بلا مثال يحتذيه أو قانون ينتحيه ، واتصف بالقدرة الشاملة ، والحكمة الكاملة ، كان على إعادة من نطقت الكتب السماوية بإعادته أقدر ، وأن ذلك ليس إلا لحكمة باهرة ، هي جزاء المكلفين بحسب استحقاقهم المنوط بأعمالهم القلبية والقالبية ـ طلبوا النجاة مما يحيق بالمقصرين ويليق بالمخلين فقالوا : (فَقِنا عَذابَ النَّارِ). روح المعاني (٤ / ١٦٠ ، ١٦١).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٢.

(٣) قال ابن فارس : خزي الرجل : إذا استحيا من قبح فعله ، خزاية فهو خزيان. مجمل اللغة ص (٢١١). وانظر : المفردات ص (٢٨١).

(٤) ذكر الراغب في المفردات الشواهد على هذا التقسيم ، فقال : «الهوان على وجهين : أحدهما : تذلل الإنسان في نفسه لما لا يلحق به غضاضة فيمدح به نحو قوله : (وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) [الفرقان : ٦٣]. الثاني : أن يكون من جهة متسلط مستخفّ به فيذم به. وعلى الثاني

٢١٣

والآية من تمام الحكاية عن المتفكرين في خلق السموات والأرض.

قوله تعالى : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ)(١) الآية.

الأبرار جمع برّ وبارّ ، نحو جدّ وأجداد ، وصاحب وأصحاب ، وأصله من البرّ أي المكان الواسع (٢) ، فبرّه خوله برّا ، أي سعة ، ويقال للإنسان إذا أكرم من دونه وأكرمه من فوقه

__________________

ـ قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) [الأنعام : ٩٣] (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) [فصلت : ١٧] ...» المفردات ص (٨٤٨ ، ٨٤٩). وانظر : تهذيب اللغة (٦ / ٤٤١) ، (٧ / ٤٩٠). (١٤ / ٤٠٦) ، والفروق ص (٢٧٤ ـ ٢٧٥).

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٣. ونصها : (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ).

(٢) قال الزجاج : «وواحد الأبرار : بار. وأبرار مثل صاحب وأصحاب ، ويجوز أن يكون بر وأبرار على فعل وأفعال». انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٥٠١) ، وقال ابن منظور : والبرّ بالفتح : خلاف البحر ، والبرية : الصحراء ، نسبت إلى البر ... والبر : القفار. لسان العرب (٤ / ٥٤ ، ٥٥) وانظر : تهذيب اللغة (١٥ / ١٨٤ ، ١٨٥) ، ومعجم مقاييس اللغة ص (١٠٧) ، والمفردات ص (١١٤). وذكر الفيروزآبادي من معاني البر : الاتساع. انظر : القاموس ص (٤٤٤).

٢١٤

برّه (١) ، كما يقال فيهما : أحبّ ووالى ، والأبرار : هم الموصوفون بقوله : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)(٢) ، والمنادي للإيمان والداعي إليه : قد يكون العقل (٣) ، وكتابه المنزّل (٤) ، ورسوله المرسل (٥) ، وآياته الدالة ، وإن كان الأظهر في هذا الموضع أن يكون الرسول ، لقوله : (اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ)(٦) ، وقوله :

__________________

(١) قال ابن الأثير : والبرّ بالكسر : الإحسان.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١١٩.

(٣) لم أجد أحدا من المفسرين ذكر أن العقل هو المنادي.

(٤) هذا قول محمد بن كعب القرظي وقتادة واختاره ابن جرير الطبري.

انظر : جامع البيان (٧ / ٤٨٠ ، ٤٨١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٢) ، والوسيط (١ / ٥٣٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٨٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٥٣) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٣١٧) ، والبحر المحيط (٣ / ١٤٨).

(٥) وهذا قول أكثر المفسرين كما قال القرطبي في الجامع (٤ / ٣١٧) ، وهو قول ابن عباس وابن مسعود وابن جريج وابن زيد. انظر : جامع البيان (٧ / ٤٨١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٣) ، والوسيط (١ / ٥٣٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٨٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٥٣) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٤٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤١٥). وقد تكررت كلمة (المرسل) في الأصل مرتين.

(٦) سورة الأنفال ، الآية : ٢٤.

٢١٥

(أَنْ آمِنُوا) يعني أي آمنوا (١) ، أو بأن آمنوا (٢) ، إن قيل : فعلى أي وجه قال : (فَآمَنَّا؟) أعلى طريق الامتنان ، أو الإعلام. فإن كلّا مستشنع إيراده على الله تعالى؟ قيل : بل على طريق الامتثال ، وليس هذا إشارة إلى أنهم قالوه نطقا فقط ، بل إلى أنهم حققوه فعلا ، إن قيل : كيف جعل غفران الذنوب وتكفير السيئات قبل التوقّي؟ قيل : لأن تمام غفران الذنوب وتكفير السيئات أن يوفّق العبد في الدنيا لمرضاته ، ويحرسه عن تعاطي السيئات ، ليكتسب ما يترشح به لاستحقاق الثواب ، وقوله : (وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ)(٣) نحو ما حكى عن غيره في قوله : (تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي

__________________

(١) وعلى هذا تكون (أن) تفسيرية لا محل لها من الإعراب. انظر : إملاء ما منّ به الرحمن ص (١٦٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٤٨) ، والدر المصون (٣ / ٥٣٦). ويصح أن تكون مصدرية في موضع نصب على حذف حرف الجر. انظر : الفتوحات الإلهية (١ / ٣٤٧).

(٢) وعلى هذا تكون (أن) مصدرية ، ومثلها : كتبت إليه أن أفعل. وقوله تعالى : (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) [المؤمنون : ٢٧]. انظر : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٢٦) ، وإملا ما منّ به الرحمن ص (١٦٣) ، ومغني اللبيب ص (٥٢٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٣١٧) ، والبحر المحيط (٣ / ١٤٨) ، والدر المصون (٣ / ٥٣٦).

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٣.

٢١٦

بِالصَّالِحِينَ)(١) ، وفيه تنبيه أنهم لا يكرهون لقاء الله ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» (٢).

قوله تعالى : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا ...)(٣) الآية.

إن قيل : ما فائدة استنجاز وعده مع العلم بأنه لا يخلف؟

__________________

(١) سورة يوسف ، الآية : ١٠١.

(٢) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق ، باب «من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه» رقم (٦٥٠٧) ، ومسلم في كتاب الذكر والدعاء ، باب «من أحب لقاء الله» رقم (٢٦٨٣) ، والترمذي كتاب الجنائز ، باب «فيمن أحب لقاء الله» رقم (١٠٦٦) ، والنسائي كتاب الجنائز ، باب «فيمن أحب لقاء الله» رقم (٤ / ١٠). وأحمد في المسند (٥ / ٣١٦ ، ٣٢١) ، والطيالسي رقم (٥٧٤) ، والدارمي (٢ / ٧٠٨) ، والبزار رقم (٧٨٠) ، وابن حبان رقم (٣٠٠٩). من حديث عبادة بن الصامت. ورواه البخاري رقم (٦٥٠٧) تعليقا. ووصله مسلم في الذكر والدعاء رقم (٢٦٨٤) ، والترمذي وقال : حسن صحيح رقم (١٠٦٧) ، والنسائي (٤ / ١٠) كتاب الجنائز ، وابن ماجه في الزهد ، باب «ذكر الموت والاستعداد له» رقم (٤٢٦٤) ، وأخرجه أيضا أحمد (٦ / ٤٤ ، ٥٥ ، ٢٠٧ ، ٢٣٦) ، وابن حبان رقم (٣٠١٠) ، والبغوي رقم (١٤٥٠) ، والقضاعي في مسند الشهاب رقم (٤٣٠) من حديث عائشة رضي الله عنها.

(٣) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٤. ونصّها : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ).

٢١٧

قيل : إن وعده تعالى عباده على طريق الجملة ، نحو قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)(١) ، وليس هذا السؤال خوفا من إخلاف وعده ، ولكن سؤالا أن يرشحه لأن يكون من جملة من دخل في الوعد ، ولهذا قال : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) تنبيها أني لست أخشى خلف وعدك ، لكني أخشى أن لا أكون من جملة الموعودين (٢) ، وقد قيل ذلك هو على جهة العبادة (٣) ، وقد تقدّم أن ليس القصد التفوّه بذلك ، بل فعل ما يقتضيه ، وقوله : (عَلى رُسُلِكَ) أي على ألسنتهم ، وعلى ما وعدت بإجابتهم (٤).

__________________

(١) سورة الفتح ، الآية : ٢٩.

(٢) ذكر الطبري هذا التفسير عن قوم لم يعيّنهم. قال : «وقال آخرون بل ذلك قول من قائليه على معنى المسألة والدعاء لله بأن يجعلهم ممن آتاهم ما وعدهم من الكرامة على ألسن رسله ، لا أنهم كانوا قد استحقوا منزلة الكرامة عند الله من أنفسهم ، ثم سألوه أن يؤتيهم ما وعدهم بعد علمهم باستحقاقهم عند أنفسهم ...» جامع البيان (٧ / ٤٨٣ ، ٤٨٤).

(٣) قال أبو حيان : «وقيل : هذا السؤال جاء على سبيل الالتجاء إلى الله والتضرّع إليه ، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام يستغفرون مع علمهم أنهم مغفور لهم ، يقصدون بذلك التذلّل والتضرّع إليه والالتجاء» البحر المحيط (٣ / ١٤٩).

(٤) انظر : جامع البيان (٧ / ٤٨٥) ، والوسيط (١ / ٥٣٤) ، ومعالم التنزيل

٢١٨

قوله تعالى : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ ...)(١) الآية.

استجاب : أراد إجابتهم (٢) ، والاستجابة في الحقيقة غير الإجابة ، وإن كان يفهم منه ذلك ، وقول الشاعر :

وداع دعا بعد الهدوء من السرى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب (٣)

__________________

ـ (٢ / ١٥٣) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٤٩).

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٩٥. ونصها : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ).

(٢) الصواب أن (استجاب) هنا بمعنى أجاب ، وليست هناك ضرورة لهذا التأويل. وهو ما ذهب إليه أبو عبيدة في مجاز القرآن (١ / ١١٢) ، وأبو هلال في الفروق ص (٢٤٥). قال الطبري : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) يعنى تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين». وقال ابن عطية : «استجاب : استفعل بمعنى أجاب ...». وقال أبو حيان : «ومعنى استجاب : أجاب». وكذا قال ابن كثير. انظر : جامع البيان (٧ / ٤٨٦) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٢٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٣١٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٥٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤١٧).

(٣) هذا البيت من بحر الطويل لكعب بن سعد الغنوي. انظر : أمالي ابن الشجري (١ / ٦٢) ، والأصمعيّات (٩٦) ، ومجاز القرآن (١ / ٢٤٥) ، وشرح أبيات المغني للبغدادي (٥ / ١٦٧) ، وتفسير القرطبي (٤ / ٢٧٧).

٢١٩

فهو أبلغ من قولك : لم يجبه ، إذ فيه / تنبيه أنه تعالى لا يضيع عمل من لم يخرج عن الإيمان بشرك ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)(١) ، وذكر الذكر والأنثى ، فقد روي أنّ أمّ سلمة (٢) قالت : يا رسول الله ، ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء؟ فأنزل الله ذلك (٣) ،

__________________

ـ وذكر ابن عطية وابن كثير هذا البيت مع اختلاف في الشطر الأول حيث أورداه هكذا :

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وقد ذكر أن قوله : (فلم يستجبه) في هذا البيت بمعنى : فلم يجبه. انظر : المحرر الوجيز (٣ / ٣٢٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤١٧).

(١) سورة النساء ، الآية : ٤٨.

(٢) هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم القرشية المخزومية ، أم المؤمنين كانت ممن أسلم قديما وهاجرت إلى الحبشة ، تزوجها النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم سنة ٤ ه‍ بعد وفاة زوجها أبي سلمة ، توفيت سنة ٦٢ ه‍ في خلافة يزيد بن معاوية. انظر : سير أعلام النبلاء (٢ / ٢٠١) ، الإصابة (٨ / ٤٠٤) ، تهذيب التهذيب (١٢ / ٤٥٥) ، وتقريب التهذيب ص (٧٥٤).

(٣) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٤٨٦ ـ ٤٨٨) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٤٤) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ٩٩ ـ مخطوط) ، وسعيد بن منصور (٣ / ١١٣٦) ، والواحدي في أسباب النزول ص (١٣٩) ، والترمذي في كتاب التفسير ، باب «تفسير سورة

٢٢٠