تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وابن داود لم يتصوّر ما قاله الشافعي ، وذاك أنه لم يرد إلا ما أراد غيره من حقيقة المعنى ، وإنما تحرّى اشتقاق اللفظ ، ولم يرد بالعيال الأولاد ، وإنّما أراد النساء ، فقد يسمّى كل من تمونه العيال ، وإن لم يكن أولادا ، وأراد تعالى إن خفتم أن يكثر نساؤكم ، فتحتاجوا إلى تفقدهن بأمور تقصرون عنها ، ولا يكون في مراعاتها إقساط ، وهذا راجع إلى ما ذهب إليه الآخرون (١).

قول تعالى : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)(٢) الآية. فالنحلة : العطية التي لا يطلب بها عوض ، وأصله عندي من النحل ، فكأنّ نحلته : أعطيته عطية النحل ، وذلك ما قصده الحكماء من وصف النحل في أنه لا يضر بشيء ، وينفع أعظم نفع ، وكأنّه إلى ذلك أشار بقوله : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)(٣) الآية ، والنّحلة

__________________

(١) انظر قول الشافعي ومن صححه أو اعترض عليه في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٥٧) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٠) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٦ ، ٣٩٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٧ ، ١٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢١ ، ٢٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٧).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٤. ونصها : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً).

(٣) سورة النحل ، الآية : ٦٨.

٢٦١

أخصّ من الهبة ، إذ كل هبة نحلة ، وليس كل نحلة هبة (١) ، وسمّي الصداق بها من حيث لا يجب في مقابلته أكثر من تمتّع دون عوض مالي (٢). وقول قتادة وابن زيد : النّحلة : الفريضة (٣) ، فنظر منهم إلى حكم الآية ، لا إلى موضوع اللفظ والاشتقاق ، واقتضت إيجاب إيتائهن الصداق ، ثم حكمه وقدره قبل الدخول وبعده ، وقبل التسمية وبعدها ، فمأخوذ من غير الآية. ودلّ بقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ) أن لا يتحرّج الإنسان من قبول هبتها عن طيب نفس منها بها ، ودلّت الآية على أنه يجوز لها أن تهب صداقها إذا كانت بالغة ، خلافا لما قال مالك (٤) : إن ذلك

__________________

(١) انظر : الفروق ص (١٨٤ ، ١٨٥).

(٢) انظر : المفردات ص (٧٩٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥١) ، وفرّق ابن قتيبة بين النّحلة والهبة ، بأنّ الأولى لا تكون إلا عن طيب نفس. انظر : تفسير غريب القرآن ص (١٢٠) ، وانظر : مجاز القرآن (١ / ١١٧) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ١٢) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ١٧) ، وحياة الحيوان الكبرى (٢ / ٣٤٠) ، والأشباه والنظائر في النحو (٧ / ١٩).

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ٥٥٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥١) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ١٢) ، وذكره السمعاني في تفسير القرآن عن ابن عباس (١ / ٣٩٧) ، وكذلك أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٧٤) ، ذكره عن ابن عباس وابن جريج وابن زيد وقتادة.

(٤) أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك الأصبحي المدني ، إمام دار الهجرة ،

٢٦٢

إلى وليّها. وللأوزاعي (١) حيث قال : لا يجوز لها حتى تلد ، أو يحول عليها الحول في بيت زوجها ، ولليث بن سعد (٢) حيث قال : لا يجوز عتق ذات الزوج ولا هبتها ، إلا في / اليسير من غير إذن زوجها. وذكر عن شريح (٣) أن رجلا أتى بيّنة أن امرأته

__________________

ـ رأس المتقنين محدث كبير وفقيه شهير ، إليه ينسب المذهب المالكي ، وهو أول من صنف في تفسير القرآن بالإسناد على طريقة الموطأ ، ولد سنة ٩٣ ه‍ ، وتوفى سنة سنة ١٧٩ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٨ / ٤٨) ، وتهذيب التهذيب (١٠ / ٥) ، وتقريب التهذيب ص (٥١٦).

(١) أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الدمشقي ، ثقة جليل من السابعة ، ولد ببغداد وسكن دمشق ، وانتقل إلى بيروت فاستقر بها ، واشتهر بها جدّا حتى قصده الناس ، من فقهاء المحدثين ، توفي ببيروت سنة (١٥٧ ه‍). انظر : سير أعلام النبلاء (٧ / ١٠٧) ، وتهذيب التهذيب (٦ / ٢٣٨) ، وتقريب التهذيب ص (٣٤٧).

(٢) أبو الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن الحافظ الإمام ، ولد بمصر سنة ٩٤ ه‍ ، وتوفي بها سنة ١٧٥ ه‍ ، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور. انظر : سير أعلام النبلاء (٨ / ١٣٦) ، وتهذيب التهذيب (٨ / ٤٥٩) ، والتقريب ص (٤٦٤).

(٣) أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس الكوفي النخعي القاضي ، مخضرم ثقة ، وقيل : له صحبة ، استقضاه عمر على الكوفة ، ثم عثمان ، وأمّره علي ، وكان يقول له : أنت أقضى العرب ، ولّاه زياد بن أبيه قضاء البصرة ، توفي سنة ٧٢ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ١٠٠) ، والإصابة (٣ / ٢٧٠) ،

٢٦٣

أبرأته من صداقها (١) عن طيب نفس ، وأنكرت المرأة ذلك ، فقال شريح : هل رأيتم المال وقد دفع إليها؟ فقالوا : لا ، فقال : لو طابت نفسها لم ترجع فيه ، فلم يجزه (٢).

إن قيل : لم قال : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً)(٣) فأفرد وقال في الأخرى : (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً)(٤) فجمع؟ قيل : التمييز على ثلاثة أضرب : الأول : أن يدلّ ما قبله على عدد فلا يجمع ، نحو : عشرون درهما. والثاني : أن يشتبه ، فلا بد من جمع إذا أريد الجمع نحو قولهم : أفره القوم عبيدا. والثالث : أن يستوي الواحد والجمع لكونه معلوما منهما المعنى على حد ، نحو قولهم : فلان أحسن القوم عينا ، لأنه يعلم أن القوم لم يشتركوا

__________________

ـ وتقريب التهذيب ص (٢٦٥).

(١) في الأصل : (صدقاها) ، والصواب ما أثبته.

(٢) انظر : الخلاف في جواز هبة المرأة صداقها في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٥٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٤ ، ٢٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٦ ، ١٧٧). قال أبو حيان : «وظاهر الآية يدلّ على أن المرأة إذا وهبت لزوجها شيئا من صداقها طيبة بها نفسها ، غير مضطرة إلى ذلك بإلحاح أو شكاسة خلق أو سوء معاشرة ، فيجوز له أن يأخذ ذلك منها ويتملّكه وينتفع به ..» اه.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٤.

(٤) سورة الكهف ، الآية : ١٠٣.

٢٦٤

في عين واحدة ، والآية على هذا فلا يحتاج فيها إلى الجمع (١) ، والضمير في (مِنْهُ) راجع إلى مصدر (فَأْتُوهُنَ)(٢).

قوله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ)(٣) الآية. السفهاء قيل : النساء (٤) ، ...

__________________

(١) وجعل سيبويه وغيره ذلك من باب إطلاق المفرد وإرادة الجمع ، وساق مع الآية شواهد أخرى من كلام العرب. انظر : الكتاب (١ / ٢١٠) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٤٣٣) ، ومعاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٦) ، ورأيه قريب من رأي المؤلف في أنّ مثل هذا يجوز فيه الجمع والإفراد ، وأنّ المفرد هنا لم يرد به الجمع. وانظر : جامع البيان (٧ / ٥٥٨).

(٢) ذكر هذا التوجيه أبو حيان ونسبه للراغب ، وقال : ذكره ابن عطية.

انظر : المحرر الوجيز (٤ / ١٩) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٥) ، والتقدير على رأي المؤلف هنا : فإن طابت أنفسهن عن شيء من الإيتاء فكلوه.

وهذا لا يخلو من التكلّف ، لأن الإيتاء لا يؤكل. والأولى كما قال غيره أن الضمير راجع إلى الصداق المفهوم من قوله تعالى «صدقتهن» أو إلى المال لأن الصدقات مال. انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ١٢) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ١٧) ، واملاء ما منّ به الرحمن ص (١٧٤).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٥ ونصّها : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

(٤) وهذا مروي عن مجاهد ، والحسن ، والضحاك ، وعكرمة. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٦٤ ، ٥٦٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٣) ، وذكره الماوردي عن ابن عمر. انظر : النكت والعيون (١ / ٤٥٢).

٢٦٥

وقيل : الصبيان (١) ، ومنهم من اعتبر ذلك في كل من لم يكن حصيفا (٢) في تدبير المال (٣) ، ومنهم من اعتبر ذلك مع الحصافة في الدين ، وكلّ واحد أشار إلى بعض من يتناوله الاسم على سبيل المثال ، فمعلوم أنه لا يصحّ صرفها إلى النساء مفردات ، لقوله : (وَارْزُقُوهُمْ) والنهي عن إيتائهن المال على سبيل تفويض تدبير الأموال إليهن ، وقيل : على سبيل تمليكهن على وجه التمكين ، لا على نهي الإعطاء بقدر ما يحتاجون إليه ، وقال ابن جبير : معناه لا تعطوهم أموالهم. وإضافته إلى المخاطبين على اعتبار الجنس ، نحو قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)(٤) ، (٥) ونظر بعضهم نظرا آخر ، فقال : عنى

__________________

ـ وانظر : معالم التنزيل (٢ / ١٦٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٨).

(١) هذا القول مروي عن سعيد بن جبير ، والحسن ، وأبي مالك الأشجعي واسمه سعد بن طارق ، والزهري. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٦٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٢) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٨).

(٢) حصيفا : أي عاقلا حكيما. انظر القاموس ص (١٠٣٤).

(٣) وهذا قول أبي موسى الأشعري والطبري. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٦٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٧).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٥) انظر : جامع البيان (٦ / ٥٦٧ ، ٥٦٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي

٢٦٦

بالسفهاء الوارثين ، الذين يعلم من حالهم أن يتسفهوا في استعمال ما تناله أيديهم ، فنهى عن جميع المال الذي يرثه السفهاء (١) ، ونبّه بقوله : (الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) على الغرض الذي فصّله الحكماء من فائدة المال الموصل به إلى السعادة الحقيقة ، بل قد أبانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأوجز لفظ ، فقال : «من طلب الدنيا استعفافا عن المسألة ، وسعيا على أهله ، وتعطّفا على جاره ، بعثه الله ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن طلبها حلالا ، مكاثرا ، مفاخرا ، مرائيا ، لقي الله وهو عليه غضبان» (٢) ، والقيام يكون مصدرا واسما ، والقوام لا يكون إلا اسما (٣).

__________________

ـ حاتم (٣ / ٨٦٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٧).

(١) ذكر أبو حيان هذا القول في البحر المحيط (٣ / ١٧٧) ، ونقل كلام الراغب ولم ينسبه.

(٢) رواه البيهقي في شعب الإيمان (٧ / ٢٩٨) رقم (١٠٣٧٥) ، ورواه أبو نعيم في الحلية (٣ / ١١٠) ، و (٨ / ٢١٥) ، وقال : غريب من حديث مكحول. وضعفه العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (٢ / ٦١) ، وزاد عزوه إلى أبي الشيخ في كتاب «الثواب».

(٣) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٧ / ٥٦٨ ، ٥٦٩) ، وقال النّحاس : زعم الفرّاء والكسائي أن قياما مصدر. أي ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي تصلح بها أموركم ، فتقومون بها قياما. وقال الأخفش : المعنى : قائمة بأموركم ، يذهب إلى أنه جمع. وقيّما وقواما

٢٦٧

إن قيل : لم قال : «فيها» ولم يقل : منها. مع كون ذلك أظهر؟ قيل : قد ذكر بعضهم أن فيه تنبيها على ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ابتغوا في أموال اليتامى ، لا تأكلها الزكاة» (١) ، وأن المستحب أن يكون الإنفاق عليها من فضلاتها المكتسبة (٢) ، والقول المعروف متضمن للأمر بتأديبهم وإرشادهم ووعدهم الجميل ، الذي ذكره ابن جريج ، وقال : هو أن يقال له : إن رشدت مكنّاك من مالك (٣) ،

__________________

ـ عند الكسائي والفرّاء بمعنى قياما. وقال البصريون : قيم : جمع قيمة ، أي جعلها الله قيمة للأشياء. إعراب القرآن (١ / ٧٣٦ ، ٤٣٧) ، وقد نقل الأزهري كلام الفرّاء دون أن يعلق عليه. انظر : تهذيب اللغة (٩ / ٣٥٧).

وانظر : البحر المحيط (٣ / ١٧٨) ، وقال الراغب في المفردات ص (٦٩٠) : «والقيام والقوام اسم لما يقوم به الشيء ، أي يثبت كالعماد والسناد لما يعمد ويسند به». وانظر : العين (٥ / ٢٣٣) ، ومجاز القرآن (١ / ١١٧) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٠) ، وما قاله الراغب من أن القوام لا يكون إلّا اسما موافق لما في المراجع السابقة.

(١) رواه البيهقي في السنن (٤ / ١٠٧) ، كتاب الزكاة ، باب : من تجب عليه الصدقة. ورواه عبد الرزاق في المصنف (٤ / ٦٦) ، وضعفه الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» (٢ / ١٥٨) بالإرسال ، وكذا أعلّه البيهقي.

(٢) ذكر أبو حيان كلام الراغب في البحر المحيط (٣ / ١٧٨) ولم ينسبه إليه.

وانظر : الفتوحات الإلهية (١ / ٣٥٦).

(٣) هذا مروي عن ابن جريج ، ومجاهد ، وعطاء ، وابن زيد وهو قول الطبري.

انظر : جامع البيان (٧ / ٥٧٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٣) ، ومعالم

٢٦٨

وفيه المنع عن قهرهم ، وإليه ذهب مجاهد استدلالا بقوله تعالى : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ)(١). (٢)

قوله تعالى : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ)(٣) الآية. الإيناس فيما رئي مرّة بعد أخرى فأنس به (٤) ، وقد فسّره ابن عباس بالمعرفة (٥) ، والخليل فسّره بالإحساس (٦). والرشد ،

__________________

ـ التنزيل (٢ / ١٦٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٣) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٩) ، وروح المعاني (٤ / ٢٠٣).

(١) سورة الضحى ، الآية : ٩.

(٢) ذكره الرازي في التفسير الكبير (٩ / ١٥٢) ، والنيسابوري في تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٢) ، وهو محكيّ عن القفال ، ولم أجده منسوبا لمجاهد.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٦. ونص الآية : (وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً).

(٤) قال الراغب في المفردات ص (٩٤) : أي أبصرتم أنسابهم. وهو بمعنى قول عطاء : رأيتم. انظر : الوسيط (٢ / ١٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٠).

(٥) انظر : العين للخليل (٧ / ٣٠٨) ، وجامع البيان (٧ / ٥٧٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٧) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٠).

(٦) ذكره الجصاص عن الخليل في أحكام القرآن (٢ / ٦٣) ، وانظر : تفسير

٢٦٩

قال الحسن وقتادة : وهو الصلاح في الدين والإصلاح للمال (١). وقال مجاهد : هو الإصلاح للمال فقط (٢) ، وأمر تعالى بدفع المال إلى اليتامى بعد البلوغ وإيناس الرشد منهم ، وبعد الابتلاء ، وجعل / ذلك كلّه شرطا في تسليم المال إليه ، ومعلوم من الآية أن من دفع إليه المال ، ثم فقد منه الرشد أن يعاد الحجر (٣) عليه ، لأن الغرض بذلك حفظ ماله ، فلا فرق بين أن يكون المعنى الموجب للحجر ابتداء أو انتهاء (٤).

__________________

ـ غريب القرآن ص (١٢٠) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٥٤).

(١) ذكره الطبري عن الحسن وابن عباس في جامع البيان (٧ / ٥٧٦) ، وكذلك ذكر الماوردي في النكت (١ / ٤٥٣) ، وزاد الشافعي. وذكره القرطبي في الجامع (٥ / ٣٧) بلفظ : صلاحا في العقل والدين. وزاد ابن كثير على من تقدم سعيد بن جبير ، ثم قال : «وهكذا قال الفقهاء : إذا بلغ الغلام مصلحا لدينه وماله انفك الحجر عنه ، فيسلم إليه ماله الذي تحت وليه» تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٢٩).

(٢) الوارد أن مجاهدا فسرّ الرشد بصلاح العقل ، وإصلاح المال من علامات صلاح العقل. انظر : تفسير مجاهد ص (٢٦٧) ، وجامع البيان (٧ / ٥٧٦ ، ٥٧٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٧). أما من فسرّ الرشد بإصلاح المال فهو الضحاك ، كما ذكر القرطبي في الجامع (٥ / ٣٧) ، ونسبه ابن العربي في أحكام القرآن (١ / ٣٢٢) إلى الإمام مالك رحمه‌الله.

(٣) الحجر : هو المنع من التصرف. انظر المصباح المنير ص (٤٧).

(٤) انظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٢٣) ، والتفسير الكبير (٩ / ١٥٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٩ ، ٤٠) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٠).

٢٧٠

والآية تقتضي أنّ كلّ من حصل في يده مال لغيره لزمه حفظه له كمال المفقود ، ومال الفقراء في بيت المال ، واللّقطة (١) في يد الملتقط.

والابتلاء المراد في الآية ، قيل : هو حال الصغر بأن يدفع إليه قليل من المال ، فيرى حفظه له وتصرفه فيه (٢). وقيل : هو بأن يجرّب في أمور أخر (٣). وقيل : هو أن يختبر بعد البلوغ ، وسمّاهم يتامى استصحابا للحالة المتقدّمة (٤) ، وقوله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) أي متجاوزين حد القصد المباح لكم ، ومبادرة أن يكبروا ، فيمنعوا أموالهم (٥) ، وقوله : (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ،) قيل : لا يتناول

__________________

(١) اللّقطة : اسم للشيء الذي تجده ملقى فتأخذه. انظر المصباح المنير ص (٢١٢).

(٢) انظر : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٣٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٩).

(٣) كتدريبه على بعض الأعمال والصنائع ، وإذا كانت بنتا عهد إليها أمر البيت ، وكلفت ببعض الأعمال : كالغزل ورعاية الصغار وغير ذلك.

انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦١ ، ٦٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٩) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢٠١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٤٥).

(٤) قال السمعاني : «والصحيح أنه أراد به الاختبار قبل البلوغ». تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٨) ، وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦١).

(٥) انظر : مجاز القرآن (١ / ١١٧) وجامع البيان (٧ / ٥٧٩ ، ٥٨٠) حيث قال : «الإسراف : الإفراط».

٢٧١

منه شيئا ، (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) من مال نفسه لا من مال اليتيم ، لئلا يحتاج إلى مدّ اليد إلى ماله (١). وقيل : فليأكل بالمعروف من مال اليتيم (٢). وقيل : ذلك منسوخ بقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً)(٣) الآية (٤) ، وقال الأصمّ : فليأكل من مال اليتيم قرضا ، وإليه ذهب عمر ، فقال : إني في (٥) مال الله كوالي اليتيم ، إن استغنيت استعففت ، وإن افتقرت

__________________

(١) وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد وهو قول الحكم. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٨١ ، ٥٨٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٩) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦٤) ، والبحر المحيط (١ / ١٨١).

(٢) وهذا قول عمر وابن عباس وإبراهيم وعطاء والحسن وقتادة ، وعبيدة والشعبي وأبي العالية وابن جبير ، على خلاف بينهم هل يقضي ما أكله أم لا. وهو قول الفقهاء كما قال أبو حيان. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٨٢ ـ ٩٩٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٨ ـ ٨٧١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٤) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٧ ، ١٦٨) ، والبحر المحيط (١ / ١٨١).

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٠.

(٤) وهذا القول مروي عن ابن عباس ومجاهد. انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨١).

(٥) في الأصل : (من) والصواب ما أثبته.

٢٧٢

أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت (١). وقيل : يتناول الفقير الأقل من قدر حاجته (٢) ، أو قدر أجرة مثله (٣). وقيل : ليس لوالي اليتيم أن يتناول ذلك ، وإن تولى إصلاحه إلا بأمر من له الأمر ، وإليه ينصرف ما روي أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال : «نعم ، ما لم تق مالك بماله ، أو تتخذ

__________________

(١) وهو قول عمر وابن عباس والشعبي ومجاهد وأبي العالية وابن جبير.

انظر : جامع البيان (٧ / ٥٨٢ ـ ٥٨٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٩ ، ٨٧٠) ، وأحكام القرآن للجصاص (٣ / ٦٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٤) ، ومعالم التنزيل (١ / ١٦٨) ، والتفسير الكبير (٩ / ١٥٥ ، ١٥٦).

(٢) فمنهم من قال : يأكل ما يسدّ جوعه ، ويلبس ما يواري عورته ، وقال ابن عباس : يأكل بأطراف أصابعه. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٨٦ ، ٥٨٧) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٤) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٨) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤٢). وفي الأصل :

(قدر حاجة) والصواب ما أثبته.

(٣) وهذا مروي عن ابن عباس أنه إذا عمل لليتيم في إبله شرب من لبنها.

انظر : جامع البيان (٧ / ٥٨٨) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤٢) ، وقال أبو حيان (وَقالَتْ طائِفَةٌ) : المعروف أن يكون له أجر بقدر عمله وخدمته ، وهذه رواية عن الإمام أحمد». البحر المحيط (٣ / ١٨١). وردّ الطبري هذا القول. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٩٤ ، ٥٩٥).

٢٧٣

منه ذخرا» (١) ، وإلى نحوه صرف قوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(٢) ، والأمر بالإشهاد عليهم عند دفع أموالهم إليهم على سبيل الإيجاب (٣) ، وقوله : (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً ،) تنبيه منه تعالى أنه رقيب عليهم ، يعلم أسرارهم ، وأنه يحاسبهم على ما يكون منهم ، فليس للولي أن يخون ، ولا لليتيم أن يدعي ما ليس له.

قوله تعالى : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ)(٤) الآية.

__________________

(١) رواه الطبري في جامع البيان (٨ / ٥٩٠) عن قتادة مرسلا. وذكره الحافظ ابن حجر في الإصابة (١ / ٥٠٤) ، في ترجمة ثابت بن رفاعة ، ونسبه لابن منده ، وابن فتحون ، وقال : هذا مرسل رجاله ثقات. ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢١٦) للطبري وعبد بن حميد ، وثبت نحو هذا الحديث موصولا رواه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٦٨) وأبو داود كتاب الوصايا ، باب : ما جاء في ما لولي اليتيم أن ينال من مال اليتيم ، رقم (٢٨٧٢). ورواه ابن ماجه في الوصايا ، باب : في قوله : (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) رقم (٢٧١٨).

(٢) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٢.

(٣) وقيل على الاستحباب ، وظاهر الآية يدل على الوجوب. انظر : معالم التنزيل (٢ / ١٦٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤٤) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٠).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٧. ونص الآية : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً).

٢٧٤

المفروض : المقطوع بإيجابه (١) ، والفرض الحزّ في شية القوس (٢) ، والفرضة مقطع الماء ، إمّا اعتبارا بقطع الماء أو قطع الخصومة فيه (٣). وبعض الفقهاء فرّق بين الفرض والواجب ، فجعل الفرض أخصّ ، وقال : إنه يقتضي فارضا ، والواجب لا يقتضيه ، قال : ولذلك يقال : ثواب المطيعين واجب على الله ، ولا يقال : فرض عليه (٤) ، وروي أن العرب كانوا يورثون الذكور دون الإناث ، وقيل : كانوا لا يورّثون إلا من طعن من الرّمّاح (٥) دون المستضعفين من الولدان (٦) ، قيل : إن أوس بن

__________________

(١) قال ابن جرير في جامع البيان (٧ / ٥٩٧): «حصة مفروضة واجبة معلومة مؤقتة» وانظر : طلبة الطلبة ص (٣٣٧) ، والمغرب ص (٣٥٧).

(٢) شية القوس : لونه. انظر لسان العرب (١٥ / ٣٩٢).

(٣) انظر : العين (٧ / ٢٨) ، والجمهرة (٢ / ٣٦٥) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ١٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧١) ، والمفردات ص (٦٣٠).

(٤) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧١) ، ، والفروق ص (١٤٦) ، وقال ابن الأثير : «والفرض والواجب سيّان عند الشافعي ، والفرض آكد من الواجب عند أبي حنيفة». النهاية (٣ / ٤٣٢). وانظر : روح المعاني (٤ / ٢١١ ، ٢١٢).

(٥) الرّمّاح : جمع الرّمّاح بالفتح والتشديد ، الذي يتخذ الرّماح وصنعته الرّماحة بالكسر. انظر : مختار الصحاح (ص ٢٥٦).

(٦) وهذا مرويّ عن قتادة. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٩٨) ، (٨ / ٣١) وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٥) ، ـ

٢٧٥

ثابت (١) مات وخلّف بنات وابني عم ، فعمدا إلى المال وأخذاه ، فجاءت امرأة أوس ببناته إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأعلمته ذلك (٢) ، فأخبرها أن لا شيء لها ولا لهن. فأنزل الله تعالى الآية ، فبعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى ابني عم أوس ، فأمرهما أن لا يخرجا من المال شيئا ، ثم نزلت آية الميراث ، فقسّم المال عليهم (٣) ، فاستدل بهذه الآية أصحاب الإمام أبي حنيفة (٤) على توريث ذوي الأرحام. وقالوا : الأخوال والخالات وأولاد البنات من الأقربين (٥) ، وتعلّق بذلك أيضا من ورّث الإخوة مع الجد ، وكذلك من ورّث العامل والمماليك (٦).

__________________

(١) أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام الأنصاري ، أخو حسان بن ثابت شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، شهد بيعة العقبة الثانية وغزوة بدر ، واستشهد في أحد في السنة الثالثة من الهجرة. انظر : الاستيعاب (١ / ١١٨) ، وأسد الغابة (١ / ١٤٠) ، والإصابة (١ / ٣٩٣).

(٢) وهذا مروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعكرمة وابن زيد. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٩٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٢٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٠) ، والدر المنثور (٢ / ٢١٧).

(٣) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢١٧) وعزاه إلى أبي الشيخ.

(٤) النعمان بن ثابت الكوفي ، أبو حنيفة الإمام ، صاحب المذهب الحنفي ، فقيه مشهور من السادسة ، مات سنة خمسين على الصحيح وله سبعون سنة. انظر : التقريب ص (٥٦٣) والتهذيب (١٠ / ٤٤٩).

(٥) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٦٩ ، ٧٠) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٥).

(٦) انظر : مغني المحتاج للشربيني (٣ / ٢١) ، واللباب في شرح الكتاب للشيخ عبد الغني الغنيمي (٤ / ١٩٩) ، ونيل الأوطار للشوكاني (٦ / ٦٢).

٢٧٦

وقوله / : (نَصِيباً مَفْرُوضاً)(١) يقتضي خلاف من ورّث ذوي الأرحام ، إذ ليس لأحد منهم نصيب مفروض (٢) ، فإن قيل : لم أعيد ذكر النصيب؟ قيل : لما أراد أن يبين كون نصيبهم مفروضا أعاد الموصوف معه ، ليستبين أن المفروض هو النصيب لا غير (٣).

قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ)(٤) الآية. أراد بالقسمة المقسوم (٥) ، ولذلك (٦) : (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ) ردّ إلى المعنى ، واختلف في الآية على أقوال : الأول : أنه عنى من ليس بوارث من أولي القربى ، وذلك على الاستحباب ، فإما أن يعطوا ، أو

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٧.

(٢) ذكر ابن العربي أن هذه الآية «أفادت إجمال النصيب المفروض ، وبين الله سبحانه في آية المواريث خصوص القرابة ومقدار النصيب ، وكان نزول هذه الآية توطئة للحكم وإبطالا لذلك الرأي الفاسد ...». أحكام القرآن (١ / ٣٢٨).

(٣) قال ابن العربي : «ليس في الآية تعرض للقسمة ، وإنما اقتضت الآية وجوب الحظ والنصيب في التركة قليلا كان أو كثيرا .. فأما إبراز ذلك النصيب فيؤخذ من دليل آخر» ، أحكام القرآن (١ / ٣٢٨).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٨ ، ونص الآية : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً).

(٥) وقيل غير ذلك. انظر : البحر المحيط (٣ / ١٨٤).

(٦) أي ولذلك قال.

٢٧٧

يقال لهم قول معروف (١) ، وقيل : يجمع لهم بين الأمرين (٢). والثاني : قال مجاهد : هو واجب ، لكن يعطون على قدر ما تطيب به نفس الورثة ، إذ كانوا وارثين (٣) ، قال الحسن والنخعي (٤) : أدركنا الناس وهم يقسّمون على الأقارب واليتامى والمساكين من الورق (٥) والفضّة ، فإذا صاروا إلى الأرضين والرقيق ونحوها ، قالوا لهم قولا معروفا ، أي قالوا لهم : بورك فيكم (٦). الثالث : أن أولي القربى ضربان : وارث يعطى ، وغير وارث ، فيقال له قول معروف (٧). الرابع : يعطى الحاضر البالغ ، ويتحرّى في أمر

__________________

(١) وهذا مرويّ عن ابن عباس والشعبي والنخعي والزهري. انظر : جامع البيان (٨ / ٧ ـ ٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٢٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٦).

(٢) هذا مرويّ عن أبي العالية والحسن. انظر : جامع البيان (٨ / ١٤).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٠).

(٤) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبو عمران الكوفي الفقيه ثقة إلّا أنه يرسل كثيرا ، ولد سنة ٥٠ ه‍ وتوفي سنة ٩٦ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ٥٢٠) ، وتهذيب التهذيب (١ / ١٧٧) ، والتقريب ص (٩٥).

(٥) الورق : المال من الدراهم. انظر : المصباح المنير ص (٢٥١).

(٦) انظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٤).

(٧) وهذا مرويّ عن سعيد بن جبير. انظر : جامع البيان (٨ / ١٥ ، ١٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٤).

٢٧٨

الغائب والصغير قول معروف أي مصلحة (١). الخامس : قال زيد من أسلم : هذا شيء أمر به الموصي في الوقت الذي يوصي ، واستدلّ في ذلك بقوله بعد هذه الآية : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً) الآية (٢). السادس : أنّ ذلك كان في الورثة واجبا ، فنسخته آية الميراث (٣) ، والصحيح أنه ليس بمنسوخ (٤) ، وعلى ذلك قوله تعالى : (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ)(٥) ، ثم قال : (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً)(٦).

__________________

(١) وهذا مرويّ عن السدي. انظر : جامع البيان (٨ / ١٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٠) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٦).

(٢) ذكره الجصاص عن زيد بن أسلم في أحكام القرآن (٢ / ٧٢).

(٣) يروى هذا عن سعيد بن المسيب والضحاك وأبي مالك ، ورواية عن ابن عباس. انظر : جامع البيان (٨ / ٩ ، ١٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٥ ، ٨٧٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٢٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٥٦).

(٤) وهذا ما رجحه الطبري في جامع البيان (٨ / ١٢).

(٥) سورة الإسراء ، الآية : ٢٦.

(٦) سورة الإسراء ، الآية : ٢٨. قال ابن العربي : «وأكثر أقوال المفسرين أضغاث وآثار ضعاف. والصحيح أنها مبينة استحقاق الورثة لنصيبهم ،

٢٧٩

قوله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً)(١) الآية.

أصل السداد : إزالة الاختلال ، يقال : سددت الخرق. إذا ردمته ، والسّهم إذا قوّمته ، والفقر إذا أزلته ، والسّداد ما يسدّ به ، والسداد يقال في معنى الفاعل ، وفي معنى المفعول ، ورجل سديد متردد بين المعنيين ، فإنه مسدّد من قبل متبوعه ، ومسدّد لتابعه (٢) ، وفي الآية أقوال : الأول : أنه نهي للحاضرين عند الموصي أن يأمروه بما لا يجوز الوصية به (٣). والثاني : أنه نهي لهم أن يأمروه بترك

__________________

ـ واستحباب المشاركة لمن لا نصيب له منهم بأن يسهم لهم من التركة ، ويذكر لهم من القول ما يؤنّسهم وتطيب به نفوسهم ، وهذا محمول على الندب ..». انظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٢٩).

(١) سورة النساء ، الآية : ٩ ، ونص الآية : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً).

(٢) انظر : العين (٧ / ١٨٣) ، وإصلاح المنطق ص (١٠٥) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢١) ، والمفردات ص (٤٠٣) ، وأساس البلاغة ص (٢٠٦) ، والنهاية (٢ / ٣٥٢) ، ولسان العرب (٣ / ٢٠٧) ، وعمدة الحفاظ (٢ / ٢٠٩).

(٣) هذا القول مرويّ عن ابن عباس وقتادة والسدي وسعيد بن جبير ، والضحاك ومجاهد. انظر : جامع البيان (٨ / ١٩ ـ ٢١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٧٦ ، ٨٧٧) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧١) ،

٢٨٠