تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

غشيانهن ، فأنزل الله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(١) وظاهر ذلك يقتضي أن الزوجين إذا سبيا معا أو مفترقين أن النكاح يبطل ، كما قال مالك (٢) ، بخلاف ما قال أبو حنيفة حيث قال : إذا سبيا معا لا يبطل النكاح (٣) ، وظاهر الآية يقتضي أنه يصح وطؤها على كلّ حال ، وإنما علم وجوب استبرائها بالسنة ، وقال طاوس (٤) ...

__________________

(١) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٨ / ١٥٣) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩١٦) ، ومسلم في صحيحه ، كتاب الرضاع ، باب : «جواز وطء المسبية بعد الاستبراء» رقم (١٤٥٦) ، ورواه أبو داود في كتاب النكاح ، باب : «في وطء السبايا» رقم (٢١٥٥) ، ورواه الترمذي في كتاب النكاح ، باب : «ما جاء في الرجل يسبي الأمة ولها زوج هل يحلّ له أن يطأها» رقم (١١٣٢) ، وقال : حديث حسن. ورواه النسائي في كتاب النكاح ، باب : تأويل قول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساء) (٦ / ١١٠). وأحمد (٣ / ٧٢) ، وأبو يعلى (١١٤٨) ، والطحاوي في شرح «مشكل الآثار» رقم (٣٩٢٧ ، ٣٩٢٨).

(٢) حكاه الجصاص عن الشافعي كذلك. انظر : أحكام القرآن (٢ / ١٣٧).

(٣) وحكاه الجصاص كذلك عن أبي يوسف ومحمد وزفر ، قال : وهو قول الثوري. انظر : أحكام القرآن (٢ / ١٣٧).

(٤) أبو عبد الرحمن طاوس بن كيسان الخولاني الهمداني بالولاء ، ويقال : اسمه ذكوان وطاوس لقب ، من مشاهير التابعين في الزهد والفقه والحديث ، ثقة فقيه فاضل من الثالثة ، روى عن العبادلة الأربعة وأبي هريرة ، وعائشة ،

٣٤١

وابن المسيب (١) : القصد بالآية نهي عن الزنا. والمحصنات محرّمة على كل واحد منكم إلا امرأته المعقود عليها بالنكاح أو ملك اليمين ، فهذا معنى إلا ما ملكت أيمانكم (٢) ، ويكون هذا أمرا إنما مدح به في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ)(٣) ، وقوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٤) قيل : هو مصدر مؤكد من غير لفظ الأول (٥) ، وقيل : هو إغراء وحثّ والعامل فيه فعل مضمر (٦) ، وقال الكوفيون : هو إغراء

__________________

ـ ولد سنة ٣٣ ه‍ ، وتوفي سنة ١٠٦ ه‍. انظر : تهذيب التهذيب (٥ / ٨) ، وتقريب التهذيب ص (٢٨١).

(١) سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي ، أحد العلماء الأثبات الفقهاء الكبار ، جمع الحديث والفقه والزهد والورع ، قال ابن المديني : لا أعلم في التابعين أوسع علما منه ، من كبار الثانية. ولد لسنتين مضتا من خلافة عمر ومات سنة ٩٤ ه‍ وقيل سنة ٩١ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٤ / ٢١٧) ، وتهذيب التهذيب (٤ / ٨٤) ، والتقريب ص (٢٤١).

(٢) وهذا مرويّ عن مجاهد وابن عباس أيضا. انظر : جامع البيان (٨ / ١٦٠ ، ١٦١) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٢٢).

(٣) سورة المؤمنون ، الآيتان : ٥ ، ٦.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٤.

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ١٦٩) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٣).

(٦) أجازه النحاس في إعراب القرآن (١ / ٤٤٤).

٣٤٢

والعامل فيه عليكم ، كأنه قيل : عليكم كتاب الله (١) ، وعلى ذلك حملوا قوله :

يا أيها الماتح (٢) دلوي دونكا

إني رأيت الناس يحمدونكا (٣)

وقوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) قال السدي : ما وراء المذكورات (٤) ، ...

__________________

(١) انظر : معاني القرآن للكسائي (١١٣) ، ومعاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٠) ، وجامع البيان (٨ / ١٧٠ ، ١٧١) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣٦ ، ٣٧) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٥) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ٢٩٤) ، وقد ضعف الطبري والزجاج ومكي قول الكوفيين ، وأجازه الفرّاء لكنه جعله مرجوحا. وذهب أبو عبيدة في المجاز (١ / ١٢٢) إلى أنه مفعول مطلق لفعل محذوف أي (كتب الله ذلك عليكم)». وانظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٤).

(٢) الماتح : المستسقي. انظر لسان العرب (٢ / ٥٨٨).

(٣) هذا بيت من الرجز لشاعر جاهلي غير معروف ، وقيل لجارية من الأنصار. وهو في معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٠) ، وغريب الحديث لأبي عبيدة (١ / ٣٥) ، وتهذيب اللغة (٥ / ٢٧٩) ، وشرح المفصل لابن يعيش (١ / ١١٧) ، وخزانة الأدب للبغدادي (٦ / ٢٠٠) ، والإنصاف ص (٢٢٨).

(٤) المروي عن السدي أنه قال في قوله تعالى : وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ : ما دون الأربع. انظر : جامع البيان (٨ / ١٧١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٨) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٩). والمحرر الوجيز (٤ / ٧٩) ، أما ما ذكره المصنف فهو معنى قول السدي ، والمراد : ما وراء المذكورات في قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ.) وقد

٣٤٣

وقال عطاء : ما وراء ذات المحارم (١) ، قيل : والصحيح أن المراد ما وراء كل ما حرّم الله كتابا وسنة (٢) ، واختلف هل في قوله : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) نسخ؟ فقال بعضهم : نسخ منه بعضه (٣) بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ، ولا الصغرى على الكبرى ، ولا الكبرى على الصغرى» (٤) ، وقال بعضهم : لا نسخ

__________________

ـ ضعف أبو حيان هذا القول. انظر : البحر المحيط (٣ / ٢٢٣) ، وكذلك ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٤٩).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١٧٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٧٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٢٣) ، وصحح ابن كثير هذا القول في تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٤٩).

(٢) قال الجصاص : «هو عام فيما عدا المحرمات في الآية وفي سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم». أحكام القرآن (٢ / ١٣٩) ، وانظر : زاد المسير (٢ / ٥١).

(٣) قال ابن الجوزي : «وذهب طائفة إلى أن التحليل المذكور في الآية منسوخ بهذا الحديث». زاد المسير (٢ / ٥٢). وقال أبو حيان : ولا يعد هذا التخصيص نسخا للعموم ، خلافا لبعضهم ، وقد خصّص بعضهم هذا العموم بالأقارب من غير ذوات المحارم» البحر المحيط (٣ / ٢٢٣).

(٤) رواه البخاري في كتاب النكاح ، باب : «لا تنكح المرأة على عمتها» رقم (٥١٠٨). ورواه مسلم في كتاب النكاح ، باب : تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها رقم (١٤٠٨). وأبو داود في كتاب النكاح ، باب : ما يكره أن يجمع بينهن من النساء رقم (٢٠٦٥). والترمذي في كتاب النكاح ، باب : «ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» رقم (١١٢٦)

٣٤٤

فيه ، وإنما ذلك تخصيص للآية (١) ، وقيل : ولأنه لما حرم الجمع بين الأختين للنسب الذي بينهما نبّه على تحريم ذلك ، لأن إحداهما لو كانت ذكرا لم تحل له الأخرى من قبل النسب ، ولا ينتقض ذلك بأن يجمع الرجل بين المرأة وبين ابنة زوجها الأول ، وإن كانت إحداهما لو كانت ذكرا لم تحل له الأخرى ، لأن ذلك التحريم ليس من جهة النسب.

وقوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ)(٢) يقتضي أن لا بد من المهر سمّي / أو لم يسم في العقد (٣) ، واستدلّ أصحاب أبي حنيفة في أن لا يصح أن يجعل مهرا إلا ما وقع عليه اسم المال (٤) ، وعلى ذلك

__________________

ـ وقال : حسن صحيح. ورواه ابن ماجه في كتاب النكاح ، باب : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» رقم (١٦٢٩). ورواه ابن أبي شيبة (٤ / ٢٤٦) والدارمي (٢١٨٤) ، والنسائي في الكبرى (٣ / ٢٩٤) وابن الجارود رقم (٦٨٥) وأبو يعلى رقم (٦٦٤١) وابن حبان رقم (٤١١٧) والبيهقي (٧ / ١٦٦).

(١) قال ابن الجوزي : قال شيخنا علي بن عبيد الله : وعامة العلماء ذهبوا إلى أن قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) تحليل ورد بلفظ العموم ، وأنه عموم دخله التخصيص ، والمخصّص له : نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها ، وليس هذا على سبيل النسخ. زاد المسير (٢ / ٥٢). وانظر : البحر المحيط (٣ / ٢٢٣).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٤.

(٣) انظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٩).

(٤) نقل النيسابوري عن أبي حنيفة أنه قال : «لو تزوّج بها على تعليم سورة من

٣٤٥

قوله : (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً)(١) ، وقوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَ)(٢) كناية عن الدخول ، وأصله الانتفاع به (٣) ، وقوله : (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي مهورهن (٤).

وروي عن ابن عباس أنه حمل ذلك على متعة النساء ، وروي عنه أنه قال : نزل (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) (٥) ،

__________________

ـ القرآن ، لم يكن ذلك مهرا ، ولها مهر مثلها ، لأن الابتغاء بالمال شرط ، والمال اسم للأعيان لا للمنافع». تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩١) ، وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٤٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٧ ، ١٢٨).

(١) سورة النساء ، الآية : ٤.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٤.

(٣) قال الزجاج : «والمتاع في اللغة كلّ ما انتفع به فهو متاع. معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣٨). وقال الجصّاص : والاستمتاع هو الانتفاع ، وهو ههنا كناية عن الدخول ..» أحكام القرآن (٢ / ١٤٦). وانظر عمدة الحفاظ (٤ / ٧٢).

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ١٧٥) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣٨) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٩).

(٥) قال ابن كثير : «وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤون : «فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة» وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة ، ولكن الجمهور على خلاف ذلك». تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٩ ، ٤٥٠).

٣٤٦

وقال قتادة : كذلك هو في قراءة أبيّ (١) ، وحمل ذلك عامة الصحابة على النكاح (٢) ، وقد ورد في تحريم المتعة أخبار كثيرة ، ذكرها الفقهاء في كتبهم (٣) ، ونبّه بقوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ

__________________

(١) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٨ / ١٧٨). قال الطبري : وأما ما روي عن أبي بن كعب وابن عباس من قراءتهما «فما استمتعتم به إلى أجل مسمى» فقراءة بخلاف ما جاءت به مصاحف المسلمين ، وغير جائز لأحد أن يلحق في كتاب الله تعالى شيئا لم يأت به الخبر القاطع العذر عمن لا يجوز خلافه» جامع البيان (٨ / ١٧٩).

(٢) وهذا ثابت عن ابن عباس أيضا ومجاهد والحسن وابن زيد ـ عبد الرحمن ابن زيد بن أسلم ، ت ١٧٠ ه‍ ، والزهري. انظر : جامع البيان (٨ / ١٧٥ ، ١٧٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٩) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٤٨).

(٣) ذكر البغوي وابن كثير في تفسيريهما طرفا من هذه الأحاديث. انظر : معالم التنزيل (٢ / ١٩٣) ، وتفسير القرآن العظيم (١ / ٤٥٠). قال الزجاج : «هذه آية غلط فيها قوم غلطا عظيما جدّا لجهلهم باللغة ، وذلك أنهم ذهبوا إلى أن قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَ) من المتعة التي قد أجمع أهل الفقه أنها حرام» ، معاني القرآن (٢ / ٣٨). وقال البغوي : «ذهب عامة أهل العلم أن نكاح المتعة حرام» معالم التنزيل (٢ / ١٩٣). وقال أبو حيان : «واتفق على تحريمها فقهاء الأمصار» البحر المحيط (٣ / ٢٢٦). وقد ورد أن ابن عباس رضي الله عنه رجع عن القول بجواز المتعة. انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٤٨) ، وقال أبو حيان : والأصحّ عنه الرجوع

٣٤٧

بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ)(١) أن لا جناح في وضعه بعد التسمية وإعطائه إياها والزيادة فيه (٢).

قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً)(٣) الآية. الطول : سعة في العطية ، وهو أخصّ من النيل ، فإن النيل يقال في القليل والكثير ، والطّول لا يقال إلا فيما يزيد على غيره كالطول في أنه يقال اعتبارا بغيره (٤) ، وقال ابن عباس وعامة الصحابة : هو

__________________

ـ إلى تحريمها. البحر المحيط (٣ / ٢٢٦). وانظر : زاد المسير (٢ / ٥٣ ، ٥٤).

(١) سورة النساء ، الآية : ٢٤.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ١٨٠ ، ١٨١) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٥٥) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٩٤ ، ١٩٥) ، وزاد المسير (٢ / ٥٤ ، ٥٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٥).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٥ ونصّها : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

(٤) انظر : معاني الطول في : مجاز القرآن (١ / ١٢٣) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٤) ، وجامع البيان (٨ / ١٨٥) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ٦٢) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٤٠) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ١٧) ، والصحاح (٥ / ١٧٥٣) ، والمفردات ص (٥٣٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني

٣٤٨

الغنى (١) ، وذلك أن يجد من المال ما يجعله صداق حرة ، وإليه ذهب الثوري (٢) ، والشافعي (٣) ، وقوّى ذلك بما رواه جابر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من وجد ما يتزوج به حرّة فلا ينكح أمة» (٤) ، وقال أبو حنيفة : هو أن يكون تحته حرة (٥) ، وقال بعض الصحابة : هو أن يجد في قلبه غنى عنها بأن لا يهواها (٦) ، وحكي عن مالك :

__________________

ـ (١ / ٤١٥).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١٨٢ ، ١٨٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٢٠) ، وأحكام القرآن للجصّاص (٢ / ١٥٧).

(٢) أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، أمير المؤمنين في الحديث ، ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجة ، من رؤوس الطبقة السابعة ، ولد بالكوفة سنة ٩٧ ه‍ ، وتوفي بالبصرة سنة ١٦١ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٧ / ٢٢٩) ، وتهذيب التهذيب (٤ / ١١١) ، والتقريب ص (٢٤٤).

(٣) انظر : قول الشافعي في : التفسير الكبير (١٠ / ٤٧) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٤) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٢٩).

(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان عن الحسن مرسلا (١٨٧) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٥٤) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي شيبة والطبري عن الحسن مرفوعا. ولم أجده عن جابر مرفوعا.

(٥) انظر : التفسير الكبير (١٠ / ٤٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٦) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٥).

(٦) وهذا مروي عن ابن مسعود وجابر وعطاء والشعبي والنخعي وربيعة ، وهؤلاء فسرّوا (الطول) في الآية بمعنى الجلد والصبر لمن أحبّ أمة. انظر :

٣٤٩

لا بأس أن يتزوج الحرّة على الأمة ، والأمة على الحرّة (١) ، وأصل العنت : الشّدّة نحو العند ، لكن العنات أبلغ من العناد ، لأنه هو المؤدي إلى الهلاك ، وقال تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَأَعْنَتَكُمْ)(٢) ومنه قيل : أكمة عنوت (٣) ، وقد فسر بالزنا تفسير عموم بخصوص (٤)

__________________

ـ جامع البيان (٨ / ١٨٣ ، ١٨٤) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٢٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٢٩).

(١) نقل ابن العربي عن مالك أنه قال : إذا خشي العنت مع حرّة واحتاج إلى أخرى ولم يقدر على صداقها ، فإنه يجوز له أن يتزوج الأمة ، وهكذا مع كل حرة وكلّ أمة حتى ينتهي إلى الأربع بظاهر القرآن. وقال مرة أخرى : إذا تزوج الأمة على الحرة ردّ نكاحه. وصحح ابن العربي الرواية الأولى. انظر : أحكام القرآن (١ / ٣٩٤) ، وانظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٩).

(٢) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٠.

(٣) انظر : معاني العنت في : مجاز القرآن (١ / ١٢٣) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ٦٧) ، وغريب القرآن ص (٣٣١) ، وجامع البيان (٨ / ٢٠٦) ، والمفردات ص (٥٨٩ ، ٥٩٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٣٤) ، ومعنى [أكمة عنوت] أي تلّ شاق الصعود. انظر : معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٢) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ٦٧) ، وتاج العروس (١ / ٥٦٥).

(٤) وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير ، والضحاك ، وعطاء ، وعمرو بن دينار ، والحسن ، والسدي ، والشعبي ، وقتادة ، وعطية العوفي وعبد الرحمن بن زيد. انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦١) ، وجامع البيان (٨ / ٢٠٤ ـ ٢٠٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم

٣٥٠

إذ هو المقصود منه ، وهو المؤدي إلى هلاك الآخرة ، ولما بيّن الله تعالى المحرّمات ، وأحل ما وراء ذلك بشروط ذكرها عقب ذلك بمن لا يستطيع مهر الحرائر ونفقتهن ، فأباح لهم تزوّج الأمة ، إذ هي أخف مهرا ونفقة ، وشرط في جواز التزوّج بها شرطين : عدم الطّول ، وخوف العنت ، وفصل بين بعض هذا الحكم وبعضه بفصلين : أحدهما : قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) والثاني : حكم الأمة كيف ينبغي أن تكون صفتها حتى يجوز التزوج بها؟ ومثل هذا الاعتراض يسمى في البلاغة الالتفات (١).

وقوله : (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) فمنهم من جعل الإيمان شرطا ، وقال : يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة ، وإن وجد طول الذمية الحرة (٢) ، وقوي بقوله : (وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ)(٣) ومنهم من قال : ذكر المؤمنات على طريق الفضل ،

__________________

ـ (٣ / ٩٢٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٣) ، وزاد المسير (٢ / ٥٩).

(١) الالتفات في البلاغة هو : العدول عن الغيبة إلى الخطاب ، أو التكلم أو على العكس. انظر : التعريفات ص (٥٠).

(٢) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٥٩) ، ولابن العربي (١ / ٢٩٣) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٨).

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٢١.

٣٥١

ولا يجوز التزوج بالأمة مع طول الذمية ، قال : لأن العلة التي لأجلها منع من التزوج بالأمة تعرض الولد للاسترقاق ، وذلك معدوم في الكتابيات الحرائر ، فيجب أن يكون التزوج بها أولى من الأمة (١) ، وقوله : (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال الأصم : أجمعوا أنه أريد به التزوج ، وشرط الإيمان في الأمة ، وقال الحسن ومجاهد والثوري وأبو حنيفة : هو على الاستحباب ، فأجازوا التزوج بالأمة الكتابية ، وقال مالك والشافعي والأوزاعي : لا يجوز نكاح الأمة الكتابية المؤمنة ، لأن ما أبيح بشرط / فلا يجوز ذلك على غير ذلك الشرط ، سيما إذا كان الشرط بيانا لحكم (٢) ، وقوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) تنبيه على أن الاعتبار بالمواصلات في الأحكام الدنيوية بظاهر الإيمان لا بحقائقه ، فإن الله يتولى

__________________

(١) نقل الجصاص عن مالك والليث والأوزاعي والشافعي أن الرجل إذا وجد طولا إلى الحرة فإنه لا يتزوج أمة ، وإن لم يجد طولا لا يتزوجها أيضا حتى يخشى العنت على نفسه. أحكام القرآن (٢ / ١٥٨). وانظر : المحرر الوجيز (٤ / ٨٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٣٨).

(٢) انظر قول أبي حنيفة في : شرح فتح القدير (٣ / ٢٣٠) ، وشرح العناية على الهداية (٣ / ٢٣٠) مطبوع مع شرح فتح القدير. وانظر : مذهب أحمد وقول الحسن والثوري والأوزاعي في المغني (٩ / ٥٥٤). وانظر : قول الشافعي في الحاوي الكبير (٩ / ٢٤٤). وانظر : مذهب المالكية في عقد الجواهر الثمينة (٢ / ٥١).

٣٥٢

السرائر (١) ، وقوله : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) تنبيه على أمور منها : معنى ما قال تعالى : (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً)(٢) ومنها ما دلّ عليه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله : «مولى القوم» (٣) ، ومنها أنهم كانوا يعيّرون بالهجنة (٤) ، فأراد أن يزيل هذا الاعتقاد عنهم (٥) ،

__________________

(١) قال الزجاج في معنى قوله تعالى : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) «أي اعملوا على ظاهركم في الإيمان ، فإنكم متعبّدون بما ظهر من بعضكم لبعض». معاني القرآن (٢ / ٤٠) ، وانظر : المحرر الوجيز (٤ / ٨٤).

(٢) سورة النحل ، الآية : ٧٢.

(٣) هكذا في المخطوط وتمام الحديث : «مولى القوم من أنفسهم» رواه البخاري في كتاب الفرائض ، باب : «مولى القوم من أنفسهم» رقم (٦٧٦١). وأبو داود في كتاب الزكاة ، باب : «الصدقة على بني هاشم» رقم (١٦٥٠) ، والترمذي وقال : حسن صحيح في كتاب الزكاة ، باب : «ما جاء في كراهية الصدقة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأهل بيته ومواليه» رقم (٦٥٧). والنسائي في كتاب الزكاة ، باب : مولى القوم منهم (٥ / ١٠٧). ورواه الطيالسي (٩٧٢) ، وابن أبي شيبة (٣ / ٢١٤) ، وابن خزيمة (٢٣٤٤) ، وابن حبان (٣٢٩٣) ، والحاكم (١ / ٤٠٤) ، والبغوي (١٦٠٧) ، والبيهقي (٧ / ٣٢).

(٤) الهجنة : أن يكون الأب عتيقا ، أي كريما ، والأم ليست كذلك ، فيصير الولد هجينا. انظر مختار الصحاح ص (٦٩١).

(٥) قال الزجاج : «كانوا يسمون ابن الأمة : الهجين ، فأعلم الله عزوجل أن أمر العبيد وغيرهم مستوفى الإيمان ..» معاني القرآن (٢ / ٤١). وانظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٩٦) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٤ ، ٨٥). ونقل النيسابوري اتفاق العلماء على بطلان نكاح الأمة بغير إذن سيدها. انظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٥).

٣٥٣

وقوله : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ ،) أي أربابهن ، وذلك يقتضي أن لا يصح تزوج الأمة إلا بإذن أهلها (١) ، ويقوي ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فهو عاهر» (٢) ، (٣) وقال عطاء : إذنه على الاستحباب لا على الوجوب (٤) ، وقوله تعالى : (وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) قيل : تقديره بإذن أهلهن ، لكن حذف (٥) ، كقوله (وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ)(٦)

__________________

(١) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٦٥) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٥).

(٢) في الأصل : عاصي. والتصويب من كتب السنة.

(٣) رواه أبو داود في كتاب النكاح ، باب : نكاح العبد بغير إذن سيده ، رقم (٢٠٧٨). والترمذي في كتاب النكاح ، باب : «ما جاء في نكاح العبد بغير إذن سيده» رقم (١١١١ ، ١١١٢) وقال عقب الحديث الأول : حسن. وعقب الثاني : حسن صحيح. ورواه ابن ماجه في كتاب النكاح ، باب «تزوج العبد بغير إذن سيده» رقم (١٩٥٩ ، ١٩٦٠).

ورواه الحاكم في المستدرك (٢ / ١٩٤) ، وقال : صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. ورواه الطيالسي (١٦٧٥) ، وابن أبي شيبة (٤ / ٢٦١) ، والدارمي (٢٢٣٩) ، وأبو يعلى (٢٠٠٠) ، والبيهقي (٧ / ١٢٧).

(٤) نقل الجصاص عن عطاء قال : نكاح العبد بغير إذن سيده ليس بزنا ، ولكنه أخطأ السنة. أحكام القرآن (٢ / ١٦٦).

(٥) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٦٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٣٢).

(٦) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٥.

٣٥٤

وقال بعضهم : أجورهن : نفقاتهن (١) والأول هو الوجه ، لأن النفقة تتعلّق بالتمكين لا بالعقد (٢) ، وقال مالك : تستحق الأمة المهر ، واستدل بهذه الآية على أن الرقيق يملك (٣) ، وقوله : (بِالْمَعْرُوفِ) أي على ما عرف من حكم الشرع (٤) ، وقيل : على سبيل الهبة ، فإن المعروف يعبّر به عن العطية ، وذلك كقوله : (نِحْلَةً) ، وقوله : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) أمر بأن يكون وطؤها لازما ، ولا على سبيل المخادنة (٥) ، واشتراط الأمرين أن قوما كانوا يبيحون اتخاذ الجارية خدنا (٦) ، وقرأ الحسن :

__________________

(١) قال النيسابوري : «وقيل : الأجور : النفقة عليهن ، لأن المهر مقدّر ، فلا معنى لاشتراط المعروف فيه ، فكأنه تعالى بين أن كونها أمة لا يقدح في وجوب نفقتها وكفايتها كما في حقّ الحرة ...» تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٦).

(٢) ولذلك قال النسفي : «وهو حجة لنا في أن لهنّ أن يباشرن العقد بأنفسهن ، لأنه اعتبر إذن الموالي لا عقدهم» مدارك التنزيل لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي (١ / ٣٤٩).

(٣) انظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠١) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٣٢).

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ١٩٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٥) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٦).

(٥) المخادنة : المصادقة. انظر المصباح المنير ص (٦٣).

(٦) انظر : الروايات في ذلك في : جامع البيان (٨ / ١٩٣ ، ١٩٤) ، وانظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٣).

٣٥٥

محصنات (١) ، وقال : معناها عفائف (٢) ، ولم يجوّز نكاح الأمة الزانية التي أقيم عليها الحد.

وقوله : (فَإِذا أُحْصِنَ) أي زوّجن ، وقرئ : أحصنّ (٣) ، أي تزوّجن ، وقيل : أسلمن (٤) ، والأول أصح (٥) ، وعلى التفسير

__________________

(١) هذه قراءة الكسائي قال السمين الحلبي : «قرأ الجمهور هذه اللفظة سواء كانت معرفة ب «أل» أم نكرة بفتح الصاد. والكسائي بكسرها في الجميع إلا قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) في رأس الجزء فإنه وافق الجمهور». الدر المصون (٣ / ٦٤٥). وانظر : حجة القراءات ص (١٩٦) ، والمبسوط ص (١٥٥) ، والتلخيص ص (٢٤٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٢).

(٢) وهذا قول الكسائي كما ذكر ابن زنجلة في حجة القراءات ص (١٩٦).

وهو قول عمر بن الخطاب وأبي العالية وعطاء وعبيدة والسدي. أما الحسن فقد قال : المحصنات هن ذوات الأزواج. انظر : زاد المسير (٢ / ٥٠).

(٣) قرأ حمزة والكسائي وخلف وعاصم برواية أبي بكر : (فإذا أحصنّ) بفتح الألف والصاد. وقرأ الباقون (أحصنّ) بضم الألف. انظر : حجة القراءات ص (١٩٨) ، والمبسوط ص (١٥٦) ، والتلخيص ص (٢٤٤) ، والغاية ص (٢٢٥) ، وانظر : تفسير غريب القرآن ص (١٢٤).

(٤) انظر : معاني (أحصن) في : جامع البيان (٨ / ١٩٥) ، وحجة القراءات ص (١٩٨) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٣) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٣).

(٥) وهو قول سعيد بن جبير والحسن وقتادة ، وروي عن ابن عباس وأبي الدرداء وبه قال أبو عبيد. انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٦٨) ،

٣٥٦

الثاني (١) يقتضي أن الأمة إذا زنت ـ وإن لم تكن مزوّجة ـ تحدّ بحكم الآية ، وأن الكتابية لا تحد وإن كانت مزوّجة (٢) ، وقوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) قد تقدّم أنه يتعلق بما قبله (٣) ، وقوله : (وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) إبانة أن الاختيار ترك نكاح الأمة رأسا ، لئلا يكون ولده رقيقا لغيره (٤) ، وبين بقوله : (وَاللهُ غَفُورٌ

__________________

ـ وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٣). (١) أي أسلمن وهو قول ابن مسعود والشعبي والزهري والسدي والجمهور كما ذكر ابن عطية. انظر : جامع البيان (٨ / ١٩٩ ـ ٢٠١) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٦٨) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٣) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٣).

(٢) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٦٨ ، ١٦٩) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٥ ، ٥٠٥) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٣ ، ١٤٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٧).

(٣) انظر : أقوال العلماء في تفسير العنت في : معاني القرآن للزجاج (٢ / ٤٢) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٧).

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٠٧ ، ٢٠٨) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٤٢) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٧٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٤٠٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٩٨) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٧).

٣٥٧

رَحِيمٌ) أن هذا وإن كان مكروها فقد غفر لكم ، ورحمكم في إباحته ، فالأول هو تبين العادة ، والثاني وهو قوله : (تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) حث على مكرمة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إياكم وخضراء الدمن» (١) ، وكثيرا ما يجمع تعالى بين الحكم المراد (٢) وبين الفضل ليكون قد أدّب عباده بالأمر.

قوله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)(٣) الآية. السنن : جمع السنة أي الطريقة المستقيمة ، وأصلها من سن الماء ، وعنه استعير من سن السيف لما كان يشبه عند صقله بالماء ، واستعير منه سن الفرس ، كما يقال : صقل الفرس (٤). واللام في قوله : (لِيُبَيِّنَ)

__________________

(١) رواه القضاعي في «مسند الشهاب» (٢ / ٣٤٨) رقم (٩٥٧) ، والرامهرمزي في «أمثال الحديث» ص (١٢٠ ، ١٢١) رقم (٨٤) ، وعزاه الحافظ في تلخيص الحبير (٣ / ١٤٥) ، إلى الخطيب في «إيضاح الملتبس» ونقل عن ابن عدي والدارقطني تضعيف الحديث.

(٢) سقط الألف والدال من الأصل والصواب إثباتهما.

(٣) سورة النساء ، الآية ٢٦ ونصّها : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

(٤) قال الراغب : سننت البعير : «صقلته .. وسنة الوجه : طريقته ، وسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : طريقته التي كان يتحراها ، وسنة الله تعالى قد تقال لطريقة حكمته وطريقة طاعته ...» المفردات ص (٤٢٩) ، وفي تهذيب اللغة (١٢ / ٣٠٠): «سنّ الإبل يسنّها سنّا إذا أحسن رعيتها حتى كأنه صقلها». وانظر : الزاهر

٣٥٨

فيه قولان ؛ قال الفرّاء : أردت أن يكون كذا وأردت ليكون ، (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)(١) ، وأمرت أن أعدل. قال : ويعدّى هذان الفعلان باللام تارة ، لكونهما طالبين للفعل المستقبل (٢) ، وقال بعضهم : بل الفعل محذوف واللام للعلة على تقدير : يريد الله ما يريد لأن يبين (٣) ، وقوله : (سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) منهم من خصّ وقال : أراد أن يحرم علينا ما حرم عليهن بالنسب والرضاع والمصاهرة (٤) ، / وقيل : عنى به ما ذكره في قوله : (ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ)(٥)

__________________

ـ (٢ / ٣٣٩) ، والقاموس والمحيط ص (١٥٥٨) ، ولسان العرب (١٣ / ٢٢٤).

(١) سورة الزمر ، الآية : ١٢.

(٢) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦١) ، والراغب ينقل عن الفرّاء بالمعنى والاختصار. واختار الطبري هذا القول في جامع البيان (٨ / ٢١٠) ، ورده الزجاج في معاني القرآن (٢ / ٤٢) ، وضعفه ابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ٨٨).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٠٩) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٢) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٧) ، والتبيان (١ / ٣٥٠) ، والدر المصون (٣ / ٦٥٩) ، وهو رأي الأخفش. انظر : معاني القرآن (١ / ٤٤١) وذكر أنه قول البصريين.

(٤) اقتصر على هذا الوجه الطبري في جامع البيان (٨ / ٢٠٩). وانظر : معالم التنزيل (٢ / ١٩٨) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٨).

(٥) سورة النحل ، الآية : ١٢٣. قال البغوي : «وقيل : ويهديكم الملة الحنيفية

٣٥٩

ومنهم من أخذه أعم من ذلك ، فقال : إن الله تعالى شرع لكل أمة عبادة ومكارم ، ولم يختلف حكم أصولها ، وإن اختلفت فروعها ، وعلى ذلك قال : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)(١) فبين أنه يريد أن تكون هذه الأمة جارية مجرى هؤلاء في ذلك (٢) ، وقيل : عنى أنه يبين لكم طريق من قبلكم إلى الجنة ، وهو المسئول في قوله تعالى : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٣) ، وبين أنه أراد به ذلك لعلمه وحكمته.

قوله تعالى : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)(٤) الآية. الميل وإن كان عاما في الميل إلى الخير والشر ، فالمقصود به ههنا الجور عن قصد السبيل (٥) ، ولما كان جميع عبادة الله بالقول المجمل ضربين ؛

__________________

ـ وهي ملة إبراهيم عليه‌السلام». معالم التنزيل (٢ / ١٩٩).

(١) سورة الشورى ، الآية : ١٣.

(٢) انظر : المحرر الوجيز (٤ / ٨٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٤٨) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٩٨).

(٣) سورة يوسف ، الآية : ١٠١. قال الزجاج : «أي يدلكم على طاعته كما دلّ الأنبياء والذين اتبعوهم من قبلكم» معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٤٣).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٧ ، ونصّها : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً).

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ٢١٢) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٤٤) ،

٣٦٠