تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

بعضهم : نبّه بقوله : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) أن المرأة بعض من الرجل ، تنبيها على نقصانها وكماله (١) ، وأنّه نبّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقوله ذلك أنها مخلوقة خلقة معوجّة ، لا ينتفع بها إلا كذلك ، فلا يهمنّك تنقيتها ، وعلى ذلك قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن المرأة خلقت من ضلع ، وإنك إن أردت أن تقيمها كسرتها ، وإن تركتها وفيها عوج استمتعت بها» (٢) ، وبهذا النظر قيل : أخسّ صفات الرجل الشحّ والجبن ، وهما أشرف صفات المرأة (٣).

إن قيل : ما وجه عطف الأرحام على الله ، والتقوى في الحقيقة من الله ومن عذابه ، لا من الرحم ، وقد كان الوجه أن يقال :

__________________

ـ وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٠٦) إلى ما تقدم ، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد. والحديث فيه النص على أن حوّاء خلقت من ضلع من أضلاع آدم.

(١) ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٦٣) ولم يشر إلى قائله.

(٢) رواه البخاري ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب «خلق آدم وذريته» رقم (٣٣٣١). ورواه مسلم في كتاب الرضاع ، باب «الوصية بالنساء» رقم (١٤٦٨). ورواه الترمذي في كتاب الطلاق ، باب «ما جاء في مداراة النساء» رقم (١١٨٨) وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه وإسناده جيد. وأخرجه الحميدي رقم (١١٦٨) ، وأحمد في المسند (٢ / ٤٤٩) ، والدارمي في سننه رقم (٢٢٢٨) ، وابن حبان رقم (٤١٧٩) ، والبغوي رقم (٢٣٣٣).

(٣) الصحيح أن الشحّ والجبن صفتان مذمومتان سواء اتصف بهما الرجل أو المرأة ، وليس هناك دليل على تخصيص الرجل بذلك.

٢٤١

اتقوا الله في الأرحام أو للأرحام؟ قيل : أجيب عن ذلك بأوجه :

الأول : أنّه لما كان يقال : اتق الله ، أي اتق عقوبة عصيانه ، واتق ذنبك ، أي عقوبة ذنبك ، قال ههنا : (اتَّقُوا اللهَ ،) أي اتقوا عقوبته على طريق الجملة ، ثم قال : والأرحام. أي عقوبته في قطع الأرحام ، وخصّها بالذكر تعظيما لأمرها ، وكأنّه قيل : اتقوا عقوبات الله عامة ، وعقوبته في قطع الأرحام خاصة ، وذلك لتعظيمه أمر الرحم (١).

والوجه الثاني : أن تقديره : اتقوا الله في الرّحم ، لكن حذف الجارّ ، وأقيم حرف العطف مقامه ، كقولهم : يدك والسكين. أي احفظ يدك من السكين (٢).

__________________

(١) وهذا قول ابن عباس والسدي وقتادة والحسن وعكرمة ومجاهد والضحاك والربيع وابن زيد والكافة واختاره ابن جرير والفراء والزجاج والنحّاس.

انظر : معاني القرآن للفراء (١ / ٢٥٢) ، وجامع البيان (٧ / ٥٢١ ، ٥٢٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٤) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٦) ، واعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٣١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٥).

(٢) المثال الذي ذكره المؤلف مشابه لأمثلة التحذير مثل : إياك والشرّ ، ورأسك والسيف ، وقد جعل النحاة هذه الأمثلة منصوبة بفعل محذوف على سبيل المفعوليّة ، ويقدّر لذلك فعل لائق مثل : احذر أو اتق أو باعد. انظر : الكتاب لسيبويه (١ / ٢٧٣) ، والنكت (١ / ٣٤٥) ، والتعليقة (١ / ١٨٠) ، والمساعد

٢٤٢

والوجه الثالث : أن تقديره : اتقوا الله وقوا الأرحام. فأحدهما متقى ، والآخر موقّى (١) ، نحو قولهم : أعور عينك والحجر (٢). أي : ق عينك ، واتق الحجر (٣).

إن قيل : ما وجه إعادة التقوى وعطف أحدهما على الآخر؟ قيل : إنه أمر في الأول بالتقوى أمرا عاما ، ولهذا قال : «ربكم» تنبيها على أفضاله ، وإحالتهم على ما لا يمكن لأحد إنكاره ، ولما قصد الحثّ على المحافظة على الرّحم قدّم ذكر الموجد باللفظ الذي فيه التنبيه على القدرة التامة (٤). إن قيل : ما وجه ذكر (تَسائَلُونَ

__________________

ـ (٢ / ٥٦٩).

(١) وهذا على نصب الأرحام بالإغراء أي : والأرحام فاحفظوها وصلوها ، كقولك : الأسد الأسد. انظر : الوسيط (٢ / ٥) ، والتفسير الكبير (٩ / ١٣٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٣٩) ، وروح المعاني (٤ / ١٨٤).

(٢) هذا مثل يضرب للمتمادي في المكروه المشفي منه على الهلكة. انظر : جمهرة الأمثال للعسكري (١ / ٨٧ ـ ٨٨) ، ومجمع الأمثال للميداني (٢ / ٦) ، ومجمع الأمثال العربيّة (٣ / ٢٣٩).

(٣) وقد ذكر مكّي بن أبي طالب وجها آخر ، وهو أن (الأرحام) معطوف «على موضع (به) كما تقول : مررت بزيد وعمرا». انظر : مشكل إعراب القرآن (١ / ١٨٧).

(٤) قال ابن عطية : وفي تكرار الأمر بالاتقاء تأكيد ، وتنبيه لنفوس المأمورين. المحرر الوجيز (٤ / ٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٤).

٢٤٣

بِهِ)؟ قيل : زيادة في الترغيب في تقواه ، وتنبيها على كون تعظيمه منغرسا في قلوبنا ، حتى إنّا إليه نفزع إذا سألنا ، ونبّه أنّا كما نقول : أسألك بالله. نقول : أسألك بالرحم ، وتقدير الكلام : اتقوا الله الذي تسألون به ، والأرحام التي تسألون بها ، لكن نبّه بوصف الأول على وصف الثاني (١) ، وللقصد إلى هذا المعنى قرأ من قرأ : «الأرحام» بالخفض (٢).

إن قيل : ما فائدة قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) قيل : تنبيها على وجوب مواصلة بعضنا بعضا ، لكوننا من ذات واحدة ، وأنّا

__________________

(١) وهذا قول إبراهيم النخعي وهو مروي أيضا عن مجاهد والحسن. انظر : جامع البيان (٧ / ٥١٨ ، ٥١٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٣) ، وبحر العلوم (١ / ٣٢٩) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٤ ، ٤٢٥).

(٢) قرأ حمزة بخفض الميم في (والأرحام) عطفا على الضمير في (به) ، أو أعيد الجار وحذف للعلم به ، وجرّ على القسم تعظيما للأرحام حثّا على صلتها. وقرأ الباقون بالنصب عطفا على لفظ الجلالة أو على محلّ (به) كقولك : مررت به وزيدا ، وهو من عطف الخاص على العام. انظر : حجة القراءات ص (١٨٨) ، والمبسوط ص (١٥٣) ، والتلخيص ص (٢٤٢) ، والنشر (٢ / ٢٤٧).

٢٤٤

كبنيان يشدّ بعضه بعضا ، وأمّا خفض قوله : (وَالْأَرْحامَ) فقد قيل : فيه ضعف من حيث الإعراب ، ومن حيث المعنى ؛ أمّا من حيث الإعراب فلأن ضمير المجرور لمّا كان على حرف واحد قائم مقام التنوين ، والتنوين لا يصحّ أن يعطف عليه ، كذلك الضمير المجرور ، وأيضا فلأنّ كلّ ما يعطف عليه يصحّ أن يعطف هو ، ولمّا كان ضمير المجرور لم يصحّ أن يعطف عليه ، وبيان ذلك أنّ للمرفوع والمنصوب ضميرا منفصلا ، نحو : هو وهما وإيّا. فيصحّ أن يقال : / رأيتك وزيدا ، أو رأيت زيدا وإياك ، وأتيتني وزيد ، وأتاني زيد وأنت ، ولم يكن للمجرور ضمير منفصل يقع موقع المتصل فيعطف به ، فلم يجز لذلك أن يعطف عليه أيضا (١).

__________________

(١) انظر تضعيف خفض (الأرحام) في : معاني القرآن للفراء (١ / ٢٥٢) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٣١ ، ٤٣٢) ، وحجة القراءات ص (١٨٨ ، ١٨٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٧ / ٥١٩) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٩٩).

وقد ردّ بعض المفسرين على من ضعّف هذه القراءة ، قال أبو حيان : «وما ذهب إليه أهل البصرة ، وتبعهم فيه الزمخشري وابن عطية من امتناع العطف على الضمير المجرور إلا بإعادة الجار ، ومن اعتلالهم لذلك غير صحيح ، بل الصحيح مذهب الكوفيين في ذلك ، وأنه يجوز». وقال أيضا : «وأما قول ابن عطية : ويردّ عندي هذه القراءة من المعنى وجهان ، فجسارة قبيحة منه لا تليق بحاله ، ولا بطهارة لسانه ، إذ عمد إلى قراءة متواترة من

٢٤٥

وأمّا من حيث المعنى : فإن إعادة الأمر بالتقوى فلاقتران ذكرها بصفة تحثّ سامعها على استعمال التقوى ، كقولك : اتق الله الذي تخافه ، واتق الله الذي بيده الخير. فهذه الصفات هي التي تحسّن التكرير ، فإذا نصبت الأرحام ففيه هذا المعنى ، وإذا جررته لم يكن في ضمنه من التحذير ما فيه إذا نصبته (١). وإنما قال : (وَخَلَقَ مِنْها) ردّا إلى لفظ النفس ، وكلّ اسم جنس ، لفظه

__________________

ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قرأ بها سلف الأمة ، واتصلت بأكابر قراء الصحابة الذين تلقوا القرآن من في رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بغير واسطة ... عمد إلى ردّها بشيء خطر في ذهنه ، وجسارته هذه لا تليق إلا بالمعتزلة كالزمخشري» البحر المحيط (٣ / ١٦٧). وقال النيسابوري أيضا : «... إلا أن قراءة حمزة مما ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحوية واهية كبيت العنكبوت» تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١). وانظر : حجة القراءات ص (١٩٠) ، وكشف المشكلات (١ / ٢٨٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢ ، ٣).

(١) ذكر هذا الوجه في تضعيف قراءة الخفض ابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ٩) ، وذكر وجها آخر حكاه غيره ، وهو أن ذكر (الأرحام) على وجه الخفض تقرير للتساؤل بها والقسم بحرمتها ، والحديث الصحيح يرد ذلك في قوله عليه‌السلام : «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» ، وانظر : ردّ المفسرين على هذا الكلام في : التفسير الكبير (٩ / ١٣٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٤ ، ٥) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤١) ، وروح المعاني (٤ / ١٨٤).

٢٤٦

مخالف لمعناه [في](١) التذكير والتأنيث ، فلك اعتبار اللفظ طورا والمعنى طورا ، نحو : حمامة ونفس (٢) ، وإذا كان علما نحو : طلحة. أو صفة نحو : علّامة ونسّابة ، فليس إلا اعتبار المعنى دون اللفظ (٣).

والرّقيب. قال مجاهد : هو الحفيظ (٤) ، وقال ابن زيد : عليم (٥) ، وكلاهما صحيح ، فحافظ الشيء يقتضي أن يكون عالما به ليمكنه أن يحفظه (٦) ، وبيّن بقوله : (كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) أنه قبل أن خلقكم وأوجدكم كان مراعيا لكم ، تنبيها أنه لا يخفى عليه أمركم في كل حال.

__________________

(١) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل والسياق يقتضيه.

(٢) انظر : الكتاب لسيبويه (٢ / ١٧٩) و (٣ / ٥٦١ ـ ٥٦٦) ، والمذكر والمؤنث لابن الأنباري (١ / ٣٧٧) ، والخصائص (٢ / ٤١١) ، والبلغة في الفرق بين المذكر والمؤنث ص (٦٧).

(٣) انظر : المذكر والمؤنث (١ / ١٦٤).

(٤) انظر : تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج ص (٥١) ، جامع البيان (٧ / ٥٢٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٤) ، وتفسير مجاهد ص (٢٦٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧).

(٥) انظر : جامع البيان (٧ / ٥٢٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧).

(٦) انظر : العين ص (١٥٥) ، والمحكم (٦ / ٢٤٠) ، والمخصص (١٧ / ١٥٦).

٢٤٧

قوله تعالى : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ)(١) الآية.

الخبيث والطيّب : عبارتان عن الحرام والحلال ، أي تدفعوا إليهم شيئا هو طيّب لكم ، وتأخذوا من مالهم ما هو خبيث لكم ، طلبا للربح. هذا قول الضّحّاك والسّدّي (٢). وقيل : لا تتبدلوا الهزيل بالسمين (٣) ، وقيل : الطيّب مقدار ما أبيح تناوله من مال

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٢ ، ونص الآية : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً).

(٢) قال الضحاك : لا تعط فاسدا وتأخذ جيدا. وقال السدي : كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ، ويجعل مكانها الشاة المهزولة ، ويقول : «شاة بشاة» ، ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف ، ويقول : درهم بدرهم. وأما تفسير الخبيث والطيب بالحلال والحرام فهو قول مجاهد والثوري وابن جبير. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٢٥ ، ٥٢٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٥ ، ٨٥٦) ، وتفسير السدّي الكبير ص (١٩٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٥).

(٣) وهذا قول سعيد بن المسيب والزهري والسدي كما سبق. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٢٥ ، ٥٢٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٥ ، ٨٥٦) ، وتفسير السدّي الكبير ص (١٩٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٥).

٢٤٨

اليتيم ، والخبيث ما لم يبح منه (١) ، وهو المشار إليه بقوله : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا)(٢).

وكل هذه الأقوال إشارات إلى ما يقتضيه عموم الخبيث والطيب. والحوب : الإثم لكونه مزجورا (٣) عنه ، من قولهم : حاب حوبا وحوبا وحيابة ، والأصل فيه حوب لزجر الإبل (٤) ، وتحوّب نحو تأثّم (٥) ، وإيتاء اليتامى أموالهم ، قيل : دفعها إليهم بعد البلوغ ، وسمّاهم حينئذ يتامى استصحابا للحالة المتقدمة (٦) ،

__________________

(١) هذا نفس القول الأوّل ، وهو مروي عن مجاهد. انظر : تفسير مجاهد ص (٢٦٥) ، واختاره الزجّاج في : معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٧).

وانظر : معاني القرآن للنحاس.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٦.

(٣) في الأصل : (من حوبا) والتصويب من المفردات للراغب.

(٤) من قوله [لكونه] إلى هنا موجود بحروفه في : المفردات ص (٢٦١).

(٥) عبارته في المفردات ص (٢٦١): «وفلان يتحوّب من كذا أي يتأثّم» ، وانظر : تفسير ابن عباس ص (٢٠١) ، وتفسير غريب القرآن ص (١١٨) ، ومعاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٣) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٨) ، ومعاني القرآن للنحاس (٢ / ١١) ، والمحكم (٤ / ٢٢) ، وشرح المفصل لابن يعيش (٤ / ٨١) ، والمساعد (٢ / ٦٦٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٧ / ٥٢٩).

(٦) ويسمّى ذلك عند أهل البلاغة بتسمية الشيء بما كان عليه ، وهو نوع من المجاز المرسل. انظر : شرح التلخيص ص (١٣٨) ، والإيضاح

٢٤٩

ويكون ذلك كقوله : (حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ)(١) وقيل : هو إنفاقها عليهم ، ودفعها شيئا بعد شيء على قدر الحاجة (٢) ، والضمير في قوله : (إنه) قيل : للأكل (٣). وقيل : للتبدّل (٤). وقيل : للأموال (٥) ، لكن اعتبر المعنى

__________________

ـ ص (٢٨٢) ، وانظر في معنى الآية : جامع البيان (٧ / ٥٢٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٤ ، ٣٩٥) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٥٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١١) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٨) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٩٩) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٤٠).

(١) سورة النساء ، الآية : ٦.

(٢) انظر : التفسير الكبير (٩ / ١٣٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٨) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٨).

(٣) وهذا اختاره ابن جرير في جامع البيان (٧ / ٥٢٩) ، وهو قول الأخفش في معاني القرآن (١ / ٤٣١) ، وتبعه العكبري في : إملاء ما منّ به الرحمن (١ / ١٧٢) ، وانظر : أنوار التنزيل (١ / ٢٠٠) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ٢٤١).

(٤) ذكره أبو حيان في البحر المحيط مع الأول ، ثم قال : «وعوده على الأكل أقرب لقربه منه ، ويجوز أن يعود عليهما» البحر المحيط (٣ / ١٦٩).

(٥) لم أجد من ذكر هذا الوجه ، ولو كان الضمير عائدا على الأموال لقال : إنها كانت حوبا كبيرا ، وما ذكره الراغب من اعتبار المعنى فهو تكلّف. قال السمين الحلبي : في الهاء ثلاثة أوجه : أحدها : أنها تعود على الأكل. والثاني على التبدّل. والثالث عليهما. الدر المصون (٣ / ٥٥٧).

٢٥٠

لمّا كان المال والأموال في هذا الموضع سواء ، كقول الشاعر :

 ...

فإن الحوادث أودى بها (١)

لمّا كان معنى الحوادث والحدثان واحدا.

قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى)(٢) الآية.

العول : الخروج عن حد الاستقامة ، والعول في الفريضة خروج عن حدّ السّهام المسماة ، والعويل : الصياح الخارج عن حد الاستقامة في الكلام ، وذلك نحو الألفاظ التي يتحرّاها المصاب. وعوّلت عليه ملت نحوه بالاعتماد ، والمعول على بناء الآلة ، كأنه آلة العول (٣).

__________________

(١) هذا عجز بيت للأعشى ، وهو من بحر المتقارب ، وشاهده حذف التاء في [أودى] والأصل [أودت] لضرورة القافية ، وسوّغه أن الحوادث بمعنى الحدثان ، وتمام البيت :

فإما تريني ولي لمة

فإن الحوادث أودى بها

انظر : ديوان الأعشى ص (١٢٠) ، وكتاب سيبويه (٢ / ٤٦) ، وشرح أبياته للسيرافي (١ / ٤٠٣) ، والأصول لابن السّراج (٢ / ٤٣٦) ، وأمالي ابن الشجري (١ / ١٥٩) ، وفي الأصل (أولى بها) وهو تصحيف والصواب ما أثبته.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٣. ونص الآية : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا).

(٣) انظر : العين (٢ / ٢٤٨) ، وجامع البيان (٧ / ٥٤٨) ، وغريب القرآن

٢٥١

والآية تؤولت على وجهين : قيل : إن الرجل قبل الإسلام إذا مات كان وليّه يسير في أيتامه سيرة غير قاصدة ، ويأكل أموالهم إسرافا وبدارا ، وكانوا يسيرون في يتامى النساء / خاصة بأقبح سيرة ، فإنها متى كانت اليتيمة ذات مال وجمال تزوّجوا بها بأقلّ من مهرها ، ثم لم يحسنوا إليها ، وإن كان أحدهم لا يرغب فيها عضلها (١) عن النكاح ، طمعا في مالها ، فلما جاء الإسلام نهوا عن ذلك بهذه الآية (٢).

وقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ) أي إن خفتم أن لا تستعملوا العدالة ـ أي إذا تزوّجتم بهن فتزوّجوا من غيرهن. وإلى هذا ذهب ابن عباس وعائشة (٣). والثاني : أنهم يتحرّجون في أموال اليتامى ، لمّا

__________________

ـ للسجستاني ص (١٣٣) ، وتهذيب اللغة (٣ / ١٩٥) ، والصحاح (٥ / ١٧٧٦) ، والمفردات ص (٥٩٧) ، والقاموس ص (١٣٤٠) ، وطلبة الطلبة ص (٣٣٨) ، وفيه : «العول : الزيادة والارتفاع ، وهو أن يجاوز سهام الميراث سهام المال» ، والمعجم الوجيز ص (٤٤٢) وفيه : «والعول : آلة من الحديد ينقر بها الصخر».

(١) عضلها : أي منعها. انظر المصباح المنير ص (١٥٨).

(٢) انظر : أسباب النزول للواحدي ص (١٤٢) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (٥ / ١١).

(٣) انظر هذا الوجه في : جامع البيان (٥٣١ ـ ٥٣٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٧) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٨) ، والجامع

٢٥٢

عظّم الله تعالى من أمرهم في نحو قوله : (وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ)(١) الآية. ولم يكونوا يتحرّجون من التزوّج بعدد من النساء ، فقال تعالى إن تحرّجتم عن تناول مال اليتيم خشية أن لا تقسطوا ، فتحرجوا النساء أن لا تعدلوا بينهن ، وانكحوا مقدار ما يمكنكم الوفاء بحقوقهن (٢). وقيل : معناه إن خفتم أن لا تقسطوا في حفظ أموال اليتامى ، وأن تجوروا في الإنفاق على نسائكم ، فانكحوا عددا مخصوصا لا يحوجكم إلى أن تقسطوا (٣).

إن قيل : فما معنى ذكر هذه الأعداد إن كان الأمر على ما وصفت؟ وهلّا (٤) قيل : فانكحوا ما طاب لكم من النساء سواهن؟

__________________

ـ لأحكام القرآن (٥ / ١١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٦) ، وهذا القول مروي عن عائشة دون ابن عباس رضي الله عنهما.

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٢.

(٢) وهذا القول مروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير والسدي وقتادة والضحاك والربيع. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٣٦ ـ ٥٣٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٥٧) ، وبحر العلوم (١ / ٣٣١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٨) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦١) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢).

(٣) هذا القول مروي عن ابن عباس وعكرمة رضي الله عنهما. انظر : جامع البيان (٧ / ٥٣٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٤٨ ، ٤٤٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٤٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١٦٩).

(٤) في الأصل : (وهذا) ، والصواب ما أثبته بدلالة السيّاق.

٢٥٣

قيل : يجوز للحكيم إذا سئل عن حكم أن يجيب عنه ، ويقرن إليه ما علم أنّ بالسائل حاجة إليه. فلمّا سئل عن ذلك ، وكان فيهم من لا يبالي أن يتزوّج بالعدد الكثير من النساء ، بيّن العدد الذي لا يجوز أن يتعداه الإنسان في وقت واحد ، ولذلك أحيلوا على هذه الآية لما استفتوا في يتامى النساء ، فقال تعالى : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ)(١) الآية (٢).

وقد اختلف في العدد الذي يجوز أن ينتهى إليه في النكاح ، فمذهب عامة الفقهاء أنه لا يجوز مجاوزة الأربع ، ومذهب بعض الشيعة أنه يجوز بلا عدد كالسراري (٣). وقال : الآية ليست بتوقيف ، بل هي إباحة : كقولك : تناول ما أحببت واحدا واثنين وثلاثة ، وأنّ تخصيص بعض مقتضى العموم على طريق التبيين لا يقتضي الاقتصار عليه ، وذهب بعضهم ممن لا يعرف شرط الكلام إلى أن المباح منهن تسع ، وقال : الواو تقتضي الجمع ، فصار كقولك : اثنين وثلاثا وأربعا ، وذلك تسع. وأكّد ذلك بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات عن تسع نسوة (٤) ، قال : وغير منكر أن

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٢٧.

(٢) انظر : كلام الإمام الطبري على ذلك في : جامع البيان (٧ / ٥٤٠).

(٣) انظر : مناقشة ذلك من تفاسير الشيعة : مجمع البيان في تفسير القرآن للشيخ أبي علي الفضل بن الحسن الطبرسي من أكابر علماء الإمامية في القرن السادس (٤ / ١٧) ، والميزان في تفسير القرآن ، للسيد محمد حسين الطباطبائي (٤ / ١٦٧ ، ١٦٨).

(٤) رواه البخاري في النكاح ، باب «كثرة النساء» (٩ / ١١٢) رقم (٥٠٦٧) ،

٢٥٤

يذكر عدد واحد بلفظين ، كما قال : (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ)(١).

وهذا فاسد ، أما أولا : فإن العدول عن ذكر الشيء بلفظة واحدة إلى لفظين (٢) ، إما أن يكون لغرض نحو (ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ ،) لمّا خالف بين حكميهما أورده بلفظين ، أو يكون ذلك للعيّ والاستدراك عن نسيان ، وكلام الله تعالى منزّه عن ذلك (٣) ، ومنهم من ردّ إلى واحدة ، لتأويل انتزعه من الآيتين : إحداهما هذه ، والأخرى قوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ) الآية. قال : فبيّن أنكم لا تستطيعون تحري العدالة في النساء ، وقال ههنا : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً ،) فكأنه قال : انكحوا واحدة إن لم تستطيعوا أن تعدلوا.

__________________

ـ ورواه مسلم في «الرضاع» باب : جواز هبتها لضرتها (٢ / ١٠٨٥) رقم (١٤٦٣) نحوه.

(١) سورة البقرة ، الآية : ١٩٦.

(٢) يعني مثل العدول عن تسعة إلى (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ).

(٣) انظر : الردّ على ما ذهب إليه بعض الشيعة من إباحة الجمع بين تسع نسوة في : جامع البيان (٧ / ٥٤٦) ، وبحر العلوم (١ / ٣٣٢) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٩٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦١) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٧ ، ١٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٢٦). وغرائب التفسير وعجائب التأويل للشيخ محمد بن حمزة الكرماني (١ / ٢٨٢).

٢٥٥

فقد ثبت أن لا تستطيعوا ، فإذا فانحكوا واحدة ، وهذا القائل خفي عليه الفرق بين العدلين ، فإن العدل في تلك الآية ترك ميل القلب ، وذلك مرفوع عن الإنسان ، لقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها)(١) ، وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً)(٢) عنى به العدل الذي هو حق القسم والنفقة (٣) ، ولهذا قال : (فَإِنْ خِفْتُمْ) فإن الخوف يقال فيما فيه رجاء ما ، / ولهذا لا يقال : خفت أن لا أقدر على بلوغ السماء أو نسف الجبل (٤).

وهذه الأقوال المتقدّمة يبطلها ما روي أنه لمّا نزلت هذه الآية كانت تحت قيس بن الحارث (٥) ثمان نسوة ، فقال له صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خل سبيل أربع» (٦) ، ...

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٣.

(٣) قال أبو حيان : «والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا ، ذاك عدل في ميل القلب ، وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان ، وهذا عدل في القسم والنفقة ، ولذلك نفيت هناك استطاعته ، وعلّق هنا على خوف انتفائه ، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالبا» ، البحر المحيط (٣ / ١٧٢). انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٥٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٢٠).

(٤) نقل أبو حيان هذا الكلام في البحر المحيط (٣ / ١٧٠) ونسبه للراغب.

(٥) قيس بن الحارث بن جدار الأسدي ، وقيل : الحارث بن قيس صحابي له حديث. انظر : الإصابة (٥ / ٣٤٩) ، والتقريب ص (٤٥٦).

(٦) رواه أبو داود ، كتاب الطلاق ، باب «فيمن أسلم وعنده نساء أكثر من

٢٥٦

وكذا قال لابن (١) مسعود الثقفي (٢) ، وكان قد أسلم وتحته تسع نسوة (٣) ، واستدلّ أهل الظاهر بالآية على وجوب النكاح ، واستدل بها بعض الفقهاء على أنه غير واجب (٤) ، وبيان هذا أن

__________________

ـ أربع» رقم (٢٢٤١ ، ٢٢٤٢). ورواه ابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب «الرجل يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة» رقم (١٩٥٢). ورواه أحمد (٤٦٠٩ ، ٤٦٣١) ، والبيهقي (٧ / ١٨٣) ، وابن حبان (٤١٥٦ ـ ٤١٥٨) ، والطبراني في الكبير (١٣٢٢١) ، وفي مسند الشاميين رقم (١٢٤٩) ، وحسّنه الشيخ الألباني في إرواء الغليل (٦ / ٢٩٥).

(١) في الأصل : (لأبي) والصواب ما أثبته.

(٢) هو عروة بن مسعود بن متعب بن مالك بن كعب بن عمرو بن ثقيف الثقفي ، كان أحد الأكابر في قومه ، ذكر اسمه في صلح الحديبية ، وكانت له يد بيضاء في تقرير الصلح ، أسلم سنة تسع ، ثم دعى قومه إلى الإسلام فقتلوه. انظر : السيرة النبوية لابن هشام (٤ / ٢٤٦ ـ ٢٤٧) ، والطبقات الكبرى (٥ / ٥٠٣) ، والإصابة (٤ / ٤٠٦).

(٣) رواه البيهقي في السنن (٧ / ١٨٤) ، وله شاهد من حديث غيلان الثقفي بنحوه. رواه الترمذي ، كتاب النكاح ، باب «ما جاء في الرجل يسلم وعنده عشر نسوة» رقم (١١٢٨) ، وابن ماجه ، كتاب النكاح ، باب «الرجل يسلم على أكثر من أربع نسوة» رقم (١٩٥٣). والحاكم في المستدرك (٢ / ١٩٢ ، ١٩٣) ، والبغوي (٢٢٨٨) ، وابن أبي شيبة (٤ / ٣١٧). وانظر : إرواء الغليل (٦ / ٢٩٤ ، ٢٩٥).

(٤) اختلف الفقهاء في حكم النكاح. قال ابن قدامة في المغني : «والناس في

٢٥٧

ما في قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) إمّا أن يكون عبارة عن المنكوحة ، أو عن الزمان ، أو العدد. فلا يصح الأول ، لأن فالا يعبّر به عن أعيان العقلاء مجردا ، ولا عن العدد ، لأنه محال أن يعني نكاح العدد ، وإن عنى المعدود فالكلام راجع إلى أن يكون عبارة عن العقلاء ، فيجب أن يكون عبارة عن الزمان ، فكأنّه قال : اعقدوا وقت ما يطيب لكم ، والمخالف يوجبه طاب لنا أو لم يطب (١).

__________________

ـ النكاح على ثلاثة أضرب ؛ منهم من يخاف على نفسه الوقوع في محظور إن ترك النكاح ، فهذا يجب عليه النكاح في قول عامة الفقهاء ... الثاني : من يستحب له ، وهو من له شهوة يأمن معها الوقوع في محظور ، فهذا الاشتغال له به أولى من التخلّي لنوافل العبادة ، وهو قول أصحاب الرأي ، وهو ظاهر قول الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وفعلهم ... الثالث : من لا شهوة له ؛ إما لأنه لم يخلق له شهوة كالعنين ، أو كانت له شهوة فذهبت بكبر أو مرض ونحوه ، ففيه وجهان : أحدهما : يستحب له النكاح لعموم الأدلة. الثاني : التخلّي له أفضل ، لأنه لا يحصل مصالح النكاح ، ويمنع زوجته من التحصين بغيره ، ويضرّ بها ويحبسها على نفسه» المغني لابن قدامة (٩ / ٣٤١ ـ ٣٤٤). وانظر : مذاهب الفقهاء في هذه المسألة في : الاختيار لتعليل المختار للموصلي (٣ / ٨٢) ، وعقد الجواهر لابن شاس المالكي (٢ / ٧) ، ومغني المحتاج (٣ / ١٢٦) ، ومعونة أولي النهى شرح المنتهى (٧ / ١٥).

(١) انظر : إعراب (ما) في : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٣٤) ، ومعاني القرآن واعرابه (٢ / ٨) ، وإملاء ما منّ به الرحمن ص (١٧٣) ، وانظر :

٢٥٨

فإن قيل : معناه ما تاقت أنفسكم إليه ، قيل : إن عنى ما تاقت نفسه إلى العقد فليس ذلك مذهبا لأحد ، وإن عنى المخالف : ما تاقت نفسه إلى الجماع ، فلم يجر للجماع ذكر ، وقد تقدّم الكلام في العول ، فقول من قال : ذلك أدنى أن لا تجاوزوا ما فرض الله (١) ، وقول من قال : أن لا تميلوا ، يرجعان إلى أصل واحد (٢) ، وقول الشافعي (٣) معناه : أن لا يكثر عيالكم ، وقد ذهب إلى هذا التأويل

__________________

ـ الكلام على هذه المسألة في : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢ ، ١٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٧٠ ، ١٧١).

(١) وهذا قول الفرّاء ، حكاه عنه البغوي في «معالم التنزيل» (٢ / ١٦٢). ولم أجده في معاني القرآن للفرّاء.

(٢) وهذا هو قول جماهير المفسرين منهم ابن عباس وقتادة والربيع بن أنس ، ومقاتل والسدي ومجاهد والحسن وأبو مالك وعكرمة وابن جرير الطبري.

انظر : جامع البيان (٧ / ٥٤٨ ـ ٥٥١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٦٠) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٦٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ١٧).

(٣) أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب ابن عبيد بن عبد يزيد بن المطلب المكي أبو عبد الله الشافعي نزيل مصر ، فقيه مشهور ، رأس الطبقة التاسعة ، وهو المجدد لأمر الدين على رأس المائتين ، وإليه ينسب المذهب الشافعي ، توفي سنة ٢٠٤ ه‍. انظر : سير أعلام النبلاء (٦ / ٣٣٢) ، وتهذيب التهذيب (٩ / ٢٥) ، وتقريب التهذيب ص (٤٦٧).

٢٥٩

زيد بن أسلم ، وأجازه الأصمعي (١) ، وابن الأعرابي (٢) ، ومنه قيل : فلان يعول عشرة (٣) ، وقال ابن داود (٤) : غلط الشافعي ، لأن صاحب الإماء في العيال كصاحب الأزواج.

__________________

(١) أبو سعيد عبد الملك بن قريب بن علي بن أصمع الباهلي ، إمام في اللغة والأدب والشعر ، ولد سنة ١٢٢ ه‍ بالبصرة ، وبها توفي سنة ٢١٦ ه‍.

انظر : تاريخ بغداد (١٠ / ٤١٠) ، وطبقات النحويين للزبيدي ص (١٦٧) ، ونزهة الألبّاء ص (١٠٢) ، وسير أعلام النبلاء (١٠ / ١٧٥).

(٢) محمد بن زياد أبو عبد الله من موالي بني هاشم ، كان كثير السماع نحويّا عالما باللغة والشعر حسن الحفظ ، ولم يكن في الكوفيين أشبه برواية البصريين منه. من مؤلفاته : «النوادر» و «الأنواء» وغيرهما. ولد سنة ١٥٠ ه‍ ، وتوفي سنة ٢٣١ ه‍. انظر : طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص (١٩٥) ، ونزهة الألبّاء ص (١٣٤) ، وبغية الوعاة (١ / ١٠٥).

(٣) هذا قول الكسائي. انظر : معاني القرآن له ص (١١٠) ، وانظر : قول زيد والأصمعي والشافعي في : تهذيب اللغة (٣ / ١٩٤) ، وانظر : الرد عليه في : معاني القرآن للنحاس (٢ / ١٦).

(٤) أبو بكر محمد بن داود بن علي الظاهري صاحب الفنون ، وهو أحد من يضرب المثل بذكائه ، له بصر تام بالحديث وبأقوال الصحابة ، وله مصنفات في الأدب والشعر والفرائض والفقه ، توفي في العاشر من رمضان سنة سبع وتسعين ومائتين ، وقد عاش ثلاثا وأربعين سنة. انظر : تاريخ بغداد (٥ / ٢٥٦ ـ ٢٦٣) ، وسير أعلام النبلاء (١٣ / ١٠٩) ، والمنتظم (٦ / ٩٣ ـ ٩٥) ، وشذرات الذهب (٢ / ٢٢٦).

٢٦٠