تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

وقوله : (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ)(١) ، جعل لواحدهم السدس ، وأشرك بين جماعتهم في الثلث ، ولم يفضّل ذكرهم على أنثاهم (٢) ، وعنى بذلك ولد الأم بدليل قوله في إخوة (٣) الأب والأم (٤) ، (وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(٥) وروي أن سعد بن مالك (٦) قرأ : وله أخ أو أخت

__________________

ـ المملوك والكافر لا يرثان ولا يحجبان. والقاتل لا يرث ويحجب. وقال علي وعمر وزيد بن ثابت وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن ومالك والثوري والشافعي : المملوك والقاتل والكافر لا يحجبون الزوج ولا المرأة عن نصيبهما. انظر : أحكام القرآن (٢ / ٨٣).

(١) سورة النساء ، الآية : ١٢.

(٢) قال السمعاني في تفسير القرآن (١ / ٤٠٥): «وفيه إجماع أن فرضهم الثلث وإن تعددوا وإن كثروا».

(٣) في الأصل : (قوله) والصواب ما أثبته. ويقصد إخوة المتوفّى لأبيه وأمه.

(٤) قال القرطبي : «فأما هذه الآية فأجمع العلماء على أن الإخوة فيها عنى بها الإخوة للأم ..» الجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٨). وانظر : جامع البيان (٨ / ٦١) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٤٨).

(٥) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.

(٦) سعد بن مالك : هو سعد بن أبي وقاص بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة ابن كلاب الزهري أبو إسحاق ، أحد العشرة ، وأول من رمى بسهم في سبيل الله ، صحابي جليل ، مناقبه كثيرة ، كان مجاب الدعوة مشهورا بذلك ، أمّره عمر على الكوفة سنة إحدى وعشرين وهو الذي فتح مدائن كسرى وقاد

٣٠١

من أم (١). قال بعضهم : لعله فسّر الإخوة بذلك ، فظنّ السامع أنه قرأه في القرآن (٢) ، كما روي عن عمر : فامضوا إلى ذكر الله على معنى التفسير للسعي ، فظنّ أنه قرآن ، وقوله : (فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ) فذلك لتغليب المذكّر ، وقرىء يوصي بها ، فإذا قرىء يوصى بالفتح فصفة الوصية ، وإذا قرىء بكسر الصاد احتمل أن تكون صفة للوصية وأن تكون حالا للموصي (٣) وقرأ الحسن : غير مضار وصية بالإضافة ، والباقون بالتنوين ، ونصب وصية على المصدر أو على المفعول به (٤) ، والإضرار أن يقرّ بمال لأجنبي ، ردّا

__________________

ـ معركة القادسية ، توفي بالعقيق سنة ٥٥ ه‍ على المشهور. انظر : الإصابة (٣ / ٦١) ، وتهذيب التهذيب (٣ / ٤٧٩) ، والتقريب ص (٢٣٢).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٦١ ، ٦٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٨٧ ، ٨٨٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٤٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٨) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٦).

(٢) الذي عليه عامة المفسرين أنها قراءة وليس تفسيرا. انظر : المصادر السابقة.

(٣) قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو بكر : (يوصى بها) وقرأ الباقون (يوصي).

انظر : حجة القراءات ص (١٩٣) ، والمبسوط ص (١٥٤) ، والتلخيص ص (٢٤٢) ، والنشر (٢ / ٢٤٨). وانظر : البحر المحيط (٣ / ١٩٩).

(٤) ذكر قراءة الحسن ابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ٤٤) ، والعكبري في «إعراب القراءات الشواذ» (١ / ٣٧٥) ، والقرطبي في الجامع (٥ / ٨٠) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٩٩) ، والسمين الحلبي في «الدر المصون»

٣٠٢

للميراث ، أو يبيع ماله أو شيئا منه محابيا فيه ، أو يهب ، أو يعتق ، أو يوصي لوارثه قصدا للإضرار بغيره.

قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ)(١) الآية. بيّن بذكر الحدّ أن ذلك يؤدي بالإنسان إلى العصيان ، ونبّه بقوله : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) على وجوب مراعاة ما بيّنه تعالى في الكتاب من أحكام المواريث ، وما بيّنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم من نحو قوله : «لا وصية لوارث» (٢) ، وقوله : «لك الثلث والثلث ...» (٣) ، قال ابن عباس : الضرار

__________________

ـ (٣ / ٦١٣). وانظر : المحتسب (١ / ١٨٣) ، واملاء ما منّ به الرحمن (١ / ١٧٧) ، ونصب [وصيّة] إن كان على المصدر ففيها حينئذ وجهان : أحدهما : أنها مفعول مطلق مؤكد ليوصيكم. وثانيهما : أنها مصدر في موقع الحال. وإن كان نصب [وصيّة] على المفعول به فيكون العامل فيه [مضارّ] على سبيل التجوّز. انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٨) ، وجامع البيان (٨ / ٦٧) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٩).

(١) سورة النساء ، الآية : ١٣ ونصّها : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

(٢) رواه الترمذي في كتاب الوصايا ، باب : ما جاء «لا وصية لوارث» رقم (٢١٢٢) ، والنسائي في الوصايا ، باب : إبطال الوصية للوارث (٦ / ٢٤٧) ، وقال الترمذي : حسن صحيح.

(٣) جزء من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه حينما سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الوصية فقال له : «الثلث والثلث كثير» رواه البخاري ـ كتاب

٣٠٣

في الوصية من الكبائر ، ثم قرأ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ)(١) ، وقد روي ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة سبعين سنة ، فإذا أوصى حاف (٣) في وصيته ، فيختم له بسوء عمله» (٤) ، ووصف الفوز بالعظيم اعتبارا بفوز الدنيا

__________________

ـ الوصايا ، باب : «أن يترك ورثته أغنياء خير من أن يتكففوا الناس» رقم (٢٧٤٢). ورواه مسلم ـ كتاب الوصية ، باب «الوصية بالثلث» رقم (١٦٢٨). ورواه أبو داود في الوصايا ، باب : «ما لا يجوز للموصي في ماله» رقم (٢٨٦٤). ورواه الترمذي في الوصايا ، باب : «ما جاء في الوصية بالثلث» رقم (٢١١٦) وقال : حسن صحيح.

(١) رواه الطبري في جامع البيان (٨ / ٦٥) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٨٩) ، والبيهقي في سننه (٦ / ٢٧١).

(٢) رواه الطبري في جامع البيان (٨ / ٦٥) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٨٩) ، والبيهقي في سننه (٦ / ٢٧١) ، وقال البيهقي عن الموقوف : هذا هو الصحيح موقوف. وكذلك رواه ابن عيينة وغيره عن داود موقوفا. وروي من وجه آخر مرفوعا ، ورفعه ضعيف.

(٣) حاف : أي جار وظلم. انظر : مختار الصحاح ص (١٦٥).

(٤) رواه أبو داود ـ كتاب الوصايا ، باب : «ما جاء في كراهية الإضرار في الوصية» رقم (٢٨٦٧). ورواه الترمذي في الوصايا ، باب : ما جاء في الضرار في الوصية رقم (٢١١٧). ورواه ابن ماجه في كتاب الوصايا ، باب : «الحديث في الوصية». ورواه البيهقي في سننه (٦ / ٢٧١) ، وعبد الرزاق رقم (١٦٤٥٥) والطبراني في الأوسط رقم (٣٠٢٦) وقال الترمذي : حديث حسن غريب.

٣٠٤

الموصوف بقوله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(١) والقليل والصغير في وصفها متقاربان.

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ)(٢) الآية. كما وصف في مراعاة الحدود ثواب مراعيها وصف في تضييعها عقاب متعديها ، وأطلق القول فيهما ليكون عامّا في ذلك / وفي غيره من الحدود التي بيّنها ، وذكر في العذاب الهوان ، كما ذكر (٣) في غيره الخزي لما عرف من عادة كثير من الناس أن تقل مبالاتهم بالشدائد ما لم يضامّها ، الهوان حتى قالوا : المنيّة ولا الدنيّة (٤) ، والنار ولا العار (٥). فبيّن أنه يجمع لهم الأمران.

قوله تعالى : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ)(٦) الآية. فائدة

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٧٧.

(٢) سورة النساء الآية : ١٤ ، ونصها : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ).

(٣) في الأصل : (ذكره) والصواب حذف الهاء.

(٤) هذا مثل ينسب لأوس بن حارثة. يضرب لمن يختار المسلك الأصعب على السهل المزري. انظر : مجمع الأمثال للميداني (٢ / ٣٠٣) ، والأمثال للقاسم بن سلام ص (١١٣) و (١٨٣) ، وجمهرة الأمثال (٢ / ٢٥٣).

(٥) المثل في المستقصى للزمخشري (١ / ٣٥١) ، ومجمع الأمثال (٤ / ٣١٥).

(٦) سورة النساء ، الآية : ١٥. ونص الآية : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً).

٣٠٥

الإضافة في قوله : (مِنْ نِسائِكُمْ) تنبيه على الحرائر ، وقيل : تنبيه على المحصنات دون الأبكار ، وقيل : على المزوجات أبكارا كن أو ثيّبات (١) ، قال ابن عباس في هذه الآية ، وفي قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ)(٢) إن الزانيين كانا يؤذيان بالتعيير والتعزير ، والمرأة كانت تحبس في البيت إلى أن أنزل الله قوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ)(٣) الآية (٤) ، وقيل : المراد بالآيتين البكران (٥) ، وقوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً :)(٦) «البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثّيب بالثّيب جلد مائة

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٧٣) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٤٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٨٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٥). وقال ابن العربي : «والصحيح عندي أنه أراد جميع النساء ، لأنه مطلق اللفظ الذي يقتضي ذلك وعمومه». أحكام القرآن (١ / ٣٥٥).

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٦.

(٣) سورة النور ، الآية : ٢.

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ٧٤) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٢ ، ٨٩٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠٥).

(٥) هذا القول مرويّ عن السدي وابن زيد وسعيد بن جبير وهو اختيار ابن جرير الطبري وذلك في الآية الثانية دون الأولى. انظر : جامع البيان (٨ / ٨٢ ، ٨٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٢) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٠٧).

(٦) سورة النساء ، الآية : ١٥.

٣٠٦

والرجم» (١) ، وهذا مما استدلّ به من ادّعى جواز نسخ القرآن بالسنة (٢) ، ومن أنكر ذلك (٣) فله من ذلك أجوبة : أحدها : أن هذا كان حكما مقيدا بوقت ، لقوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً ،) وتقديره : أمسكوهن إلى أن يتبين لكم حكمهن ، فصار ذلك بالكتاب معلوما ، وإنما حظ السنة فيه بيان قدر الزمان ، الذي وقّته الكتاب مجملا (٤). والثاني : أن الأذى كان في الأبكار اللاتي لم يتزوجن ، والحبس في المتزوجات منهن قبل الدخول ، بدلالة

__________________

(١) لفظ الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خذوا عني ، خذوا عني ، قد جعل الله لهن سبيلا ...» فذكره. رواه مسلم في كتاب الحدود ، باب : حدّ الزنى رقم (١٦٩٠).

(٢) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والجمهور. انظر : الكلام على نسخ القرآن بالسنة في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠٧) ، والمستصفى للغزالي (١ / ٢٣٦) ، والإحكام في أصول الأحكام لابن حزم (٤ / ٥١٨) ، وللآمدي (٣ / ٢١٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٦) ، وإرشاد الفحول ص (١٩١). وقال ابن عطية : «وهذا الذي عليه الأئمة المحققون أن السنة المتواترة تنسخ القرآن إذا هما جميعا وحي من الله ويوجبان جميعا العلم والعمل» المحرر الوجيز (٤ / ٤٨).

(٣) كالشافعي وأحمد. انظر : التفسير الكبير (٩ / ١٨٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٦) ، ومذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص (١٠١).

(٤) انظر : معالم التنزيل (٢ / ١٨١) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٦).

٣٠٧

قوله : (مِنْ نِسائِكُمْ) ثم نسخ حكم الحبس والأذى في الأبكار بآية الجلد ، وأمّا الرجم فقد أخذ حكمه عن السنة (١) ، ولهذا قال عليّ عليه‌السلام حيث جلد محصنا ورجمه ، فسئل عن ذلك؟ فقال : «أجلده بكتاب الله ، وأرجمه بسنة رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٢) ، فدلّ أنه لم يفهم من سنة النبي نسخ الآية. والثالث : أن حكم النسخ وقع بقرآن ، قد رفع تلاوته ، وبقي حكمه ، وهو ما روي عن عمر رضي الله عنه : كان مما يقرأ في القرآن : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله ، والله عزيز حكيم (٣). فهذه أقوال عامة المفسرين ، وأما ابن بحر فإنه قال : المراد بقوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ) وبقوله : (وَالَّذانِ

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٨٤ ـ ٨٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠٧ ، ١٠٨) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٠٦ ، ٤٠٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٨٧) ، وهو قول السدي وقتادة.

(٢) أثر علي رضي الله عنه رواه البخاري في كتاب الحدود ، باب : رجم المحصن ، رقم (٦٨١٢) ، وفيه أنه رجم امرأة لا رجلا. وانظر : المحرر الوجيز (٤ / ٥٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٨٧).

(٣) أثر عمر في الرجم أخرجه أبو داود ـ كتاب الحدود ـ باب : في الرجم ، رقم (٤٤١٨) ، وابن ماجه ـ كتاب الحدود ، باب : «الرجم» رقم (٢٥٥٣) من حديث ابن عباس. وأخرجه أحمد في المسند (٣ / ١٨٣) من حديث زيد بن ثابت.

وانظر : المحرر الوجيز (٤ / ٤٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣ / ٢٥٣).

٣٠٨

يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) ما يتعاطى الرجال بعضهم من بعض ، والنساء بعضهن مع بعض ، وبقوله : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي)(١) ما يتعاطى الرجل مع المرأة ، قال : ولا نسخ في ذلك ، قال : ويدل على ذلك أن (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ) متضمنة للإناث فقط ، (وَالَّذانِ) يتضمن المذكرين ، قال : ولا يصحّ أن يقال : إن المذكر والمؤنث إذا اجتمعا غلب المذكر ، لأن ذلك إنما يكون حيث تقدم لهما ذكر ، نحو قوله : (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ)(٢) قال : وقد روي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مباشرة الرجل الرجل زنى ، ومباشرة المرأة المرأة زنى» (٣) ، وهذا الذي قاله وإن ساعده اللفظ فعدول عن سنن السلف (٤).

__________________

(١) سورة النور ، الآية : ٢.

(٢) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٥.

(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (٨ / ٢٣٣) ، وفي شعب الإيمان (٤ / ٣٧٥) رقم (٥٤٥٨) من حديث أبي موسى مرفوعا بلفظ : «إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان ، وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان» وعزاه ابن حجر في التلخيص (٤ / ٦٢) للبيهقي وأبي الفتح الأزدي في الضعفاء والطبراني في الكبير وقال : «وفيه محمد بن عبد الرحمن القشيري ، كذبه أبو حاتم ...» ولم أقف عليه بهذا اللفظ في المعجم الكبير للطبراني.

(٤) انظر قول ابن بحر والرد عليه في : التفسير الكبير (٩ / ١٨٧ ، ١٨٨) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٤). وذكر قوله السمعاني أيضا في تفسير القرآن (١ / ٤٠٧) ولم يذكر قائله أو الرد عليه.

٣٠٩

قوله تعالى : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما)(١) الآية.

قد ذكر تفسيرها في الآية المتقدمة ، وقال مجاهد : هما الرجلان الزانيان ، يعني المتعاطيين اللواطة ، يعبّر عنها بالفاحشة (٢).

وقد روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن «اللواطة الزنى الصغير» (٣) ، وظاهر قوله : (فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) يقتضي أن التوبة تسقط الحبس والأذى عن الزانيين (٤) ، وقد قيل : الإعراض عنهما هو ترك التثريب (٥) المذكور في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا زنت أمة أحدكم ..» الخبر / إلى قوله : «فليبعها ولو بضفير ، ولا يثرّب عليها» (٦).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية ١٦ ونصها : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٨٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٥) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٢) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٤ ، ٢٠٦).

(٣) لم أقف عليه ، ولكن ورد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ، أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في الرجل يأتي امرأته في دبرها : «هي اللوطية الصغرى». رواه أحمد في المسند (٢ / ١٨٢ ، ٢١٠). وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٢٩٨) : رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط. وكذا قال المنذري في الترغيب رقم (٣٥٧٥).

(٤) وهذا اختيار الطبري. انظر : جامع البيان (٨ / ٨٨) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٧).

(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٨). ومعنى التثريب : التعيير والاستقصاء في اللوم. انظر : مختار الصحاح ص (٨٣).

(٦) رواه البخاري ـ كتاب البيوع ، باب : بيع المدبّر (٤ / ٤٩١) رقم (٢٢٣٤).

٣١٠

قوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ)(١) الآية. تعني أن قبول التوبة قد أخذ الله على نفسه تفضّلا لمن تاب من قريب إذا بدر منه سوء ، وقوله : (بِجَهالَةٍ) فيه أقوال : الأول : يأتيه سهوا من غير قصد إلى الفاحشة (٢). الثاني : عن جهل بكونه ذنبا (٣). الثالث : أن يعلمه لكن لا يعلم كونه كبيرة ، ولا قدر عقوبته (٤). الرابع : أن يعلمه ويعلم عقوبته ، لكن يتبع شهوته (٥) ،

__________________

ـ ورواه مسلم : كتاب الحدود ، باب : رجم اليهود أهل الذمة في الزنا (٣ / ١٣٢٨) رقم (١٧٠٣). ورواه أبو داود : كتاب الحدود ، باب : في الأمة تزني ولم تحصن رقم (٤٤٧٠). والترمذي في كتاب الحدود وقال : حسن صحيح ، باب : ما جاء في الرجم على الثيّب رقم (١٤٣٣).

وابن ماجه ، باب : إقامة الحدود على الإماء (٢ / ٨٥٧) رقم (٢٥٦٦).

(١) سورة النساء ، الآية : ١٧ ونصّها : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).

(٢) نقل أبو حيان هذا القول عن الماتريدي في البحر المحيط (٣ / ٢٠٨).

(٣) ذكر أبو حيان هذا القول في البحر المحيط (٣ / ٢٠٨) ولم ينسبه.

(٤) ذكر ابن عطية هذا القول عن ابن فورك وضعفه. المحرر الوجيز (٤ / ٥٤) ، وذكره الطبري عن بعض أهل العربية وردّه ، ويبدو أنه يقصد الفرّاء.

انظر : جامع البيان (٨ / ٩٢) ، ومعاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩٢).

(٥) وهذا اختيار الزجاج. انظر : معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٢٩) ، والوسيط

٣١١

ومرتكب الذنب وإن كان يعلم كونه ذنبا يقال له جاهل ، ومن هذا الوجه قال مجاهد : الجهالة : العمد (١) ، وقول من قال : الجهالة : المعصية (٢) فعلى هذا ، لأن كل معصية جهالة ، وإن لم يكن كل جهالة معصية ، وقوله : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) أي قبل الموت (٣) ، بدلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله يغفر لعبده ما لم يقع الحجاب».

__________________

ـ (٢ / ٢٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩٢) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٨).

(١) وهذا مروي عن مجاهد والضحاك وضعّفه ابن جرير. انظر : جامع البيان (٨ / ٩٠ ، ٩١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٧) ، وتفسير مجاهد ص (٢٧٠) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٤) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٥٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٠٨).

(٢) وهذا قول كافة الصحابة. قال قتادة : أجمع أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا وهو قول ابن عباس والسدي وأبي العالية ومجاهد وابن زيد واختاره ابن جرير الطبري. انظر : جامع البيان (٨ / ٨٩ ، ٩٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٧) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٢٩) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٤) ، والوسيط (٢ / ٢٦ ، ٢٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٤) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٥٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٩).

(٣) وهذا مروي عن الضحاك وعكرمة وقتادة وابن زيد وأبي قلابة والحسن والضحاك ، واختاره ابن جرير الطبري. انظر : جامع البيان (٨ / ٩٤ ـ ٩٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٩٨ ، ٨٩٩) ، والنكت والعيون

٣١٢

قيل : يا رسول الله : وما وقوع الحجاب؟ قال : «موت النفس مشركة» (١) ، وروي : «من تاب قبل موته بساعة تاب الله عليه» (٢) ، وسمّي مرة قليلا (٣) لقوله : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٤) والقريب والقليل في نحو ذلك يتقاربان ، وقال بعضهم : نبّه بقوله : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) على لطيفة ، وهي أن الإنسان إذا ارتكب ذنبا صدأ قلبه ، فإن أقلع زال صدأه ، وإن استمرّ رين على قلبه ، وإن لم ينزع طبع عليه وأقفل ، ثم يتعذر عليه الرجوع ، وعلى ذلك نبّه بقوله في قصة المنافقين (٥)(إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ)(٦) فإذا كان كذلك فحق لمن بدرت منه بادرة أن يتداركها قبل أن

__________________

ـ (١ / ٤٦٤) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٠٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٩).

(١) رواه أحمد (٥ / ١٧٤) ، والحاكم (٤ / ٢٥٧) ، والبخاري في التاريخ الكبير (١ / ٢ / ٢١). وقال الحاكم : صحيح. ووافقه الذهبي. وعزاه السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٤٦١) إلى ابن مردويه.

(٢) رواه البخاري في التاريخ الكبير (١ / ٤٢٧) بهذا اللفظ. ورواه الطبري (٤ / ٢٠٦) بلفظ : من تاب قبل موته بفواق ناقة ، ورواه الحاكم (٤ / ٢٥٧) ، والخطيب في التاريخ (٨ / ٣١٧) بلفظ : من تاب قبل أن يغرغر.

(٣) في الأصل : (قريبا) وهو خطأ والصواب ما أثبته.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٧٧.

(٥) في الأصل المتلفقين ، وهو تصحيف ، والصواب ما أثبته.

(٦) سورة التوبة ، الآية : ٨٣.

٣١٣

تصير الشهوة مستولية عليه ، فتأبى الطباع على الناقل.

وقوله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ)(١) الآية. أعتدنا. قيل : أصله : أعددنا ، فأبدل من إحدى الدالين تاء ، وقيل : هو أفعلنا من العتاد أي العدة ، وهو ادخار الشيء قبل الحاجة إليه (٢) ، والله تعالى غني عن الإعداد ، وإنما القصد أنه لا يعجزه عذابهم حيث شاء ، والسيئات ههنا عبارة عن الشرك والكبائر. وحضور الموت : معاينة ملك الموت. بيّن تعالى أن التوبة تفوت إذا أخّرت إلى ذلك ، ولذلك لم ينفع إيمان من آمن عند رؤية العذاب ، حيث قال تعالى : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا)(٣) ، وقال : (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ)(٤) الآية ، وقوله : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً)(٥) الآية.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٨. ونص الآية : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ١٠٣) ، والمفردات ص (٥٤٥) ، وبصائر ذوي التمييز (٣ / ١٨).

(٣) سورة غافر ، الآية : ٨٥.

(٤) سورة الأنعام ، الآية : ١٥٨.

(٥) سورة المؤمنون ، الآيتان : ٩٩ ، ١٠٠.

٣١٤

وجعل الناس قسمين : مقصرين في العمل غير تاركين للإيمان ، وهم الذين عناهم الله بقوله : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ) وتاركين للعمل والإيمان وهم المعنيون بقوله : (وَهُمْ كُفَّارٌ).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً)(١) الآية.

العضل : التضييق عليها بالمنع من التزويج (٢) ، وعضلت الدجاجة بيضها ، والمرأة بحملها ، والبقعة بأهلها ، وداء عضال منه (٣) ، ومعنى قوله : (أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) ما روي أن الرجل إذا مات في الجاهلية يرث امرأته ورثته : أخا كان أو ابنا من غيرها ، فإن شاء تزوجها بالصداق الأول ، وإن شاء زوّجها وأخذ مهرها (٤) ،

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٩ ونصّها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٠) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٣٠) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٦) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤١).

(٣) انظر : العين (١ / ٢٧٨) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣٠) ، ومجمل اللغة ص (٥٢٤) ، والمفردات ص (٥٧١) ، حيث قال الراغب : «وعضلت الدجاجة ببيضها والمرأة بولدها إذا تعسّر خروجهما .. وداء عضال : صعب البرء».

(٤) ورد هذا الأثر عن ابن عباس رضي الله عنه. رواه البخاري في صحيحه

٣١٥

وقوله : (كرها) ، وقرئ : (كرها) (١). قال الفرّاء : ما أكره عليه الإنسان فكره وما كان من قبيل نفسه فكره (٢) ، وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ) قيل : هو نصب معطوف على قوله : (أَنْ تَرِثُوا)(٣) ، وذكر أن في قراءة عبد الله / (ولا أن تعضلوهن) (٤) ، وقيل : هو

__________________

ـ كتاب التفسير ، باب : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) رقم (٤٥٧٩) ، والطبري في جامع البيان (٨ / ١٠٤) ، وأبو داود في سننه ، كتاب النكاح باب : قوله تعالى : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) .... رقم (٢٠٨٩) ، والبيهقي في سننه (٧ / ١٣٨).

(١) قرأ حمزة والكسائي وخلف (كرها) بالضم. وقرأ الباقون (كرها) بالفتح.

انظر : حجة القراءات ص (١٩٥) ، والمبسوط ص (١٥٥) ، والتلخيص ص (٢٤٣) ، والنشر (٢ / ٢٤٨).

(٢) لم أجده في معاني القرآن للفراء ، ولكن ذكره النحاس ونسبه إلى الفرّاء.

انظر : معاني القرآن للنحاس (٦ / ٤٤٧). وذكره أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢١٢) ونسبه للفراء. وذكره ابن زنجلة في حجة القراءات ص (١٩٥) ونسبه لأبي عمرو. وقال الكسائي : الكره والكره بمعنى واحد. انظر : معاني القرآن للكسائي ص (١١٢) ، وانظر : غريب القرآن للسجستاني ص (٣٩٥).

(٣) انظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٥٩) ، وجامع البيان (٨ / ١١٤) ، ومعاني القرآن وإعرابه للزجاج (٢ / ٣٠) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٣) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٦١) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٩٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٣).

(٤) ذكر هذه القراءة الفرّاء في معاني القرآن (١ / ٢٥٩) ، والطبري في جامع

٣١٦

جزم على النهي (١) ، قال ابن عباس وقتادة : المنهي عن العضل الزوج إذا لم يحتج إلى المرأة ، فيمسكها رغبة في مالها (٢) ، وقيل : بل الوارث المانع لها من التزوّج على سنّة الجاهلية (٣) ، وقيل : بل الولي (٤) ، وكل هؤلاء منهيون في الشرع عن العضل ، فيصحّ أن يكون خطابا لجماعتهم ، والفاحشة المذكورة ههنا قال الحسن : هي الزنا ، وللزوج أخذ الفدية إذا اطلع منها على ذلك (٥) ، وقال

__________________

ـ البيان (٨ / ١١٤) ، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣٠) ، والنحاس في إعراب القرآن (١ / ٤٤٣) ، وابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ٦١) ، والعكبري في إملاء ما منّ به الرحمن (١ / ١٧٩) ، والقرطبي في الجامع (٥ / ٩٦) ، وأبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٢١٣) ، والسمين الحلبي في الدر المصون (٣ / ٦٢٨).

(١) انظر : المصادر السابقة.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٦) ، وهو مروي عن ابن زيد والشعبي والضحاك.

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٠ ، ١١١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٦) ، وهذا مروي عن ابن عباس والحسن وعكرمة.

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٢ ، ١١٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٠٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠٩) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٢) ، ورجح الطبري وأبو حيان أن يكون الخطاب للأزواج.

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٥) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم

٣١٧

ابن عباس : هي نشوزها (١) ، وقد تقدّم الكلام في الخلع وجواز أخذ الفدية عن البضع (٢) ، وقال الزبيري (٣) : الاستمناء من العضل ، وكان للزوج منعها على ما أمر به تعالى في قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ)(٤) ، وذلك قبل نزول الحد ، وقوله : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي حسب ما يعرفه العقل

__________________

ـ (٣ / ٩٠٤) ، وذكر ذلك عن ابن عباس قال : وروي عن ابن مسعود وسعيد بن المسيب والحسن والشعبي وعكرمة في إحدى الروايات ، والضحاك في إحدى الروايات ، وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن سيرين وأبي قلابة ، وعطاء الخراساني وأبي صالح والسدي وزيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال نحو ذلك. وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٦٦).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١١٦ ، ١١٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٠٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٦) ، وهو مروي أيضا عن الضحاك وعائشة وابن مسعود ، وقتادة.

(٢) انظر : تفسير الراغب (ق ١٥٣ ـ مخطوط).

(٣) الزبيري : الزبير بن أحمد بن سليمان بن عاصم الزبيري أبو عبد الله فقيه شافعي ثقة ، كان إمام أهل البصرة في عصره ، عالم بالحديث والتفسير ، من مصنفاته «ناسخ القرآن ومنسوخه» توفي سنة ٣١٧ ه‍. انظر : تاريخ بغداد (٨ / ٤٧١) ، وطبقات المفسرين (١ / ١٨٢) ، والأعلام (٣ / ٤٢).

(٤) سورة النساء ، الآية : ١٥.

٣١٨

والشرع (١) ، وقيل : هو النصفة والنفقة والإجمال في القول (٢).

وفي قوله : (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً) الآية. أي ربّ شيء تكرهه ، ويكون في ذلك خير ، تنبيها على أمرين : أحدهما : أن لا يجب للإنسان أن يتّبع الهوى ، بل يفعل ما يقتضيه العقل والشرع. والثاني : التنبيه على كراهية الطلاق المدلول عليه بقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق» (٣) ، وروي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تزوجوا ولا تطلقوا ، فإن الله [لا](٤) يحب الذواقين والذواقات» (٥) ، وقال بعضهم : ذلك تنبيه أنه ربما كانت الكراهية

__________________

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١٢١).

(٢) وهو قول الزجاج. انظر : معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣٠) ، والوسيط (٢ / ٢٩).

(٣) رواه أبو داود في كتاب الطلاق ، باب : «في كراهية الطلاق» رقم (٢١٧٨) ، ورواه ابن ماجه في كتاب الطلاق ، الباب الأول ، حديث رقم (٢٠١٨) ، ورواه ابن عدي في الكامل (٤ / ٣٢٣) ، وابن الجوزي في العلل (٢ / ٦٣٨) وقال : هذا حديث لا يصح. وضعفه الألباني في إرواء الغليل رقم (٢٠٤٠).

(٤) ما بين المعكوفين ساقط من الأصل وأثبتّه من مصادره.

(٥) رواه ابن أبي شيبة بنحوه (٥ / ٢٥٣) ، والطبراني في الأوسط رقم (٧٨٤٨) ، والجصاص في أحكام القرآن (٢ / ١١٠) ، وعزاه الهيثمي في مجمع الزوائد (٤ / ٣٣٥) إلى البزار والطبراني في الكبير والأوسط ، وقال : أحد أسانيد البزار فيه عمران القطّان ، وثقه أحمد وابن حبان وضعفه يحيى بن سعيد وغيره.

٣١٩

تعرض لمصلحة ، قال : وذلك حثّ على مفارقتها حيث عدم موافقتها ، وإن كانت النفس تكره ذلك (١) ، وعلى هذا نبّه بقوله تعالى : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ)(٢).

قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ)(٣) الآية. البهتان : الكذب الذي يبهت سامعه لفظاعته ، ويستعمل في الفعل استعمال الصدق والكذب (٤) ، ولذلك قال ابن عباس : بهتانا : ظلما كبيرا ، (وَإِثْماً مُبِيناً :) ذنبا ظاهرا (٥) ، بيّن أنه لا يجوز لكم

__________________

(١) ذكر أبو حيان هذا القول في البحر المحيط (٣ / ٢١٤) ونسبه للأصم. ثم قال : وهذا القول بعيد من سياق الآية.

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٣٠.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٠ ونصّها : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

(٤) قال أبو عبيدة : «بهتانا : ظلما» مجاز القرآن (١ / ١٢٠) ، وانظر : تفسير غريب القرآن ص (١٢٢) ، وقال الزجاج : «البهتان : الباطل الذي يتحير من بطلانه» معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣١) ، وانظر : معاني القرآن للنحاس (٢ / ٤٨) ، وتهذيب اللغة للأزهري (٦ / ٢٤١) ، ومجمل اللغة ص (٨٦) ، والمفردات ص (١٤٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٥).

(٥) الوارد عن ابن عباس في هذه الآية أنه قال : (بُهْتاناً) أي حراما. (وَإِثْماً مُبِيناً) أي ظلما بينا. ورد هذا في التفسير المنسوب لابن عباس المسمى : «تنوير المقباس من تفسير ابن عباس» ص (٨٨) وهذا التفسير لا يجوز الاحتجاج به لأنه مروي من طريق الكلبي عن أبي

٣٢٠