تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

الرجوع فيما أعطيتموهن طلقتموهن أو أمسكتموهن ، وخصّ حال الاستبدال ليدخل فيه الحالة الأخرى ، وذلك توكيد لقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَ)(١) وقد استثنى من ذلك المطلقات قبل الدخول بهن (٢) ، لقوله : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ)(٣) واستثنى منه أيضا حال الافتداء المذكور في قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)(٤) الآية منسوخة بقوله : (إِلَّا أَنْ يَخافا)(٥) ، والصحيح أنها ليست منسوخة (٦) ، وقد تقدم ذلك في سورة البقرة (٧) ، وروي

__________________

ـ صالح عن ابن عباس. والكلبي ذكره الذهبي في الميزان (٣ / ٥٥٩) وقال : «يروي عن أبي صالح عن ابن عباس التفسير ، وأبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع الكلبي من أبي صالح إلا الحرف بعد الحرف».

(١) سورة النساء ، الآية : ١٩.

(٢) انظر : النكت والعيون (١ / ٣٠٦) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٢٤١) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٢١٨).

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٣٧.

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٩ ، وانظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ١٩٤ ، ١٩٥).

(٥) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٩.

(٦) انظر : جامع البيان (٨ / ١٣١) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١٠) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٧) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠١ ، ١٠٢).

(٧) انظر : تفسير الراغب المخطوط (ق ١٥٢).

٣٢١

أن رجلا كان عليه لامرأته من صداقها ألف دينار ، فوضعتها له ، فطلقها وتزوج غيرها ، فارتفعا إلى عبد الملك فقال : رد عليها. فقال : أليس الله يقول : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ)(١) ، فقال : اقرأ الآية الأخرى : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ)(٢) الآية.

قوله تعالى : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ)(٣) الآية. يقال : أفضى إلى فلان أي وصل إلى فضاء منه أي سعة غير محظورة (٤) ، فمن الفقهاء من جعل ذلك عبارة عن الخلوة حصل معها المسيس أو لم يحصل (٥) ، ومنهم من جعله

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٤.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٠.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢١. ونص الآية : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً).

(٤) انظر : العين (٧ / ٦٤) ، حيث قال الخليل : «يقال أفضى فلان إلى فلان إذا وصل إليه ، وأصله أنه صار في فرجته وفضائه» وانظر : غريب القرآن للسجستاني ص (٥٤) ، وتهذيب اللغة (١٢ / ٧٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١١) ، والمفردات ص (٦٣٩) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٧).

(٥) وهذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي بن أبي طالب وأبي حنيفة والكلبي والفراء. انظر : معاني القرآن (١ / ٢٥٩) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣١) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١١) ، والنكت والعيون

٣٢٢

كناية عن المسيس ، وإليه ذهب ابن عباس ومجاهد والسدي (١) ، ونبه أن المهر بإزاء ذلك المعنى ، وقد نلتموه منهن فلا حق لكم إذا عليهن ، والميثاق الغليظ : قيل (٢) هو ما قاله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» (٣) ، وقال مجاهد : الميثاق كلمة النكاح (٤) ، وقال الحسن : هو قول : / (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ

__________________

ـ (١ / ٤٦٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٧) ، واختار هذا القول. والبحر المحيط (٣ / ٢١٦).

(١) وهذا مرويّ أيضا عن ابن مسعود وهو قول ابن جرير الطبري. انظر : جامع البيان (٨ / ١٢٥ ، ١٢٦) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٠٨) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٧) ، وحكي عن مالك في ذلك ثلاث روايات : إحداهن : يستقر المهر بالخلوة. الثاني : لا يستقر إلا بالوطء. والثالث : يستقر بالخلوة في بيت الإهداء. قال : والأصح استقراره بالخلوة مطلقا ، ويليه في بيت الإهداء ، وأما وقوفه على الوطء فضعيف.

(٢) هذا قول الربيع ومجاهد وعكرمة. انظر : جامع البيان (٨ / ١٢٩ ، ١٣٠) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٠٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٣).

(٣) رواه ابن جرير الطبري (٨ / ١١٨) ، ومسلم في كتاب الحج ، باب : «حجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» رقم (١٢١٨). وأبو داود في كتاب المناسك ، باب : صفة حجة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رقم (١٩٠٥) من حديث جابر رضي الله عنه.

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ١٢٨ ، ١٢٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي

٣٢٣

تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ)(١) ، وقيل : قول الذين يزفونها (٢) ، وكل ذلك يصح إرادته بالميثاق.

قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)(٣) الآية. اختلفوا في النكاح ههنا ، فحمله أصحاب أبي حنيفة على الجماع ، وقال : هو حقيقة فيه ، فحرّموا كل امرأة باضعها الأب حلالا أو حراما على الابن (٤). وحمله الشافعي على العقد ، وقال : هو حقيقة فيه ، ولم يحرم من النساء على الابن إلا ما تزوج بها أبوه دون

__________________

ـ حاتم (٣ / ٩٠٩) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١١) ، والنكت والعيون (١ / ٦٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٦).

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٩. وهو قول الحسن وابن سيرين والضحاك وقتادة والسدي. انظر : جامع البيان (٨ / ١٢٧ ، ١٢٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٠٩) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١١) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٧) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٦).

(٢) يزفونها : يهدونها إلى زوجها. انظر : المصباح المنير ص (٩٦).

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٢ ونصّها : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً).

(٤) انظر : قول الإمام أبي حنيفة وأدلته في : التفسير الكبير (١٠ / ١٥) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٨ ، ٣٧٩) ، وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١٢ ، ١١٣). وذكر الأزهري عن الليث : أنّه : «لا يعرف شيء من ذكر النكاح في كتاب الله تعالى إلّا على معنى التزويج ..» انظر : تهذيب اللغة (٤ / ١٠٢) ، وقال الخليل : نكح ينكح نكحا وهو التبضع (أي الوطء) ويجري نكح أيضا مجرى التزويج» انظر : العين (٣ / ٦٣).

٣٢٤

من زنى بها (١) ، والصحيح أنه للعقد ، لأن أسماء الجماع والفرج والغائط في لسانهم كنايات (٢) ، وذلك أنهم لما عنوا بإخفاء هذه الأشياء أخفوا أيضا أسماءها ، فعدلوا عن التصريح إلى الكنايات ، حتى إنهم متى عرف فيما بينهم كناية في شيء من ذلك عدلوا إلى كناية أخرى ، ومن تتبع كلامهم عرف ما قلته ، فكيف يستعيرون لفظ الجماع لما هو أحسن عندهم منه (٣) ، ثم لا خلاف أن العقدية مراد ، ولا خلاف أيضا أن الوطء بملك اليمين يجري مجرى العقد في العقد بها ، وقوله : (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ) قيل : هو في موضع المفعول ، فوضع ما الذي هو للجنس موضع من الذي هو

__________________

(١) انظر : قول الإمام الشافعي في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١١٣) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٧٠) ، والتفسير الكبير (١٠ / ١٥) وما بعدها. وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٩).

(٢) فالجماع في الأصل : الاجتماع ، والفرج في الأصل : كل فرجة بين شيئين ، والغائط : المكان المنخفض. ثم كنّي بها عن الوطء والعورة والعذرة.

انظر : العين (٦ / ١٠٩) ، والقاموس المحيط ص (٦١٢) و (٦٤٠).

(٣) بيّن الراغب رأيه أكثر في المفردات ، إذ قال : «أصل النكاح للعقد ، ثم استعير للجماع ، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد ، لأن أسماء الجماع كلها كنايات ، لاستقباحهم ذكره كاستقباحهم تعاطيه ، ومحال أن يستعير من لا يقصد فحشا اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه». المفردات ص (٨٢٣).

٣٢٥

للنوع (١) ، وقيل : معناه لا تنكحوا كنكاح آبائكم ، فما في موضع المصدر (٢) ، وقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ.) قال : بعضهم : معناه بعد ما قد سلف كقولك : لا تبع من متاعي إلا ما قد بعت (٣) ، وقول الشاعر :

هجاؤك إلا أنّ ما كان قد مضى

عليّ كأثواب الحرام المهيم (٤)

وقيل : هو بمعنى لكن على الاستئناف ، كأنه قيل : لكن ما قد

__________________

(١) وهو رأي أبي عبيدة في المجاز (١ / ١٢٠) ، وانظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٨ ، ٣٦٩) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٦).

(٢) وهو قول الطبري والزجاج والنيسابوري. انظر : جامع البيان (٨ / ١٣٧ ، ١٣٨) ، ومعاني القرآن وإعرابه (٢ / ٣٢) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٧٩).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ١٣٦) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣٢) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠٤). وقال الأخفش في تفسير هذه الآية : «ومثل هذا في كلام العرب كثير ، تقول : لا تصنع ما صنعت ، ولا تأكل ما أكلت». معاني القرآن (١ / ٤٤٠).

(٤) البيت في : المعاني الكبير (١ / ٤٨٤) و (٣ / ١١٧٧) وهو من بحر الطويل ، قال ابن قتيبة : معناه : «هجاؤك عليّ حرام كحرمة الثياب على المحرم (الحرام) المسبّح الذي يقرأ (المهيم).

٣٢٦

سلف أنه كان فاحشة ومقتا (١). وقال بعضهم : تقديره ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم ، إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ، (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) أي ما قد سلف ليس بفاحشة ، وهذا لا يصح من أجل اللفظ ، فإن ما يتصل بما بعد (أن) لا يقدم عليه ، لا تقول : عمرا إن زيدا يضرب ، وتعنى أن زيدا يضرب عمرا (٢) ، وتحقيق هذا الاستثناء أن قوله : (وَلا تَنْكِحُوا) دل على أنه محرم ، وتعاطي المحرم يقتضي العقوبة ، فكأنه قيل : تستحقون العقوبة بنكاح ما نكح آباؤكم إلا ما قد سلف ، فإن ذلك متجافى عن عقوبته عنكم ، ولا يجوز أن يكون معناه متجافى عن الإقرار عليه ، فإنه مجمع أن لا يقارّ عليه أحد إلا حكاية عمن لا يعتد به (٣).

__________________

(١) وهو قول المبرّد والطبري. انظر : جامع البيان (٨ / ١٣٦ ، ١٣٧) ، وقال النحّاس : «وسيبويه يجعل (إلّا) بمعنى : (لكن) المعنى : لكن ما قد سلف فإنه مغفور أو فدعوه» انظر : معاني القرآن (٢ / ٥٠) ، وانظر : كتاب سيبويه (٢ / ٣٢٦) ، وانظر : معنى الآية في : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٦٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٧) ، والجامع لأحكام القرآن (١٠٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٨٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٧).

(٢) أي ما كان في حيّز (إن) لا يتقدم عليها. انظر : التفسير الكبير (١٠ / ٢٠) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٨٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٧).

(٣) قال ابن كثير : «وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو

٣٢٧

وقوله : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) ، قيل : معناه نكاحهن بعد النهي فاحشة (١) ، وكان زائدة (٢) ، وقيل : عنى أنه كان فاحشة ، من قبل (٣) تنبيها أن ذلك لم يكن من الأشياء التي ورد بها الشرع ، ثم نسخ ، كذا كثير من الأحكام ، بل كان ذلك من المستشنع الممقوت ، ولذلك كان يسمى ولد الرجل من امرأة أبيه المقتي (٤) ، وقوله : (إِنَّهُ) أي إن ذلك النكاح (٥) ، ودل عليه بذكر الفعل ،

__________________

ـ ملك أو شبهة ، واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع ، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية ، فعن الإمام أحمد رحمه‌الله أنها تحرم أيضا بذلك». تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٤٤).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١٣٨).

(٢) وهذا قول المبرد وقد نسبه النحاس وابن عطيّة وأبو حيّان للمبرد ، انظر : معاني القرآن (٢ / ٥١) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٦٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٧). وقال ابن عطية : «وذلك خطأ يرد عليه وجود الخبر منصوبا».

وقال أبو حيان : «وينبغي أن يتأول كلامه على أن (كان) لا يراد بها تقييد الخبر بالزمن الماضي فقط ، فجعلها زائدة بهذا الاعتبار». وانظر : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٠) ، والدر المصون (٣ / ٦٣٨).

(٣) في المخطوط : (وقيل) ولا يستقيم به الكلام ، والصواب ما أثبته.

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ١٣٧) ، وتهذيب اللغة (٩ / ٦٧) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١١) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٦٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠٤ ، ١٠٥) ، وعمدة الحفاظ (٤ / ١١٨).

(٥) قال السمين الحلبي : (إنه) عائد على النكاح المفهوم من قوله : (وَلا

٣٢٨

كما دل على السفه بلفظ السفيه في قول الشاعر :

إذا نهي السفيه جرى إليه (١)

 ...

قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ)(٢) الآية. قال ابن عباس : حرم الله أربع عشرة امرأة : سبعا من جهة النسب ، وسبعا من جهة السبب (٣) ،

__________________

ـ تَنْكِحُوا) ، ويجوز أن يعود على الزنا إذا أريد بقوله (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) الزنا. الدر المصون (٣ / ٦٣٨). وانظر : البحر المحيط (٣ / ٢١٧).

(١) هذا صدر بيت من بحر الوافر وتمامه :

إذا نهي السفيه جرى إليه

وخالف والسفيه إلى خلاف

وهو في معاني القرآن للفرّاء (١ / ١٠٤) ، وتأويل مشكل القرآن ص (٢٢٧) ، ومجالس ثعلب (١ / ٦٠) ، ونقائض جرير والأخطل ص (١٥٧) ، والخصائص (٣ / ٤٩) ، والمحتسب (١ / ١٧٠) ، وأمالي ابن الشجري (١ / ١٠٣) ، وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجاج (٣ / ٩٠٢).

(٢) سورة النساء ، الآية : ٢٣ ، ونصّها : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً).

(٣) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٨ / ١٤١ ، ١٤٢) ، وابن أبي حاتم

٣٢٩

فالمحرمات من جهة النسب : الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت ، ومن جهة السبب : أمهاتكم اللاتي أرضعنكم ، وأخواتكم من الرضاعة ، وأمهات نسائكم ، وربائبكم اللاتي في حجوركم ، وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ، وأن تجمعوا بين الأختين ، / وقد قال قبل : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)(١) فقوله : (أُمَّهاتُكُمْ) تناولهن والجدات وإن علون ، وكذا البنات : تناولهن وبنات الأولاد وإن سفلن ، وكذلك الأخوات يتناول التي للأب والتي للأم والتي لهما ، وكذلك بنات الأخ وبنات الأخت : يتناول بناتهما على ذلك الحد بناتهما وإن سفلن ، وخص تحريم العمات والخالات دون أولادهن ، وجاز أن تكون بنات الأخ وبنات الأخت مفردين ، لأن الأخ والأخت يتناول كل واحد منهما ، وكان لفظ الواحد ههنا أخص لإضافة الجمع إليهما (٢) ،

__________________

ـ في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩١١) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٣٠٤) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي. ولفظه عندهم : «حرم من النسب سبع ، ومن الصّهر سبع». أما قول الراغب :

«سبعا من جهة النسب ، وسبعا من جهة السبب» فهو اصطلاح الفقهاء ، كما ذكر السمعاني في تفسير القرآن (١ / ٤١١).

(١) سورة النساء ، الآية : ٢٢.

(٢) انظر : تعداد المحرمات من النساء في : تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١١

٣٣٠

وإنما قال : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) تنبيها على تأكيد تحريم الرضاع أنها تجري مجرى النسب (١) ، ولأن في ذكر (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي) تنبيها أن ليس كل رضاع يحرم (٢) ، إشارة إلى ما روي من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان» (٣)

__________________

ـ ٤١٣) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٨٨) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٦٩ ـ ٧٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠٥ ـ ١٠٦) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٨٥ ـ ٣٨٩) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٨ ، ٢١٩) ، ونظم الدرر (٢ / ٢٣٢ ، ٢٣٣).

(١) قال البيضاوي : «نزّل الله الرضعة منزلة النسب ، حتى سمى المرضعة أمّا ، والمرضعة أختا ، وأمرها على قياس النسب باعتبار المرضعة ووالد الطفل الذي درّ عليه اللبن». أنوار التنزيل (١ / ٢٠٨) ، وانظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٨٥) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٩).

(٢) انظر : أقوال العلماء حول الرضاع المحرّم في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٢٤ ـ ١٢٦) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٧٣ ـ ٣٧٥) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٠٩ ـ ١١١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٥).

(٣) رواه مسلم في كتاب الرضاع ، باب التحريم بخمس رضعات ، رقم (١٤٥١). والنسائي في كتاب النكاح ، باب : «القدر الذي يحرم من الرضاعة» (٦ / ١٠٠). وأبو داود كتاب النكاح ، باب : «هل يحرم ما دون خمس رضعات» رقم (٢٠٦٢). والترمذي وقال : حسن صحيح ، في كتاب «الرضاع» ، باب «لا تحرم المصة ولا المصتان» رقم (١١٥٠). وابن ماجه في الرضاع ، باب «لا تحرم المصة ولا المصتان» رقم (١٩٤٢).

٣٣١

وقوله : (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) لا خلاف أنه صفة لربائبكم ، وأنه لا يحرم التزوج بهن إلا بالدخول بأمهاتهن (١) ، واختلف هل يرجع إلى قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) مع كونه شرطا في الربائب؟ (٢) ، فروي عن أمير المؤمنين علي عليه‌السلام أنه يرجع إليهما ، وأن من طلق امرأته قبل الدخول بها فله أن يتزوج بأمها (٣) ، وقال عمر وابنه وابن مسعود : ليس يرجع إلا إلى الربائب ، وذكروا أن أم المرأة تحرم بنفس العقد (٤) ، وأكد ذلك

__________________

ـ وابن حبان رقم (٤٢٢٨) ، والطحاوي في شرح مشكل الآثار رقم (٤٥٥٦) والإملاجة : هي تناول الثدي بأدنى الفم. انظر : مجمل اللغة ص (٦٧٣).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ١٤٨) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٧١ ، ٧٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١١٢).

(٢) قال ابن عطية : قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) قال جمهور أهل العلم : هي تامة العموم فيمن دخل بها أو لم يدخل ، فبالعقد على الابنة حرمت الأم ، وهذا مذهب جملة الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار.

وانظر : جامع البيان (٨ / ١٤٣ ـ ١٤٥) ، والبحر المحيط (٣ / ٢١٩).

(٣) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٨ / ١٤٤ ، ١٤٥) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩١١) ، وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٢٧ ، ١٢٨) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤١٢). قال الجصاص : «وأهل النقل يضعفون حديث خلاس عن علي ، ويروى عن جابر بن عبد الله مثل ذلك ، وهو قول مجاهد وابن الزبير وعن ابن عباس روايتان ..».

(٤) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١١) ، وزاد على ما ذكر

٣٣٢

بما روي عن عمرو بن شعيب (١) عن أبيه عن جده إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيما رجل نكح امرأة فدخل بها أو لم يدخل بها فلا يحل له نكاح أمها» (٢) ، وحكي عن زيد أنه فصل بين أن يطلقها قبل الدخول أو تموت عنه ، ولم يحرم بالطلاق وحرم بالموت ، وأجرى الموت مجرى الدخول ، كما جعل الفقهاء في استقرار المهر (٣) ،

__________________

ـ الراغب من أصحاب هذا القول : عمران بن حصين ومسروق وطاوس وعكرمة ، وعطاء والحسن ومكحول وابن سيرين وقتادة والزهري.

وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٢٧).

(١) عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي أبو إبراهيم ، ويقال : أبو عبد الله المدني ، ويقال الطائفي ، سكن مكة وكان يخرج إلى الطائف ، صدوق من الخامسة. قال أبو زرعة : روى عنه الثقات ، وإنما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جدّه. توفي سنة ثماني عشرة ومائة. انظر : تهذيب التهذيب (٨ / ٤٨ ـ ٥٥) ، وتقريب التهذيب ص (٤٢٣).

(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان (٨ / ١٤٦) وضعفه ، ورواه البيهقي في السنن (٧ / ١٦٠) ، وقال : مثنى بن الصباح غير قوي. وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٢) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر.

(٣) قال الجصاص : «ويشبه أن يكون زيد بن ثابت إنما فرق بين الموت والطلاق في التحريم ، لأن الطلاق قبل الدخول لا يتعلق به شيء من أحكام الدخول ، ألا ترى أنه يجب فيه نصف المهر ، ولا تجب عليها العدة ، وأما الموت فلما

٣٣٣

وذهب عامة الفقهاء إلى أن لا فرق بين تحريم ربيبتك في حجرك كانت أو لم تكن (١) إلا ما حكى إسماعيل بن إسحاق (٢) : أن امرأتي توفيت فلقيت عليّا عليه‌السلام فقال : ألها بنت؟ فقلت : نعم ، وهي بالطائف ، فقال : أكانت في حجرك؟ فقلت : لا ، فقال : انكحها ، فقلت : فأين قوله : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)(٣) فقال : إنما ذلك إذا كان في حجرك (٤) ، وما قاله

__________________

ـ كان في حكم الدخول في باب استحقاق كمال المهر ووجوب العدة جعله كذلك في حكم التحريم» أحكام القرآن (٢ / ١٢٧).

(١) قال القرطبي : «واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم ، وإن لم تكن الربيبة في حجره ، وشذّ بعض المتقدمين وأهل الظاهر فقالوا : لا تحرم عليه الربيبة ، إلا أن تكون في حجر المتزوج بأمها».

الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١١٢) ، وقال ابن كثير : «وهذا هو مذهب الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة وجمهور الخلف والسلف» تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٦). ولمعرفة أقوال الفقهاء انظر : المقدمات لابن رشد (١ / ٤٥٧) ، وعقد الجواهر الثمينة (٢ / ٣٩) ، والحاوى الكبير للماوردي (٩ / ٢٠٩) ، ومعونة أولي النهى (٧ / ١٢١).

(٢) هكذا في الأصل ، والثابت في الرواية أنه مالك بن أوس بن الحدثان.

(٣) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٤) رواه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٩١٢) ، وزاد السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٢٤٣) نسبته إلى عبد الرزاق ، وقال : سنده صحيح.

وقال ابن كثير بعد أن ساق إسناد ابن أبي حاتم : هذا إسناد قوي ثابت إلى

٣٣٤

فهو ظاهر الآية ، واختلف في قوله : (اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) هل يقتضي الزنا؟ فمنهم من قال : يتناوله وعليه تأول (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ)(١) ومن قال : لا يتناوله ، وقد تقدم ذلك (٢) ، وقوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) إنما خص ذلك ليخرج منه المتبنى ، فذلك في معنى قوله : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها)(٣) الآية (٤) ، والحلائل ههنا كالأزواج (٥) ، ثم وفي قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)(٦) تنبيه أنه لا يصح العقد عليهما معا في الإسلام ، ومتى فعل فعقدهما باطل ، ومتى عقد على إحداهما فعقد الثانية باطل ، وعند أبي حنيفة :

__________________

ـ علي بن أبي طالب على شرط مسلم ، وهو قول غريب جدّا. تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٦) ، وضعف بعض العلماء هذا الإسناد.

انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٢٩) ، وقال ابن العربي : «هذا باطل» أحكام القرآن (١ / ٣٧٨) ، ونقل القرطبي عن ابن المنذر والطحاوي تضعيفه. انظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١١٢).

(١) سورة النساء ، الآية ٢٢.

(٢) انظر : التفسير الكبير (١٠ / ٢٨).

(٣) سورة الأحزاب ، الآية : ٣٧.

(٤) انظر : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٧٩).

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ١٤٩).

(٦) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

٣٣٥

لا يجوز التزويج بإحدى الأختين إذا كانت الأخرى منه في عدة (١) ، ولا يجوز وطؤهما بملك اليمين عند عامة الفقهاء (٢) ، ومتى وطئت إحداهما لا يجوز وطء الأخرى إلا بإخراج الأولى من ملكه (٣) ، وقال أمير المؤمنين : أحلتهما آية وحرمتهما آية (٤) ، أي عموم

__________________

(١) انظر : الكلام على قول أبي حنيفة في : أحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٨٠) ، وشرح فتح القدير لابن الهمام (٣ / ٢١٤) ، واللباب في شرح الكتاب لعبد الغني الغنيمي (٣ / ٥) ، وانظر : أحكام الجمع بين الأختين في : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٠ ، ١٣١) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٧٩ ، ٣٨٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٧٢) ، والتفسير الكبير (١٠ / ٣٠ ـ ٣٢) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١١٦ ـ ١١٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٣١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٧).

(٢) وهو قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن مسعود والزبير وابن عمر وعمار وزيد بن ثابت. انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٠) ، والمقدمات لابن رشد (١ / ٤٥٨) ، والحاوي الكبير للماوردي (٩ / ٢٠١) ، ومعونة أولي النهى شرح المنتهى (٧ / ١٢٧).

(٣) قال ابن كثير : «وأما الجمع بين الأختين في ملك اليمين فحرام أيضا لعموم الآية» تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٤٧) ، وانظر ما سبق.

(٤) هذا مروي عن علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان وابن عباس رضي الله عنهم. انظر : تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٣ ، ٩١٤) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٧٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٨).

٣٣٦

قوله : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(١) يقتضي تحليلهما ، وعموم قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) يقتضي تحريمهما ، قال : وأما أنا فأحرم ذلك (٢) ، وروي عن ابن عباس أنه أجاز ذلك (٣) ، وقوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)(٤) يراد به ما / يراد بقوله (ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ)(٥).

قوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)(٦) الآية ....

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٣.

(٢) القول بالتحريم مشهور عن علي ولكن لم أجده بهذا اللفظ ، ولكن روي عنه أنه قال : «لا أجد أحدا فعل ذلك إلا جعلته نكالا» انظر : الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١١٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٤٨) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢٠٩). وذكر ابن عطية في تفسيره (٤ / ٧٢) عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال : «فأما أنا في خاصة نفسي ، فلا أرى الجمع بينهما حسنا». اه. ولكن المشهور عنه عدم المنع من ذلك كما في الأثر الذي أورده ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٤٤٨).

(٣) قال الجصاص : «وروي عن عثمان وابن عباس أنهما أباحا ذلك وقالا : أحلتهما آية ، وحرمتهما آية» أحكام القرآن (٢ / ١٣٠).

(٤) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٥) سورة النساء ، الآية : ٢٢. وقد تقدم الكلام على ذلك.

(٦) سورة النساء ، الآية : ٢٤. ونصّها : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ

٣٣٧

أصل الإحصان والحصن (١) من الحصن (٢) ، ومنه درع حصينه لكونه حصنا للبدن ، وكذلك فرس حصان (٣) ، وبهذا النظم قال الشاعر :

 .....................

أن الحصون الخيل لا مدر القرى (٤)

والحصان في الجملة المحصنة أي الممنوعة ، إما بعفتها أو بزوجها أو بمانع من شرفها (٥) أو حريتها ، ولما كان الحصن في

__________________

ـ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

(١) يقال أحصنت المرأة وحصنت بضم الصاد وفتحها. ومصدر الأولى الإحصان ومصدر الثانية : الحصن بتثليث الحاء. انظر : الأفعال لابن القوطيّة ص (٤٤) ، والقاموس (١٠٧٣).

(٢) قال الخليل : «الحصن : كل موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه».

انظر : العين (٣ / ١١٨).

(٣) الحصان : الفرس الفحل. انظر : العين (٣ / ١١٨) ، وانظر : معاني القرآن للفرّاء (١ / ٢٦٠) ، ومجمل اللغة ص (١٧٢) ، والمفردات ص (٢٣٩ ، ٢٤٠).

(٤) هذا عجز بيت من الكامل وتمامه :

ولقد علمت على تجشمي الردى

أن الحصون الخيل لا مدر القرى

وهو للأسعر الجعفي. انظر : الأصمعيّات ص (١٤١) ، الحيوان (١ / ٣٤٦) ، وبصائر ذوي التمييز (٢ / ٤٧٢).

(٥) في الأصل : شرعها والتصويب من المفردات ص (٢٣٩).

٣٣٨

أكثر المواضع يصح أن يكون من جهة الإنسان نفسه ، وأن يكون من جهة غيره صح أن يقال محصن ومحصن ، وهذا الموضع لما كان المقصود به التزويج قرئ المحصنات لا غير (١) ، إذ كان سبب إحصانها الزوج ، والسفاح الزنا ، وسمي بذلك لكون ذلك الماء مضيعا ، إذ وضع في غير الموضع الذي يجب أن يوضع فيه (٢) ، وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) منهم من أجرى على العموم ، وقال : حدوث الملك في الأمة يفرّق بين الأمة وزوجها ، وروي ذلك عن ابن عباس وابن مسعود (٣) ، وروي في ذلك أن

__________________

(١) انظر : المفردات ص (٢٣٩) حيث قال الراغب : «يقال امرأة محصن ومحصن. فالمحصن يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها والمحصن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها ..(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) بعد قوله حُرِّمَتْ بالفتح لا غير ، وفي سائر المواضع بالفتح والكسر لأن اللواتي حرم التزوج بهن المتزوجات دون العفيفات وفي سائر المواضع يحتمل الوجهين». وقال ابن زنجلة : «اتفق القراء على فتح الصاد في هذا الحرف». حجة القراءات ص (١٩٦).

(٢) قال ابن فارس : والسفاح : صبّ الماء بلا عقد نكاح ، فهو كالشيء يسفح ضياعا. مجمل اللغة ص (٣٥١) ، وانظر : مجاز القرآن (١ / ١٢٣) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٢٣).

(٣) انظر : جامع البيان (٨ / ١٥٥ ـ ١٥٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٥) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٦) ، ولابن العربي (١ / ٣٨٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٩ ، ٤٧٠) ، والجامع لأحكام القرآن

٣٣٩

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «بيع الأمة طلاقها» (١) ، ومنهم من خص ذلك في المشركات ، وجعل قوله : (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) استثناء منها ، وقال : كل امرأة سبيت فقد حلّت لسابيها (٢) ، واستدلّ في ذلك بما روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث جيشا إلى أوطاس (٣) فأصابوا سبايا لها أزواج من المشركين ، فتحرّجوا من

__________________

ـ (٥ / ١٢٢). وانظر : كلام الطبري عن هذا القول في جامع البيان (٨ / ١٦٧).

(١) روي ذلك موقوفا على ابن مسعود وابن عباس والحسن البصري وسعيد ابن المسيب وأبي بن كعب وجابر بن عبد الله وأنس بن مالك. انظر : جامع البيان (٨ / ١٥٥ ، ١٥٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٦) ، ولابن العربي (١ / ٣٨٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٧٠) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٧٦) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢٢) ، والبحر المحيط (٣ / ٢٢٢). ولم أجده مرفوعا.

(٢) وهذا قول علي ورواية عن ابن عباس وعمر وعبد الرحمن بن عوف وابن عمر وأبي قلابة والزهري ومكحول وابن زيد ومحمد بن كعب القرظي.

انظر : جامع البيان (٨ / ١٥١ ، ١٥٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩١٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٣٥ ، ١٣٦) ، ولابن العربي (١ / ٣٨٢) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٩) ، وقال القرطبي : «وبه قال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو الصحيح إن شاء الله تعالى» اه. الجامع لأحكام القرآن (٥ / ١٢١).

(٣) أوطاس : واد في ديار هوازن شمال شرقي مكة ، تبعد عن مكة ١٩٠ كيلا. انظر : معجم المعالم الجغرافية في السيرة النبوية ص (٣٤). ومعجم ما استعجم (١ / ٢١٢).

٣٤٠