تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

الوصية (١). الثالث : ما قد روي عن ابن عباس أن ذلك وارد في الحث على حفظ مال اليتيم ، وأنّ عليهم أن يعملوا فيه بمثل ما يحبون في ذريّتهم بعد موتهم (٢). الرابع : أنه نهي للموصي أن يوصي بما لا يجوز (٣). وكلّ هذه الأقوال يصح أن تكون مرادة بالآية ، لأنه واجب أن لا يوصي بأكثر من الثلث ، وواجب على من يحضره أن يحثّه على ذلك ، وأن لا يوصي بأكثر من الثلث ، وأن لا يخلّ بالوصية (٤).

__________________

ـ والمحرر الوجيز (٤ / ٣٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٢).

(١) هذا القول مروي عن سعيد بن جبير ومقسم بن بجرة ـ مولى عبد الله بن الحارث ويقال : مولى ابن عباس للزومه له صدوق وكان يرسل من الرابعة مات سنة ١٠١ ه‍ ـ وحضرمي ـ وهو شيخ مجهول بالبصرة يروي عنه سليمان التيمي ـ وسليمان بن المعتمر. انظر : جامع البيان (٨ / ٢٢ ، ٢٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٠) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٢). والتهذيب (٢ / ٣٩٤) ، والتقريب ص (١٧١).

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٢٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٧٣) ، والنكت والعيون (١ / ٤٥٧) ، وحكاه البغوي في معالم التنزيل (٢ / ١٧١) عن الكلبي.

(٣) ذكر هذا القول الزمخشري في الكشاف (٤٧٨) ، وابن العربي في أحكام القرآن (١ / ٣٣٠) ، والرازي في التفسير الكبير (٩ / ١٦١).

(٤) قال الجصاص : «وجائز أن تكون هذه المعاني التي تأول السلف عليها الآية مرادة بها» أحكام القرآن (٢ / ٧٣). وقال ابن العربي : «والصحيح أن الآية عامة في كلّ ضرر يعود عليهم بأي وجه كان على ذرية المتكلم ، فلا يقول إلا ما يريد أن يقال فيه وله» أحكام القرآن (١ / ٣٣٠).

٢٨١

إن قيل : لم قال : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) ، ثم قال : (فَلْيَتَّقُوا اللهَ)؟ وهل بين الخشية والتقوى فرق؟ قيل : الخشية الاحتراز من الشيء بمقتضى العلم (١) ، ولذلك وصف به العلماء في قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)(٢). والتقوى جعل العبد نفسه في وقاية مما يخشاه (٣) ، ولذلك قال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) إلى قوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)(٤) ، فالخشية مبدأ التقوى ، والتقوى غاية الخشية ، فأمر الله تعالى بمراعاة المبدأ والنهاية (٥) ، إذ لا ينفع الأول دون الثاني ، ولا يحصل الثاني من

__________________

(١) قال الراغب : «الخشية : خوف يشوبه تعظيم ، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه» المفردات ص (٢٨٣). وقال العسكري : «والخشية تتعلق بمنزل المكروه ، ولا يسمى الخوف من نفس المكروه خشية ، ولهذا قال (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) [الرعد : ٢١]». الفروق ص (٢٦٥).

(٢) سورة فاطر ، الآية : ٢٨.

(٣) قال ابن رجب : «وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه ...» جامع العلوم والحكم (١ / ٣٩٨).

(٤) سورة البقرة ، الآية : ٢١.

(٥) اعتمد الراغب في التفريق بين معنى : التقوى والخشية على المعنى الأصلي للفظتين ، وقد نظر الأخفش إلى السياق وجعل الكلمتين بمعنى ، وأنّ الثانية توكيد للأولى ، قال : «فليخشوا : أي فليخشوا هذا. أي : فليتقوا ، ثم عاد أيضا فقال : فليتقوا الله» معاني القرآن (١ / ٤٣٥). وانظر : معنى

٢٨٢

دون الأول ، ثم أمر تعالى / مع ذلك بتحرّي القول السديد ، وذلك متناول لكل قول مأمور به ، وقول من قال : هو تلقين المحتضر الشهادة (١) ، وقول من قال : هو ترك الرفث في تولي القسمة ، وقول من قال : هو الصدق في الشهادة ـ داخل في عموم الآية (٢).

قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً)(٣). الصّلا : النار ، وصلي فلان بها وصليته : أدنيته منها ، وصليت اللحم : شويته ، فقوله : (وَسَيَصْلَوْنَ) من صلي ، ويصلون من أصليت (٤) ، نحو (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً)(٥) ، والسعير : المسعور ، واستعرت النار والحرب تشبيها بذلك (٦) ، وهذه الآية مؤكّدة لما قبلها من

__________________

ـ التقوى والخشية في : العين (٤ / ٢٨٤) و (٥ / ٢٣٨) ، والزاهر (١ / ١٢٢) ، والجمهرة (١ / ١٨٦) (٢ / ٢٢٥).

(١) ذكره القرطبي في الجامع (٥ / ٥٣) ولم ينسبه.

(٢) وهو داخل في الأقوال السابق ذكرها.

(٣) سورة النساء ، الآية : ١٠.

(٤) انظر : العين (٧ / ١٥٤) ، وجامع البيان (٨ / ٢٧) ، والمنتخب ص (٩٥) و (٣٣١) ، والمفردات ص (٤٩٠) ، ولسان العرب (١٤ / ٤٦٧ ، ٤٦٨).

(٥) سورة النساء ، الآية : ٣٠.

(٦) انظر : العين (١ / ٣٢٩) ، وغريب القرآن ص (٢٥٩) ، وجامع البيان (٨ / ٢٧ ـ ٢٩) ، والمفردات ص (٤١١) ، والنهاية (٢ / ٣٦٧).

٢٨٣

الأمر بالخشية والتقوى ، ووعيد لمن تعدّى ، وذكر الأكل لكونه أكثر ما يراد له المال ، وقيل : إنه لما نزلت هذه الآية تحرّج الناس من طعام اليتيم حتى أنزل الله تعالى : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ)(١) ، (٢) وليس هذا ناسخا للأول ، كما ظنّه قوم ، لأنه ليس في قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ) إباحة لأكل مال اليتيم ظلما ، فتكون هذه ناسخة لها (٣) ، في

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٢٠.

(٢) رواه عن ابن عباس موقوفا أحمد في المسند (١ / ٣٢٥) ، والنسائي في السنن ، كتاب الوصايا ، باب : ما للموصي من مال اليتيم إذا قام عليه ، (٦ / ٢٥٦) رقم (٣٦٧٠) ، وأبو داود في السنن ، كتاب الوصايا ، باب : مخالطة اليتيم في الطعام رقم (٢٨٧١) ، والحاكم في المستدرك ، كتاب التفسير (٢ / ٢٧٨ ، ٢٧٩ ، ٣٠٣ ، ٣١٨) ، وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وانظر : أسباب النزول للواحدي ص (٧٢) ، والعجاب (١ / ٥٤٧ ـ ٥٤٩) ، وأسباب النزول للسيوطي ص (٦٥).

(٣) ولذلك قال سبحانه بعد أن أجاز لهم مخالطة اليتامى في الطعام والشراب : (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ). قال ابن كثير : «أي يعلم من قصده ونيته الإفساد أو الإصلاح». تفسير القرآن العظيم (١ / ٢٤٤).

قال الجصاص عن القائلين بالنسخ : «وهذا القول من قائله يدل على جهله بمعنى النسخ وبما يجوز نسخه مما لا يجوز ، ولا خلاف بين المسلمين أن أكل مال اليتيم ظلما محظور ...» أحكام القرآن (٢ / ٧٤).

٢٨٤

قوله : (يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً)(١) وجهان : أحدهما : أن ذلك تشبيه ، إذ كان ذلك مؤديا إليه (٢) ، كقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يتهافتون في النار تهافت الجراد» (٣) ، وكقول الشاعر :

إذا صبّ ما في الوطب فاعلم بأنه

دم الشيخ فاشرب من دم الشيخ أو دعا (٤)

فسمّى اللبن دما لكونه بدلا منه. والثاني ما روي أن النار تجعل في بطنه يوم القيامة (٥). والقولان صحيحان وسيّان ، فإنه من

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٠.

(٢) انظر : تفسير النكت والعيون (١ / ٤٥٧) ، والسمعاني (١ / ٤٠٠) ، والكشاف (١ / ٤٧٩) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٧).

(٣) ثبت نحوه من حديث جابر ، رواه مسلم في الفضائل ، باب : شفاعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم على أمته ، رقم (٢٢٨٥) ، ورواه أحمد (١ / ٣٩٠) ، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه بنحوه.

(٤) البيت لجرير وهو من بحر الطويل ، يعيّر به جسّاس بن شداد بأنّه قبل الدية من رجل من نمير قتل أباه شدّادا. انظر : ديوان جرير (٢ / ٧٩٦) ، ويعني بما في الوطب : لبن إبل الدية الذي في الإناء ، والوطب : سقاء اللبن ، وهو جلد الجذع فما فوقه. وانظر : المعاني الكبير (٢ / ١٠١٩) ، والمحاضرات (٤ / ٧٤) ، والقاموس ص (١٣٠).

(٥) قال أبو حيان : «وظاهر قوله : (ناراً) أنهم يأكلون نارا حقيقة ...

٢٨٥

كان حاله في الآخرة هذه ، هو الذي حاله في الدنيا ما قاله الأولون.

قوله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)(١) الآية. الوصية : تقال فيما كان حتما (٢) ، نحو قوله

__________________

ـ وبأكلهم النار حقيقة قالت طائفة» البحر المحيط (٣ / ١٨٧). وانظر :

جامع البيان (٨ / ٢٦ ، ٢٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٢). وأما ما روي أن النار تجعل في بطن آكل مال اليتيم يوم القيامة ، فقد رواه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٧٩) ، وابن حبان في صحيحه رقم (٥٥٦٦) ، وأبو يعلى في مسنده رقم (٧٤٤٠) ، من حديث أبي برزة الأسلمي ، وثبت من حديث أبي سعيد في قصة المعراج ، أخرجه ابن جرير في جامع البيان (٨ / ٢٧) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٨٧٩).

(١) سورة النساء ، الآية : ١١ ، ونص الآية : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً).

(٢) معنى : يُوصِيكُمُ قيل : يأمركم. وقيل : يعهد إليكم ، وقيل : يبين لكم. وقيل : يفرض عليكم. قال أبو حيان : وهي أقوال متقاربة. انظر : جامع البيان (٨ / ٣٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٨٩). وقال الزجاج : «معنى يوصيكم :

٢٨٦

تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِ) ثم قال : (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ)(١). وقال ابن عباس : كان المال للولد في الجاهلية ، والوصية للوالدين والأقربين ، فنسخه هذه الآية (٢) ، واستدلّ بما روي أنه لمّا نزلت هذه الآية قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قد أعطى كلّ ذي حقّ حقّه ، فلا وصية لوارث» (٣) ، وقال غيره : الآية غير ناسخة ، بل هي تفسير لقوله : (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ)(٤) ، (٥) واختلف : هل يدخل ولد الابن في

__________________

ـ يفرض عليكم لأن الوصيّة من الله عزوجل فرض ..» معاني القرآن وإعرابه (٢ / ١٨) ، وانظر : معاني القرآن للنحاس (٢ / ٢٧) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٣٩).

(١) سورة الأنعام ، الآية : ١٥١.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٨٠) ، وصحيح البخاري كتاب التفسير ، باب (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ) رقم (٤٥٧٨) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٢) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٨).

(٣) رواه أبو داود ـ كتاب الوصايا ، باب : ما جاء في الوصية للوارث ، رقم (٢٨٧٠) ، وابن ماجه ـ كتاب الوصايا ، باب : «لا وصية لوارث» رقم (٢٧١٣) ، والترمذي ـ كتاب الوصايا ، باب : ما جاء في «لا وصية لوارث» رقم (٢١٢٠) وقال : حسن.

(٤) سورة النساء ، الآية : ٧.

(٥) انظر : جامع البيان (٨ / ٣١) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٥) ، والبحر

٢٨٧

إطلاق الولد؟ فمنهم من قال : يدخل فيه ، لقولهم : أولاد آدم ، ولأن جميع ما علق بالولد من الأحكام فابن الابن داخل فيه ، نحو (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ،) ثم قال : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ)(١) ، وقوله : (أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَ)(٢) ولا خلاف أن حكم ولد الابن إذا لم يكن ولد صلب حكمه (٣) ، وقد استثني من ظاهر قوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) الكافر والمملوك والقاتل وأهل ملّتين ، إلا عند معاذ ، فإنه يورّث المسلم من الكافر (٤) ، وقوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ) فإنّ الله جعل للبنات إذا كنّ فوق اثنتين الثلثين ، وللواحدة النصف ، ولم يذكر فرض

__________________

ـ المحيط (٣ / ١٨٨).

(١) سورة النساء ، الآية : ٢٣.

(٢) سورة النور ، الآية : ٣١.

(٣) نقل القرطبي عن الشافعية أنهم قالوا : قول الله تعالى : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) حقيقة في أولاد الصلب ، فأما ولد الابن ، فإنما يدخل فيه بطريق المجاز ، فإذا حلف أن لا ولد له ، وله ولد ابن لم يحنث ، وإذا أوصى لولد فلان لم يدخل فيه ولد ولده. وأبو حنيفة يقول : إنه يدخل فيه إن لم يكن له ولد صلب ، ومعلوم أن الألفاظ لا تتغير بما قالوه. الجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٩) ، وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨٠ ، ٨٤) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٣٣ ، ٣٣٤).

(٤) انظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ١٠١ ، ١٠٢) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٥٩).

٢٨٨

البنتين ، قال ابن عباس : حكمهما حكم الواحدة ، وقال سائر الفقهاء : حكمهما حكم ما فوقهما (١) ، ثم اختلف من أيّ وجه صار حكم الاثنتين حكم ما فوقهما؟ فقال بعضهم : إن ذلك أجري مجرى الثلاث بالقياس ، لأنه به أشبه /. وقال بعضهم : بل اللفظ اقتضى ذلك ، وهو الصحيح. وبيان ذلك أنه قال : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ،) ولا فرق بين أن يقال ذلك أو يقال : للأنثيين مثل حظ الذكر. وقد ثبت أن حظ الذكر إذا كان مع أنثى الثلثان ، فاقتضى ذلك أن فرض الأنثيين الثلثان ، فصار ذلك مدلولا عليه بفحوى الكلام دون الصريح ، وفرض الواحدة وما زاد على البنتين فبالصريح ، قال : ويقوي ذلك أن القسمة العددية ضربان : مركب ومفرد ، وقد ذكر حكم المركب بقوله : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً) ، وحكم المفرد بقوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) والاثنان بدء المركب من الأعداد ، فيجب أن يكون حكمه ملحقا به ، ويدلّ على ذلك ما قاله في آخر السورة قوله :

__________________

(١) قال السمعاني : «أكثر الصحابة والعلماء على أن للابنتين والثلاث الثلثين. وقال ابن عباس : للابنتين النصف ، وإنما الثلثان للثلاث وما زاد ؛ تمسكا بظاهر الآية ، والأول أصحّ» تفسير القرآن للسمعاني (١ / ٤٠١) ، وانظر : جامع البيان (٨ / ٣٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨٠) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٣٦) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٦٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٠).

٢٨٩

(وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ ،) ثم قال : (فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ)(١) ، فجعل حظ البنتين الثلثين ، ولم يبيّن حكم ما زاد عليهما ، وبيّن في فرض البنات حكم ما فوق الابنتين ، ليعلم من نطق كل واحد من الاثنين حكم المسكوت عنه في الأخرى.

فإن قيل : متى جعل حكم الاثنتين حكم الثلاث فصاعدا سقط فائدة قوله : (فَوْقَ اثْنَتَيْنِ؟) قيل : مثل هذا راجع إلى المخالف ، لإنه يقال له : متى جعلت حكم الاثنتين حكم الواحدة سقط فائدة قوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) وجوابه في ذلك جوابنا عما سأل ، على أن ذكر ذلك على التنزيل الذي نزلناه لا بد من ذكره ، لأنه بيّن حكم الاثنتين بقوله : (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ،) ثم بيّن حكم ما فوق الاثنتين ، ثم حكم الواحدة ، ومن قال : تقدير الكلام : فإن كن نساء اثنتين ، وإن قوله (فَوْقَ) زائد كقوله : (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ)(٢) ، لأنه أراد فاضربوا الأعناق ، فغير موافق في ادعاء الزيادة في الموضعين ، وغير موافق في تأويل الابنتين ، وكلام الله تعالى منزه عن ذكر لفظ خلوة عن قصد معنى صحيح ، إذ كان ذلك لغوا ، تعالى الله عنه (٣).

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ١٧٦.

(٢) سورة الأنفال ، الآية : ١٢.

(٣) وردّ هذا القول أيضا النحاس وابن عطية وأبو حيان وابن كثير. انظر :

٢٩٠

إن قيل : لم ذكر فرض البنت إذا انفردت ، ولم يذكر الابن على الانفراد؟ قيل : لأن العرب كانوا يورّثون البنين دون البنات ، فاحتيج إلى تبيين ذلك ، دون ما بقوا على ما كانوا عليه ، وقوله : (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ)(١) ظاهره يقتضي أن يكون للأب السدس مع الولد : ذكرا كان أو أنثى ، كما أن فرض الأم كذلك ، لأنه لا خلاف متى كان الولد بنتا لا يستحق أكثر من النصف ، لقوله : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) فيعطى الأبوان السدسين بحكم النص ، وبقي سدس يناوله الأب بما نبّه عليه بقوله : (وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ،) لمّا جمع نصيبهما ، ثم أفرد نصيب الأم على أن الباقي للأب (٢). /

وقوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ)(٣) فالإخوة ههنا متناولة للإخوة والأخوات ، لكن غلب التذكير ، وبيّن تعالى ميراث

__________________

ـ إعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٣٩) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٣٤) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٦٣) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٤).

(١) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٢) انظر : جامع البيان (٨ / ٣٦) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨١) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٣٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٤).

(٣) سورة النساء ، الآية : ١١.

٢٩١

الأم عند وجود الإخوة ، والظاهر يقتضي أن الأم تستحق السدس إذا كانت للميت ثلاثة إخوة فصاعدا. وأمّا إذا كان أخوان فالظاهر لا يقتضي ذلك (١) ، وقال ابن عباس : إن الآية لا تتناول ذلك ، فلم تحجب الأم عن الثلث بدون الثلاثة ، ولا بالأخوات منفردات (٢) ، وخالفه سائر الصحابة ، وحجبوها باثنين من الإخوة والأخوات ، كما حجبوها بأكثر من ذلك ، وقالوا : المراد بالأخوة حصول من له الإخوة دون العدد ، ودون الذكورية والأنوثية ، ولا خلاف أن الواحد لا يحجب الأم (٣).

__________________

(١) قال الماوردي : فلا خلاف أن الثلاثة من الإخوة يحجبونها من الثلث الذي هو أعلى فرضها إلى السدس الذي هو أقله ، ويكون الباقي بعد سدسها للأب. النكت والعيون (١ / ٤٥٨) ، وانظر : بحر العلوم (١ / ٣٣٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٤).

(٢) انظر قول ابن عباس في : جامع البيان (٨ / ٤٠) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨١) ، وبحر العلوم (١ / ٣٣٧) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٧) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٣٧) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٢) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٥).

(٣) قال السمرقندي : «وقد اتفق أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن اسم الإخوة يقع على الاثنين فصاعدا ، إلا في قول ابن عباس : ثلاثة فصاعدا ، واتفقوا أن الذكور والإناث فيه سواء ، فيكون للأم السدس ، والباقي للأب» ، بحر العلوم (١ / ٣٣٧). وقال ابن جرير الطبري : «والصواب

٢٩٢

وقوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ)(١) قال أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : الوصيّة مقدّمة في اللفظ مؤخّرة في المعنى (٢) ، فإن مراعاة الدّين قبل مراعاة الوصية ، وإنما قيل (أَوْ دَيْنٍ) ولم يقل

__________________

ـ أن المعنيّ بقوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) اثنان من إخوة الميت فصاعدا على ما قاله أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دون ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما ...» جامع البيان (٨ / ٤١). وقال ابن كثير : وحكم الأخوين فيما ذكرناه كحكم الإخوة عند الجمهور. تفسير ابن كثير (١ / ٤٣٤).

وانظر : أحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨١) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٤٠).

(١) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٢) رواه الطبري في جامع البيان (٨ / ٤٦) ، والترمذي في سننه ـ كتاب الفرائض ، باب : ما جاء في ميراث الإخوة من الأب والأم رقم (٢٠٩٤) ، ورواه في كتاب الوصايا ، باب : «ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية» رقم (٢١٢٢) ، ورواه ابن ماجه في كتاب الوصايا ، باب «الدين قبل الوصية» رقم (٢٧١٥) ، وأحمد في المسند (١ / ٧٩ ، ١٣١ ، ١٤٤) ، والطيالسي في مسنده رقم (١٧٩) ، وابن أبي شيبة (١٠ / ١٦٠) ، والحميدي رقم (٥٦) وابن الجارود في المنتقى (٩٥٠) ، وأبو يعلى رقم (٣٠٠) ، والحاكم (٤ / ٩٣٦) ، والبيهقي في السنن الكبرى (٦ / ٢٣٢) ، وقال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق عن الحارث ـ الأعور ـ عن علي. وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث. والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم. وضعف الحافظ ابن حجر هذا الأثر أيضا في فتح الباري (٥ / ٤٤٤) ولكنه قال : ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدّم على الوصية. ا ه.

٢٩٣

[و](١) دين ، ليقتضيهما مجموعين ومفردين (٢) ، وقوله : (آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ ،) قيل : القصد بذلك أن المنفعة بهما متفاوتة ، فإن المنفعة بالآباء في الصغر ، وبالأبناء في الكبر (٣) ، وقيل : معناه تحرّوا ما أمرتم ، ولا تعتبروا نفع الولد والوالد ، فإن ذلك يختلف عند اعتبار الآحاد (٤) ، وقيل : معناه لا يدري أحدكم أهو أقرب وفاة ، فينتفع ولده بماله ، أم الولد أقرب وفاة فينتفع

__________________

(١) الواو ليست في الأصل والسياق يقتضيها.

(٢) انظر : النكت والعيون (١ / ٤٥٩) ، ولأبي حيان تعليل آخر حيث قال : «وقدّم الوصية على الدّين ، وإن كان أداء الدين هو المقدم على الوصية بإجماع اهتماما بها ، وبعثا على إخراجها ، إذ كانت مأخوذة من غير عوض ، شاقّا على الورثة إخراجها مظنة التفريط فيها ، بخلاف الدين ، فإن نفس الوارث موطّنة على أدائه ، ولذلك سوّى بينها وبين الدين بلفظ «أو» في الوجوب ، أو لأن الوصية مندوب إليها في الشرع محضوض عليها ، فصارت للمؤمن كالأمر اللازم له ، والدين لا يلزم أن يوجد ، إذ قد يكون على الميت دين وقد لا يكون ، فبدئ بما كان وقوعه كاللازم ، وأخّر ما لا يلزم وجوده ، ولهذه الحكمة كان العطف بأو ، إذ لو كان الدين لا يموت أحد إلا وهو راتب لازم له لكان العطف بالواو. أو لأن الوصية حظ مساكين وضعاف ، والدين حظ غريم يطلبه بقوة». البحر المحيط (٣ / ١٩٤).

(٣) ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٩٥) ونسبه لأبي يعلى.

(٤) ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٩٤) ونسبه إلى ابن عيسى. وقال : وقريب منه قول الزجاج.

٢٩٤

الوالدان بماله (١) ، وإلى هذا المعنى أشار الشاعر :

ما علم ذي ولد أيثكله

أم الولد اليتيم؟ (٢)

وهذا الذكر في الآية كالاستطراد ، والقصد به يجب أن يتحرّى في ماله الوجه الذي جعل له المال ، فلا يمنع ذا حقّ من حقّه ، شفقة على ورثته ، ولا يضعه في غير حقه تفاديا من انتقال ماله إلى ورثته ، بل يجب أن يتحرى القصد في ذلك ، فليس يدري عواقب الأمور ، وجملة ذلك أن في الآية حثّا على تفويض الأمر إلى الله ، والرضا بحكمه ، وقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ)(٣) اسم موضوع موضع المصدر (٤) ، نحو قوله : (كِتاباً مُؤَجَّلاً)(٥) ، و (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)(٦) ، ومعناه قسمة مقدرة ، وقيل : معناه حتما

__________________

(١) ذكر هذا القول أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٩٤) ونسبه لابن بحر. وذكره الرازي في التفسير الكبير (٩ / ١٧٧) ولم ينسبه.

(٢) البيت ليزيد بن الحكم ، وهو ضمن قصيدة يوصي بها ابنه كما في شرح حماسة أبي تمام للتبريزي. وقال التبريزي : القصيدة من بحر الكامل المرفّل والقافية متواترة. انظر : شرح الحماسة (٣ / ١٠٧).

(٣) سورة النساء ، الآية : ١١.

(٤) انظر : جامع البيان (٨ / ٥٠) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٠) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ١٩٢) ، والتبيان (١ / ٣٣٥).

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٤٥.

(٦) سورة النساء ، الآية : ٢٤.

٢٩٥

لازما (١) ، وكلا المعنيين يقتضيه لفظ الفريضة.

قوله تعالى : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ)(٢) الآية. الكلالة : اسم لمن عدا الولد والوالد (٣) ، وقال ابن عباس : اسم لمن عدا الولد وورث الإخوة مع الأب (٤) ، وإليه كان

__________________

(١) انظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٣٦٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٥) ، ونظم الدرر (٢ / ٢٢١) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ١٥٠).

(٢) سورة النساء ، الآية : ١٢. ونص الآية : (وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

(٣) قال الفرّاء : «الكلالة : ما خلا الولد والوالد» معاني القرآن (١ / ٢٥٧) وقال الزجاج : «الكلالة سوى الولد والوالد» (٢ / ٢٦). انظر : غريب القرآن ص (٣٩٠) ، والمفردات ص (٧١٩) ، وذكر أبو حيان أن هذا هو قول جمهور أهل العلم وجمهور أهل اللغة ؛ صاحب العين ، وأبي منصور اللغوي وابن عرفة وابن الأنباري والعتبي. انظر : البحر المحيط (٣ / ١٩٧).

(٤) وهذا القول هو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر : جامع

٢٩٦

يذهب (١) ابن عمر (٢) ثم رجع عنه ، ويدلّ أن الأب ليس بكلالة قول الشاعر :

وإن أبا المرء أحمى له

ومولى الكلالة لا يغضب (٣)

وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن ذلك ، فقال : «من مات وليس له ولد ولا والد فورثته كلالة» (٤) ، وقال بعضهم : الكلالة من لا ولد له ولا والد (٥) ، فجعله اسم الميت ، وكلا القولين صحيح ،

__________________

ـ البيان (٨ / ٥٧) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨٦) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٩) وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٦).

(١) في الأصل (يذهب كان) والسياق يقتضي ما ذكرناه.

(٢) هكذا في الأصل (ابن عمر) ولعل الصواب (عمر) قال أبو حيان : «وقالت طائفة : هي ـ أي الكلالة ـ الخلو من الولد فقط ، وروى عن أبي بكر وعمر ثم رجعا عنه». البحر المحيط (٣ / ١٩٦).

(٣) البيت في معاني القرآن وإعرابه (٢ / ٢٦) وتهذيب اللغة (٩ / ٤٤٨) ، والجامع لأحكام القرآن (٥ / ٧٧) ولم أهتد إلى قائله.

(٤) رواه أبو داود في المراسيل ص (٢٧١) رقم (٣٧١) مرسلا ، ورواه عبد الرزاق في المصنف (١٠ / ٣٠١) رقم (١٩١٩٢) ، والبيهقي في سننه (٦ / ٢٢٣) من طرق أخرى مرسلا. وأخرجه الحاكم موصولا في المستدرك (٤ / ٣٣٦) عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقال : صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه. وضعفه الذهبي وقال : الحمّاني ضعيف.

(٥) وهذا قول أبي بكر وعمر والمشهور عن ابن عباس رضي الله عنه. قال ابن كثير :

٢٩٧

فإن الكلالة مصدر ، وهو اسم للمعنى الذي يجمعهما ، فسمّي به الوارث تارة والموروث تارة ، وتسميتها بذلك إما لأنّ النسب قد لحق به من طرفيه ، أو لأنّه كلّ عن اللحوق به (١) ، وذلك أن الانتساب ضربان : أحدهما : بالعمق كنسبة الأب والابن ، والثاني : بالعرض كنسبة الأخ / والعم. وقال قطرب (٢) : الكلالة لمن عدا الأبوين والأخ

__________________

ـ «وهو قول علي وابن مسعود ، وصحّ عن غير واحد عن ابن عباس وزيد بن ثابت ، وبه يقول الشعبي والنخعي والحسن وقتادة وجابر بن زيد والحكم ، وبه يقول أهل المدينة وأهل الكوفة والبصرة ، وهو قول الفقهاء السبعة والأئمة الأربعة ، وجمهور السلف والخلف بل جميعهم ، وقد حكى الإجماع عليه غير واحد ، وورد فيه حديث مرفوع ، قال أبو الحسين ابن اللبان : وقد روي عن ابن عباس ما يخالف ذلك ، وهو أنه من لا ولد له ، والصحيح عنه الأول ، ولعل الراوي ما فهم عنه ما أراد». تفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٤٣٦) ، وانظر : جامع البيان (٨ / ٥٣ ـ ٥٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٨٨٧) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨٦) ، والنكت والعيون (١ / ٤٦٠) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٧٩) ، وأحكام القرآن لابن العربي (١ / ٣٤٦) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٦).

(١) انظر : جامع البيان (٨ / ٥٣) ، وأحكام القرآن للجصاص (٢ / ٨٦).

(٢) هو محمد بن المستنير أبو علي النحوي ، تلميذ سيبويه ، كان يرى رأي المعتزلة النظّاميّة ، من تصانيفه : (معاني القرآن) و (الاشتقاق) ، توفي سنة ٢٠٦ ه‍. انظر : بغية الوعاة (١ / ٢٤٢) ، ونزهة الألباء ص (٨٥) ،

٢٩٨

[و](١) ليس بشيء (٢) ، وقال بعضهم : هو اسم لكل وارث (٣) ، لقول الشاعر :

 ...

وللكلالة ما يسيم (٤)

ولم يقصد الشاعر ما ظنّه هذا القائل ، فإنه إنما خصّ الكلالة ليزهد الإنسان في جمع المال ، لأن تخليف المال لهم أشد من تركه الأولاد ، وإذا قرئ يورث (٥) فكلالة مفعول ، وإذا قرئ

__________________

ـ وطبقات النحويين واللغويين ص (٩٩) ، وإشارة التعيين ص (٣٣٨) ، وتاريخ بغداد (٣ / ٢٩٨) ، وفيات الأعيان (٣ / ٤٣٩) ، وطبقات المفسرين (٢ / ٢٥٦).

(١) الواو ساقطة من الأصل ، وهي مثبتة في المفردات ص (٧٢٠).

(٢) وضعف أبو حيان قول قطرب أيضا. انظر : البحر المحيط (٣ / ١٩٧) ، وقد عزا الأزهري هذا القول إلى أبي عبيدة والأخفش. انظر : تهذيب اللغة (٩ / ٤٤٧).

(٣) ذكر أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ١٩٧) أن هذا قول الراغب. وليس بصحيح.

(٤) هذا عجز بيت وتمامه :

والمرء يجمع للغنى

وللكلالة ما يسيم

وهو في : المفردات ص (٧٢٥) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٧) ، وهو ليزيد ابن الحكم. انظر : شرح الحماسة (٣ / ١٠٦).

(٥) وهذه قراءة الحسن. انظر : المحرر الوجيز (٤ / ٤٢) ، والبحر المحيط

٢٩٩

يورث (١) فحال للميت.

فرض الله تعالى للزوج النصف إذا لم يكن للميتة ولد ، دخل بها أو لم يدخل ، وجعل له الربع إذا كان لها ولد ، سواء كان منه أو من غيره ، وفرض الربع للزوجات إذا لم يكن للميت ولد ، والثمن إذا كان له ولد ، وأجمعوا أن ولد الابن يقوم مقام ولد الصلب في حجب الزوجين ، إلّا حكاية عن بعض المتقدمين ، وأجمعوا أن للزوجة الواحدة إذا انفردت ما للزوجات إذا اجتمعن ، وذهبت طائفة إلى أن من لا يرث من مملوك وقاتل يحجب الزوجين والأم ، لأن اسم الولد يتناولهم ، كما يحجب الإخوة الأم مع الولد ، وإن لم يرثوا (٢) ،

__________________

ـ (٣ / ١٩٧) ، والدر المصون (٣ / ٦٠٩).

(١) وهي قراءة الجمهور. انظر : جامع البيان (٨ / ٥٣) ، والمحرر الوجيز (٤ / ٤٢) ، والبحر المحيط (٣ / ١٩٧) ، والدر المصون (٣ / ٦٠٩). وقد ذكر ابن جنّي أنّ الحسن قرأها : [يورث] وأن عيسى بن عمر قرأها [يورّث] وقال : المعنى : وإن كان رجل يورث ورثته مالا. ولكنه جعل مفعولي الفعل محذوفين ، وقال : إنّ (كلالة) تعرب على هاتين القراءتين بما تعرب به على القراءة المشهورة. انظر : المحتسب (١ / ١٨٢) ، وجامع البيان (٨ / ٥٣) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٤٣٩) ، وإعراب القراءات الشواذ (١ / ٣٧٤) ، وإعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٤٠) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ١٩٢) ، وقد أعرب : (كلالة) على قراءة كسر الراء بما أعربها به الراغب.

(٢) وهذا قول ابن مسعود رضي الله عنه. وقال الأوزاعي والحسن بن صالح :

٣٠٠