تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]

تفسير الراغب الأصفهاني - ج ٢

المؤلف:

الحسين بن محمّد بن المفضّل أبوالقاسم الأصفهاني [ الراغب الأصفهاني ]


المحقق: د. عادل بن علي الشدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مدار الوطن للنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٧٣
الجزء ١ الجزء ٢

١
٢

٣
٤

٥

قوله تعالى : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ* بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)(١)

الكفاية : مقدار ما فيه سدّ خلّة (٢) ، والفرق بين الاكتفاء والاستغناء : أن الاكتفاء ما فيه سدّ الخلّة وسع أو ضاق ، والاستغناء ما فيه السعة فهو أعم (٣) ، والإمداد : اتصال الشيء بالشيء ، وأصله من مد الحبل والمديقال تارة في الماء ، ومده ماء آخر ، وتارة في السير ، والمدة امتداد الوقت ، والمادة زيادة ممتدة ، والمداد المدّ الذي هو المكيال منه (٤) ، والفور أصله من فارت القدر والتنور (٥) ، والفور

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان : ١٢٤ ، ١٢٥.

(٢) نقل أبو حيان هذا المعنى للكفاية ، ونسبه لابن عيسى. البحر المحيط (٣ / ٥٣) ، واقتصر عليه ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٤٥١). وانظر : المفردات ص (٧١٨) ، وفي المقاييس (٥ / ١٨٨) أن الكفاية : القيام بالأمر. والكفية : القوت الكافي. وانظر : أمالي ابن الشجري (١ / ٣٠٩).

(٣) لعله أخذ هذا المعنى للاستغناء من اشتقاقه من الغنى الذي هو اليسار وسعة الرزق. انظر : الصحاح (٦ / ٢٤٥) ، والمفردات ص (٦١٥ ، ٦١٦).

(٤) انظر : العين (٨ / ١٦ ، ١٧) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٤١٨ ، ٤٢٢ ، ٥٠٨) ، وتهذيب اللغة (١٤ / ٨٣ ، ٨٤) ، والمقاييس (٥ / ٢٦٩). ومعالم التنزيل (٢ / ١٠٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٣).

(٥) قال الراغب : الفور : شدة الغليان ، ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت ، وفي

٦

منهم من تصور منه الوجهة والعجلة (١) ، وإليه ذهب ابن عباس والحسن / وجماعة (٢) ، ومنهم من تصور منه فوران الغضب ، وإليه ذهب مجاهد والضحاك (٣) ، والتسويم ترك الشيء وسومه ،

__________________

ـ القدر وفي الغضب. المفردات ص (٦٤٧). وانظر : النكت والعيون (١ / ٤٢١).

(١) قال الزجاج : وقوله عزوجل : (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) أي من وجههم معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٦٧).

(٢) أما قول ابن عباس رضي الله عنه فقد أخرج ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ١٨٢) ، وابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٥٣) بسنديهما عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى : (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) : من سفرهم هذا. وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٤٥١) ، وابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٣٧٩) ، وذكر الماوردي في تفسير النكت والعيون (١ / ٤٢١) عن ابن عباس والحسن وقتادة أنهم قالوا : من وجههم هذا. وكذلك ذكر البغوي في معالم التنزيل (٢ / ١٠٠) وأما قول الحسن فقد روى ابن جرير في جامع البيان (٧ / ١٨١) أنه قال : (مِنْ فَوْرِهِمْ هذا) : من وجههم هذا. وذكره ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٥٣) مسندا إلى السدي ، ثم قال : وروي عن الحسن والضحاك والربيع وقتادة مثل ذلك ـ أي من وجههم ـ غير أن الضحاك قال : من غضبهم ووجههم. وانظر : زاد المسير (١ / ٤٥١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٧٩).

(٣) أما قول مجاهد فقد رواه الطبري في جامع البيان (٧ / ١٨٢) ، وذكره الماوردي في النكت والعيون (١ / ٤٢١) ، ونسبه لمجاهد والضحاك وأبي صالح. وانظر : زاد المسير (١ / ٤٥١) ، وتفسير القرآن العظيم لابن

٧

ومنه قيل : أسمت الإبل وسومته ، والتسويم أيضا إظهار سيماء في الشيء ، وقد فسرّ المسومة على الأمرين (١) ، وقرئ : مسوّمة (٢) أي معلمة لأنفسها ، وقد روي أنه نزلت الملائكة يوم بدر على خيل بلق (٣) ، وعليهم عمائم ...

__________________

ـ كثير (١ / ٣٧٩). وأما قول الضحاك فقد رواه الطبري في جامع البيان (٧ / ١٨٣) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ٦٣) ، وذكره ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٥٣).

(١) انظر : العين (٧ / ٣٢٠) ومجاز القرآن (١ / ١٠٣) ، وتفسير غريب القرآن ص (١٠٩ ، ١١٠) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٤٣٤) ، ومعاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٦٧) ، والمفردات ص (٤٣٨).

(٢) قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب (مسوّمين) بفتح الواو وقرأ ابن كثير وأبو عمر وعاصم ويعقوب برواية رويس (مسوّمين) بكسر الواو. انظر : حجة القراءات ص (١٧٣) ، ومعاني القراءات ص (١٠٩) ، والمبسوط ص (١٤٧) ، والتلخيص ص (٢٣٥) ، والغاية ص (٢١٧).

(٣) بلق : جمع أبلق. يقال : فرس أبلق أي فيه سواد وبياض ، انظر : الصحاح (٤ / ١٤٥١). وانظر : جامع البيان (٧ / ١٨٦ ـ ١٨٨) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٧٥٥) ، والنكت والعيون (١ / ٤٢٢) ، والوسيط (١ / ٤٨٩) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٠١) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٢٤) ، والجامع لأحكام القران (٤ / ١٩٦) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٤).

٨

صفر (١) ، قال ابن عباس وغيره : عنى بذلك يوم بدر ، قال : ولم تقاتل الملائكة إلا في ذلك اليوم (٢) ، وقال الحسن : أمدّهم بخمسة آلاف ، لأنه عنى مع الأولين (٣) ، وقال غيره : بل خمسة آلاف غير الثلاثة آلاف ، وكانوا ثمانية آلاف (٤) ، وقال بعضهم :

__________________

(١) اتفقت الروايات على أن الملائكة نزلت يوم بدر على خيل بلق ، ولكنها اختلفت في لون العمائم التي نزلت بها الملائكة يوم بدر ، فقد ذكرت بعض الروايات أنها نزلت في بدر بعمائم سود ويوم أحد بعمائم حمر ، وذكرت روايات أخرى أنها نزلت في بدر بعمائم صفر ، وفي بعضها أنها نزلت في أحد كذلك بعمائم صفر ، وفي روايات أخرى أنها نزلت في بدر بعمائم بيض أرسلوها بين أكتافهم ، وقد ذكر السيوطي هذه الروايات في الدر المنثور (١٢٥ ، ١٢٦). وفي الحبائك في أخبار الملائك ص (١٤٣ ، ١٤٤ ، ١٦٣) ولم يوفّق بينها.

(٢) رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ١٧٥) ، وذكره الماوردي في النكت والعيون (١ / ٤٢٢) ، والقرطبي في الجامع (٤ / ١٩٤) ، وقال ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (١ / ٣٧٩) : وقال إسحاق : حدثني من لا أتهم عن مقسم عن ابن عباس قال : لم تقاتل الملائكة إلا يوم بدر. وانظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٥١) ، والدر المنثور (٢ / ١٢٥).

(٣) انظر : النكت والعيون (١ / ٤٢٢) ، وزاد المسير (١ / ٤٥٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ١٩٤).

(٤) ذكره الماوردي في النكت والعيون (١ / ٤٢٢) ولم ينسبه لأحد. وقال

٩

إنما أمدهم بألف ، لقوله : (فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ)(١) ولم يمدهم بخمسة آلاف ، بل المسلمون قالوا : إن كرز بن جابر (٢) يمدّ المشركين. فأنزل الله ذلك تسكينا للمسلمين ، ثم لم يمدّ المشركين ، فلم يمدّ الله المسلمين بهم (٣) ،

__________________

ـ السمعاني في تفسير القرآن (١ / ٣٥٤): «لم يرد خمسة آلاف سوى ما ذكر من ثلاثة آلاف ، لأنهم أجمعوا على أن عدد الملائكة يومئذ خمسة آلاف ، فكأنه جعل ما وعدهم من ثلاثة آلاف خمسة آلاف ...». وقال أبو حيان : والظاهر في هذه الأعداد إدخال الناقص في الزائد ، فيكونون وعدوا بألف ، ثم ضم إليه ألفان ، ثم ألفان فصار خمسة ومن ضم الناقص إلى الزائد ، وجعل ذلك في قصة أحد ، فيكونون قد وعدوا بثمانية آلاف ، أو في قصة بدر فيكونون قد وعدوا بتسعة آلاف. البحر المحيط (٣ / ٥٢).

(١) سورة الأنفال ، الآية : ٩.

(٢) كرز بن جابر بن حسل بن الأجب بن حبيب بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر القرشي ، كان من رؤساء المشركين قبل أن يسلم ، أغار على سرح المدينة وهو مشرك ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طلبه إلا أنه فاته وهي غزوة بدر الأولى ثم أسلم ، وأمّره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على عشرين فارسا خرجوا في طلب العرنيين ، استشهد يوم فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة ، وكان مع خالد بن الوليد. انظر : الاستيعاب (٢٢١١) ، وأسد الغابة (٤٤٤٩) ، والإصابة (٥ / ٤٣٤).

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ١٧٣) ، وتفسير القرآن العظيم لا بن أبي حاتم (٣ / ٧٥٢). والجامع لأحكام القرآن (٤ / ١٩٥) ، وتفسير ابن المنذر

١٠

ولهذا قال : (وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ)(١).

قوله تعالى : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)(٢) الضمير في قوله : «جعله» للإمداد والوعد (٣) ، ونبّه أنه إنما أراد بوعدهم وإمدادهم الملائكة نعمة عليهم ، وهي مسرتهم وسكون جأشهم ، فأما النصر في الحقيقة فليس إلا منه بلا حاجة إلى استعانة (٤) ، وفيه حثّ أن لا يبالوا بمن تأخّر عن نصرتهم ، وتنبيه أنه يعين تارة بالمدد وتارة بغير المدد ، وأنه ناصر كل منصور أينما كان ، وممن كان ، إذ هو المسبب لجميعه ، والفاعل

__________________

ـ مخطوط (ق ٦٣) بهامش تفسير ابن أبي حاتم.

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٥.

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٦.

(٣) قال أبو حيان : «الظاهر أن الهاء في (جعله) عائدة على المصدر المفهوم من (يمددكم) وهو الإمداد ، وجوّز أن يعود على التسويم أو على النصر أو على التنزيل أو على العدد ، أو على الوعد». البحر المحيط (٣ / ٥٤) وانظر : المحرر الوجيز (٣ / ٢٢٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٥٣) ، والدر المصون (٣ / ٣٨٨).

(٤) انظر : جامع البيان (٧ / ١٩٠). والمحرر الوجيز (٣ / ٢٢٤) ، والتفسير الكبير (٨ / ١٨٩) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٥٣) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٥) ، ونظم الدرر (٢ / ١٥٠).

١١

الذي لا يستغني فاعل عنه ، ثم وصف نفسه بالعزة والحكمة ، تنبيها أن كل عزّ منه ، وكل حكمة عنه.

قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ)(١) الكبت (٢) : الصرع على الوجه والرد (٣). والخيبة : حرمان البغية (٤). وتخصيص قطع الطرف من حيث إنّ نقص الأطراف من الشيء موصّل إلى توهينه وإزالته ، وعلى ذلك قال : (نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها)(٥) ، وقال : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ)(٦). وقيل : عنى بالأطراف

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٧.

(٢) الكبت : الإهلاك والصرف والإذلال. انظر : غريب القرآن ص (١١٠ ، ١١١) ، والصحاح (١ / ٢٦٢) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٣٩٦ ، ٥٠٥) ، والأفعال لابن القوطية ص (٢٢٦) ، والمفردات ص (٦٩٥).

(٣) في الأصل : الردد بزيادة دال في آخره والصواب ما أثبته. وانظر في معنى الصرع : العين (٥ / ٣٤٢) ، ومجاز القرآن (١ / ١٠٣).

(٤) انظر : العين (٤ / ٣١٥) ، وغريب القرآن للسجستاني ص (٢٠٥) ، ومعاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٦٧) ، ومعاني القرآن للنحاس (١ / ٤٧٢) ، والمفردات ص (٣٠٠).

(٥) سورة الرعد ، الآية : ٤١. وسورة الأنبياء ، الآية : ٤٤.

(٦) سورة التوبة ، الآية : ١٢٣. قال الخليل في العين (٧ / ٤٠٤): «والطرف :

١٢

أعيانهم وصناديدهم (١). وقوله : (لِيَقْطَعَ) أي نصركم ليقطع (٢) ، أو وما النصر إلا من عند الله ، ليقطع (٣).

قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ)(٤) هو راجع إلى قوله : (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ)(٥) ، أي ليس لك ولا لغيرك من هذا النصر شيء ، وهو نحو

__________________

ـ الطائفة من الشيء ، تقول : أصبت طرفا من الشيء» ورأى الأزهري أن ذلك هو المراد في الآية. انظر : تهذيب اللغة (١٣ / ٣٢١) ، وانظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٦٧) ، والمفردات ص (٥١٧).

(١) روى ابن جرير الطبري عن قتادة والربيع في تفسير قوله تعالى : (لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) قالا : «... فقطع يوم بدر طرفا من الكفار ، وقتل صناديدهم ورؤساءهم وقادتهم في الشر». جامع البيان (٧ / ١٩٢) ، وانظر : تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٧٥٥ ، ٧٥٦) ، فقد روي ذلك عن الحسن وقتادة والربيع.

(٢) انظر : إعراب القرآن للنحاس (١ / ٤٠٦) ، وجوّز أيضا أن يكون قوله تعالى لِيَقْطَعَ ... متعلقا ب (يمددكم). وانظر : مشكل إعراب القرآن (١ / ١٧٣ ، ١٧٤). والبحر المحيط (٣ / ٥٦).

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ١٩٣) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ١٩٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٦).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٨.

(٥) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٦.

١٣

قوله : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ)(١) وقال بعضهم : ليس للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أمر وإنما إليه ، ونبّه أنك مأمور لا آمر ، ومرتسم لا مرسم (٢) ، قيل : بل أراد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستغفر للمشركين (٣) ، وقيل : بل أراد أن يدعو عليهم بالاستئصال لما كسروا رباعيته ، فقال الله ذلك (٤) ، وقوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) معطوف على قوله : (لِيَقْطَعَ) وقيل : بل معناه : إلا أن يتوب

__________________

(١) سورة الأنفال ، الآية : ١٧.

(٢) انظر : جامع البيان (٧ / ١٩٤) ، والنكت والعيون (١ / ٤٢٢ ، ٤٢٣) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٥٦) ، والكشاف (١ / ٤١٣) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨٠) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٦).

(٣) لم أجد من ذكر هذا القول من المفسرين.

(٤) لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كسرت رباعيته يوم أحد ، وشجّ في رأسه ، فجعل يسلت الدم عنه ، ويقول : «كيف يفلح قوم شجّوا رأس نبيّهم وكسروا رباعيته ، وهو يدعوهم إلى الله عزوجل» فأنزل الله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ، أخرجه البخاري معلقا في كتاب المغازي ، باب (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ). ومسلم موصولا في الجهاد ، باب غزوة أحد رقم (١٧٩١) وانظر : جامع البيان (٧ / ١٩٥ ـ ١٩٩) ، وتفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٧٥٦) ، والنكت والعيون (١ / ٤٢٣) ، والوسيط (١ / ٤٩٠) ، وتفسير القرآن للسمعاني (١ / ٣٥٥ ، ٣٥٦) ، ومعالم التنزيل (٢ / ١٠٢) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٢٥ ، ٢٢٦).

١٤

أو يعذب (١) ، تنبيها أن أمرك تابع لأمر الله.

قوله تعالى : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٢) بيّن بهذه الآية تحقيق ما قدّمه بأنه هو المالك للكل ، وله المشيئة في غفران من شاء وتعذيب من شاء (٣).

قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(٤) إن قيل : ما اتصال هذه الآية بما قبلها؟ قيل : إنه لما نهى عن الكفر فيما تقدّم ، وقبّح صورته ، وحذّر منه ، وبيّن قدرته عليهم حيث قال : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ) نهى هاهنا عن تعاطي أفعال الكفرة (٥) ، وقد

__________________

(١) جوّز الزّجّاج الوجهين انظر : معاني القرآن وإعرابه (١ / ٤٦٨) ، ومشكل إعراب القرآن (١ / ١٧٤) ، وإملاء ما منّ به الرحمن (١٤٩) ، والتبيان في إعراب القرآن (١ / ٢٩١).

(٢) سورة آل عمران ، الآية : ١٢٩.

(٣) انظر : جامع البيان (٧ / ٢٠٣) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٢٧) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير (١ / ٣٨١).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٠.

(٥) قال القرطبي : هذا النهي عن أكل الربا اعتراض بين أثناء قصة أحد ، قال ابن عطية : ولا أحفظ في ذلك شيئا مرويّا ، ... قلت : وإنما خصّ

١٥

تقدّم الكلام في قبح الربا (١) ، وأما أكله أضعافا فقد قال عطاء ومجاهد : هو أنهم كانوا في الجاهلية إذا باعوا أو أقرضوا إلى مدة ثم تأخر القضاء زادوا على أصل المال لزيادة الأجل المضروب (٢). إن قيل : لم قال : (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) فجمع

__________________

ـ الربا بين سائر المعاصي ، لأنه أذن الله فيه بالحرب في قوله : (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة ، الآية : ٢٧٩]. الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٠٢) ، والمحرر الوجيز (٣ / ٢٢٧). وانظر : تفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٥٧) ، وإرشاد العقل السليم (٢ / ٨٤) ، وقال أبو حيان بعد أن نقل كلام ابن عطية : «ومناسبة هذه الآية لما قبلها ومجيئها بين أثناء القصة أنه لما نهى المؤمنين عن اتخاذ بطانة من غيرهم ، واستطرد لذكر قصة أحد ، وكان الكفار أكثر معاملاتهم بالربا مع أمثالهم ومع المؤمنين ، وهذه المعاملة مؤدية إلى مخالطة الكفار نهوا عن هذه المعاملة التي هي الربا ؛ قطعا لمخالطة الكفار ومودتهم واتخاذ أخلاء منهم ...» البحر المحيط (٣ / ٥٧) ، وانظر : نظم الدرر (٢ / ١٥٢).

(١) انظر : تفسير الراغب (ق ١٩١ ـ مخطوط).

(٢) قول عطاء رواه ابن جرير الطبري في جامع البيان (٧ / ٢٠٤) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ٦٥ ـ مخطوط) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور ، وعزاه لهما. وقول مجاهد أخرجه ابن أبي حاتم في تفسير القرآن العظيم (٣ / ٧٥٩) ، وابن المنذر في تفسيره (ق ٦٥ ـ مخطوط) بهامش تفسير ابن أبي حاتم ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ١٢٨) ، وعزاه لهما ولعبد بن حميد والفريابي ، ولم أقف عليه في القسم الذي وصلنا من.

١٦

بين اللفظتين؟ قيل : قال بعضهم ذلك للتأكيد (١) ، وقيل مضاعفة من الضّعف لا من الضّعف ، ومعناه ما تعدونه ضعفا هو ضعف أي نقص ، كقوله : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا)(٢) وقوله : (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا)(٣) ، ومن هذا أخذ بعض المحدثين :

زيادة شيب وهي نقص زيادتي

وقوة جسم وهي من قوتي ضعف (٤)

__________________

ـ تفسير عبد بن حميد المخطوط بهامش تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم. وانظر : الوسيط (١ / ٤٩١) ، والجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٠٢) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٧) ، وأنوار التنزيل (١ / ١٨٠)

(١) انظر : تفسير غريب القرآن ص (١١١) ، وقال القرطبي : «و (مضاعفة) إشارة إلى تكرار التضعيف عاما بعد عام كما كانوا يصنعون ، فدلّت هذه العبارة المؤكدة على شنعة فعلهم وقبحه ...» الجامع لأحكام القرآن (٤ / ٢٠٢).

(٢) سورة الروم ، الآية : ٣٩.

(٣) سورة البقرة ، الآية : ٢٧٦. وقد ذكر الراغب هذا الكلام بعينه في المفردات ص (٥٠٩) ، وانظر : بصائر ذوي التمييز «(٣ / ٤٧٨ ، ٤٧٩). ولم أجد هذا القول لغير الراغب.

(٤) البيت لأبي الطيب المتنبىء أحمد بن الحسين بن عبد الصمد الجعفي الكندي الشاعر المشهور. انظر : التبيان شرح الديوان (٢ / ٢٨٣) ، والمفردات ص (٥٠٩).

١٧

ثمّ حثّ على تقوى الله ، وذكر أن ببلوغها ترجون الفلاح ، واستدل بعض الحنفية بهذه الآية على فساد بعض ما يدعيه الشافعية من دلالة الخطاب ، فقال : لو كان ذلك صحيحا لكان يجوز أكل الربا إذا لم يكن أضعافا (١) ، وهذا لأن يكون دلالة عليهم أولى ، لأنه لما زهّدنا في الكثير منه فلأن نزهد في القليل أولى ، على أن القضية بذلك على مقتضى العموم ، فمجيء ما ترك دلالة خطابه في بعض المواضع لا يفسد هذا الأصل ، كمجيء لفظ عام ترك عمومه (٢) ، وتكرير النهي عن الربا تفظيع لأمره ، وتقبيح لشأنه.

__________________

(١) قال الجصّاص : «قيل في معنى (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) وجهان أحدهما : المضاعفة بالتأجيل أجلا بعد أجل ، ولكل أجل قسط من الزيادة على المال. والثاني : ما يتضاعفون به أموالهم ، وفي هذا دلالة على أن المخصوص بالذكر لا يدلّ على أن ما عداه بخلافه ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون ذكر تحريم الربا أضعافا مضاعفة دلالة على إباحته إذا لم يكن أضعافا مضاعفة ، فلما كان ذكر الربا محظورا بهذه الصفة وبعدمها دلّ على فساد قوله في ذلك ...» أحكام القرآن (٢ / ٣٧).

(٢) قال ابن عطية : وقد حرّم الله جميع أنواع الربا ، فهذا هو مفهوم الخطاب ، إذ المسكوت عنه من الربا في حكم المذكور. المحرر الوجيز (٣ / ٢٢٨). وقال أبو حيان : فهذه الحال لا مفهوم لها ، وليست قيدا في النهي ، إذ ما لا يقع أضعافا مضاعفة مساو في التحريم لما كان أضعافا مضاعفة. البحر المحيط (٣ / ٥٧).

١٨

قوله تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ* وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(١) إعداد الشيء تهيئته قبل الحاجة إليه ، وإنما أراد تقديره وإيجاده ، فلا حاجة به تعالى إلى الإعداد ، وأصله من العدّ ، وقولك : أعددت كذا لكذا ، أي اعتبرت قدره بقدره (٢) ، إن قيل : ما وجه ذكر اتقوا النار بعد قوله : (اتَّقُوا اللهَ :) قيل : قد تقدّم (٣) أن قوله : (اتَّقُوا اللهَ) يقال باعتبار ذاته ، واتقوا النار باعتبار عقابه ، فالأول للأولياء الأصفياء ، ولذلك وصله بالفلاح الذي هو أعلى درجة الثواب. والثاني للمذنبين ، فلذلك وصله بالرحمة (٤) ، ولما كانت المنزلة الأولى لا تحصل إلا لمن حصلت له المنزلة الثانية ، حثّ كافة

__________________

(١) سورة آل عمران ، الآيتان : ١٣١ ، ١٣٢.

(٢) انظر : العين (١ / ٧٩ ، ٨٠) ، والأفعال لابن القوطية ص (١٦) ، وتهذيب اللغة (١ / ٩٠) ، والمفردات ص (٥٥٠).

(٣) انظر : تفسير الراغب المخطوط (ق ٢٩) عند تفسير قوله تعالى : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).

(٤) قال البقاعي : «ولما كان الفائز بالمطالب لا يوقى المعاطب قال تعالى : (وَاتَّقُوا النَّارَ) أي إن لم تكونوا ممن يتقيه سبحانه لذاته. نظم الدرر (٢ / ١٥٦). قلت : وهذا أحسن مما قاله أبو حيان في البحر المحيط (٣ / ٥٨) قال : «لما تقدم (اتَّقُوا اللهَ) والذوات لا تتقى ، فإنما المتقى محذوف أو ضحه في هذه الآية : (وَاتَّقُوا النَّارَ).

١٩

الناس على الاستعانة بتقوى عقوبته ، والطاعة له ولرسوله في ترك الربا وغيره من المعاصي ؛ ليصلوا إلى الرحمة (١) ذريعة إلى الفلاح (٢). إن قيل : الفلاح لا يخرج من أن يكون رحمة ، قيل : صحيح ، ولكن الرحمة أعم من الفلاح ، فكلّ فلاح رحمة ، وليس كلّ رحمة فلاحا ، ومن قال في قوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) دلالة أن لا فاسق فيها ، فليس باستدلال يوجب الركون إليه ، لأن ما يصحّ أن يشترك فيه أقوام إذا قيل : أعدّ لفلان. فليس فيه أنه لم يعدّ لغيره. ثم قد ثبت أن النار دركات ، فأكثر ما في ذلك أن النار المعدّة للكافر ليست للفاسق (٣).

قوله تعالى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)(٤) إن قيل : ما الفرق بين

__________________

(١) قال الراغب : رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم ، وقد تستعمل تارة في الرقة المجردة ، وتارة في الإحسان المجرد عن الرقة ، نحو : رحم الله فلانا ، وإذا وصف به الباري فليس يراد به إلا الإحسان المجرد دون الرقة. المفردات ص (٣٤٧).

(٢) قال الراغب : «الفلاح : الظفر وإدراك بغية ...» المفردات ص (٦٤٤) وقال الفيروز آبادي : «الفلاح : الفوز والنجاة والبقاء في الخير». القاموس ص (٣٠٠).

(٣) انظر : المحرر الوجيز (٣ / ٢٢٨) ، والتفسير الكبير (٩ / ٤) ، وتفسير غرائب القرآن (٢ / ٢٥٨) ، والبحر المحيط (٣ / ٥٨) ، ونظم الدرر (٢ / ١٥٦).

(٤) سورة آل عمران ، الآية : ١٣٣.

٢٠