وعاقبة هؤلاء المفترين : تعذيبهم عند قبض أرواحهم وفي الآخرة ، فليتك تبصر أيها الرسول وكل مؤمن حين يكون الظالمون في سكرات الموت وشدائده ، لرأيت أمرا عجبا عظيما لا سبيل إلى وصفه ، حين تبسط الملائكة أيديهم إليهم ، لقبض أرواحهم بالضرب والشّدّة والعنف ، كما قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧)) [محمد : ٤٧ / ٢٧].
وتقول الملائكة لهم توبيخا وتهكّما : أخرجوا أرواحكم إلينا من أجسادكم ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) أي إنكم اليوم تهانون أشد الهوان ، كما كنتم تكذّبون على الله ، وتستكبرون عن اتّباع آياته ، والانقياد لرسله ، فلا تؤمنون بالآيات والرّسل ، وتفترون على الله غير الحق. وعذاب الهون : هو عذاب الهوان الشديد.
ثم يقال لهم بعد قبض أرواحهم يوم القيامة : ولقد أتيتمونا منفردين عن الأنداد والشركاء والشفعاء وانعدام النصراء ، كالانفراد الأول في وقت الخلقة عند ولادتكم من بطون أمهاتكم ، وتركتم وراء ظهوركم في الدنيا ما أعطيناكم من مال وولد وخدم وأثاث وقصور وغيرها من النعم والأموال التي جمعتموها ، ولم تنتفعوا بها هنا ، فهي لا تغني عنكم شيئا.
ليس معكم في القيامة ما زعمتم من الأصنام أنها شفعاؤكم عند الله وشركاء له ، وفي هذا تبيان الخطأ الشديد في عبادة الأصنام وتعظيمها ، لقد تقطّع بينكم ، أي لقد تقطع يوم القيامة ووصلكم بينكم ، وما كان من صلات وصداقات مزعومة ، وغاب عنكم ما كنتم تفترونه من شفاعة الشفعاء ، ونداء الأوثان والشركاء ، ورجاء الأصنام ، ويناديهم الرّب جلّ جلاله على رؤوس الأشهاد : (فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ