بحوث في علم الأصول - ج ٦

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

بحوث في علم الأصول - ج ٦

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: الدار الإسلاميّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٤٩

وأمّا العرضيّة بينهما علاجا فلأنّ كلا من المعارضتين بعد ان كانت لها أطرافها الخاصة بها ، وأنها ـ كما عرفت ـ قد تجتمع في مورد ، وقد تفترقان ، كان لا بدّ حينئذ من ملاحظة الحال في كل مورد.

فإذا كانت إحداهما موجودة دون الأخرى ، عولجت المعارضة الموجودة بما عرفت ، وإن كانتا مجتمعتين ـ حيث يعني اجتماعهما هذا ، كون إطلاق المنطوق طرفا مشتركا في معارضتين ـ فاللازم في مقام العلاج ، ملاحظته فيهما معا ، لا ملاحظته في إحداهما في رتبة أسبق من الأخرى.

والضابط العام في مثل هذه الحالات ، هو انّ الطرف المشترك ، تارة يفترض كونه أضعف من طرفه المعارض في كلتا المعارضتين ، وفي مثله ، يتعيّن التصرف فيه ، وتقديم طرفه المعارض له ، عليه ، في كل من المعارضتين.

وأخرى ، يفترض كون الطرف المشترك مساو في القوة والضعف مع طرفه المعارض في كلتا المعارضتين ، وفي مثله ، يحكم بالتساقط في الجميع.

وثالثة ، يفترض كون الطرف المشترك أضعف من طرفه المعارض في إحداهما ، وأضعف منه أو مساو في المعارضة الأخرى ، وحكمه حينئذ ، تقديم الطرف الأقوى عليه ، فيتصرف فيه ، وحينئذ يبقى الطرف الآخر المساوي أو الأضعف بلا معارض ، فيرجع إليه لا محالة ، وحينئذ تكون النتيجة كما هي في الحالة الأولى.

ورابعة ، يفترض كون الطرف المشترك أقوى من طرفه المعارض في إحداهما ، ومساو لطرفه المعارض في المعارضة الأخرى ، وحكمه حينئذ ، التساقط مع الطرف الآخر المساوي له ، والرجوع إلى الطرف الأضعف ، باعتبار سقوط ما يتقدم عليه ، فيرجع حينئذ ، إليه ، بنكتة الرجوع إلى المرجع الفوقاني.

٧٠١

وخامسة ، يفترض كون الطرف المشترك أقوى من طرفه المعارض في كلتا المعارضتين ، وحينئذ ، يؤخذ به ، ويقع التعارض بينه وبين طرفه المعارض إذا كان متعددا ، ولكن يتقدم هذا الطرف المشترك على طرفه المعارض إذا كان واحدا في كلتا المعارضتين.

وهنا ، يقع الكلام في هذا التنبيه في مسألتين :

١ ـ المسألة الأولى : في تداخل الأسباب في مورد يعقل فيه تعدّد الحكم ، إمّا بتعدّد متعلقه ، كما في وجوب الإكرام مرتين ، أو بتعدّده مع وحدة المتعلق ، كما في حق الفسخ.

والبحث فيها ، تارة ، عن وجود دلالة تقتضي عدم التداخل في الأسباب.

وأخرى ، فيما يقتضي عدم التداخل.

وثالثة ، في كيفية العلاج بينهما.

أمّا البحث عمّا يقتضي الدلالة على عدم التداخل ، فيمكن تقريبه بأحد نحوين.

أ ـ النحو الأول : هو انّ المنطوق يحتوي على ظهورين وهذان الظهوران بمجموعهما يقتضيان عدم التداخل.

أمّا الظهور الأول ، فهو كون الشرط علة تامة مستقلة للجزاء.

وأمّا الظهور الثاني ، فهو في كون الشرط علة لأصل الحكم ، لا لمرتبة تأكّده وشدّته.

وينتج عن هذين الظهورين ، عدم التداخل ، حيث يستحيل أن تجتمع علّتان تامّتان مستقلّتان على معلول واحد.

وهذا النحو لا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ الظهور الثاني وإن كان تاما ، إلّا انّ الظهور الأول ليس كما قيل ، بمعنى انّ المنطوق لا يدل على عليّة الشرط التامة بهذا العنوان ، وإنّما يستفاد ذلك بالإطلاق المقابل «للواو»

٧٠٢

بحسب تعبير الميرزا «قده» ، وبإطلاق الترتب بحسب تعبيرنا ، أي بإطلاقه لحالة فقدان الشرط الآخر.

وهذا غاية ما يلزم منه ، هو إثبات تماميّة الشرط في حالة انفراده ، بينما لا يثبت تماميّته في حالة اجتماعه.

فكونه جزء العلة في حالة الاجتماع ، لا ينافي هذا الظهور.

٢ ـ النحو الثاني : هو ما ذكره المحقق الخراساني «قده» ـ عند ما تفطّن إلى عدم تماميّة الظهور الأول في النحو السابق ، فاستبدله بتقريب آخر يتفق مع السابق في الظهور الثاني ، ويختلف عنه في الظهور الأول ـ حيث ادّعى هنا ، انّ الشرطيّة ، ظاهرة في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، لا مجرّد الثبوت.

وهذا الاستظهار ، قد يدّعى في باب الأفعال ، كفعل الأمر ، فيكون مقتضى الشرطيتين حدوث أصل الحكم حين حدوث كل من الشرطين ، وهذا ينافي التداخل.

وهذا النحو يفترض فيه عدة افتراضات.

أ ـ الافتراض الأول : هو انّه لا بدّ وأن يكون الجزاء جملة فعليّة كي يدل على الحدوث ، فإنّه لا يجري فيما إذا كان جملة اسميّة ، كما في قولنا ، «إذا جاءك زيد فإكرامه واجب».

ب ـ الافتراض الثاني : هو انّه لا بدّ من افتراض تعاقب الشرطين ، وعدم اقترانهما في التحقق ، وإلّا كان الحدوث عند الحدوث حاصلا بناء على التداخل.

ج ـ الافتراض الثالث : هو التسليم بالإطلاق الأزماني للشرطيّة التي تحقق شرطها أولا ، لإثبات بقاء الحكم بعد تحقّق الشرط الثاني ، كي لا يتبدّل أو يرتفع الحكم أو يحدث حكم آخر مماثل بالشرط الثاني.

٧٠٣

وأمّا ما يدل على التداخل فهو : ان هذا الظهور ـ أي الظهور في الحدوث عند الحدوث ـ يقابله ظهوران.

أ ـ الظهور الأول : هو ظهور مادة الجزاء ، في انّ متعلق الحكم ـ أي مادة الأمر ـ هو الإكرام بما هو ، لا بعنوان آخر.

ب ـ الظهور الثاني : هو ظهور إطلاق المادة ، وعدم تقييدها بفرد من الطبيعة ، غير الفرد الذي انطبق عليه الواجب الآخر.

ومقتضى التحفظ على هذين الظهورين هو ، التداخل في الأسباب ، إذ لا يعقل حدوث مطلق وجوبين متعلّقين بطبيعي الإكرام ، وحينئذ ، لا بدّ ، إمّا من تقييد أحدهما بعدم الآخر ، وإمّا افتراض انّ متعلّق أحدهما ليس هو عنوان الإكرام ، بل هو عنوان آخر ينطبق عليه ، كما هو مجمع العنوانين ، أو هو كذلك ، وهذا هو مبنى التداخل في المسببات التي هي المسألة الثانية.

وأمّا كيفيّة علاج التعارض بين هاتين الدلالتين ، فإنه حيث أنّ الأمر يدور بين الظهور الوضعي ، والظهور الحكمي فانه لا بد حينئذ من تقديم الوضعي ، وحيث انّ الظهور في الحدوث عند الحدوث ، والظهور في انّ الإكرام بعنوانه واجب ، هما ظهوران وضعيّان ـ أي من باب أصالة التطابق بين ما يذكر إثباتا ، وما يكون مأخوذا ثبوتا ، بينما الظهور الثالث هو ظهور حكمي ، أي : من باب أصالة التطابق بين ما لم يذكر إثباتا ، وما لم يؤخذ ثبوتا ، فحينئذ يقدّم الظهوران الأولان على الظهور الأخير ، وحينئذ تكون النتيجة هي عدم التداخل ، لا في الأسباب ولا في المسببات.

وهنا ذكر المحقق النائيني (١) «قده» في المقام كلاما متينا ، حاصله : ان لا تقييد أصلا في المادة ، في المرتبة السابقة على عروض مفاد الهيئة ، لأنّ تعدّد الوجوب ، الذي يعني تعدّد النسبة الإرساليّة ، يستلزم بنفسه تعدّد

__________________

(١) أجود التقريرات ـ الخوئي ـ ج ٢ ص ٤٢٩ ـ ٤٣٠ ـ ٤٣١.

٧٠٤

المرسل إليه ، لأنّ الإرسال والبعث مضايف مع الانبعاث ، فيتعدد بتعدده لا محالة ، فتقييد المادة بفرد آخر ، تقييد يثبت في طول عروض مفاد الهيئة ، فلا ينافي إطلاقها في المرتبة السابقة على عروض مفاد الهيئة ، ولا حاجة إلى تقييدها لكي يكون خلاف الظاهر.

٢ ـ المسألة الثانية : في تداخل المسببات ، أي في مرحلة الامتثال ، وهذا إنما يكون معقولا بعد الفراغ عن تعدد الحكم في المسألة الثانية.

وقد عرفت ان مبنى ذلك هو افتراض وجود تكليفين قد تعلق كل واحد منهما بعنوان غير عنوان الآخر ، وإلّا ـ فكما عرفت ـ لزم ، إمّا اجتماع المثلين ، وهو محال ، وإمّا تقييد كل واحد منهما بفرد آخر ، وهو ما يعبر عنه بعدم التداخل في المسببات ، وعلى هذا الأساس يصبح من الواضح ، ان مقتضى القاعدة في الشرطيتين المتحدتين جزاء ، هو عدم التداخل في المسببات ، فإن حمل عنوان ، الإكرام ، مثلا ، على إرادة عنوان آخر ينطبق عليه. خلاف الظاهر (١).

والخلاصة هي :

انّ اقتناص المفهوم من الجملة ، له أحد مسلكين.

١ ـ المسلك الأول : هو ان يقال : بالدلالة على الانتفاء عند الانتفاء بحسب مرحلة المدلول التصوري للكلام ، وهذه الدلالة ، متوقفة على ركنين.

أ ـ الركن الأول : هو دلالة الجملة على النسبة التوقفيّة والالتصاقيّة بين الحكم والشرط ، أو الوصف ، بحسب مرحلة مدلولها التصوري.

ب ـ الركن الثاني : هو إثبات أن المعلق والتوقّف ، هو طبيعي الحكم لا شخصه.

__________________

(١) بل هو في قوة تعلق وجوبين بعنوان واحد ، وهو مستحيل أيضا. المقرر.

٧٠٥

٢ ـ المسلك الثاني : هو انّ الجملة ، تدل على المفهوم في مرحلة المدلول التصديقي للكلام ، عند ما يقوم برهان عقلي ، أو استنتاج عرفي يقتضي كون الشرط ، علة منحصرة لطبيعي الحكم ، بحيث يستلزم عقلا ، انتفاء نوع الحكم ، فيما إذا انتفى الشرط أو الوصف ، وقد أوضحنا كلا المسلكين ، فيما مرّ عليك.

٧٠٦

مفهوم الوصف

على ضوء ما تقدّم في مفهوم الشرط ، وقع الكلام في جملة الوصف والموصوف ، فقيل ، هل انّ الجملة الوصفية لها مفهوم ، أو انّه ليس لها مفهوم؟ فلو قيل «أكرم الفقير العادل» ، فهل انّ تقييد الفقير بوصف «العادل» ، يدل على انتفاء وجوب الإكرام عن غير العادل ، أو انّه لا يدل؟

ولا بدّ قبل التحدث عن مفهوم الوصف ، من أن نشير إلى أن الوصف الذي نتحدث عنه هو ، أعمّ من الوصف النحوي وإنّما هو كل وصف معنوي ، وهو أعمّ من كونه نحويا وغيره ، فلو قلنا : «أكرم الفقير عادلا» ، فهنا : كلمة ، «عادلا» ، «حال» ، وليست نعتا ، ومع هذا ، فهي داخلة في محل الكلام ، لكونها وصفا معنويا.

كما وينبغي الالتفات ، إلى أنّ المقصود ، ليس دلالة الجملة الوصفيّة على انتفاء شخص الحكم ، فإنّ شخص الحكم ـ أي الوجوب الخاص الذي ملاكه العدالة ـ لا إشكال في انتفائه عند انتفاء العدالة ، وذلك لقانون أصالة التطابق بين مرحلة الإثبات والثبوت ، ومرحلة المدلول التصوري والمدلول التصديقي ، وبالتالي مرحلة الخطاب والجعل من ورائه ، التي تقضي بكون ظاهر الجملة التي يتقيّد الحكم فيها بالوصف ، بأنّه ثابت في مرحلة المدلول التصديقي والجدّي أيضا ، فكما انّ وجوب إكرام العالم ، مقيّد في مرحلة

٧٠٧

عالم الإثبات ، «بالعادل» ، بحيث لا يشمل غيره ، فكذلك الجعل والخطاب المبرز به يكون مقيدا ثبوتا بذلك.

وإنّما المقصود ، هو إثبات المفهوم الكلي في المقام ، وحينئذ يقال : إنه لا إشكال في ثبوت المفهوم الجزئي الذي هو عبارة عن انتفاء شخص هذا الحكم ، حيث لا يتنافى مع ثبوت حكم آخر مماثل على حصة أخرى من العالم.

اللهم ، إلّا إذا عرف من الخارج وحدة الجعل ثبوتا أيضا ، فحينئذ ، يحمل المطلق على المقيّد ، حتى عند من يقول بعدم المفهوم للوصف.

نعم ، إذا لم تحرز وحدة الحكم حينئذ ، يكون الحمل على المقيّد موقوفا على ثبوت المفهوم للجملة الوصفية.

ومن هنا ، يعرف انّ التسالم على حمل المطلق على المقيّد لا يمكن جعله نقضا على إنكار المفهوم للجملة الوصفية ، كما قد يتوهم ذلك.

وبعد هذا البيان ، نعود إلى موضوع البحث ، وهو ، انّ التقييد بالوصف ، هل يدل على المفهوم ، أو أنه لا يدل؟

وحينئذ يقال : إنّه لا بدّ في إثبات المفهوم للجملة الوصفية ، من سلوك أحد المسلكين المتقدمين.

أمّا المسلك الأول وهو دلالتها على الانتفاء عند الانتفاء بحسب مرحلة المدلول التصوري للكلام فالتحقيق هو عدم توفره (١) في الجملة الوصفية في هذا المسلك لأنه ـ كما سبق القول ـ موقوف على ركنين لم يتم شيء منهما في المقام.

أمّا الركن الأول ، فيتضح بطلانه من خلال عدة أمور.

__________________

(١) خلافا للمحقق العراقي ـ مقالات الأصول ـ ج ١ ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

٧٠٨

أ ـ الأمر الأول : هو انّه من الواضح وجدانا ، عدم دلالة الجملة الوصفيّة على التوقف ، وعلى النسبة التوقفيّة بين الحكم والوصف ، وإنّما غاية ما تدل عليه هو ، نسبة إرساليّة بين الموضوع المقيّد مع المخاطب المأمور.

ب ـ الأمر الثاني : هو عدم وجود دال يمكن أن يدل على النسبة التوقفيّة ، إذ هيئة التوصيف لا تدل على أكثر من النسبة الوصفيّة التي هي نسبة تقييديّة ناقصة ، تقتضي تقييد شخص الحكم بالوصف ، وهيئة الفعل تدل على النسبة الإرسالية ، فإن أريد استفادة التوقف من تلكما النسبتين ، أو من إحداهما ، فإنّ ذلك ، يكون على خلاف المداليل الوضعيّة اللغويّة لهما.

وإن أريد استفادته من هيئة مجموع الجملة الوصفيّة ، فيكون المراد واحد من اثنين.

الأول : هو أن يكون المراد ، كون مجموع الجملة الوصفيّة بدلا عن مفاد الهيئة الوصفيّة الناقصة.

وهذا خلف ما تقدم.

الثاني هو ، أن يكون المراد ، استفادة التوقف مضافا إلى مفاد المفردات الأخرى.

وحينئذ يقال ، إن ادّعي دلالة هيئة المجموع على النسبة التوقفيّة بين شخص ذلك الحكم المقيّد بالوصف ، وبين الوصف ، الأمر الذي كان مستفادا من النسبة التوصيفيّة نفسها ، كان ذلك لغوا.

وإن أريد ، استفادة توقف سنخ الحكم وطبيعته على الوصف ، فليس في الكلام ـ بناء على اقتناص المعاني المركّبة بنحو تعدّد الدال والمدلول ـ ما يدل على طبيعي الحكم ، كي يعلّق على الوصف.

٧٠٩

ت ـ الأمر الثالث : هو انّ النسبة التوقفيّة التي يدّعى دلالة الهيئة عليها لا يخلو أمرها من أحد افتراضين.

أ ـ الافتراض الأول : هو ان يفترض كونها نسبة ناقصة.

وكونها هكذا ، لا ينفع في اقتناص المفهوم كما مرّ معنا وبرهنّا عليه في بحث الجملة الشرطية ، حيث قلنا هناك ، انّ النسبة الشرطيّة ، لا بدّ من أن تكون تامة لكي يكون المدلول التصديقي بإزائها.

ب ـ الافتراض الثاني : هو ان يفترض كونها تامة.

وحينئذ ، يلزم من ذلك ، سلخ النسبة الإرساليّة في الجملة الوصفيّة وتجريدها عن التمامية ، وجعلها مدلولا تصوريا.

وهذا خلاف الوجدان البديهي ، حيث انّ الوجدان يقضي بكون النسبة الإرساليّة الطلبيّة ، هي النسبة الحكميّة التامة في الجملة الوصفيّة ، بخلاف الحال في الجملة الشرطيّة.

وأمّا الركن الثاني : وهو إثبات كون المعلّق والمتوقف ، هو طبيعي الحكم لا شخصه ، فهو غير تام ، لأنّ المفروض ، تقييد الحكم المبرز بالجملة الوصفيّة بالوصف ، بحسب مرحلة المدلول التصوري ، لأنّ الوصف طرف للنسبة التقييديّة الناقصة ، مع الموضوع الذي هو طرف لنسبة تقييديّة مع المادة ، كما في ، «الإكرام» ، والتي هي طرف للنسبة الإرساليّة الحكميّة.

وعليه ، فلا محالة ، يكون الحكم في الجملة الوصفيّة ، حكما شخصيا ، نظير ما تقدّم معنا في وجه عدم المفهوم للجملة الشرطيّة المسوقة لتحقق الموضوع.

وأمّا المسلك الثاني لاقتناص المفهوم ، وهو كون المعلّق هو طبيعي الحكم لا شخصه ، فتحقيق الحال فيه هو أن يقال.

إنّ ما يراد نفيه في مرحلة المدلول التصديقي هو ، أحد أمور ثلاثة.

٧١٠

أ ـ الأمر الأول : هو أن يكون المراد ، نفي احتمال ثبوت الحكم على ذات الموصوف بنحو الموجبة الكلية.

فقوله : «أكرم العالم الفقيه» ، يطلب بالمفهوم فيها ، نفي احتمال وجوب إكرام مطلق «العالم» غير الفقيه ، بنحو الموجبة الكلية.

ب ـ الأمر الثاني : هو أن يكون المراد ، نفي احتمال وجوب إكرام أيّ صنف من أصناف «العلماء» ، غير مورد الوصف ، أي انّه ينفي الكليّة والجزئيّة معا.

ج ـ الأمر الثالث : هو أن يكون المراد ، نفي احتمال وجوب إكرام مطلق «العالم» بنحو الموجبة الكليّة ، كما في الأمر الأول ، ولكن مع افتراض انّ هذا الوجوب ، وجوب آخر ، ينطبق على ما هو مورد الخطاب ، ويجتمع معه كجعل آخر ، لا أنه في مورد الخطاب عينه كما في الأمر الأول ، كما لو فرض انّ قسما من أفراد «العالم» غير الفقيه لا يجب إكرامه ، «كالعالم» غير الفقيه من أهل «بغداد» ، بينما القسم الآخر ، يجب إكرامه ، «كالعالم» غير الفقيه من أهل «البصرة» ، وحينئذ ، يكون الداعي للتقييد بوصف الفقيه ، هو دفع توهّم شمول الحكم بوجوب الإكرام للقسم الذي لا يجب إكرامه ، وهو «العالم» من أهل بغداد ، إذ لو قيل أكرم «العالم» من دون ذكر قيد الفقاهة ، لتوهم حينئذ ، شمول الحكم بوجوب الإكرام لكل عالم حتى العالم «البغدادي» ، إذن ، فغاية ما يدل عليه التقييد بالوصف هو النفي الكلي ، حتى لا يشمل الحكم العالم «البغدادي» ، والنفي الجزئي ، وهو نفي وجوب الإكرام لبعض افراد «العالم» غير الفقيه كما في العالم «البصري».

أمّا الاحتمال الأول : فإنه يمكن نفيه بالنظر إلى المدلول التصديقي للجملة الوصفية ، بأحد تقريبين.

أ ـ التقريب الأول : هو انّ المشهور انّ ثبوت «وجوب الإكرام لمطلق العالم» ، بنحو الموجبة الكليّة ، مرجعه ، إلى انّ مناط وجوب الإكرام وملاكه ، هو ذات العالم ، بلا دخل لخصوصيّة ، وصف «الفقاهة» فيه.

٧١١

وهذا معناه : انّ قيد «الفقيه» المذكور في الخطاب ، غير مربوط بالحكم بحسب مقام الثبوت ، مع انّه قد تقدّم ، انّ هذا المقدار يثبت بمقتضى أصالة التطابق بين مقامي الإثبات والثبوت لا محالة.

وبتعبير آخر : إنّ هذا الجعل الكلّي المحتمل ، إن فرض انّ القيد دخيل فيه ، كان خلف كونه كليا ، وإلّا كان خلف ظهور التقييد إثباتا في كونه دخيلا ثبوتا.

وهذا المقدار من البيان ، يمكن دفعه : وذلك بأن يقال : بأنّه لو فرض وحدة الجعل المستكشف بالخطاب ، لتمّ حينئذ هذا البرهان ، في نفي احتمال كون الحكم ثابتا بنحو الموجبة الكليّة.

إلّا انّه ، لا موجب لافتراض ذلك ، إذ يعقل أن يكون في واقع الأمر ، جعول متعددة ، بعدد أصناف العلماء ، بحيث ينتج الموجبة الكليّة ، وذلك بأن تكون خصوصيّة كل صنف ، داخلة في الملاك ، مستقلة عن غيرها من الخصوصيّات ، وحينئذ ، لا يكون ثبوت وجوب الإكرام للأصناف الأخرى من العلماء ، منافيا مع ظهور الخطاب ، في دخل قيد الفقاهة في الحكم المجعول فيه.

ب ـ التقريب الثاني : هو أن يقال : بأنّ المولى العرفي ، عادة ، إذا ابتلى بتشريع من هذا القبيل ـ بحيث انّه كان يرى ، انّ كل صنف من العلماء ، له ملاك خاص فيه لجعل الحكم عليه ـ فإنّه لا يجعل جعولا متعددة ، بل يكتفي بجعل واحد على نهج القضيّة الكليّة ، وذلك دفعا لمحذور اللّغويّة (١) العرفيّة ، في حين انّه كان يمكنه ان يتوصل إلى نفس النتيجة العمليّة المرادة له بواسطة الجعول المتعددة.

__________________

(١) إن هذا الدفع لمحذور اللغوية ، غير تام ـ إذ ما دام أن كل صنف له ملاك خاص فيه لجعل الحكم عليه فلا لغوية ، فيمكنه أن يقول إكرام العلماء الفقهاء ، وأن يقول بدله المتكرر فيه ذكر الصنف المتعلق للملاك. المقرر.

٧١٢

فبلحاظ هذه القرينة العرفيّة من اللغوية ، ينفى حينئذ ، احتمال ثبوت الحكم على القضيّة الكليّة ، إذ لو كان ذلك بنحو الجعول المتعددة ، لكان خلف قرينة عدم اللّغويّة العرفيّة وإن كان بنحو الجعل الواحد ، كان خلف ظهور الخطاب في دخل القيد في الحكم المجعول بسببه.

أمّا الاحتمال الثاني ـ من هذه الاحتمالات الثلاث ـ لما يراد نفيه في مرحلة المدلول التصديقي ، أعني نفي جعل الحكم بنحو الموجبة الجزئية على غير مورد الوصف ـ الذي هو المنتج للمفهوم المطلوب في المقام ـ فلا يمكن نفيه بالنظر إلى المدلول التصديقي للجملة الوصفيّة.

كما انه لا يمكن ذلك ، بالنظر إلى المدلول التصوري للجملة الوصفية ، إذ لا يلزم من ثبوت جعل الحكم بنحو الموجبة الجزئية على غير مورد الوصف ، محذور مخالفة ظهور دخل القيد المأخوذ في الحكم ، المبرز بالخطاب.

كما انه لا يلزم من ذلك محذور اللّغويّة العرفيّة.

وهكذا مثله ، نفي الاحتمال الثالث ، أعني ثبوت حكم آخر على طبيعي العالم ، بنحو يكون مجتمعا مع هذا الحكم ـ بناء على إمكان اجتماعهما ـ كما إذا فرض احتمال انّ كلا من طبيعي العلم ، وخصوصيّة الفقاهة ، له ميزة خاصة ، تقتضي الإكرام مستقلا ـ فإن هذا لا ينافي ظهور القيد في الدخالة ، كما لا يستلزم اللّغويّة العرفية.

إذن فالصحيح على ضوء مجموع ما تقدم ، هو عدم المفهوم للجملة الوصفيّة ، وذلك لعدم تماميّة انطباق شيء من الطريقين المتقدمين لاقتناص المفهوم ، على الجملة الوصفيّة. ولا انطباق واحد من الدوال الثلاثة الموجودة في الجملة الوصفية على التوقف.

وقد عرفت من خلال ما تقدم ، أنّه لا يمكن أن يقال ، انّ التقييد بالوصف يكون لغوا ، إذا لم يكن للوصف مفهوم.

٧١٣

لأنه يقال : انّ محذور اللّغويّة لا يتوقف دفعه على ثبوت المفهوم للجملة الوصفية ـ أي على انتفاء وجوب الإكرام عن جميع أفراد العالم غير الفقيه ـ بل يندفع هذا المحذور ، فيما إذا فرض انّ صنفا من أفراد العالم غير الفقيه ، لا يجب إكرامه ، كالعالم الفاسق من أهل بغداد ، وانّ صنفا آخر يجب إكرامه كالعالم الفاسق من أهل البصرة.

وحينئذ ، بناء على هذا الافتراض ، يندفع محذور اللّغويّة ، فإنّ التقييد بوصف الفقاهة ، يكون الداعي له هو ، دفع توهّم شمول الحكم بوجوب الإكرام للصنف الذي لا يجب إكرامه ، وهو العالم البغدادي ، لأنّه حينئذ لو قال : اكرم العالم من دون ذكر قيد الفقاهة ، لتوهم شمول الحكم بوجوب الإكرام لكل عالم حتى العالم البغدادي.

إذن فغاية ما يدل عليه التقييد بالوصف هو ، السلب الجزئي ، أي عدم ثبوت وجوب الإكرام لبعض أفراد العالم غير الفقيه ، ولا يدل على السلب الكلي ، أي انتفاء وجوب الإكرام عن جميع أفراد العالم غير الفقيه ، الذي هو المفهوم ، كما عرفت سابقا.

وقبل ختام البحث ، أراني مضطرا لاستعراض كلمات بعض الأعلام حول موضوع البحث ـ وهو دلالة التقييد بالوصف على المفهوم ، وعدم دلالته ـ.

١ ـ الكلمة الأولى :

هي للمحقق العراقي (١) ، حيث نستعرضها من خلال نقاط ثلاث :

أ ـ النقطة الأولى : هي ما سبق وذكره في بحث مفهوم الشرط ، حيث لم يستشكل في موافقة المشهور ، من كون الركن الأول من ركني المفهوم ـ وهو كون التوقف والعليّة الانحصارية بالشرط ، ركن أول ، في استفادة

__________________

(١) مقالات الأصول ـ العراقي ـ ج ١ ـ ص ١٤٢ ـ ١٤٣.

٧١٤

المفهوم واقتناصه من الجملة الشرطية ـ إلّا انّه يدّعي ثبوت هذه الدلالة للجملة الوصفية أيضا ، وذلك بشهادة التسالم على حمل المطلق على المقيّد ، فيما إذا أحرز فيه وحدة الحكم ، حتى عند المنكرين للمفهوم هذا.

وعليه ، فلا بدّ من أن ينصب البحث على الركن الثاني الذي يتوقف عليه استفادة المفهوم من الجملة الوصفية ، وهو كون المعلّق المترتب على الشرط ، أو الوصف هو ، طبيعي الحكم وسنخه ، لا شخصه.

هذا إذا بنينا على مسلك المحقق العراقي.

وأمّا إذا لم نبن على مسلكه ، نصبح بحاجة إلى إثبات كلا الركنين ـ لا خصوص الثاني ـ لاستفادة المفهوم من الجملة الوصفية.

وبعبارة أخرى ، فإنّه بعد أن وافق العراقي «قده» المشهور في كون الركن الأول متوفرا في الوصف كما توفره في الجملة الشرطية ، إذن لا بدّ من بحث الركن الثاني ـ وهو كون المعلّق المترتب على الوصف ، هو طبيعي الحكم لا شخصه.

ب ـ النقطة الثانية : هي انّه لم يستشكل أحد ، في انّ مقتضى مقدمات الحكمة والإطلاق ، إثبات كون المعلّق إنّما هو طبيعي الحكم لا شخصه ، إلّا إذا قامت قرينة ـ ولو عامة ـ على خلاف ذلك ، والمفروض كون المدّعى انّ الحكم بلحاظ موضوعه يلحظ على نهج القضية المهملة بحسب البناء العرفي واللغوي ، أي لا مطلقا ولا مقيدا ، ومن هنا ، فإنه لا يجري الإطلاق فيه بلحاظ ، ولعلّه السرّ في عدم المفهوم للجملة اللقبيّة ، فقولنا : «اكرم زيدا» ، و «إكرام زيد واجب» ، لا مفهوم له.

بينما لو كانت تجري مقدمات الحكمة فيه بلحاظ لكان له مفهوم ، كما لو قال : «إكرام زيد كل الواجب».

وهذا البناء العرفي ، هو الذي اضطرّ واضع علم المنطق الأرسطي ، إلى عدم تقسيم القضيّة إلى كليّة وجزئيّة ، محمولها متأثرا بذلك ، بالوضع اللغوي والعرفي وخالطا بذلك بين اللغة والمنطق.

٧١٥

بينما الحكم بلحاظ غير الموضوع ، كالشرط مثلا ، لا مانع من إجراء الإطلاق ومقدمات الحكمة فيه ، حيث يقال حينئذ ، إنّ طبيعي الحكم معلّق على الشرط ، لأنّه يوجد في الجملة الشرطية نسبتان ، نسبة الحكم إلى موضوعه ، وهو «زيد» ، الذي يجب إكرامه ، ونسبة الحكم إلى شرطه.

وهذا البناء النوعي المتقدم ، لا يقتضي إهمال المحمول بلحاظ النسبة الثانية ، كما كان يقتضيه بلحاظ النسبة الأولى ، فيحكم حينئذ ، بأنّ مطلق وجوب إكرام «زيد» ، معلّق على الشرط.

ج ـ النقطة الثالثة : هي انّ الجملة الوصفية ، وإن كانت متضمنة لنسبتين ، إحداهما ، نسبة الحكم إلى موضوعه ، وهو الموصوف ، والثانية ، هي نسبة الحكم إلى الوصف ، باعتبار انّ الموصوف بما هو موصوف ، هو طرف الإضافة ، وهو ينحل بالدقة العقليّة إلى ذات وصفة ، إلّا انّه بحسب النظر العرفي ، ليس هناك إلّا نسبة واحدة بين الحكم ، وموضوعه المقيّد ، وقد سبق وقلنا : انّه لا يمكن إجراء الإطلاق في الحكم بلحاظ موضوعه ، لكون الحكم يلحظ مهملا بلحاظ الموضوع ، لا مطلقا ولا مقيدا.

وهذا هو (١) السر ، في عدم ثبوت المفهوم للوصف.

وإن شئت قلت ، ان الركن هو الركن الأول وهو التوقف الذي لم يستشكل المحقق العراقي «قده» في ثبوته ، فهو غير تام. وذلك لأن جملة «اكرم العالم الفقيه» ، فيها ثلاثة أمور.

أ ـ الأمر الأول : هو تقييد الوجوب بالإكرام ، وهذا تقييد وارتباط ذاتي ، بمعنى ان الوجوب بذاته مرتبط بغيره ارتباط الحكم بموضوعه الموصوف ، ولا يمكن أن يوجد وحده ، وبهذا يكون غنيا عن الدال على هذا التقييد.

__________________

(١) مقالات الأصول ـ العراقي ـ ج ١ ـ ص ـ ١٤٢ ـ ١٤٣.

٧١٦

ب ـ الأمر الثاني : هو تقييد الإكرام بالعالم ، أي نسبة الإكرام إلى العالم ، وهي نسبة ناقصة تقييدية ، والدال عليها هي هيئة المفعولية.

ج ـ الأمر الثالث : هو انّ نسبة الفقاهة إلى العالم ، هي أيضا نسبة ناقصة تقييدية ، والدال على هذه النسبة هو ، هيئة الوصف والموصوف.

وأنت كما ترى ، فإن شيئا من هذه الدوال الثلاثة ، لا يدل على التوقف.

وعليه فالجملة الوصفيّة لا مفهوم لها لاختلال كلا الركنين.

والآن نعلق على هذه النقاط الثلاث تباعا.

١ ـ التعليق على النقطة الأولى : هو أن يقال انّه قد سبق وقلنا في بحث مفهوم الشرط ، انّه لا تسالم على استفادة الركن الأول في الجملة ، كما انّه لا يوجد تلازم بين استفادة هذا الركن بلحاظ شخص الحكم واستفادته بلحاظ طبيعي الحكم ، ذلك لأنّ برهان تلك الاستفادة هو ، استحالة قيام الحكم الشخصي المبرز بالخطاب ، بموضوعين ، وكذلك ، فإنّ قيامه بالجامع ـ كما احتمل ـ هو خلف أخذ القيد في مقام الإثبات المقتضي لدخله في مقام الثبوت بمقتضى أصالة التطابق بين مقام الإثبات والثبوت ، أي بين المدلول التصوري والتصديقي.

وإن شئت قلت : ان الإطلاق في الحكم يمكن أن يراد به أحد معان ثلاثة.

١ ـ المعنى الأول : هو أن يراد به كون المعلّق هو ، مطلق حصص الحكم بنحو الاستغراق.

٢ ـ المعنى الثاني : هو ، أن يراد به كون المعلق هو صرف وجوده الناقض للعدم الكلّي والمنطبق على الوجود الأول.

٣ ـ المعنى الثالث : هو ، أن يراد به الطبيعة بما هي هي ، من دون أخذ

٧١٧

قيد معها ، بمعنى انّه لا يلحظ فنائها في الوجودات الخارجية المتكثّرة ، ولا في أوّل وجودها ، إذ انّ كل ذلك ، شئون زائدة على ذات الطبيعة بما هي هي خارجية.

ولطالما قلنا سابقا مرارا ، إنّ ملاحظة كون الطبيعة ملحوظة بنحو صرف الوجود ، كما في متعلّق الوجوب ، أو بنحو الاستغراق ، كما في متعلّق التحريم ، كلّ ذلك إنّما يكون بنكتة زائدة على أصل الإطلاق ومقدمات الحكمة. وحينئذ ، وبعد اتضاح هذه المعاني الثلاثة للإطلاق في الحكم ، نقول : إن أراد المحقق العراقي «قده» بالإطلاق في الحكم. أي طبيعي الحكم ـ الذي هو الركن الثاني لاقتناص المفهوم عنده وعند المشهور ، والمختلف فيه عند القائلين بالمفهوم والمنكرين له ـ المعنى الأول من هذه المعاني الثلاثة ، أعني كون المعلّق مطلق حصص الحكم ، فإنه من الواضح ، ان هذا المعنى كاف وحده لإثبات المفهوم ، بلا حاجة إلى الركن الأول ، سواء أريد من الركن الأول ، استفادة عنوان العليّة الانحصاريّة للشرط ، أو الوصف ، أو أريد به استفادة دخالتهما بخصوصهما في الحكم بمقتضى أصالة التطابق بين عالم الإثبات والثبوت الذي به أثبتنا انتفاء شخص الحكم عند انتفاء القيد ، ذلك لأنّ اللفظ سوف يكون بحسب مدلوله التصوري دالا على انّ تمام حصص الحكم تثبت عند ثبوت الموضوع المقيّد.

وهذا لا يصدق إلّا مع انتفاء طبيعي الحكم بانتفاء القيد.

وبتعبير آخر يقال : إنّ انتفاء الطبيعي بهذا المعنى ، لا يكون محتاجا حينئذ ، حتى إلى الظهور الذي كنّا نحتاجه في إثبات انتفاء شخص الحكم ـ وهو ظهور دخل القيد بخصوصه في الحكم ـ إذ لو لم ينتف ، كان معناه ، انّ المتكلم قد كذب في تعليقه كل حصص الحكم على المقيّد أو الوصف ، حتى لو لم يكن القيد بخصوصه دخيلا فيه ، وإنّما المراد به ذات المقيّد في مورده ، لأنّ ذات المقيّد أيضا ، ليس ثبوته مساوقا مع ثبوت كل الحصص كما كان كذلك فيما إذا كان المعلّق شخص الحكم.

٧١٨

والخلاصة ، هي انّ عدم الانتفاء بناء على هذا المعنى للطبيعي ، يكون مكذبا لنفس هذا الإطلاق ، بلا حاجة إلى ضم ظهور آخر.

ونقول نفس الشيء ـ فيما لو أراد المحقق العراقي «قده» ـ المعنى الثاني للإطلاق ، وهو الطبيعة الملحوظة بنحو صرف الوجود المنطبق على أول الوجود ـ لو قيل بكفايته في نفسه لاقتناص المفهوم ـ.

وقد تقدم الإشكال فيه عند البحث عن مفهوم الشرط. وإن أراد المحقق العراقي «قده» المعنى الثالث ، أي ان المترتب والمعلق ، هو ذات الطبيعة ، فمن الواضح حينئذ. ان القائل بالمفهوم يصبح بحاجة إلى إثبات الركن الأول ، وهو العلية الانحصارية ، ولا يكفي فيه مجرد ظهور أخذ القيد في الموضوع في دخله بخصوصه في الحكم. إذ انّ ترتب الطبيعة بهذا المعنى. على المقيد لا يقتضي انتفاؤها عند انتفاء القيد. إذ لعلّه يترتب مع وجود قيد آخر أيضا ، كما لو كان هناك علتان وموضوعان كل منهما يختص بحصة من الطبيعي وحينئذ لا يكون الالتزام بذلك مستلزما للالتزام بعدم انتفاء شخص الحكم عند انتفاء القيد ، لأنّ شخص الحكم لا يمكن أن يقوم بموضوعين كما عرفت.

وأمّا النقطة الثانية في كلام العراقي «قده» هو أن يقال في جوابها : إنّه «قده» ، إن أراد من إهمال المحمول ـ أي الحكم ـ ما يقابل الإطلاق بالمعنى الأول أو الثاني من المعاني الثلاثة المتقدمة ، فإنّه يرد عليه ، ما عرفته وتقدم مرارا ، من انّ الإطلاق بهذين المعنيين مئونة زائدة ، لا تقتضيه مقدمات الحكمة ، وإنّما لا بدّ من اقتناصه في كل مورد ، بحسب القرائن الخاصة المناسبة.

وإن أراد من إهمال المحمول ، ما يقابل الإطلاق بالمعنى الثالث ـ الذي هو مقتضى مقدمات الحكمة ـ فإنّنا نقول حينئذ ، إن الإهمال بهذا المعنى غير ثابت في المحمول ، لا في الجمل الخبريّة ، ولا في الجمل الإنشائيّة ، بل الثابت في محمول الجملة الخبريّة هو الإطلاق ، أي انّ

٧١٩

المستفاد منها ، هو حمل ذات طبيعة المفهوم في طرف المحمول ، على الموضوع ، فإذا قال : «إكرام العالم واجب» ، يكون المحمول فيه هو طبيعي الواجب الذي لا يقتضي ثبوته له انتفاء طبيعي الوجوب عند انتفاء الموضوع.

وأمّا الثابت في محمول الجملة الإنشائيّة ، كما لو قال : «أكرم العالم» ، فباعتبار وجود نسبة إرساليّة تامة فيها ، متعلقة بالإكرام المقيّد بموضوعه ، وهو العالم ، فسوف يكون الحكم الثابت نسبة إرساليّة مقيدة ، ويستحيل إجراء الإطلاق فيها بلحاظ موضوعها وقيوده حينئذ ، إذ انّ النسبة متقومة بطرفها ، فإذا فرض كون طرفها هو المقيّد ـ كما تقدم البرهان عليه ـ فلا معنى لإجراء الإطلاق فيها بلحاظ طرفها حينئذ.

وبهذا يتعيّن كون الحكم في الجملة الإنشائيّة هو ، المقيّد بالموضوع ، لا المطلق ، ولا المهمل.

وأمّا النقطة الثالثة في كلام العراقي «قده» ، فيرد عليها ثلاثة إيرادات.

١ ـ الإيراد الأول : هو أن يقال : انّ النسبة الثانية التحليليّة ـ بحسب مدّعاه ـ في الجملة الوصفية ، إن أريد بها ، نسبة المحمول إلى التقييد بالوصف ـ الذي هو جزء تحليليّ عقلا للموضوع ، وإن كان الموضوع واحدا عرفا ـ فمن الواضح ، انّ نسبة المحمول إلى موضوعه مهمل بحسب مبناه ، إذ لا فرق بين أجزاء الموضوع ـ فهذه النسبة بين الحكم والوصف لا تفيد في إثبات المفهوم ، لأنّه كالنسبة إلى ذات الموصوف من حيث عدم إمكان إجراء الإطلاق فيها.

وإن أريد بها النسبة الثابتة بين المجموع المركب من المحمول وموضوعه ، إلى الوصف ، فهي نظير نسبة الجزاء بما هو حكم وموضوع إلى الشرط.

أو قل : نظير نسبة الموضوع بما هو موضوع إلى وصفه ، وبهذا يكون

٧٢٠