تفسير الشهيد زيد بن علي (ع)

تفسير الشهيد زيد بن علي (ع)

المؤلف:


المحقق: الدكتور حسن محمّد تقي الحكيم
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: الدار العالميّة للكتب والنشر
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٨٣

توجد نسخة منها في مكتبة برلين برقم ٩٦٨١ / ٢ الأوراق ١٦ ب ـ ١٩ ب (١) وتوجد عندي صورة منها.

٢ ـ رسالة في أجوبة زيد بن علي على مسائل لأخ له من أهل المدينة. توجد في مكتبة وهبي ٤٥٧ / ٢ الأوراق ٨١ ب ـ ٨٤ ب من القرن العاشر الهجري (٢).

٣ ـ رسالة في الإمامة إلى واصل بن عطاء. توجد في مكتبة وهبي الأوراق ٧٧ ب ـ ٧٨ ب من القرن العاشر الهجري (٣).

٤ ـ تثبيت الإمامة. مخطوطة المتحف البريطاني ملحق ٣٣٦ مخطوطات شرقية رقم ٣٩٧١ الأوراق ٢٥ ـ ٢٨ من سنة ١٢١٥ ه‍ وتوجد أيضا في مكتبة أمبرزيانا في ميلانو بايطاليا رقم A ٧٤ الأوراق ١٧٨ أ ـ ١٨٨ ب من سنة ١٠٣٥ ه‍ (٤).

٥ ـ تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن. يوجد في مكتبة برلين رقم ٢٢٤. الأوراق ٩ ـ ١٦ من حوالي سنة ٨٥٠ ه‍ (٥).

٦ ـ تفسير غريب القرآن وهو الكتاب الذي بين يدينا.

٧ ـ رسالة في حقوق الله توجد في مكتبة الفاتيكان رقم ١٠٢٧ الورقتان ١٣٠ ـ ١٣١ من سنة ١٣٣٢ ه‍ وتوجد أيضا في مكتبة وهبي رقم ٣٤٥٧ الأوراق ٧٨ ب ـ ٨١ أالقرن العاشر الهجري (٦).

٨ ـ الرد على المرجئة. يوجد هذا الكتاب مخطوطا في مكتبة برلين رقم ١٠٢٦٥ الأوراق من ١ ـ ١١٦ من حوالي سنة ٨٥٠ ه‍ (٧).

٩ ـ كتاب الصفوة يتناول عترة الرسول وحقهم في الإمامة. يوجد في المتحف البريطاني الملحق ٢٠٣ مخطوطات شرقية ٣٩٧٧ الأوراق من ٢ ب ـ ١٨ ب من سنة ١٠١٩ ه‍ (٨).

١٠ ـ قراءة زيد بن علي. يوجد الكتاب في مكتبة أمبروزيانا في (ميلانو) في ايطاليا

__________________

(١) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩٠ والروض النضير ١ / ١١٧.

(٢) انظر تاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩٢.

(٣) انظر تاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩٢.

(٤) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٩.

(٥) انظر تاريخ الأدب العربي ٣ / ٣٢٣ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩٢.

(٦) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩١.

(٧) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٩.

(٨) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩١.

٤١

رقم F ٢٨٩ (١). وأنظر ما ذكرته من وجود كتب أخرى جمعها بعض العلماء في قراءته ـ لكنها على ما يبدو ضائعة ـ عند الحديث عن قراءته.

١١ ـ المجموع الحديثي رواه عنه أبو خالد الواسطي ويبدو أنه وضع مع كتاب المجموع الفقهي عند طبعه وقد شاهده المستشرق الإيطالي (جريفني GRIFFINI) في مكتبة أمبروزيانا مستقلا عن المجموع الفقهي والنسخة التي اعتمدها في طبع المجموع الفقهي تحوي المجموع الحديثي أيضا وكذا كل الطبعات التي تلت هذه الطبعة (٢).

١٢ ـ المجموع الفقهي رواه أيضا أبو خالد الواسطي طبع الكتاب ثلاث طبعات الأولى في ميلانو بايطاليا سنة ١٩١٩ م ونشرها المستشرق الايطالي (جريفني) والثانية في القاهرة بعنوان مسند الإمام الشهيد زيد بن علي سنة ١٣٤٠ في مطبعة المنار وقام بنشره بكر محمد عاشور والطبعة الثالثة في بيروت لم يذكروا لها تاريخا وهي مأخوذة من الطبعة الثانية.

وتوجد من الكتاب نسخ خطية في المكتبات (٣). وقد أثار بعض المستشرقين حوله الشكوك لأن راويه الوحيد أبو خالد الواسطي (٤). وقد رد عليهم كل من طابعي الكتاب (٥) وغيرهم. وقد دافع عنه شارح الكتاب الحسين بن أحمد السباعي (ت ١٢٢١ ه‍) واسم كتابه الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير (٦) وهم محقون في دفاعهم عنه وجاءوا بأدلة تكفي للرد على الشبهات. والمجال لا يسع للخوض في هذا الموضوع بالتفصيل!.

١٣ ـ رسالة في مدح القلة وذم الكثرة (٧). رواها خالد بن صفوان عنه وأغلب الظن أن الكتاب مفقود وكل الذي عندنا حوله أن زيدا في أثناء وجوده بالشام جاءه بعض علماء الشام لمحاججته في موضوع الجماعة والقلة ورد عليهم زيد وأخرج كتابا قاله في الجماعة والقلة ذكر فيه : «من كتاب الله فلم يذكر كثيرا إلّا وذمه. ولم يذكر قليلا إلّا ومدحه. والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة. والكثير في المعصية هم أهل البدع ... وسكت الشاميون فما يجيبون لا

__________________

(١) انظر تاريخ الأدب العربي لبروكلمان ٣ / ٣٢٣ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٩.

(٢) انظر بحث جريفيني أول كتاب صنف في الفقه الاسلامي ١٣٦ وانظر ما كتبه عنه توفيق اسكارس في بحثه المجموع الكبير في الفقه أثر تاريخي نفيس ٦٤٨ وانظر مقدمة محقق كتاب مسند زيد ٢١ وأصول الحديث ٢١٦.

(٣) انظر تاريخ الأدب العربي ٣ / ٣٢٢ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩٠.

(٤) انظر تاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٢ وما بعدها.

(٥) انظر : ٥٦Griffini : Corpus luris ,p .. وما بعدها ومسند زيد ١٤ وما بعدها والإمام زيد ٢٣٥ وما بعدها وأصول الحديث ٢١٤ ـ ٢١٥.

(٦) انظر الروض النضير ١ / ٦٩ وما بعدها.

(٧) الروض النضير ١ / ١١٧ وانظر الحدائق الوردية ١ / ٣١٤.

٤٢

بقليل ولا بكثير. ثم قاموا من عنده وخرجوا» (١).

١٤ ـ منسك الحج (أو مناسك الحج). طبع الكتاب بمطبعة الفرات ببغداد (سنة ١٣٤٢ ه‍) نشره محمد علي الشهرستاني بعنوان منسك الحج (٢) ويوجد من الكتاب نسخ مخطوطة في مكتبة برلين رقم ١٠٣٦٠ الأوراق من ٤ ب ـ ٨ أمن حوالي سنة ٨٥٠ ه‍. وفي مكتبة أمبروزيانا في ميلانو بايطاليا رقم ١٤٣ الأوراق ٢٧٩ ب ـ ٢٨١ ب من سنة ١١٠٠ ه‍ (٣) كما يوجد في المكتبة المتوكلية أو الجامع الكبير رقم ٤٢٤ (٤).

وفاته :

اختلفت المصادر في سنة وفاته كما رأيناهم قد اختلفوا في سنة ولادته ولعل سبب اختلافهم راجع إلى أن الأمويين تعقبوا كل أنصار زيد وطلبوا من قبائل العرب البراءة منه مما جعل المؤرخين يحذرون من تسجيل أحداث ثورته كما ساعد على هذا الخلط اختلاف سنتي خروجه من المدينة ووفاته.

وردت بعض الروايات تفيد أنه توفي سنة ثماني عشرة ومائة (٥). وقال آخرون إنها سنة مائة وعشرين (٦). وذهب فريق ثالث إلى أنها سنة مائة وواحد وعشرين (٧). وقال فريق رابع إنها سنة مائة واثنتين وعشرين (٨). وآخر الأقوال يفيد إنها سنة مائة وثلاث وعشرين (٩).

وأرجح أن تكون سنة وفاته هي سنة مائة وعشرين للأسباب التالية :

١ ـ ذكر المقريزي وغيره أن رأس زيد بعد أن نقل من الكوفة إلى الشام ثم إلى المدينة وطيف به في هذه البلدان وعرض على الجمهور ؛ لإرهابهم ولطلب البراءة منه. ثم وصل إلى مصر في الشهر السادس (جمادي الآخرة) من سنة مائة واثنتين وعشرين (١٠). وهذا الخبر يلغى رأي من قال إنه توفي بعد هذه السنة كما يضعف رواية سنة مائة واثنتين وعشرين وذلك لأن

__________________

(١) الحدائق الوردية ١ / ٣١٤ وانظر الروض النضير ١ / ١٠٠.

(٢) انظر كتاب زيد الشهيد ٢١.

(٣) انظر تاريخ الأدب العربي ٣ / ٣٢٤ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٩١.

(٤) انظر فهرس المكتبة المتوكلية ١١٩٥.

(٥) انظر الأخبار الطوال ٣٤٤.

(٦) انظر نسب قريش ٦١ والطبقات لابن سعد ٥ / ٢٤٠ والارشاد ٢٦٨ وأعلام الورى ٢٥٨.

(٧) انظر الطبقات لابن الخياط ٢ / ١٤٥ وتاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٢٦ ومروج الذهب ٣ / ٢١٧ ووفيات الأعيان ٥ / ١٢٢ ومرآة الجنان ١ / ٢٥٧ وشذرات الذهب ١ / ١٥٨. وكتاب المحن ٢٣١.

(٨) انظر مشاهير علماء الأمصار ٦٣ وتاريخ الطبري ٧ / ١٨٠ والتنبيه والاشراف ٢٧٩ والكامل لابن الأثير ٥ / ٢٤٦.

(٩) انظر تهذيب تاريخ ابن عساكر ٦ / ٢٥ وفوات الوفيات ٢ / ٣٧.

(١٠) انظر المواعظ والاعتبار ٢ / ٤٣٧.

٤٣

طول المسافة التي قطعها موكب الرأس بالمواصلات القديمة لا تكفيها مدة أربعة أشهر وهي المدة بين وصول الرأس إلى مصر وتاريخ استشهاد زيد على هذه الرواية.

٢ ـ إن سلمة بن كهيل استأذن زيد وغادر الكوفة قبيل الثورة ولم يشترك فيها (١). وأن الرواية الراجحة أن سلمة قد توفي في اليمامة أواخر سنة مائة وواحد وعشرين وبذلك سوف لا تصح الروايات التي ذكرت وفاة زيد بعد هذا التاريخ.

٣ ـ إن أرجح الروايات أن عمره اثنان وأربعون سنة (٢). ولا تصح هذه الرواية إلا على القول بأنه توفي سنة مائة وعشرين وولد سنة ثمان وسبعين.

وقد رثاه عدد من الشعراء كما ألّف بعض العلماء كتبا في مقتله (٣)

* * *

__________________

(١) انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦٨ ـ ١٦٩ وتاريخ ابن خلدون ٣ / ٢١١.

(٢) انظر نسب قريش ٦١ والارشاد ٢٦٨ وهناك روايات أخرى تفيد أن عمره أربع وأربعون سنة أو ست وأربعون سنة انظر فوات الوفيات ٢ / ٣٧ والمقصد الحسن والمسلك الواضح السنن ١٨٠ واعلام الورى ٢٥٨.

(٣) ألف كل من محمد بن صالح بن النطاح وعمر بن الحسن الشيباني كتابا في مقتله انظر الفهرست لابن النديم ١٠٧ و ١١٥ وانظر بعض مراثيه في الكامل للمبرد ٤ / ١٢.

٤٤

كتاب تفسير غريب القرآن

رواة الكتاب :

إن الراوي الأول لكتاب تفسير غريب القرآن هو أبو خالد عمرو بن خالد الواسطي القرشي مولى بني هاشم وقد نشأ في الكوفة ثم انتقل إلى واسط واستقر فيها. ولم تذكر المصادر سنة ولادته لكنها ذكرت بعض أسماء أساتذته منهم الإمام محمد بن علي الباقر ، وجعفر بن محمد الصادق ، وزيد بن علي ، وسفيان الثوري وغيرهم. وروى عنه جماعة منهم عطاء بن السائب ، وإبراهيم بن زياد الطائي ، وجعفر بن زياد الأحمر وغيرهم.

عرف عنه اهتمامه بجمع الحديث وملازمته لزيد بن علي وكان في سبيل ذلك يكثر السفر إلى المدينة المنورة ليسمع الحديث والفقه والتفسير منه. وقال عن هذه الملازمة «صحبت زيدا بالمدينة قبل قدومه الكوفة خمس سنين أقيم عنده كل سنة أشهرا كلما حججت ثم فارقته حتى قدم الكوفة وحتى قتل صلوات الله عليه فما أحدّث عنه الحديث إلّا وسمعته مرة أو مرتين أو ثلاثا أو أربعا أو خمسا أو أكثر من ذلك» (١).

اختلف أصحاب الجرح والتعديل والمؤرخون في صحة ما يرويه هذا الرجل من أحاديث اختلافا كبيرا فقد عدّه أحدهم من المتروكين ، وقال آخر عنه إنه غير ثقة ، وأضاف ثالث أنه يضع الحديث (٢) ، على حين عده آخرون من الثقات الذين يحتج بروايتهم ، ونقلوا في ذلك آراء كبار العلماء في توثيقه (٣). على حين حاول فريق آخر تفنيد كل ما اتهم به من مثالب. وتوصل إلى أنه من أكثر الناس ثقة وتحرصا ودقة (٤) ، وضمن فريق آخر كثيرا من الروايات التي

__________________

(١) طبقات الزيدية ٤ / ٢١١.

(٢) انظر الجرح والتعديل للرازي ٣ / ٢٣٠ والمجروحين للبستي ٢ / ٧٦ وتهذيب التهذيب ٨ / ٢٦ ـ ٢٧.

(٣) انظر رجال الكشي ٢٠١.

(٤) انظر طبقات الزيدية ٤ / ٢٠٩ ـ ٢١٧ وطبقات الزهر في أعيان العصر ٢ / ١٠ والروض النضير ١ / ٦٩.

٤٥

يكون أبو خالد الواسطي في سندها مما يرجح توثيقهم له (١). كما عدّه الطوسي من أصحاب الإمام الباقر (٢).

ويبدو أن سبب الخلاف في صحة ما أورده من أحاديث راجع لاختلاف المذاهب التي يؤمنون بها. فالحديث الذي يرويه الشخص موصولا إلى النبي (ص) أو لأحد صحابته الكرام إذا وافق رأي علماء المذهب يعتبر موثوقا عندهم في كثير من الأحيان. والذي لا يوافق مذهبهم يعتبر غير موثق غالبا. يضاف إلى ذلك أنه عاش في فترة كان فيها الشيعة محاربون وبخاصة من أصحاب زيد بن علي ، وهذا ما يكفي لتوجيه القدح إليه من قبل رجال السلطة ثم إن اختلاف الآراء حول شخص معين ظاهرة مألوفة وبخاصة بعيد عصور تكوّن المذاهب الفقهية. ونرى هذه الظاهرة موجودة بشكل ما حتى عند علماء المدارس اللغوية والنحوية وهذا ما يجعلنا لا نثق تماما بصحة هذا القدح لأنه لم تراع فيه الموضوعية والحياد العلمي. وقد فطن إلى ذلك بعض الباحثين المحدثين (٣).

فإذا تصورنا ـ على أبعد احتمال ـ وجوزنا على سبيل المثال أن ما قدح به كان له بعض الصحة لأن هناك دواعي تسوغ انتحال حديث أو وضعه فإن هذه الدواعي غير موجودة في روايته للكتب اللغوية ، إذ لا مصلحة دينية أو اجتماعية يحصل عليها من ذلك ، فلا توجد هناك دواع لتغيير معان لغوية تفسّر كلمات واردة في القرآن الكريم. والآيات القليلة التي أظهر بها زيد رأيه المذهبي عند تفسيره لها رواها أبو خالد دون تغيير. والدليل على ذلك أنها تخالف ما نقلته المصادر من رأيه ؛ فأبو خالد من فرقة الزيدية الجارودية التي تؤمن بوجود نص خفي على الإمامة على حين أن رأي زيد صريح في كتابه هذا بوجود نص صريح على الإمامة (٤). وهذا ما يجعلنا نزداد ثقة في صحة ما رواه عن زيد في كتابه هذا على الأقل (٥).

أما الراوي الثاني للكتاب فهو أبو زيد عطاء بن السائب بن مالك ويقال ابن السائب بن يزيد بن السائب الثقفي الكوفي تتلمذ على يد أبيه وعلى أبي عبد الرحمن السّلمي ، وأنس بن مالك ، وسعيد بن جبير ، وعكرمة ، والحسن البصري وغيرهم وروى عنه الأعمش ، وسفيان

__________________

(١) انظر علل الشرائع للقمي ١ / ١٣٢ و ١٦٨ و ٣٠٩ والأمالي لابن الشجري ١ / ١٣٧.

(٢) رجال الطوسي ١٣١.

(٣) انظر ما كتبه المستشرق الايطالي جريفني في مقدمة تحقيقه لمجموع الفقه وما بعدهاGriffini ,Corpus ٥٦luris Zaid Ibn Ali ,. وانظر ما نشره في مجلة الهلال في بحثه أول كتاب صنف في الفقه الاسلامي ٣٦ أو ما بعدها ومقدمة بكر محمد عاشور في مسند زيد ٣ وكتاب أصول الحديث ٢١٤ ـ ٢١٥ والإمام زيد ٢٣٥ وغيرها.

(٤) انظر فرق الشيعة ١٩ والفرق بين الفرق ٢٢ والملل والنحل ١ / ١٦٣.

(٥) انظر ترجمة حياة أبي خالد الواسطي في الفهرست لابن النديم ٢٢٠ وتهذيب التهذيب ٨ / ٢٦ ـ ٢٧ وطبقات الزيدية ٤ / ٢٠٩ وما بعدها وطبقات الزهر في أعيان العصر ١٠ وتنقيح المقال ٢ / ٣٣٠.

٤٦

الثوري ، وشعبة بن الحجاج ، وغيرهم وكان عالما زاهدا جليل القدر. وقال عنه احمد بن حنبل : «كان عطاء بن السائب من خيار عباد الله كان يختم القرآن كل ليلة» (١).

وقد اتفق أغلب أصحاب التراجم والجرح والتعديل على توثيقه والأخذ بما حدث به وأنه من البقايا والثقات. لكن بعض اصحاب الجرح والتعديل الذين أقروا بتوثيقه في شبابه وقبل شيخوخته قالوا إنه تغير بعد أن أخذه الكبر فما روي عنه في شبابه فهو صحيح وأما في كبره فربما لا تسعفه الذاكرة.

توفي عطاء في سنة ست وثلاثين ومائة (٢)

والراوي الثالث للكتاب أبو الحسن علي بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام. روى عن أبيه وعن محول بن إبراهيم وروى عنه محمد بن منصور المرادي. وقد اختفى وتوارى عن الأنظار خوفا من مطاردة السلطة. بعدما فشلت ثورتي ولدي عمه محمد بن الحسن وأخيه إبراهيم. ولعله اختفى في مناطق كرمان أو خراسان ثم عاد إلى بغداد وتوفي فيها. وقال عنه ابن حزم إنه كان بالبصرة حين أخذها صاحب الزنج وخرج إليه ولقيه (٣).

أما الراوي الرابع للكتاب فهو أبو جعفر محمد بن منصور بن يزيد المرادي الكوفي المقري ، درس على كبار علماء الزيدية في زمانه أمثال القاسم الرسي وأحمد بن عيسى بن زيد ، والحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد ، وعلي بن أحمد بن عيسى بن زيد ، وعلي بن الجعد وغيرهم وسمع منه الكثيرون منهم أحمد بن محمد بن سلام ، وجعفر بن محمد بن مالك وعيسى بن محمد العلوي وغيرهم. بذل كل جهده للتعلم والتفقّه حتى برع في علوم الشريعة ، وصار من كبار علماء المذهب الزيدي في زمانه بالكوفة. ألّف ثلاثين كتابا منها كتاب الأمالي ، والتفسير الكبير ، والتفسير الصغير ، وسيرة الأئمة العادلة ، وله كتب في الأحكام مثل الطهارة والصلاة والصوم والوضوء وغيرها وله رسالة على لسان بعض الطالبيين إلى الحسن بن زيد بطبرستان.

توفي محمد بن منصور في سنة مائتين وتسعين للهجرة بعد أن عمّر طويلا وقد وردت روايات تبالغ في عمره فقيل إنه عاش مائتين وخمسين سنة ويرى صارم الدين أن عمره مائة وخمسين سنة تقريبا ، ولعل هذا الرقم فيه مبالغة أيضا (٤).

__________________

(١) تاريخ الاسلام ٥ / ٢٧٨.

(٢) انظر ترجمته مفصلة في طبقات ابن سعد ٦ / ٢٣٥ والجرح والتعديل للرازي ٣ / ٣٣٢ ـ ٣٣٤ والطبقات لابن الخياط ١٦٤ وتاريخ الاسلام للذهبي ٥ / ٢٧٧ ـ ٢٧٨ وغاية النهاية ٢ / ١٤٣ وتهذيب التهذيب ٧ / ٢٠٣ ـ ٢٠٦ وطبقات الزيدية ٤ / ١٢٠ وما بعدها.

(٣) انظر ترجمته في انساب العرب ٥٦ وطبقات الزيدية ٤ / ١٣٣.

(٤) انظر ترجمته في الفهرست لابن النديم ١٩٢ وغاية النهاية ٢٥٢ وطبقات الزيدية ٤ / ١٣١ و ٥ / ٤٥٤.

٤٧

توثيق نسبة الكتاب :

لم أعثر على اسم الكتاب في المصادر المعنية بذكر أسماء المؤلفين والكتب ومن الطبيعي أن «عدم ذكر الكتاب في كتب التراجم والطبقات لا يصح وحده أن يكون مؤديا إلى الشك في نسبة الكتاب إلى مؤلفه ، إذ لم تدع كتب التراجم يوما أنها أحصت جميع مؤلفات العلماء الذين يرد لهم ذكر فيها» (١).

ومن المعلوم أن غالبية هذه الكتب اعتمدت بشكل كبير أو تام على ما ورد في كتاب الفهرست لابن النديم وبخاصة في كتب القرون الثلاثة الأولى ولما لم يرد هذا الكتاب في الفهرست فلم تذكره الكتب الأخرى بدورها.

ولكن لدينا الأدلة الكافية التي تجعلنا نثق بشكل تام بصحة نسبته إلى زيد بن علي مبينة فيما يأتي. وقد ذهب إلى ذلك أيضا سزكين (٢) :

أولا : سند الرواية التي نقلت الكتاب وقد ثبت لنا الثقة بصحتها.

ثانيا : على فرض صحة ما قيل من اتهام لأبي خالد الواسطي الراوي الأول للكتاب في وضع أو تحريف الأحاديث فإن ذلك لا يمكن تصوره هنا فكيف يضع كتابا بهذا الحجم وينسبه لزيد دون أن يعرف به أحد.

ومما يجعلنا نثق بالنسبة أيضا أن الراوي الثاني كان معاصرا له ولزيد ولا تخفى عليه مثل هذه الحادثة لو وقعت. يضاف إلى ذلك أن الراوي الثالث يكون حفيد ابن زيد ومن الطبيعي أن يعرف كل شيء عن هذا الكتاب من آبائه.

ثالثا : إن من المسموع أن يدعي الأشخاص نسبة كتاب معين لهم ، ليحصلوا كل ما يترتب على ذلك من منزلة علمية ، وليس من المسموع العكس.

رابعا : لم يعرف عن أبي خالد الواسطي تضلعه في اللغة ولا إحاطته بتفسير القرآن على حين أن ذلك قد روي عن زيد مما يجعلنا لا نتردد في صحة نسبته له.

خامسا : لا يوجد مدّع آخر للكتاب.

سادسا : وردت نسبة الكتاب عرضا في بعض الكتب المختلفة من ذلك :

١ ـ جاء في كتاب الأمالي لابن الشجري : «قال الإمام أبو الحسين زيد بن علي عليهما‌السلام في التفسير الغريب» (٣).

٢ ـ جاء في طبقات الزيدية لصارم الدين في ترجمة حياة أبي خالد قوله : «وروي عن أبي خالد تفسير الغريب للإمام زيد بن علي عطاء بن السائب» (٤).

__________________

(١) مناهج تحقيق التراث ٧٤.

(٢) انظر تاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩.

(٣) الأمالي ٢ / ١٠٣.

(٤) طبقات الزيدية ٤ / ٢١٧.

٤٨

٣ ـ جاء في كتاب الروض النضير : «وروي عن أبي خالد تفسير الغريب للإمام زيد بن علي عطاء بن السائب» (١).

سابعا : وردت أقوال لزيد موجودة بالنص في كتب أخرى منسوبة له دون أن تشير إلى أنها مأخوذة من كتابه تفسير غريب القرآن. من ذلك ما جاء في كتاب الأمالي قوله في تفسير الآية الكريمة (السائحون) أن معناها (الصائمون) (٢) وفيه أيضا من تفسير قوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٣) «قال أيام التشريق» (٤).

ثامنا : تطابق بعض الأقوال لزيد في كتابه هذا مع كتبه الأخرى مما يجعلنا نثق بصحة نسبته له.

١ ـ ما جاء في كتاب المجموع الفقهي الذي حققه جريفني قول زيد : «الماعون الزكاة» (٥) وهو موجود في كتاب تفسير غريب القرآن في تفسير قوله تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٦) معناه الزكاة (٧).

٢ ـ تطابق ما جاء في تفسير معنى الهداية في كتابي زيد إثبات وصية الإمام علي وإمامته وإمامة الحسن والحسين وتفسير غريب القرآن (٨).

تاسعا : ورود قراءات تذكرها كتب القراءات والتفسير أنها لزيد ، ويوجد ما يطابقها نصا أو معنى في هذا الكتاب من ذلك ما ورد نصا في قراءته (مجراها ومرساها) فهما من الكلمات القليلة جدا التي وردت محركة الشكل في المخطوطة وهي تطابق ما نسب إليه من قراءة (٩).

وما جاء مشابها بالمعنى قراءته لقوله تعالى : «يؤفك عنه من أفك أي يصرف الناس عنه» (١٠). وقد جاء في هذا الكتاب معنى الآية «يدفع عنه» (١١). ومثله ما ذكره صاحب روح المعاني أن زيدا قرأ : «بفتح الهمز والميم المخففة وهاء منونة من أمه يأمه إذا نسي» (١٢). وهو مثل ما ورد في كتابه تفسير غريب القرآن (١٣).

__________________

(١) الروض النضير ١ / ٦٦.

(٢) الأمالي ٢ / ٩٤ وانظر ما ذكره زيد في تفسير غريب القرآن ١٥٤.

(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٣.

(٤) الأمالي ٢ / ٦٠ وانظر تفسير غريب القرآن ٩٧.

(٥) المجموع ١٠٢.

(٦) سورة الماعون ١٠٧ / ٧.

(٧) تفسير غريب القرآن ٤٠٩.

(٨) انظر ذلك في الكتابين ١ و ٢٦٩ على التوالي

(٩) انظر البحر المحيط ٥ / ٢٢٥ وتفسير غريب القرآن ١٥٨.

(١٠) انظر الكشاف ٢ / ١٤ والبحر المحيط ٨ / ١٣٥ وروح المعاني ٢٧ / ٥.

(١١) انظر تفسير غريب القرآن ٣٠٣.

(١٢) روح المعاني ١٢ / ٢٢٧.

(١٣) تفسير غريب القرآن ١٦٣.

٤٩

عاشرا : ورود آراء لزيد كثيرة موجودة في هذا الكتاب وكتب أخرى مما يعزز ما نحن بصدده من ذلك رأي زيد الذي يقول بوجود نص على الإمامة وهذا موجود في كتابه إثبات وصية أمير المؤمنين وإثبات إمامته وإمامة الحسن والحسين (١) ومذكورا في تفسير غريب القرآن أيضا (٢) علما بأن راويي الكتابين مختلفان كما أن هذا الرأي لزيد يخالف ما ذكرته الكتب من رأي لأبي خالد الواسطي وقد أشرنا إلى ذلك في ترجمة أبي خالد مارة الذكر.

ومن ذلك أيضا قوله في إثبات وصية أمير المؤمنين وإثبات إمامته وإمامة الحسن والحسين في قوله تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ) (٣) قال اسألوا أهل بيته (٤) وهي بمعنى ما ورد في هذا الكتاب (٥).

ومنها مشابهة ما ذكره من حكم شرعي في تفسير آية عدّة المطلقة في كتاب المجموع الفقهي (مسند زيد) وكتابنا هذا (٦).

ومنها تماثل المعني فيما نقله صاحب كتاب الأمالي عن زيد وما هو موجود في هذا الكتاب (٧) ، وكذا تماثل ما ذكره الطبري عن زيد وما جاء في هذا الكتاب (٨).

حادي عشر : ولعل من أقوى الأدلة على صحة نسبة هذا الكتاب لزيد ما جاء في كتاب الأمالي من اقتباس من هذا الكتاب قوله : «أخبرنا أبو جعفر قال حدثنا علي بن أحمد قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبي خالد الواسطي عن الإمام الشهيد أبي الحسين زيد بن علي عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام في قوله تعالى : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) (٩) بلفظه معنى يقضي أو يدبر في الليلة المباركة هي ليلة القدر يقضى فيها أمر السنة من الأرزاق وغير ذلك إلى مثلها من السنة الأخرى» (١٠).

منهجه في تفسير المعاني الغريبة :

تتبع زيد بن علي الكلمات الغريبة في القرآن الكريم وبيّن معناها حسب أقدمية ورودها فيه. أي أنه راعى هذا التسلسل في كلمات الآية الواحدة وفي الآيات في السورة الواحدة وفي

__________________

(١) اثبات وصية أمير المؤمنين ١.

(٢) تفسير غريب القرآن ١٢٩.

(٣) سورة النحل ١٦ / ٤٣.

(٤) انظر اثبات وصية أمير المؤمنين ٣.

(٥) تفسير غريب القرآن ١٨٠.

(٦) انظر مسند زيد ٣١٩ (طبعة بيروت) وكتاب تفسير غريب القرآن ١٠٠ ـ ١٠١.

(٧) انظر الأمالي ١ / ١٤ وتفسير غريب القرآن ١٠٣.

(٨) انظر تفسير الطبري ٢٥ / ٦ وانظر تفسير غريب القرآن ٢٨٨.

(٩) سورة الدخان ٤٤ / ٤.

(١٠) الأمالي ٢ / ١٠٣ وانظر تفسير غريب القرآن ٢٨٨.

٥٠

السور في القرآن الكريم. فلو استعرضنا ما فسّره في سورة الفاتحة لوجدناه قد بدأ بتفسير الآية الأولى منها ثم الثانية ثم الرابعة ثم السادسة وهكذا يتتبع كل كلمة غريبة ومثل ذلك في سورة البقرة فابتدأ بالآية الأولى ثم الثانية ثم الرابعة ثم السابعة ثم العاشرة ، وهكذا بالنسبة لبقية السور. وهذه الطريقة متبعة في كتابه بشكل دقيق تماما بالنسبة لذكره لسور القرآن الكريم على حين قد يتجاوز هذا التسلسل في أحيان قليلة بالنسبة لأقدمية تفسير الكلمات في الآية وكذا بالنسبة لتفسير الآيات في السورة وكما يأتي.

فقد يفسّر كلمة من آية ثم يعقبها ببيان معنى كلمة أخرى تسبقها في الآية نفسها من ذلك قدم تفسير قوله تعالى : (أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) الواردة في آية (٣٣) من سورة المائدة على : (أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ) الواردة في الآية نفسها (١).

وقد يفسر آية قرآنية ثم يعقبها بتفسير آية أسبق منها من السورة نفسها من ذلك أنه فسر آية (١١١) وأتبعها بآية (١١٢) ، ثم فسر آية (١١٠) من سورة المائدة (٢). وقد يقدم تفسير آية من مكانها الطبيعي ، فيذكر تفسير آية (١٨٧) من سورة الأعراف بعد تفسير آية (١٠٠) من السورة نفسها (٣).

ويكثر أن ينهي تفسير الآية ثم يعقبها بأخرى لكنه قد يقحم تفسير آية بين تفسير جزئي آية أخرى من ذلك إقحامه تفسير آية (٣١) من سورة التوبة بين جزئي آية (٣٠) (٤).

كما قد ينقل تفسير آية من مكانها في سورتها ويقحمها بين آيات سورة أخرى كما فعل عند وضعه لتفسير آية (٣٦) من سورة الأنعام بين تسلسل آيات سورة الرعد (٥).

وقد اعتاد أن يذكر الكلمة التي يريد أن يفسرها إما مجردة عن الآية أو معها جزء من الآية أو يذكر الآية كلها إذا كانت صغيرة ، لكنه قد يذكر آية وجزء من آية أخرى ويفسر كلمة واحدة مما ذكر من ذلك أنه ذكر قوله تعالى : (وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ دُحُوراً) فدحور من آية (٩) من سورة الصافات وأما الباقي فهو من آية (٨) من السورة نفسها (٦). وقد يذكر آيتين ويفسر ما بهما من غريب إذا كانتا صغيرتين (٧). وقد يذكر ـ لكن على قلة جدا ـ ثلاث آيات مرة واحدة كما فعل عند تفسيره لسورة الصافات وغيرها (٨).

ولا يكتفي بذكر رأيه في تفسير الكلمة الغريبة وإنما يتبعه عادة بعدة أقوال أخرى لكبار الصحابة أو التابعين. دون أن يذكر أسماءهم في الغالب. وهذا ما يدل على سعة اطلاع واسع

__________________

(١) انظر ١٢٧.

(٢) انظر ١٣١.

(٣) انظر ١٤٤.

(٤) انظر ١٥٠.

(٥) انظر ١٦٨.

(٦) انظر ٢٦٥.

(٧) انظر ٢٠٤.

(٨) انظر ٢٦٧ وانظر مثالا آخر في ٢٨٩.

٥١

وإحاطة كبيرة بأقوال كبار المفسرين للقرآن الكريم فقد يذكر ستة أقوال أو أكثر لتفسير كلمة واحدة من ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) (١) قال : «علا ملك ربنا وسلطانه. ويقال : جلال ربنا. ويقال : غنى ربنا. ويقال : عظمة ربنا. ويقال : أمر ربنا. ويقال : ذكر ربنا» (٢).

كما دأب على مبدأ الإقتضاب في بيان معاني الكلمات الغريبة لكنه شذ عن هذه القاعدة في كلمات معدودة أمثال تفسيره لكلمات البحيرة والسائبة والحام (٣).

وقد وجدنا رأيا لزيد في كل كلمة غريبة ذكرها عدا كلمات قليلة جدا يكتفي بذكر أقوال الآخرين فيها دون أن يختار رأيا فقال في تفسير (زوجه) : «يقال : إنه كان في خلقها بذاء» (٤).

وقد يأخذه الاستطراد في أحيان قليلة فيخرج عن طريقته في وضع المادة بأن يعطي معاني كلمات وردت في آيات وسور أخرى غير التي بدأ بتفسيرها لمجرد مماثلتها للكلمة التي يفسرها من ذلك قوله في تفسير (أثاثا ومتاعا) «قال صلوات الله عليه وسلامه في سورة مريم (أثاثا وزيا) (٥) فالزي المنظر والكسوة الظاهرة» (٦).

وقد يأخذه الاستطراد أيضا بأن يعطي معنى كلمة أخرى متشابهة بحرفين مع الكلمة التي يفسرها من ذلك «قال : الوصيد : الفناء. والوصيب : الباب» (٧).

وفي الغالب لا يكرر تفسير الكلمات التي سبق أن ذكرها عند ورودها في آية أخرى وقد يشذ عن ذلك كتفسيره لكلمة (أنداد) في أكثر من سورة (٨).

وقد يدعوه التصديق على معنى فسره لآية بالاستشهاد بآية أخرى. ولا يعيد ذكر آية الاستشهاد في سورتها لسبق تفسيرها لكنه قد يعيد تفسيرها مرة أخرى كما في قوله تعالى : (جِمالَتٌ صُفْرٌ) (٩) فقد استشهد بها في سورة البقرة وأعادها في سورتها (١٠).

وقد تناول في كتابه العديد من الظواهر اللغوية اكتفى هنا بضرب مثال واحد على كل منها ومن يرغب في الاستزادة فليرجع إلى كتابي ظاهرة الغرابة (١١).

__________________

(١) سورة الجن ٧٢ / ٣.

(٢) انظر ٣٥٠.

(٣) انظر ١٣٠.

(٤) تفسير غريب القرآن ٢١٣.

(٥) سورة مريم ١٩ / ٧٤.

(٦) تفسير غريب القرآن ١٨٢.

(٧) تفسير غريب القرآن ١٩٣.

(٨) تفسير غريب القرآن ٧٩ و ١٧٣ و ٢٧٣.

(٩) سورة المرسلات ٧٧ / ٣٣.

(١٠) انظر تفسير غريب القرآن ٨٥ و ٣٦٥.

(١١) انظر ظاهرة الغرابة في اللغة العربية حتى نهاية القرن الثالث الهجري ١٤٩ ـ ١٨٩.

٥٢

فمن هذه الظواهر الترادف وما ذكره منها قوله إن امرأة «الرجل هي لباس ، وفراش ، وإزاره ، وأم أولاده ، ومحل إزاره» (١).

ومنها الاشتراك فقال إن الحكمة : «الأمانة ، والحكمة : البيان ، والحكمة : الفقه ، والحكمة : العقل ، والحكمة : الفهم» (٢).

واهتم أيضا بالأضداد وقد ورد هذا المصطلح بالمعنى نفسه الذي نفهمه منه اليوم ولعله أقدم كتاب وصل إلينا ورد فيه هذا المصطلح ومما ذكره منه أن «فما فوقها أي فما دونها بالصفر وهذا من الأضداد» (٣). وقد يذكر اختلاف لهجات الكلمة بين فعّل وأفعل فمن ذلك قول «يقال سحته وأسحته لغتان» (٤).

وعني بشكل خاص بذكر جموع التكسير فقد ذكر أن «الطور يجمع طورة وأطوارا» (٥).

وتظهر معرفته الواسعة باللهجات من خلال إرجاعه الكلمات إلى لهجاتها فمن ذلك قوله : «إن شطر المسجد معناه نحوه وتلقاءه وهو بلغة أهل يثرب. والشطر أيضا النصف ... وهي لغة بني تغلب» (٦).

وذكر كثيرا من أصول المفردات الأجنبية التي وردت في القرآن الكريم فمن ذلك قوله إن : «نائشة الليل معناه قيامه وهي بلسان الحبشة» (٧) ولم يعن بالشعر فقد استشهد ببيت واحد في كتابه كما قلل الاستشهاد بالحديث الشريف على حين أكثر من الاستشهاد بالآيات القرآنية. وقد يستطرد فيذكر الحكم الشرعي المستنبط من الآية الكريمة فمن ذلك بيانه لعدة المطلقة (٨).

أما مذهبه الشيعي فيبرز واضحا في تفسير بعض الآيات القرآنية من ذلك عند تفسيره لقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ...) قال زيد ... هذه لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه خاصة» (٩).

تأثره بآراء من سبقه :

لا شك أن زيدا قد تأثر كثيرا بآراء أساتذته ـ وقد مر ذكرهم ـ وتأثّر أيضا ببعض الصحابة وكبار التابعين الذين عرفوا بتفسيرهم للقرآن ، وقد أورد زيد آراءهم نصا في الغالب ، ودون أن يذكر أسماءهم ، وهذا ما يوافق منهجه في هذا الكتاب ولعل أهم من تأثر بهم ، وذكر آراءهم من الصحابة والتابعين هم الإمام علي عليه‌السلام وعبد الله بن عباس

__________________

(١) تفسير غريب القرآن ٩٥.

(٢) تفسير غريب القرآن ١٠٥.

(٣) تفسير غريب القرآن ٨٠.

(٤) تفسير غريب القرآن ٢٠٥.

(٥) تفسير غريب القرآن ٨٤.

(٦) تفسير غريب القرآن ٩١.

(٧) تفسير غريب القرآن ٣٥٢.

(٨) تفسير غريب القرآن ١٠٠ ـ ١٠١.

(٩) تفسير غريب القرآن ١٢٩.

٥٣

وابن مسعود (١) وجابر بن عبد الله الأنصاري (٢). ومن التابيعن سعيد بن جبير (٣) ومحمد بن الحنفية (٤) ومجاهد (٥) وعكرمة (٦) والحسن البصري (٧) وقتادة (٨) والضحاك (٩).

أثره في الخالفين :

رغم قدم هذا الكتاب وأهميته في علمي التفسير واللغة ، لم نر له أثرا واضحا في جهود العلماء في هذين الفرعين ولعل السبب يرجع إلى ما لحق بأنصاره ومؤيديه بعد استشهاده من متابعة واضطهاد من الخلفاء والولاة. فاضطروا إلى الاختفاء والتشرد ، واستمر هذا الحال بهم مدة طويلة بعد أن استمرت الثورات الزيدية في الدولة العباسية أيضا. ونتج عن ذلك أن

__________________

(١) هو عبد الله بن مسعود بن غافل من اوائل الصحابة الذين دخلوا الاسلام عرف عنه تضلعه بعلوم القرآن وقراءاته أخذ عنه الكثير من الصحابة والتابعين توفي سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان وكان عمره بضعا وستين سنة. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد ٣ / ١٠٦ ـ ١١٦ والاستيعاب ٣ / ٩٨٧ ـ ٩٩٤ والوافي بالوفيات ١٧ / ٦٠٤ ـ ٦٠٦ وتاريخ الاسلام ٢ / ١٠٠ ـ ١٠٤.

(٢) هو جابر بن عبد الله بن عمر الأنصاري شهد العقبة الثانية مع أبيه وشهد مع النبي (ص) كثيرا من الغزوات وشهد صفين مع الإمام علي وكان من الحفاظ للسنن. وكف بصره في آخره عمره. توفي سنة أربع وسبعين بالمدينة. وقيل غير ذلك. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد المجلد الثالث ٢ / ١١٤ والاستيعاب ١ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

(٣) هو سعيد بن جبير بن هشام الأنصاري الكوفي احد الأئمة الاعلام كان ضليعا بعلوم القرآن أخذ عنه كثير من التابعين وتابعيهم. خرج مع ابن الأشعث على الحجاج. وقتله الحجاج سنة خمس وتسعين. انظر ترجمته في تاريخ الاسلام ٤ / ٢ ـ ٤ وطبقات المفسرين للداودي ١ / ١٨١ ـ ١٨٢.

(٤) هو محمد بن علي بن ابي طالب وامه الحنفية اسمها خولة. كان عالما في علوم التفسير والحديث. اخذ عن كبار الصحابة وأخذ عنه كبار التابعين. وكان شجاعا اشترك في معارك والده. مات في سنة احدى وثمانين وقيل غيرها. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد ٥ / ٦٦ ـ ٨٦ وحلية الأولياء ٣ / ١٧٤ ـ ١٨٠ وتاريخ الاسلام ٥ / ٣١٠ ـ ٣١١.

(٥) هو أبو الحجاج مجاهد بن جبر المكي سمع عن كبار الصحابة وأخذ عنه كثير من التابعين وتابعيهم. مات سنة أربع ومائة. انظر تاريخ الاسلام ٤ / ١٩٠ ـ ١٩٢ وطبقات ابن سعد ٥ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤.

(٦) هو عكرمة بن عبد الله مولى ابن عباس روي عن جماعة من الصحابة وعنه كثير من التابعين وكان عالما بتفسير القرآن والسنن مات في سنة اربع ومائة. انظر طبقات ابن سعد ٥ / ٢١٢ ـ ٢١٥ وطبقات المفسرين للداودي ١ / ٣٨٠ ـ ٣٨١.

(٧) هو الحسن بن ابي الحسن مولى زيد بن ثابت وكان امام اهل البصرة. ولد سنة احدى وعشرين وكان ضليعا في علوم القرآن وأخذ عنه الكثير. وتوفى سنة عشر ومائة. انظر تاريخ الاسلام ٤ / ٩٨ ـ ١٠٦.

(٨) هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري كان اعمى وهو من الحفاظ العلماء أخذ عنه الكثير من التابعين. توفي سنة سبع عشرة ومائة وقيل ثمان عشرة ومائة. انظر تاريخ الاسلام ٤ / ٢٩٧.

(٩) هو الضحاك ابن مزاحم الهلالي الخراساني المفسر كان عالما بعلوم القرآن وله تفسير يرويه عبيد الله بن سلمان مات بعد المائة. انظر طبقات بن سعد ٧ / ١١٤ ـ ١٢٩ وطبقات المفسرين للداودي ١ / ٢١٦.

٥٤

حارب الحكام كل ما يمت إلى هذه الثورات بصلة فخاف علماء الزيدية على تراث زيد وغيره من العلماء من الضياع فأخفوه معهم ثم ما لبثت أن نجحت ثورات الزيدية في طبرستان وبعدها باليمن فنقلوا تراثهم العلمي معهم واستقر في اليمن وحتى أيامنا هذه عدا بعض المحاولات المتأخرة التي أخرجت قسما منه.

ونتيجة لما تقدم اقتصرت استفادة العلماء من كتب زيد ، ومنها هذا الكتاب على فرقة الزيدية تقريبا والذين أفادوا منه من غيرهم ـ وبخاصة في السنوات التي سبقت نقل تراث الزيدية إلى اليمن ـ لم يشيروا إلى هذا الكتاب. ولعل من أقوى الأسباب في ذلك خوفهم من مساءلة الولاة والحكّام لهم.

ومن هنا نعرف العلة في عدم انتشار أثر هذا الكتاب. والكتب القليلة جدا التي وصلت إلينا من كتب الزيدية التي تمت إلى اللغة والتفسير بصلة وثيقة. وجدت فيها كتابا واحدا قد أشار إليه بوضوح وصراحة واقتبس منه نصا. وهذا الكتاب هو الأمالي لابن الشجري وقد أشرت إلى ذلك عند الحديث عن صحة نسبة الكتاب ولا حاجة لا عادته هنا.

لكني في أثناء دراستي لكتب الغريب في القرون الثلاثة الأولى لمعرفة مدى تأثير بعضها ببعض وجدت أنها متأثرة بشكل ما في كتاب المجاز لأبي عبيدة. وخطر لي خاطر أن افتش عمن نأثر به أبو عبيدة في كتابه فوجدته لم يشر إلى أسماء الكتب التي سبقته لكني في الوقت نفسه وجدت تشابها كبيرا بينه وبين كتابنا هذا فعقدت بينهما مقارنات طويلة وخرجت بنتيجة مؤداها إما أن يكونا قد تأثرا بمصدر ثالث أو أن يكون أبو عبيدة قد اطلع على كتاب زيد هذا أو أخذ منه سواء كان بشكل مباشر أم غير مباشر بواسطة كتب الغريب الأخرى التي نقلت عن زيد ونقل عنها أبو عبيدة.

وبعد دراسة متمعنة ترجح عدي أن هذا الكتاب أثّر كثيرا في كتاب أبي عبيدة مباشرة أو بالوساطة للأسباب التالية :

١ ـ إن كثيرا من معاني المفردات الغريبة في القرآن وردت نصا في كلا الكتابين فمن ذلك قول زيد في تفسير سورة الفاتحة عند قوله تعالى ((الدِّينِ)) معناه الحساب والجزاء (تفسير الغريب ٧٧) ومثل ذلك ورد في كتاب المجاز (١ / ٣٢).

ومن ذلك في تفسير قوله تعالى : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) (البقرة ٢ / ١٠) قال زيد : أي شك ونفاق (٧٩) ومثلة قال أبو عبيدة (١ / ٣٢).

ومن ذلك في تفسيرهما لكلمة ((الْفُرْقانَ)) (البقرة ٢ / ٥٣) قالا : الفرقان ما فرق بين الحق والباطل (أنظر تفسير الغريب ٨٢ والمجاز ١ / ٤٠).

ومن ذلك قولهما في تفسير : (باؤُ بِغَضَبٍ) (البقرة ٢ / ٦١) أي احتملوه (تفسير الغريب ٨٣ والمجاز ٢ / ٤٢).

٥٥

ومن ذلك في تفسيرهما : (لا شِيَةَ فِيها) (البقرة ٢ / ٧١) قالا : أي لا لون سوى لون جميع جلدها (تفسير الغريب ٨٥ والمجاز ١ / ٤٤).

ومن ذلك في تفسير : (يَسْتَفْتِحُونَ) (البقرة ٢ / ٨٩) قالا : يستنصرون (تفسير الغريب ٨٧ والمجاز ١ / ٤٧).

ومن ذلك في تفسير : (بُرْهانَكُمْ) (البقرة ٢ / ١١١) قالا : بيانكم وحججكم (تفسير الغريب ٨٩ والمجاز ١ / ٥١).

ومن ذلك في تفسير : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) (البقرة ٢ / ١٦٥) قالا : أي يعلم وليس برؤية عين (تفسير الغريب ٩٣ والمجاز ٢ / ٦٢).

ومن ذلك في تفسير : (إِنْ ظَنَّا) (البقرة ٢٣٠) فقد فسر زيد الظن بمعنى اليقين ومثله فعل أبو عبيدة (أنظر تفسير الغريب ١٠٠ والمجاز ١ / ٧٤).

وهناك أمثلة أخرى كثيرة لا أجد حاجة لسردها (١).

٢ ـ قد يرى زيد أنه بحاجة للاستشهاد على صحة تفسيره بآية قرآنية أخرى فوجدت أن أبا عبيدة قد استشهد بها أيضا وفي الموضع نفسه من ذلك في تفسير : (وَيُزَكِّيهِمْ) (البقرة ٢ / ١٢٩) قال زيد : (يطهرهم) وقال في سورة أخرى : (نفسا زكية) (الكهف ١٨ / ٧٤) معناه مطهرة. ومثله قال أبو عبيدة (تفسير الغريب ٩١ والمجاز ١ / ٥٦).

ومثل ذلك عند ما استشهد زيد على كلمة (صفراء) في أثناء تفسيره لقوله تعالى : (صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها) (البقرة ٢ / ٦٩) قال أي سود ومثله : (جِمالَتٌ صُفْرٌ) (المرسلات ٧٧ / ٣٣) أي سود نرى أبا عبيدة قد استشهد بهذه الآية وفي هذا الموضع أيضا (تفسير الغريب ٨٥ والمجاز ١ / ٤٤).

٣ ـ رأينا في منهج زيد أنه قد يعطي بعض مرادفات الكلمة على نحو الاستطراد ونجد أن أبا عبيدة قد تابعه في ذلك أيضا أمثال إعطاء مرادفات كلمة المرأة في حديثهما عن تفسير قوله تعالى : (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) (البقرة ٢ / ١٨٧) (أنظر تفسير الغريب ٩٥ والمجاز ١ / ٥٦).

ومثل ذلك عند ما أعطى زيد مرادف كلمة السنة في أثناء تفسيره لقوله تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) (البقرة ٢ / ٢٥٥) كذلك فعل أبو عبيدة (أنظر تفسير الغريب ١٠٢ والمجاز ١ / ٧٨).

__________________

(١) انظر أمثلة أخرى في تفسير الآيات التالية من سورة البقرة في كتاب تفسير الغريب والمجاز مذكورة على التوالي آية ٢٠٦ / ٩٧ و ١ / ٧١ الآية ٢٠٧ / ٩٧ و ١ / ٧١ آية ٢١٢ ، ٩٨ و ١ / ٧٢ ومن سورة آل عمران آية ٧ ، ١٠٧ و ١ / ٨٧ وآية ٢٠ ، ١٠٨ و ١ / ٩٠ وآية ٢٨ ، ١٠٩ و ١ / ٩٠ وآية ٥٢ ، ١١٠ و ١ / ٩٥.

٥٦

٤ ـ قد يتطرق زيد إلى إعطاء لهجات الكلمة في أثناء تفسيره كما فعل في بيان قوله تعالى : (فَبُهِتَ) (البقرة ٢ / ٢٥٨) نجد أبا عبيدة يفعل الشيء نفسه (أنظر تفسير الغريب ١٠٣ والمجاز ١ / ٧٩).

٥ ـ يتطرق زيد بين الحين والآخر إلى ذكر مفردات ونجد أن أبا عبيدة يفعل الشيء نفسه وفي المواضع نفسها في أماكن كثيرة في كتابيهما مثال ذلك قولهما في : (خُطُواتِ) (البقرة ٢ / ١٦٨) واحدتها خطوة (تفسير الغريب ٩٣ والمجاز ١ / ٦٣) ومثال ذلك أيضا قولهما في : (الْقَواعِدَ) (البقرة ٢ / ١٢٧) واحدها قاعدة (تفسير التهذيب ٩١ والمجاز ١ / ٥٥).

٦ ـ قد يستطرد زيد ويعطي معنى كلمة أخرى كما فعل في قوله تعالى : (الْحَوارِيُّونَ) (آل عمران ٣ / ٥٢) قال هم صفوة الأنبياء ثم بين معنى الحواريات من النساء فقال هن اللاتي يسكن القرى ولا يسكن البوادي ونجد أبا عبيدة يفعل الشيء نفسه (أنظر تفسير غريب ١١٠ والمجاز ١ / ٩٥).

٧ ـ ولعل من أوضح الأدلة على تأثر أبي عبيدة بهذا الكتاب أن زيدا قد يقحم تفسير آية بين جزئي آية أخرى كما فعل في بيانه لجزء الآية الثلاثين من سورة التوبة : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) ثم أعقبها بتفسير الآية الحادية والثلاثين من سورة التوبة : (يُضاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ) وأعقبه ببيان الجزء المتبقي من الآية الثلاثين : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ) فنجد أن أبا عبيدة يفعل الشيء نفسه (أنظر تفسير الغريب ١٥٠ والمجاز ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧).

٨ ـ ومما يساعد على القول باطلاع أبي عبيدة على هذا الكتاب أن الراوي الأول له أبا عمرو الواسطي (ت ١٥٠ ه‍) قد عاصر أبا عبيدة (١١٠ ه‍ ـ ٢١٠) حوالي أربعين سنة هذا غير معاصرته للرواة الآخرين لهذا الكتاب.

٩ ـ إن أبا عبيدة كان مهتما بأخبار زيد وقد كتب عن بعض حياته وسرد قصة ثورته واستشهاده كاملة ونقلها عنه الطبري في تاريخه (١). وهذا ما يقرب اطلاعه على كتب زيد.

١٠ ـ ومما يرجح أنه اطلع على كتاب زيد هذا أنه قد اطلع على كتاب آخر لزيد اسمه تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن. جمع فيه زيد مناظراته وأجوبته عن الأسئلة التي وجهت إليه بتفسير آيات القرآن مع الاستشهاد عليها بأقوال العرب وأشعارهم فجاء في مناظرته مع أحد شعراء الشام عند ما طلب منه الشاعر أن يدلل على صحة قراءته لقوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال زيد : «مجاز من جر مالك يوم الدين أنه حدث عن مخاطبة غائب ثم رجح

__________________

(١) انظر تاريخ الطبري ٧ / ١٦٧ ـ ١٦٨ و ١٨٩ ـ ١٩٠.

٥٧

فخاطب شاهدا فقال : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ») (١) وهذا الجزء من كلام زيد موجود بحرفه في كتاب المجاز (٢). ثم استشهد زيد ببيت لعنترة بن شداد وآخر لأبي ذؤيب الهذلي (٣) وقد استشهد بهما أيضا أبو عبيدة (٤). غير أنه قال أن البيت الثاني لأبي كبير الهذلي.

كما اشترك زيد وأبو عبيدة في الاستشهاد بأمثال العرب وأشعارها في تفسير سورة الفاتحة في هذا الكتاب فاستشهد زيد على صحة تفسير قوله تعالى : بسم الله بشعر لعبد الله بن رواحة الآتي :

بسم الله وبه بدينا

ولو عبدنا غيره شقينا (٥)

ومثله فعل أبو عبيدة (٦). واستشهد زيد على صحة تفسيره لكلمة الدين في قوله تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) بالمثل (كما تدين تدان) (٧) وفعل أبو عبيدة الشيء نفسه (٨). وهناك تشابه كثير آخر بين الكتابين. ولا أقصد من كلامي هذا أن أبا عبيدة قد نقل كتب زيد حرفيا وإنما أخذ منهما الشيء الكثير.

أهمية الكتاب :

تكمن أهمية الكتاب الأساسية في قدمه فهو من أقدم الكتب التي وصلت إلينا في علمي اللغة والتفسير. وعلى الرغم من أن زيدا لم يذكر سنة تأليفه ولم تذكر المصادر شيئا عن ذلك أيضا فإننا نستطيع أن نخمن أنه ألّفه بعد سنة مائة وثمان عشرة للهجرة وذلك لأن الرواية التي رجحتها لوفاته سنة مائة وعشرين ، وأنه أخرج من المدينة إلى الشام وبقي فيها مدة ثم انتقل إلى الكوفة وبقي فيها بضعة عشر شهرا قضاها متخفيا يعد لثورته أي أن المدة التي كان مشغولا فيها سنتان أو يزيد. وهذا القدم في التأليف يكشف عن أهميته فيما يأتي.

١ ـ بعد عثورنا على هذا الكتاب يبطل رأي من ذهب إلى أن أول كتاب فسّر القرآن الكريم آية آية هو معاني القرآن للفراء (٩) أو أول كتاب وصل إلينا يفسر القرآن بهذه الطريقة هو مجاز القرآن لأبي عبيدة (١٠).

٢ ـ بعد اطلاعنا على هذا الكتاب يبطل رأي الدكتور عبد الله محمود شحاته أن :

__________________

(١) تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن ٤.

(٢) مجاز القرآن ١ / ٢٣.

(٣) انظر تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن ٤.

(٤) مجاز القرآن ١ / ٢٣.

(٥) انظر تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن.

(٦) انظر المجاز ١ / ٢١.

(٧) تفسير سورة الفاتحة وبعض آيات القرآن ٢.

(٨) انظر المجاز ١ / ٢٣.

(٩) انظر ضحى الاسلام ٢ / ١٤٠ ـ ١٤١.

(١٠) انظر اتجاهات التفسير في مصر في العصر الحديث ٢٧ والفكر الديني في مواجهة العصر ٣١.

٥٨

«تفسير مقاتل أقدم تفسير كامل للقرآن وصل إلينا» (١) إذا ما علمنا كذلك أن منهج مقاتل قريب من منهج زيد في تفسيره وأن زيدا توفي قبله بثلاثين سنة.

٣ ـ إنه أول كتاب كامل نعلم يقينا أنه ألّف في غريب القرآن ، وبهذا يبطل الرأي القائل بأن كتاب أبان بن تغلب (ت ١٤١ ه‍) هو المتقدم في هذا النوع من الكتب (٢). ولعل كتاب أبان قد اعتمد بشكل ما على كتاب زيد هذا لأن أبانا قد روى عن زيد.

٤ ـ إنه من الكتب القلائل التي وصلت إلينا وقد ألّفها أصحابها في عصر الاحتجاج اللغوي أي قبل منتصف القرن الثاني الهجري وهذا يعني أن كل كلمة فيه يمكن أن تكون حجة يستفاد منها في دراسات علوم العربية.

٥ ـ إن زيدا يذكر في هذا الكتاب كثيرا من الآراء التي سبقته من التابعين أو الصحابة وإذا ما عرفنا أن كثيرا منها موجود نصا في كتاب تفسير الطبري فيكون بذلك حلقة وصل بين الآراء التي قيلت في القرن الأول والكتب التي ألفت في القرن الثالث وجمعت هذه الآراء. وبمطابقة ما ورد في هذا الكتاب وكتاب تفسير الطبري في أحيان كثيرة نقدم دليلا كبيرا يخرس به كل المتشككين من المستشرقين في صحة ما ذكره الطبري من أسانيد في كتابه القيم في التفسير.

٦ ـ إن هذا الكتاب سوف يخدم كل الباحثين في التطور اللغوي الدلالي لأن المصادر التي وردت إلينا عن طبيعة اللغة الفصحى في القرن الثاني الهجري ليست كافية وهذا الكتاب يسد بعض الخلة من هذه الناحية.

٧ ـ إن وجود هذا الكتاب بعث الأمل في إخراج معجم لغوي يذكر فيه تطور الدلالات عبر القرون وليس يخفى على كل دارس مدى أهمية مثل هذا المعجم.

٨ ـ لم تقتصر فائدة هذا الكتاب على بيان المعاني الغريبة وإنما ذكر فوائد لغوية عديدة تتمثل في اللهجات والكلمات الأجنبية المعربة وجموع التكسير والمشتركات اللفظية والمترادفات والمتضادات إلى غير ذلك. ولا شك أن لقدم هذا الكتاب ما يعطي لهذه الفوائد أهمية أكبر كما هو واضح.

٩ ـ هذا الكتاب مهم جدا في علمي التفسير والقراءات فقد حوى منهما الكثير.

١٠ ـ بعد أن توصلت إلى أن أبا عبيدة قد استفاد من هذا الكتاب عند تأليف كتابه المجاز نستطيع أن نخمن أثره في كتب علوم اللغة العربية وأهميته في هذه العلوم فإذا كان عالم ولغوي كبير مثل أبي عبيدة قد نهل منه في كتابه ووجد به بعض ضالته. فإن الأحرى بنا أن نعطيه حقه من دراساتنا القادمة إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) القرآن والتفسير ١٠٤.

(٢) انظر المعجم العربي ١ / ٣٩ وفصول في فقه العربية ١١٠.

٥٩

كتاب

تفسير غريب القرآن

لزيد بن علي

وصف مخطوطات الكتاب :

بعد تقص وتفتيش في المكتبات ـ التي تمكنت من الوصول إليها ـ ومراجعة فهارس المكتبات الأخرى عثرت على ثلاث نسخ مخطوطة من الكتاب الذي حققته وكما يلي :

١ ـ النسخة الأولى (ب) توجد هذه النسخة في مكتبة برلين بألمانيا رقم ١٠٢٣٧ (١) وتحتوي على اثنتين وخمسين ورقة تتضمن الصفحة الواحدة أربعة وعشرين سطرا (٢٥* ٥ ، ١٨ سم) ويضم السطر الواحد ما يتراوح بين ١١ ـ ١٣ كلمة. وقد عمد ناسخ المخطوطة إلى عدم وضع النقاط على حروف الكلمة معتمدا في ذلك على مقدرة القارىء في الفهم من خلال السياق وإذا وجد الناسخ أن ترك التنقيط في بعض الحروف يولد التباسا وضع إشارة على هيئة خط صغير مقوس فوق الحرف أو نقطة صغيرة أسفل الحرف للدلالة على أن هذا الحرف غير معجم للتمييز بينه وبين الحرف المعجم وهذا بالطبع ولّد صعوبة كبيرة في قراءتها والوصول إلى اقتناع تام بعدم وجود أي احتمال آخر للكلمة المبهمة ـ غير المنقطة ـ.

لا يضع الناسخ الهمزات في الكلمات المهموزة ويستوي عنده أن تقع الهمزة في أول الكلمة أم في وسطها أم في آخرها. أما إذا جاءت الهمزة في وسط الكلمة بعد الألف فإنه يقلبها ياء أمثال (نسايك وصيايب). كما أنه يكتب الأعداد بعد المائة بالشكل الآتي ثلاث مائة. لكن ناسخ المخطوطة كان موقفه سليما من كتابة التاء في آخر الكلمة وكذا بالنسبة لوضع الألف الفارقة. والمخطوطة غير مضبوطة بالشكل عدا كلمات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة وإذا ورد بعض الضبط بالشكل على الكلمة على ندرته فيكون في الكلمة التي فيها قراءة لزيد. كما لم يعن الناسخ بوضع الإشارة على الحرف المضعف.

ويبدو أن النسخة مكتوبة بلون واحد وهذا ما ظهر لي من خلال تساوي الكلمات في

__________________

(١) انظر تاريخ الأدب العربي ٣ / ٣٢٣ وتاريخ التراث العربي ٢ / ٢٨٩.

٦٠