المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

ما قلت من أنّ الغرض من وجوب المقدمة هو التوصل الى ذي المقدمة ليس بصحيح ، فإنّ الغرض من المقدمة هو التمكّن من ذي المقدمة ، والغرض منها بعد إتيانها حاصل. فعلى هذا ليس كلام المحقّق المذكور في مقامنا صحيحا ، لما قال في جواب صاحب الفصول حيث إنّه قال في جوابه بأنّ الغرض في الواجبات الغيريّة هو التمكّن.

فعلى هذا لا بدّ أن يقال في ما نحن فيه أيضا ، فإنّ الغرض من وجوب إتيان الماء هو تمكّن المولى من شربه وهو بعد إتيان المكلّف بالماء حاصل ، فالغرض حاصل ، فبعد تحصيل غرض المولى يكون أمره بإتيانه أو بقاء أمره لغوا ، ويكون من قبيل الامتثال عقيب الامتثال ، فافهم.

١٦١

الفصل الثالث

في الإجزاء :

اعلم أنّ المتقدمين عنونوا المسألة بأنّه هل الأمر بالشيء إذا أتى به على وجهه يقتضي الإجزاء؟ وحيث إنّ المتأخّرين ومنهم المحقّق الخراساني فهموا من الاقتضاء العلية ، وقالوا بأنّ المراد من الاقتضاء هو العلية قالوا بأنّ ما قاله المتقدمون ليس بسديد ، إذ الأمر يكون علة لتحريك المأمور وانبعاثه نحو المأمور به ولم يكن علّة للسقوط والإجزاء ، بل الإتيان بالمأمور به يكون مقتضيا لهذا فعلى هذا.

قالوا بأنّه هل الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الإجزاء أم لا؟

ولا يخفى أنّ ما قال المحقّق الخراساني طاب ثراه من أنّ المراد من الاقتضاء هو العلية ليس في محلّه ، لأنّ الإتيان ليس بعلّة ، بل يكون إتيان المأمور به مسقطا للأمر بمعنى أن الأمر بعد إتيان المأمور به أثّر أثره ، فبعد الإتيان حصل الأثر.

مثلا إذا كانت النار موجبة لإحداث الحرارة فإذا فقدت النار لم يكن فقدانها علّة لعدم الحرارة ، بل يكون مقتضاه عامّا ، ففي كلّ الموارد إذا كان ايجاد الشيء معلول لعلّة فبفقد العلّة يفقد المعلول ، ولم يكن فقدان المعلول مستندا لعلّة فعلى هذا يكون المراد من الاقتضاء مقدار الاقتضاء بمعنى أنّ ما قالوه بأنّ الأمر إذا أتى به على وجهه

١٦٢

يقتضي الإجزاء هو أنّ اقتضاء الأمر ما هو مقداره هل يكون مقدار اقتضائه بالمقدار الذي يوجب بعد إتيانه بقاء اقتضائه أم لا فيكون النزاع في ان مقدار اقتضاء الأمر بإتيانه يصير تماما أم لا؟

فعلى هذا ما قاله المتقدمون كان صحيحا ولا يرد عليهم ما قالوا وأيضا ما قاله المتأخّرون أيضا صحيح إذا كان المراد من الاقتضاء هو العلية ، فيكون النزاع في ان اتيان المأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء أم لا يعني يكون اتيان المأمور به علّة للإجزاء أم لا.

ولا يخفى عليك ما قلنا من أنّ ما قاله المتأخرون كان صحيحا وإن كان هكذا ، إلّا أنّه لم يترتّب عليه الثمرة المقصودة ، إذ بحثنا في الاصول تظهر ثمرته في الفقه ويلزم أن يقع في طريق الاستنباط ، ولا يخفى أنّه إن قلنا بما ذهب اليه المتقدمون فتكون ثمرته واضحة لأنّه إذا قلنا بأنّ الأمر يسقط لا يلزم الإعادة أو القضاء ، وأمّا إن قلنا بعدم السقوط يلزم الإعادة أو القضاء ، وأمّا إن مشينا بما مشى المتأخّرون فلم يترتّب عليه ثمرة ، إذ الإتيان بالمأمور به ولو كان موجبا للإجزاء عنه إلّا أنّه لا يستلزم عدم لزوم الإعادة أو القضاء ، بل أن نقول بأنّ الاتيان بالمأمور به مسقط يوجب عدم لزوم الإعادة والقضاء من جهة عدم بقاء الأمر ، فمع ذلك يرجع لزوم الإعادة والقضاء وعدم لزومهما بسقوط الأمر وعدم سقوطه لا بالمأمور به ، وهذا واضح لا سترة فيه.

واعلم أنّي لم أكن حاضر في الدرس من أوّل الاجزاء الى هنا ، بل ما كتبت في هذا الباب هو ما سمعت من بعض حاضري مجلس الدرس ، والعهدة عليه.

واعلم أنّه إن عنون العنوان بأنّه هل الأمر يسقط بإتيان المأمور به أم لا؟ كان أولى ولا يهمّنا أزيد من هذا بسط الكلام في هذا المقام ، وما هو المهم هو التكلّم في أصل المسألة فنقول بعون الله تعالى : الكلام في المقام يقع في موضعين :

١٦٣

الموضع الأول :

أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي بل بالأمر الظاهري والاضطراري يجزي عن التعبد به ثانيا ، ولا يخفى أنّ هذا واضح من أنّ الاتيان بالمأمور به يوجب إجزاء أمره ، مثلا اذا أمر بالصلاة وأتى به المكلّف فلا معنى لبقاء الأمر ، ولا فرق في الأمر الواقعي والظاهري والاضطراري ؛ لأنّ الأمر الاضطراري مثلا أيضا يسقط بإتيانه فلا معنى لبقائه بداهة ، وقد علم في محلّه وثبت بأنّ بقاء الأمر وطلب شيء يكون في التكوينيات مجال ؛ لأنّ الشيء بعد وجوده يكون قابلا للوجود الآخر ويكون تحصيل للحاصل ، مثلا إذا أراد الله تعالى إيجاد انسان ووجد الانسان فلا يعقل أن تبقى إرادته وطلبه بالنسبة الى ايجاد هذا الإنسان الموجود ، لاستحالته.

ويكون بقاء الأمر في التشريعيات قبيح مثلا إذا تعلّق غرض المولى بإتيان الصلاة عن المكلّف ، فإذا أتى به المكلّف ولو لم يكن أمره ثانيا محالا إلّا أنّه قبيح لأجل حصول غرضه.

فعلى هذا إمّا يكون الطلب والأمر متعلّقا بالطبيعة ، وإمّا بالفرد ، فإن كان متعلقا بالطبيعة فالطبيعة باتيان فرد وجد في الخارج فلا معنى لبقاء الأمر وإن كان الطلب متعلّقا بالفرد ، فبقاء الأمر مستلزم للمحذور المتقدّم وهو طلب تحصيل الحاصل ، وهذا قبيح ، تعالى الله عن ذلك ، وهذا واضح وليس قابلا للبحث ، غاية الأمر أنّه حيث إنّ بعض العامّة خذلهم الله قالوا بعدم الإجزاء يصير موجبا لتوهّم بعض ، وقد ظهر لك أنّ في هذا المقام يكون إتيان المأمور به مجزيا بلا ارتياب.

الموضع الثاني :

ففيه أيضا موردان للكلام : المورد الأوّل في أنّ إتيان المأمور به بالأمر الاضطراري يجزي عن الإتيان بالمأمور به الواقعي ، ثانيا بعد رفع الاضطرار في

١٦٤

الوقت إعادة وفي خارج الوقت قضاء أم لا ، قال المحقّق الخراساني في هذا المقام بأنّ الكلام يقع تارة في أنحاء الأوامر الاضطرارية وتارة في بيان ما هو قضية كلّ منها من الإجزاء وعدمه وتارة في تعيين ما وقع عليه.

أمّا الكلام في الأوّل : أي الأنحاء التي تتصور ثبوتا في الأوامر الاضطرارية قال بأنّ الأوامر الاضطرارية يمكن أن تكون على أربعة أقسام :

الأوّل : أن يكون الأمر الاضطراري وافيا بتمام المصلحة أي يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار عين التكليف الاختياري في حال الاختيار.

الثاني : أن لا يكون وافيا بتمام المصلحة وهذا القسم أيضا على قسمين :

الأوّل : أن لا تكون المصلحة الباقية قابلة للتدارك.

الثاني : أن تكون قابلة للتدارك ، وهذا القسم الأخير أيضا على قسمين :

الأوّل : أن لا تكون المصلحة الباقية مصلحة ملزمة ، الثاني : أن لا تكون المصلحة الباقية مصلحة ملزمة فتكون الأقسام أربعة.

ولا يخفى أنّ ما قاله المحقّق المذكور من انحصار الأقسام ليس في محلّه ، بل يمكن أن نفرض أقساما أخر ونذكر عجالة قسم آخر وهو أن لا يكون التكليف الاضطراري وافيا بالمصلحة أصلا ، مثلا يمكن أن يكون أمر الشارع من بقى قضاء صومه من رمضان الى رمضان آخر اعطاء مدّا من طعام لكلّ يوم كذلك ، حيث إنّ مصلحة الصوم تفوت عن المكلّف كلية ويكون التكليف باداء مدّ تكليف آخر ، والمحقّق المذكور قال بأنّ التكليف الاضطراري إمّا أن يكون وافيا بتمام المصلحة أو وافيا ببعض المصلحة ، فيمكن أن نفرض في مورد لم يكن التكليف الاضطراري وافيا بالمصلحة أبدا وبقيت المصلحة تماما ، وهذا واضح. فعلى هذا حصر الأقسام باطل ، لما قلنا.

ثم قال بعد ذلك في مقام بيان آثار هذه الأنحاء أي في أيّ فرض من الفروض كان

١٦٥

الإتيان بالمأمور به بالأمر الاضطراري مجزيا وفي أي فرض من الفروض لم يكن مجزيا فقال : إن كان التكليف الاضطراري وافيا بتمام المصلحة كان مجزيا ، وإن لم يكن كذلك بان لم يكن وافيا بتمام المصلحة فإن لم تكن مصلحته الباقية ممكنة التدارك قال أيضا بالإجزاء وإن كانت المصلحة الباقية ممكنة التدارك فإن كانت ملزمة بحسب التدارك ولا يكون مجزيا وإن كان مستحب التدارك ولم يكن دركها واجبا فيكون مستحب التدارك ويكون مجزيا.

ولا يخفى ما في كلامه أيضا ، لأنّ الآثار التي قال للفروض يكون في كلّها الاشكال ، فليس بصحيح ، فما قال من الإجزاء في الصورة الاولى ليس في محلّه ، إذ يمكن أن تكون المصلحة المأمور بها بالأمر الاضطراري ماداميّا ولم تكن مطلقة ، مثلا يمكن أن يكون للتكليف بالتيمّم مصلحة مشروطة ومعلقة بحال الاضطرار ، فإذا خرج المكلّف عن حال الاضطرار وصار مختارا يلزم عليه الإعادة أو القضاء ، فما قاله من أنّه مطلقا لو كان وافيا بتمام المصلحة كان مجزيا ليس في محلّه ، بل إن كانت مصلحة التكليف الاضطراري وافية بتمام مصلحة التكليف الاختياري مطلقا يمكن أن يقال بالإجزاء وعدم لزوم الإعادة أو القضاء.

وهكذا في الصورة الثانية وهي ما لم يكن وافيا بتمام المصلحة إلّا أنّه تكون مصلحته الباقية غير ممكنة التدارك فما قاله من الإجزاء فاسد ، إذ يمكن أن لا يتمكن تدارك المصلحة الفائتة ، ومع هذا لم يكن مجزيا كما أنّه يمكن أن يكون كذلك حكم الإتيان بصلاة الظهر ممّن حضر لصلاة الجمعة ، وفي حال انعقاد الصلاة لم يكن مع الوضوء فأمره بمقتضى الرواية بالتيمّم والإتيان بصلاة الجمعة ، ومع هذا يجب عليه الإعادة أو قضاء صلاة الظهر ، ففي المورد الذي فقد فيه عن المكلّف مصلحة صلاة الجمعة ولم يمكن تداركها ومع هذا أمره الشارع بإتيان صلاة الظهر فيمكن فرض مورد لم يمكن درك المصلحة الفائتة ومع ذلك لا يجزي ويلزم عليه الإتيان به أو

١٦٦

ببدله.

وكذلك في الصورة الثالثة وهي الصورة التي لم يحصل المكلّف تمام المصلحة ويكون ما بقى من المصلحة اللازمة التدارك فقال المحقّق المذكور بلزوم الإعادة أو القضاء ، وهذا فاسد أيضا ، اذ يمكن أن يكون مقدار من المصلحة باقيا وملزما ومع ذلك لا يريد الشارع من المكلف دركه كما يمكن أن يكون كذلك في صلاة وصوم الحائض حيث أمرها الشارع بقضاء الصوم ولم يأمرها بقضاء الصلاة ، ولا شكّ في أنّ من الحائض فاتت مصلحة الصلاة ولم تدركها وكان بالإمكان تداركها وتكون مصلحتها ملزمة ومع ذلك رفع الشارع عنها تسهيلا كما ورد في الرواية. فثبت أنّه يمكن في هذا الفرض أنّه مع فوت المصلحة ولزوم دركها لم يأمر الشارع بالإتيان ويكون ما أتى به في حال الاضطرار مجزيا ، وفي هذا المثال فات عن الحائض تمام المصلحة ومع ذلك لم يأمرها الشارع بالقضاء فيمكن أن نكون كذلك في مورد فوت بعض المصلحة ، فافهم.

وهكذا في الصورة الرابعة وهي في الصورة التي بقى مقدار من المصلحة ويكون المقدار الباقي غير لازم التدارك ، بل يكون تداركه مستحبا قال بعدم لزوم الإعادة والقضاء وقال باستحباب الإعادة أو القضاء ليس كلامه في محلّه.

إذ يمكن أن يكون في هذا الفرض مع أنّ مصلحته الفائتة تكون مستحبة التدارك أن لا يجزي ويلزم الإعادة أو القضاء بأن نقول مثلا في مورد كان الإتيان بشيء في الفرد الأوّل واجبا ، وفي فرده الثاني مستحبّا وإذا أتى المكلّف بفرده الأوّل لم يكن وافيا بتمام المصلحة فالمقدار الباقي من المصلحة نجتمع مع مصلحة الفرد الثاني ، ومصلحة كليهما معا يوجب تأكيد المصلحة ، فيكون الإتيان بالفرد الثاني واجبا ، مثلا إذا أمر الشارع بعتق فردين من الرقبة المؤمنة غاية الأمر يكون أمره بعتق الفرد الأوّل وجوبيا والفرد الثاني ندبيا فالمكلف لأجل عدم التمكن من عتق الرقبة المؤمنة

١٦٧

اعتق رقبة كافرة فبقى مقدار من المصلحة لأجل عدم إيمان الرقبة ونفرض أن تكون المصلحة الباقية مستحبة التدارك فيمكن أن تنضم هذه المصلحة الباقية مع مصلحة استحباب الفرد الثاني فتصير ملزمة ، وهذا واضح.

فإذا كان النزاع في مقام الثبوت يمكن أن نفرض ما قلنا ، فما قاله من الآثار أيضا ظهر أنّه ليس في محلّه بما قلنا. مع أنّ تمام ما قلنا لو لم يرد عليه فيرد عليه إشكال آخر ؛ لأنّ ما قاله المحقّق المذكور يتمّ إن كان المراد من المصلحة في الأمر والنهي هو المصلحة في المأمور به والمنهي عنه وأمّا على ما قاله هذا المحقّق من أنّه يمكن أن تكون المصلحة في نفس الأمر والنهي فما قاله من الآثار ليس في محلّه ، إذ يمكن في تمام الفروض أن تكون المصلحة في الأمر ، فإذا كانت المصلحة في الأمر يمكن أن لا تكون المصلحة في المأمور به أصلا حتى يفرض الصور التي قالها في الكفاية حيث إنّ الفروض التي قالها كانت في المورد الذي كانت المصلحة في المأمور به فتجيء الصور التي قالها.

وأمّا إن كانت المصلحة في الأمر ففي كلامه ما فيه ، فافهم واغتنم ، هذا في مقام الثبوت ، ولا يخفى أنّ النزاع في مقام الثبوت وما قاله هذا المحقّق في المقام ليس وظيفة الفقيه ، وليس للفقيه أن يعيّن تكليف الشارع ، وما هو المهم للفقيه في المقام هو البحث عن مقام الاثبات وما وقع أمر اضطراري عليه فنقول قال المحقّق المذكور بعد ما نقلنا من كلامه في مقام الثبوت قال في مقام الاثبات : وأمّا ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله (أي اطلاق دليل الأمر الاضطراري) مثل قوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) وقوله عليه‌السلام : «التراب أحد الطهورين ، ويكفيك عشر سنين» هو الإجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ... الخ.

ولا يخفى أنّ الإطلاق الذي قاله إمّا يكون مراده إطلاق أدلّة الصلاة يعني بمقتضى إطلاق أدلّة الصلاة نكشف بإجزاء الأمر الاضطراري فهذا الإطلاق ممنوع أوّلا ، ولم

١٦٨

يكن مراده ثانيا ، وأمّا أن يكون مراده من الاطلاق إطلاق أدلّة التيمّم كما هو ظاهر من كلامه فأيضا الإطلاق الذي يمكن أن يدّعى في هذا المقام هو واحد من ثلاثة أقسام :

الأوّل : أنّه يكون لسان أدلّة التيمّم هو الفرديّة الحقيقية بمعنى أنّه كان لسان الأدلّة بيان أنّ التيمّم أحد فردي الطهارة فبضميمة الأدلّة التي كان لسانها أنّ في الصلاة يلزم الطهارة نقول بأنّ في الصلاة لا يلزم إلّا الطهارة ، وأدلّة التيمّم ثبتت لنا أنّ التيمّم أحد فردي الطهارة فتكون الصلاة مع التيمّم مجزيّة غاية الأمر تكون فرديته في حال الاضطرار ، وهذا الإطلاق وإن كان يمكن أن يدّعى في المقام إلّا أنّه لازمه هو كون التيمّم رافعا للحدث لا أنّه يكون مبيحا للصلاة. فعلى هذا لا يمكن أن يتمسّك بهذا الإطلاق من يقول بأنّ التيمّم مبيح ، والمحقّق الخراساني من القائلين بهذا. فعلى هذا إن كان مراده من الإطلاق هذا الإطلاق فهو باطل على مبناه.

الثاني : أن يكون لسان أدلّة التيمّم بيان فرديته الادعائية بمعنى أنّ التيمم يكون فردا للطهارة ادعاء ، فإذا كان شيء فردا ، لشيء ادعاء فإمّا يكون فيه أثر أظهر وإمّا لا يكون ، فإن كان فيه جهة ذات أثر أظهر من سائر الآثار فيكون في هذا الأثر الأظهر كالفرد الحقيقي ، وإذا لم يكن كذلك كان في جميع الآثار كالفرد الحقيقي ، وفي ما نحن فيه يكون من قبيل الثاني حيث لم يكن فيه أثر أظهر. فعلى هذا مقتضى هذا الاطلاق هو أنّ التيمّم الذي يكون فردا من الطهارة ادعاء يكون كالوضوء في جميع الآثار فكما أنّ بالوضوء تحصل الطهارة ويكون الأمر بالطهارة مجزيا كذلك يكون في التيمّم ، ولا يخفى أنّ هذا الإطلاق لو سلّم لم يكن مراد هذا المحقّق.

الثالث : أن نكشف بحسب إطلاق الأدلّة جواز البدار لما هو الظاهر ويقال بأنّ ظهور الواجب يكون في التعيينية ، فعلى هذا بمقتضى هذين اللازمين نكشف الإجزاء ؛ لأنّ جواز البدار وكون الوجوب تعيينيّا يكون ملازما مع الإجزاء ، فعلى

١٦٩

هذا يكون بحسب إطلاق الأدلّة ومقام الاثبات هو الإجزاء ، ولا يرد على هذا البيان الثالث الذي بينا للإطلاق الإيرادان اللّذان يمكن أن تتوهّم في المقام :

أمّا بيانهما : الأوّل : أنّ ما قلت من أنّ بمقتضى البدار نكشف الإجزاء نقول بأنّه يمكن أن يكون في نفس البدار مصلحة فإذا كان كذلك يمكن أن يجوز البدار فعلى هذا لا يجزي.

الثاني : أنّ ما قلت أيضا من جواز البدار يمكن أن يكون لأجل أنّ الشارع تدارك في حال الاضطرار المصلحة الفائتة من المكلّف ؛ لأنّ فوات المصلحة يكون من ناحية الشارع وهذا في ما إذا كان سقوط الأمر الاختياري والتكليف بالأمر الاضطراري مستندا الى الشارع كما في مورد المشقة أو الضرر المالي الذي يكون رفع التكليف الاختياري مستندا الى الشرع ولا يكون بحكم العقل.

فعلى هذا في هذه الموارد التي يكون التفويت من ناحية الشرع يلزم على الشارع جبران المصلحة الفائتة إلّا أنّه يلزم عليه جبران مصلحته الفائتة في حال الاضطرار ، فعلى هذا يمكن أن يجوز البدار ومع هذا لا يجزي بأن نقول ولو أنّه يلزم على الشارع جبران المصلحة الفائتة إلّا أنّ الجبران لازم عليه في ما يكون التفويت مستندا اليه وأمّا بعد رفع الاضطرار فلا يكون تفويت المصلحة مستندا الى الشارع ، بل يكون الى نفس المكلّف ، فيمكن أن يأتي بالمأمور به الاختياري بعد رفع الاضطرار. فعلى هذا لا يكون جواز البدار ملازما للإجزاء ، لأنّه في حال الاضطرار ولو كان على الشارع جبران المقدار الفائت من المصلحة ، وبمقتضى ذلك كان البدار جائزا إلّا أنّه يمكن أن لا يجزي ، لما قلنا. هذا بيان الإشكال.

وأمّا جوابه : هو أنّ المحقّق المذكور لو كان تمسّك بهذا الإطلاق الثالث يقول بمقتضى جواز البدار وظهور الأمر في التعيينيّة يجزي لا بمقتضى جواز البدار فقط. فعلى هذا لا يرد عليه الإيرادان المتقدمان ، لأنّه يكون حاصلهما أنّ جواز البدار لا

١٧٠

يلازم الإجزاء وسلّمنا ذلك لكنّه لم يقل بأنّ جواز البدار مستلزم للإجزاء ، بل قال بأنّ جواز البدار مع ظهور الأمر في التعيينيّة موجب للإجزاء ، وهذا كان صحيحا ، هذا غاية ما يمكن أن يقال في بيان الإطلاق ، ولكن اعلم أنّ هذا الإطلاق الثالث أيضا مردود من جهتين :

الاولى : أنّ التعيينيّة يمكن أن يكون ما داميا بمعنى أنّه يكون الواجب على المريض مثلا الصلاة جالسا بالوجوب التعييني ومع هذا يكون الواجب عليه بعد رفع الاضطرار هو الصلاة قائما بالوجوب التعييني. فعلى هذا يمكن أن يكون الوجوب تعيينا إلّا أنّ تعيينيّته تكون ما دام مضطرا ، ولا سيّما أنّ في مورد كلامنا إن كان الشارع أراد من المكلّف مثلا الصلاة مخيّرا بين القعود والقيام قال أنت مخيّر بين أن تصلّي في حال الاضطرار قاعدا وبين أن تصلّي في حال الاختيار قائما كيف لازم عليه أن يأمر؟ هل يمكن؟! إلّا أن يقول بأنه وجب في حال الاضطرار عليك الصلاة قاعدا ووجب عليك الصلاة في حال الاختيار قائما ، فعلى هذا كون الوجوب تعيينيّا لا يتلازم مع الإجزاء عن التكليف الاختياري ، لما قلنا ، بل يكون ملازما لإجزاء أمره الاضطراري.

الثانية : أنّه على ما قال هذا المحقّق من الإجزاء وأنّ المأمور به في حال الاضطرار بمقتضى إطلاقات الأدلّة كالمأمور به في حال الاختيار ولا يكون بينهما فرق ، فلازم هذا الكلام هو أنّه جائز للمكلّف أن يضطر نفسه ، مثلا من كان لديه الماء وواجب عليه الوضوء يجوز أن يهريق الماء ويتيمّم ، والحال أنّه لم يقل بذلك هذا المحقّق ، وهذا واضح لا سترة فيه. فعلى هذا ما قاله في المقام لا يمكن القول به.

ذكر وجه آخر للتمسّك بالإطلاق في هذا المقام كما يظهر من كلام الشيخ أعلى الله مقامه وهو أن يكون لسان الأدلّة الاضطرارية ، نحو : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) لسان التنويع والفردية فإنّ تكليف المختار نوع وتكليف المضطر نوع آخر ، فعلى هذا

١٧١

بمقتضى الاطلاقات نستكشف بأنّ الشارع جعل في حال الاضطرار المأمور به الاضطراري نوعا والمأمور به الاختياري نوعا أخر ، فعلى هذا يكون مجزيا.

ولا يخفى أنّ هذا الإطلاق لو كشف عن أدلّة الأوامر الاضطرارية يكون جيدا إلّا أنّ الإنصاف أنّه لا يكون لكل أدلّة الأوامر الاضطرارية هذا الإطلاق حتى نتمسّك به ولا تكون الأوامر الاضطرارية منحصرة بالتيمّم ، بل مواردها كثيرة. فعلى هذا دعوى الإطلاق في كل الأدلّة ممنوع.

ثم بعد ما ظهر لك أنّ ما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله في الكفاية وكذا الوجه الأخير الذي قال به بعض ومنهم الشيخ أعلى الله مقامه من الإطلاق لا يكون تامّا ، فلا بدّ إمّا أن نقول بالإطلاق بنحو آخر أو الرجوع الى الأصل.

والتحقيق أنّه يمكن التمسك بالإطلاق وهو أنّه بعد ما قلنا في الصحيح والأعمّ ان المراتب النازلة أيضا فرد مثلا في الصلاة تكون صلاة الحاضر فردا وصلاة المسافر فردا آخر وتكون صلاة القائم فردا من الصلاة وصلاة القاعد فرد من الصلاة أيضا ، وقلنا بتصوير الجامع الاعتباري بالبيان الذي قلنا في الصحيح والأعمّ مفصّلا ، وقلنا بأنّه يمكن أن تكون أفراد متباينة مع تباينها تحت جامع واحد إذا كان الجامع اعتباريا.

فنقول في المقام بأنّه مقتضى أدلّة الأوامر الاضطرارية يكون هو الفردية وأنّ تكليف المختار فرد وتكليف المضطر فرد آخر وأنّ التكليف الواقعي المختار هو الوضوء مثلا من أوّل الأمر والتكليف الواقعي للمضطر هو التيمّم مثلا من أوّل الأمر ، فالمأمور به للشخص المضطر لا يكون هو الوضوء ثم لاضطراره جعل الشارع له بدلا ، بل يكون تكليف المضطر أوّلا هو التيمّم ولا يتوجّه عليه أصلا التكليف بالوضوء كما يكون الأمر هكذا في المسافر والحاضر فكما أنّ المسافر لا يتوجّه عليه أصلا تكليف الحاضر وبالعكس كذلك في المقام لا يتوجه على المضطر

١٧٢

تكليف المختار وبالعكس أصلا.

فعلى هذا إذا كان الأمر كذلك فلا مجال للقول بعدم الإجزاء بل لا بدّ وأن يكون مجزيا وفرق بين ما نقول في بيان الإجزاء وما قال في الوجه الأخير ، وهو ما قلنا من أنّه يظهر من كلام الشيخ هو أنّ ادعاء الإطلاق السابق في كلام الشيخ يكون من باب إطلاقات الأوامر الاضطرارية وقلنا بأنّه لا يكون للأوامر الاضطرارية إطلاق وأمّا الإطلاق الذي نقول به هو الإطلاق من الأدلّة المثبتة للتكاليف مطلقا مثل (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) فقلنا بأنّ للصلاة أفرادا ، فصلاة القائم فرد من الصلاة وصلاة القاعد فرد منها ، وهكذا ولقد كان في نوع الأدلّة والأخبار تصريح بهذا مثلا يكون في الخبر قريب بهذا المضمون الصحيح يصلّي قائما والمريض يصلّي قاعدا ، فعلى هذا أمر الصحيح ابتداء بالصلاة قائما والمريض ابتداء بالصلاة قاعدا ، وهذا ممّا لا سترة فيه في كلّ مورد ثبت فرديته.

نعم في بعض الموارد التي لم يظهر من دليلها الفردية لا يمكن التمسّك بالإطلاق كصلاة الغرقى حيث إنّ دليلها لم يكن ظاهرا في الفردية ، ففي هذه الموارد يلزم إمّا الرجوع الى إطلاقات أدلّة المختار والتكاليف الأوّلية ، وأمّا الرجوع إلى الأصل كما يأتي بعد ذلك تفصيله إن شاء الله.

وقد انقدح بما قلنا أنّه على ما قلنا في وجه الإطلاق ، وما ظهر من كلام الشيخ لم يكن جواز البدار لازمه ، إذ يمكن أن تكون فرديته بنحو لا يجوز البدار ، ومع ذلك يجزي أو على مذهب الشيخ يكون فردا للمأمور به ، لكن فرديته تكون بنحو لا يجوز فيها البدار ، فيكون تابع الدليل.

(اقول : واعلم أنّ ما قلنا هو ما يلزم الركون والاعتماد عليه في هذا الباب ، ولعمري أنّ ما قاله في المقام سيدنا الأعظم أحسن الوجوه ويكون كلامه في المقام عندي من الصحّة بمثابة لا يمكن الترديد فيه ويلزم على المنصف أن يقول به ، فافهم

١٧٣

واغتنم).

وقال بعض الأعاظم في المقام وأظنّ أنّه هو المحقّق النائيني مدّ ظلّه ، ولعلّه يكون في تقريرات بعض تلاميذه بالإجزاء بنحو آخر ولقد توهّم أنّ الأمر سهل وسهّل الأمر وقال بالإجزاء بأنّ من قال بعدم الإجزاء ولزوم الإتيان في الوقت إعادة وفي الخارج قضاء ليس في محلّه ، إذ الإعادة ولزومها هي خلاف الإجماع ، إذ انّه إجماعي أنّ المكلّف لم يكن في الوقت مأمورا بالتكليفين ، فعلى هذا يكون المفروض أنّه أتى في حال الاضطرار بالمأمور به فكيف يكون مأمورا أيضا بإتيان المأمور به الآخر للاجماع؟ فعلى هذا لا يلزم الإعادة وأمّا القضاء فهو أيضا لا يجب ، إذ إن كان المأمور به الاضطراري وافيا بالمصلحة وإتيانه مجزيا فالأمر بالقضاء لغو ، وإن لم يكن كذلك فأمر المكلف في حال الاضطرار بإتيان المأمور به الاضطراري لم يكن بصحيح ويكون لغوا ، فعلى هذا من أمره نكشف الإجزاء. هذا ما يستفاد من كلامه.

ولا يخفى ما فيه ، أمّا في طرف الإعادة فما قاله من أنّ الاجماع قائم بأنّ المكلّف لم يكن في الوقت مكلّفا بالتكليفين ليس مرتبطا بالمقام ، إذ لو كان الاجماع على هذا فهذا النزاع لغو من أصله ولم يكن محلّ الخلاف ، فمع أنّه بعض قائل بعدم الإجزاء وتكون المسألة خلافية يكون ادعاء الاجماع ادعاء فاسدا.

وأمّا ما قاله من عدم لزوم القضاء وأنّه إمّا أن يكون المأمور به الاضطراري وافيا بالمصلحة فالقضاء لغو ، وأمّا أن لا يكون كذلك فالأمر الاضطراري لغو ليس في محلّه أيضا ؛ لأنّ معنى ما قالوا بأنّ أمر القضاء يكون بنحو تعدّد المطلوب هو ذلك ، بمعنى أنّه يمكن أن يكون الأمر الاضطراري وافيا ببعض المصلحة فيكون أمره صحيحا والقضاء أيضا كذلك ، لأنّه ولو أنّ بالقضاء لا يدرك كلّ المصلحة إلّا أنّه يدرك به بعض المصلحة ولا يلتزم أن يكون وافيا بتمام المصلحة.

فعلى هذا معنى تعدد المطلوب هو أنّ المطلوب يكون متعددا ، مثلا يكون

١٧٤

المطلوب من الصلاة هو درك مرتبتين من المصلحة فإن أتى بها في الوقت أدرك هاتين المصلحتين وإن لم يدرك في الوقت ولم يأت بها ، فحيث إنّ إتيانه في خارج الوقت يكون موجبا لدرك مرتبة من المصلحة وكان أمره صحيحا ، فعلى هذا يكون المطلوب متعددا فإن لم يدرك المكلّف المطلوب الأفضل في الوقت يلزم عليه ادراك المطلوب النازل في خارج الوقت وهذا مما لا سترة فيه.

فعلى هذا يمكن أن يكون التكليف الاضطراري صحيحا من أجل درك مصلحته ومعه يكلّف الشارع بالقضاء لدرك مصلحة اخرى وإلّا إن التزمنا بهذا الكلام الذي قاله النائيني يلزم أن يكون التكليف القضائي لغو في كلّ الموارد ، إذ يمكن أن يقال بأنّه إن كان المأمور به القضائي جامعا للمصلحة التي هي في المأمور به الأدائي فالأمر بالاتيان في الوقت وحصره بالوقت لغو وإن لم يكن كذلك فالأمر القضائي لغو ، فتأمّل في المقام.

هذا كلّه في ما يكون الإطلاق في البين وكان ذلك الإطلاق اطلاقات الأوامر الاضطرارية أو اطلاقات الأوامر الاختيارية ، غاية الأمر إن كان للأوامر الاضطرارية اطلاق يكون لازمه الإجزاء ، وإن كان للأوامر الاختيارية إطلاق ولم يكن للأوامر الاضطرارية اطلاق يكون لازمه عدم الإجزاء ، بل يمكن أن يقال بأنّ على ما مشى المحقّق الخراساني رحمه‌الله يكفي في عدم الإجزاء ولزوم الإعادة أو القضاء عدم الإطلاق في الأوامر الاضطرارية ، ولعلّ ما قلنا من الإطلاق يكون هو مراد المحقّق الخراساني رحمه‌الله حيث قال : وبالجملة فالمتبع هو الاطلاق لو كان ... الخ.

وأمّا إذا لم يكن في البين إطلاق فالمرجع هو الأصل وقال المحقّق الخراساني في المقام أن الأصل هو البراءة عن الإعادة وكذا عن القضاء ، وقال : نعم لو دلّ دليل على أنّ سبب القضاء هو فوت الواقع ولو لم يكن هو فريضة كان القضاء واجبا لتحقّق سببه وهو فوت الواقع ، هذا حاصل كلامه.

١٧٥

والتحقيق في المقام هو أنّه يختلف جريان الأصل على المباني فعلى ما قال به المحقّق الخراساني إمّا أن يكون الاضطرار في أوّل الوقت ويكون فيما بعد مقدار من الوقت باقيا ، وأمّا أن يكون الاضطرار في الوقت ، فعلى هذا إن لم يكن الاضطرار في اوّل الوقت يكون موردنا مورد الاستصحاب ، إذ إنّ المكلّف يعلم بتكليف وتنجّز عليه ، غاية الأمر يشكّ في أنّ ما أتى به في حال الاضطرار يكون وافيا بمصلحة المأمور به المعلوم حتى يكون مجزيا عنه أم لا ، فحيث يعلم بثبوت تكليف منجّز ولم يعلم باسقاطه ويكون شاكّا في اسقاطه يكون المورد هو استصحاب بقاء التكليف ويلزم عليه الإعادة.

فما قاله المحقّق المذكور من أنّ المورد مورد البراءة ليس في محلّه ، لما قلنا من أنّ ثبوت التكليف يكون معلوما وشكّ في خروجه عن عهدته ، ولا يكون المقام مورد البراءة ، إذ لم يكن الشكّ في أصل التكليف ، وأمّا إن كان الاضطرار في أوّل الوقت ويكون المورد مورد البراءة إذا الشكّ يكون في أصل التكليف حيث إنّه لم يعلم بفعلية تكليف عليه ، بل يعلم بخلافه فيكون مورد البراءة هذا على مذهب المحقّق الخراساني.

وأمّا على مذهبنا فالأمر سهل ويكون المورد مورد البراءة بلا إشكال حيث إنّه يعلم بعدم ثبوت تكليف المختار في حقّه لأنّه قلنا بأنّ التكليف الأوّلي للمضطر هو الإتيان بالمورد الاضطراري ولا يكون أصلا مكلّفا بإتيان المأمور به الاختياري ، وكذا على الوجه الآخر الذي قلنا يظهر من كلام الشيخ حيث إنّه على هذا الوجه أيضا يعلم بعدم ثبوت تكليف المختار في حقّه ، بل يكون تكليفه من أوّل الأمر هو الاتيان بالمأمور به الاضطراري فيكون مورد البراءة ولا يجب عليه الإعادة.

وممّا قلنا في الإعادة يظهر لك الأمر في القضاء يعني يختلف الأمر على اختلاف المباني فانّه على ما قال المحقّق الخراساني إمّا أن يكون القضاء بأمر جديد وإمّا لم

١٧٦

يكن بأمر جديد ، بل يكون بالأمر الأوّل فإن كان القضاء بأمر جديد فتارة يكون موضوع أمر القضاء أمرا عدميّا مثلا يكون الأمر بالقضاء على من لم يصل في الوقت أو يكون أمرا وجوديّا ، مثلا يكون موضوعه من فاته الفريضة إمّا إن كان القضاء بأمر جديد وكان موضوعه أمرا عدميّا فمن فرض عموم في البين للقضاء بهذا المعنى فيكون مورد الاشتغال حيث إنّ المضطر لم يصل صلاة تامّة أو مثلا لم يتوضأ ، فعلى هذا لا يجزي عن القضاء.

وأمّا إن كان موضوعه أمرا وجوديا فيكون مورد البراءة حيث إنّه لم يعلم أنّه فات صلاته.

وأمّا إن لم يكن القضاء بأمر جديد ، بل يكون بالأمر الأوّل فالكلام فيه هو الكلام في الإعادة ، فإن كان الاضطرار في أوّل الوقت كان مورد البراءة وإن كان الاضطرار بعد مقدار من الوقت فيكون مورد الاستصحاب ، لما قلنا في الإعادة ، وأمّا على ما قلنا أو على الوجه الأخير الظاهر من كلام الشيخ أعلى الله مقامه فيجزي المأمور به الاضطراري عن القضاء أيضا ، ولا يلزم القضاء إمّا ان كان القضاء بالأمر الأوّل فلأنّ وجوب القضاء موقوف بعدم الإتيان في الوقت ، والمفروض أنّه أتى في الوقت بما هو تكليفه وهو المأمور به الاضطراري وإمّا المأمور به الاختياري فلا يتعلّق الأمر به الى المضطر أصلا ، وأمّا إن كان وجوب القضاء بالأمر الجديد فأيضا يكون مورد البراءة إذ على تقدير كون موضوعه أمر عدمي أو أمر وجودي موقوف بعدم الإتيان في الوقت فلا يتوجّه الى المضطر ، حيث إنّه أتى بما امر به وهو المأمور به الاضطراري والمأمور به الاختياري لم تجب عليه أصلا ، لأنّ المضطر يكون ابتداء مأمورا بإتيان المأمور به الاضطراري وقد أتى به ، فلا موقع للقضاء فافهم ، هذا تمام الكلام في الأمر الاضطراري.

المورد الثاني : في إجزاء الإتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري وعدمه

١٧٧

اعلم أنّ الحكم الظاهري إمّا أن يكون مؤدّى الأمارة ، وأمّا أن يكون مؤدّى الأصل إمّا الكلام في الأمارة هو أنّه تارة تكون الأمارة قائمة على نفس الحكم أعني يكون مؤدّاها نفس الحكم ، مثلا قامت الأمارة على وجوب الصلاة ، وتارة يكون مؤدّى الأمارة متعلقات الحكم ، مثلا قامت الأمارة بوجوب السورة في الصلاة ، وتارة نقول بحجّية الأمارات من باب الطريقية ، وإما أن نقول بحجّية الأمارات من باب السببية فنقول بعون الله تعالى :

إن قلنا بحجّية الأمارات من باب الطريقية بمعنى أنّه يكون في السلوك مصلحة جابرة فإن قامت الأمارة على متعلّق الحكم كوجوب السورة في الصلاة فلا يخفى في عدم الإجزاء ، فعلى مذهب المحقّق الخراساني في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري وهو قال بجعل الحجّية يعني أنّ الحجّية التي هي من الأحكام الوضعية وتكون قابلة للوضع وضعت هنا بمعنى أنّ الشارع جعل الطريق حجّة ولازمه صرف المنجّزية في صورة الإصابة والمعذرية في صورة عدم الإصابة فالأمر واضح.

إذ معذوريّة المكلّف يكون ما دام لم ينكشف الخلاف وبعد انكشاف الخلاف لم يكن معذورا أو لم يجز بلا ريب كان في حال الانفتاح أو في حال الانسداد وأمّا على مبنى الشيخ وهو أن يكون في سلوك الطريق مصلحة فلا يجزي أيضا في حال الانفتاح أو في حال الانسداد ، أما في حال الانفتاح فواضح أنّ على القول بالطريقيّة حيث إنّ الشارع مع قدرة المكلّف عن العلم أمر به بإطاعة مؤدّى الأمارة فيلزم عليه في صورة عدم الإصابة جبران المصلحة التي فاتت عن المكلّف ، فإن لم ينكشف الخلاف نقول بلزوم تدارك المصلحة على الشارع ، وأمّا لو انكشف الخلاف فما يكون على الشارع واجبا هو جبران المصلحة الفائتة على المكلّف إذا كان الفوت مستندا الى الشارع ، وبعد انكشاف الخلاف لم يكن الفوت مستندا عليه ، وهذا واضح.

فعلى هذا لم يكن مجزيا ويلزم الإعادة أو القضاء ، ضرورة أنّ حجّية الأمارة على

١٧٨

الطريقية ليس أولى وأعلى من القطع ، فكما أنّ القطع حجّة ويلزم متابعته بحكم العقل إلّا أنّ بعد انكشاف الخلاف لم يكن معذورا ، فإذا كان القطع كذلك كانت الأمارة كذلك بطريق الاولى هذا كلّه في حال الانفتاح.

وأمّا في حال الانسداد فالأمر أسهل ، إذ لا يلزم على الشارع جبران المصلحة أصلا ، إذ أنّه لا يتمكّن من الإطاعة العلمية فالشارع نصب له طريقا موصلا مرّة وغير موصل اخرى مثل أنّك أردت أن تذهب الى دار صديقك ولم تعلم في أيّ موضع كان داره وكنت متحيّرا ، فإذا نصب لك زيد طريقا لك وتذهب ولم تبلغ الى مقصدك لم يفوّت زيد عنك مصلحة ، فعلى هذا في صورة الانسداد لم يكن مجزيا ويلزم الإعادة أو القضاء بعد انكشاف الخلاف ، هذا إذا كان مؤدّى الأمارة متعلقات الحكم وقلنا بالطريقية.

وأمّا إذا كان يفوّت مؤدّى الأمارة نفس الحكم وقلنا بأنّ الأمارات حجّة من باب الطريقية فالأمر أيضا كذلك يعني بعد انكشاف الخلاف لا يكون مجزيا ، لما قلنا من أنّ جبران المصلحة الفائتة لازم على الشارع إذا كان الفوت مستندا اليه وبعد كشف الخلاف لا يكون الفوت مستندا اليه ، بل مستند الى نفس المكلّف فيلزم على المكلّف الإتيان بالمأمور به إمّا إعادة أو قضاء ، وهكذا على مذهب المحقّق الخراساني فإنّ المكلّف معذور ما دام لم ينكشف الخلاف وبعد انكشاف الخلاف لم يكن معذورا ؛ لأنّه قال بالمنجّزية والمعذّرية في الأمارات ومعذورية المكلّف يكون ما دائميا ، فتأمّل.

ولا يخفى أنّ معنى حجّية الأمارات من باب الطريقية كما قلنا في مطاوي كلماتنا هو أنّ المصلحة تكون في نفس السلوك ، وهذا الطريق وهذا هو الظاهر من كلام الشيخ أعلى الله مقامه بمعنى أنّ الشارع بعد ما فات عن المكلّف درك مصلحة الواقع مع قدرة المكلّف على درك مصلحة الواقع يلزم عليه جبران المصلحة الفائتة على

١٧٩

المكلّف. فعلى هذا بعد ما ثبت أنّ تفويت الشارع المصلحة على المكلّف كان قبيحا يلزم بحكم العقل جبرانه ، فالشارع بعد أمره بسلوك هذا الطريق إن وصل المكلف للواقع فقد أدرك مصلحة الواقع ، وإن لم يصل الى الواقع يلزم عليه جبران المصلحة فتكون المصلحة في السلوك وعائدة على المكلّف.

ولكن يظهر من بعض نسخ الرسائل معنى آخر للطريقية ـ ولعلّه يكون من زيادة الكاتب ـ وهو أن تكون المصلحة في نفس الأمر بمعنى بعد أن كان تفويت مصلحة المكلف قبيحا على الشارع لم يجز عليه هذا التفويت ، إلّا أنّه يمكن أن تكون مصلحة أقوى في الأمر بالسلوك ، فأمر الشارع بالسلوك كما ترى أنّك إذا ترى أنّ فعل شيء كان قبيحا من جهة إلّا أنّ في تركه كان مفسدة زائدة وكان أقبح ، فبعد الكسر والانكسار يفعله ، فمع كون فعل الشيء قبيحا يمكن أن يفعله لدرك مصلحة أقوى ، فعلى هذا مع كون التفويت قبيحا وأنّ في الفعل كان القبح مع ذلك إذا كان في ترك الأمر قبح أزيد وفي الأمر مصلحة أقوى يمكن أن يأمر بسلوك الطريق.

ففرق الوجهين أنّ في الأوّل لا يكون تفويت أصلا ولم يكن في الأمر بالسلوك قبح أصلا ، حيث إنّ الشارع تدارك المصلحة الفائتة ولم يفوّت على المكلّف مصلحة إلّا أنّ في الثاني يكون الفعل والأمر بالسلوك من أجل التفويت قبيح ، ومع هذا أمر به الشارع لمصلحة أقوى في الأمر ولم يكن في الثاني مصلحة عائدة على المكلّف وفات على المكلّف المصلحة إلّا أنّ المصلحة تكون في الأمر لا يكون هذا التفويت قبيحا ، وهذا الوجه الثاني وإن كان في بعض نسخ الرسائل عبارة توهم أنّ الشيخ أعلى الله مقامه قال به ، إلّا أنّه صرّح غير مرّة أنّ مراده من الطريقية هو المعنى الأوّل فلعلّ المعنى الثاني يكون من زيادة الكاتب عبارة موهمة لذلك ، فافهم. هذا كلّه في الطريقية.

وأمّا إن قلنا بحجّية الأمارات من باب الموضوعية فنقول : قد قالوا في معنى

١٨٠