المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

المقدمة الرابعة : من المقدمات التي ذكرها المستدل لإثبات الترتّب ، قال : إنّ بقاء الشيء على تقدير يكون على ثلاثة أنحاء مثلا إذا أمر بالصلاة فبقاء هذه الصلاة على فرض وجود شيء أو عدمه أو إطلاقه ينقسم الى ثلاثة أقسام :

الأوّل : أن يكون التقدير وجودا أو عدما أو اطلاقه بالنسبة الى هذا التقدير ملحوظا حين الطلب وهو يكون فيما إذا يمكن أخذ هذا التقدير في الطلب مثل أن يكون قيدا للموضوع ، مثلا إذا تعلّق غرضه بإتيان الصلاة فتارة يتعلّق غرضه باتيانها في حال السفر أو في الحضر قائما أو راكعا ، أو تكون الصلاة متعلقة لغرضه في حال وجود التقدير أو عدمه ، مثلا تعلّق غرضه بالصلاة في حال القيام ، أو تعلّق غرضه بإتيان الصلاة بشرط أن لا يكون قائما ، فإذا لاحظ إطلاق الموضوع بالنسبة الى هذه التقادير أو لاحظ تقيّد الموضوع بوجود التقدير أو عدم وجود التقدير يصير في صورة إطلاقه مطلقا بالنسبة الى التقدير ، فكان لازمه لزوم اتيان الصلاة في حال وجود التقدير أو عدم وجوده ، ويصير في صورة تقييده بالتقدير مقيّدا ، فكان لازمه لزوم إتيان الصلاة مثلا في وجود هذا التقدير والقيد أو في صورة عدمه.

ولا يخفى عليك أنّه في هذه الصورة يمكن ملاحظة التقدير تقييدا وإطلاقا في الأمر وفي الطلب ، حيث إنّ التقدير يكون في عرض الموضوع ويسمّى هذا الإطلاق بالإطلاق اللحاظي حيث إنّه يمكن لحاظ إطلاقه وتقييده في الطلب.

الثاني : أن يكون الخطاب بالنسبة الى هذا التقدير إمّا مطلقا أو مقيّدا ولكن لم يمكن لحاظه في الطلب ، وهذا القسم يكون في التقادير التي تأتي بعد الطلب كالعلم والجهل ، فالتكليف وإن كان بالنسبة الى العلم والجهل إمّا مطلقا أو مقيّدا لكن لا يمكن لحاظ إطلاق الطلب بالنسبة اليهما أو تقييد الطلب بهما في التكليف ؛ لأنّ العلم والجهل بالتكليف يأتي من قبل التكليف فلا يمكن لحاظهما في نفس التكليف ، ولكن يمكن إطلاق الحكم أو تقييده بالنسبة الى العلم والجهل بالإطلاق الذاتي وهو أن

٢٦١

الآمر إذا نظر ثانيا في حكمه يرى أنّ حكمه يكون في تمام الموارد في مورد العلم والجهل أو يرى أنّ حكمه يكون في مورد العلم مثلا ، وهذا القسم يسمّى بالإطلاق الذاتي.

وقد يقال لهذا القسم بالنتيجة الإطلاق أيضا فافهم ، حيث إنّ الحكم ذاتا يكون مطلقا وساريا في كلّ التقادير ولكن لم يكن هذا الإطلاق ملحوظا حين الحكم ، لما قلنا. فالفرق بين الإطلاقين يكون في أنّ الأوّل يمكن لحاظه في الحكم حيث إنّ التقادير يكون في عرض الموضوع وقبل الحكم بخلاف القسم الثاني فإنّ التقادير تأتي من قبل الحكم فلا يمكن لحاظها في نفس الحكم.

الثالث : أن يكون الحكم هادما للتقدير أو واضعا للتقدير ، وهذا القسم يكون في الفعل والترك وما ينتزع منهما كالإطاعة والعصيان. ولا يخفى عليك أنّ في هذا القسم لا يمكن الإطلاق بالنسبة الى التقدير ولا التقييد ، سواء كان التقييد بوجود التقدير أو عدمه ، وهذا واضح لأنّا قلنا : إنّ هذا القسم لا يكون إلّا في الفعل والترك فلا يمكن الإطلاق والتقييد حيث إنّه لا يمكن أن يقول : (أقم الصلاة) مثلا في صورة فعلها ، لأنّه إن قال كذا يلزم تحصيل الحاصل ، وكذا لا يمكن أن يقول : (أقم الصلاة) في صورة ترك الصلاة ، لأنّه يلزم اجتماع النقيضين ، وكذا لا يمكن إطلاق الحكم بالنسبة الى تقدير الفعل والترك ، حيث إنّ الإطلاق يكون في الحقيقة هو التصريح بكلا التقديرين أي الفعل والترك ، فكأنّه يكون معنى إطلاق الحكم بالنسبة الى الفعل والترك أن تفعل على تقدير وجوده وتفعل على تقدير تركه.

والحاصل أنّ الحكم في هذا القسم يكون هادما للتقدير فيكون معناه أنّه يهدم الوجود بالعدم إذا كان عدمه مشروطا ويهدم العدم إذا كان وجود التقدير مشروطا. ولا يخفى عليك أنّ الخطاب بالنسبة الى حالتي الفعل والترك يكون كالوجود العارض للماهيّة ، فكما أنّ الوجود لا يعرض الماهيّة بشرط الوجود ولا بشرط العدم

٢٦٢

ولا يكون المأخوذ فيه هو الوجود والعدم ، بل تكون الماهيّة لا بشرط كذلك الخطاب أيضا يكون كذلك أي لا إطلاق فيه ولا تقييد ، والفرق بين هذه الصورة والصورتين الاولتين وإن كان بالغا الى ستّة فروق إلّا أنّا نذكر هنا اثنين من الفروق.

الأوّل : أنّ في القسم الأوّل والثاني يكون التقدير علّة للحكم إطلاقا وتقييدا حيث إنّ الإطلاق التقديري تقييده يكون علّة للحكم ؛ لأنّ موضوع المطلق أو المقيّد يكون موردا للحكم بخلاف الثالث ، فإنّ في القسم الثالث يكون الحكم علّة لهدم التقدير.

الفرق الثاني : أنّ في القسمين الأوّلين يكون الحكم مع التقدير إمّا مطلقا أو مقيّدا فيكون لازمه وضع التقدير ، وهذا بخلاف القسم الثالث حيث إنّ في القسم الثالث يكون الحكم هادما للتقدير فلا يكون مع التقدير. إذا عرفت ما قلنا لك في هذه المقدمة مع ما قلنا في سائر المقدمات يظهر لك أنّ الترتّب للمعذور له حيث إنّه لم يلزم منه محذور محال أصلا إذا كان المهم مشروطا حيث إنّ محلّ النزاع يكون من القسم الثالث الذي قلنا في هذه المقدمة ، وهو أنّ المهم يكون مشروطا بعصيان الأمر الأهم والإطاعة والعصيان يكونان منتزعان عن الفعل والترك ، وعلى ما قلنا في هذا القسم هو أنّ الخطاب يكون هادما للفعل والترك وما ينتزع عنهما.

فعلى هذا في ما نحن فيه لا يلزم اجتماع الحكمين حيث إنّ مقتضى الأمر الأهم هو هدم الترك ومقتضى الأمر المهم هو الفعل على تقدير العصيان ، ففي موضوع ، الأمر الأهم لم يكن الأمر المهم أصلا ، حيث إنّ الأمر المهم يكون مشروطا وفي موضوع الأمر المهم لم يكن الأمر الأهم أصلا ، حيث إنّ الخطاب لم يكن في صورة الترك لأنّا قلنا يلزم من ذلك اجتماع النقيضين فلم يكن تكليف الأهم مقيّدا بالفعل والترك ، ولا يكون مطلقا أيضا. فعلى هذا لم يكن في صورة الترك الأمر الأهم فلا يلزم اجتماع

٢٦٣

الحكمين ولا يلزم المطاردة أصلا ولو فرضنا أن يكون في زمان عصيان الأمر الأهم أن يكون أمره باقيا ويكون الأمر المهم أيضا لا يلزم محذور أصلا حيث إنّ الحكمين على هذا يكون طوليا ، فيكون لسان الأمر الأهم هدم الترك ويكون لسان الأمر المهم أنّه إن لم يهدم الترك فات متعلّقه وعلى هذا لو فرضنا أنّ المكلف في صورة العصيان أتى بالأهم لا محذور فيه. هذا حاصل كلام المستدل في هذه المقدمة.

ولكن لا يخفى ما فيه من الخلط وأنّ كلامه يكون فاسدا. بيانه : أنّ الحكم بالنسبة الى متعلّقه يكون حاله حال الوجود العارض للماهية كما قال المستدل أيضا ، فكما أنّ الماهية في حال عروض الوجود عليه لم يلاحظ إلّا لا بشرط بمعنى أنّه لم تكن مقيّدة بالوجود حتى تكون الطبيعة بشرط الشيء ولم تكن مقيّدة بالعدم حتى تكون الطبيعة بشرط لا ولم تلاحظ أيضا مطلقا عن الوجود والعدم بمعنى إطلاقها عن الوجود والعدم يلاحظ أيضا بمعنى أنّه لم تلاحظ الماهية المطلقة عن الوجود والعدم حتى يكون هذا اللحاظ قيدا له حتى يكون لا بشرط المقسمي ، بل لم تكن الماهية إلّا لا بشرط حتى عن الإطلاق والتقييد يعني لم تلاحظ إلّا الماهية ، وهذا هو لا بشرط المقسمي فقد كان حال الخطاب بالنسبة الى موضوعه كذلك.

فقد عرفت أنّه إن كان الإطلاق أو التقييد ملحوظا عند المتكلّم فإذا يلاحظ الإطلاق يكون هذا إطلاقا لحاظيا ، وبهذا المعنى من الإطلاق بعد ما لم يمكن التقييد لم يمكن الإطلاق ؛ لأنّ نسبة الإطلاق والتقييد بهذا المعنى يكون العدم والملكة ، فالإطلاق اللحاظي في محلّ الكلام لا يمكن ، حيث إنّ التقييد بالوجود أو العدم لا يمكن ، فكذا لحاظ إطلاقه بالنسبة الى الفعل والترك ؛ لأنّ نسبتهما تكون العدم والملكة.

ولكن يمكن أن يقال بالإطلاق الذاتي في ما نحن فيه حيث إنّه لا يلزم في الإطلاق الذاتي لحاظ وجود القيد وعدمه حتى يقال بأنّه يلزم اجتماع النقيضين أو يلزم

٢٦٤

تحصيل الحاصل ، بل يكفي في الإطلاق الذاتي صرف عدم لحاظ التقييد ففي كلّ مورد لم يكن الشيء مقيّدا يلزم أن يكون مطلقا ، لأنّ معنى الإطلاق هو عدم لحاظ القيد ولا يلزم في هذا القسم من الإطلاق إمكان التقييد ؛ لأنّ نسبة الإطلاق والتقييد هي الايجاب والسلب ، لأنّه لم يكن الإطلاق ملحوظا حتى يكون إمكان لحاظ الإطلاق فرع إمكان لحاظ التقييد كما يكون في الإطلاق اللحاظي ، بل يكون في هذا القسم صرف عدم اللحاظ ، فلا يلزم إمكان التقييد.

فعلى هذا نقول : إنّ المتوهّم حيث تخيّل أنّ معنى الإطلاق هو التصريح بالجمع أي التصريح بعدم تقييد الحكم بالفعل والترك قال بأنّه لا يمكن الإطلاق في المقام لأنّه كيف يعقل هذا بعد ما لم يكن تقييده ممكنا؟! فإذا لم يمكن تقييد الحكم بالفعل أو تقييد الحكم بالترك فكذلك لا يمكن الإطلاق ، حيث إنّ الإطلاق في معنى التصريح بالقيدين ، يعني أنّ الحكم يكون في مورد الفعل وفي مورد الترك بمعنى أنّ مع فرض الفعل يكون الحكم ، أو مع فرض الترك يكون الحكم ، وهذا لم يكن معقولا.

والحاصل أنّ المتوهّم توهّم بأنّ الحكم فى القسم الأوّل والثاني يكون مع التقدير ومن الحكم والتقدير يكون المقيّد بخلاف القسم الثالث فإنّ في هذا القسم يكون الحكم هادما للتقدير ولا يكون الحكم مع التقدير ، فاستنتج منه أنّ الحكم لم يكن في فرض الفعل أو في فرض الترك أو في كليهما فلا يكون محذور للقول بالترتّب ، حيث إنّ الأهم يكون هادما للتقدير والمهم يكون على فرض التقدير فلم يكن الحكمان واردين على محلّ واحد.

ولكن لا يخفى عليك أنّه على ما قلنا من أنّ في الإطلاق الذاتي لم يلاحظ الإطلاق ، بل معنى أنّ الحكم يكون مطلقا هو أنّ المتعلّق يرى لا بشرط مقسميا ولم يلاحظ معه إلّا ذاته ولا يلزم في هذا القسم من الإطلاق التصريح بالقيدين حتى يقال : إنّ الإطلاق فرع التقييد ، بل عدم اللحاظ يكون إطلاقا.

٢٦٥

فعلى هذا ما نحن فيه لو كان معنى الإطلاق أنّ في فرض الوجود وفي فرض العدم يكون الحكم باقيا يلزم منه اجتماع النقيضين وتحصيل الحاصل ، ولكن لم يكن كذلك ، بل يكون معنى إطلاق الحكم عدم لحاظ شيء في متعلّقه سوى الذات ، فإذا كان كذلك نقول بأنّ في فرض عصيان الأمر الأهم يكون الحكم باقيا بملاحظة أنّ الذات تكون في هذا الظرف أيضا ، فمع كون الحكم باقيا وكون حكم المهم في هذا الظرف أيضا يعود المحذور ويلزم اجتماع النقيضين وتقع المطاردة.

فقد ظهر لك أنّ الحكم إذا كان على الطبيعة يسري في تمام أفراده بما هو فرد لها ، ففي كلّ الحصص يكون سريان الحكم بملاحظة الحصة لا بملاحظة ما يلازمه ، فإذا وقع حكم على الإنسان يسري الحكم الى جميع أفراده وكل ما كان حصّة له فالحكم في الإنسان الطويل لم يكن بملاحظة طوله بل يكون بملاحظة كونه فردا للإنسان ، وهذا معنى الإطلاق الذاتي.

ففي ما نحن فيه أيضا يكون كذلك فالحكم الايجابي الذي يكون في الصلاة يسري في تمام أفراده ومن جملتها هذا الفرد الذي عصى المكلّف ، فالحكم في صورة العصيان يكون باقيا فلا يمكن حكم آخر ولو مشروطا في هذا الظرف.

فظهر لك أنّ ما قال المستدلّ في هذه المقدمة لم يكن في محلّه أيضا ، وظهر لك أنّ منشأ توهّم المستدلّ هو الخلط في معنى الإطلاق ، وتوهّم أنّ الإطلاق يكون هو التصريح بالقيد فقال : إذا لم يمكن التقييد لم يمكن الإطلاق ، وقد أثبتنا لك أنّ هذا في الإطلاق اللحاظي ، ولا يلزم هذا في الإطلاق الذاتي ، وحيث إنّ المتوهّم توهّم التوهّم المذكور قال في التعبدي والتوصلي في ردّ كلام الشيخ أعلى الله مقامه هذا الكلام ، وقد قال الشيخ بأنّه بعد ما لم يكن الأمر مقيّدا بالتعبدية نحكم بمقتضى الإطلاق بأنّ الأصل في مورد الشك هو التوصلية.

وقال المتوهّم في جوابه : إنّ من عدم التقييد لا نكشف الإطلاق ، حيث إنّ

٢٦٦

الإطلاق يكون فرع إمكان التقييد ، وحيث إنّه لم يمكن التقييد بالتعبدية لم يمكن الاطلاق أيضا ، فبعد ما قلنا في جوابه ظهر لك بطلان هذا الكلام ، حيث إنّ كلام الشيخ وإن كان غير صحيح من جهة اخرى إلّا أنّ هذا الإشكال لم يكن واردا عليه ؛ لأنّ مقصود الشيخ من الإطلاق هو الإطلاق الذاتي ، ولا يلزم فيه إمكان التقييد ، بل يكون إمكان التقييد شرطا في الإطلاق اللحاظي.

وكذا أيضا وقع هذا الاشتباه في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري حيث قالوا بأنّ الحكم الواقعي حيث لم يكن إطلاقا له في حال العلم والجهل حيث إنّ الاطلاق فرع التقييد وحيث إنّ العلم أو الجهل بالحكم يكون مؤخّرا عن نفس الحكم ، فلا يمكن الإطلاق أيضا بالنسبة الى حال العلم والجهل ، حيث إنّ معنى الإطلاق هو التصريح بالقيد حقيقة ، فإذا لم يمكن التقييد لم يمكن الإطلاق.

فنقول أيضا في جواب هذا الاشتباه بأنّ الإطلاق اللحاظي حيث يكون محتاجا الى اللحاظ لا يمكن القول به مع عدم إمكان التقييد ولكن لا بأس في الإطلاق الذاتي ، لأنّه لا يحتاج الى لحاظ الإطلاق أو التقييد ، بل يكفي في الإطلاق الذاتي عدم لحاظ التقييد فقط.

فتلخّص ممّا قلنا لك أنّ ما قاله المستدلّ في هذه المقدمة لم يكن صحيحا ، وما توهّم من معنى الإطلاق من أنّ معناه هو التصريح بالقيدين باطل ، ومنشأ ما يترتّب عليه من عدم ورود الأمرين في محلّ واحد هو هذا ، فبعد ما قلنا من انه يكفي في الاطلاق الذاتي صرف عدم لحاظ التقييد يظهر بطلان كلامه.

فإنّ ما قاله من أنّ أمر الأهم كان لسانه هدم حال العصيان والأمر المهم كان مشروطا ببقاء هذا الحال فمع العصيان لا يكون الأمر الأهم باقيا ، ومع هدم حال العصيان لم يكن الأمر المهم فلا يتحدان.

قلنا في جوابه من أنّ إطلاق الأمر المهم يشمل صورة العصيان أيضا ، لما قلنا من

٢٦٧

عدم اشتراط الإطلاق الذاتي إلّا بعدم لحاظ التقييد ولم يكن مشروطا بإمكان التقييد. فعلى هذا بعد شمول اطلاق الأمر الأهم لحال العصيان أيضا فلا يمكن تصوير الأمر المهم في هذا الحال.

ومع هذا نقول جواب آخر لهذا الكلام وهو أنّه على ما فرض المستدلّ يكون لسان الأمر الأهم هدم حال الترك ، فمع التقييد بالترك لم يكن الأمر الأهم باقيا نقول لو فرض أنّ مع التقييد بالترك لا يمكن تصوير الأمر الأهم ، فمع هذا التقييد لا يمكن الهدم أيضا حيث إنّ مع التقييد بالترك وفي هذا الحال كيف يمكن الأمر بالهدم مع التقييد بهذا الحال؟! فاذا لا يمكن الهدم أيضا.

فظهر لك ممّا قلنا بطلان كلام المستدل.

أقول : ولو فرض صحّة دعوى المستدلّ من كون المراد من الإطلاق هو هدم العصيان والترك يخرج ما نحن فيه عن محلّ النزاع في الترتّب ، لأنّ محلّ الكلام في الترتّب هو المورد الذي يكون الأمران فعليين بحيث إنّ كلّ منهما يبعث نحو مطلوبه فعلا ، وعلى فرض المستدلّ لا يكون كلّ من الأمرين في حال واحد فعليّا ، فتكون النتيجة عدم إمكان القول بصحّة الترتّب : من المقرّر.

المقدمة الخامسة : التي ذكرها المستدل وهي نتيجة سائر المقدمات فهي أنّه بعد ما ذكرنا من أنّ المحذور في عدم تصوير الترتّب يكون هو الأمر بالجمع فبعد ما قلنا في طي المقدمات عدم لزوم الأمر بالجمع بعد ما كان أحد الأمرين مشروطا ، وقلنا بأنّ الأمرين لم يكونا واردين على مورد واحد ، ولم يكن بينهما مطاردة أصلا ، ولم يكن الأمر الأهم أيضا طاردا الأمر المهم كما ظهر من المقدمة الأخيرة فلا مانع من القول بامكان الترتّب.

ولكن يظهر أيضا لك بطلان ما أفاده المستدل ، أمّا ما قاله من أنّ المحذور هو لزوم الأمر بالجمع قلنا أوّلا : أنّ المحذور لم يكن هو الأمر بالجمع ، بل المحذور هو أنّ كلّ من

٢٦٨

الأمرين جاذب لقدرة المكلّف نحوه ، والمفروض أنّه ليس للمكلّف إلّا قدرة واحدة وليس له قدرتان حتى يصرفهما فيهما.

وثانيا : أنّه يلزم الأمر بالجمع أيضا حيث إنّ في الآن الأوّل من العصيان يكون الأمر الأهم باقيا ، وعلى قول المستدل يكون الأمر المهم في هذا الآن أيضا فيلزم الأمر بالجمع ، ولو فرضنا أنّ المطاردة لم تكن من طرفين ولكن يكفي الطرد من طرف واحد.

وما قاله في المقدمة الرابعة التي كانت نتيجتها راجعة الى عدم الطرد من طرف الأهم أيضا حيث إنّه لا إطلاق للأمر الأهم في حال العصيان فمع التقييد بالعصيان لم يكن الأمر الأهم باقيا ظهر لك أيضا فساده ، وأنّه اشتبه في معنى الإطلاق ، وتوهّم أنّه يلزم في الإطلاق إمكان التقييد وقلنا : إنّ هذا يكون في الإطلاق اللحاظي ، وأما في الاطلاق الذاتي فلا يلزم فيه إمكان التقييد بل يكفي في الإطلاق الذاتي عدم لحاظ التقييد فقط. فعلى هذا في حال العصيان أيضا يكون الأمر الأهم باقيا فيكون مطاردا للأمر المهم. فتلخص أنّ هذا الاستدلال لم يثبت إمكان الترتّب ، فافهم.

وقد استدلّوا على إمكان الترتّب بدليل آخر وهو أنّه كما يكون في المقتضيات الخارجية إذا كان بين المقتضيين تزاحما مثلا مقتضى أحدهما تكون الحرارة ومقتضى الآخر يكون البرودة فإمّا أن لا يكون أحدهما أقوى من الآخر أو يكون أحدهما أقوى من الآخر ، فإن لم يكن أحدهما أقوى من الآخر فلا يمكن تأثير كلّ منهما ، وأمّا إن كان أحدهما أقوى ولو كانت أقوائيته من جهة مانع لوجود الآخر فيؤثّر ما هو الأقوى ، فإذا كان كذلك في المقتضيات التكوينية كذلك يكون في المقتضيات التشريعية ، فإن لم يكن أحدهما أقوى من الآخر فلا بدّ من التساقط وعدم تأثيرهما وإن كان أحد المقتضيين أقوى من الآخر يلزم تأثير الأقوى.

فنقول في ما نحن فيه بعد ما كان المكلّف عصى الأمر الأهم وتأثير الأمر الأهم

٢٦٩

مشروط بإرادة المكلّف فإذا عصى المكلّف لم يمكن تأثير الأمر الأهم ، فإذا أمكن تأثير الأمر المهم حيث يكون بلا مانع فإذا حيث كان الأمر الأهم مشروطا بإرادة المكلّف لا مانع من الأمر المهم هنا.

ولكن لا يخفى عليك أنّ هذا الكلام لم يكن مفيدا في ما نحن فيه حيث إنّ المقتضيات الخارجية تكون على قسمين : فتارة تكون مزاحمتهما في الأثر كما أنّ مقتضى الحرارة تزاحم مقتضى البرودة في أثرهما وهو الحرارة والبرودة ، وتارة يكون المقتضيان بينهما تزاحم في حدّ ذاتهما مع قطع النظر عن الأثر. فعلى هذا لو كانت المزاحمة من قبيل الأوّل صحّ ما قالوا ، حيث إنّ كلّ واحد من الأثرين إذا كان أقوى من الآخر يؤثّر أثره ولا يمكن تأثير الآخر ولكن لو كان التزاحم في المقتضيين مع قطع النظر عن الأثر فلم يكن الإشكال من ناحية الأثرين ، بل ولو فرضنا عدم المزاحمة في الأثر لا يمكن حصول المقتضيين ، لأنّ في آن واحد كيف يمكن اقتضاء شيئين متباينين؟!

ومحلّ الكلام يكون هكذا فإنّ الأمر لا يمكن له اقتضاءان متباينان في زمان واحد ، وهذا معنى أنّ تكليف المحال في حدّ نفسه قبيح لعدم تمشّي إرادة الضدّين من طرف المولى في زمان واحد ، فعلى هذا مع فرض بقاء الأمر الأهم كيف يمكن تصوير الأمر المهم؟ فافهم.

وقد قال بعض بأنّ الترتّب واقع في الشرعيات ، فبعد وقوعه لا مجال للنزاع في إمكانه ومثلوا بأمثلة كثيرة.

منها : أنّ في مورد تكون الإقامة محرّمة لشخص ويجب عليه السفر وخالف ولم يسافر ، فمع هذا يجب عليه الصوم الواجب ، وهذا لا يمكن تصويره إلّا على القول بصحّة الترتّب وإن لم نقل به فلا مجال لصحّة الصوم ، حيث إنّه ضدّ للسفر الواجب ، فصحّة الصوم ملازمة لإمكان الترتّب ووقوعه.

٢٧٠

ولكن هذا اشتباه ، فإنّ في المثال المتقدّم حيث كان دائرة وجوب السفر ضيقا لم يكن له مجال المزاحمة مع الصوم ، لأنّه لو كان وجوب الصوم مطلقا يجب عليه الاقامة ولا يجوز عليه السفر ، فإنّه لو نذر شخص أن يصوم يوما معينا يلزم عليه الاقامة. فعلى هذا لم يكن في موضوع الصوم أمر السفر أصلا حتى يقال : إنّ الصوم مترتّب عليه ، بل دائرة وجوب السفر مضيّق بالنسبة الى الصوم ، فلم يكن بينهما مزاحمة أصلا ولم يكن من قبيل الترتّب.

ثم إنّه على تقدير القول بالترتّب لا بدّ من الالتزام بالعقابين في المورد الذي لم يأت المكلّف لا بالأهم ولا بالمهم ، فإنّ العقاب ترتّب على ترك الأمر وعصيانه والمفروض أنّه على القول بالترتّب يصحّ ورود الأمرين فيلزم العقابين ، والحال أنّه لم يمكن الالتزام بهذا ، حيث إن المكلّف لم يكن قادرا على امتثال الأمرين.

وقد يظهر من تقريرات النائيني أعلى الله مقامه أنّه يمكن الالتزام بالعقابين في مورد ترك الأمرين وقال في وجهه أنّ العقاب يكون لأجل التمكّن من ترك العصيان ، فإذا كان المكلّف متمكّنا من ترك العصيان ومع هذا عصى يمكن عقابه ، لانه كان متمكّنا من ترك العصيان.

ففي المقام حيث إنّ المكلّف يتمكّن من اتيان الأهم وترك عصيانه يصحّ عقوبته بالنسبة الى الأهم والمهم أمّا عقابه بالنسبة الى الأهم فلأجل تركه ، وأمّا عقابه على المهم فلأجل أنّه كان متمكنا من الإتيان بالأهم كي لا يتوجّه عليه الأمر المهم ، فإذا كان متمكّنا من عدم عصيان الأمر المهم ولو بعدم حصول شرطه يصحّ عقابه على هذا.

ولا يخفى عليك أنّ هذا الكلام فاسد جدا ؛ لأنّ العقاب في كلّ الموارد لا يكون على ترك الامتثال حيث إنّ الآمر ما يطلب من المكلّف يكون الامتثال ، فالعقاب يكون على ترك الامتثال ولا يكون على التمكن من ترك العصيان ، وما هو شرط هو

٢٧١

القدرة على الامتثال ، فإن كان الامتثال مقدورا للمكلّف ومع هذا تركه يكون معاقبا على ترك الامتثال وإلّا إن التزمنا بأنّ العقاب يكون على التمكن من ترك العصيان يلزم أن يكون التكليف بكلّ المحالات إذا شرطها بأمر ممكن جائزا.

مثلا يكون الطيران في الهواء محالا ولا يجوز الأمر به ولكن لو قال : (طر الى الهواء لو صعدت على السطح) فإنّ في هذا المثال ولو أنّه لا يمكن للمكلّف الطيران في الهواء ولكن يمكن له عدم الصعود الى السطح ، فحيث إنّه يتمكن من ترك الصعود إلى السطح ولم يترك يصحّ عقابه بعدم إتيان المأمور به وهو الطيران ، وكيف يمكن الالتزام بهذا؟! فتلخّص لك أنّ العقابين غير معقولين ، ومع هذا لو قال أحد بالترتّب لا بدّ من أن يلتزم بتعدّد العقاب.

واعلم أنّه لو كان الترتّب ممكنا لا يكون في مقام الاثبات والوقوع محتاجا الى دليل آخر فإنّ المفروض أنّ المانع يكون هو عدم إمكان فعلية الأمرين على القول باستحالة الترتّب لأجل التزاحم ، وأمّا على القول بالترتّب لو كان أحد الأمرين مشروطا تنتفي المزاحمة.

وبعبارة اخرى القائلون بعدم إمكان الترتّب حيث يرون أنّ في المقام يكون الأمران ولا يمكن حفظهما فقالوا بأنّه لا بدّ من أن لا يكون أحدهما فعليا ، وأمّا القائل بالترتّب يقول بأنّ المانع من توجه الأمرين هو إطلاقهما ، فإذا ترى أنّ في المقام يكون أمران بالضدين فمن حيث إنّه لا يمكن الجمع بينهما لا بدّ لنا أن نرفع المزاحمة بينهما ، ففي المقدار الذي تكون المزاحمة بينهما لا بدّ من الرفع عنهما وما يرفع المزاحمة به هو جعل أحدهما مشروطا فلو جعلنا أحدهما مشروطا لا مانع من توجه الأمرين ، فبعد عدم المانع من توجههما يكون الأمران باقيين بحالهما ، غاية الأمر أحدهما مشروط بترك الآخر فالأمران بعد ما لم يكن مانع بينهما لا بدّ لهما من التأثير فلا يكون محتاجا الى دليل خارج ، فإذا قال : (أقم الصلاة) وقال : (أزل النجاسة عن

٢٧٢

المسجد) في زمان واحد فلو لا مزاحمة الأمرين لا مانع من تأثيرهما ، فلو رفعنا المزاحمة بما قلنا يؤثّر كلّ منهما أثره فتجب إزالة النجاسة عن المسجد لو كانت أهمّ وإن عصى كان عليه الواجب إقامة الصلاة ، هذا تمام الكلام في مبحث الضدّ والترتّب.

وأنّ الحقّ عدم تصوير الترتّب ، فافهم واغتنم.

واعلم يا أخي إن ترى أنّي لم اسطر المطالب كما ينبغي ويكون كما هو حقّه فيكون من جهة تشتت الحواس وتوجه الآلام. وأسأل الله أن يجعل ما بقي من عمري خيرا ممّا مضى ويوفقني لفهم الكلمات الحقّة وترويج شريعة سيدنا محمّد صلوات الله وسلامه عليه وآله ، وكان يوم ختم هذه الرسالة يوم الجمعة وقد مضى من شهر شعبان عشرين يوما ، وكان في سنة ١٣٥٥ لمحرّره أقلّ الطلاب والمحصّلين علي صافي گلپايگاني.

٢٧٣

فصل

هل يجوز أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط أم لا؟

هل يجوز أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط أم لا؟

اعلم أنّ النزاع لم يكن في أنّ أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه أمره جائز أم لا حتى يكون الشرط شرط الأمر ، لأنّه لا مجال لهذا النزاع أصلا ، وبعيد غاية البعد أن ينازع كذلك حيث إنّ مع انتفاء شرط الأمر كيف يمكن أن يأمر الآمر؟ حيث إنّ مع انتفاء الشرط لا توجد الإرادة به ولا يريد لأنّه من مقدمات الإرادة.

فالحقّ أنّ النزاع يكون في أنّ أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرط المأمور به جائز أم لا ، كما يظهر أنّ النزاع يكون كما قلنا أخيرا من كلام صاحب المعالم وقال : (فصل : قال أكثر مخالفينا : إنّ الأمر بالفعل المشروط جائز وإن علم الآمر انتفاء شرطه ـ حيث إنّه قال ـ بأنّ الأمر بالفعل المشروط ... الخ) وجعل المشروط في كلامه صفة للفعل وعلى كلّ حال لا مجال في أنّ النزاع يكون في أنّ أمر الآمر بالشيء المشروط مع العلم بانتفاء شرط الشيء جائز أم لا ، فلو كان كلام المحقّق الخراساني أعلى الله مقامه راجعا الى أنّ أمر الآمر مع العلم بانتفاء شرطه راجع الى شرط الآمر كما هو ظاهر عبارته باطل.

ثم إنّه لا يخفى أنّ هذا النزاع يكون نزاعا كلاميا ولم يكن مربوطا بالاصول ،

٢٧٤

حيث إنّ هذه المسألة تكون من متفرعات المسألة التي تبحث في علم الكلام وهي إنّ التكليف بالمحال جائز أم لا ، فمجوزو التكليف المحال جوزوا هذا ، وأمّا من لم يجوّز التكليف بالمحال فلا يجوز هذا.

ثم إنّه لا يخفى عليك أنّه ليس من متفرعات هذا النزاع الفرع الذي نقول وهو أنّه من يعلم بأنّه يسافر قبل الظهر مثلا في شهر الصيام قالوا بأنّه لو أفطر قبل السفر يجب عليه الكفارة ، وتوهّم بعض أنّه يكون من قبيل أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط ، حيث إنّ الآمر يعلم بأنّه يسافر ويكون فاقدا لشرط الصوم ، حيث إنّ الصوم مشروط بعدم السفر فأمره بالصوم لم يكن جائزا بناء على عدم القول بتجويز أمر الآمر مع العلم بانتفاء الشرط.

وأمّا وجه أنّه لم يكن هذا الفرع من متفرعات هذه المسألة فهو أنّه لم تكن الكفارة لأجل إفطار الصوم حتى يقال : إنّه لم يكن صائما حتى تجب الكفارة عليه ، بل يكون وجوب الكفارة على من أفطر بين الفجر والغروب من شهر رمضان فكلّ من أفطر في هذا الزمان متعمّدا تجب عليه الكفارة خرج من هذا الحكم من كان مسافرا فعلا ، فمن كان مسافرا لم تجب عليه الكفارة والباقي تجب عليه الكفارة ، فمن قصد السفر لم يخرج من حكم وجوب الكفارة ، وما قلنا يكون متعددا من أخبار الباب فالمستفاد من أخبار الباب هو وجوب الكفارة على المفطر في يوم شهر رمضان إلّا من كان متلبّسا بالسفر لا أنّ وجوب الكفارة يكون متفرّعا على إفطار الصوم حتى يقال : إنّه مع العلم بالسفر كيف يمكن هذا الحكم؟ هذا تمام الكلام في هذا الفصل ، فافهم واغتنم.

٢٧٥

فصل

هل يكون متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبيعة أو الأفراد؟

هل يكون متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبيعة أو الأفراد؟

لا إشكال في أنّ الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي لم تكن قابلة لأنّ يكون متعلّق الأمر أو النهي وأيضا لا إشكال في أنّ الفرد بما هو فرد للطبيعة يكون متعلّق الأمر والنهي ، ففرديته للطبيعة مورد الأمر أو النهي فيكون لوازمه خارجة عنه ، حيث إنّ الصلاة إذا صارت مأمورا بها ونقول بأنّ متعلّق الأوامر والنواهي هو الأفراد يكون معناه أنّ كلّ ما يكون فردا للصلاة يكون موردا للأمر والنهي ، فالصلاة في المسجد أو في السوق أو في المنزل مثلا يتعلّق بها الأمر لكن بما هي فرد وحصة للصلاة وأنّ غرض الآمر هو إتيان الصلاة ، فكونها في المسجد أو في السوق أو في المنزل التي يكون من لوازم الصلاة لم يتعلّق بها الأمر ، حيث إنّ هذه اللوازم وأمثالها لم يكن لها دخل في غرض المولى.

والحاصل أنّ لوازم الفرد لا يفهم كونها تحت الأمر لا من المادة ولا من الهيئة ، حيث إنّ المادة وهي الصلاة لا يستفاد منها إلّا نفس الصلاة ، ولم يكن لها دلالة على اللوازم ، وأمّا الهيئة أيضا لا يستفاد منها إلّا ايجاد المادة في الخارج ، فلا تقع اللوازم موردا لغرض المولى ، ولا يستفاد من المادة والهيئة دخل اللوازم فى الغرض ففى محلّ

٢٧٦

النزاع يلزم حفظ الأمرين.

الأوّل : أنّ الطبيعة ولو كانت متعلّقة للأوامر والنواهي لم تكن الطبيعة بما هي متعلّق الأمر والنهي.

الثاني : أنّ الفرد ولو كان متعلّق الأوامر والنواهي لكن ليس اللوازم دخيلة فيه لعدم دخل اللوازم في الغرض ، فلا بدّ في محلّ النزاع من حفظ الأمرين المتقدمين ، ومع حفظ الأمرين قد يتوهّم أنّه لا مجال للنزاع ، حيث إنّه على هذا لا فرق في كون متعلّق الأوامر والنواهي هي الطبيعة أو الأفراد ، حيث إنّ الطبيعة بما هي موجودة يكون متعلّق الأمر والنهي وخصوصيات الفرد ولوازمه أيضا لم تكن مورد الغرض ، ففي كلّ من الطبيعة والفرد يكون الوجود الخارجي مورد الأمر والنهي فلا وقع للنزاع.

ولكن لا يخفى عليك أنّه مع هذا يمكن تصوير النزاع أمّا على القول بأصالة الماهية وأنّ ما هو المتحقّق في الخارج هي الماهية يمكن تصوير النزاع ، لأنّه على كون الأصل هي الماهية يكون الوجود اعتباريا. فعلى هذا نقول تارة تكون الماهية باعتبار انتزاع جامع الوجود عنها متعلّق الأوامر والنواهي ، وتارة تكون الماهية باعتبار انتزاع الوجودات الخاصة عنها متعلّق الأمر والنهي ، فمن يقول بأنّ متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبيعة يقول بأنّ الماهية باعتبار انتزاع جامع الوجود عنها تصير متعلقة للأمر والنهي ، ومن يقول بأنّ متعلّق الأمر والنهي هو الأفراد يقول بأنّ الماهية باعتبار انتزاع الوجودات الخاصة يكون متعلّق الأمر والنهي ، فعلى هذا تصوير النزاع على القول بأصالة الماهية ممكن.

وأمّا على القول بأصالة الوجود وأنّ المتحقّق في الخارج هو الوجود وكون الماهية أمرا اعتباريا يقع الإشكال في تصوير النزاع ، حيث إنّه على القول بأصالة الوجود وما هو المتحقّق في الخارج ليس إلّا الوجودات الخاصة ، ولا يمكن تصوير الجامع

٢٧٧

بينها حتى نقول بأنّه على القول بالطبيعة يكون متعلّق الأمر والنهي جامع الوجود ، وعلى القول بكون متعلّق الأمر والنهي هو الفرد وتكون الوجودات الخاصّة متعلّق الأمر والنهي ، بل على كلّ تقدير لا يكون في الخارج إلّا الوجود.

فإن كان متعلّق الأمر والنهي هي الطبيعة والمراد من الطبيعة هي الطبيعة بلحاظ وجودها في الخارج ، حيث إنّ الطبيعة بما هي ليست إلّا هي لا موجودة ولا معدومة لا يكون في الخارج إلّا الفرد وعلى القول تكون متعلّق الأمر والنهي هو الفرد والمراد منه كما قلنا هو ما يكون فردا للطبيعة وبما هو حصة للطبيعة لا لوازمه لا يكون في الخارج إلّا الفرد أيضا فلا يبقى فرق بين القولين فلا يمكن تصوير النزاع.

وما قاله المحقّق الخراساني من إمكان تصوير كون متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبيعة على القول بأصالة الوجود بأنّه يقول ولو على القول بأصالة الوجود لم يكن في الخارج إلّا وجودات خاصّة ولم يكن بينها جامع إلّا أنّه تارة لاحظ الآمر الماهيّة ، والوجود يستفاد من الماهيّة ، فعلى هذا يكون فى هذا القسم متعلّق الامر والنهي هو الطبيعة. وبعد ما كان الوجود يستفاد من الماهيّة يرتفع اشكال أنّه ليس في الخارج إلّا وجودات خاصّة ، حيث إنّه ولو كان في الخارج كذلك إلّا أنّه مع هذا يكون متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة ، حيث إنّ الملحوظ هو الماهية والوجود مستفاد من الماهيّة ، وتدل الماهيّة على انشاء وجود الطبيعة. فعلى هذا يمكن أن تتصوّر الطبيعة مع كون الموجود في الخارج هو الأفراد ، فعلى القول بأصالة الوجود يمكن تصوير تعلّق الأمر والنهي بالطبيعة ، حيث إنّه ما يكون مأخوذا في المادة هو الطبيعة والوجود يستفاد من الهيئة.

ليس بسديد ، حيث إنّه ليس الكلام ومحلّ النزاع في الأوامر والنواهي بل النزاع يكون حقيقة في الطلب ، وأنّ متعلّق الطلب هو الطبيعة أو الأفراد ، فعلى هذا ما قاله من أنّ الوجود مأخوذ في الطلب ومستفاد منه لم يكن في محلّه حيث إنّ الطبيعة لا بدّ

٢٧٨

أن تكون متعلقة للطلب والنزاع يكون في أنّه هل يكون متعلّق الطلب هو الطبيعة أو الأفراد؟ فالطبيعة لو أخذت في المادة وتكون قبل الهيئة التي يستفاد منها الطلب كيف يمكن أن تكون متعلّقة للطلب ، فالوجود لو أخذ في الهيئة استفاد من الطلب فكيف يمكن أن يستفاد بالطلب؟!

نعم لو كان كلامه راجعا الى أنّ متعلّق الأمر يكون الطبيعة مع قطع النظر عن الطلب يكون خارجا عن محلّ الكلام ، حيث إنّ محل الكلام يكون في الطلب ، وحيث إنّ الطلب يكون بالأمر والنهي عنونوا النزاع بأنّه هل يكون متعلّق الأمر والنهي هو الفرد أو الطبيعة؟

واعلم أنّه يمكن تصوير النزاع مع القول بأصالة الوجود أيضا بأنه يقال : ولو أنّ على القول بأصالة الوجود يكون المتحقّق في الخارج هو الأفراد ولم يكن جامع بينها إلّا أنّه تارة يتصوّر الآمر الأفراد المتحقّقة في الخارج ويصير موردا لحكمه نفس الأفراد ، وتارة يلاحظ الأفراد لكن ملاحظته الأفراد يكون مرآة للجامع ، غاية الأمر حيث إنّه لم يكن جامع بين الأفراد حتى يحكم به يحكم بالفرد ويكون الفرد مورد حكمه لكن مرآة للجامع.

ويمكن تصوير هذا فإنّه يمكن أن يتصوّر الأفراد بما هو فرد ووجود الفرد يكون متعلّق غرضه تارة ويمكن أن يتصوّر جامعا بين الأفراد ، وبملاحظة الجامع يحكم بالفرد ويصير الفرد موردا لغرضه تارة اخرى ، ففي كلّ من القسمين يكون الحكم بالفرد ، غاية الأمر يكون الحكم بالفرد على القول بكون الفرد متعلّق الأمر والنهي استقلاليا ، وبما هو فرد لا بما هو مرآة للجامع ويكون الحكم بالفرد على القول بكون متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة مرآتيا ، وبملاحظة الجامع فإنّه لو كان جامع في البين يكون متعلّق حكمه هو الجامع ، وحيث إنّه لم يكن جامع بين الوجودات يكون الفرد متعلّقا لحكمه بلحاظ الجامع ومرآة له ، فافهم.

٢٧٩

وممّا قلنا ظهر لك أنّ متعلق الأوامر والنواهي هو الطبيعة ، حيث إنّ ما يكون موردا لغرض الآمر هو الطبيعة ولا يكون خصوصيات الأفراد موردا لغرضه ولا يكون الفرد مع قطع النظر عن لوازمه الخارجية أيضا موردا لغرضه ، فحيث إنّ غرض المولى يكون متعلّقا بصرف وجود الطبيعة ، مثلا من تعلّق غرضه بشرب الماء لا يكون متعلّق غرضه إلّا طبيعة الماء ولم يكن الماء الذي كان في الكوز أو في القدح أو غيرهما موردا لغرضه ، فبعد عدم تعلّق غرضه بهذه الأفراد كيف تصير الأفراد متعلقا لأمره أو نهيه؟!

٢٨٠