المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

أعني يكون ممّا لم يمضه الله تعالى يكون النكاح فاسدا أو المعاملة فاسدة ، وأمّا إذا لم يكن كذلك بل يكون عصيان الله تعالى بالعصيان التكليفي فلا يوجب الفساد. ولا يخفى عليك أنّ ما قاله المحقّق الخراساني وكذا ما قاله الشيخ رحمه‌الله في محلّه ومن فهم هذه الرواية يعرف فهم سائر الروايات التي تكون في هذا الباب.

ولكن للنائيني رحمه‌الله كما قال مقرّره هنا كلام لا بأس بالاشارة اليه مع ما فيه من الخدشة ، أمّا كلامه فقال أوّلا كلام الشيخ تقريبا كما قلنا ثم قال : إنّ حمل العصيان في (لم يعص الله) على العصيان الوضعي وحمل العصيان في (عصى سيده) على الحرمة التكليفية يكون خلاف الظاهر ، بل في كلّ منهما يكون العصيان عصيان تكليفي. غاية الأمر يتوهّم إشكال آخر وهو أنّه عصيان الله تعالى يتحقّق بعصيان السيد أيضا فكيف يقول بالصحّة اذا أجاز السيد مع أنّه عصى الله تعالى بعصيان تكليفي؟

ولكن لا مجال لهذا التوهّم لأنّ الشارع جعل حقّا للمولى على العبد وأمره بالإطاعة وعدم المخالفة وأنّ مقتضى العبودية الإطاعة وعدم المخالفة المجعولين من قبل الله تعالى هو أنّ لا يتصرّف العبد في شيء بدون إذن سيده ، فمعنى أنّ تصرفاته تكون معصية لله تعالى تكون باعتبار حق المولوية التي جعلها الله تعالى ، فليس في مورد عصيان السيد زائدا على عصيان السيد عصيانا لله تعالى بحيث يكون معاقبا من قبل الله تعالى على مثل هذه التصرفات ويكون حاصل كلامه أنّ الله جعل حقّا للمولى على العبد والزم اطاعة العبد للمولى وهو أمر آخر غير مرتبط بالتصرفات ، فالتصرفات لم تكن عصيانا لله تعالى ولم تكن زائد على عصيان السيد عصيان لجنابه ، وأنّ الإطاعة موضوع آخر غير هذه التصرفات فلو فرض أنّه لم يكن في العالم تصرف أصلا يكون موضوع العبادة محفوظا.

ولكن لا يخفى عليك فساد هذا الكلام حيث إنّ ما قاله من أنّ التصرفات لم تكن عصيانا لله ؛ لأنّه لم تكن التصرفات مورد أمر الشارع أو نهيه ، بل ما أوجب الشارع

٣٦١

ليس إلّا إطاعة المولى وأنّ في الحقيقة جعل حقّا للمولى على العبد وهو أمر آخر غير التصرفات ، فليس في محلّه.

ضرورة أنّه يلزم على ما قاله أنّه إذا نهى السيد عن عبادة تقع صحيحة ، حيث إنّ هذه العبادة لم تكن فرد العبادة ومصداقها ، مثلا إذا نهى السيد أو الأب عن الصوم المستحب عبده أو ابنه فلا إشكال في بطلان الصوم ، والحال أنّه مع ما ذهب اليه هذا القائل لا يلزم البطلان وكان صحيحا ؛ لأنّ هذا لم يكن مورد نهي الشارع ولا يمكن الالتزام بالصحّة في الصوم المنهي عنه السيد وكذا في سائر العبادات.

فمن هنا نكشف أنّ الإطاعة تكون فرد هذه التصرفات ولا يكون شيء آخر ما عداها وأنّ الإطاعة أو العصيان تكونان فردي هذه التصرفات ، فإنّ أمر المولى بشيء وأتى العبد به أطاع المولى وإن خالف عصى السيد ، وإذا عصى السيد عصى الله تعالى ، وإن نهى السيد عن شيء ولم ينته العبد عصى السيد ، وإذا عصى السيد عصى الله تعالى ، فالإطاعة ليست أمرا سوى هذا التصرف ، وواضح أنّ التصرف فرد الإطاعة والعصيان ، فاذا وقعت التصرفات على وفق مراد السيد أطاع العبد سيده وإن وقع على خلاف مراد السيد عصى العبد سيده ، فظهر لك فساد ما قاله.

ثم إنّه لا يخفى عليك أنّ أبا حنيفة وبعض آخر قالوا بدلالة النهي على الصحّة وأنّ النهي إذا تعلّق بمعاملة أو عبادة يوجب صحّة العبادة أو المعاملة واستدلّوا على ذلك بأنّه تعتبر القدرة في التكليف ، فإذا كانت العبادة بنحو إذا وقعت وقعت فاسدة ، وكذا المعاملة اذا وقعت ، وقعت فاسدة فلم تكن للمكلف قدرة حتى يتوجه اليه النهي ، فلا بدّ من وقوعهما صحيحة حتى يكون المكلّف قادرا ، لأنّه يصير قادرا إذا كان قادرا على إتيان العبادة أو المعاملة صحيحة أو فاسدة ، وأمّا إذا لم يكن قادرا بإتيانها صحيحة فلم يكن له القدرة فلا يمكن توجه النهي اليه. فعلى هذا لو كان قادرا على اتيانهما صحيحة وتقع صحيحة فيوجب تعلّق النهي بالصحة فعلى هذا مع

٣٦٢

أنّ تعلّق النهي لا يوجب الفساد يكون موجبا للصحّة بهذا البيان.

واستدلّ أيضا أبو حنيفة لمدّعاه بأنّه بعد ما كانت ألفاظ العبادات والمعاملات موضوعة للصحيحة فإذا تعلّق النهي بهما لا بدّ أن يتعلّق بالعبادة والمعاملة الصحيحة ، فإذا يوجب تعلّق النهي بهما الصحّة ، فافهم.

قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله : إنّ هذا الكلام لا يصحّ إذا تعلّق النهي بالمعاملة وكان النهي عن السبب ، لأنّه يكون قادرا على السبب ، غاية الأمر لم يكن صحيحا ، وأمّا إذا تعلّق النهي بالتسبب أو بالمسبّب فيكون كلامه في محلّه ، حيث إنّه يعتبر القدرة ولا يكون قادرا على التسبيب ، إلّا إذا كان وقع صحيحا وكذا في طرف المسبب ، فإذا نهى عنه فإن لم يكن وقوعه صحيحا فلا يمكن توجّه النهي حيث لم يكن قادرا ، وأمّا في العبادات ففي العبادات الذاتية يكون مقدورا ولو بعد تعلّق النهي ، كما إذا كان مأمورا به.

وأمّا في سائر العبادات التي تكون عباديتها لأجل قصد القربة فأيضا يكون كلام أبى حنيفة في محلّه ، لأنّه لم يكن قادرا على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي ولو بعنوان واحد ، ولا يمكن الالتزام به. ولكن قلنا في صدر البحث : إنّ العبادة هي التي لو كان مأمورا بها تكون محتاجة الى قصد القربة ، وبهذا المعنى تكون مقدورة حيث إنّه بعد تعلّق النهي يكون قادرا عليه مع قطع النظر عن قصد القربة.

ولكن ما يقتضيه التحقيق هو أن يقال : أمّا الجواب عن استدلاله الأوّل فنقول : إنّ القدرة التي تكون معتبرة في العبادات والمعاملات هي القدرة العرفية بأن يقول العرف : يكون الشخص قادرا ، وأمّا زائدا على ذلك فلا يلزم ولا إشكال في أنّه بعد تعلق النهي يصدق عرفا أنّه يكون قادرا ، مثلا إذا نهى عن الصوم يقول العرف بكونه قادرا على وجود الصوم وعدم وجوده ، وكذا إذا نهى من البيع في وقت النداء يصدق أيضا عرفا أنّه يكون قادرا من البيع وعدمه. فعلى هذا لا يلزم بمقتضى هذا

٣٦٣

التوهّم صحّة العبادة والمعاملة إذا تعلّق بهما النهي.

وأمّا الجواب عن استدلاله الثاني فتارة نقول بأنّ الألفاظ موضوعة للأعم كما التزم به بعض فلا مجال لهذا الإشكال ، لأنّه تعلّق النهي بالمعاملة الأعمّ من الصحيحة والفاسدة ، أمّا لو قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للصحيحة فأيضا لا مجال لهذا التوهّم ، لما قلنا في الصحيح والأعمّ أنّ الصحّة تطلق على الصحّة في مقام التسمية ، وكذا يطلق في الصحّة في مقام الامتثال ، أمّا الصحّة بالمعنى الأوّل فيمكن أخذها في الأمر والنهي ، فتعلّق الأمر أو النهي مثلا بالصلاة الصحيحة في مقام التسمية. وأمّا الصحّة بالمعنى الثاني فلا يمكن أخذها في الأمر والنهي ، والصحّة التي تكون هنا محلّ النزاع تكون الصحّة في مقام الامتثال ، ولا يمكن أخذها في الطلب ، فما قاله من أنّ النهي تعلّق بالعبادة أو المعاملة الصحيحة تكون الصحّة بالمعنى الأوّل ، وهذه الصحّة لم تكن ملازمة مع الصحّة في مقام الامتثال ، فلا يوجب تعلّق النهي بالصحّة كما توهّمه. هذا آخر كلامنا في النواهي فتأمّل فيها ، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

٣٦٤

المقصد الثالث

في المفاهيم

٣٦٥
٣٦٦

في المفاهيم

مقدمة : في تعريف المفهوم :

قد عرّف المفهوم بتعاريف كثيرة ولا يهم التعرّض لها حيث إنّ ذكرها بلا فائدة ولم يكن في المقام مصاديق مشتبهة حتى يحتاج الى التعريف كي تدخل هذه المصاديق أو تخرج ، ولكن لا بأس بتعريفه حتى يكون مشيرا اليه لا أنّه يكون حدّا أو رسما فهو يكفي أن يقال ان المنطوق ما دلّ على شيء في محلّ النطق والمفهوم ما دلّ على شيء في غير محلّ النطق.

فصل

ممّا قيل بأنّ له مفهوم ، هي الجملة الشرطية

ممّا قيل بأنّ له مفهوم ، هي الجملة الشرطية ، واعلم أوّلا يكون النزاع في أنّ الجملة الشرطية يكون لها المفهوم أم لا ، ولا يكون النزاع في أنّ مفهوم الشرط حجّة أم لا كما هو ظاهر تعبيراتهم ، لأنّه لا إشكال في أنّه إن كان للقضية الشرطية مفهوم يكون حجّة بلا ترديد ، حيث إنّ المفهوم يستفاد من ظاهر لفظ الجملة الشرطية ولقد فرغنا عن كون ظاهر الألفاظ حجّة وثبت في محلّه أنّ ظاهر الألفاظ يكون حجّة فلو

٣٦٧

فرض كون المفهوم للجملة الشرطية فلا إشكال في حجّيته. فإذا لا يخفى عليك أنّ النزاع في أنّه هل يكون مفهوم للجملة الشرطيّة أم لا؟ فالتعبير بأنّ مفهوم الشرط حجّة أم لا ، يكون من باب المسامحة كما قالوا في باب جواز اجتماع الأمر والنهي أنّ الاجتماع جائز أم لا ، والحال أنّ النزاع يكون في أنّه هل يلزم الاجتماع أم لا؟ وإلّا لو .. يلزم الاجتماع لا إشكال في الاستحالة.

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه تارة يقال بما قيل بعض في الأزمنة السابقة : إنّ أداة الشرط موضوعة للانتفاء عند الانتفاء فلا بدّ من القول بأنّ للجملة الشرطية يكون المفهوم ، ولا يمكن الالتزام بذلك حيث إنّه لم يكن هذا متبادرا من أداة الشرط ، وقد استعمل حرف الشرط كثيرا ما ولا يستفاد منه الانتفاء عند الانتفاء ، ولا يمكن حمله في هذه الموارد على المعنى المجازي وأنّ هذه الاستعمالات تكون مجازا ، فبعد صرف النظر من ذلك القول فلا بدّ من استفادة المفهوم من ثلاثة أشياء.

الأوّل : أن لا يكون ترتّب الجزاء على الشرط من باب الاتفاق ، بل يكون من باب اللزوم.

الثاني : أن لا يكون الترتّب بنحو العلية.

الثالث : أن يكون ترتّب الجزاء على الشرط بنحو العلّة المنحصرة.

فإذا تمّت هذه المقدمات يمكن أن يكون للجملة الشرطية مفهوم وإلّا مع فقد احدى هذه المقدمات لا يمكن القول بالمفهوم.

فنقول : أمّا أنّ الترتّب يكون بنحو اللزوم لا من باب الاتفاق فلا إشكال فيه ، ويمكن دعوى أنّ بالوضع تكون أداة الشرط موضوعة للترتّب بنحو اللزوم ، وإلّا لكان كالحجر في جنب الإنسان ، فذكره يكون لغوا. وأمّا أنّ الترتّب يكون بنحو العلية فإن لم يكن بالوضع إلّا أنّه يمكن استفادة الترتّب بنحو العلية من سياق القضية ، حيث إنّه ترتب مثلا في مثل (إن جاءك زيد فأكرمه) وجوب الإكرام على

٣٦٨

مجيء زيد فلا بدّ إمّا أن يكون الشرط علّة للجزاء وإمّا أن يكون الشرط والجزاء معلولين لعلّة ثالثة ، وإمّا أن يكون بينهما التلازم.

لا إشكال في أنّه على النحوين الأخيرين يكون خلاف الظاهر ، وأمّا أنّ الترتّب يكون بنحو العلّة المنحصرة فلم يكن عليه دليل. ودعوى التبادر وأنّ المتبادر من العلّة أنّ تكون علة منحصرة فليس في محلّه ، حيث إنّ العلّة المنحصرة لم تكن متبادرة. وما قاله بعض من أنّ العلّة المنحصرة حيث كانت أكمل الأفراد فيجب الحمل عليها فأيضا ليس في محلّه.

أمّا أوّلا : فلعدم كونه أكمل الأفراد ، وثانيا : أنّه لا نسلّم أن يكون اللزوم بين الشرط والجزاء بنحو العلّة المنحصرة أكمل ، فإنّ الانحصار لا يوجب ان يكون الربط الخاصّ الذي يكون بين الشرط والجزاء أكمل وآكد وأقوى فيما قلنا.

فظهر لك أنّ الترتّب بالوضع لا يكون بنحو العلّة المنحصرة حتى يستفاد المفهوم منه.

وقد يتمسّك لإثبات كون المفهوم للجملة الشرطية بمقدمات الحكمة ، فتارة تجري مقدمات الحكمة في العلية وتارة في الشرط ، وجريانها في الشرط بنحوين ، أمّا بيان جريان مقدمات الحكمة في العلية فهو أن يقال : معنى أنّ الشرط يكون علّة للجزاء هو أن تكون علّيته مطلقا قدمتها علّة أم لا ، لاحقتها علّة أم لا ، قارنتها علّة أم لا ، حيث إنّ كلّا منها تكون محتاجة الى البيان ، وحيث إنّ المتكلّم لم يبيّن شيئا ، فبمعونة مقدّمات الحكمة يثبت أنّ العلية منحصرة بها ، فإذا كانت العلّة منحصرة بها فمع فقد العلّة ينتفي المعلول.

والجواب عنه أنّه لا يمكن جريان مقدمات الحكمة في المقام ، حيث إنّ العلّية تكون مفاد الحرف ولا يكاد يمكن جريان مقدمات الحكمة في ما هو مفاد الحرف وإلّا لمّا كان معنا حرفيا. وكذلك أجاب المحقّق الخراساني رحمه‌الله في الكفاية عن جريان

٣٦٩

مقدمات الحكمة في العلّية ، وقد أشكل عليه بأنّ مفاد ذلك هو جريان مقدمات الحكمة في الهيئة ، والحال أنّ الهيئة تكون معنا حرفيا فلم تقول هنا أن لا يمكن جريان مقدمات الحكمة فيما هو مفاد الحرف.

ولكن لا يخفى عليك فرق ما نحن فيه مع غيره ، حيث إنّ ما قال من جريان مقدمات الحكمة في الهيئة يكون في محلّه ، حيث إنّ المتكلّم يكون في مقام بيان الوجوب ، وإذا كان في مقام بيان الوجوب يمكن جريان مقدمات الإطلاق ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، حيث إنّه في المقام لم يكن في صدد بيان العلية وكان هذا مغفولا عنه ، فإذا كان مغفولا عنه ولم يكن المتكلّم في صدد بيانه فلا يمكن جريان مقدمات الحكمة. فظهر لك الفرق بين ما نحن فيه وغيره.

أمّا جريان مقدمات الحكمة في الشرط فيمكن تقريبه ببيانين كما قال أيضا المحقّق الخراساني وأجاب عنه : أمّا البيان الأوّل فهو أن يقال بإطلاق الشرط ، لأنّه لو لم يكن الشرط منحصر يلزم تقييده ضرورة أنّه لو قارنه شرط أو سبقه شرط آخر لما أثر وحده وقضية اطلاق الشرط هي أن يكون مطلقا مؤثرا وان يكون المؤثّر مطلقا هذا الشرط.

والجواب عنه هو أن يقال : إن كان المتكلّم في مقام بيان ما هو شرط في القضية فيمكن دعوى جريان مقدمات الحكمة ، ولا إشكال في أنّ المتكلّم لا يكون في هذا المقام بصدد بيان الشرط ، بل يكون مثلا في مثال (إن جاءك زيد فأكرمه) في مقام بيان وجوب إكرام زيد عند مجيئه ، فإذا لم يكن في مقام بيان الشرط لا يمكن جريان مقدمات الحكمة ، لأنّه يشرط في جريان مقدمات الحكمة كون المتكلم في مقام البيان.

التقريب الثاني لجريان مقدمات الحكمة في الشرط أن يقال : مقتضى إطلاق الشرط هو تعيّنه كما أنّ مقتضى إطلاق الوجوب هو تعيّنه ، والفرق بين هذا التقريب والتقريب الأوّل للشرط معلوم ، حيث إنّ في التقريب الأوّل قالوا بأنّه لو لم يكن

٣٧٠

الشرط بمنحصر يلزم تقييده ، ضرورة أنّه لو قارنه شرط أو سبقه شرط لما كان الشرط وحده مؤثّرا ، فحيث إنّه لم يقيّد يكشف أنّ الشرط وحده يكون مؤثّرا.

وأمّا في التقريب الثاني يقال : لو كان فرد آخر أيضا شرطا وكون الحكم معلّقا عليهما تخييرا مثل الواجب التخييري لا بدّ من البيان ، لأنّه لم يكن المشروط مطلقا معلّقا على هذا الشرط ، بل يكون معلّقا به وبغيره ، ويكون التخيير بينهما. فمن عدم بيان شرط آخر يكشف أنّ هذا الشرط يكون مطلقا مؤثّرا في المشروط لا أنّه يكون له بدل فيكون المؤثّر تارة هذا الشرط وتارة بدله كما يكون كذلك في الواجب التخييري ، ففي مورد الكفارة يلزم إمّا عتق الرقبة أو إطعام عشرة مساكين مثلا ، فعتق الرقبة لم يكن مطلقا مورد الحكم ، بل في صورة عدم إطعام عشرة مساكين يكون واجبا وكذا بدله.

وأجاب عن هذا التقريب المحقّق الخراساني رحمه‌الله وقال : ليس المورد كالوجوب ففي الواجب حيث إنّ التعيين لا يكون في عرض التخيير ، بل يكون التخيير محتاجا الى البيان وفيما نحن فيه لم يكن كذلك ، بل كلّ من العلّة المنحصرة وعدمها يكون في عرض واحد ، فكلّ منهما يحتاج الى البيان.

وهذا الجواب أيضا يكون صحيحا ، فظهر لك أنّ بهذه البيانات لم يثبت أنّ للجملة الشرطية يكون مفهوما.

وقد تصدّى بعض لإثبات المطلوب وجريان مقدمات الحكمة في الشرط بتقريب آخر وهو أن يقال : إنّ الشرط المأخوذ في القضية إمّا أن يكون ممّا يتوقّف عليه الجزاء عقلا ، وإمّا أن لا يكون كذلك ، فإن كان الشرط ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلا فيترتّب الجزاء على الشرط يكون قهريا ولا بدّ منه فلا يكون للقضية مفهوم كما في قولنا : (إن رزقت ولدا فاختنه) فيكون الشرط في مقام تحقّق الموضوع وإن لم يكن الشرط المأخوذ في القضية الذي يتوقّف عليه الجزاء عقليا ، فحيث إنّ توقّف الحكم

٣٧١

على الجزاء لم يكن عقليا فلا محالة يكون الشرط إمّا مطلقا بالنسبة الى الجزاء وإمّا مقيّدا. والمفروض أنّ الشارع رتّب الحكم على الشرط فيكون الحكم مقيّدا بالشرط ، وحينئذ فحيث إنّ المتكلم يكون في مقام البيان وقد قيّد الحكم مطلقا بالقيد الواحد غير مقيّد بشىء آخر بالعطف حتى يكون القيد هو المركب منه ومن غيره فيكشف من ذلك أن القيد هو خصوص القيد المذكور في القضية الشرطية فقط.

ولا يخفى عليك فساد هذا الكلام ، لأنّه لو كان هذا القائل يجري مقدمات الحكمة في القيد مع قطع النظر عن علّيته فلا بدّ أن يلتزم بالمفهوم في مفهوم اللقب وغيره وأن يجري مقدمات الحكمة في القيد مع علّته ، فالكلام هو الكلام الذي قلنا في جريان مقدمات الحكمة في العلّية وأنّه لا يمكن.

ولكن نقول : تقريب استفادة المفهوم من الجملة الشرطية وهو بيان حسن لا يخفى عليك أنّ كلّما قيّد شيء بشيء يكون معناه مدخلية القيد فيه وأنّه لو طلب شيئا وقيّده بقيد يلزم إتيانه في ظرف حصول قيده ، ومع عدم حصول قيده لا يلزم الإتيان به ، وهذا ممّا لا شبهة فيه ولأجل هذا لو باع شخص شيئا مقيّدا بالقيد الفلاني يلزم عليه تسليمه مع هذا القيد ، وأنّه أيضا لا إشكال في أنّ اشتراط حكم بقيد يكون معناه أنّ الحكم مقيّد به ، ولذا لم يشكل أحد في أنّه في القضية الشرطية ينتفي شخص الحكم بانتفاء شرطه ، مثلا لو قال : (إن جاءك زيد فأكرمه) فلا إشكال في عدم وجوب شخص هذا الإكرام عند عدم مجيء زيد ، وهذا ليس إلّا من جهة أنّ الحكم يكون مقيّدا به ، فإذا لا مجال للإشكال في أنّ مدخلية القيد في حكم يقيّد الحكم به ، وهذا ممّا لا سترة فيه. فاذا في ما نحن فيه لا إشكال في المفهوم ، حيث إنّه بعد ما نقول لك بعدا : إنّ المفهوم يكون انتفاء سنخ الحكم فيكون سنخ الحكم مقيّدا بالشرط فلا يخفى عليك أنّه لا ينبغي النزاع في أنّ تقييد شيء بشيء آخر يصير الشيء المقيّد مقيّدا ، وإلّا لا معنى لتقييده ، غاية الأمر ينبغي النزاع في أنّ المفهوم هو

٣٧٢

انتفاء شخص الحكم أو انتفاء سنخ الحكم ولكن لو ثبت أنّ المفهوم

هو انتفاء سنخ الحكم فلا يبقى المجال للإشكال في ثبوت المفهوم ، وهذا واضح لا ريب فيه.

ونقول لوضوح المطلب أيضا : إنّه لا إشكال في أنّه معنى كون شيء قيدا لشيء آخر هو أنّه ينتفي بانتفائه ، فإذا قيّد شيء بشيء يكون ظاهره مدخلية هذا القيد فيه ، وبعد كونه قيدا يصير مطلوبا في ظرف هذا القيد ، ولا يكون مطلوبا مع عدم القيد ، وهذا في القضايا الشخصية المقيّدة ممّا لا إشكال فيه.

فظهر لك أنّه إذا كان شيء قيدا لشيء بانتفائه ينتفي المقيّد ، غاية الأمر يلزم في الجملة الشرطية ثبوت أنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم أو انتفاء شخص الحكم ، فإن قلنا بأنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم فلا إشكال في المفهوم ، لما قلنا حيث إنّ سنخ الحكم مقيّد بهذا القيد.

فنقول لبيان أنّ المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم أو شخص الحكم ببيانين :

الأوّل : ما يظهر من كلمات الشيخ الأنصاري رحمه‌الله قال ان نسبة الحكم الى الموضوع يكون كنسبة المعلول الى علّته ، فلا إشكال في أنّ الحكم محتاج الى الموضوع فتوقف الحكم على موضوعه ممّا لا إشكال فيه ، ففي القضايا الشرطية لو كان الحكم مقيّدا بموضوعه فقط ولا يحتاج بذكر شرط آخر فمعلوم أنّ الشرط في القضية يكون له مدخلية في الحكم ، وإلّا فلا وجه لذكره وواضح أنّ الحكم مع احتياجه لموضوعه محتاج ومقيّد بشيء آخر وهو الشرط ، وإلّا لا معنى لذكره ، فإذا كان الحكم مقيّدا فينتفي بانتفائه فالموضوع يكون مقيّدا بالشرط هذا بيان الشيخ عليه الرحمة.

وأمّا البيان الآخر لكون المفهوم هو انتفاء السنخ وهو بيان أمتن هو أن نقول لا إشكال في ان الحكم يكون سعة وضيقا تابع للموضوع ، فإن كان الموضوع ضيّقا كان الحكم أيضا ضيّقا ، وإن كان للموضوع سعة فكان للحكم أيضا سعة ، مثلا إذا

٣٧٣

قال : (أكرم زيدا) فإن كان زيد بلا قيد ولم يكن مقيّدا زيد بالجائي أو غيره يكون الحكم أيضا بلا قيد ومطلقا ، فالموضوع إن كان مطلقا يكون الحكم أيضا مطلقا.

وإن كان الموضوع مقيّدا يكون الحكم أيضا مقيّدا ، فكلّما يكون قيد للموضوع يكون الحكم أيضا مقيّدا به ، مثلا إذا كان إكرام زيد الجائي واجبا يكون الحكم في ظرف مجيئه ، وإذا قال (أكرم زيدا) ويكون الموضوع مطلقا يكون حكم الإكرام أيضا مطلقا فكلّ شيء يكون قيدا للموضوع يصير سببا لتقييد الموضوع ، والحكم وكلّ شيء يكون قيدا للحكم لا يصير سببا إلّا لتقييد الحكم.

ولا يخفى عليك أنّه بعد ما قلنا في الواجب المشروط أنّ الشرط يكون راجعا الى الهيئة بمعنى أنّ الحكم يكون مقيّدا ، ففي المقام نقول : إنّ الموضوع يكون مطلقا والحكم بعد ما كان سعة وضيقا تابعا لموضوعه يكون مطلقا والقيد يكون قيدا للحكم ، فالحكم المطلق يكون مقيّدا بالقيد ، فإذا قال (ان جاءك زيد فأكرمه) فزيد وهو الموضوع في القضية يكون مطلقا ؛ لأنّ القيد لم يكن راجعا إليه فالحكم أيضا وهو الإكرام يكون مطلقا ، لأنّ موضوعه يكون مطلقا فالقيد في القضية وهو المجيء يكون قيدا للحكم المطلق ، حيث إنّ القيد يكون للحكم ، والمفروض أنّ الحكم أيضا مطلق ؛ لأنّ موضوعه يكون مطلقا ، فبعد كون الحكم مطلقا يكون القيد لهذا الحكم المطلق ، فالحكم المطلق يكون مقيّدا لمجيء ، وهذا هو معنى السنخ ، لأنّ مطلق الحكم إذا كان مقيّدا بهذا القيد يكون سنخ الحكم مقيّدا بالقيد ، فإذا لم يكن هذا القيد لم يكن سنخ الحكم وهذا واضح.

فكلّ مورد يكون القيد قيدا للحكم يجري هذا الكلام ، فبمجرد كون الحكم مقيّدا يستفاد المفهوم ؛ لأنّ ظهور القيد للقيدية ممّا لا إشكال فيه ، فإذا كان القيد للحكم فحيث إنّ الحكم مطلق يكون القيد للحكم المطلق فنقول بهذا في مفهوم الغاية أيضا إذا كان غاية للحكم ، لأنّه بعد ما كانت الغاية غاية للحكم وكون ذكر الغاية يكون

٣٧٤

لأجل دخل فيه والمفروض أنّ الحكم مطلق لأجل إطلاق موضوعه ، والغاية أيضا تكون غاية للحكم فيظهر من كلّ ذلك أنّ الغاية تكون غاية للحكم المطلق فينتفي سنخ الحكم بانتفاء الغاية ، وأمّا إذا كانت الغاية غاية للموضوع فلا يجري هذا الكلام لإمكان أن يكون الموضوع الشخصي مغيّا بهذه الغاية فلا ينتفي سنخ الحكم.

ويمكن أن يقال : إنّه على ما قلنا من بيان الشيخ أنّه يتمّ كلامه ولو قال في الواجب المشروط بأنّ القيد يكون راجعا الى المادة ، لأنّه لو كان شخص الحكم مقيّد بالقيد فلا يكون احتياج الى ذكر القيد ، حيث إنّ الحكم يكون مقيّدا بموضوعه أقلّ ، فإذا كان شخص الحكم مقيّدا فيكفي تقييده بموضوعه ولا حاجة الى ذكر القيد ، فاذا يظهر أنّ ذكر القيد يكون مشعرا بالعلّية وبعد ما قلنا من أنّه لا يمكن أن يكون شخص الحكم مقيّدا به لعدم الحاجة إليه فلا بد من أن يكون سنخ الحكم مقيدا به.

فإن قلت : يمكن أن يكون الموضوع مقيّدا بهذا القيد فزيد الجائي يكون متعلّقا للإكرام لا نفس زيد ، فالموضوع يكون زيد الجائي لا نفس زيد ، وإذا كان كذلك فلا يكون ذكر القيد لغوا.

أقول : فرق واضح بين (إن جاءك زيد فأكرمه) وبين (أكرم زيدا الجائي) حيث إنّه في الأوّل يكون الموضوع هو زيد ، وفي الثاني يكون الموضوع هو زيد الجائي ، والكلام يكون في الأوّل فعلى هذا ذكر الشرط يكون مشعرا بالعلّية ولا يمكن أن يكون علّة لشخص الحكم ؛ لأنّ تقييد شخص الحكم بموضوعه يكفي ولا يحتاج الى ذكر شيء آخر ، فذكر الشرط يكون قيدا لسنخ الحكم ، وهذا واضح. وكذلك بهذا التقريب يمكن تمامية البيان الثاني الذي يكون منّا أيضا ولو على القول بعدم كون الشرط راجعا الى الهيئة ، فافهم.

ثم إنّه لا يخفى عليك أنّه لو لم يلتزم أحد بما قلنا في إثبات المفهوم فلا يكفي القول بالعلية المنحصرة لإثبات انتفاء سنخ الحكم ، حيث إنّه ولو ثبت بجريان مقدمات

٣٧٥

الحكمة أنّ ظهور الشرط يكون في العلّة المنحصرة ولكن مع ذلك لم يكن مفيدا للمفهوم ، لأنّه يمكن أن يكون الشرط علّة منحصرة لشخص الحكم وبأيّ دليل يمكن إثبات أن الشرط يكون علّة لسنخ الحكم إلّا بما قلنا ، فظهر لك أنّ المثبت للمفهوم هو ما قلنا.

واعلم أنّه كل هذه الزحمات لفهم المفهوم من القضية الشرطية لا يكون إلّا لأجل عدم القول بأنّ المتبادر من أدوات الشرط يكون هو الانتفاء عند الانتفاء وقلنا بأنّه لا يمكن الالتزام بأنّ المتبادر من أدوات الشرط هو الانتفاء عند الانتفاء ، ومع ذلك يلزم بأنّ استعمالها في غير ذلك يكون مجازا ، مع أنّ استعمالها في غير الانتفاء عند الانتفاء يكون كثيرا ، وإلّا لو التزمنا بذلك فلا نحتاج الى هذه الزحمات.

إذا عرفت ذلك فنقول : يمكن أن يقال : إنّ المتبادر من أدوات الشرط وان لم يكن الانتفاء عند الانتفاء إلّا أنّه لا إشكال في أنّه بحسب الظهور الطبعي من أدوات الشرط هو ذلك أي الانتفاء عند الانتفاء ، ولا إشكال في هذا الظهور ولو لم نعلم أنّ أيّ شيء يكون منشأ هذا الظهور ، فبهذا أيضا يمكن القول بالمفهوم.

ويؤيّد ذلك استشهاد الامام عليه‌السلام ببعض الآيات وأنّ المستفاد بحسب الفهم العرفي هو ذلك ، ولا إشكال في أنّ كلام الامام في هذه الروايات التي نذكر مضمون بعضها لم يكن تعبّدا صرفا ، بل يستفيد المعصوم عليه‌السلام ويستشهد بمقتضى الفهم العرفي ، حيث إنّ المعصوم أيضا واحد من العرف ، فمنها أنّه قال المعصوم في باب الآية الشريفة (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) انه لو لم يكن بعد هذه الآية (وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) تخيّل الناس أنّ التأخّر من اليوم كان موجبا للإثم ومعلوم أنّ لفظ (من) يكون (من) الشرطية ويقول المعصوم : لو لا لفظ (من تأخّر) في البعد لاستفاد الناس منه الإثم لمن تأخّر ، وهذا هو المفهوم.

وأيضا في الآية الواردة : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) قال المعصوم : إنّ من

٣٧٦

لم يشهد الشهر فلا يجب عليه الصوم ، وواضح أنّ هذا لأجل كون القضية مفيدة للمفهوم ، وكذا في الآية الواردة في قصّة ابراهيم على نبينا وآله وعليه‌السلام (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا فَسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُونَ) قال المعصوم عليه‌السلام قريبا من هذه المضامين إنّه لا يفعل كبيرهم ولا يكذب ابراهيم ، حيث إنّ إبراهيم علّق فعل كبيرهم على نطقه ، وحيث إنّه لم يكن ناطقا فلم يفعل ، ومن المعلوم أنّ الإمام عليه‌السلام بمقتضى فهمه العرفي في تمام هذه الآيات استشهد بالمفهوم ، وهذا واضح.

فانقدح لك بما قلنا أنّه لو كان للقضية مفهوم فلو ورد دليل آخر لهذا الموضوع والحكم مع شرط آخر يقع بينهما التعارض مثلا إذا ورد (إن جاءك زيد فأكرمه) ثم ورد أنّه (إن ذهب زيد فأكرمه) فيقع بينهما التعارض ، لأنّ مفهوم كلّ من القضيتين معارض مع الآخر ، غاية الأمر يمكن الجمع بينهما بالعمل بالأظهر أو غير ذلك.

وأمّا لو لم نقل بكون الجملة الشرطية مفيدة للمفهوم فلا يقع التعارض بينهما ، حيث إنّه إذا قال إن جاءك زيد فأكرمه) ثم قال : (إن ذهب زيد فأكرمه) فيستفاد من الدليلين أنّ المجيء سبب للإكرام ، وكذلك الذهاب أيضا سبب للإكرام ، ولا يكون بينهما تعارض ، غاية الأمر إذا ورد (إن جاءك زيد فأكرمه) فشكّ في أنّه هل يكون سبب آخر موجبا للإكرام أم لا؟ فبمقتضى البراءة نحكم بأنّه لا يجب الإكرام في غير مورد المجيء وهذا ممّا لا سترة فيه.

ثم إنّه على ما قلنا من استفادة المفهوم من الجملة الشرطية بالبيان المتقدّم يظهر جواب استدلالات السيد رحمه‌الله لعدم كون الجملة الشرطية مفيدة للمفهوم ؛ لأنّه قلنا : إنّ الميزان للمفهوم هو أن يكون الحكم المطلق مقيّد بالقيد ، فما قاله من أنّ في باب الشهادة إذا شهد الرجلان لشيء يثبت المدّعى فيمكن قيام سبب آخر مقامه فيكون شهادة رجل وامرأتين مثبتا للدعوى ليس في محله.

لأنّه إن كان مقصوده أنّ الشارع جعل مثبت سنخ الدعوى شهادة الرجلين

٣٧٧

فنقول : إنّه لا يمكن قيام الرجل وامرأتين مقامه وإن كان مراده أنّ شخص الدعوى يثبت بالشاهدين إذا كانا رجلين فنقول : لا بأس بكون شهادة رجل وامرأتين مثبتا لدعوى اخرى غير مرتبطة به ، وكذلك ما قال في أنّ قيام بعض الشروط مقام البعض الآخر يكون ممّا لا يحصى نقول : ليس كذلك ، بل كلّما يكون سنخ الحكم مقيّدا بشرط لا يمكن قيام شرط آخر مقامه.

ثم إنّه لا تكون الوصايا والاوقاف من قبيل المفهوم الاصطلاحي ، حيث إنّه في الانشائيات. إن كان المورد قابلا للإنشاءين فيمكن الإنشاءين مثلا إذا قال في مورد النذر : (إن جاء زيد فعليّ كذا) فحيث إنّ المورد يكون قابلا لإنشاء آخر مثل أن يقول : (إن ذهب زيد فعليّ كذا) يمكن هذين الإنشاءين ولا مانع أصلا وإن لم يكن المورد قابلا للإنشاءين مثل إنّه يملّك الملك الفلاني لزيد فإن كان لا يقبل أن يملك هذا الملك لشخص آخر إلّا أنّه لم يكن هذا من أجل المفهوم ، بل يكون من أجل عدم قابلية المحلّ فيكون في النتيجة كالمفهوم ، ولكن لا يكون المفهوم الاصطلاحي ، فافهم واغتنم.

ثم لا يخفى عليك أن هاهنا تنبيهات :

التنبيه الأوّل : ما قلنا من أنّ المفهوم يكون انتفاء سنخ الحكم وأثبتنا لك أنّ الحقّ هو انتفاء سنخ الحكم.

التنبيه الثاني : إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء فعلى القول بالمفهوم حيث يقع التعارض فما يكون الرأي في المقام؟

لا يخفى عليك أوّلا أنّ المثال المشهور وهو إذا خفي الأذان فقصّر وإذا خفيت الجدران فقصّر يكون من باب المثال ، وإلّا في هذا المورد لم يرد خبر بهذه العبارة ، وعلى أي حال إذا تعدّد الشرط واتّحد الجزاء ، فبعد ظهور الجملة الشرطية في المفهوم فحيث لا يمكن حفظ ظهور الشرطين في المفهوم فلا بدّ من التصرّف ورفع اليد عن

٣٧٨

الظهور إمّا بتخصيص مفهوم كلّ منهما بمفهوم الآخر ، مثلا مفهوم إذا خفي الأذان فقصّر حيث يكون إذا لم يخف الأذان فلا يجب القصر نخصّصه بمنطوق (إذا خفيت الجدران فقصّر) فيكون لازمه أنّه اذا خفي الأذان فقصّر وإذا لم يخف الأذان فلا تقصّر إلّا إذا خفيت الجدران فيكون عدم وجوب القصر عند عدم خفاء الأذان والجدران ، وأمّا إذا لم يخف أحدهما فيجب القصر.

وأمّا رفع اليد عن مفهوم كلّ منهما فنقول بعدم مفهوم لهما ، وأمّا بتقييد الشرط في كلّ منهما فيكون الشرط مقيّدا مثلا إذا خفي الأذان الذي يكون شرطا لوجوب القصر يكون مقيّدا بخفاء الجدران فيكون معناه أنّه إذا خفي الأذان مقيّدا بخفاء الجدران فيجب القصر ، وكذلك في طرف إذا خفيت الجدران فقصّر فيكون خفاء الجدران مع تقييده بخفاء الأذان موجبا للقصر.

وأمّا بأن يقال بأنّ الشرط هو الجامع بين الشرطين بأن يكون تعدّد الشرط قرينة على أنّ الشرط في كلّ منهما ليس عنوان خاص منهما ، بل بما هما مصداقان للجامع ، ولازم هذا الوجه هو أنّ في كلّ منهما يجب القصر لكن لا من باب أنّ كلّ منهما ملحوظا ، بل من باب كونهما مصداقا للجامع ، مثلا إذا خفي الأذان يلزم القصر ، وكذا إذا خفيت الجدران أيضا يلزم القصر ، لكن لا من باب أنّ كل منهما يكون شرطا للقصر بخصوصيتهما ، بل من باب أنّه كلّ منهما يكون مصداقا للجامع.

ولا يخفى عليك أنّ بين كلّ من الاحتمالات الأربعة فرق واضح ، لأنّه على الاحتمال الأوّل إذا حصل أحد الشرطين يلزم القصر مثلا ، ولكن إذا انتفى أحد الشرطين لا يرفع حكم القصر ، بل ينتفي القصر إذا انتفى كلّ من الشرطين وكان لازم هذا الاحتمال هو عدم وجوب القصر في غير مورد خفاء الأذان والجدران ، بل بمجرّد فقد الشرطين يجب التمام ولا يحتاج لعدم وجوب القصر ولوجوب التمام الى دليل آخر.

٣٧٩

وأمّا على الاحتمال الثاني فإن كان يجب القصر بمجرّد حصول أحد الشرطين لكنّه في غير مورد حصول الشرطين لا يكون للقضيتان دليل على عدم وجوب القصر ووجوب التمام ، بل نحتاج الى دليل آخر من البراءة أو غيرها.

وأمّا على الاحتمال الثالث فيكون وجوب القصر بعد حصول الشرطين ولا يجب القصر بمجرّد حصول أحد الشرطين ، وكذلك لو انتفى أحد الشرطين لا يجب القصر ولا نحتاج في غير مورد الشرطين أيضا الى دليل آخر ، بل بمقتضى مفهوم القضية نحكم في غير مورد الشرطين بعدم وجوب القصر ووجوب التمام :

وأمّا على الاحتمال الرابع ففرقه مع الاحتمال الثاني والثالث واضح ، وأمّا مع الاحتمال الأوّل فلو لم يكن بينهما فرق نتيجة إلّا أنّ في الاحتمال الأوّل يكون التخيير بحكم الشرع وفي الاحتمال الرابع يكون بحكم العقل ، حيث إنّ العقل بعد وجود المصداق يحكم بوجوب القصر بخلاف الاحتمال الأول ، لأنّ الشرع يحكم بمجرّد حصول أحد الشرطين بوجوب القصر ، فافهم.

واعلم أنّه قد أشكل بعض بأنّ تقييد مفهوم كلّ منهما بمنطوق الآخر لا يكون احتمال في مقابل سائر الاحتمالات حيث إنّه لا يمكن تقييد المفهوم إلّا بعد تقييد المنطوق ؛ لأنّ المفهوم تابع للمنطوق فإن كان المنطوق مطلقا كان المفهوم أيضا مطلقا ، وإن كان المنطوق مقيّدا كان المفهوم أيضا مقيّدا. فعلى هذا بعد عدم امكان تقييد المفهوم إلّا بتبع تقييد المنطوق فيدخل في الاحتمال الثالث وهو تقييد الشرط.

ولكن اعلم أنّ هذا الإشكال غير وارد حيث إنّه ولو في كلّ من الاحتمالين أي الاحتمال الأوّل والثالث يقيّد المنطوق والشرط ولكن تارة يكون التقييد المقابل لأو ، وتارة يكون التقييد المقابل للواو ، بمعنى أنّه تارة يقال بأنّ الشرط والعلّة هو خفاء الأذان والجدران معا ، بحيث إذا خفي أحدهما لا يجب القصر وتارة يقال بأنّ الشرط يكون أحدهما على البدل كما في الواجب التخييري بحيث إذا خفي أحدهما

٣٨٠