المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

نظيره في كلام مولانا علي عليه‌السلام ، ولا يكون استعمال الخطاب للمعدومين مجازا أيضا ولكنّه في المقام يدور الأمر بين حفظ الظهورين حيث إنّه لا إشكال في أنّه ولو كان تعلّق الخطاب بالمعدومين صحيحا إلّا أنّه يكون خلاف الظاهر ، فظاهر الخطاب الحقيقي هو ما يكون المخاطب موجودا ، وكذلك في طرف المكلف ولو أنّه قلنا بأنّه كما يمكن الحكم بنحو القضية الطبيعية كذلك يمكن الحكم بنحو القضية الخارجية.

إلّا أنّ الإنصاف يحكم بأنّ الحكم بنحو القضية الطبيعية على المكلف أو المكلف به يكون محتاجا الى مئونة زائدة فيكون خلاف الظاهر ، فظاهر سريان الحكم الى الطبيعية هو كونها مرآة للأفراد وكون الحكم بنحو القضية الخارجية فيدور الأمر بين حفظ الظهورين ظهور الخطاب وظهور المدخول فهل يقال بحفظ ظهور الخطاب في الخطاب الحقيقي ونتصرف في ظهور المدخول ونقول بأنّ الحكم به يكون بنحو القضية الطبيعية ، أو يقال بعكس ذلك؟ مثلا في قوله : (أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) هل نحفظ ظهور النداء في النداء الحقيقي فنقول بكونه خطابا ونداء للموجودين ، أو نتصرف في المؤمن ونقول بأنّ الخطاب للمؤمن يكون بنحو القضية الخارجية ، أو لا بل نحفظ ظهور المؤمن ونقول بأنّ الحكم عليه يكون بنحو القضية الطبيعية ولكن نتصرّف في ظهور الخطاب ونقول بشمول الخطاب ولو للمعدومين؟

إذا فهمت ما قلنا لا إشكال في أنّه يكون حفظ ظهور الخطاب مقدّما على حفظ ظهور المدخول فنقول بأنّ تعلق الخطاب يكون بالموجودين كما هو ظاهره ويكون تعلق الحكم بالمؤمن بنحو القضية الخارجية.

ثم إنّه لا يخفى عليك بعد إثبات أنّ ظهور الخطاب يكون مقدّما ، فإن قلنا بظهور الخطاب للحاضرين في مجلس الخطاب كما يكون ذلك ظاهر الخطاب فلا يشمل خطاب المشافهين للغائبين عن مجلس الخطاب ، ولو كانوا موجودين أيضا. وإن قلنا

٤٤١

بظهور الخطاب الحقيقي للموجودين ولو لم يكونوا حاضرين في مجلس الخطاب فيشمل الخطابات الشفاهية للغائبين ، ولكن لا يشمل المعدومين والظاهر أنّ ظاهر الخطاب الحقيقي هو للمشافهين فقط. فظهر لك أنّ الخطابات الشفاهية لا تشمل الغائبين ولا المعدومين ، فافهم.

إذا عرفت تحقيق أصل المطلب فنقول : هل يكون لهذا النزاع ثمرة أم لا؟ لا يخفى عليك أنّ لهذا البحث ثمرة مهمة وهي أنّه لو قلنا بعموم الخطابات الشفاهية حتى للمعدومين فيمكن التمسّك بإطلاق الخطاب لرفع القيد وإن قلنا باختصاص الخطابات للمشافهين فلا يمكن التمسّك للغائبين والمعدومين بإطلاق الخطابات لرفع القيد ، مثلا إذا قال : (يا أيها المؤمنون أقيموا الصلاة) فإن كان هذا الخطاب يشمل المعدومين فيمكن لمن كان معدوما في زمن الخطاب أن يتمسّك بالإطلاق لرفع قيد المشكوك فلو لم نعلم أنّ الصلاة مثلا مشروطة بالطهارة أم لا ، فبمقتضى إطلاق (يا أيّها المؤمنون أقيموا الصلاة) نحكم بعدم اعتبار القيد ؛ لأنّ المطلق إذا كان في مقام البيان يمكن التمسّك به لرفع القيد.

وأمّا لو التزمنا بعدم شمول الخطابات الشفاهية للمعدومين فلا يمكن التمسّك بالإطلاق مثلا في ما قال : (يا أيّها المؤمنون أقيموا الصلاة) فإن كان هذا الخطاب مخصوصا بالمشافهين فلو شكّ من كان معدوما في زمن الخطاب بأنّه هل تكون الصلاة مشروطة بالطهارة أو لا؟ فلا يمكن له التمسّك بإطلاق (يا أيّها المؤمنون أقيموا الصلاة) لرفع القيد المشكوك ، حيث إنّه ولو كان المطلق في مقام البيان إلّا أنّ منشأ التمسّك بالإطلاق هو أنّ المتكلم إذا كان في مقام بيان مراده ، فلو كان لشيء دخل في مراده فلم يبيّن فقد أخلّ بغرضه. فعلى هذا يجوز التمسّك بالإطلاق ، وأمّا لو كان المتكلم بحيث يعلم أنّ المخاطب واجدا للشرط الذي يكون له مدخلية في غرضه فلا

٤٤٢

يجب بمقتضى الحكمة بيان القيد عليه ، حيث إنّ ذلك لم يكن تفويتا لغرضه.

فعلى هذا مثلا لو كان الآمر يعلم بأنّ المخاطب يكون واجدا للطهارة دائما ، فعلى هذا ولو كان للطهارة مدخلية في الصلاة ودخيل في غرضه إلّا أنّه حيث يعلم بوجدان المخاطب بهذا الشرط لم يبيّن ولا يكون عدم بيانه خلاف الحكمة. فعلى هذا بعد عدم عموم الخطابات لغير المشافهين نقول : إنّه يمكن أن يكون لشيء دخل في غرض المتكلم ولم يبيّنه لأجل كون المكلف واجدا للشرط.

فعلى هذا ولو ثبت بقاعدة اشتراك التكليف أنّ المعدومين في زمان الخطاب يكون تكليفهم هو تكليف الحاضرين لا يمكن للمعدومين في زمن الخطاب التمسّك بإطلاق الخطابات لرفع القيد المشكوك ؛ لأنّ غاية ما يثبت بقاعدة اشتراك التكليف هو كون غير الحاضرين مشتركين في التكليف مع الحاضرين ، وأمّا بعد عدم التمسّك بالإطلاق لم نعلم بأنّ ما كان تكليف الحاضرين حتى يكون المعدومين في زمن الخطاب أيضا مثلهم في ذلك التكليف. فعلى هذا قاعدة اشتراك التكليف أيضا لا يكون مفيدا لجواز التمسّك بالإطلاق.

فظهر لك الثمرة بين القولين وأنّه على القول لعموم الخطاب ولو للمعدومين يجوز التمسّك بالإطلاق وإلّا فلا ، ولا يخفى عليك أنّه لا يرد على هذه الثمرة ما ربّما يتخيّل من أنّه على هذا لم يثبت حكم ولو بقاعدة اشتراك التكليف ، حيث إنّه لا يثبت حكمهم حتى يثبت بقاعدة اشتراك التكليف للمعدومين ، لأنّا نقول ولو لم يثبت بقاعدة اشتراك التكليف ما لم يعلم بتكليف الحاضرين في زمان الخطاب ولكنّه كثيرا ما يكون تكليف الحاضرين معلوما وبقاعدة اشتراك التكليف نحكم بأنّ المعدومين أيضا يكون تكليفهم ذلك ، فافهم.

ولو قيل بأنّه يمكن أن لا يكون الحاضرون في مجلس الخطابات لهم حالة واحدة ،

٤٤٣

بل يكون لهم حالات مختلفة فمع ذلك يمكن التمسّك بالإطلاق لأنّه لو كان للمشافهين حالات مختلفة فيحكم في الحالة التي تكون موجودة لهم فى جميع الأيام مثلا ولو أنّهم واجدون للشرط في حال الخطاب ، إلّا أنّهم لا يكونوا واجدين للشرط في جميع الحالات ، فمع ذلك عدم ذكر القيد يكون خلاف مقتضى الحكمة فيمكن التمسّك بالإطلاق فلا يكون الثمرة تماما.

نقول بأنّه غاية ما يثبت به هو أنّه لو شككنا في شرط ولم يكن المشافهون واجدين له في جميع الحالات فيجوز التمسّك بالإطلاق ، وأمّا فيما لم يكن كذلك قلنا بكون المشافهين دائما واجدين للشرط فلا يمكن لغيرهم التمسّك بالإطلاق لرفع هذا الشرط المشكوك ، مثلا قال : (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ) فيحتمل أن تكون صلاة الجمعة مشروطة بوجود النبي أو الامام فلا يمكن التمسّك بالإطلاق لرفع هذا القيد المشكوك ، إذ لعلّه عدم ذكر القيد يكون لأجل أنّ المشافهين لهذا الخطاب كانوا واجدين للشرط لأجل وجود النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويكون النبي دائما لهم موجودا أو الإمام ، فعدم ذكر القيد يكون لعلّ لأجل وجدان القيد فكيف يمكن التمسّك بإطلاق هذا الخطاب لغير المشافهين لرفع هذا القيد؟ إلّا أن التزمنا بعموم الخطابات للمعدومين أيضا ، فعدم جريان الثمرة في مورد لم يكن سببا لأن لا تكون الثمرة تامّة ، فافهم.

ثم إنّه ذكر المحقّق القمّي رحمه‌الله ثمرة اخرى لهذا النزاع وقال : إنّه لو قلنا بعموم الخطابات لغير المشافهين أيضا يكون ظهور خطابات القرآن حجّة ولو للمعدومين في زمان الخطاب ، وإن قلنا باختصاص الخطاب بالمشافهين فقط فلا يكون ظهور خطابات القرآن حجّة لهم.

ولكن لا يخفى عدم تمامية هذه الثمرة حيث إنّه لو قلنا بعدم حجية ظهور القرآن

٤٤٤

لغير من قصد إفهامه واختصاصه بمن قصد إفهامه كالنبي والأئمة كما قال بذلك الاخباريون فلا يكون ظهور خطابات القرآن حجّة لا للمشافهين ولا غير المشافهين ، وإن قلنا بحجّية ظهور القرآن لغير من قصد إفهامه فأيضا يكون ظهور خطابات القرآن حجّة ولو لغير المشافهين ، لأنّهم أيضا بقاعدة اشتراك التكليف يكونون مثل المشافهين ، فظهور خطابات القرآن على هذا يكون حجة لغير المقصودين بالإفهام سواء كان موجودا أو معدوما. نعم فيعمّ لو قلنا بحجّية ظهور خطابات القرآن الكريم لغير المقصودين بالإفهام أيضا.

٤٤٥

فصل

تعقّب العام بضمير يرجع الى بعض أفراده موجب

لتخصيص العام أم لا؟ يوجب ذلك تخصيصا للعام

تعقّب العام بضمير يرجع الى بعض أفراده موجب لتخصيص العام أم لا؟ يوجب ذلك تخصيصا للعام ، مثلا إذا قال : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ) ـ الى قوله ـ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَ) فالضمير في بعولتهنّ يرجع الى المطلقات الرجعية حيث يعلم من الخارج بأنّ في الطلاق الرجعي يكون بعولتهنّ أحقّ بردهنّ. فعلى هذا لا إشكال في أن الضمير راجع الى بعض العام ولا إشكال في أنّ الضمير يحكي عمّا يحكي عنه المرجع فهل في المقام نتصرف في العام ولا نتصرف في الضمير؟ بل نتصرّف في العام.

ونقول بأنّ المراد من العام يكون هو البعض ، مثلا نقول بأنّ المراد من المطلّقات يكون بعض المطلقات وهو المطلقات الرجعية.

أو نتصرّف في الضمير ونقول بأنّ الضمير ولو أنّه يحكي عمّا يحكي عنه المرجع ، ولكنّه هنا يكون الضمير حاكيا عن بعض ما يحكي عنه المرجع ، فيكون التصرّف في ناحية الضمير والتصرّف في الضمير إمّا بأن يقال بكونه هنا مجازا واستعماله في بعض ما يحكي عنه المرجع يكون مجازا أو نقول بالمجاز في الاسناد باسناد الضمير الى البعض بعد التصرّف في البعض ورأى البعض الكلّ واستعمل.

٤٤٦

فعلى هذا لا يكون الإشكال من هذه الجهة أي في كون استعمال العام في البعض مجازا أم لا ، أو يكون استعمال الضمير في بعض ما يحكي عنه المرجع مجازا أم لا.

لأنّه لا إشكال في كون العام ظاهرا في العموم ولو لم يكن استعماله في البعض مجازا لكن يكون استعماله في البعض خلاف الظاهر ، وكذلك لا إشكال في كون الضمير ظاهرا في حكاية ما يحكي عنه المرجع ولو لم يكن استعماله في بعض ما يحكي عنه المرجع مجازا ، ولكن يكون استعماله في بعض ما يحكي عنه الضمير خلاف الظاهر.

فعلى هذا لا بدّ لنا من ارتكاب خلاف أحد الظاهرين ، فهل نقدّم ظهور العموم ونتصرّف في الضمير ونرتكب خلاف الظاهر فيه ، أو نتصرّف في العموم ونرتكب خلاف الظاهر فيه ونحفظ ظهور الضمير في حكايته عن كلّ ما يحكي عنه المرجع؟

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه يكون النزاع فيما كان العموم والضمير إمّا في كلامين منفصلين وإمّا أنّه ولو كانا في كلام واحد ولكن مع استقلال العام بما حكم عليه ، وإلّا فإن لم يكن كذلك بل يكون بحيث يعدّ كلام واحد ولم يكن العام مستقلّا في ما حكم عليه فيوجب إجمال العام ، ولا بدّ من الرجوع الى ما تقتضيه الاصول.

ثم إنّه بعد ما فهمت ما قلنا فنقول بعون الله تعالى : إنّه إمّا أن نلتزم بأنّ العام ولو بعد التخصيص يكون استعماله في الباقي حقيقة ولا يكون مجازا ، وإمّا أن نقول بأنّ العام المخصّص يكون في الباقي استعماله مجازا ، فإن قلنا بأنّ العام بعد التخصيص يكون استعماله في الباقي حقيقة ؛ لأنّ الإرادة الاستعمالية تكون باقية بحالها غاية الأمر في مورد التخصيص لا تكون الإرادة الاستعمالية مطابقة مع الإرادة الجدية.

فنقول : إنّه يجب هنا حفظ ظهور العام وارتكاب خلاف الظاهر في ناحية الضمير ، حيث إنّ الضمير لمّا يكون مرجعه اللفظ يحكي عمّا يحكي عنه اللفظ ، والمفروض هو أنّ اللفظ المرجع وهو العام يكون بالإرادة الاستعمالية حاكيا عن العموم وظاهرا في ذلك يكون راجعا الى الإرادة الاستعمالية. فعلى هذا بعد الالتزام

٤٤٧

بأنّ التخصيص لو كان ، فيكون في الإرادة الجدية وتكون الإرادة الاستعمالية في العموم باقية بحالها.

فعلى أيّ حال لا بدّ من ارتكاب خلاف الظاهر في طرف الضمير قهرا ولو أن نتصرّف في العام ، لأنّه معنى التصرّف في العام على هذا هو أنّ الإرادة الجدية لا تكون في العموم ، بل يكون في البعض ، ومع ذلك حيث إنّ الضمير راجع الى الإرادة الاستعمالية يعلم بأنّه لا يراد من الضمير تمام ما يراد من المرجع ، لأنّ الإرادة الاستعمالية تكون في العموم والضمير راجع اليه ، والمفروض بعد التخصيص هو عدم مطابقة الإرادة الجدية مع الإرادة الاستعمالية.

فعلى هذا لا يكون الضمير حاكيا عن تمام ما يحكي عنه المرجع ، لأنّه ولو أنّ العام بمقتضى الإرادة الاستعمالية يكون ظاهرا في العموم إلّا أنّه نعلم بعدم كون الظاهر منه مرادا قطعا. فعلى هذا مع فرض التصرف في طرف العام وارتكاب خلاف الظاهر فيه يلزم أيضا ارتكاب خلاف الظاهر في طرف الضمير.

وأمّا لو نتصرّف في ناحية الضمير نقول بأنّ الضمير لا يحكي هنا عن ما يحكي عنه المرجع فلا يوجب ارتكاب خلاف الظاهر في العام أيضا ، حيث إنّ ظهور العام في العموم محفوظ والإرادة الاستعمالية تكون مطابقة مع الإرادة الجدية ولكن نرتكب خلاف للظاهر في طرف الضمير فقط ، فعلى هذا يجب حفظ ظهور العام وارتكاب خلاف الظاهر في ناحية الضمير ، لأنّه مع هذا التصرّف يمكن حفظ أحد الظهورين وهو ظهور العام أوّلا.

وأمّا لو تصرّف في العموم لا يوجب حفظ كل واحد من الظهورين لما قلنا ، ويكون ذلك نظير دوران الأمر بين التخصيصين ؛ وتخصيص واحد ، فلو نتصرّف في الضمير يكون تخصيصا واحدا ولو نتصرّف في العموم يكون التخصيصين ، ومعلوم هنا القول بوجوب تخصيص واحد فقط ، ولو قلنا بأنّ العام بعد التخصيص يكون

٤٤٨

استعماله في البعض مجازا ولا تكون أصالة الظهور في الإرادة الاستعمالية محفوظة فنقول : على هذا يكون الدوران بين التصرّف في أحد الظهورين ظهور العام في العموم وظهور الضمير في حكايته عمّا يحكي عنه المرجع ، والمفروض أنّه لا يمكن حفظ الظهورين.

وأمّا الفرق بين ما قلنا بأنّ العام يكون استعماله في الباقي بعد التخصيص حقيقة وبين ما قلنا بأنّ العام بعد التخصيص لا يكون استعماله في الباقي حقيقة هو أنّ في الأوّل حيث يكون ظهور الإرادة الاستعمالية في العموم ولو بعد التخصيص محفوظا يكون الدوران بين التخصيصين وبين تخصيص واحد لما قلنا.

وأمّا على الثاني لو تصرّفنا في العموم فيكون العام مستعملا في البعض وتكون الإرادة الاستعمالية أيضا في البعض ولا تكون الإرادة الاستعمالية في العموم محفوظة ، فعلى هذا لو تصرّفنا في العام وقلنا بأنّ المراد منه يكون هو البعض فتكون الإرادة الجدية والارادة الاستعمالية في البعض والضمير أيضا لا يحكي إلّا عمّا يحكي عنه المرجع ، والمفروض أنّ لفظ المرجع على هذا يحكي عن البعض حتى الإرادة الاستعمالية مع قطع النظر عن النظر عن الإرادة الجدية والضمير أيضا يحكي عن هذا فلو تصرّف في العموم يكون ظهور الضمير في حكايته عمّا يحكي عنه لمرجع محفوظا ولا يوجب التصرّف فيه؟

فعلى هذا يدور الأمر هنا بين ارتكاب خلاف أحد الظاهرين ، إمّا ارتكاب خلاف الظاهر في طرف العموم ونقول بأنّ المراد هو البعض ، وإمّا ارتكاب خلاف الظاهر في طرف الضمير ونقول بأنّه يحكي عن بعض ما يحكي عنه المرجع. والإنصاف أنّه إذا دار الأمر بين رفع اليد عن أحد الظهورين يكون رفع اليد عن ظهور الضمير مقدّما ، لأنّه يكون ذكر العام أوّلا وينعقد ظهوره في العموم ، فالتصرّف لا بدّ وأن يكون في طرف الضمير ، فافهم.

٤٤٩

وأنّه كما قلنا سابقا لك أنّ بناء العقلاء يكون هو التمسّك بأصالة الظهور فيما شكّ في المراد لا فيما شكّ في كيفية الإرادة ، ففي المقام لا إشكال في أنّه يكون المراد من الضمير هو البعض ، وهذا ممّا لا شبهة فيه ولكن يكون الإشكال في أنّه هل يكون راجعا الى بعض العام حتى يكون استعماله في غير ما يكون ظاهرا فيه ، أو يكون راجعا الى الكلّ ويكون العام هو البعض حتى يكون استعماله فيما هو ظاهر فيه.

فعلى هذا الإشكال في تعيين المراد من الضمير ولكن يكون الإشكال في أنّه كيف أراد؟ ولا إشكال في أنّ بناء العقلاء لم يكن بالتمسّك بالظهور في هذا المقام ، ولكن لا يكون في طرف العام كذلك ، حيث إنّه في طرف العام لا نعلم بأنّه أراد من العام هو الكلّ أو أراد منه البعض ، ولا إشكال في أنّ القدر المتيقّن من بناء العقلاء بالتمسّك بأصالة الظهور يكون في هذا المورد.

فعلى هذا تكون أصالة الظهور في طرف العام محفوظة بخلاف أصالة الظهور في طرف الضمير ، فافهم واغتنم.

٤٥٠

فصل

هل يجوز تخصيص العام بالمفهوم أم لا؟

هل يجوز تخصيص العام بالمفهوم أم لا؟ اعلم أنّ هذا النزاع منشؤه هو أنّ الخاص بعد تسلّم كونه موجبا لتخصيص العام في بعض الموارد يقع التخصيص به بالعام ، مورد الإشكال لأجل ضعف ظهوره ، ومن موارده هذا المورد أي تخصيص العام بالمفهوم ، فمنشأ الإشكال هو أنّ المفهوم مع ضعف ظهوره يمكن تخصيص العام به أم لا.

لا يخفى عليك أنّ المفهوم المستفاد من القضية تارة يكون مفهوم موافق وتارة يكون مفهوم مخالف ، وقد عرّفوا المفهوم الموافق بتعريفين :

الأول : ما قال به المشهور من أنّ الحكم إذا ثبت لشيء يثبت بالملازمة العقلية لشيء آخر ، إمّا بالمساواة وإمّا بالأولوية. وبهذا المعنى يكون المفهوم الموافق قسم من القياس ، غاية الأمر يكون القياس إمّا قياس ظنّي الذي لم يكن بحجّة ، وإمّا يكون قياس قطعي وهو يكون حجة ، وهذا هو الذي يعبّر عنه بالمفهوم الموافق مثل إنّه إذا قال : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) نكشف بالملازمة القطعية أنّ الضرب يكون بطريق الأولى منهيّا عنه.

الثاني : أن نكشف الحكم في غير المورد الذي تعلّق به الحكم من ظهور اللفظ ،

٤٥١

وبهذا الاعتبار يستفاد الحكم في غير المورد من ظهور اللفظ ويكون الحكم في المورد كأنّه من باب الكناية ، فالحكم في المورد لا يكون إلّا من باب ذكر الفرد الناقص لإثبات حكم الفرد الكامل ، بل يمكن أن لا يكون مورد الحكم أصلا مورد الأمر أو النهي ، بل يكون لإثبات بيان فرد آخر مثلا في قوله : (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ) يمكن أن لا يكون الأفّ للأبوين أصلا مورد النهي ، بل يكون هذا كناية على أنّه لا يجوز ايذاؤهما مثلا.

وتارة يكون الحكم في الأدنى لإثبات حكم الأعلى مثل مثال الفوق ، حيث إنّه هنا يكون الحكم في الأفّ لإثبات المرتبة الأعلى وهو الايذاء مثلا ، وتارة يكون بالعكس مثل قوله تعالى : (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) وفي هذه الآية يكون الحكم في المرتبة الأعلى لإثبات حكم الفرد النازل ، فبعد ما لم يقبل استغفارهم ولو كان سبعين مرّة فمعلوم أنّ استغفارهم مرّة واحدة لم يقبل بالطريق الأولى.

والحاصل أنّه في القسم الأوّل يكون ثبوت الحكم في غير مورد الحكم بالملازمة العقلية وفي الثاني يستفاد حكم غير المورد من ظهور اللفظ لا من باب حكم العقل بالملازمة ، ولعلّ هذا هو يكون الفرق بين التعريفين.

وفي المقام نقول بأنّه لو قلنا بكون المفهوم الموافق عبارة عن ثبوت الحكم في غير المورد بالملازمة العقلية. فعلى هذا يلزم تخصيص العام بالمفهوم ، لأنّه يكون محلّ الكلام في تخصيص العام بالمفهوم الموافق هو ما كان حكم المنطوق معلوما ، وأنّه لا يشمله العام قطعا. ولكن يكون النزاع في تخصيص العام بمفهومه ، وإلّا فخروج مورد الحكم عن العام يكون مسلّما. فعلى هذا بعد تسلّم خروج مورد المنطوق عن العام فلا إشكال في أنّه على التعريف الأوّل يكون ثبوت الحكم في غير مورد المنطوق ثابت بالملازمة القطعية ، فقهرا لا بدّ من الأخذ بالمفهوم وتخصيص العام.

٤٥٢

وأمّا على التعريف الثاني وهو ما يستفاد المفهوم من ظهور اللفظ فلا يكون كذلك ، بل يكون الدوران بين الظهورين ظهور العام في العموم وظهور اللفظ في المفهوم. فعلى هذا لو كان أحد الظهورين أقوى ونفهم أقوائية أحد الظهورين فنأخذ به ونرفع اليد عن الآخر ، وإلّا فإن لم نفهم من الخارج أقوائية أحد الظهورين فيوجب الإجمال ، غاية الأمر إذا كان متصلا بالعام يوجب الإجمال الحقيقي وإن كان منفصلا يوجب الاجمال حكما ولكن يمكن أن يقال بأقوائية ظهور المفهوم ، حيث إنّ ظهور كون القيد قيدا للحكم يكون أقوى من ظهور العام ، لما قلنا في باب المفاهيم من أنّ القيد يكون قيد الحكم ، وإذا كان قيد الحكم لا بدّ وأن يكون قيد سنخ الحكم ، فإذا كان ظهور كون الحكم أقوى من ظهور العام فيجب تخصيص العام ، وحمل القيد على الموضوع يكون خلاف الظاهر. فظهر لك أنّه على هذا التعريف لو ثبت كون أحد الظهورين أقوى فهو ، وإلّا يوجب الإجمال.

ومن هذا أيضا يظهر حال تخصيص العام بالمفهوم المخالف ، حيث إنّ مفهوم المخالف يستفاد من ظهور اللفظ. فعلى هذا لا يدور الأمر بين رفع اليد عن أحد الظهورين إمّا رفع اليد عن ظهور العام وإمّا رفع اليد عن ظهور المفهوم ، فإن قلنا بأقوائية ظهور المفهوم كما قلنا لك ولا يكون تقييدا فهو ، وإلّا فيوجب الإجمال حقيقة فيما كان المفهوم متصلا بالعام وحكما فيما كان منفصلا.

وأيضا يظهر ممّا قلنا حال تعقّب الاستثناء للجمل المتعدّدة فأيضا لو استفاد ظهوره في أحد الجمل وأنّه يكون الاستثناء في أحد الجمل فهو ، وإلّا فيوجب الإجمال أيضا ، فالكلام الكلام ، فلو كان في كلام واحد يوجب الإجمال حقيقة ولو لم يكن في كلام واحد يوجب الإجمال حكما ، فافهم.

٤٥٣

فصل

هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر أم لا؟

هل يجوز تخصيص الكتاب بالخبر الواحد المعتبر أم لا؟ لا يخفى عليك أنّه يمكن أن يقع النزاع هنا بنحوين :

الأوّل : في أنّه هل يكون مقتضى لحجّية خبر الواحد إما مطلقا أو في مقابل الكتاب بمعنى أنّه يبحث في أنّه يكون مقتضى الحجّية موجودا لخبر الواحد حتى في مقابل الكتاب أم لا؟ ولو كان البحث في ذلك المقام يلزم على من كان قائلا بكون المقتضي موجودا لخبر الواحد حتى في مقابل الكتاب من إثبات حجية خبر الواحد وأنّ دليل حجّيته يكون شاملا حتى في مخالف الكتاب ، وبعبارة اخرى يلزم على هذا إثبات عموم أو إطلاق لأدلّة حجّية الخبر حتى يشمل المورد الذي يكون مدلوله مخالفا للكتاب.

الثاني : أنّ النزاع يكون في أنّ مع فرض المقتضي لخبر الواحد من حيث الحجّية حتى بالنسبة الى المورد الذي مدلوله كان مخالفا للكتاب ، ولكن يكون الإشكال في عدم جواز تخصيص الكتاب به لأجل أنّ الكتاب غير قابل لصيرورته مخصّصا بخبر الواحد إمّا لبعض الأخبار الواردة الدالّة بأنّ ما خالف الكتاب زخرف ، أو لم نقله. وإمّا لأجل كون الكتاب قطعي السند والخبر ظنّي السند. وإمّا لأجل الإجماع.

٤٥٤

فعلى هذا في هذا القسم لم يكن النزاع من حيث قصور المقتضي للحجّية في خبر الواحد ، بل لأجل عدم قابلية الكتاب للتخصيص وبعبارة اخرى لأجل المانع ، فعلى هذا يقع التعارض بين الكتاب والخبر ، ولا بدّ في مقام التعارض من الأخذ بالأقوى.

إذا عرفت ذلك نقول : أمّا لو كان النزاع في الجهة الاولى فلا اشكال في كون مقتضي الحجّية للخبر موجدا حتى في مقابل الكتاب فيشمل عموم أدلّته أو إطلاقه حتى مورد مخالفته للكتاب ، ولا يمكن الالتزام بكونه حجّة في غير مورد الكتاب فقط ، للزوم تخصيص الأكثر.

وإن كان منشأ توهّم عدم جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد هو عدم قابلية الكتاب للتخصيص فنقول : إن كان هذا لأجل ما قدّمنا ولا وجه غير ذلك كما أنّ الأمر كذلك فنقول : أمّا التمسّك في عدم الجواز بالأخبار فنقول :

أمّا أوّلا : فهذه الأخبار وإن كانت كثيرة إلّا أنّه لا يمكن الالتزام بكون لسانها هو الشمول حتى لمورد التخصيص ، لأنّه لو التزمنا بكون هذه الأخبار دالّة على عدم جواز التمسّك بخبر الواحد ، وتخصيص الكتاب به لزم أن نلتزم بعدم حجّية خبر الواحد من رأس.

لأنّه قلّ عموم أو إطلاق في الكتاب لم يرد فيه تخصيص بخبر الواحد ، فلو التزمنا بكون الأخبار الدالّة على كون مخالف الكتاب زخرفا أو ما قاله المعصوم عليه‌السلام لشموله حتى مورد التعارض بنحو العام والخاص أو المطلق والمقيّد ، يعني في صورة كون الكتاب عامّا والخبر خاصّا أو الكتاب مطلقا والخبر مقيّدا يلزم عدم حجّية خبر الواحد ، لما قلنا من أنّ في مورد جلّ من العمومات وإطلاقات الكتاب ورد خاص أو مقيّد في الخبر ، فلا بدّ بعد فرض حجّية خبر الواحد من الالتزام بأنّ الأخبار الواردة تدلّ على المورد الذي يكون التعارض بين الكتاب وبين الخبر هو التعارض على وجه التباين ، فهذه الأخبار لا تشمل صورة التعارض على وجه

٤٥٥

العموم والخصوص.

وأمّا ثانيا : فلأنّه من المسلّم أنّه يجوز تخصيص الكتاب بالخبر المتواتر ، والحال أنّ هذه الأخبار لو تدلّ على المنع تشمل الخبر المتواتر أيضا.

ولكن إنّا لا نحتاج الى النقض ، بل يكفي الجواب الأوّل ، وأمّا التمسك لعدم جواز التخصيص بأنّ الكتاب قطعي السند والخبر ظنّي السند ولا وجه لرفع اليد من القطعي بالدليل الظني :

وفيه أنّه كما قلنا في محلّه بأن حجّية الخبر تحتاج الى طي ثلاث مراتب : مرتبة الصدور يعني كونه صادرا من المعصوم عليه‌السلام ، ومرتبة جهة الصدور يعني عدم كون صدور الخبر تقيّة ، وبعد ذلك مرتبة الدلالة يعني كون الظاهر للخبر.

فإذا تمّت هذه المراتب يصير الخبر حجّة ، وفي مقام التعارض يلزم لحاظ التعارض بين الحجّتين في كلّ مرتبة مع المرتبة الاخرى فلا بدّ من لحاظ أقوائية أصل الصدور في الحجّية مع مرتبة الصدور في الآخر لا في المرتبة الاخرى ، وبعد كون الجمع بين العام والخاص هو الجمع الدلالي ولا تصل النوبة لجهة الصدور ولا أصل الصدور ، فلا بدّ من ملاحظة الأقوائية في تلك المرتبة أي مرتبة الدلالة ولا إشكال في أنّ دلالة الكتاب على المراد ظنية كدلالة الخبر ، وحيث إنّ الميزان في مقام التعارض هو الأخذ بأقوى الدليلين لا إشكال في لزوم الأخذ بالخبر المخصّص لعموم الكتاب لأقوائية ظهوره ، وهذا واضح.

وأمّا التمسّك بالإجماع فقالوا بأنّه كما أنّ الإجماع قائم على عدم جواز النسخ في الكتاب كذلك على عدم جواز تخصيص الكتاب.

وفيه أنّ الإجماع التعبدي لو كان في البين نأخذ به ، ولكن لم يكن على عدم جواز التخصيص إجماع مسلّم ولو كان الإجماع في عدم جواز النسخ لإمكان أنّه لو كان النسخ جائزا لتغيّر ، وحيث إنّ للعامّة تغييرات في الكتاب ويمحون آثار الكتاب

٤٥٦

ويدّعون النسخ فلأجل رفع هذا يمكن الاجماع على عدم جواز النسخ ، لكن ليس هذا في تخصيص الخبر بالكتاب.

وما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ توفّر الدواعي في النسخ وضبطه ولذلك يكون الاختلاف فيه قليلا بخلاف التخصيص ، وبهذا فرّق بين النسخ والتخصيص ليس في محلّه ؛ لأنّ في موارد النسخ أيضا اختلافات كثيرة وقد ألّف في الناسخ والمنسوخ العامّة كتبا وكذا الخاصّة منها كتاب ابن شهرآشوب ، فافهم.

٤٥٧

فصل

اعلم أنّ الخاصّ والعامّ إذا كانا متخالفين فيمكن

أن يكون الخاصّ مخصّصا للعام

اعلم أنّ الخاصّ والعامّ إذا كانا متخالفين فيمكن أن يكون الخاصّ مخصّصا للعام ، كما أنّه يمكن أن يكون منسوخا بالعام ، وكما أنّه يمكن أن يكون ناسخا للعام ، فإن علم بكون النسبة بينهما هي الناسخية والمنسوخية ، أو أنّ الخاصّ تخصيص للعام بأن علم تاريخهما ، فالأمر سهل ، لأنّه لو كان الخاص واردا مقارنا للعامّ أو ورد بعد العام قبل حضور وقت العمل فلا إشكال في كونه تخصيصا للعام ، وأمّا لو كان الخاصّ واردا بعد حضور وقت العمل بالعام فلا إشكال في كونه ناسخا للعام ، وإلّا لو كان تخصيصا للعام يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، كما أنّ قبل وقت حضور العمل لا يمكن أن يكون ناسخا ، لأنّه مع كون الآمر في مقام بيان التكليف الحقيقي كيف يمكن أن ينسخه قبل العمل به؟

نعم يمكن أن يكون ناسخا ، لأنّه مع كون الآمر في مقام بيان التكليف الحقيقي كيف يمكن أن ينسخه قبل العمل به؟! نعم يمكن أن يكون العام تارة في مقام بيان الحكم الظاهري ، فورود الخاصّ بعد العمل به يمكن أن يكون مخصّصا له ، ولا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة ، لكون العام متكفلا للحكم الظاهري ، وإن كان العام واردا

٤٥٨

بعد حضور وقت العمل بالخاص فيمكن أن يكون ناسخا له ، كما أنّه يحتمل أن يكون الخاص مخصّصا له فإن قلنا بأنّ كثرة التخصيص موجب لأن يكون الأظهر كون الخاص مخصّصا مع قلّة النسخ فنقول بكون الخاصّ مخصّصا ، هذا كلّه فيما علم تاريخهما.

وأمّا لو لم يعلم تاريخهما بل يحتمل أن يكون الخاصّ بعد حضور وقت العمل ويحتمل أن يكون واردا قبل حضور وقت العمل ، ولأجل ذلك لم يعلم أنّه مخصّص للعام أو ناسخ له فلا بدّ من الرجوع الى الأصل.

ولا يخفى عليك أنّ صرف ورود أحد الدليلين مثلا من الصادق عليه‌السلام والآخر من الكاظم عليه‌السلام لا يصير دليلا على كون الأوّل تاريخه مقدّم على الثاني كما توهّم ، بل يمكن أن يكون ما وصل إلينا من الكاظم عليه‌السلام المتأخّر عن الصادق عليه‌السلام ورد بلسان علي عليه‌السلام أيضا مثلا ولم يصل إلينا. وعلى أيّ حال في صورة العلم بالتاريخ هو ما قلنا أمّا صورة الجهل بالتاريخ ، الحقّ هو ما قلنا من الرجوع الى الاصول ، هذا كلّه لو قلنا بأنّ النسخ لا يمكن قبل حضور وقت العمل.

ثم لا بأس بصرف الكلام إجمالا الى معنى النسخ. لا يخفى أنّ معنى النسخ هو بيان أمد الحكم كما أنّ البداء معناه إظهار خلاف الظاهر ، والنسخ والبداء معناهما واحد وهما عبارة عن ظهور خلاف الظاهر ، فلم يكن للحكيم جهل ، بل لأجل مصالح لم يظهر الأمر على الخلق ، ثم بعد ذلك إذا ظهر الأمر عليهم يعبّر بالبداء أو النسخ ، ولا مانع من أن يكون هذا من خصائص الشيعة ؛ لأنّ هذا ليس التزاما بأمر غير معقول أو إسناد جهل الى الله تعالى ، بل بهذا المعنى ليس جهل لله تعالى أصلا ، بل هو يعلم بالواقع كما هو ، ولكن أخفى عن الخلق لمصالح ، ثم إذا ظهر عليهم ظهر عليهم خلاف الظاهر الذي يتخيلون ، فافهم واغتنم ، والحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله. هذا تمام الكلام في العامّ والخاصّ ويأتي الكلام في المطلق والمقيّد بعد ذلك إن شاء الله تعالى.

٤٥٩
٤٦٠