المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

المقصد الخامس

في المطلق والمقيّد

٤٦١
٤٦٢

في المطلق والمقيّد

فصل

قد عرّف المطلق بأنّ المطلق ما دلّ على شايع في جنسه ، ولا يخفى عليك أنّ ممّا قلنا في أوّل العام والخاص قد ظهر لك تعريف المطلق لأنّا قلنا بأنّه كلّما يكون مركز الحكم هو الأفراد أوّلا وبالذات ولو لوحظت الطبيعة لم تلحظ إلّا مرآة للأفراد فهو العام ، وكلّما يكون مركز الحكم نفس الطبيعة حقيقة لا الفرد ولو أنّ الحكم من الطبيعة تسري الى الفرد لكن أوّلا وبالذات يكون مركب الحكم هو الطبيعة فهو المطلق.

وهذا تعريف جيد للمطلق ولم يرد عليه إشكال ، ويظهر فرقه مع العام بهذا البيان ولا نحتاج أزيد من ذلك من التكلم في هذا المقام وإنّما المهم هو التكلم في جهة اخرى وهي أنّه هل يكون لفظ للمطلق دالّا عليه بالوضع أو ليس لفظ دالّا على الإطلاق بالوضع ، بل نحتاج في أخذ الإطلاق الى جهة اخرى غير جهة الوضع يعني نحتاج الى مقدمات الحكمة في الأخذ بالإطلاق ويكون أصل الإشكال ناشئا من نحو لحاظ الطبيعة.

فنقول مقدمة لفهم منشأ الإشكال : بأنّ لحاظ الطبيعة يكون على أنحاء فتارة يلاحظ اللاحظ الطبيعة بنفسها عارية من تمام الخصوصيات ولم ير في هذا اللحاظ إلّا الذات وذاتياتها معرّاة عن تمام الجهات حتى أنّ فى هذا اللحاظ لم يلاحظ حيث

٤٦٣

كونها عارية عن الخصوصيات ، بل لاحظ نفس الطبيعة ، ففي هذا اللحاظ لم يلاحظ الطبيعة إلّا من حيث هي هي ، فهي بهذا اللحاظ ليس إلّا هي ، فبحسب الاصطلاح تكون الطبيعة لا بشرط المقسمي ، فإنّه ليس معها شرط ولا مقيّدة بعدم شرط ، بل لاحظ الطبيعة المحضة.

فالطبيعة لو لوحظت على هذا النحو من اللحاظ تجتمع مع جميع الخصوصيات ولا تأبى عن الحمل على الفرد ولا على القليل ولا على الكثير ، ولا تأبى من الاجتماع مع الخصوصيات ، ولذا تحمل ويقال : (زيد إنسان) لأنّ الإنسان على هذا لوحظ لا بشرط ، فهو بهذا اللّحاظ لا كلّي ولا جزئي ، فيجتمع مع الكلّي والجزئي.

وتارة يلاحظ الطبيعة معرّاة عن جميع الخصوصيّات ولم يكن النظر في هذا اللحاظ أيضا إلّا على نفس الطبيعة ولكن لوحظت حيث كونها عارية عن الخصوصيات ، بمعنى أنّ اللاحظ في هذا اللحاظ يرى حيث كونها عارية عن الخصوصيات ، فهذا معنى لا بشرط القسمي بحسب الاصطلاح ، فبهذا اللحاظ لا يصحّ حملها على الفرد ، بل لو حمل على الفرد يكون حملا مجازيا بخلاف القسم الأوّل ، وبهذا اللحاظ لا يجتمع مع الخصوصيات؟

وتارة تلاحظ الطبيعة بشرط كونها مع الخصوصية أو الخصوصيات ، وهذا معنى الطبيعة بشرط شيء بحسب الاصطلاح ، وبهذا اللحاظ تجتمع الطبيعة مع هذه الخصوصية أو الخصوصيات التي لوحظت معها.

وتارة تلاحظ الطبيعة بشرط عدم كونها مع شيء ، وهذا يعني عدم كون شيء معها لوحظ حين اللحاظ ، وهذا معنى الطبيعة بشرط لا بحسب الاصطلاح.

إذا عرفت هذه الأقسام التي يمكن أن يلاحظ اللاحظ الطبيعة نقول بأنّ القسم الثالث أي الطبيعة بشرط الشيء والقسم الرابع أي الطبيعة بشرط لا ليس محلّ كلامنا في هذا المقام ، بل يكون منشأ النزاع في هذا المقام راجعا الى القسم الأوّل

٤٦٤

والثاني ، وأنّ اللاحظ لاحظ الطبيعة مطلقة ومن حيث هي هي أي لا بشرط المقسمي ، أو لاحظها بنحو لا بشرط القسمي ، فإن لاحظها بالنحو الثاني فتكون الطبيعة مطلقة بنفسها وحملها على الأفراد ليس مجازا وإن لاحظها بالنحو الأوّل فلم تكن الطبيعة مطلقة بنفسها ، لأنّها لم تكن من حيث هي هي وحملها على الأفراد يكون حملا مجازيا ونحتاج الى الأخذ بالإطلاق من التشبث بجهة اخرى.

إذا عرفت ذلك نسير من هذه الجهة أي الجهة العقلية الى عالم اللفظ ونتكلم في أنّ الواضع إذا لاحظ معنى الانسان مثلا هل لاحظه مطلقا وعاريا عن جميع الجهات ولم ير إلّا نفسه حتى لم ير ولم يلاحظ حيث عريانة من الخصوصيات أو ليس كذلك ، بل هو حين اللحاظ لاحظه مطلقا وعاريا عن الخصوصيات ، لكن لاحظ حيث عريانة عن الإضافات والخصوصيات.

فإن لاحظه على النحو الأوّل ووضع له اللفظ فالإطلاق غير مستفاد من الوضع وبحسب الوضع لا يدلّ لفظ (الإنسان) على الإطلاق ، لأنّ حيث الإطلاق وكونه عاريا عن الخصوصيات غير ملحوظ على هذا حين الوضع ، بل لم يلاحظ حين الوضع إلّا ذات الإنسان ، فعلى هذا يكون أخذ الإطلاق محتاجا الى مقدمات الحكمة وليس بالوضع ، وليس حمله على الفرد مجازا أيضا لعدم إبائه بهذا اللحاظ عن الحمل ، فحمل الإنسان على زيد ليس حملا مجازيا.

وأمّا لو كان الواضع لاحظ معنى الإنسان بالنحو الثاني أي لا بشرط القسمي ووضع له لفظ (الإنسان) فالإطلاق مستفاد منه بالوضع ولا حاجة الى مقدمات الحكمة على هذا في إثبات الإطلاق ؛ لأنّ الواضع رآه مطلقا حين الوضع ، وعلى هذا يكون حمل الإنسان على الفرد مجازا ، مثلا لو قلت : (زيد إنسان) ليس حمل حقيقيا ؛ لأنّ الإنسان موضوع للطبيعة الملحوظة معه حيث كونه عاريا عن الحمل وكلّ الخصوصيات ، فحمله لا يصحّ إلّا مجازا ، ولذا من يقول بأنّ الأمر كذلك يقول بأنّ

٤٦٥

علاقة الإطلاق والتقييد من العلاقات المجازية ، فهذا منشأ النزاع بين سلطان العلماء وبين المتأخّرين فإنّ سلطان العلماء رحمه‌الله يقول بأنّ أخذ الإطلاق غير محتاج الى شيء من الخارج ، هو مستفاد من الوضع لكون اللاحظ حين الوضع لاحظ بالنحو الثاني والمتأخّرون قائلون بأنّ أخذ الإطلاق محتاج الى مقدمات الحكمة ، وغير ثابت ذلك بالوضع لكون الوضع على النحو الأوّل.

إذا عرفت منشأ الاختلاف أظنّ أنّ الأمر واضح وأنّ الواضع حين اللحاظ لم يلاحظ إلّا نفس الطبيعة ونفس المعنى بدون لحاظ حيث آخر فيكون الحقّ مع المتأخّرين ، والوجدان شاهد على ذلك مثلا ترى أنّك لو سمّيت ابنك بعلي فهو أيضا لفظ مطلق لشموله لجميع حالاته من صغره وكبره وصحّته وسقمه وعلمه وجهله ، فأنت غير ناظر الى حيث كونه عاريا من هذه الخصوصيات حين وضع الاسم له ، بل تلاحظ ذاته وسمّيت بعلي ، ولذا يطلق عليه هذا الاسم في جميع هذه الحالات في حال الصغر والكبر ، وغير ذلك بدون علاقة مجازية ، والحال أنّك لو لاحظت حين الوضع حيث كونه عاريا من الخصوصيات فحمل هذا الإسم عليه في هذه الحالات لم يكن جائزا إلّا مجازا ، فحمل الاسم عليه في جميع الحالات بدون علاقة مجازية شاهد على أنّ حين الوضع يكون لحاظ الأين بالنحو الأوّل يعني لا بشرط المقسمي ، فالمطلب واضح لا ريب فيه.

ثم إنّ الإطلاق تارة يكون بالنسبة الى الأفراد وتارة يكون بالنسبة الى الأحوال والأزمان ، فاللفظ المطلق تارة يكون مطلقا بالنسبة الى الأفراد فيكون إطلاقه بالنسبة الى الأفراد ، وتارة يكون إطلاقه بالنسبة الى الأحوال والأزمان ، وهذا القسم يكون كثيرا ، لأنّ هذا يجري حتى بالنسبة الى الأعلام الشخصية مثلا لفظ (زيد) ولو لم يكن له إطلاق بالنسبة الى الأفراد لكونه جزئيا ولكن له إطلاق بالنسبة الى الأحوال والأزمان ، فمعنى إطلاقه للأحوال والأزمان شموله لكلّ حال

٤٦٦

من حالاته حال صحّته وحال سقمه ، حال سفره وحال حضره ، وهكذا زمان صغره وكبره ، ففي هذا القسم لا يحتاج الى التكلّم أزيد من هذا ، ولكن ما وقع الكلام في ألفاظ المطلق هو القسم الأوّل يعني اللفظ الدال على الإطلاق بالنسبة الى الأفراد ، فقد عدّ لهذا القسم ألفاظا يتعرضون لها في هذا المقام ونحن أيضا نقتفي أثرهم.

فنقول : يقع الكلام في الألفاظ الدالّة على الإطلاق منها : اسم الجنس ، لا يخفى عليك أنّ اسم الجنس هو لفظ في قبال الطبيعة أي اللفظ الموضوع للطبيعة ، ولا إشكال في أنّ هذا اللفظ لم يلاحظ إلّا في الطبيعة الصرفة التي نعبّر عنها بالفارسية (بطبيعة ليسيده) التي لم يكن معها شيء ولم يلاحظ معها شيء ، بل لاحظها الواضع حين الوضع الطبيعة من حيث هي ووضع لها هذا اللفظ ، وحيث إنّ اللاحظ لم يلاحظ حين الوضع معه شيئا يصدق على القليل والكثير وقابلة لقبول كلّ الطوارئ وغير آبية عن الحمل.

ويكون لحاظ اسم الجنس ووضعه بعين وضع مادة المشتقات ، فكما أنّ مادة المشتقات وهو (ض ر ب) مثلا ليس معه هيئة حين الوضع ولم يلاحظه إلّا نفسها مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض حتى أنّ ذلك غير مأخوذ في لحاظها ، ولذا قابلة لكلّ هيئة ، هيئة الماضي والمضارع وغير ذلك كذلك يكون في اسم الجنس وإن كنت مائلا لفهم صحّة ما قلنا ووضوح المطلب يكون حال الطبيعة ، ووضع هذا اللفظ له حال المادة ، فكما أنّ المادة لم يلاحظ معها شيء وتقبل كلّ صورة كذلك لاحظ اللاحظ الطبيعة بهذا النحو ووضع لها هذا اللفظ أي اسم الجنس.

فعلى هذا يكون اسم الجنس موضوعا لنفس الطبيعة بنفسها مع قطع النظر عن الطواري والعوارض ولم يلاحظ معها شيء أصلا حتى حيث عدم كون شيء معها ، فاسم الجنس موضوع للطبيعة المهملة لعدم وضعه إلّا في قبال نفس الطبيعة الشاملة للقليل والكثير ، فإذا أطلق لم يفهم منه أنّ المراد تمام أفراد الطبيعة أو بعضها ، بل لا بدّ

٤٦٧

في استفادة الإطلاق منه التشبث بمقدمات الحكمة.

ومنها علم الجنس ويكون هذا أشكل من اسم الجنس لحيث كونه معرفة وأنّ ما هو السرّ في كون علم الجنس معرفة واسم الجنس نكرة ، مع أنّ كلّ منهما يدلان على نفس الطبيعة وموضوعان في قبال نفس الطبيعة. ولأجل دفع هذا الإشكال اضطر المحقّق الخراساني رحمه‌الله الى الالتزام بكون التعريف في علم الجنس تعريفا لفظيا ، فكما أنّ التأنيث اللفظي يكون كثيرا كذلك لا مانع من أن يكون تعريف لفظ أيضا تعريفا لفظيا.

ولكن لا يخفى عليك فساد هذا الكلام ؛ لأنّ التعريف والتنكير من خصوصيات المعنى ولم يكن مربوطا بعالم اللفظ أصلا فكلّ ما يكون معرفة يكون معرفة في عالم المعنى لا في عالم اللفظ ، ولذا ترى أنّ المبتدأ لا بدّ وأن يكون معرفة والخبر نكرة ، لأنّ المبتدأ معروف في عالم المعنى والخبر غير معروف في عالم المعنى ، مثلا (زيد قائم) ، زيد معرفة لكونه معروفا بحسب المعنى بخلاف القيام فإنّه حين وقوعه خبرا غير معروف ، ولذا قالوا بأنّ الأوصاف قبل العلم بها أخبار ، والأخبار بعد العلم بها أوصاف ، لعدم معلومية معناها قبل العلم وبعد العلم يصير معلوما فتكون أوصافا ، فهذا شاهد على كون المعرفة والنكرة من خصوصيات المعنى لا اللفظ. وقياسه بالتأنيث اللفظي قياس مع الفارق ؛ لأنّ التأنيث من خصائص الألفاظ ولا يرتبط بعالم المعنى ، بل التأنيث والتذكير ليس إلّا في جهة اللفظ وامتيازاتهما أيضا في عالم اللفظ من تأنيث الضمير للمؤنث وتذكيره للمذكر ، فلا بدّ من بيان الفرق بين علم الجنس واسم الجنس من جهة اخرى بعد عدم كفاية التعريف اللفظي له بما قلنا من انّ تعريف اللفظ يكون لأجل كون المعنى متعيّنا فلا يكفي التعريف اللفظي.

ثم إنّ ما يظهر من المشهور من أهل العربية في مقام الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس من أنّ الأوّل يكون نكرة والثاني معرفة مع كون كلّ منهما موضوعا للطبيعة

٤٦٨

هو أنّ اسم الجنس حيث يكون موضوعا للطبيعة بلا ضمّ شيء وقيد آخر فيكون نكرة لعدم تعيين على هذا فيه ، وأمّا علم الجنس فهو حيث يكون موضوعا للطبيعة بقيد الإشارة الذهنية أي كونه مشارا إليه بالإشارة الذهنية فيصير معرفة ؛ لأنّ هذا الحيث ـ يعني حيث كونه دالّا وموضوعا للطبيعة بقيد الإشارة الذهنية ـ يعيّنه ويصير سببا لتعيينه فيصير معرفة ، وأمّا في اسم الجنس فحيث لم يكن هذا الحيث في البين يكون نكرة ، هذا حاصل كلامهم.

ولكن هذا الفرق أيضا لا يكفي لوجه الفرق أمّا أوّلا : فبأنّ المعرفة هو ما يكون معناه متعيّنا عند المخاطب ، ولا يكفي صرف التعيين عند المتكلم ، وإلّا فيكون كلّ نكرة معرفة ، لأنّ معناه معيّن عند المتكلّم ، فالمعرفة لا بدّ من كون معناها معيّنة عند المخاطب.

فعلى هذا نقول بأنّ قيد الإشارة الذهنية لا يكفي للتعيين عند المخاطب ، لأنّ قيد كون الطبيعة مشار إليها بالإشارة الذهنية يصير سببا لتعيين المعنى عند المتكلم ، وهذا لا يكفي في صيرورة المعنى معيّنا عند المخاطب حتى يصير اللفظ معرفة.

وثانيا : يرد عليه إشكال المحقّق الخراساني رحمه‌الله وهو أنّ قيد الإشارة الذهنية إن كان قيدا فلا يعقل صدقه على الخارجيات ؛ لأنّ الكلّي العقلي لا يصدق على الخارج ، ومراده من الكلّي العقلي الوارد في كلماته في بعض الموارد ليس هو معناه المصطلح أي الكلّي ، بل الجزئي المقيّد بالذهن أيضا لا يصدق على الخارج ، فغرضه أنّ ما هو المقيّد بالذهن غير ممكن سرايته الى الخارج.

ففي المقام أيضا لو كان قيد الإشارة الذهنية على ما قالوا قيدا لا يمكن صدقه على الخارج وإن لم يكن حيث الإشارة الذهنية قيدا فلا نفع لهذا القيد وهذه الزيادة فالموضوع له علم الجنس بعد إلغاء هذا القيد هو نفس الموضوع له اسم الجنس ، فهذا الكلام وقيد الاشارة الذهنية لا يكفي لتعيّن معنى علم الجنس حتى يصير معرفة.

٤٦٩

وشيخنا الاستاذ رحمه‌الله قال في دفع هذا الإيراد بأنّ قيد الإشارة الذهنية إن لوحظت استقلالا يكون لهذا الإشكال مجال ، لعدم الصدق على هذا على الخارجيات وأمّا إن لوحظت مرآة للخارج فصدقه على الخارجيات ممكن كما ترى في كلّ ما لوحظ في الذهن مرآة للخارج.

ولكن فيه أنّ هذا الكلام غير تام ، وعلى هذا لا يبقى فرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ، لأنّه لو لم يكن قيد الإشارة الذهنية لحاظه الا مرآة للخارج فلم يحصل فرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ، فهذا الكلام تسليم لعدم الفرق بينهما ؛ لأنّ بعد كون قيد الإشارة الذهنية موجبا لصيرورته معرفة فهذا الحيث أي الإشارة الذهنية بقيد الذهنية ملحوظا ، وإن لم يكن كذلك فلا فرق بينهما ، فهذا الكلام لبّه تسليم الإشكال لا دفع الإشكال.

وقال آقا ضياء الدين العراقي مدّ ظله تصحيحا لهذا الفرق الذي قالوا في وجه الفرق بين علم الجنس واسم الجنس : أولا بأنّه كما أنّ المعلوم يكون له صورة ذهنية ويكون موجودا في الذهن ومع ذلك يسري الى الخارج وينطبق على الخارج ، فلو علمت بوجود زيد يكون زيد معلوما لك وموجودا في ذهنك ومع ذلك ينطبق على الخارج ، فمعلومك وهو زيد موجود في الخارج كذلك نقول بأنّه لا منافاة بأن يكون علم الجنس موضوعا للطبيعة بقيد الإشارة الذهنية ، ومع هذا ينطبق على الخارج.

وفيه أنّ هذا التوهّم حصل من الاشتباه بين أنّ ما هو موجود في الذهن هو مفهوم الإشارة أو مصداق الإشارة ، فإن كان الموجود في الذهن والملحوظ في هذه المواطن هو مفهوم الإشارة فالسراية الى الخارج ممكنة كما أنّ المعلوم الموجود في الذهن إن كان مفهوم المعلوم يمكن سرايته الى الخارج ، وأمّا إن كان مصداق المعلوم فلا يمكن سرايته الى الخارج.

وفي أسماء الإشارة بعد ما قلنا بكون الموضوع له فيها الخاص وإن كان الوضع

٤٧٠

عامّا فالملحوظ في الذهن هو مفهوم الإشارة ، وما يكون في الخارج هو مصداق الإشارة ، ولذا تقول مثلا هذا كما أنّك تارة ترفع إصبعك نحو أحد وتارة تشير له وتقول هذا فالموضوع له فيها خاصّا. فعلى هذا ما هو موجود في الذهن هو مفهوم الإشارة فلو كان علم الجنس موضوعا للطبيعة مقيّدة بالإشارة الذهنية لا بدّ بأن يكون مقيّدا بمفهوم الإشارة بعد كونه في الذهن والطبيعة مقيّدا بهذه ـ الحيث ـ أي حيث الوجود الذهني ـ الإشارة فلا يسري الى الخارج وهذا واضح.

ولذا قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله في عدم كون الألفاظ موضوعة لمعانيها بما هي مرادة بأنّ الإرادة التي توهم إن كان مفهوم الإرادة فلا يسري الى الخارج ، وهو كلام صحيح ويكون لأجل ما قلنا من أنّ المفهوم الذي في الذهن لا يسري الى الخارج فكذلك في المقام.

ثانيا : بأنّا لم نقل بالتقييد ولم نقل بأنّ علم الجنس موضوع للطبيعة مقيّدا بالإشارة الذهنية حتى أنت تستشكل وتقول بعدم سرايته الى الخارج بل نقول بأنّ علم الجنس موضوع للطبيعة توأما بالإشارة الذهنية فلا يرد إشكال.

وفيه أنّ تغيير العبارة غير مفيد لدفع الإشكال فإنّ ما تقول من كونها توأما بالإشارة الذهنية هذا لوحظ قيدا له ولوحظ معه ، أم لا ، فإن لوحظ معه أيضا يعود الإشكال ولا يسري الى الخارج فإن لم يلاحظ معه ولم يكن قيدا له فلم يحصل الفرق بينه وبين اسم الجنس.

فظهر لك أنّ الايراد المحقّق الخراساني رحمه‌الله في محلّه ، وأنّه لو كان كذلك كما قال يلزم عدم سرايته بالخارجيات إلّا بالتعرية ، ونحن نرى سرايته بالخارجيات بلا تجريد ، فهذا الفرق ليس بفارق.

وقال صاحب الفصول رحمه‌الله في مقام الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس بأنّ صرف تعيّن المعنى لم يصر سببا لصيرورة اللفظ الموضوع له معرفة ، بل معنى اللفظ لو

٤٧١

كان فيه التعيين بما هو معيّن ووضع اللفظ بحذاء المعنى المعيّن بما هو معيّن يصيّر اللفظ معرفة ، فلا بدّ في المعرفة مضافا إلى كون المعنى معيّنا من زيادة ما هو معيّن ، فنقول : إنّ اسم الجنس حيث لم يكن كذلك تكون نكرة وعلم الجنس حيث وضع المعنى المعيّن بما هو معيّن يكون لفظه معرفة.

وفيه أنّا نرى بالوجدان بأنّ أحدا من الواضعين حين وضع المعنى لم يلاحظ هذا الحيث حين الوضع ـ بما هو معيّن ـ مثلا أنت في الحين الذي سمّيت اسم ابنك بمحمد هل تلاحظ ذات ابنك المعيّن بما هو معيّن أو تلاحظ نفس ابنك؟ فلا إشكال في أنّ الملحوظ هو ذات الابن المعيّن ، فهذا الكلام كلام يشهد الوجدان على خلافه.

ثم بعد ما عرفت من عدم تمامية ما قالوا في وجه الفرق بين علم الجنس واسم الجنس وكون الأوّل معرفة والثاني نكرة نقول : والذي يكون مقتضى التحقيق في المقام في وجه الفرق بينهما هو أن يقال بأنّ لحاظ الطبيعة يمكن أن يكون على نحوين :

فتارة يلاحظ اللاحظ الطبيعة في مقابل سائر الطبائع مثلا يلاحظ الانسان في مقابل الحجر ولم يلاحظ أفراده أصلا ولم تكن الأفراد منظورة ، بل لا نظر له إلّا بنفس الطبيعة في مقابل سائر الطبائع ، وحيث إنّ لفظ المعرفة هو لفظ دالّ على معنى يكون متعيّنا في نفسه والنكرة بخلافها تكون لفظ موضوع للطبيعة الملحوظة بهذا اللحاظ أي في مقابل سائر الطبائع ـ معرفة ؛ لأنّ كلّ طبيعة إذا لوحظت في قبال سائر الطبائع يكون فيها التعيين بنفسها ، وهذا بديهي ، مثلا طبيعة المرأة في قبال طبيعة الرجل فيها التعيين فكل لفظ وضع للطبيعة بهذا اللحاظ يكون معرفة لتعيّن معناه بنفسه وعلم الجنس حيث يكون موضوعا للطبيعة الملحوظة بهذا اللحاظ يكون معرفة.

وتارة يلاحظ اللاحظ الطبيعة باعتبار انطباقها على الأفراد وصدقها على الأفراد ، فهذا الحيث ـ أي حيث انطباقه وصدقه على الأفراد ـ يكون مأخوذا حين

٤٧٢

اللحاظ ، وبهذا الاعتبار لا يكون تعيّنا لها لعدم تعيين كونها منطبقة على أي فرد من الأفراد ، فلو وضع اللفظ بازاء هذا المعنى لم يكن معرفة لعدم تعيّن معناه ، فاسم الجنس حيث يكن موضوعا للطبيعة باعتبار انطباقها وصدقها على الأفراد يكون نكرة ، ولذا قلنا بكون اسم الجنس دالّا على الطبيعة المهملة لعدم معلومية انطباقه على أيّ فرد من الأفراد.

فهذا هو الفرق بين كون اسم الجنس نكرة لعدم تعيّن معناه بنفسه لدخل انطباق معناه على الأفراد وصدقه عليهم وبين كون علم الجنس معرفة لكون التعيّن في معناه للحاظ معناه طبيعة في مقابل سائر الطبائع ، ولأجل هذه الطبيعة بهذا اللحاظ لا يصدق على غير المراد وعلم الجنس أيضا لا يسري الى الأفراد ولم نر موردا أطلق علم الجنس على الفرد ولا صدق على الفرد وإن قال بعض العامة بذلك ، لكن نحن لم نر في استعمالات العرب ذلك.

ومنها المعرّف بالألف واللام ، ولا إشكال في ألف ولام الجنس وكذلك في العهد الخارجي إنّما الإشكال في العهد الذهني وأنّه كيف يكون معرفة المعرّف بالألف واللام؟

وقال المحقق الخراساني بعد عدم وجدانه توجيها لكون المعرّف بالألف واللام بتوهّم عدم تعيين في تعريف أسماء الإشارة تعيينا ذهنيّا فإنّ الألف واللام تكون للتزيين.

وفيه أنّ هذا الكلام في غير محلّه ، وليس يمكن أن يقال في كلّ مورد يكون الألف واللام للتزيين ، بل ميزان كونهما للتزيين هو أنّ كلّ مورد يكون في نفس اللفظ جهة من المحسنات ، حيث إنّ بالعلمية يصير علما ولم يلاحظ فيه جهة الحسن بعد العلمية ، بل يكون صرف العلم إذا أرادوا في بعض الموارد أن يستفاد من العلم أيضا حيث الحسن الذي كان في اللفظ مع قطع النظر عن علمية المجيء بالألف واللام لفهم هذا

٤٧٣

الحيث ، ولذا نرى أنّهما لا يدخلان على كلّ لفظ ، بل يدخلان في لفظ يكون فيه جهة حسن كالفضل والحسن ونحوهما.

ولذا ترى أنّ في مثل تلك الموارد ذكر الألف واللام وحذفهما سيّان ، لعدم إخلال باللفظ ، وهذا بخلاف الألف واللام في العهد الذهني ، ولذا ترى أيضا أنّ الألف واللام التزيينيين يدخلونه في اللفظ إذا كان نظرهم التمجيد والتعظيم ، وأمّا لو أرادوا التوبيخ أو التوهين فلا يدخلونهما على اللفظ ، ولأجل هذا ترى من بعض العامّة أنّهم يدخلون الألف واللام التزيينيين في حسن البصري ويقولون : الحسن البصري بعنوان تعظيمه ولا يدخلونها في الحسن المجتبى سلام الله عليه ويقولون ، حسن بن علي ، لأنّ قصدهم التوهم كذلك يدخلون في عباس عمّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا يدخلونها على العباس بن علي سلام الله عليهما.

والحاصل أنّ الألف واللام التزيينيين تدخل في بعض الألفاظ ولا يمكن الالتزام بكون الألف واللام مطلقا في العهد الذهني هو التزيين فهذا الكلام في غير محلّه.

فالحق في المقام هو أن يقال بعد عدم كون الألف واللام مشتركا لفظيا بالنسبة الى أقسام المعرّف بهما من الجنس والاستغراق والعهد الذهني والذكري ، بل في كلّ منها يكون الألف واللام دالّان على معنى واحد وخصوصية الجنس وغيره تستفاد من أمر آخر نقول بأنّ الألف واللام يكون للتعيين ، ومعنى كونهما للتعيين هو حيث كونهما إشارة الى شيء معيّن ، فالألف واللام يكونان للإشارة.

فإذا كان الألف واللام للإشارة نقول بأنّ الألف واللام إذا دخلا على الطبيعة بعد كونهما للإشارة وكون المدخول هو اللفظ الدالّ على الطبيعة فعند الإطلاق وبحسب الظاهر الأولي إذا لم يكن قرينة على كون المراد من الطبيعة الفرد يكون الألف واللام تعيينا وإشارة الى نفس الطبيعة ، لما قلنا من كونهما للإشارة ، وكون الظاهر الاولي من المدخول الدالّ على الطبيعة إذا لم يكن قرينة على إرادة الفرد هو نفس الطبيعة ، فعند

٤٧٤

الإطلاق حيث لا قرينة تدلّ الألف ولام التعريف إذا دخلا على الطبيعة على تعيين الجنس فيكون ظاهرها الأوّلي هو إرادة الجنس ، فالمعرّف بالألف واللام للجنس عند الإطلاق إذا لم تكن قرينة على إرادة الفرد.

وهذا مراد صاحب المعالم رحمه‌الله من أنّ الألف واللام لتعريف الجنس حيث لا عهد في البين وأمّا إذا قامت القرينة على عدم كون الإشارة الى الطبيعة ، بل أشار الى الفرد فإن كان في البين قرينة على الفرد المعيّن الخارجي من الطبيعة فتكون الألف واللام إشارة الى العهد الخارجي لقيام القرينة عليه وإن كانت إشارة الى فرد معيّن في الذهن ، فيكون الألف واللام إشارة الى العهد الذهني بعد قيام القرينة على هذا.

وإن قامت القرينة على عدم كونهما اشارة الى نفس الطبيعة بل يكونان مشيرا الى الفرد ولم تقم قرينة على الإشارة الى فرد معيّن في الخارج أو في الذهن فيكون المعرف بالألف واللام للاستغراق ؛ لأنّ بعد عدم كون الإشارة الى الطبيعة وبعد عدم الإشارة الى فرد معيّن مع كون الألف واللام للإشارة فلا بدّ من أن يكون الألف واللام إشارة الى كلّ الأفراد مثلا في قوله تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) يستفاد منه بقرينة : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) كون الألف واللام في (الانسان) مشيرا الى الأفراد وبعد عدم القرينة على تعيين الفرد نستفيد الاستغراق من الانسان.

فظهر لك أنّ في كل هذه الموارد استعمل الألف واللام في معنى نفسه وهي الإشارة ، غاية الأمر الاشارة إن كانت الى الطبيعة فنقول بأنّ الألف واللام للجنس ، وإن كانت الإشارة الى فرد معيّن خارجي أو ذهني نعبّر بالألف واللام عن العهد الخارجي أو الذهني ، وإن كانت الإشارة الى جميع الأفراد نعبّر بالألف واللام عن الاستغراق.

وظهر لك أنّ المعرّف بألف ولام في الجنس وفي الاستغراق وفي العهد الخارجي

٤٧٥

يكون معرفة ، لكون معناه معينا في كلّ هذه الثلاثة عند المخاطب. ويظهر من ذلك الفرق بين اسم الجنس والمعرّف بالألف واللام الجنس ، لأنّ الأوّل نكرة لعدم تعيّن معناه كما قلنا سابقا بخلاف الثاني فإنّ معناه معيّنا في نفسه لكون الاشارة للتعيين الى نفس الطبيعة بحسب الظاهر الأوّلي ، فالطبيعة في المعرف بألف ولام الجنس أريد منها الطبيعة في مقابل سائر الطبائع كما قلنا في علم الجنس ، فيكون اللفظ الدالّ عليه معرفة وأنّ الألف واللام مشير الى نفس هذه الطبيعة عند عدم القرينة على كونهما مشيران الى الأفراد.

ولا يخفى عليك أنّ الطبيعة ولو لوحظت في قبال سائر الطبائع إلّا أنّه يسري الى الأفراد باعتبار أنّ الحكم من الطبيعة يسري الى الفرد ولو لوحظت نفس الطبيعة لا غير. وممّا مرّ يظهر لك سرّ دلالة الجمع المعرّف بالألف واللام على العموم ، لأنّ بعد قيام القرينة على عدم إرادة الطبيعة والإشارة إليها بل الألف واللام مشيران الى الفرد والقرينة هو نفس الجمع فإنّ الإتيان بالجمع قرينة على إرادة الفرد ؛ لأنّ الجمع دالّ على ثلاثة أو أزيد من أفراد الطبيعة ، فالطبيعة غير مرادة مسلّما وليس قرينة على خصوص فرد فلا بدّ وأن يكون الألف واللام إشارة في الجمع المعرّف إلى العموم والاستغراق ، لما قلنا. لكن هذا سرّ كون الجمع المعرّف مفيدا للعموم.

لا ما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ الجمع المعرّف بالوضع يدلّ على العموم ، وإلّا لو لم يكن بالوضع فكما أنّه يمكن كون الألف واللام إشارة الى كلّ الأفراد فيكون تعيّنا بها كذلك في مراتب الجمع أيضا تعيينا فيحمل على أقلّ مراتبه لا على تمام المراتب ؛ لأنّ كلامه فاسد ؛ لأنّ هذا المحقّق رحمه‌الله في أوّل كتاب الكفاية قال بأنّ الالتزام بوضع على حدة للهيئات غير وضع المفردات فاسد ، ولم يكن الأمر كذلك ، فعلى هذا (الرجال) مثلا وهو الجمع المعرف على الفرض يكون الألف واللام فيه للإشارة فقط ومادة الرجال أيضا لا تدلّ على نفس الطبيعة ، وهيئة الجمع هنا لا تدل

٤٧٦

إلّا على ثلاثة أو أزيد من الطبيعة ، فالعموم الوضعي استفيد من أي موضع من الرجال ، وما قال من أنّ أقل مراتب الجمع أيضا مبيّن.

فيه أنّ تعيين المرتبة غير كاف لكون الإشارة بهذه المرتبة يمكن أن تكون المرتبة معلومة ، ومع ذلك لا يفيد التعيين مثلا إذا قال (الثلاثة) فمع كون الثلاثة معيّن ولكن مع ذلك المخاطب لا يدري أنّ ثلاثة من أي طبيعة يكون مراده ، أو قال : (العلماء) وفهمت بأنّ ثلاثة منها مراده ولكن لا تدري بأنّ أي ثلاثة منها مرادا هل زيد أو عمرو أو بكر من العلماء مراد أو ثلاثة اخرى؟ فتعيين المرتبة لم يفد ، بل لا بدّ من تعيين الأشخاص. فعلى هذا بعد عدم القرينة على ثلاثة أو الأزيد منها يدلّ الجمع المعرّف على العموم فليس عمومه بالوضع ، بل بما قلنا يظهر لك كونه للعموم.

وممّا مرّ يظهر لك وجه عدم دلالة المفرد المعرّف بالألف واللام للعموم ؛ لأنّ عند إطلاق الألف واللام قلنا بكونهما إشارة الى الطبيعة وليس قرينة فيه دالّة على كون الإشارة الى الفرد ، فتكون الإشارة الى نفس الطبيعة ، فالعموم غير مستفاد من الطبيعة ؛ لأنّ في العموم قلنا بكون الحكم أوّلا وبالذات على الفرد وإن حمل على الطبيعة اخذت مرآة للأفراد ، ففي المفرد المعرّف حيث لا قرينة على إرادة الفرد لا يفيد العموم.

واعلم أنّ ما قلنا من أنّ اللفظ الدالّ على المعنى المعيّن بنفسه معرفة وفي مقابله النكرة لا ينافي ذلك مع كون انطباق اللفظ بالخارج محتاجا الى ضمّ شيء اليه ، بل المعرفة هي لفظ دالّ على معنى معيّن بحيث يعلم المخاطب أنّ المراد معنى خاص والنكرة لفظ دالّ على معنى مردّد بحيث يعلم المخاطب أنّ معناه مردّد لا أنّ معناه معيّن وهو لا يدري أنّ المراد منه بل المتكلم أيضا لم يرد من اللفظ معنى خاص ولو كان نظره الى فرد خاص وشخص خاص ولكن هذا ليس من باب أنّه أراد من لفظ النكرة معنى معينا خاصا فكون اللفظ في انطباقه بالخارج محتاج الى قرينة خارجية

٤٧٧

لم يضرّ بحال كونه معرفة ؛ لأنّ مع ذلك يكون معناه خاص معيّن.

كما ترى أنّ أسماء الإشارة والضمائر والموصولات من المعارف ، ومع ذلك انطباقه على الخارج محتاج الى القرينة ، فهذا أو هو أو الذي لم يدلّ بنفسه ولم يعيّن ما أشار له أو يرجع اليه أو وصفا له إلّا بالضم المشار اليه أو المرجع أو الصلة به ، ولكن مع ذلك فيه التعيين وكلّها من المعارف كما هو واضح واحتياج تعيين اللفظ من حيث انطباقه بالخارج بالقرائن الخارجية لم يصر سببا لعدم كون تعريفه تعريفا حقيقيا كما توهّم المحقّق الخراساني رحمه‌الله وقال بأنّ حيث يكون استفادة الاستغراق أو غيره محتاجا في المعرّف بالألف واللام الى القرائن الخارجية لم يكن من المعارف ، لما قلنا من فساد ذلك ، وما هو الميزان في كون اللفظ معرفة ، وما هو الميزان في كونه نكرة ، فتدبّر جيدا.

فظهر لك ممّا مرّ أنّ المعرّف بالألف واللام فيما يكون تعريفا للجنس أو الاستغراق أو العهد الخارجي يكون معرفة ، وأمّا فيما يكون تعريفا للعهد الذهني فيكون نكرة ، لعدم تعلّق معنى خاص له في نظر المخاطب ، فافهم.

منها : النكرة ، والمراد من النكرة هنا يعني بالاصطلاح الاصولي هو في مقابل اسم الجنس والمعرّف بالألف واللام لا النكرة بحسب الاصطلاح النحوي التي عبّر عنها بالفرد المنتشر أو الفرد المردّد وإن كان هذا التعريف الذي قيل للنكرة بالاصطلاح النحوي في غير محلّه لو كان مرادهم من الفرد المردّد هو الفرد المردّد بحسب الخارج والمصداق ؛ لأنّ هذا غير ممكن ، لأنّ الوجود مساوق للتشخّص فلا معنى لكون الشيء فردا ، ومع ذلك يكون فيه الترديد ؛ لأنّ ما هو فرد خارجي هو ما يكون في الخارج موجودا وجودا متشخّصا فكيف يمكن فيه الترديد؟

وعلى أيّ حال النكرة المبحوثة في المقام هي في مقابل اسم الجنس والمعرّف بالألف واللام فنقول : بعد كون اسم الجنس دالّا على نفس الطبيعة مثلا (رجل) دالّ على نفس الطبيعة فإذا دخل عليه التنوين وصار نكرة يدلّ التنوين على الوحدة

٤٧٨

فيكون لفظ (رجل) مع دخول التنوين عليه موضوع للطبيعة بقيد الوحدة ، فالنكرة أي لفظ النكرة موضوع للطبيعة بقيد الوحدة ، ثم بعد ذلك انضمام بعض الجهات الخارجية عليه يوجب فهم بعض خصوصيات أخر منه.

فإذا أخبر عن لفظ النكرة وقال : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) نفهم من انضمام خصوصية الأخبار به أنّ المراد من لفظ النكرة يكون فردا من الطبيعة ، مثلا في المثال نفهم بقرينة الأخبار من (رجل) أنّ فردا من طبيعة الرجل جاء من أقصى المدينة ، فخصوصية الفرد من الطبيعة فهمت من حيث الإخبار فيكون في مثل هذا المقام المراد من لفظ النكرة هو فرد من أفراد الطبيعة ، فالوحدة التي كانت في النكرة من أجل التنوين تكون وحدة فردية فيستفاد في مثل ذلك المورد التعيين من لفظ النكرة ؛ لأنّ المراد فرد مخصوص ولو لم يعلم به المخاطب.

ففي ما أخبر بالنكرة يعني في مقام الإخبار لا يمكن استفادة الإطلاق الفردي من لفظ النكرة ، لكون الوحدة وحدة فردية ولم يرد من النكرة بقرينة الإخبار الّا فرد واحد ، وإذا وقع لفظ النكرة تحت الإنشاء مثل (أكرم رجلا) ففي مقام الانشاء نستفيد من خصوصية الانشاء أنّ المراد من الوحدة التي تكون في النكرة لأجل التنوين ليست الوحدة الفردية بل وحدة الكلّي ، لما قلنا من أنّ لفظ (رجل) بلا تنوين دالّ على نفس الطبيعة وتنوينه دالّ على الوحدة ، وحيث وقوعه تحت الإنشاء دالّ على كون الوحدة وحدة الكلّي لا الفردي ، لأنّه يمكن إكرام أي فرد من الرجل ، ولذا هذا القسم يمكن فيه الإطلاق بضميمة مقدمات الحكمة لقابليّته لأنّ يكون إكرام الواجب على متعلّقه أي فرد من أفراد الرجل.

فظهر لك أنّ في صورة الإخبار والإنشاء كليهما استعمل النكرة مثلا رجل مع التنوين في معناه وهو الطبيعة بقيد الوحدة ، لكن خصوصية الإخبار صارت سببا لكون الوحدة فيها وحدة فردية ، ولا يأتي بعد إطلاق الفردية خصوصية وقوعها

٤٧٩

تحت الإنشاء حتّى صارت سببا لكون الوحدة فيها وحدة كليّة ، ولذا يمكن فيه جريان الصدق الفردي.

اذا عرفت ما بيّنا لك من أنّ بعض الألفاظ قابل للإطلاق لا أن يكون وضعها للإطلاق ، لأنّها موضوعة للطبيعة اللّابشرط يظهر لك أنّ ليس لنا ألفاظ دالّة بالوضع على الإطلاق ، بل الألفاظ التي قدّمنا ذكرها مهملة قابلة للإطلاق ، فكلام سلطان العلماء من أنّ بعض الألفاظ موضوع للإطلاق في غير محلّه.

وعلى ما اخترنا لو استعمل هذه الألفاظ في المقيّدات لم يكن مجازا ، فعلى هذا لا بدّ من استفادة الإطلاق من الخارج فإن قامت قرينة خاصّة في مورد بأنّ المراد من اللفظ هو المطلق فهو ، ولكن نحن فعلا نكون في مقام بيان أنّه هل يكون لنا دليل عام وقرينة عامّة على أنّ المراد من هذه الألفاظ هو الإطلاق بحيث يحتاج التقييد لو كان مراد المتكلم الى البيان ، أولا؟ فإذا بلغ الكلام الى هذا المقام يقع الكلام فيما عنونوه من استفادة الاطلاق حيث لا قرينة على التقييد من مقدمات الحكمة.

الاولى من المقدمات : كون المتكلّم في مقام البيان وعدم كونه في مقام الإهمال والإجمال ، الثانية : عدم قرينة قائمة على التقييد ، الثالثة : انتفاء القدر المتيقّن في مقام التخاطب أمّا اعتبار المقدمة الاولى فواضح ، لأنّه لو كان المتكلم في مقام البيان ولم يبيّن مراده لأخلّ بغرضه ، وهو قبيح ، وأمّا لو لم يكن في مقام ذلك بل كان نظره الى الإهمال والإجمال فعدم البيان ليس خلاف الحكمة. وكذا اعتبار الثانية لأنّه لو كانت القرينة على كون المقيّد مرادا فكيف يمكن الحمل على المطلق؟

وأمّا المقدمة الثالثة التي قال باعتبارها المحقّق الخراساني رحمه‌الله في مقام الأخذ بالإطلاق من عدم كون القدر المتيقّن في مقام التخاطب أيضا صار مورد الإشكال وأن ما وجه اعتبار هذا الشرط؟ ولا يخفى عليك أنّ مراده من القدر المتيقّن هو وجود القدر المتيقّن في الخارج بمعنى أنّه لو كان للمطلق فرد قدر متيقّن في الخارج

٤٨٠