المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

حيث يوضع طبيعة اللفظ مثلا طبيعة زيد لطبيعة معنى زيد ، فعلى هذا لا يمكن أن يكون الاستعمال وضعا ؛ لأنّ استعمال الجزئي كيف يمكن أن يكون ايجادا للوضع الكلي؟

وإن كان مراده أنّ باستعمال اللفظ ينتقل الشخص بالوضع بالتبع ، وأنّ هذا ايجاد للوضع بالتبع ، فكما قلنا لا يمكن الايجاد بالتبع في الوضع ولا يكفي ذلك لأنّه لا بدّ في الايجاد بالتبع أن يكونا غير منفكّين في الوجود ، وليس الوضع كذلك بالنسبة الى اللفظ ، بل يمكن التفكيك بينهما. وإن كان مراده أنّ هذا الاستعمال ايجاد للوضع مصداقا فأيضا قلنا بعدم صحّته.

فظهر لك أنّ كلامه رحمه‌الله ليس في محلّه ، وليس الاستعمال وضعا ، ولا يحصل به الوضع التعييني ، وليس الاستعمال إيجادا للوضع بالمطابقة أو بالكناية حتى يكون صحيحا.

ولكن يمكن توجيه كلامه بنحو آخر وهو : أنّ مبناه كالشيخ رحمه‌الله هو أنّ ما يعتبر في الانشائيات ليس إلّا نفس إظهار ما في الضمير ، يعني يكفي رضاه الباطني مثلا في البيع ، وإظهار هذه الرضاية ، ولا يلزم ايجاد الرضا ، فكذلك يقال بأنّ في الوضع ما يلزم ليس إلّا أن يظهر الواضع أنّ اللفظ الكذائي موضوع للمعنى الكذائي ولو لم يكن ايجاد في البين. فعلى هذا يصحّ كلامه ؛ لأنّ الاستعمال ولو لم يكن ايجادا للعلقة لكن يكون مظهرا لها ، وهو كاف في الوضع.

لا يرد على هذا الايرادين المتقدمين ؛ لأنّه لا يوجب اجتماع اللحاظين ، فإنّه لا يكون نظره إلّا استعماله ، غاية الأمر هذا الاستعمال صار مبرزا ومظهرا للوضع ، وكذلك ليس على هذا ، الاستعمال ايجادا لوضع الكلّي حتى يقال : إنّه جزئي وكيف يصير ايجادا لحيث كلّي؟ لأنّه كما ـ قلنا ليس ـ الاستعمال ايجادا له ، بل يكون مظهرا ، وفي المظهر لا مانع من ذلك ؛ لأنّه ليس النظر فيه إلّا إظهار ما في النفس لا ايجاد ما في

٦١

النفس حتى يكون غير صحيح. فظهر لك أنّ بهذا النحو يمكن توجيه كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله ، فافهم.

الأمر الرابع : في تقسيم الوضع :

اعلم أنّ الوضع يقسّم بتقسيمات فتارة يقسّم بالتعييني والتعيّني ، وتارة بالعام والخاص ، وتارة بالشخصي والنوعي ، وتارة بالأصلي والتبعي ، فالكلام يقع في مواقع :

الموقع الأول : في أنّ الوضع يقسّم بقسمين التعييني والتعيّني ، أو التخصيصي والتخصّصي ، لأنّه تارة يحصل بتعيين الواضع مثلا يقول : وضعت لفظ زيد لذات زيد ، وتارة يحصل بانس اللفظ بالمعنى ، فالأوّل يقال له الوضع التعييني والثاني الوضع التعيّني.

اعلم أنّ الوضع بمعناه المصدري ـ يعني فعل الواضع ـ غير قابل للتقسيم بهذين القسمين ؛ لأنّه كما قلنا الوضع التعيّني يحصل بانس اللفظ بالمعنى بسبب كثرة الاستعمال وليس من فعل الواضع ، فلهذا الوضع بمعناه المصدري ـ يعني فعل الواضع ـ منحصر بالوضع التعييني.

وما يكون قابلا لقبول هذا التقسيم هو الوضع عن الإسم المصدري يعني الارتباط الخاص بين اللفظ والمعنى أو العلقة الحاصلة بين اللفظ والمعنى ؛ لأنّ هذه العلقة والارتباط الحاصل بين اللفظ والمعنى يحصل تارة بالتعيين وتارة باليقين ، يعني يحصل تارة بوضع الواضع وتارة بانس اللفظ بالمعنى بكثرة الاستعمال.

ولا يخفى عليك أنّ الوضع التعيّني لا يكفي لوضع الحقيقة ، يعني فيما لا يكون للفظ معنى حقيقي أصلا ، فلا يصحّ أن يحصل وضع اللفظ للموضوع له الحقيقي بالوضع التعيّني ، لأنّه على المفروض يحصل الوضع والعلقة بعد الانس وكثرة الاستعمال ، فقبل هذا الانس لا يكون مجوّزا للاستعمال فلا بدّ وأن يكون قبل ذلك للفظ معنى حقيقي ثابت بالوضع التعييني ويكون الاستعمال في معنى آخر بمناسبة فيستعمل في المعنى

٦٢

الثاني حتى إذا بلغ بحيث يوجب بسبب كثرة الاستعمال التوقّف في الاستعمال المشكوك أنّه اريد المعنى الحقيقي أو المجازي ، بل تارة كثرة الاستعمال يصل بحدّ يصير المعنى الثاني مجازا راجحا ، بل يترقّى ويصير مجازا مشهورا ، وتارة يصير كلّ من المعنى الأوّل والثاني متبادرا فيكون اللفظ مشتركا بينهما ، وربّما يبلغ بحدّ لا يتبادر منه إلّا المعنى الثاني والمعنى الأوّلي يعني المعنى الحقيقي فيصير منقولا.

فعلى أي حال وأنّ الوضع التعييني مثبت للوضع الثاني ، ولا يصحّ كشف وضع اللفظ للمعنى الحقيقي الأوّل به ، لما قلنا من أنّ استعماله لا بدّ وأن يكون له مصحّحا ، لعدم جواز الاستعمال بلا مصحّح ومصحّح الاستعمال لا بدّ وأن يكون الوضع ، فيستعمل اللفظ إما في المعنى الموضوع له ومصحّحه هو الوضع ، وإما فيما يناسبه مجازا ، وأمّا لو لم يكن وضعا ويريد أنّ بالاستعمال يحصل الوضع فهو غير ممكن ، للزوم عدم مصحّح لهذا الاستعمال ، لعدم ثبوت وضع قبل الاستعمال حتى يصحّ الاستعمال ، فهذا شاهد على أنّ الوضع التعيّني يكفي للمعنى الثاني مثلا يكفي للمنقول لا للمعنى الأوّلي.

ثم إنّ ما قلنا من تقسيم الوضع بالتعييني والتعيّني يكون على ما اخترنا من كون حقيقة الوضع هو العلقة والارتباط بين اللفظ والمعنى ، وأمّا على تقدير كون الوضع عبارة عن التعهد فلا يصح هذا التقسيم ، ولا يعقل الوضع التعيّني ؛ لأنّه كما قلنا في التعهد لا بدّ من التعهد على ذلك ، ولا بدّ من الارادة حال الاستعمال ؛ لأنّ مع عدم الارادة لا يكون اللفظ علامة ، ففي كلّ مورد تكون الارادة فاللفظ علامة ، وإلّا فلا. فعلى هذا نفس الاستعمال بلا تعهد وإرادة من الواضع ليس وضعا ، فصرف الانس الحاصل بين اللفظ والمعنى من الاستعمال لا يكفي في حصول الوضع يعني التعهد ، فافهم.

الموقع الثاني : في تقسيم الوضع باعتبار العام والخاص فنقول : قالوا بأن الوضع

٦٣

من هذه الجهة منقسم بالأربعة ؛ لأنّه إمّا أن يكون الوضع عامّا والموضوع له عامّا ، وإمّا أن يكون الوضع خاصّا والموضوع له خاصّا ، وإمّا أن يكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ، وإمّا أن يكون الوضع خاصّا والموضوع له عامّا.

واعلم أنّ مرادنا بالخاص هنا في مقابل العام لا في مقابل الطبيعة ، فإنّه كما قلنا طبيعة اللفظ وضع لطبيعة المعنى ، فطبيعة الخاص يراد في المقام في قبال طبيعة العام ، ويكون التعبير بالخاص والعام لا بالجزئي والكلّي ، فلا يقال مثلا وضع الجزئي في قبال وضع الكلّي.

إذا عرفت ذلك فنقول بعونه تعالى : إن كان المتصوّر معنا خاصا ووضع اللفظ بإزاء هذا الخاص فيكون الوضع خاصا والموضوع له خاصا ، كما اذا تصور معنى زيد ووضع اللفظ لخصوصه ، وإن كان المتصوّر والملحوظ أمرا عاما ووضع اللفظ بازاء هذا العام الملحوظ والمتصوّر فيكون الوضع عاما والموضوع له عاما أيضا ، كما إذا تصوّر معنى الإنسان ووضع لفظ الانسان لهذا المعنى العام الملحوظ ، وإن كان الملحوظ والمتصوّر معنا عاما ولكن وضع اللفظ بازاء خصوصياته فيكون الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ، كما إذا تصوّر ولاحظ معنى الإنسان ولكن وضع اللفظ بازاء خصوص أفراد الانسان من زيد وعمرو ، وبكر وغيرهم.

وفي هذا القسم تارة يضع اللفظ بازاء نفس حصة العام مع قطع النظر عن المشخصات الفردية ، مثلا يضع لفظ الانسان بازاء خصوص الحصّة التي في ضمن زيد وعمرو ، وغيرهما بلا دخل المشخصات الفردية ، فهذا أمر معقول لا مانع منه ، ويمكن أن يكون الملحوظ معنا عاما ووضع اللفظ بازاء الحصص الموجودة في الأفراد.

وتارة يضع اللفظ بازاء الأفراد مع دخل الخصوصيات الفردية ، كما إذا لاحظ معنى الانسان ووضع اللفظ بازاء خصوص عمر وبكر وغيرهما مع مشخصاتهم

٦٤

الفردية من الطول والقصر وغيرهما ، وهذا غير ممكن وغير معقول ؛ لأنّ العام لا يمكن أن يصير مرآة إلّا لما هو حصّته ، وأمّا المشخّصات الفردية فخارجة عن حقيقة العام ، فالعام لا يعقل أن يكون مرآة لها إلّا إذا كان المعنى المتصوّر عنوانا مشيرا للأفراد بخصوصياتها المشخّصة مثل أن يلاحظ من في المدرس ويضع اللفظ بإزاء كلّ فرد فرد من الحاضرين فيه مع مشخصاتهم الفردية ؛ لأنّ العنوان قابل لأن يشير بالفرد مع مشخّصاته الفردية.

إذا عرفت معقولية وضع العام والموضوع له الخاص في الصورة الاولى أنّ هذا القسم من الوضع يعني الوضع العام والموضوع له الخاص حيث يكون أكلا من القفاء ؛ لأنّه مع فرض إمكان لحاظ خصوص الأفراد ووضع اللفظ لها لا داعي الى لحاظ شيء آخر مرآة لها يعني العام ، فلا بدّ من أن يكون مورد هذا الوضع هو ما إذا لم يمكن لحاظ نفس الخاص ووضع اللفظ له ، ولذا يصير الواضع محتاجا الى لحاظ جهة مرآتية وهو العام ، ولذا في الحروف حيث لم يمكن لحاظ خصوصياتها فيصير محتاجا الى تصوير وضعها بهذا النحو ، يعني بأن يلاحظ معنى عاما ويوضع اللفظ لخصوصياته.

وإن كان الملحوظ والمتصوّر أمرا خاصا ووضع اللفظ بازاء عامه فيصير الوضع خاصا والموضوع له عاما ، كما إذا تصوّر ولاحظ زيدا ووضع اللفظ لا بازاء خصوصيّته ، بل بازاء عامه يعني بازاء ما يكون زيد فردا له ، وهو الانسان.

وهذا القسم من الوضع يكون موردا للإشكال ويكون الكلام في أنّ الوضع الخاص والموضوع له العام معقول أو لا؟

قد يقال بمعقولية ذلك ، وأوّل من قال ذلك الميرزا الرشتي رحمه‌الله وقال بمعقولية ذلك بأنّه كما يمكن أن يكون الخاص ملحوظا من باب كونه خاصا وبنفسه كذلك يمكن أن يكون ملحوظا لأجل كونه فردا للعام كما ترى أنّه إذا قال المولى : أكرم زيدا فيمكن

٦٥

أن يكون وجوب إكرامه لنفسه ومن باب كون زيدا كذلك يمكن أن يكون وجوب إكرامه من باب كونه فردا للعام وكان وجوب إكرامه لأجل كونه عالما له. فعلى هذا يعقل أن يكون الملحوظ حين الوضع هو الخاص ويضع اللفظ بازاء عامّه ، وهذا معنى كون الوضع خاصّا والموضوع له عامّا هذا حاصل ما قاله رحمه‌الله في توجيه معقولية هذا القسم من الوضع.

ولكن ليس هذا الكلام في محلّه ولا يتمّ ذلك وكان منشأ ذلك عدم التوجه الكامل ، وكان مغالطة وقعت من قياس الوضع الخاص وما وضع له العام بعكسه يعني الوضع العام والموضوع له الخاص ، فإنّه توهّم بأنّ تصوّر العام ولحاظه حيث كان كافيا وكان مرآة للأفراد كما في القسم الثالث كذلك في القسم الرابع قابل لأن يصير الخاص مرآة للعام ، ولكن نقول بأنّ في الصورة الثالثة ما تصوّر الواضع ولاحظه ليس إلّا العام ولا يتصوّر الخاص ولا يلاحظه حتى إجمالا وأنّ تصوّر الأفراد تصوّر بكليتها فليس المتصوّر الخاص أبدا ولكن حيث يكون العام قابلا لصيرورته مرآة للأفراد لإحاطته بالأفراد ، فتصوّر الواضع العام ووضع اللفظ بازاء خصوصياته ، فتصوّر العام كاف في ذلك لكونه مرآة للخاص فصار الوضع عامّا والموضوع له خاصّا ، وهذا بخلاف القسم الرابع.

لأنّا نسأل من هذا القائل بانّك تقول بتصوير الوضع الخاص وكون الموضوع عامّا بأنّه يكفي تصوّر الخاص لكونه مرآة للعام ونقول بأنّ في حال تصوّر الخاص هل الواضع لاحظ وتصور العام أيضا أو لا؟

فإن قلت تصوّر العام أيضا مع الخاص فنقول : إنّ هذا لا يكون إلّا كون الوضع عامّا والموضوع له أيضا عامّا ؛ لأنّ مع تصوّر العامّ لاحظ اللفظ بإزائه ويكفي في الوضع له صرف تصوره بل صرف الاشارة به ، فان كان كذلك فغير مربوط بكون الوضع خاصّا والموضوع له عامّا بل يكون الوضع والموضوع له كلاهما عامّا ، لأنّ

٦٦

المتصوّر كان معنى عامّا ووضع اللفظ لهذا المعنى العام.

وان قلت بأنّه حين اللحاظ لا يتصوّر ولا يلاحظ إلّا الفرد ولا يكون العام متصوّرا حتى إجمالا ، فنقول : إنّ في هذه الصورة لا يمكن الالتزام بصحّة كون الوضع خاصّا والموضوع له عاما لعدم معقولية ذلك فإنّه كما قال كان ذلك من باب كون الخاص مرآة للعام ، ومن الواضح أنّه لا يمكن كون الخاص مرآة للعام ولا لخاص آخر.

أمّا عدم إمكان صيرورته مرآة للعام فلأنّ المرآة لا بدّ وأن يكون محيطا بما هو مرآة له ، وإلّا كيف يمكن إراءته بالمرآة؟ ولا إشكال في أنّ الخاصّ غير محيط بالعام ، بل العام محيط به وبغيره من خصوصياته وأمّا عدم إمكان كونه مرآة لخاصّ آخر فلأنّ هذا الخاص مباين معه والشيء لا يصير مرآة لمباينه. فظهر لك عدم معقولية كون الوضع خاصّا والموضوع له عامّا ، فليس الأقسام إلّا الثلاثة وهي ما قلنا وتصورناه.

ثم إنّه كما قلنا سابقا الوضع العام والموضوع له الخاصّ حيث يكون على خلاف الترتيب وأكلا من القفا لأنّه بعد قابلية تصوّر الخاصّ ولحاظه لا حاجة الى لحاظ العام في مقام وضع اللفظ بإزاء الخاص ، فلا بدّ أن يكون الداعي الى هذا الوضع جهة اخرى حتى لأجلها وضع الواضع بهذا النحو ، وهو أن يكون في معنى خصوصية ولا يمكن تصوّر هذه الخصوصية ولحاظها بنفسه ، وكان المعنى خاصّا فلذا يتصوّر ويلاحظ حين وضع اللفظ له معنى عاما الذي هذا الخاص من أفراده ، فلا بدّ أن يكون في معنى الخاص خصوصية مخصوصة ، ولا يمكن لحاظ هذا الخاص بنفسه لأجل ما فيه من الخصوصية ، فلا يمكن أن يضع اللفظ له بحيث كان الملحوظ حين الوضع نفس معناه الخاص ، فلذا يحتاج الواضع في وضع اللفظ له من تصوّر العام الذي هذا الخاص فرد له ، فبمعونة عامّه يضع اللفظ لهذا الخاص فيكون الملحوظ

٦٧

معنا عامّا ويضع اللفظ بازاء الخصوصيات.

واعلم أنّ الاصطلاح جرى بالتعبير في تقسيم الوضع بهذه الأقسام الثلاثة أو الأربعة بالخاصّ والعامّ فيقال مثلا : الوضع عامّ وما وضع له خاص ، ولا يعبّرون بالجزئي والكلّي ، فلا يقال مثلا : الوضع جزئي وما وضع له كلّي إلّا ما يظهر من المحقّق الخراساني رحمه‌الله ولم نجد ذلك في كلام أحد غيره.

ومن الواضح أنّ الاصطلاح يكون على الخاصّ والعامّ لا الجزئي والكلّي ؛ لأنّ العامّ غير الكلّي والخاص غير الجزئي ؛ لأنّه في العام يمكن أن يكون الخاص الذي هو تحته غير جزئي ، بل يكون نوعا أو صنفا ، ولا داعي الى الالتزام بالجزئيّ الإضافي ؛ لأنّه بعد كون الاصطلاح على الخاصّ والعامّ فلا ترد الاشكالات الثلاثة التي أوردها المحقّق الخراساني رحمه‌الله على من يقول بكون الموضوع له الحروف خاصّا والوضع عامّا لأنّ كلّ هذه الإشكالات تكون على تقدير الالتزام بكون الوضع فيها كلّيا والموضوع له جزئيا كما نقول إن شاء الله فيكون اصطلاحنا على أنّ للوضع تقسيما بالعامّ والخاص ـ كما قلنا ـ أوّل المطلب.

إذا عرفت ذلك يقع الكلام في المعاني الغير المستقلّة كالحروف والهيئات ، واعلم أنّ القدر المسلّم أنّ معاني الحروف غير مستقلّة في قبال المعاني المستقلّة ، وبعبارة اخرى معنى في غيره ، وبعبارة ثالثة يكون معاني الحروف ربطيا ، وهذا المقدار مسلّم ، فيكون الكلام بعد ذلك في أنّ للحروف وما هو مثلها كالهيئة هل لها خصوصية؟ وبعد كون خصوصية موجودة فيها غير موجودة في غيرها هل تكون هذه الخصوصية بحيث لا يمكن للواضع لحاظها بنحو الوضع العام والموضوع له عام ، ولا بنحو الوضع الخاص والموضوع له خاص؟

بل لا بدّ من لحاظها بنحو ثالث وهو وضع العام والموضوع له خاص ، أو يمكن ذلك لأنّه لو كان العام قابلا لأن يكون الوضع باعتبار هذه الخصوصيّة عامّا وما

٦٨

وضع له عامّا أو بنحو كون الوضع خاصّا وما وضع له خاصّا لا حاجة الى الالتزام بكون الوضع فيها عامّا وما وضع له خاصّا ؛ لأنّ ذلك ـ كما قلنا ـ أكلا من القفا ولا يكون وضع الواضع جزافا ، بل يكون لأجل جهة ، والجهة الدائمية الى الوضع بالنحو الثالث ليس إلّا عدم قابلية المعنى لوضع اللفظ له بالنحوين الأوّلين فلا بدّ اوّلا من إثبات أنّ في الحروف وما يشبه الحروف يكون خصوصية ، وثانيا أنّ وضع اللفظ باعتبار هذه الخصوصية لا يمكن للحروف بالنحوين الأوّل والثاني يعني بنحو كون الوضع عامّا وما وضع له عامّا ، ولا بنحو كون الوضع خاصّا وما وضع له خاصّا أيضا.

ولذا صار الواضع بوضع اللفظ لها باعتبار ثانيها من الخصوصية بنحو آخر وهو أن يكون الوضع عامّا وكان الموضوع له خاصّا.

إذا عرفت ذلك فينبغي التكلّم في أنّ الحروف كيف يكون نحو وجودها حتى يفهم أنّ فيها تكون خصوصية ويفهم أن هذه الخصوصية لا يمكن وضع اللفظ للحروف باعتبارها إلّا بنحو كون الوضع عامّا وما وضع له خاصّا ، أو يمكن بالنحوين الأوّلين يعني إما بنحو كون الوضع والموضوع خاصّا ، وإمّا بكون كلّ منهما عامّا؟ فنقول بعونه تعالى : إنّ المفاهيم التي توجد تنقسم عند أهل المعقول بأربعة أقسام :

الأول : ما يكون لنفسه بنفسه في نفسه يعني يوجد مستقلّا ولا يحتاج وجوده الى شيء وموجود في حدّ ذاته ، وهذا القسم عبارة عن المرتبة الكاملة من الوجود ، وهو مخصوص بالله تعالى شأنه الواجب وجوده لنفسه بنفسه في نفسه.

الثاني : أن يكون قابلا للوجود لنفسه وفي نفسه ، لكن لا بنفسه بل بغيره ، وهو الجواهر من الممكنات ، فإنّ الجوهر موجود في حدّ نفسه ويكون استقلاله لنفسه وموجود بغيره ، لأنّه ممكن محتاج الى العلّة في الوجود وهو قابل للوجود الذهني والخارجي ويوجد في كلّ من الذهن والخارج في نفسه ولنفسه ولكن بغيره يعني

٦٩

بسبب علّته.

الثالث : أن يكون موجودا في نفسه ولكن لا لنفسه وبنفسه بل لغيره وبغيره ، وهذا القسم عبارة عن الأعراض من الممكنات ، فان العرض يوجد في نفسه يعني له وجود في حدّ ذاته ولكن لغيره يعني لا يكون إلّا مع الجوهر وليس له وجود مستقلّ في الخارج ، بل موجود بوجود الجوهر كالبياض الموجود في الجسم ، ويكون بغيره لأنّ وجوده موقوف بالغير وهو العلّة ، وهذا الوجود قابل للوجود الذهني أيضا في حدّ ذاته فإنّ نفس البياض قابل للتصوّر مع قطع النظر عن الجوهر ، والشاهد الوجدان فأنت تقدر على أن تتصوّر نفس البياض ولا يحتاج تصوّره بتصوّر الجوهر ، نعم الأبيض يعني الجسم العارض له البياض لا يتصوّر إلّا في ضمن تصوّر الجوهر ، ولكن ليس الكلام فيه بل الكلام في نفس العرض وهو البياض مثلا وهو قابل للتصوّر والوجود الذهني في حد ذاته بلا حاجة في تصوره الى تصور الجوهر.

الرابع : أن يكون له الوجود لكن بغيره في غيره لغيره ولا يمكن وجوده لا بنفسه ولا لنفسه ولا في نفسه ، وهذا القسم عبارة عن معاني الربطية فإنّ حيث الربط يعني ما هو وسيلة ارتباط شيء بشيء آخر حيث ربط لا يمكن وجوده في الذهن وفي الخارج إلّا ضمن الغير يعني في ضمن ما يرتبط بالآخر مثلا (زيد في الدار) ترى أنّ بينهما ربط لأنّك بهذا الاستعمال ربطت زيدا بالدار ، فهذا الحيث الربطي يعني ما به يرتبط بينهما لا يمكن وجوده إلّا مع زيد والدار ؛ لأنّ الربط معناه معه فإنّه أثر قائم بالطرفين في الذهن وفي الخارج فتصوّره في الذهن موقوف بتصوّر الطرفين ووجوده في الخارج أيضا موقوف بالطرفين ، وإلّا فيخرج عن كونه ربطا.

ومن هذا القبيل من المفاهيم يكون معاني الحرفية والهيئات فإنّ وجودها لا يمكن إلّا في غيرها ولغيرها وبغيرها ، لأنّه كما قلنا هذه المفاهيم قائمة بالغير فلا يمكن وجودها إلّا في الغير وللغير وبالغير ، وهذا هو الفرق بين الحرف وبين الإسم ، فإنّ

٧٠

الإسم له وجود مستقلّ فيمكن وجوده في نفسه بخلاف الحرف فإنّه على خلافه ، ونعم التعبير تعبيرهم بأنّ الحرف معنى غير مستقل ، أو معنى في الغير ، أو معنى ربطي ، ولذا لو ارتبط بين الشيئين بواسطة المعنى الاسمي واستعمل مقام (من) الابتداء مثلا فهو قابل للتصوّر في حدّ ذاته ، وهذا بخلاف (من) فإنّه غير قابل التصوّر إلّا في ضمن البصرة والكوفة ، فلحاظ الحروف وتصورها غير ممكن إلّا مع تصوّر الغير وفي ضمن الغير.

٧١

الجهة الثامنة :

هل تكون الألفاظ موضوعة لمعانيها

بما هي هي أو بما هي مراده؟

هل تكون الألفاظ موضوعة لمعانيها بما هي هي أو بما هي مراده؟ وقبل تحقيق المسألة يلزم ذكر ما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله وما في كلامه ، قال في الكفاية : إن كانت الألفاظ موضوعة لمعانيها بما هي مراده يلزم محذورات ثلاثة :

الأول : أن يكون قصد المعنى من قيود المستعمل فيه مع أنّه ثبت أنّ قصد المعنى كان من مقدمات الاستعمال.

الثاني : أنّه يلزم في صحّة الحمل والاسناد التصرف في الأطراف ، والحال أنّه يصحّ الحمل والاسناد بلا تصرّف في ألفاظ الأطراف.

الثالث : يلزم كون وضع عامّة الألفاظ عامّا والموضوع له خاصّا ، لمكان اعتبار خصوص إرادة اللافظين في ما وضع له اللفظ ثم بعد ذلك قال : وما حكي عن الشيخ والمحقّق الطوسي من مصيرهما الى أن الدلالة تتبع الارادة ، فليس ناظرا الى كون الألفاظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة ، بل يكون ناظرا الى أنّ دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية ، أي دلالتها على كونها مرادة للافظها بتبع إرادتها ويتفرّع عليها تبعية مقام الإثبات للثبوت وتفرّع الكشف على واقع المكشوف ... الخ.

٧٢

فانه قدس‌سره يكون مقصوده أنّ الشيخ والمحقّق كان مقصودهما من هذا الكلام أنّه إذا ألقى شخص كلاما يلزم في تعيين مراده أن يراده ، وإلّا إذا لم يرد من هذا اللفظ معناه كيف يمكن لنا أن نعيّن مراده؟!

والتحقيق أنّ كلامهما ليس ناظرا الى هذا ، وما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله من رجوع كلامهما الى هذا فاسد جدا ، ودليل فساده هو مراجعة كلامهما حيث إنّهما بعد أن عرفا دلالة المطابقة والتضمّن والالتزام بأنّ دلالة اللفظ على تمام ما وضع له مطابقة ، وعلى جزئه تضمّن ، وعلى الخارج التزام.

اورد عليهما إيراد ، وهو أنّ اللفظ الذي كان له معنيان مثلا مشتركا ، ويكون دلالته على أحد معانيه مطابقة وعلى معناه الآخر مثلا تضمّنا كيف تصنع؟ فيلزم أن لا يكون هنا دلالة ويلزم الإجمال.

وقد أجاب عن هذا الإشكال بعض المتأخرين بأخذ الحيثية في التعريف.

والعلمان قد أجابا عن هذا الاشكال بهذا الجواب ، وقالا : إنّ اللافظ إذا أراد من اللفظ معنى مطابقي يكون مطابقة ، واذا أراد معنى التزامي يكون التزاما ، فبالإرادة تمتاز المطابقة مثلا عن الالتزام ، ويظهر ما قلنا من مرادهما لمن راجع كلماتهما.

فما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله يظهر فساده بما قلنا ، لأنّه إن كان مراد العلمين أنّ دلالة الألفاظ على معانيها بالدلالة التصديقية يكون تابعا للإرادة يلزم تسليم الإشكال في الدلالة التصورية.

والحال أنّهما يكونان في مقام دفع الإشكال عن الدلالة التصورية والتصديقية ثم بعد ما ثبت أنّ كلامهما ليس ناظرا الى ما قاله في الكفاية ، فيقع كلام في أنّه هل يكون هذا الكلام الذي قاله العلمان صحيحا ، أم كان باطلا؟

أمّا ما قاله في الكفاية من أنّه إذا كانت الألفاظ موضوعة لمعانيها بما هي مراده ، يلزم محذورات ثلاثة باطلة نقضا وحلا.

٧٣

أمّا نقضا ، فبالنقض بما قاله في الكفاية في الحروف والأسماء ، فكما لم يكن قيد الآلية والاستقلالية داخل في الموضوع له ولم يلزم منه تجريد ، ولم يلزم أن يكون الموضوع له خاصّا فهكذا في ما نحن فيه ، لم يلزم هذه المحذورات لأنّ الكلام الكلام.

وأمّا حلّا ، فبأنّه قد ثبت في محلّه أنّ المعلول سعة وضيقا يكون تابعا للعلّة فإذا ضاقت العلّة ضاق المعلول ، وإذا توسّعت العلّة توسّع المعلول. وأيضا يقولون بأنّ علّة الوضع التفهيم ، فإذا ثبتت هاتين المقدمتين يظهر لك أنّه لا بدّ أن تكون الألفاظ موضوعة لمعانيها بما هي مرادة ، لأنّ المقصود من الوضع هو التفهيم والمعلول تابع للعلّة ، فإذا كانت علّة الوضع التفهيم ، يلزم أن تكون الألفاظ التي تكون معلولة موضوعة لمعانيها بما هي مراده ، لأنّ قصد الواضع هو إلغاء اللفظ وإراءة المعنى وتفهيم المعنى باللفظ ، ولكن مع هذا لم يكن كلام العلمين صحيحا لبطلان هذا الاستدلال ، لأنّ ما قلنا من أنّ التفهيم علّة للوضع باطل ، لوضوح أنّه يلزم في تفهيم المعنى للغير مقدمات أحدها هو الوضع ، فالوضع مع أشياء أخر منها استعمال المتكلّم لفظا وقصده إراءة المعنى موجب التفهيم ، فيكون الوضع من اجزاء العلّة فإذا كان من أجزاء العلّة لم يتبع سعة وضيقا للعلّة فهذا واضح.

فقد ظهر من تمام ما قلناه أنّ ما قاله في الكفاية من عدم معقوليّة كون اللفظ موضوعة للمعاني بما هي مرادة فاسد ، ولكن ليس هذا الكلام الذي قال به العلمان أيضا في محلّه ، لما قلنا.

ثم اعلم أنّ الإرادة الذي كان مصطلحة وكون اللفظ مرادا ، امّا يكون المراد بالارادة ، الإرادة الاستعمالية وإمّا أن يكون الارادة الجدّية والمراد من الاولى هو أنّ المتكلّم إذا ألقى اللفظ وأراد منه إراءة المعنى ولم يكن المعنى مراده جدّا كما يكون كذلك في مورد المزاح.

والثانية : اذا ألقى اللافظ لفظا ويكون مراده معناه جدّا تكون الإرادة جدّية ،

٧٤

والإرادة الجدية أعمّ من أن يكون غرضه لالقاء هذا اللفظ ، معنى هذا اللفظ او معنى لازمه ففي الكناية يكون من هذا القبيل حيث انّ اللّفظ قد استعمل في معناه الحقيقي ، الّا أنّ غرض المتكلم من القاء هذا اللفظ يكون إراءة لازم معناه فافهم.

٧٥

الجهة التاسعة :

الحقّ عدم وضع للمركبات غير وضع المفردات

الحقّ عدم وضع للمركبات غير وضع المفردات فلا يكون وضعان للمركبات وضع لمفرداتها ووضع آخر لمركباتها بوضع الهيئات والنسبة ، لوضوح عدم احتياج بوضع للمركب غير وضع المركبات والهيئات. وقد يقال بأنّ القول بوضع على حدة للمركبات غير وضع المفردات مستلزم لإشكالين :

الإشكال الأوّل : أنّه يلزم أن يكون لكلّ مركب استعمله مستعمل من وضع خاص لاختلاف المركبات فيلزم أن يضع الواضع وضعا للمركبات الخاصة ولو لم يستعمل بعد ، وهذا فاسد.

الإشكال الثاني : أنّه يلزم أن يكون المركب يدلّ على المعنى تارة بملاحظة نفس المركبات واخرى بملاحظة وضع مفرداتها ، وهذا أيضا باطل للزوم اللغوية.

وأمّا ما قاله العلّامة الاصفهاني رحمه‌الله في حاشيته على الكفاية ردّا على الإشكال الثاني بأنّ المركبات يفهم منها معنى غير معنى المفردات كالدار ، فكما أنّ من الدار يفهم تارة خصوصياته كالباب وغيره وتارة مجموع ما يصدق عليه الدار ، فأيضا في المركبات يكون الأمر كذلك ، فمن وضع المفردات يفهم الخصوصيات ، ومن وضع المركبات يفهم المجموع.

٧٦

غير تامّ ؛ لأنّ هذا القياس ليس في محلّه ، إذ المفروض أنّه لا يكون في وضع المركبات المقصود هو ما في المفردات ، مثلا يكون المقصود من وضع البراءة (زيد قائم) هو قيام وقيام زيد هو الذي كان موضوعا بوضع مفرداته والهيئة ، وعلى هذا يكون وضع على حدة للمركبات لغوا وهذا واضح ولا شبهة فيه.

٧٧

الجهة العاشرة :

الحقّ أنّ تبادر المعنى من اللفظ وانسباق المعنى

الى الذهن بنفسه وبلا قرينة يكون علامة للحقيقة

الحقّ أنّ تبادر المعنى من اللفظ وانسباق المعنى الى الذهن بنفسه وبلا قرينة يكون علامة للحقيقة ، كما أنّ تبادر الغير يكون من علائم المجاز ، ولا يخفى أنّ التبادر علامة للحقيقة إذا علم أنّ انسباق المعنى من اللفظ يكون مستندا بحاقّ اللفظ ، وأمّا إذا لم يعلم واحتمل أنّ الانسباق يكون لقرينة فلم يكن التبادر علامة ضرورة ، لأنّ بهذا المعنى ـ أي الانسباق بواسطة القرينة ـ يكون في المجاز أيضا هذا الانسباق ، وأمّا ما قيل في مورد الشكّ من الرجوع الى أصالة عدم القرينة فكيف بهذا؟ والحال أنّ الانسباق لا يكون لأجل القرينة ، بل يكون مستندا بنفس اللفظ.

لا يخفى ما فيه ، ضرورة عدم حجّيّة أصالة عدم القرينة في إحراز الاستناد ، بل يكون هذا الأصل حجّة في إحراز المراد ، مع أنّه من الاصول المثبتة. فتحصّل أنّه لا بدّ أن يعلم بأنّ الانسباق يكون من نفس اللفظ ، ففي موارد الشكّ لا يكون التبادر علامة للحقيقة فيلزم التفحّص في موارد الاستعمالات.

ومن العلائم أيضا يكون عدم صحّة السلب وصحّة الحمل علامة للحقيقة وصحّة السلب وعدم صحّة الحمل علامة للمجاز بمعنى أنّ صحّة حمل اللفظ على المعنى

٧٨

وعدم صحّة سلبه عنه بالحمل الأوّلي الذاتي الذي كان ملاكه الاتّحاد مفهوما علامة كون اللفظ نفس المعنى ، وبالحمل الشائع الصناعي الذي كان ملاكه الاتحاد وجودا بنحو من أنحاء الاتحاد علامة كون اللفظ من مصاديق المعنى وأفراده. ولا يخفى انّه يشترط في علاميّة عدم صحّة السلب أيضا أن يكون مستندا بحاقّ اللفظ لا بالقرينة ، ففي مورد الشكّ لم يكن عدم صحّة السلب علامة للحقيقة.

وقد توهّم أنّ كون التبادر وعدم صحّة السلب علامة للحقيقة مستلزم الدور :

بيانه : أنّه يشترط في التبادر انسباق المعنى الى الذهن من حاقّ اللفظ وبلا قرينة ، فحينئذ كون التبادر علامة للحقيقة موقوفة بأنّ هذا المعنى الذي ينسبق الى الذهن من اللفظ كان هو الموضوع له ، فإذا كان العلم بالموضوع له موقوف على التبادر يلزم الدور.

وهذا التوهّم ليس في محلّه ؛ لأنّ التبادر موقوف على العلم بأنّ المعنى موضوع له إجمالا ، والعلم بالموضوع له تفصيلا موقوف بالتبادر. وأيضا قد يجاب أنّ التبادر وكونه علامة موقوف على العلم بالموضوع له عند العالم ، والعلم بالموضوع له موقوف على التبادر عند المستعلم ، وهذا واضح.

ومن العلائم التي ذكروا هو الاطّراد وعدم الاطّراد فقيل بأنّ الاطّراد علامة للحقيقة وعدم الاطّراد علامة للمجاز ، والاطّراد هو تطبيق لفظ لمعنى لمناسبة هذا المعنى مع جامع ، مثلا لفظ (الشجاع) إذا اطلق على زيد ورأيت أنّ هذا الاطلاق يكون بواسطة عنوان كان فيه وفي غيره يستكشف بأنّ لفظ (الشجاع) حقيقة في معناه وهو حالة للإنسان وأن الاطلاق يكون بمناسبة هذه الحالة.

والحقّ أنّه في طرف الاطّراد وكونه علامة للحقيقة ، إن قلنا في المجازات بالعلائق المذكورة المخصوصة التي ذكروها فيمكن أن يقال بأنّ المجاز ليس مطّردا كالحقيقة ، وأمّا إن قلنا في المجازات يكفي صرف المناسبة مع المعاني الحقيقية فالمجاز أيضا مطّرد

٧٩

كالحقيقة ، فإذا كان الأمر كذلك إذا اطّرد لفظ في معنى لا يمكن أن نقول بكون هذا اللفظ حقيقة في هذا المعنى ، لأنّه يمكن أن يكون مجازا فيه ويكون بينه وبين معناه الحقيقي مناسبة ، واطّراده كان لأجل المناسبة.

وقد تصدّى لرفع هذا الاشكال صاحب الفصول رحمه‌الله حيث قال : الاطّراد بلا تأويل أو على نحو الحقيقة كان علامة للحقيقة.

وقد اورد عليه بأنّ على هذا يلزم الدور ، لأنّه يتوقّف كون الاطّراد علامة على أن يكون هذا الاطّراد على وجه الحقيقة فيلزم على المستعمل أو من رأى استعمال العرف من التفحّص حتى يقطع بأنّ هذا الاطّراد يكون على وجه الحقيقة ، والغرض أنّك في هذا المقام تكون بصدد أن تستكشف كون هذا اللفظ موضوعا لهذا المعنى الحقيقي بالاطّراد ، فيلزم الدور وما قلنا من الجواب في التبادر وعدم صحّة السلب لا يجري هنا ؛ لأنّ المفروض أنّه لا يكفي الإجمال ، بل يلزم العلم التفصيلي بكون هذا الاطّراد على وجه الحقيقة ، وهكذا لا يصحّ جواب الدور باختلاف المستعلم والعالم لأنّ المفروض أيضا انه يلزم في كون الاطّراد علامة أن يتفحّص المستعلم حتى يعلم أنّ هذا الاطّراد يكون على وجه الحقيقة.

ولكن التحقيق في المقام إمّا في طرف عدم الاطّراد وكونه علامة لا يلزم قيد ، لأنّه بعد ما ثبت في مقامه أنّ صحّة استعمال لفظ في معنى معلولا بإحدى العلّتين إمّا الوضع الأصلي وإمّا الوضع التبعي على مذهبنا ، وإمّا الوضع وإمّا المناسبة على مذهب غيرنا ، فإذا استعمل لفظ واريد منه معنى فإذا رأيت أنّ هذا الاستعمال لا يصحّ في غيره مع كون العنوان الذي كان في الأوّل قيدا أيضا يستكشف بأنّ استعماله في معناه الأوّل يكون مجازا ، مثاله إذا رأيت أنّه يصدق على رجل عالم بملاحظة ملكة تكون فيه ، فإذا رأيت أنّ هذا الاستعمال لا يجوز في حقّ غير هذا الرجل مع كون الغير أيضا صاحب الملكة تعلم أنّ الموضوع له العالم لم يكن الملكة مثلا

٨٠