المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

واطلاقه على الرجل المذكور كان مجازا هذا في طرف عدم الاطّراد.

وأمّا في طرف الاطّراد فنقول : امّا على مذهبنا لا بدّ للعلقة بين اللفظ والمعنى امّا من وضع الأصلي وأمّا من وضع التبعي ، وأمّا على مذهب غيرنا لا بدّ في العلقة من اللفظ والمعنى من الوضع أو العلاقة والمناسبة. فعلى هذا لا يكون الوضع الأصلي على مذهبنا أو الوضع التبعي على مذهب غيرنا محتاجا الى عناية بخلاف الوضع التبعي فإنّه محتاج الى عناية فإنّه محتاج الى الوضع الأصلي ، فإذا كان الأمر كذلك يكفي في الحقيقة صرف الارتكاز فإذا رأيت أنّ لفظا قد استعمل في معنى ولم يكن معه قرينة بمقتضى ارتكازك تحمله على معناه الحقيقي وليس هكذا في طرف المجاز.

فظهر أنّ الاطّراد علاميّته لم تكن مستلزم للدور ، لأنّ في طرف الحقيقة لا يحتاج الى القرينة ويكفي فيه عدم القرينة ، فاذا ما دام لم يكن قرينة في البين يلزم حمل اللفظ على معناه الحقيقي كما يقولون في مقام الاطلاق ، فمقتضى أنّ القيد محتاج الى بيان وقرينة ، والاطلاق لم يكن محتاجا الى القرينة ، يؤخذ بالاطلاق ، هذا تمام الكلام في علائم الحقيقة والمجاز والحمد لله وعليه توكلي.

٨١

الجهة الحادية عشرة :

الكلام في الحقيقة الشرعية قد عنونوا البحث

بأنّ الحقيقة الشرعية ثابتة أم لا؟

الكلام في الحقيقة الشرعية قد عنونوا البحث بأنّ الحقيقة الشرعية ثابتة أم لا؟ تحقيق الكلام وما يليق به المقام أنّه بعد ما ظهر لك أنّ مقصودنا من هذه المباحث هو الثمرة والثمرة في هذه المسألة هي في مورد الشكّ ، يعني أنّ مورد الشكّ يحمل كلام الشارع على أي معنى من معانيه : وهذا لا يلزم الجمود على لفظ الحقيقة الشرعيّة ، بل ولو ثبت استعمال الشارع هذه الألفاظ في معانيها الشرعيّة ولو بالقرينة العامة يكفي لنا في الثمرة ، فإنّه بعد ما ثبت أنّ الشارع بمقتضى قرينة عامّة لقد استعمل لفظ الصلاة مثلا في معناه الشرعي يلزم حمله عليه ، ثم بعد ما ثبت لك أنّه يكفي تصرّف الشارع ولو بالنحو الذي قلنا من نصب قرينة عامّة ، هل يكون الموضوع له الألفاظ هذه المعاني المستحدثة ، أو معانيها اللغوية؟

لا إشكال في عدم ثبوت الوضع التعييني ، لأنّه لا يكون من جملة أفعال الشارع أن يجلس ويضع ألفاظ هذه المعاني ويقول : إنّي وضعت لفظ (الصلاة) لهذا المعنى المصطلح عندنا مثلا. ولكن ثبوت الوضع التعيّني ممّا لا إشكال فيه ولا ارتياب ، لأنّه بعد ما ثبت أنّ الشارع استعمل لفظ (الصلاة) في هذا المعنى المصطلح ولو بنصب

٨٢

قرينة عامّة ، مثل من صنّف كتابا ويقول في أوّل كتابه لفظا وأراد منه معنى لا بدّ من حمله في سائر استعمالاته ، وهذا ممّا لا شبهة فيه ، والحال أنّه لهذا المعنى قطعا وضع الشارع لفظ (الصلاة) لهذا المعنى فلا بدّ في مورد الشكّ من حمله عليه إذا علم تأخّر الاستعمال عن تاريخ الوضع ، وأمّا في مورد الشكّ في التاريخ فأيضا لا بدّ من حمله عليه ، لأنّه قلّ مورد ، يكون يستعمل لفظ الصلاة واراد منه غير هذا المعنى ، بل قلنا بأنّه لم يكن مورد ويؤيّده الخبر المنقول عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله)

وأمّا على الجمود على ظاهر اللفظ فأيضا نقول : الحقيقة الشرعية ثابتة ، إن قلنا بكون هذه الألفاظ من مخترعات الشارع ، لما قلنا بأنّ من وضع لفظا لمعنى يكون بناؤه حمله عليه مطلقا ، والوضع التعيّني أيضا ممّا لا إشكال فيه ولا يلزم فيه مرور أيام كثيرة ، بل يثبت الوضع التعيّني بكثرة تكرار اللفظ وإرادة المعنى الموضوع له ، ولو في ثلاثة أيام ، كما نشاهد في العرف.

ولكن يمكن أن يقال بأنّ وضع هذه الألفاظ لهذه المعاني لم يكن من مخترعات الشارع بل كان سابقا ، لما كان في الآيات من قوله تبارك وتعالى خطابا لإبراهيم عليه‌السلام (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِ) الآية ، وغير هذه الآية الشريفة من الآيات ، لأنّه تبارك وتعالى يتكلّم باصطلاح نبيّه ، وإلّا من الواضح أنّه لم يكن في زمن موسى عليه‌السلام مثلا لفظ (الصلاة) ، لأنّ الصلاة من لغة العرب وفي زمان موسى عليه‌السلام وتوراته كان بلسان العبراني ، بل لمّا كانت الصلاة اسما للأركان المخصوصة عند العرب قبل الاسلام ويدلّ عليه ما قال رجل بأنّي رأيت رجلا يصلّي ، ثم جاء شابّ ويصلّي معه ثم جاءت امرأة وتصلي أيضا ، ومقصوده النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي عليه‌السلام وخديجة عليها‌السلام. وهذا دليل على أنّ الأفعال التي كانت عندهم مسمّاة باسم الصلاة.

فانقدح بتمام ما قلنا بأنّه إن قلنا بكون الألفاظ موضوعة لهذه المعاني قبل الاسلام فلم يبق شكّ من لزوم حملها على معانيها الحقيقية قبل الاسلام وإن قلنا بأنّ هذه

٨٣

الألفاظ كانت من مخترعات الشارع فأيضا يمكن لما قلنا من عدم الشكّ من حمله على معناه المخترع ، ولا فرق فيه بين ما قلنا من عدم اللزوم بأخذ عنوان الحقيقة الشرعيّة وبين الجمود بأخذ عنوان الحقيقة الشرعيّة لها.

ولو قلت بأنّ مع هذا يقع الشكّ فلا بدّ من التوقّف ، والحمد لله وبه ثقتي.

٨٤

الجهة الثانية عشرة :

الكلام في الصحيح والأعمّ

الكلام في الصحيح والأعمّ وينبغي قبل الورود في المطلب من رسم امور :

الأمر الأوّل : في جريان النزاع على القول بالحقيقة الشرعية وثبوتها ممّا لا إشكال فيه : فنقول بأنّ الألفاظ التي استعمل الشارع في معانيها الشرعية بعد جعلها حقيقة فيها هل يكون اسما للصحيح أو الأعم؟

وأمّا جريان النزاع على القول بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فأيضا لا إشكال فيه لعدم الإشكال الذي قيل في هذا المقام ، أمّا وجه عدم جريان النزاع هو أنّه بعد ما كان استعمال الشارع هذه الألفاظ في هذه المعاني مجازا ، فجعله اسما للصحيح أو الأعم كانا مجازين في عرض واحد.

والمقصود من هذا النزاع أن يحمل كلام الشارع عند إطلاقه على الصحيح لو قلنا بالصحيح ، أو الأعم لو قلنا بالأعم ، فإذا كان الصحيح والأعم مجازين في عرض واحد ، فلا يمكن حمل كلام الشارع عند الإطلاق على واحد منهما ، لأنّ صحّة الاستعمال في كلّ منهما يحتاج الى القرينة ، وجوابه يظهر بالتأمّل في ما نذكره لك ، وهو أنّ بعض المجازات أيضا مقدّم بالنسبة الى البعض الآخر ، فكما أنّ الحقيقة مقدّمة على المجاز كذلك يمكن أن يكون مجاز أقرب الى الحقيقة من مجاز آخر.

٨٥

وهذا معنى أنّ بعد تعذّر الحقيقة فأقرب المجازات يتعيّن ، فكما يكون حمل اللفظ على معناه المجازي محتاجا الى القرينة كذلك حمل اللفظ على المعنى المجازي الذي كان أبعد من مجاز آخر يحتاج الى القرينة ، ففي مورد الشكّ بعد أن دلّ بأنّ المعنى الحقيقي ، لم يكن مقصودا قطعا ، فيحمل اللفظ على أقرب المجازات ، ففي ما نحن فيه يكون الأمر كذلك ، إذ بعد ما ثبت بأنّ الشارع استعمل هذه الألفاظ على معناها المجازي ولم يكن مقصوده المعنى الحقيقي ، فلا بدّ عند الإطلاق من حمله على أقرب المجازات.

غاية الأمر لا بدّ من إقامة الدليل على أنّ أقرب المجازات يكون الصحيح أو الأعم ، ومن الأدلّة التي ذكروها ، ثبت ما هو أقرب المجازات ، وقد ثبت من الخارج أنّه يمكن أن يكون مجاز أقرب الى الحقيقة من مجاز آخر ، لزيادة انسه مع المعنى الحقيقي. مثلا كان الأسد حقيقة في الحيوان المفترس وقد يستعمل مجازا في الرجل الشجاع ، فإذا علمنا أنّ معناه الحقيقي لم يكن بمراد قطعا ، ينصرف الى المجاز الأقرب وهو الرجل الشجاع ، وهذا واضح ويشهد به الوجدان ، هذا على مذهب المشهور.

وأمّا على مذهبنا أيضا يمكن القول بالطولية في المجازات أيضا ، بالبرهان الذي قلنا وبالمثال الذي ذكرنا ، لوضوح الأمر ، فإذا لم تكن الطولية في المجازات كما تكون الطولية بين الحقيقة والمجاز فكما يحتاج في المجاز للقرينة فكذلك يحتاج في المجاز الذي كان على طول المجاز الأقرب أيضا محتاج الى القرينة.

فيمكن تصوير النزاع بأنّ أيّ المعنيين يكون في طول الحقيقة وبعد المعنى الحقيقي كي يحمل عند الاطلاق عليه ويكون المعنى الآخر محتاجا ، الى القرينة.

أمّا جريان النزاع على مذهب الباقلاني وإن قال بعض بجريانه ، إلّا أنّه فاسد جدّا ، لأنّه قال بأنّ الشارع لم يخترع هذه الألفاظ ، بل يقيّدها بتقييدات ، فإذا كان الأمر كذلك لا بدّ دائما من القول بالأعمّ للشكّ في زيادة القيد ، فافهم.

الأمر الثاني : بعد ما ثبت أنّ لفظ (الصلاة) مثلا كانت له مصاديق مختلفة كان

٨٦

فرد صحيحا في حال وباطلا في حال آخر ، لا بدّ من القول بأحد الأمور الثلاثة : إمّا بأنّ لفظ (الصلاة) كان مشتركا لفظيا بين هذه الأفراد والمصاديق وامّا بانّ الموضوع له الصلاة كان جامعا موجودا في تمام الافراد والمصاديق.

أمّا على القول بالاشتراك اللفظي ممّا لا يمكن الالتزام به ، لأنّه يلزم أوضاع عديدة غير متناهية وهي محال ؛ لأنّ الأفراد غير متناهية.

وكذا القول بأنّ وضعها عامّا والموضوع له فيها خاصا ؛ لأنّ هذا بعيد ، بل يمكن دعوى تسلّم خلافه ، فلا بدّ من القول بالثالث وهو أنّ الصلاة موضوعة لجامع يكون في تمام مصاديقها.

وقد اشكل بامتناع تصوير الجامع ، وهذا الإشكال من الشيخ رحمه‌الله وقد قرّره صاحب التقريرات والمحقّق الخراساني في الكفاية ، ولكن هو تقرير لم يكن خاليا من الخلط.

وتقرير الإشكال بوجه بيّن هو ما نقول : وهو أنّ الجامع الذي تقولون ، إما يكون مرادكم جامعا تركيبيا وإمّا أن يكون مرادكم جامعا بسيطا ، وعلى كلّ تقدير لا يمكن تصوير الجامع ، أمّا الجامع التركيبي يكون معناه ، مثلا أنّ أشياء تصوّر وتسمّى بالجامع ، مثلا يكون الجامع مركّبا من التكبير والركوع والسجود والقراءة ، ويلزم أن يكون هذا الجامع في تمام مصاديق الصلاة ، وتدور التسمية مدار هذه الأشياء الأربعة مثلا ، والحال أنّه يكون من الواضح أنّه لا تدور التسمية مدار هذه الأربعة ، وربّما يكون في بعض مصاديقه كلّها وفي بعض مصاديقه بعضها ومع ذلك تصدق الصلاة ، مثلا كان من أفراد الصلاة صلاة لم تكن محتاجة للركوع أو للسجود أو للقراءة ، أو للتكبير ، كما في صلاة الأخرس والغريق والمريض وغيرها.

فانقدح أنّ الجامع التركيبي غير معقول.

وأمّا ان قلت بالجامع البسيط فهذا على قسمين : إمّا أن يكون المطلوب ، وإمّا أن

٨٧

يكون الجامع ملزوما مساويا للمطلوب ، وفي كلّ منهما إمّا أن تقول بأنّ الجامع مفهوم منهما ، أو مصداق منهما ، مثلا مفهوم المطلوب أو مصداق المطلوب ، فإذا قلت بأنّ الجامع مفهوم المطلوب يلزم الترادف بين الصلاة والمطلوب ، وهذا واضح الفساد ، ومع ذلك يكون خلاف الفرض ؛ لأنّ المفروض أنّ الصلاة التي تعلّق به الأمر كانت لها مصاديق خارجية ، وأيضا يلزم عدم جريان البراءة ، مع أنّ القائلين بالصحيح قائلون بالبراءة.

وجه عدم جريان البراءة هو انّ البراءة تكون في مورد الإجمال في المأمور به ثم يؤخذ بالمعلوم وتجري البراءة في المشكوك ، وأمّا في المورد على هذا يكون التكليف والمكلّف به مبيّنا وإنّما الإجمال فيما يتحقّق به.

وأمّا إن قلت بأنّ الجامع يكون مصداق المطلوب ، فيرد أوّلا : انّه يلزم الدور ، لأنّ المصداق يكون موردا للطلب إذا كان مصداق المطلوب ، والفرض أنّه على ما نقول يلزم أن يكون مصداق الطلب إذا تعلّق به الطلب ، فهذا دور واضح ، ان كان تعلّق الطلب بهذا الفرد يكون بهذا الأمر الذي تعلّق بالجامع ، والّا يلزم تحصيل الحاصل.

وإن قلت بأنّ الجامع هو ملزوم المساوي للمطلوب كمعراج المؤمن فأيضا إن كان مفهومه يلزم إشكال المفهوم ، وإن كان مصداقه يلزم إشكال المصداق وأيضا إشكال آخر على تصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة أنّه بعد ما ثبت لك أنّ الجامع المركب باطل قطعا لا بدّ إمّا أن يتصوّر جامع بسيط وجامع مقولي ، وإمّا أن يتصوّر جامع عنواني واعتباري وكلاهما محال ولم يتعقل في ما نحن فيه ؛ لأنّ الجامع المقولي يمكن تصويره في جنس واحد لا في أجناس متباينة ، وفي الصلاة إن قلت المقولي يكون معناه تصوير الجامع في الأجناس المتباينة.

ووجه عدم تصوير الجامع في الأجناس المتباينة ، هو أنّه لم يكن فوق مقولة العشر مقولة وجنسا ، حتى تكون الأجناس العشرة أفرادا له ، فإذا كان كذلك لم

٨٨

يمكن تصوير الجامع ، وهذا علّة عدم تصوير جامع مقولي في الصلاة ، لأنّ الصلاة مركبة عن مقولات مختلفة من الوضع والأين والفعل ، لأنّ أجزاءها مختلفة ، مثلا تكون القراءة من مقولة والسجدة من مقولة اخرى مباينة لها.

وأمّا الجامع العنواني أيضا باطل ، لأنّه لا بدّ من تغاير العنوان مع المعنون ، لأنّه اتّحادهما محال ضرورة ، فعلى هذا يلزم التغاير ، فكيف يمكن تصويره في ما نحن فيه ، لأنّه يكون مقصودنا من الجامع الجامع الذي كان في تمام الأفراد ، والفرض أنّه مغاير مع الأفراد ، فالأمر إن تعلّق بالجامع لا يتعلّق بالأفراد وإن تعلّق بالأفراد لا يتعلّق بالجامع؟

هذا كلّه في الاشكالات الواردة على تصوير الجامع ، فإن صوّر جامع لا يرد عليه الاشكالات فنقول به ، وإلّا لا بدّ أن نقول : إمّا بالاشتراك اللفظي وإمّا بالوضع العام والموضوع له الخاص. وأمّا ما قاله الشيخ أعلى الله مقامه الشريف : إنّ الصلاة حقيقة في فرد كامل وفي المراتب النازلة تكون مجازا.

وقد تصدّى جمع لتصوير الجامع بين الأفراد الصحيحة ولا يهمّنا ذكر كلّها ، بل نذكر بعضها :

منها : ما قاله المحقّق الخراساني في الكفاية وكلامه كان مندمجا فمن صدر كلامه يظهر أنّه في مقام تصوير الجامع المقولي حيث قال : (فإنّ الاشتراك في الأثر كاشف عن الاشتراك في جامع واحد يؤثّر فيه) ويظهر من ذيل كلامه أنّه يقول بالجامع العنواني.

وعلى أي حال سواء قال بالجامع المقولي أو بالجامع العنواني ليس كلامه في محلّه ، وما قاله من تصوير الجامع فاسد جدا ، أمّا إن قال بالجامع المقولي فوجه فساد كلامه يظهر :

أوّلا بما قلنا ببطلان الجامع المقولي بين المقولات المختلفة ، حيث إنّ الصلاة مركبّة

٨٩

من مقولات مختلفة ، كالوضع والكيف وغيرهما ، فتصوير الجامع بين هذه المقولات محال لأنّها أجناس عالية ولم يكن فوقها جنس.

وثانيا : أنّ ما قالوا من أنّ وحدة الأثر يكشف عن وحدة المؤثّر ، يكون برهانه : أنّ الواحد لا يصدر عنه الّا الواحد : وهذا البرهان يكون في الواحد الشخصي ولم تكن الصلاة من قبيله.

إذا عرفت ذلك نقول بأنّ المفاهيم المعنونة لا تخلو عن أقسام أربعة كما قلنا في محلّه : الأوّل الوجودات الذهنية ، الثاني الوجودات الخارجية ، الثالث الوجودات الانتزاعية ، الرابع الوجودات الاعتبارية.

ونقول مختصرا بأنّ هذه المفاهيم هي المفاهيم التي ليس لها وجود حقيقي ولا انتزاعي ولا ذهني ، وهذه المفاهيم هي المفاهيم التي سميت بالمفاهيم والامور الاعتبارية في مقابل المفاهيم الثلاثة المتقدمة ، والأمر الاعتباري يكون تابعا لاعتبار المعتبر وليس اللفظ الموضوع لهذا الاعتبار من قبيل المجازات ، بل مع أنّه لا وجود حقيقي له يكون مثل المجاز الادّعائي الذي كان التصرف في المشبّه مثل (زيد أسد) إذا فرضت زيد وادّعيت أنّه أسد ثم قلت واستعملت (زيد أسد) فعلى هذا كان الاستعمال على سبيل الحقيقة غاية الأمر أنّ الادّعاء ليس له حقيقة فكذلك في الامور الاعتبارية.

فمن ذلك كلّه تعرف أنّ الامور الاعتبارية امورا يعتبرها العرف والعقلاء باعتبار دواعيهم ، ومن ذلك أبواب المعاملات فإنّها من الامور الاعتبارية التي اعتبروها وليس لها وجود خارجي ، ولكنّه يترتّب عليها الآثار المختلفة وكذلك الشارع اعتبر بعض الاعتبارات التي تترتّب عليها الآثار باعتبار داعيه على اعتبارها وتكون كلّ العبادات من هذا القبيل مثلا اعتبر الشارع الصلاة باعتبار ما هو داعيه على اعتبارها كمعراج المؤمن وما يكون دخيلا في هذا الاعتبار اعتبره جزء أو شرطا

٩٠

لهذا المعتبر.

إذا عرفت ذلك نقول بأنّ الجامع هو الذي باعتباره اعتبرت الصلاة مثلا وهذا الجامع موجود في كلّ أفرادها ـ أي الصلاة ـ مع اختلاف أفرادها من صلاة الحاضر والمسافر أو القائم والقاعد.

فيظهر لك أنّ الجامع المعقول في مسألتنا هو الجامع الاعتباري وهو سليم عن الاشكالات المتقدمة.

إذا عرفت ما قلنا من إمكان تصوير الجامع بين أفراد العبادات على القول بالصحيح وكذا على القول بالأعم ينبغي أن نتكلّم في ما هو الحقّ في المقام وأنّ الحقّ ، هل هو الصحيح أو الأعم؟

فنقول بعونه تعالى : إنّ الحقّ هو كون العبادات أسامي للصحيح ، أوّلا للتبادر ، وثانيا لأجل بعض الأخبار كقوله : «لا صلاة الّا بفاتحة الكتاب» فإنّه بعد عدم دلالة لفظ «لا» إلّا على النفي ، والنفي لا بدّ بأن يتعلّق بأمر ، وحيث إنّ ما ينفى كلّما يكون أمرا وجوديّا فينفى بلفظ «لا» فلو نفي شيء فعند الإطلاق لا بدّ وأن يراد منه نفي وجوده ؛ لأنّ كلّ أمر غير الوجود لا بدّ وأن يكون موجودا حتى ينفى ، فينفى مثلا الوجود الكذائي. فعلى كلّ حال يكون مرتبة متأخرة عن الوجود ، فعلى هذا عند الإطلاق لو نفي عن شيء يحمل على نفي الوجود إلّا إذا نصبت قرينة على إرادة نفي أمر آخر كالتمامية ، فلو كان مراد المتكلّم مثلا نفي تماميّة شيء فيحتاج الى قرينة ، ففي ما نحن فيه لا بدّ من حمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب» على نفي وجود الصلاة إلّا مع فاتحة الكتاب ، لما قلنا من أنّ عند الإطلاق يتعلّق النفي بأصل الوجود فإذا كان الأمر كذلك ، ففي مثل هذه الرواية ، نفي المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاتية عن صلاة ليس فيها فاتحة الكتاب ، فهذا شاهد على أنّ الصلاة حقيقة في الصحيح.

وبعبارة اخرى وأوضح نقول بأنّ لفظ «لا» موضوع لنفي الماهيّة وحيث إنّ

٩١

الماهيّة من حيث هي هي لا موجودة ولا معدومة فلا تكون قابلة للنفي والاثبات إلّا بلحاظ الوجود ، فلا بدّ من أن يكون النفي متعلّقا بالموجبة ، إمّا بلحاظ نفس الوجود ، وإمّا بلحاظ بعض خصوصيات أخر كالأوصاف مثلا ، تنفي الصحّة أو التمامية أعني تنفي الماهيّة ، باعتبار نفس الوجود وأصل الوجود ، أو باعتبار وجود الماهيّة.

إذا فهمت ذلك فلا إشكال في أنّ عند الإطلاق لو استعمل «لا» لا بدّ من نفي أصل الوجود وتعلّقه بنفي أصل الوجود ، فلو أراد منه المتكلّم نفي بعض الخصوصيّات الأخر غير أصل الوجود لا بدّ له من نصب القرينة ، لأنّ الخصوصيات تكون في طول الوجود ففي أوّل الأمر ما ينصرف اليه هو نفس الوجود ، وغيره محتاج الى بيان زائد.

فممّا قلنا يظهر لك تمامية الاستدلال للقول بالصحيح ، على قوله : «لا صلاة الّا بفاتحة الكتاب» وغير هذه الرواية ؛ لأنّ النفي تعلّق بماهية الصلاة ولا بدّ أن يكون باعتبار الوجود ، وحيث إنّ عند الإطلاق لا بدّ من تعلّق النفي بنفس الوجود لا بدّ من أن يريد المعصوم نفي وجود الصلاة بعدم فاتحة الكتاب ، ولو أراد نفي الصحّة أو خصوصيات اخرى ينبغي له البيان ، لما قلنا من أنّ في موارد نفي بعض الخصوصيات غير نفس الوجود لا بدّ من مئونة زائدة ، فهذه الرواية وما كانت مثلها دليل على عدم كون الصلاة اسما للأعم ، فما هو الحقّ في المقام هو القول بالصحيح ولا يمكن الالتزام إلّا بهذا.

إذا عرفت ذلك ينبغي التنبيه على بعض الامور :

الأمر الأوّل : ترى في كلمات الأصحاب أنّ الثمرة بين القول بالصحيح وبين القول بالأعم هو عدم إمكان التمسّك بالإطلاقات الواردة في باب العبادات على الصحيح وإمكان التمسّك على الأعم.

والتحقيق في المقام ، هو أنّ الإطلاق تارة يكون مستفادا من اللفظ أعني الإطلاق

٩٢

اللفظي فلا إشكال في أنّ الملتزم بالصحيح لا يمكن له التمسّك بهذا النحو من الإطلاق ، لأنّه بعد كون الصلاة حقيقة في تمام الأجزاء والشرائط لا يصحّ التمسّك بالإطلاق في نفي جزء أو شرط ، بل لا بدّ من إتيانه ولا بدّ من إتيان كلّ ما احتمل اعتباره في الصلاة حتى يقطع بحصول الامتثال والاتيان بهذه الحقيقة ، ولكن على الأعمّ ليس الأمر كذلك بل يصحّ التمسّك بالإطلاق في جزء أو شرط.

وتارة نعبّر بالإطلاق ونريد منه غير الإطلاق اللفظي المستفاد من اللفظ ، بل المراد غير ذلك وهو أنّه إذا كان المتكلّم في مورد في مقام بيان تمام مراده وكان المقام بحيث يكون كذلك يعني أنّ المتكلّم يكون بحيث يعرف المخاطب من حاله أنّه في مقام بيان مراده بحيث لو كان أمرا معتبرا في ما هو مراده ولم يبيّن يتخيل المخاطب أنّ هذا الأمر غير داخل في مراده ، فلو كان معتبرا في مراده ولم يبيّن فقد أخلّ بغرضه.

فلأجل هذا إذا كان في مقام بيان مراده ولم يبيّن أنّ الأمر الكذائي داخل في مراده نحكم بعدم دخله في مراده بمقتضى مقدّمات الحكمة ، وهذا الإطلاق غير مستفاد من اللفظ ، وهذا الإطلاق هو الذي يعبّر عنه بالإطلاق المقامي كما نقول بمثل هذا الإطلاق في نفي قصد الوجه والتميّز في العبادة ، فعلى هذا نقول فيما نحن فيه بأنّ في التمسّك بهذا النحو من الإطلاق ، أعني الإطلاق المقامي لا فرق بين الالتزام بالصحيح ، أو بالأعمّ. فعلى كلا القولين يصحّ التمسّك بالإطلاق لنفي ما شكّ في جزئيته أو شرطيته ، فالثمرة بين القولين تظهر في الإطلاق المستفاد من اللفظ.

وأيضا ممّا يعدّ ثمرة للمقام هو أنّه على القول بالصحيح لا بدّ في الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته من الالتزام بالاشتغال ؛ لأنّ الشكّ في حصول المأمور به وأمّا على القول بالأعمّ فيلتزم بالبراءة ولا يخفى عليك أنّه لا فرق في هذه الجهة بين الصحيح والأعم.

فلو قلنا في مسألة الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين بالبراءة ، فنقول بها على

٩٣

كلا القولين ، أمّا على القول بالأعمّ فواضح ، وأمّا على القول بالصحيح فلأجل أن الشكّ لا يكون في المحصّل حتى لا تجري البراءة ، بل حيث إنّ ذوات الأجزاء وقعت تحت الأمر لا ما هو المتّصل منها ، فتجري البراءة ولو قلنا في الشكّ بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين بالاشتغال فأيضا لا فرق بين القول بالصحيح وبين القول بالأعم.

وقيل من جملة الثمرات النذر وواضح ما فيه من الإشكال.

الأمر الثاني : لا إشكال في أنّ في باب المعاملات لو قلنا بكونها أسامي للمسببات ، لا الأسباب يعني لا لفظ بعت مثلا بل هو ما يحصل من هذه الأسباب فلا مجال للنزاع في أنّها أسامي للصحيح أو الأعمّ ، لأنّه على هذا أمرها دائر دائما بين الوجود والعدم.

وقال المحقّق الخراساني رحمه‌الله قريبا من هذه العبارة بأنّه : لو كانت المعاملات أسامي للأسباب فللنزاع مجال ـ الى أن قال : ـ وتخطئة الشارع يكون في المصداق.

وفيه : أنّ تصرّف الشارع لا يكون في المصداق بل الشارع لو تصرّف كان تصرّفه بالسعة والضيق فكأنّه شرط في التأثير الأمر الفلاني ، أو جعل الأمر الفلاني مانعا ، فاعتباره لا يكون من قبيل التخطئة في المصداق ، بل في حقيقة الاعتبار ، يتصرّف تارة بالسعة وتارة بالضيق.

الأمر الثالث : قيل بأنّه على القول بكون ألفاظ المعاملات أسامي للصحيح يوجب الإجمال.

والتحقيق في المقام هو أن يقال بأنّ في باب المعاملات تارة نقول بأنّ الشارع لم يكن له اعتبار مخصوص ، بل من حيث إنّ المعاملات كانت من الموضوعات العرفيّة ، فما يكون معتبرا عند العرف أمضاه الشارع ، امّا بالامضاء ، أو بعدم الردع الكاشف عن الإمضاء ، غاية الأمر لو تصرّف كان تصرّفه في ما هو المعتبر عند العرف وليس

٩٤

اعتبار مستقل له في باب المعاملات ، وعلى هذا لا بدّ من حمل إطلاقاته أيضا على المعتبر عند العرف ، كقوله (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وغير ذلك.

فلا إشكال في أنّه على هذا لا يوجب الالتزام بالصحيح الإجمال ، لأنّ بعد كون إطلاقاته منزّلة على ما هو المعتبر عند العرف ولو تصرّف في مورد لا بدّ من البيان ، فلو لم يبيّن وكان ما هو المعتبر عند العرف حاصلا فبالإطلاق نرفع اعتبار ما يشكّ في اعتباره ، في باب المعاملات فلا يوجب الإجمال.

وتارة نقول بأنّ للشارع اعتبارا خاصّا في باب المعاملات ، غير اعتبار العرف ، فأيضا نقول بأنّ الشارع بعد اعتباره وجعله مثلا أنّ السبب الفلاني موجبا للملكيّة الكذائية وهكذا فحيث لم يبيّن موضوع اعتباره حيث انّ العرف لا يفهمون في باب المعاملات إلّا ما هو المعتبر عندهم ، فلو كان ما اعتبره غير ما اعتبره العرف لا بدّ له من البيان وإلّا فقد أخلّ بغرضه ، فمن عدم بيان موضوع اعتباره نكشف بأنّ موضوع اعتباره عين ما هو المعتبر عند العرف وهذا معنى الإطلاق المقامي ، فعلى هذا أيضا على القول بالصحيح لا يوجب الإجمال في باب المعاملات ، وهذا معنى كلام الشيخ رحمه‌الله في أوّل بيع المكاسب ، كما أوضحنا مفصّلا مراده في أوّل البيع ، وما قلنا في المقام إجمال من المفصّل ، فافهم.

٩٥

الجهة الثالثة عشرة

الكلام في المشترك

اعلم أنّه وقع الاختلاف في المشترك وكان الاختلاف فاحشا ، فبعضهم قالوا باستحالته لأجل لزوم الإجمال والتطويل بلا طائل ، وذلك فساده واضح ، لعدم لزوم الإجمال أوّلا لإمكان الاتّكال على القرائن وعدم بأس في الإجمال ثانيا ، لأجل وجود المصلحة في الإجمال لبعض المصالح ولا يلزم التطويل بلا طائل ، لإمكان الاتّكاء على قرائن حاليّة. وبعضهم قالوا بوجوب الاشتراك لعدم تناهي المعاني ، بخلاف الألفاظ.

وفيه : أنّه على هذا لا يمكن أوضاع عديدة لأجل ما قلت من عدم تناهي المعاني ، والحال أنّ في المشترك لا بدّ من الوضع المستقلّ لكلّ واحد واحد من المعاني ، فعلى هذا يكون القولان المتقدمان في غير محلّهما وهما بين مفرط ومفرّط.

والحقّ وقوع الاشتراك ، لكن لا بدّ في موارده من فهم كون اللفظ مشتركا من وجود ما هو مناط في الاشتراك لا أنّه بمجرّد رؤية استعمال في المعنيين ، يقال بكونه مشتركا لإمكان كون الاستعمال في أحد المعنيين على سبيل الحقيقة وفي المعنى الآخر مجازا ، فإذا ترى أنّ اللفظ استعمل في معنيين أو معاني وكان لكلّ منهما وضع على حدة ولا يكون الاستعمال لأجل علاقة بين المعنيين فيكون مشتركا.

٩٦

الجهة الرابعة عشرة

والكلام في جواز استعمال اللفظ في أكثر

من معنى واحد وعدم جوازه

لا يخفى عليك أنّ عمدة الخلط الواقع في المقام نشأ من اشتباه محلّ النزاع وعدم فهم أنّ محلّ الكلام في الجواز وعدمه يكون في أيّ مورد.

أولا نذكر مقدمة ، واذا فهمت هذه المقدمة يظهر لك بمجرّد التوجّه ما هو الحقّ في المقام.

فنقول مستعينين بالله جلّ ثناؤه : إنّ كلّ متكلّم إذا أراد استعمال لفظ في معنى ويصير بصدد إراءة المعنى بواسطة اللفظ تارة يلاحظ معنى واحدا ويضع له اللفظ ويستعمله ، مثلا يتوجه بمعنى (زيد) ويريد إلقاءه نحو المخاطب فبعد لحاظ المعنى يضع لفظ (زيد) بإزائه ويستعمله ويري المخاطب هذا المعنى بهذا اللفظ.

وتارة يلاحظ معنيين فإذا أراد أن يستعمل اللفظ الكذائي بإزائهما يتصوّر جامعا بينهما ثم يضع له لفظ واحد ويستعمل هذا اللفظ لازاءة هذا الجامع.

٩٧

الجهة الخامسة

عشرة فى المشتق

اعلم أن الكلام يكون في المشتق ومورد البحث فيه هو أنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ في الحال أو الأعمّ منه وعمّا انقضى عنه المبدأ بعد الاتفاق على كونه مجازا في ما يتلبس في المستقبل ، وتحقيق المقام موقوف على بيان مقدمات :

المقدّمة الاولى : اعلم أنّ المأخوذ في المشتق ولو على وجه الالتزام هو الذات والمبدأ والنسبة ، فباعتبار نسبة الضرب للذات يقال ضارب ، ومحلّ النزاع في المشتق ليس إلّا في هذه النسبة وجهة الإضافة ـ أعني إضافة الذات للمبدا فمن يقول بأنّ المشتق حقيقة في خصوص حال التلبس يقول بأنّ التلبس إذا كان باقيا يصحّ النسبة ، وإلّا فلا ، ومن يقول بكون المشتق حقيقة في الأعمّ يقول بصحّة النسبة وأنّ الانتساب باق ولو مع انقضاء التلبس.

فمحلّ الكلام ومورد النقض والابرام يكون في النسبة وفهمت بأنّ الدالّ على النسبة هو هيئة المشتق ، ففي المشتق لا يكون لفظه بهيئته ومادته موضوع للذات المقيّد ، بل المادة دالّة على المبدأ والهيئة دالة على النسبة فلا يكون اللفظ موضوعا للشخص الخاص حتى إذا لم تكن الخصوصية باقية لم يكن يصحّ الإطلاق ، بل الهيئة دالّة على النسبة ، والنسبة كونها دالّة على المتلبس أو الأعم يكون محلّ الكلام في

٩٨

المشتق.

وأمّا في الجوامد فلم يكن الأمر كذلك بل اللفظ الجامد موضوع للمعنى المقيّد وليس فيه مادة وهيئة حتى تدلّ مادته على معنى وهيئته على معنى آخر ولم يكن يتصوّر فيه المادة والهيئة ، بل لفظ موضوع لمعنى خاص ، فكما أنّ الماء موضوع للجسم المخصوص ولا يصحّ إطلاقه في غيره كذلك لفظ «الحر» ولفظ «الزوج» موضوعان لما وضع له الخاص ولا يصحّ إطلاقهما في غير ما وضع لهما ، فاذا ارتفعت علاقة الزوجية لم يكن زوجا ؛ لأنّ الزوج موضوع للمعنى الكذائي وليس هذا المعنى باقيا بعد قطع هذه العلاقة.

إذا عرفت ذلك يظهر لك أنّ النزاع في المشتق مخصوص بنفس المشتق ؛ لأنّ فيه جهة الانتساب ، ولذا لم نقل في جميع المشتقات كالأفعال ، لعدم وجود هذه النسبة فيها فالنزاع مخصوص بما إذا كان في المشتق جهة الانتساب والتلبّس وكون العارض لباسا للذات فتعدية النزاع الى غير المشتق من الجوامد في غير محلّه ؛ لأنّ الجوامد كما قلنا ليس فيها جهة انتساب أصلا حتى باعتبار هذه النسبة يصير اللفظ موضوعا للمعنى ، بل اللفظ موضوع لمعنى مقيّد فإذا ارتفع القيد لا يصحّ إطلاق اللفظ لكونه استعمالا في غير ما وضع له.

والشاهد على ما قلنا هو ما ترى من أنّ لفظ «العبد» مثلا جامد وموضوع لشخص خاص ، فإذا أعتقه مولاه فهل يقع الكلام في أنّه هل يصحّ ترتيب آثار العبودية عليه ، أم لا؟ والحال أنّ الأكثر قائلون بأنّ المشتق حقيقة في الأعم ، فهل ترى من أحدهم أن يقول بأنّه لا بدّ من ترتيب آثار الرقية عليه؟!

وأيضا قلنا في بحث الطهارة بأن الفرق بين الاستحالة وبين الانقلاب هو أنّ في الاولى تتبدل صورتها النوعية كصيرورة الكلب ملحا ، وأمّا في الانقلاب فليس الأمر كذلك يعني لا تتبدل صورته النوعية بل المتبدل وصف منه كالخمر الذي يصير

٩٩

خلّا ، فالخمر لا تتبدل صورته النوعية بل تبدّل وصفه وصار خلّا ، فإذا عرفت أنّ في الانقلاب لا تتبدل الصورة النوعية بل المتغيّر هو وصف من الأوصاف فنسأل عمّن يقول بجريان النزاع في الجوامد بأنّ من يقول بكون المشتق حقيقة في الأعمّ بأنّه بعد صيرورة الخمر خلّا هل يقول بأنّ النجاسة باقية؟! ومن المسلّم عدم التزام أحد منهم بذلك.

والحال أنّ النزاع لو كان في الجوامد أيضا فالخمر أيضا من الجوامد فلا بدّ من التزامهم بذلك ، فعدم قولهم ببقاء النجاسة ليس إلّا لأجل أنّ النزاع غير جار في الجوامد ، فالخمر لفظ موضوع لمائع خاص فإذا انتفت خصوصيّته ليس خمرا أصلا.

ولا مجال لأن يقال بأنّ عدم قولهم ببقاء النجاسة بعد صيرورة الخمر خلّا لعلّه كان بدليل خاص ، لأنّ ما قلناه في باب الطهارة من طهارة الخمر بمجرّد الانقلاب قلناه على القاعدة وهو الانقلاب وتغيير الوصف ، فظهر لك ممّا مرّ عدم جريان النزاع في الجوامد ، نعم في بعض الجوامد التي كانت فيها جهة نسبة نقول بجريان النزاع فيه كغلام زيد ، وعمرو بن بكر وغير ذلك ، حيث إنّه بعد كون الإضافة ونسبته بين زيد والغلام وعمرو وبكر يجري النزاع بأنّ هذه النسبة يصحّ جريها واطلاقها بخصوص حال كون الغلام غلاما لزيد أو عمرو ابنا لبكر ، أو يصحّ جريها ولو مع انقضاء غلامية زيد وابنية عمرو ، والسرّ في ذلك هو ما قلناه بأنّ النزاع يكون حقيقة في النسبة ، ففي كلّ مورد كانت النسبة يجري النزاع ، ولا يجري هذا الكلام في مطلق الجوامد كما قلنا.

ومنشأ توهّم جريان النزاع في مطلق الجوامد ليس إلّا ما رأوا من كلام فخر المحقّقين قدس‌سره والحال أنّهم لم يفهموا مراده ، وإذا تتأمّل في كلامه تفهم بأنّ نظره الى ما قلنا ، حيث إنّ ام المرضعة غير سائر الجوامد ، بل كما قلنا فيها جهة انتساب ، وهو حيث إضافة الامّ للمرضعة واضافتها اليه ولذا كان الدليل وهو الآية الشريفة

١٠٠