المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

وقد توهّم بعض ـ وظاهرا يكون المتوهّم صاحب الحجّة ـ وبأنّ النزاع في الثاني أي فى الحمل ـ بمعنى أنّه بعد عدم الاختلاف في المفهوم والمعنى يكون الاختلاف في الحمل ، فإنّ القائل بعدم صحّة الاطلاق فيما انقضى عنه المبدأ حيث يرى أنّ الحمل في المشتقّات والجوامد يكون بمعنى واحد ، فكما لا يصحّ إطلاق الماء على الهواء بعد ما انقضت عنه الصورة المائيّة وانقلبت هواء كذلك لا يصحّ إطلاق المشتقّ على من انقضى عنه المبدأ ، فلا يصحّ إطلاق الضارب على زيد ، والحال أنّ زيدا انقضى عنه المبدأ فقال : إنّ الأمر الانتزاعي تابع لمنشا انتزاعه حدوثا وبقاء بمعنى أنّه انتزع عن الذات ، الضرب لأجل كونه متلبّسا بالضرب ، فإذا لم يكن متلبّسا لم يصحّ الإطلاق ، لأنّ منشأ انتزاعه مفقود بعد الانقضاء.

وقال المتوهّم : من قال بصحّة الاطلاق على من انقضى حيث كان قائلا باختلاف الحملين فيقول : إنّ الحمل في الجوامد ، يكون حمل ، هو هو ولذا لا يصحّ أن يقال للهواء أنّه ماء ، بخلاف المشتقّات ، فيكون الحمل فيها حمل ذي هو ، وحمل الانتساب فيكفي في النسبة مجرّد الخروج من العدم الى الوجود ، فيصحّ الحمل على المتلبّس وعلى من انقضى وقد أجاب عن هذا التوهّم المحقّق الاصفهاني رحمه‌الله في حاشيته على الكفاية ، فقال ما حاصله : إنّ المتوهّم قد خلط وقال بخلاف الاصطلاح الذي في تقسيم الحمل الى هو هو والى ذي هو ، فإنّ ما لا يحتاج في حمله على شيء بواسطة يكون هو الحمل وهو هو والمواطاة وأنّ ما يحتاج في الحمل الى واسطة شيء كحمل ذي هو وحمل الاشتقاق.

مثال الأوّل «الإنسان جسم» ومثال الثاني «الانسان ذو نطق» ، أو «الإنسان ناطق» ، فالمحمول ، بالاشتقاق هو نفس العرض والوصف ، المشتقّ منه محمول ومواطاة ، لعدم الحاجة في حمله الى شيء ، مثلا إذا أردنا أن نحمل الضرب على زيد لا بدّ لنا في صحّة الحمل من واسطة ومصحّح للحمل ، وهذه الواسطة تارة يكون لفظ

١٢١

«ذو» وتارة يكون اشتقاق.

فعلى هذا لا يصحّ أن يقال : «زيد ضرب» فلا بدّ في مصححيّة الحمل من أن يقال : «زيد ذو ضرب» أو زيد ضارب» وإلّا فحمل نفس المشتقّ لا يحتاج الى الواسطة ، بل يكون حمله حمل المواطاة وهو هو ، مثلا يصحّ أن يقال : «زيد ضارب» ولا يصحّ أن يقال : «زيد ذو ضارب».

فعلى هذا ، الفرق الذي توهّمه المتوهّم من أنّه في الجوامد يكون الحمل حمل هو هو ، وفي المشتقّات يكون حمل ذو ، هو فاسد ، إذ يظهر لك أنّ في المشتقّ أيضا يكون الحمل حمل المواطاة وحمل هو هو كما تقول : «الإنسان جسم» بدون احتياج الى واسطة ، كذا تقول : «الانسان ناطق».

وقال لقد خلط المتوهّم في الاصطلاح ، هذا حاصل توهّم المتوهّم وما أجاب عنه المحقّق المذكور رحمه‌الله.

لكن ما أجاب به عن التوهّم ليس بجواب صحيح ، إذ ما قاله من أنّ المتوهّم خلط في الاصطلاح الذي يكون في الحمل ليس في محلّه ، حيث إنّ المتوهّم صرّح بأنّ مراده من الحمل وهو يكون حمل الانتساب ، وعلى هذا ما أجاب عنه فاسد ، إذ يكون الحمل في المشتقّات كذلك. فعلى هذا يجري النزاع بأنّ من قال بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص حال التلبّس يقول بأنّه في صحّة الحمل يشترط أن يكون الانتساب في حال الحمل ، كي يصحّ الحمل ولم تنقض عنه النسبة ، وأمّا القائل بأنّ المشتقّ حقيقة في الاعمّ ، يقول يكفي في صحّة الحمل مجرّد الانتساب ولو في ما انقضى.

ولكن مع أنّ الجواب غير صحيح ، يكون كلام المتوهّم باطلا ، لأنّ العمدة في استدلاله تسليم كون المشتقّ أمرا انتزاعيّا ، والأمر ، الانتزاعي يكون تابعا لمنشا انتزاعه ، ولقد أثبتنا لك أنّه لا يعقل أن يكون المشتقّ أمرا انتزاعيّا حيث يكون مفهومه مركّبا بالمعنى الأوّل وحيث إنّ الامر الانتزاعي يشترط أن يكون منشأ

١٢٢

انتزاعه بسيطا ، فإذا كان منشأ انتزاعه مركّبا لم يصحّ أن يكون انتزاعيّا.

مسألة : لا يخفى أنّ اختلاف المشتقّات في أنّه اخذ في مبدأ بعضها الملكة فى بعضها الفعليّة ، أو غير ذلك ، لا يوجب اختلافا فى محلّ النزاع ، لأنّه لا فرق في جريان النزاع ، مثلا إذا كان المبدأ اخذ بنحو الفعلية يمكن النزاع بأنّه يصحّ إن أطلق عليه ولو لم يكن فعليّا ، أو لا.

فعلى الأعمّ يصحّ ، وعلى القول بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ لا يصحّ حمله ، وهكذا في الملكة.

غاية الأمر بعد انقضاء الملكة على القول بالتلبّس لا يصحّ الحمل وعلى القول بالأعمّ يصحّ الحمل ، وهذا ممّا لا إشكال فيه ، وقد قالوا به ولم يكن مقصودنا من تقرير هذه المسألة هذا الكلام الذي قلنا ، بل مرادنا أنّ هذا الاختلاف الذي يكون بين المشتقّات حيث إنّ في مبدأ بعضها اخذت الملكة ، وفي مبدأ بعضها اخذت الفعليّة ، يكون من ناحية المبدأ ، أو الهيئة ، أو انّ كيفيّة القيام مختلفة.

لا يخفى أنّ هذا الاختلاف لم يكن من ناحية المبدأ ، إذ المبدأ في كل واحد منها اخذ لا بشرط ، ومع هذا يلزم في مثل «كاتب» الذي قلنا أن يكون له وصفان ، وهذا فاسد جدّا ، مثلا تارة يوضع لمن له ملكة الكتابة ، وتارة لمن كان بالفعل متلبّسا بالكتابة.

وأيضا لا يكون هذا الاختلاف من ناحية الهيئة ، لأنّ الهيئة تكون معنى حرفيّا وتكون في كلّ من المشتقّات ويؤيّده أنّ وضع الهيئة يكون نوعيّا حيث وضع الواضع هيئة اسم الفاعل مثلا ونسبة الفعل الى فاعله ، وهذا نوع واحد في كلّ اسم فاعل.

فعلى هذا التحقيق هو أنّ اختلاف المشتقّ ، من حيث الملكة والفعلية وغيرهما راجع الى نحو قيام المبدأ بالذات ، وبعبارة اخرى يكون أنحاء القيام مختلفة وفي بعض المشتقّات يكون قيام المبدأ بالذات بنحو الملكة ، وفي بعضها بنحو الفعليّة ، وفي كلّها تكون المادّة والهيئة واحدة ، غاية الأمر أنّه بعد ما تدلّ الهيئة على قيام المبدأ وانتسابه

١٢٣

بالذات تكون أنحاء القيام مختلفة.

مسألة : بعد ما فرغنا من المقدمات نرجع الى أصل المقصد ، وهو أنّ المشتقّ هل يكون حقيقة فى خصوص المتلبّس بالمبدإ أو الأعمّ؟ وما ينبغي أن يقال في هذا المقام ، ليس البحث عن أصل المسألة ، إذ المرجع فيها التبادر ونحوه من علائم الوضع ، فبها يثبت المطلوب.

وما كان ذكره مفيدا هو أنّه قال بعض بأنّ النزاع في المشتقّ مبنيّ على البساطة وتركّب مفهومه ، فإن قلنا ببساطة مفهوم المشتقّ لا بدّ أن نقول بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ في الحال وإن قلنا بتركّب مفهوم المشتقّ لا بدّ أن نقول بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ من حال التلبّس وحال الانقضاء.

بيانه : أنّه قلنا بأنّه على القول ببساطة مفهوم المشتقّ لا يكون في الخارج إلّا المبدأ حيث إنّ الذات والنسبة التي هي معنى الهيئة لا يمكن أن يوجد في الخارج ، لأنّ المراد من الذات الذي اخذ في المشتقّ يكون ذاتا مبهمة ، لما قلنا من عدم إمكان أن يكون الذات المأخوذ لا وجودات خاصّة ، لعدم صحّة حمل الصفة ، لما قلنا بأنّ الذات المأخوذة إن كانت مثلا ذات زيد وقلنا بأنّ زيدا ضارب ، لا يمكن حمل الضرب على عمرو ، إذ الذات المأخوذ في الضارب هو زيد فكيف يحمل على عمرو؟! وايضا معنى الهيئة الذي يكون معنى حرفيا لم يكن له وجود في الخارج ، فعلى هذا لم يكن سوى المبدأ شيء موجود في الخارج ، فكلما كان المبدأ موجودا يصحّ الحمل ويكون على وجه الحقيقة ، وأمّا إذا لم يكن موجودا لا يصحّ الحمل ، هذا على القول بالبساطة.

وأمّا على القول بالتركّب يكون معناه تركّب مفهوم المشتقّ ، فيكون الذات هو العمدة في المشتقّ ، فبقاؤه وعدمه هو المناط ، فإذا انقضى المبدأ ولو لم يكن فعلا صاحب المبدأ إلّا انّه حيث يكون الذات باقيا يصحّ ، الحمل ويكون الحمل على وجه الحقيقة.

١٢٤

وهذا التوهم فاسد جدّا ، لأنّه قال في صورة بالبساطة ، حيث إنّه يكون في الخارج هو المبدأ فإذا كان المبدأ موجودا يصحّ الحمل ، وإذا لم يكن موجودا لا يصحّ الحمل ، لا بدّ من القول بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس.

بيان فساده : أنّ قولنا بأنّ في الخارج لا يكون إلّا المبدأ ، لا يكون معناه ، أنّه ليس للنسبة والذات دخل ، حيث انّ النسبة تكون من جهة الهيئة والذات مأخوذة في المشتق التزاما وقلنا بأنّ المبدأ حيث كان لا بشرط ، لا بدّ من هيئة كي تدلّ على النسبة وتصحّح الحمل ، فعلى هذا يكون في المشتقّ المبدأ ، مع جهة انتسابه الى الذات.

فإذا ظهر أنّ النسبة دخيل في المشتقّ فيجري النزاع بأنّه شرط في صدق المشتقّ وحمله على الذات الانتساب الفعلي ، أو يكفي النسبة ولو آناً ما وفيما انقضى ، فإن قلنا بالأوّل يكون المشتقّ حقيقة في المتلبّس وإن قلنا بالثاني يكون حقيقة في الأعمّ.

وأمّا في صورة القول بتركّب مفهوم المشتقّ أيضا لا يكون النزاع مترتّبا عليه ؛ إذ على القول بالتركيب وأنّ مفهوم المشتقّ يكون ذات ثبت له المشتقّ منه ، ولا يكون معناه أنّ الذات هو العمدة في صحّة الحمل وعدمه ، إذ قلنا بأنّ الذات لا يكون مأخوذا في المشتق ، بل بعد ما كان المشتقّ مركّبا من المبدأ والنسبة والنسبة تحتاج بطرف ، قلنا بأنّ الذات يكون مأخوذا في المشتقّ بالالتزام ولم يكن جزء له ، فعلى هذا كيف صار الذات مقوّما للصدق وعدمه ، بل كما قلنا أيضا يجري النزاع في أنّه يشترط في صحّة الحمل ثبوت النسبة للذات فعلا ، أم لا يشترط ثبوته فعلا ، بل يكفي ثبوت النسبة آناً ما ولو فيما انقضى.

فعلى الأوّل يكون المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ وعلى الثاني في الأعمّ.

ثمّ اعلم أنّه لم يكن القول بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ موهنا بالحدّ الذي قاله بعض فإنّ القائل به جمع من المتقدّمين.

١٢٥

وتوهّم بعض بأنّه لا بدّ للقائل بالأعمّ من تصوير جامع ما بين الماضي والحال وإلّا فإن لم يكن جامع في البين كيف يمكن القول به؟ فمن قال بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ من المتلبّس ومن قضى لا بدّ أن يتصوّر جامعا بين الحال والمضيّ ، وقال بأنّه لا يمكن تصوير الجامع بين المضي والحال ، لأنّ الزمان اخذ في الزمان الماضي مستقلّا والحال كان موردا للاشكال فكيف يعقل تصوير زمان يصدق عليهما ويكون هو الجامع بين زمان الماضي وزمان الحال؟! هو البيان الذي بيّن للبطلان وعدم تعقّل تصوير الجامع.

ولا يخفى ما فيه ، أمّا أوّلا : فبالنقض ، لأنّ حاصل اشكاله ، انّه لا يمكن تصوير زمان جامع بين الماضي والحال ، وهو إن كان هذا غير ممكن ، كيف تقول بالحال؟ لأنّ في الحال ايضا لا بدّ من أخذ الزمان ، هذا إن كان الاشكال من جهة أخذ الزمان.

وأمّا ثانيا : فبالحلّ ، فنقول بعد ما قلنا من أنّ في الأفعال تكون خصوصيّة مأخوذة فيها : مثلا تكون في الماضي هي التحقق وفي المضارع هي الترصّد ، فكذلك يمكن أن يكون من خصوصيّة تصدق على الحال والمضيّ ويكون جامعا فيهما ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.

وأنّ قول من قال بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ لم يكن باطلا من هذه الجهة ، لبداهة إمكان تصوير الجامع ببيان آخر ، لإمكان تصوير جامع وهو أنّا إذا لاحظنا رأينا بأنّ من كان فعلا متلبّسا بالقيام مثلا ومن كان متلبّسا بالقيام أمس ، ومن لم يكن متلبّسا لا في الحال ولا في المضيّ ولو كان بينها فرق ، الّا انّ تناسب من لم يكن متلبّسا بالقيام في الحال وكان متلبّسا في الأمس ، مع من كان متلبّسا في الحال واضح ، وأمّا من لم يكن متلبّسا لا في الحال ولا في المضيّ مع من كان متلبّسا في الحال لم يكن بينهما مناسبة أصلا ، لأنّ من كان متلبّسا في الماضي حيث إنّه يصحّ نسبة القيام اليه ولو في الماضي.

١٢٦

فعلى هذا يكون الانتساب اليه مع المتلبّس مشارك في الانتساب ، غاية الأمر يكون الانتساب في الثاني فعلا والتلبّس أيضا يكون فعلا ، ولكن في الأوّل لم يكن التلبّس فعلا إلّا أنّه يكون الانتساب فعلا ، فعلى هذا يكون بينهما جامع ، وهذا يكفي في تصوير الجامع.

فعلى هذا بعد ما ظهر لك أنّه يمكن للنزاع في كشف أنّ المشتقّ حقيقة في المتلبّس أو الأعمّ لا بدّ من الرجوع الى علائم الحقيقة من التبادر وغيره ، ولم يكن هذا مورد النزاع فكلّ واحد منهما متبادرا يكون هو الحقيقة ، كسائر الموارد ، التي نرجع لتبيّن الحقيقة والمجاز الى علائمهما ، فهنا لا يبقى مطلب نتعرّض له.

لكن لا بأس للتعرّض بما استدلّ القائل بالأعمّ بالآية الشريفة ، فنقول بعون الله تعالى :

إنّ القائلين بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ من المتلبّس ، وممّن قضى ، استدلّوا على صحّة دعواهم بالآية الشريفة (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) حيث إنّ المعصومين عليهم‌السلام استدلّوا على عدم قابليّة الثلاثة للخلافة بهذه الآية الشريفة ، بأنّ أبا بكر (لع) لم يكن قابلا للخلافة حيث انّه كان ظالما ، لأنّه عبد الوثن وكذا عمر وعثمان (لع) والاستدلال بالآية لا يتمّ إلّا على القول بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ وإلّا لم يكن الّا من يكون حين اشتغاله بالخلافة ظالما.

وقد أجاب عن هذا الاستدلال بعدم توقّف الاستدلال بالآية على القول بكون المشتقّ حقيقة في الأعمّ ، بل يتمّ الاستدلال بها ولو لم نقل به ، ونقول بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص حال التلبّس بوجهين :

الأوّل : أنّ أبا بكر مثلا حيث كان متلبّسا بالظلم قبل الاسلام ، لأنّه عبد الوثن فيشمله في حين تلبّسه بالظلم الآية الشريفة ، فنقول في وجه الاستدلال بالآية : إنّ من تلبّس بالظلم في زمان لم يكن لائقا للخلافة والإمامة دائما.

الثاني : ويظهر من كلمات بعض المتأخّرين وقاله المحقّق الخراساني (ره) أيضا في

١٢٧

الكفاية بأنّه يستدلّ بالآية لعدم صحّة خلافة الخلفاء لا بالنّحو الذي قلنا في الوجه الاوّل أعني في حال تلبّسهم بالظلم ، بل نقول بأنّا نستدلّ بالآية في حين اشتغالهم بالخلافة ، بأنّ الآية تكون في مقام أنّ من كان ظالما ولو آناً ما لم يكن مستحقّا للخلافة.

بيانه : أنّ بعض العلل يكون علّة للشيء حدوثا وبقاء وبعض العلل يكون علة للشيء بقاء وبعض العلل يكون علّة للشيء حدوثا لا بقاء ، وفي محلّ الكلام يكون هكذا ، يعني حدوث الظلم يكون علّة لعدم قابليّة الشخص للخلافة حدوثا وبقاء.

فنقول : إنّ من حدث عنه الظلم لم يكن قابلا للخلافة أبدا ، أعني حدوث الظلم ، موجب لعدم اللياقة ولو لم يبق بعد.

وفرق هذا مع الأوّل أنّه نقول بأنّ الآية تشمل الخلفاء في زمان تلبّسهم بالظلم وعلى الثاني نقول بأنّ الآية الشريفة في هذا الآن تشملهم ويمكن الاستدلال به ، وبيانه كاملا يكون في كتب القوم بالأخصّ في الكفاية ، فعلى هذا يمكن الاستدلال بالآية ولم يكن مربوطا بالمقام ، أعني لم يكن الاستدلال بالآية موقوفا على القول بالأعمّ في المشتقّ بالبيان الذي قلنا ، إلّا أنّ الوجهين المذكورين كانا تامّين ، إذا كان في الوجه الأوّل ، القضيّة ـ أعني الآية ـ دائمة ، وأمّا إذا كانت القضيّة عرفيّة فلا يتم الاستدلال ، إذ على الأوّل ما دامت الذات باقية تصحّ القضيّة.

وأمّا على الثاني ما دام الوصف باقيا كانت القضية صحيحة وفي الوجه الثاني إذا كان الظلم علّة محدثة يصحّ الاستدلال ، وأمّا إذا كان علّة بقاء وحدوثا فلا يتم الاستدلال ، فافهم.

تتمة :

لا يخفى أن الأشاعرة بعد ما رأوا بأنّ التكلم في الحقّ تعالى يستلزم أن يكون الله تعالى محلّا للحوادث ، إذ الكلام حادث ، حيث إنّ الكلام عبارة عن أصوات

١٢٨

وحروف وهي حادثة. فعلى هذا يلزم من صدق المتكلم على الله أن يكون ذاته المقدّسة محلّا للحوادث ، وهذا باطل بالأدلّة التي اقيمت في محلّه فلجئوا لتصحيح صفة التكلم لله تعالى الى القول بالكلام النفسي مقابلا للكلام اللفظي فقالوا بأنّ معنى متكلميّته تعالى هو أنّه صفة في مقابل الارادة والكراهة.

والمتكلّمون من الإمامية قالوا بأنّه لا يلزم من كون الله تعالى متكلّما ، أن يكون محلّا للحوادث ، إذ يصدق الضارب والمؤلم ـ بالكسر ـ مثلا على زيد ، والحال أن الضرب والألم قائم بالمضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ هذا ما قاله الأشاعرة وما قاله المتكلّمون في جوابهم.

إلّا ان لهذا الجواب الذي أجاب المتكلّمون توهّم بعض بأنه لا يلزم في صدق المشتقّ على الذات قيام المبدأ على الذات ومثّلوا هذا المثال بأنه يصدق الضارب والمؤلم ـ بالكسر ـ على شخص مع أنّ الضرب والألم قائم على المضروب والمؤلم ـ بالفتح ـ وهذا توهّم فاسد إذ ليس مقصود المتكلمين من هذا الكلام إنكار لزوم قيام المبدأ في صدقه على الذات بل كان مقصودهم ـ كما هو الحقّ ـ أنّ القيام على أنحاء قيام بنحو صدوري ، أو حلولي أو انتزاعيّ او غير ذلك فغرضهم أنّ المتكلم يصدق حقيقة على الله تعالى بنحو القيام الإيجادي ، لأنّ الله تعالى موجد الكلام في الشجرة ، فعلى هذا لا يلزم أن يكون ذاته المقدّسة محلّا للحوادث لانه موجد الكلام لا من قام به الكلام بنحو الحلول مثلا أو غيره من انحاء القيام.

فعلى هذا يلزم في صدق المشتقّ وجريه صدقه على الذات من قيام المبدأ بالذات بنحو من أنحاء القيام ، ولا يخفى أنّ صاحب الفصول حيث لم يكتف في صدق المشتق وجريه على الذات بمغايرة المفهوم بين المبدأ والذات ورأى بانّ الصفات الجارية في حق الله تعالى عين ذاته تعالى ، ويقال هو علم هو قدرة مثلا قال : الوجه هو النقل في صفاته تعالى بمعنى أنّ في صدق الصفات عليه لم يلزم المغايرة ويلزم النقل في مغايرة

١٢٩

المبدأ مع الذات ، أعني لا يلزم المغايرة لا أن يكون مقصوده هو ما فهمه من كلامه المحقّق الخراساني ، لأنّ المحقّق المذكور فهم من كلامه أنّه قال بالنقل في أصل المبدأ يعني قال صاحب الفصول بالنقل في العلم مثلا ثم أشكل عليه بما قاله في الكفاية بأنّه إمّا أن تريد من العلم هو الانكشاف فهو المطلوب ولا يلزم النقل ، وأمّا ما يقابله أعني الجهل فتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، وأمّا ان لا يقصد معنى أصلا فهو صرف لقلقة لسان.

وقد ظهر لك أنّ صاحب الفصول قدس‌سره لم يقل هذا حتى يرد عليه ما قال المحقّق المذكور ، بل يكون مراده هو النقل في كيفية قيام الصفات على ذاته تعالى : نعم يرد عليه أنّ التغاير المفهومي كاف في صحّة الحمل واذا كان التغاير المفهومي كاف في صحّة الحمل كان اطلاق الصفات على الله تعالى بنحو إطلاقه على غيره ، غاية الأمر كيفية القيام يكون مختلفا فتارة يكون بنحو الإيجاد أو الحلول أو الصدور أو غير ذلك ، فافهم.

تذكرة : لا يخفى أنّه لا يشترط في صدق المشتق وجريانه على الذات في صدقه على وجه الحقيقة وبلا واسطة في العروض كما في الماء الجاري ، بل يكفي التلبّس به ولو مجازا وبهذا قال صاحب الفصول بأنه مجاز فيما ما إذا كان العروض بواسطة ، ولا يكون نظره الى المجاز في الكلمة أو المجاز في الإسناد. وما أشكل عليه المحقّق الخراساني من أنه لم يكن هذا من قبيل المجاز في الكلمة كما قال صاحب الفصول ليس في محلّه ، إذ كل من راجع كلامه في الفصول يرى أنه قال بأنّه يلزم المجاز ولا تصريح له بأنه مجاز في الكلمة أو في الاسناد ، فافهم. هذا تمام الكلام في المشتق والحمد لله أوّلا وآخرا. هذا تمام الكلام في المقدمّة.

١٣٠

المقصد الاول

في الاوامر

١٣١
١٣٢

فى الاوامر

لا يخفى أنهم ذكروا هنا مباحثا ليس لها ثمرات مهمة إلّا أنّه مع هذا ـ حيث جرى بناؤهم على ذكرها ـ لا ضير في أن نذكرها فنقول مستعينين بالله أنّه يقع الكلام في الأوامر في فصول :

الفصل الأوّل

فيما يتعلق بمادة الأمر :

والكلام فيها يقع في مقامات :

المقام الأوّل :

في المراد ومعنى الأمر بحسب الاصطلاح واللغة :

أمّا في الاصطلاح يكون الأمر موضوعا للفظ افعل وما في معناه ، ولا يخفى أنّه تارة يوضع لفظا بازاء المعنى ، وتارة يوضع لفظ بازاء لفظ كما يكون في اصطلاح النحويين مثلا وضعوا الأفعال الناقصة التي هي عبارة عن كان وغيرها من الأفعال الناقصة وهكذا ، فكذا الاصوليون وضعوا للفظ صيغة افعل وما في معناه لفظ الأمر ، فقد وضعوا لفظا بازاء لفظ. فعلى هذا لم يمكن الاشتقاق منه ، لأنه قلنا بأنّ ما يمكن

١٣٣

الاشتقاق منه يكون شيء يلاحظ لا بشرط ، فاذا لوحظ كذلك يمكن الاشتقاق منه كضرب الذي يكون مصدرا ، وأمّا إذا لم يلاحظ لا بشرط فلا يمكن الاشتقاق منه كضرب الذي هي فعل ماضي ، فعلى هذا لا يصح من لفظ الأمر اشتقاق ، إذ إمّا أن يكون الاشتقاق من لفظ الأمر مع هذه الهيئة التي تكون معه ، وأمّا أنّ الاشتقاق يكون من مادة الأمر فقط ، لأنّه مع الهيئة يكون بشرط الشيء ومعنى الاشتقاق هو أخذ المادة لا بشرط لا مع الهيئة ، لأنّه لم تكن المادة قابلة للهيئتين.

وأمّا إن كان بالمعنى الثاني فهذا أيضا لا يصح ، إذ المفروض أنّ الأمر بهيئته يكون موضوعا لهذا اللفظ أعني افعل وما في معناه ، فإذا يكون الاشتقاق من مادته فقط لم يكن هو ما اشتق منه موضوعا لهذا أعني موضوعا لافعل وما في معناه ، فكذلك في طرف الموضوع له أعني افعل أيضا لا يمكن منه الاشتقاق ، لما قلنا بأنّه بهذا اللفظ ومع هذه الهيئة يكون الموضوع له لفظ الأمر فلا يصح الاشتقاق منه ، فحال الأمر وصيغة افعل يكون على معناه الاصطلاحي حال الجوامد ، فكما لا يصحّ الاشتقاق من الجوامد كذلك لا يصحّ الاشتقاق من لفظ الأمر ولفظ افعل ، أمّا في اللغة فقد ذكروا للفظ الأمر معان بلغت إلى اثني عشر معنى.

لا يخفى ان كل ما ذكروا معنى للأمر لم يكن معنى له بل ما يمكن أن ينازع فيه أنّه معنى للأمر أم لا ثلاثة معان :

الأوّل الطلب ، الثاني الشيء ، الثالث الفعل ، فإن أمكن إرجاع الفعل الى واحد من الأوّلين فهو :

بتقريب أن الفعل أيضا شيء مثلا وإن لم يمكن ارجاع الفعل الى الشيء يلزم بأنّ الفعل أيضا واحد من معاني الأمر.

فعلى أي حال لا بدّ من القول بالاشتراك بين الطلب والشيء ، أو الفعل إن لم يمكن

١٣٤

ارجاع الفعل الى الشيء (١).

المقام الثاني :

لا يخفى أنّه يعتبر في الأمر المولوية إمّا حقيقة وإمّا اعتبارا ، فعلى هذا يكون الأمر أمرا إذا كان فيه الجهة المولوية ولو بالاعتبار ، ولا يلزم فيه العلوّ الحقيقي ، بل يكفي فيه الاستعلاء والمولوية ، ويؤيده سؤال بريرة حيث قال أتأمرني يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث مع ان رسول الله أمره ومع هذا سأل بريرة بأن هذا يكون من باب مولويتك فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : بل إنّما أنا شافع.

وتقبيح الطالب السافل ليس من باب استعلائه ومولويته ، بل من باب انه لم يثبت مولويّة نفسه وقلنا بأنّه لا بدّ أن يكون فيه جهة المولوية إمّا حقيقة أو اعتبارا ، فإنّ السافل مع حفظ مقام سافليّته يأمر وليس في مقام المولوية ، وهذا واضح لا ريب فيه.

المقام الثالث :

لا إشكال في كون المتبادر من الأمر هو الوجوب ، ويؤيده الآيات التي أقاموها على اثبات المطلب وإنّا ليس في صدد ذكرها والاشكالات التي يوردونها عليها ، بل يكفينا التبادر وقلنا بأنّ المتبادر هو الوجوب.

إنّما الكلام يكون في أنّ بعد ما قلنا من أنّ المتبادر من الأمر هو الوجوب وأيضا من المعلوم استعماله في الندب حتى قال صاحب المعالم بأنّه صار من المجازات الراجحة فنقول بأنّه حقيقة في الوجوب ومجاز في الندب ، أو نقول بأنّ الأمر مشترك

__________________

(١) ـ ويدل على كونه مشتركا هو تعدد الجمع فحيث تعدد الجمع يكشف عن تعدد مفرده ، لأن الجمع هو تكرار المفرد ، فان الامر كما استعمل جمعه بالاوامر كذلك استعمل جمعه بالامور فان كان معناه واحدا ولم يكن مشتركا لا يحتاج الى جمعين ، وقال سيدنا الاستاذ : ان بيانه قد مضى في المشترك ، وهذا الوجه الذي كتبت من ان تعدد الجمع يكشف عن تعدد معنى مفرده هو ما خطر ببالي.

١٣٥

بين الوجوب والندب ، أو نقول بالقدر المشترك وأنّه يكون جامعا في البين قد يقال بأنّ الأمر حقيقة في الطلب والطلب يكون إمّا وجوبيا وإمّا ندبيا. فعلى هذا إذا قلنا بأنّ الأمر يكون مشتركا معنويّا ، فلا بدّ من أن يقال بأنّ إرادة الوجوب أو الاستحباب من الأمر يحتاج الى قرينة إن لم يكن الطلب منصرفا الى أحد الفردين.

قد يقال بانصراف الطلب الى الوجوب بثلاثة بيانات :

البيان الأوّل : بالانصراف اللفظي أي يكون المنصرف اليه من لفظ الأمر هو الوجوب ، وهذا الانصراف الذي ادعاه مدّعيه باطل ، إذ في الانصراف اللفظي لا بدّ من أن يكون الفرد المنصرف اليه أغلب أفرادا حتى ينصرف اللفظ إليه ، والمقام ليس كذلك ، إذ أفراد الندب إن لم يكن أكثرا من أفراد الوجوب فلا أقل لم يكن أقلّ منه ، فعلى هذا كيف يمكن ادعاء الانصراف.

البيان الثاني : وهو ليس الانصراف اللفظي بل قال مدّعيه بأنّ العقل حاكم باطاعة المولى فإذا أمر يلزم اطاعته واتيان الفعل حتما ، إلّا أن يرخّص في تركه ، وهذا فاسد أيضا ، إذ معلوم أنّ اطاعة المولى لازم بأيّ نحو أمر ، ولكن كلامنا في المقام ليس في الكبرى بل هو في الصغرى وأنّ أمر المولى هو بأيّ نحو من النحوين بالوجوب كان أو بالاستحباب.

البيان الثالث : وهو الذي يظهر من ظاهر كلمات صاحب الفصول كما نقل بعض حاضري درسه بأنّ معنى البعث هو الاتيان بالفعل وعدم الرضاء بالترك إلّا إذا رخّص المولى ، فكما كان في الخارج إذا أراد شخصا أن يجلس رجلا في مكان ، فإذا أخذ يده للجلوس نستفيد منه أنّه أراد جلوسه حتما كذلك إذا بعث المولى نحو الفعل نستفيد بأنّه أراد من ذلك اتيان الفعل ولم يكن راضيا بتركه ، فإذا كان معنى البعث هذا فإرادة الندب محتاج الى القرينة ، فما دام لم يكن قرينة في البين كان المنصرف له هو الوجوب وظاهر هذا الوجه يكون أمتن من الوجهين الأولين ، بل يمكن القول به.

١٣٦

فعلى هذا يكون المنصرف اليه عند الاطلاق هو الوجوب والندب محتاج الى القرينة.

المقام الرابع / في الطلب والإرادة :

لا يخفى أنّ هذا البحث من مباحث الكلام ولكن حيث كان فيه جهة الاصولية نذكر ما كان مربوطا بالاصول ، فنذكر أوّلا ما قاله المحقّق الخراساني في هذا المقام ، ثم بما يمكن توجيه كلامه ، ثم ما يكون في كلامه من الصحّة والبطلان ، ثم الحقّ في الكلام فنقول : قال المحقّق المذكور في الكفاية : (الظاهر أنّ الطلب الذي هو معنى الأمر ليس هو الطلب الحقيقي الذي يكون طلبا بالحمل الشائع الصناعي ، بل الطلب الإنشائي الذي لا يكون بهذا الحمل طلبا مطلقا بل طلبا انشائيا ، سواء أنشئ بصيغة افعل أو بمادة الطلب أو بمادة الأمر أو بغيرها) هذا عين كلامه ، ويمكن توجيه كلامه بنحوين :

الأوّل : أن نقول : إنّه كما قلنا في توجيه كلام الشيخ في البيع حيث قال الشيخ بأنّ البيع تمليك انشائي لا انشاء التمليك حيث قلنا بأنّ الملكية هي من مقولة الجدة وهي إحاطة الشيء بالشيء ، فكما تكون الملكيّة بهذا المعنى كذلك يمكن حمل الملكية الاعتبارية أي حملها ملكا اعتبارا ولو لم يكن ملكا حقيقيا ولكن هذا الاعتبار لم يكن في مقامنا ، إذ الاعتبار محتاج الى أن يعتبره معتبر ، لأنّ الاعتبار يحصل باعتبار المعتبر وإنّا نقطع بأنّ في مقامنا لم يكن اعتبار في مقابل الوجود الذهني والخارجي حتى يكون هو الإنشائي ، فعلى هذا لا يمكن تصحيح الطلب الإنشائي بخلاف أنّه يمكن تصحيح الملكية الإنشائية ، لأنّ الشارع اعتبر ملكية اعتباريّة ورتب عليها آثار الملكية الحقيقية ، فافهم.

الثاني : أن نقول بما نقول في الكنايات ، فكما أن في الكناية استعمل اللفظ في معناه الحقيقي ، إلّا أنّ المتكلم يكون مقصوده من القاء اللفظ هو لازمه مثلا نقول في الأخبار بأنّ زيدا كثير الرماد ، وأنّ زيدا استعمل في معناه الحقيقي ، والكثير كذلك ، والرماد كذلك ، إلّا أنّ مقصود المتكلم من هذا الخبر يكون الإخبار بوجود زيد بيانه

١٣٧

بنحو يظهر المطلب وهو أنّ الإرادة على نحوين إرادة الاستعمالية وارادة الجدية فيكون في الكناية الإرادة الاستعمالية موجودة لا الإرادة الجدية فعلى هذا يكون اللفظ مستعملا في معناه الحقيقي إلّا أنه ليس مراده الجدي بل يكون مراده الجدي إراءة لازمه وهو الجود مثلا.

فعلى هذا نقول في الانشائيات أيضا كما قلنا في الأخبار ، فكما يكون في الأخبار تارة في استعمال اللفظ في معنى مقصوده الجدي إراءة هذا المعنى وتارة إراءة معنى آخر يلازم هذا المعنى كذلك نقول في الانشائيات بأنّه فيما لو قال المولى اضرب كما يمكن أن يكون مقصوده طلب الضرب منه حقيقة يمكن أن يكون مراده من هذا الأمر إفادة مطلب آخر وهو الامتحان مثلا.

ولا يخفى أنّ اللفظ في الثاني أيضا مستعمل في معناه الحقيقي إلّا ان مراده الجدي هو الامتحان مثلا. إذا ظهر لك ما قلنا يمكن أن نقول بأنّ مراد المحقّق الخراساني يكون هذا بالبيان الذي قلنا الذي عبّر عنه بالانشائي.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه ، إلّا أنه لا يخفى أنّ مع هذه المشتقات لا يمكن الالتزام بما قاله ، لأنّ بعد ما كان الوجود إمّا الوجود الذهني أو الوجود المفهومي أو الوجود الخارجي ولم يكن معنى للأمر لا الطلب المفهومي ولا الطلب الخارجي والمفروض أن الوجود لم يكن خارجا من الذهن والخارج فالطلب الانشائي في قبال الذهن والخارج والمفهوم حتى يكون هو معنى الأمر ، ولا يمكن أن نقول بقول غير معقول ولو قلنا في توجيهه ما تظهر لك. فعلى هذا لم يكن كلام المحقق المذكور في محلّه.

ثم إنّه بعد ما ظهر لك عدم تصوير الطلب الانشائي لا يخفى عليك أنّ على ما هو التحقيق يكون مدلول الأمر هو البعث ، لأنّ المتبادر من الطلب هو البعث ضرورة أنّه كما أنّ المولى في الخارج تارة يأخذ يد العبد ويجلسه كذلك تارة يأمره بالجلوس

١٣٨

ويبعثه على ذلك ، فكما أنّ في الخارج بنفسه يجلسه كذلك يأمره بالجلوس ويبعثه نحو الجلوس وهذا واضح ، إذ الأمر للتحريك.

ولا يخفى أنّه على ما قلنا من أنّ معنى الأمر هو البعث لا يرد الاشكال الذي كان واردا في الصورة التي يمكن أن يكون مدلول الأمر هو الطلب ، إذ اورد على من قال بأنّ مدلول الأمر هو الطلب أنّه إذا كان الموضوع له الأمر هو الطلب ففي الأوامر الامتحانية ما ذا تقول؟ إذ لا يكون في الأوامر الامتحانية طلب حقيقة ، فاذا لاجل الفرار عن هذا الإشكال تصور الطلب الإنشائي في مقابل الطلب الحقيقي ، وقد ظهر لك بطلانه.

وأمّا على ما قلنا من أنّ مدلول الأمر هو البعث لا يرد هذا الإشكال ، إذ في الأوامر الامتحانية أيضا يكون البعث موجودا ، غاية الأمر يكون داعيه على البعث هو الامتحان ، فيكون البعث حقيقة ، وقال المحقّق المذكور في مطاوي كلماته في الطلب والارادة أنّه يمكن أن يرفع النزاع في البين. ولا يخفى ما فيه ، إذ هذا النزاع كان بين الأشاعرة وبين المعتزلة والإمامية من القديم ، وكيف يمكن ارجاع كلامهما الى محل واحد؟ إذ الأشاعرة حيث رأوا أنّ الله إذا أراد شيئا يمكن أن يتخلف المراد عن إرادته ، ومع ذلك أمر ونهى وبعض الناس عاص ولم يفعل ما امر به ، فعلى هذا التزموا بانه تكون صفة اخرى في مقابل الارادة الذي يكون هو الطلب ومن هذا نشأ الاختلاف المعروف الجبر والتفويض فكيف يمكن الصلح بينهما؟ فافهم.

١٣٩

الفصل الثاني

فيما يتعلق بصيغة الأمر :

والكلام فيها أيضا يقع في مقامات :

المقام الأول :

قد ذكروا لصيغة الأمر معان تبلغ الى خمسة عشر ، بل الى خمسة وعشرين معنى ولا يخفى أنّه من المقطوع أنّ كلّ ما ذكروا ليس معنى للصيغة بل في بعضها لا يمكن تصوره ولا يعقل مثلا في التعجيز والتسخير إذ مفاد الهيئة كما يكون بمعنى الطلب أو البعث قد يلاحظ نسبته بين المادة والمتكلم والمخاطب فيكون البعث أو الطلب نحو المادة ويكون المخاطب مبعوثا الى المادة كذلك لا بدّ أن يكون في التعجيز والتسخير كذلك يعني لا بدّ أن يلاحظ النسبة التي هي مدلول الهيئة بين المادة والمتكلم والمخاطب ، والمخاطب يكون مبعوثا نحوا لمادة وهذا غير معقول. وأيضا لا معنى لجعل المخاطب عاجزا بالحدث وما هو الممكن هو أن يعجّز المتكلم المخاطب بتحريكه نحو المادة ، وهذا معنى تعجيزه إذ المخاطب عاجز عن الاتيان ، فعلى هذا يكون التعجيز في البعث نحو الاتيان.

فإذا ظهر لك فاعلم أنّ الحقّ هو كون الصيغة موضوعة للبعث لما قلنا والمعاني الذي ذكروا للصيغة لم تكن معاني لها ، بل تكون من قبيل الدواعي فعلى هذا معنى

١٤٠