المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

فى ان الاحكام تكون بسيطة لا مركبة

اعلم أنّ الأحكام الخمسة الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة والاباحة تكون بسيطة ولا تكون مركبة بمعنى أنّ الوجوب أمر بسيط ويعبّر عنه بالطلب الحتمي ، ولا يكون مركبا من طلب الشيء والمنع من تركه ، وهذا واضح لا يصحّ الخلاف فيه. فعلى هذا نقول : إذا نسخ الوجوب لا دلالة للدليل الناسخ ولا المنسوخ على بقاء الجواز بالمعنى الأعم ولا الجواز بالمعنى الأخص ، ولا يدلّ على ثبوت سائر الأحكام من الحرمة والكراهة أو الاستحباب ، حيث إنّه على ما قلنا يكون الوجوب أمرا بسيطا والأمر البسيط إذا رفع رفع تمامه ولا يكون له أجزاء حتى يرفع بعضه ويبقى بعضه الآخر. فعلى هذا يكون المرجع بعد النسخ هو البراءة لأنّ هذا الموضوع لم يعلم حكمه ويكون المرجع فيه هو البراءة ، ولا مجال للاستصحاب على ما قلنا أبدا حتى استصحاب القسم الثالث من الكلّي حيث إنّه تكون الأحكام متباينة ولا يكون بينها جامع حتى يمكن تصوير هذا القسم من الاستصحاب.

فإن قلت : إنّ الإرادة تكون جامعا بينها فتارة تكون إرادة المولى إرادة قوية وهي الوجوب أو إرادة ضعيفة وهي الاستحباب ، فعلى هذا لو قلنا بجريان استصحاب الكلي من القسم الثالث يمكن استصحاب الإرادة.

٢٨١

قلت : إنّ الموضوع له الأمر إن كان أمرا اعتباريا فلا وجه لهذا الإشكال ، حيث إنّه قلنا سابقا من أنّ الأحكام متباينة بأسرها ، فاعتبار الوجوب غير اعتبار الاستحباب ولم يكن بينهما جامع حتى يحكم ببقائه بحكم الاستصحاب ، وإن كان الموضوع له الأمر هو الإرادة التي تكون من الصفات النفسانية فوجودها يكون موضوع له الأمر ، حيث إن الشدّة والضعف تكون في الوجود والماهية ليست قابلة للشدة والضعف ، فإذا كانت الشدة والضعف في الوجود فإذا لا يمكن استصحاب الكلّي القسم الثالث ولو قلنا بصحّة هذا القسم من الاستصحاب ، حيث إن الوجودات تكون متباينة ولم يكن بينها جامع حتى يحكم بمقتضى الاستصحاب ببقائه ، فعلى هذا يكون المرجع هو البراءة نعم على القول بتركّب الأحكام وأنّ الواجب يكون مركبا من الاذن في الفعل والمنع من الترك والقول بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلّي يمكن استصحاب الإذن ، ولكن ظهر لك فساد هذا ، فافهم وتأمّل إن شاء الله.

٢٨٢

فصل

في الواجب التخييري

اختلفوا في أنّه إذا تعلّق الأمر بالشيئين أو الأشياء فهل يكون الواجب كلّ واحد منهما تعيينا مع سقوطه بفعل الآخر أو يكون الواجب أحدهما المعيّن عند الله أو يكون الواجب أحدهما الغير المعيّن أو يكون الواجب كلّ واحد على التخيير بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل.

قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله في هذا المقام : (أنّه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنّه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ، ولهذا يسقط به الأمر كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليا لا شرعيا ، وذلك لوضوح أنّ الواحد لا يكاد يصدر من الاثنين بما هما اثنان ما لم يكن بينهما جامع في البين ، لاعتبار نحو من السنخية بين العلّة والمعلول. وعليه فجعلهما متعلّقين للخطاب الشرعي لبيان أنّ الواجب هو الجامع بين الاثنين) هذا عين كلامه.

ولا يخفى عليك بطلان هذا الكلام ؛ لأنّ ما قاله من أنّ بعد كون الاثنان بما هما اثنان محصلا لغرض واحد نكشف من أنّ بينهما يكون جامعا لأنّ الواحد لا يصدر من الاثنين فاسد جدا.

٢٨٣

حيث إنّه قلنا لك سابقا أيضا في الصحيح والأعم أنّ ما قالوا من أنّ الواحد لا يصدر منه إلّا الواحد واجتماع العلّتين على المعلول الواحد لا يمكن ، حيث إنّه تلزم السنخية بين العلّة والمعلول يكون في الامور الحقيقية والواقعية ، ولا يجري هذا الكلام في الامور الاعتبارية ، حيث إنّ الامور الاعتبارية تكون تابعة لاعتبار المعتبر ولا يلزم فيه إلّا الاعتبار.

فعلى هذا يمكن أن يكون الشيئان المتباينان بما هما موردا لغرض واحد مع عدم كون جامع بينهما ولا سنخية بينهما أصلا ومع قطع النظر عمّا قلنا في جوابه نقول بأنّه على ما قاله يكون التخيير عقليا كما اعترف به ، والمفروض أنّا في هذا المقام نكون بصدد تصوير التخيير الشرعي وأنّ الشارع خيّر المكلف بين الفردين ، وما فرضه المحقق المذكور يكون تخييرا عقليا ؛ لأنّ العقل يحكم بعد ما يرى من حصول الغرض في ضمن الفردين بالتخيير بينهما.

ثم إنّه قال بعد ذلك : (وإن كان بملاك أنّه يكون في كلّ واحد منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه كان كلّ واحد واجبا بنحو من الوجوب يستكشف عنه تبعاته من عدم جواز تركه إلّا الى آخر وترتّب الثواب على فعل واحد منهما والعقاب على تركهما).

لا يخفى أنّ هذا الفرض يصير من باب التزاحم حيث إنّ حصول الغرض بأحدهما موقوف على عدم حصول الغرض بالآخر ، فعلى هذا كلّ منهما مزاحم مع الآخر ، غاية الأمر لا يكون التزاحم في الملاك ، بل في الأمر وإذا صار المورد من باب التزاحم لا بدّ أن يكون التخيير بين الفردين تخييرا عقليا ، حيث إنّ العقل يحكم بالتخيير بينهما ولزوم حصول الغرض في ضمن الفردين مخيرا ، ولو فرضنا أنّ المولى يخيّر العبد أيضا بين الفردين يكون أيضا إرشادا بحكم العقل فيكون أمره ارشاديا لا مولويا. فعلى هذا بعد كون التخيير عقليا يرد ما قلنا في الصورة الاولى من أنّ محل

٢٨٤

الكلام هو إثبات التخيير الشرعي لا التخيير العقلي.

وما يمكن أن يقال في توجيه التخيير الشرعي هو ما نقول من أنّ للمولى غرضين مستقلّين ويكون الفردان محصّلين للغرضين : أحدهما محصّل لغرض والآخر محصل لغرض آخر ، فيقتضي الغرضان ايجاب محصّلهما ، ومصلحة التسهيل والارفاق مثلا كانت موجبة لعدم حصول أحد الغرضين فيصير الفردان واجبين لما كان الغرضان يقتضي الايجاب في حدّ ذاته ولكن لأجل التسهيل والارفاق لا يلزم تحصيل أحد الغرضين ، فيصير كلّ واحد منهما واجبا لكن يمكن عدم إتيان أحدهما لو أتى بالآخر من أجل التسهيل ، وهذا معنى كون الفردين واجبا تخييريا بمعنى جواز ترك أحدهما الى البدل.

والفرق بين ما قلنا وما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله هو أنّه يكون التخيير هنا شرعيا حيث إنّ الشارع بمقتضى التسهيل جعل المكلّف مخيّرا بينهما وأنّه على ما قاله المحقّق المذكور رحمه‌الله يترتّب الثواب على فعل أحدهما فقط ، وأمّا على ما قلنا يترتّب الثواب بفعل الفردين ، فلو أتى بأحد الفردين يوجب الثواب ولو أتى بفرد آخر يكون موجبا للثواب أيضا ، فظهر لك أنّ التخيير يكون شرعيا ، إذ المفروض أنّ مصلحة التسهيل والارفاق تكون مقتضية لعدم إتيان كل من الفردين.

أو تقول بأنّ الغرض يكون واحدا لكن يطلب هذا الغرض في ضمن الفردين على البدل ، بمعنى أنّ المولى جعل المكلّف مخيّرا في تحصيل الغرض في ضمن هذين الفردين أو الأفراد فيكون المكلّف مخيّرا بين الإتيان بأحدهما ، فعلى هذا في هذه الصورة أيضا يكون التخيير تخييرا شرعيا. فعلى هذا لا بدّ أن يكون في كلتا الصورتين وجوب الفردين أو الأفراد وجوبا تخييريا حيث إنّ الشارع جعله مخيّرا بين الفردين ويكون الفرد واجبا تخييريا بمعنى جواز تركه الى بدل وعدم جواز تركهما رأسا.

٢٨٥

ولا يمكن أن يكون أحدهما المعيّن عند الله واجبا ، لأنّه لا ترجيح بين الفردين ، ولا يكون أحدهما الغير المعيّن أيضا واجبا لا أحدهما الغير المعيّن المصداقي ، لعدم إمكان تصوّر وجود الغير المعيّن الخارجي ولا أحدهما الغير المعيّن المفهومي ، حيث إنّه ولو لم يكن مانعا منه إلّا أنّه لا مقتض له ، ولا يمكن أن يكون كلّ من الفردين واجبا تعيينا مع سقوط وجوب أحدهما بفعل الآخر ، لأنّه في الصورة الاولى لأجل مصلحة التسهيل لا يلزم تحصيل أحد الغرضين رأسا ، فوجوبه تعيينا يكون غير ممكن ، وفي الصورة الثانية بعد ما كان الفردان في محصلية الغرض على السواء ولا يكون إلّا غرض واحد ، فوجوبهما تعيينا لا معنى له.

فظهر لك أنّه لا بدّ أن يكون وجوب الفردين على التخيير بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل وأنّ التخيير يكون شرعيا لا عقليا كما فرضه المحقّق الخراساني رحمه‌الله وبما قلنا في الصورة الثانية يمكن أن يقال في الواجب الكفائي ، حيث إنّ في الواجب الكفائي يكون للشارع غرض ويلزم تحصيل الغرض ، ومحصّل هذا الغرض يكون المكلفين ، فالوجوب على أفراد المكلفين يكون تخييريا بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل ، مثلا يتعلّق غرض الشارع بدفن الميت ، فوجب على المكلّفين دفن الميت فيكون الوجوب على أفراد المكلفين وجوبا تخييريا ، بمعنى عدم جواز تركه إلّا الى بدل ، فلو أتى به من المكلفين سقط الوجوب عن سائرهم ، ولو لم يأت بها كلّهم يكون كلّهم آثما ومستحقّا للعقاب.

فظهر لك أنّه يمكن تصوير الواجب الكفائي بما قلنا ، ولا فرق بينه وبين الواجب التخييري ، غاية الأمر يكون التخيير في الواجب التخييري بين أفراد المأمور به وفي الواجب الكفائي يكون التخيير بين المكلفين. هذا تمام الكلام في تصوير الواجب التخييري.

٢٨٦

ولكن قد يقع إشكال التخيير بين الأقل والأكثر ، ووجهه أنّ الأقل إذا وجد في ضمن الأكثر كان هو الواجب لا محالة ، فالزائد على الأقل من الأجزاء يكون زائدا على الواجب.

قد يقال في جواب الإشكال بأنّ الجزء الذي يكون في ضمن الكلّ مثلا اذا اخذ بشرط لا عن الزيادة يكون الأقل وإذا اخذ لا بشرط يكون الأكثر ، مثلا الخط إذا كان ذراع وأخذ بشرط عدم انضمامه بالزيادة يكون الأقل ، وإذا كان لا بشرط عن الانضمام لا يكون الأقل ، فالأقل الذي يكون في ضمن الأكثر حيث إنّه اخذ لا بشرط لم يكن واجبا إلّا إذا أتى بباقي أجزائه وأمّا إذا اخذ الأقل بشرط لا عن الانضمام يصير واجبا ، فلا يرد الإشكال المتقدّم ذكره حيث إنّ الاشكال يكون مبنيا على كون وجوب الأقل لا بشرط وإلّا إن كان وجوبه في صورة وعدم وجوبه في صورة اخرى ، فإذا أتى به وأتى بسائر الأجزاء المعتبرة في الأكثر يصير تمام الأجزاء واجبا ويكون الزائد على الأقل أيضا واجبا ولا يكون زائدا على الواجب.

ولكنه لا يخفى عليك أنّ هذا الجواب يصحّ في ما كان وجوب الأقل بشرط لا كما فرضه فإذا كان الأقل بحدّه واجبا صحّ ما قاله ، ولكن هذا يكون نادرا ، لأنّه يكون في غالب الموارد الأقل واجبا لا بحدّه ، مثلا لو أتى بالتسبيحة الواحدة فلو أضاف اليها تسبيحة اخرى يلزم أن يقال على هذا الجواب بعدم حصول الأقل ، حيث إنّ على ما فرضه يكون الأقل واجبا بشرط عدم انضمامه بالأكثر ، ولا يمكن الالتزام بهذا ، فعلى هذا لا بدّ أن يجاب عن الإشكال بنحو آخر.

فنقول : إنّ الماهية لا فرق في شمولها لأفرادها بين الكثير والقليل ، مثلا صدق ماهية الماء على قطرة من الماء يكون كصدقه على بحر من الماء ، ويكون إطلاق الماء عليهما على السواء ، فنقول كما لو أمر بإتيان الماء يكون غرضه رفع العطش ويكون للماء أفراد عرضيّة إذا أتى بإبريق من الماء أو كرّ من الماء يعدّ ممتثلا ، حيث إنّ ماهية الماء

٢٨٧

يصدق عليهما بالسوية ، ولا يكون مقصود الآمر إلّا إتيان الماء ورفع العطش ويحصل غرضه في ضمن كلّ من الفردين ، كذلك لو كان للماهية أفراد تدريجية ، فإذا أمر بالتسبيح وكان مقصوده الذكر ، فإذا أتى بتسبيح واحد امتثل الأمر ، وإذا أتى بتسبيحات امتثل الأمر أيضا ، كما نرى في العرفيّات أنّه لو كان أحد مشغولا بقراءة القرآن فلو كان مشغولا بها ساعة يقولون بأنه كان القارئ قاري القرآن ولو كان مشغول بها ساعات أيضا يقولون بكونه قاري القرآن ، وصدق القاري عليه في كلّ من الصورتين يكون على السواء.

فإذا فهمت أنّ صدق الماهية على الفرد القليل والكثير يكون على حد سواء نقول بأنّه إذا كان الشخص مشتغلا بفرد من القراءة مثلا فما لم يتخلل العدم في البين يكون فردا واحدا ، وإذا تخلل العدم بينهما يكون فردين ، غاية الأمر في الوجودات الحقيقية يكون الحاكم بالفردية هو العقل وفي الوجودات الاعتبارية يكون الحاكم بصيرورته فردا أو أفرادا هو العرف.

مثل الماء يكون الحاكم بفرديته العقل مثلا إذا كان الماء في الكوز يحكم العقل بمقتضى تحديد هذا الماء بالكوز بكونه فردا للماء ، وأمّا في القيام أو القراءة يكون الحاكم هو العرف ، فإذا كان شخص قائما فجلس في ضمنه ساعة يقول العرف بأنّ هذا القيام الذي جلس بعده يكون فردا من القيام ، فعلى هذا ما لم يتخلل العدم يكون كلّ ما وجد فردا واحدا من الطبيعة. فعلى هذا نقول فيما نحن فيه ليس الإشكال إلّا ما قيل من أنّه بعد الإتيان بالأقل يحصل الواجب ويحصل الغرض ، فالإتيان بالزائد يكون زائدا.

ولكن ظهر لك أنّ بعد ما قلنا من أنّ حصول الفردية وكون شيء فردا للماهية يحصل بعد تخلّل العدم ، فإذا أتى مثلا بالتسبيحة فلو أتى بتسبيح واحد وسكت بحيث أنّ العرف يحكم بتخلّل العدم ، يصير هذا التسبيح فردا ويكون هو الأقلّ ، وإذا أتى

٢٨٨

بتسبيحة واحدة ولم يتخلّل بينهما وبين التسبيحتين الأخيرتين سكوت أو أمر آخر وأتى بالتسبيحتين الأخيرتين بلا فصل بينهما وبين التسبيحة الاولى لم يحصل الفرد ما دام مشغولا بالتسبيح ، وبعد اتيان التسبيحات الثلاث وسكوته بحيث حكم العرف بتخلل العدم تصير هذه الثلاثة فردا واحدا للتسبيح. فعلى هذا الفرد الأقل يحصل في الخارج إذا أتى بتسبيحة واحدة وتخلّل العدم بشيء ، والفرد الأكثر يحصل بثلاثة تسبيحات بإتيان الثلاثة مع عدم فصل عرفي بينها وايجاد ما يوجب تخلل العدم بعد الثلاثة بسكوت أو غيره.

والفرق بين ما قلنا وبين الوجه المتقدّم من أخذ الأقل بشرط لا واضح ، حيث إنّه كان لازمه أنّه إذا أتى بجزء زائد على الأقل لم يأت بالأقل وأنّ فردية الأقل موقوفة على عدم إتيان جزء الزائد وأمّا على ما قلنا لم يكن الشرط في حصول الأقل عدم وجود الجزء الزائد ، بل يكون الأقل فردا إذا قطع الوجود ونحو فرديته كذلك بحكم العرف ، والأكثر أيضا كذلك في صيرورته فردا فيكون هذا من الخصوصية التي تكون في الفرد ، بمعنى أنّ نحو فرديته كذلك لا أنّ يكون ذلك من حيث بشرط لائية ، فالعقل أو العرف يحكمان بأنّ تخلل العدم موجب لحصول الفردية في الأقل أو في الأكثر من حيث إنّ نحويّة فرديتهما كذلك لا من حيث كون بشرط لائية مأخوذة فيهما ، ويمكن أن يكون كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله أيضا راجع الى ما قلنا.

غاية الأمر حيث إنّ في المسألة المبحوثة السابقة وهي أنّ متعلّق الأوامر والنواهي هو الطبيعة أو الأفراد قال المحقق المذكور رحمه‌الله بأنّه يمكن أن يلاحظ الماهية مع قطع النظر عن الوجود في المادة ، والوجود يستفاد من الهيئة ولا يلزم التقييد ، حيث إن الوجود في الخارج لم يكن إلّا الفرد وعلى القول بكون متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة ، حيث إنّ الطبيعة تلاحظ في المادة وأمّا الهيئة لم تكن الا انشاء الفرد فعلى هذا بعد ما شغل بفعل اذا قطع الفعل يصير فردا.

٢٨٩

وأمّا على ما قلنا من أنّه على القول بكون متعلّق الأمر والنهي هو الطبيعة يكون متعلّق الأمر والنهي هو صرف الوجود في مقابل الوجودات الخاصة فيلزم التقييد في هذا الباب ، لأنّه في ما إذا اشتغل بالقيام مثلا فبمجرد الاشتغال فلا يلزم الفراغ منه ، حيث إنّه يحصل صرف الوجود يكون إتيان الزائد لغوا ، فلا يلزم بعد إتيان الأقل الإتيان بالأكثر. فعلى هذا لا بدّ من التقييد ونقول في مثل التخيير بين الأقل والأكثر أنّه يكون متعلق الأمر هو الطبيعة مقيّدة بحصوله في ضمن الفرد ، فما دام كان شاغلا بالطبيعة لم تحصل الفردية ، فإذا فرغ من الاشتغال وتركه صار ما فرغ منه فردا للطبيعة.

ونقول لك توضيحا للمطلب بأنّ الإشكال في التخيير بين الأقلّ والأكثر تارة يكون من حيث الغرض وأنّ الغرض بعد حصوله في ضمن الأقل ما معنى تعلّقه بالأكثر؟ وتارة بعد الفراغ من ذلك يقع الكلام في متعلّق الوجوب بالأقل والأكثر.

واعلم أنّ إشكال الغرض لو دفع فإشكال الوجوب وتعلّقه بالأكثر يندفع أيضا فنقول : أمّا الجواب عن إشكال الغرض فبأنّه كما أنّه يعقل في الوجودات الحقيقية كون الحدّ دخيلا في الموضوع يكون كذلك في غير الوجودات الحقيقية ، مثلا لا إشكال في أنّ الوجود المتكمّم بالكم يكون الكم دخيلا فيه ، ففي العدد مثلا لو تعلّق غرضه بالعدد الكذائي مثلا السبع فحدّه أيضا دخيل فيه ؛ لأنّ مورد غرضه هو هذا العدد بلا إضافة ونقصان.

أو ما ترى في أنّ الطبيب لو أمر بعلاج مرض بأكل معجون فخصوصيّة كون أجزائه محدودة بحدّ دخيلة في غرضه ، مثلا لا بدّ أن يكون ترياقه مثقالين وزعفرانه مثقالا واحدا بحيث لو زاد من المقدار المعيّن أو نقص فلا تحصل الفائدة المنظورة والغرض المقصود ، بل ربّما يكون مضرّا هذه الزيادة أو النقيصة كذلك يعقل في الامور الاعتبارية ، بل تصوير ذلك في الاعتباريات لكونها اعتبارية أهون ،

٢٩٠

فيعقل أن يعتبر المعتبر اللفظ الكذائي بحدّ الوحدة موردا للغرض الكذائي ، وليس هذا من باب اعتبار بشرط لائية في الموضوع ، بل نحو هذا الشيء الوافي بالغرض هو هذا ، فهو وجوده الكذائي واف بالغرض الكذائي.

إذا عرفت تصوير ذلك نقول بأنّه يمكن أن يكون الأقل بقيد كونه منفردا مورد الغرض ، بحيث لو زاد عليه شيء لم يف بالغرض ، مثلا سبحان الله وجوده منفردا مورد الغرض ، فلو أضاف عليه الآخر غير واف بالغرض وكذلك في الأكثر ، فسبحان الله بقيد كونه ثلاثا واف بالغرض ، فلو زاد أو نقص لم يحصل الغرض ، فالموجود الأقل والأكثر فردان عرضيان ولو كان أحدهما واحدا والآخر ثلاثا ، لكون كليهما بوجودهما الكذائي محصّلا للغرض. فعلى هذا ولو نقول بالأقل والأكثر بهذين الفردين إلّا أنّه يكونان في هذا الحيث كالمتباينين ، بمعنى أنّه كما يكون في المتباينين بينهما التباين وكلّ منهما فرد في مقابل الآخر ، كذلك في المقام.

فعلى هذا يندفع الاشكال ؛ لأنّ الإشكال لم يكن إلّا انه يكون الاتيان بالأكثر غير لازم بعد حصول الغرض بإتيان الأقل ، ولكن ظهر لك أنّ بعد كون الأكثر كالأقل واف بالغرض ، وبعد كونهما فردين متقابلين والأقل لو أوتي به على ما هو المعتبر فيه ، فلا يمكن اتصال الزائد به حتى يصير فردا ، بل بمجرده حصل الفرد وكذلك الأكثر بعد إتيانه بعنوان الفرد الذي يحصل في الأكثر لا يكفي الأقل ، وإذا بلغ بمقدار الأقل لا بدّ من إتيان الزائد خصوصا فيما إذا كان حصول الفردية بالقصد ، فلو قصد بإتيان تسبيح واحد الأقل فيحصل ولو قصد به الفرد الأكثر مع ضم التسبيحين فإتيان الفرد الأوّل غير واف بالغرض ، لما قلنا من التباين لبّا بين الأقل والأكثر ، فبهذا النحو يصحّ توجيه التخيير بين الأقل والأكثر. هذا إذا كان الإشكال من ناحية الغرض.

وأمّا لو كان الإشكال من حيث تعلّق الأمر فيظهر جوابه من جواب إشكال

٢٩١

الغرض ؛ لأنّ الأمر تابع للغرض ، فبكلّ حيث يكون نحو الغرض يكون نحو الأمر أيضا.

وممّا قلنا يظهر لك أنّ في حصول الفردية في كلّ من الأقل والأكثر لا يلزم أنّ يكون كلّ منهما مقيّد بعدم الزيادة والنقيصة ، بل يكفي تقييد واحد منهما ، بل تقيّد واحد منهما من طرف النقيصة فقط أو الزيادة فقط ، مثلا تارة يكون التسبيح الواحد مقيّدا بعدم الزيادة والنقيصة فردا للطبيعة المتعلّق بها الغرض وثلاثة تسابيح أيضا كذلك ، وتارة يكون الفرد الأقل مقيّدا بعدم الزيادة والنقيصة فقط ، ولا يكون الأكثر فيه تقيّدا أصلا وتارة يكون الأقل فرديته مقيّد بعدم الزيادة لا تقييده في طرف النقيصة ، وكذلك الأكثر ليس فيه قيدا أصلا لا من حيث النقيصة ولا من حيث الزيادة.

فلو كان كالأوّل فلازمه بطلان الفرد وعدم وقوعه لو أتى بفرد زائد أو نقص منه في الأقل والأكثر ، وفي الثاني يكون لازمه هو بطلان خصوص الأقل لو أتى بالزائد أو نقص عنه أمّا الأكثر فلا ، وفي الثالث لازمه بطلان الأقل لو نقص منه ، وأمّا لو زاد فغير مضر ، كما أنّ في الأكثر الزيادة والنقيصة غير مضرة.

ويمكن أن يكون في باب نزح البئر لموجباته من قبيل الذي يكون الأقل والأكثر نقصهما موجب لعدم حصولهما أمّا زيادتهما فلا ، ولذا لو أتى بالأربعين في ما يجب أو يستحب الثلاثون لم يبطل الأقل ، وكذا في الأكثر لو زاد لم يبطل.

واعلم أنّه يمكن أن يتوهّم بأنّ ما قلت في المقام مناف مع ما التزمت في الأقلّ والأكثر في البراءة والاشتغال ، حيث إنّك قلت في بيان جريان البراءة في الأقل والأكثر بأنّ الأقل وكذلك الأكثر على تقدير وجوبه لا يجب إلّا هو بنفسه بدون قيد ، وأنّ الأجزاء بأسرها واجبة والوجوب المتعلّق تعلّق بنفس الأجزاء بدون التقييد بعدم الزيادة في طرف الأقل ، ولذا ما قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله من أنّ الأقل مأخوذ

٢٩٢

بشرط لا قلت بعدم تماميّة كلامه وهذا مناف مع ما قلت في هذا المقام ، لأنّك فرضت بأنّ كلّا من الأقل والأكثر مقيّد بعدم الزيادة ، وهذا معنى كون الأقل مأخوذا بشرط لا.

نقول بأنّه قد مضى في مطاوي كلماتنا أنّ المقام يكون لبّا من قبيل المتباينين ، وأنّه ليس في كلّ مقام الأمر كذلك ، بل ظاهر الأقل والأكثر مع قطع النظر عن الدليل الخارجي هو كونه متعلّقا للوجوب بدون قيد عدم الزيادة ، بل الواجب نفس الأقل فلأجل ذلك بعد ما نرى ظاهر الدليل المثبت للحكم نحكم بكونه واجبا بلا حد ، ولأجل هذا في مورد الشكّ بين الأقل والأكثر نحكم بالبراءة وعدم وجوب إتيان المقدار الزائد المشكوك.

وأمّا لو فرض في مورد بأنّا فهمنا من الدليل أنّ الحدّ مأخوذ في الأقلّ والأكثر أو في طرف الزيادة فلا نلتزم بالبراءة أبدا ، ولذا ترى بأنّ مع التزامنا بالبراءة في الأجزاء والشرائط مع ذلك في بعض الموارد التي كان الحدّ مأخوذا لا نلتزم بالبراءة ، فافهم.

٢٩٣

فصل

لا يخفى عليك أنّ الواجب الكفائي

يمكن تصوير الوجوب فيه بوجوه :

الأوّل : ما قلنا في الواجب التخييري بناء على كون الغرض متعلّقا بالجامع ، غاية الأمر في الواجب التخييري الغرض تعلّق بجامع في طرف المكلّف به ، وأمّا في الواجب الكفائي الغرض تعلّق بجامع المكلفين ، ولازمه أنّه لو أتى به مكلف سقط عن الجميع لحصول الغرض ولو لم يأت أحدهم فقد عصوا جميعا لتعلل كلّهم في اتيان الغرض.

الثاني : أن يقال ويتصوّر في المقام كما تصوّر بعض الأعلام في الواجبات الغيرية وقالوا بأنّه في كلّ متعلّق أمر أي المأمور به لا بدّ من إتيانه بداعي أمره ، وعلى هذا يصير كلّ واجب غيري عباديا ولو أتى بفرد محرم فلم يكن مأمورا به ، غاية الأمر لأجل ذهاب الموضوع ارتفع الأمر ، فما دام لم يأت به أو لم يذهب موضوعه أنّ الأمر يدعو الى متعلّقه ، ففي المقام أيضا يكون الأمر على كلّ أحد ، غاية الأمر لو أتى بالمكلف به واحد من المكلفين فحيث ذهب موضوع الأمر يسقط الأمر ، فبعد إتيان واحد منهم بسبب ذهاب الموضوع يذهب الأمر المتعلق بسائرهم ، ولذا ما لم يذهب الموضوع ولم يأت به أحد منهم ولو كان مشتغلا به يكون الأمر محركا بالنسبة الى

٢٩٤

غيره ، ولذا لو كان الكلّ أو بعض منهم زائدا من الواحد في مقام إطاعة الأمر يقع بينهم التشاجر ؛ لأنّ كلّ منهم بحسب تعليقه يكون في مقام أن يأتي بالمأمور به فيقع الاختلاف ، ولأجل هذا ولو كان هذا الوجه ممكن التصوّر إلّا أنّه بعيد أن يكون إثباتا الواجبات الكفائية كذلك ، بل ليس كذلك.

الثالث : أن يكون التكليف بكلّ واحد من المكلفين متوجّها مستقلّا ولكن لو اشتغل أحدهم بالإتيان لم يكن الأمر بالنسبة الى غيره محركا فالأمر باق ولكن غير محرك ، فلو أتى هذا المشتغل بالمأمور به سقط التكليف عن غيره ، وإلّا فلا ، ولا بدّ على كلّهم من الإتيان والأمر محرك على هذا نحو الفعل.

واعلم أنّه يمكن أن تكون الواجبات الكفائية على النحو الأوّل والثالث فتصوّر الوجوب الكفائي على هذا أمر معقول ، غاية الأمر بعد ذلك لا بدّ من فهم كون الوجوب على أيّ نحو من الدليل ، فافهم.

٢٩٥

فصل

في الواجب الموسّع

لا يخفى عليك أنّ الواجبات أيضا حيث إنّها فعل من الأفعال فوقوعه في الخارج لا بدّ ان يكون في زمان ومكان ، فعلى هذا يكون الزمان أو المكان تارة مأخوذ فيها بنحو القيدية وتارة يكون على نحو الظرفية.

إذا عرفت ذلك فلو أخذ الزمان في الواجب على نحو القيدية ويكون مؤقتا ، والمؤقت إمّا أن يكون الزمان المأخوذ فيه بمقدار إتيان الواجب لا أزيد ولا أنقص فيكون الواجب مضيّقا ، وإمّا أن يكون الزمان المأخوذ فيه أزيد من مقدار إتيان الواجب فيكون الواجب واجبا موسّعا ، فإذا صار الواجب موسّعا فيحصل له بالنسبة الى الزمان المأخوذ فيه أفرادا ، فإذا أمر بشيء في وقت خاص وكان هذا الوقت أوسع من مقدار إتيان الواجب فيكون المكلف بحكم العقل مخيّرا في إتيان الواجب في أيّ فرد من أفراد هذا الوقت. ثم إنّه إذا كان واجب مقيدا ومؤقتا بوقت خاص لا بدّ من إتيانه في هذا الوقت كسائر المقيّدات ، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

إنّما يكون الإشكال فيما إذا لم يأت بالواجب المؤقت في وقته فبعد الوقت هل يكون وجوبه باقيا ويلزم عليه اتيانه أم لا؟ وهذا هو الذي يعبّر عنه بأنّ القضاء هل يكون بالأمر الأوّل أو يكون بأمر جديد؟

٢٩٦

اعلم انّه إذا كان شيء مقيّدا بشيء آخر وتكون مطلوبيته في هذا الظرف وبهذا القيد لا بدّ من إتيانه مع قيده وإن لم يأت به مع هذا القيد لا يأت بالمقيّد ، ففي محلّ النزاع حيث كان الواجب مقيّدا بالوقت ، فإذا زال الوقت لم يكن الأمر باقيا حيث إنّ الأمر كان موضوعه مقيّدا وعلى الفرض انتفى القيد فينتفي الوجوب الثابت على المقيّد ؛ لأنّ المقيّد ينتفي بانتفاء قيده ، وهذا واضح ولا مجال لاستصحاب الأمر في ما بعد الوقت ولو على القول بجريان الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ، لاشتراط بقاء الموضوع في الاستصحاب ولم يكن الموضوع هنا باقيا ؛ لأنّ الموضوع هو الذات مع القيد وبعد زوال القيد تكون الذات بلا قيد موضوع آخر غير الذات مع القيد ، فعلى هذا لا يجري الاستصحاب.

نعم لو فهم كون الأمر الأوّل بنحو تعدّد المطلوب بمعنى كون المطلق بنفسه مطلوبا وهو مع القيد مطلوبا آخر ، فبعد الوقت ولو ذهب الأمر المقيد ولكن الأمر المطلق باق فيجب إتيان المطلق على هذا ، غاية الأمر لا بدّ من الدليل على كون المطلوب متعدّدا ، فتارة يأمر بالمطلق وثانيا يأمر بالمقيّد أو بالعكس ولم نكشف وحدة الملاك ، لأنّه على هذا لا بدّ من حمل المطلق على المقيّد.

٢٩٧

فصل

الأمر بالأمر بالشيء أمر بهذا الشيء أم لا

الأمر بالأمر بالشيء أمر بهذا الشيء أم لا ، اعلم أنّ هذا الاختلاف كان بين القدماء وله بعض الآثار في الفقه ، منها أنّه لو قلنا بأنّ الأمر بالأمر بالشيء أمر بهذا الشيء فيكون الأمر المتعلّق بالولي بأمر الطفل بالصلاة دليل على مشروعيتها للصبي واستحبابها له فتصير عباداته لو كان في كلّها أمر لوليه بأمره عبادة أو في خصوص ما قام عليه الدليل ، وإن لم نقل بكون الأمر بالأمر بالشيء أمرا بالشيء فلا يترتّب عليه عباديّة أعمال الصبي.

اعلم أنّ المحقق الخراساني رحمه‌الله قال بأنّ الأمر بالأمر إذا كان الغرض حصول الشيء في الخارج وفهم ذلك يكون أمرا بالشيء مثل الأمر المتعلّق بالرسل ، وأمّا إذا كان له غرض آخر الذي يحصل بنفس الأمر فلا دلالة للأمر بالأمر بالشيء على كونه أمرا بالشيء ، وعلى هذا في مورد الشكّ في كون الأمر بالأمر على أيّ من النحوين فلا مقتضى لحمله على أحدهما إلّا إذا دلّ دليل من الخارج على كونه من أيّ من النحوين. هذا ما قاله هذا المحقّق رحمه‌الله.

ولكن يمكن أن يفرض في المقام قسم آخر وهو أنّ الآمر بعد ما يرى بأنّ أمره ليس محرّكا للشخص نحو المطلوب ويرى أنّ توسيط الغير في ذلك دخل في تحريكه ،

٢٩٨

يعني أنّه يحرّك بتوسيط الغير ، والغرض حصول المطلوب فيأمر بالواسطة بالأمر فالغرض المتعلّق بالأمر ليس إلّا تحريك الشخص والأمر بالواسطة ليس إلّا لإيجاد الداعي في الشخص بحيث لو كان غرضه يحصل منه بمجرّد أمره به بنفسه لم يجعل واسطة في البين ، فالغرض من الأمر بالواسطة هو ايجاد الداعي في الشخص الذي هو مورد غرضه.

فلو كان في مورد من هذا القبيل فلا إشكال في كون الأمر بالأمر بالشيء أمر بهذا الشيء ، لما قلنا من كون الأمر بالأمر لأجل الغرض المتعلّق بإتيان الشيء ، وهذا القسم غير القسمين اللذين بيّنهما المحقّق الخراساني رحمه‌الله وهذا الوجه أيضا لا بدّ من استظهاره من الدليل يعني يفهم بأنّ غرض الآمر من الأمر هو حصول مطلوبه في الخارج والأمر بالواسطة يكون لأجل هذا ، ولكن بهذا البيان يمكن تصحيح عبادية صلاة الصبي ، لأنّه لا إشكال في أنّ غرض الشارع هو صيرورة الصبي المميز أيضا مصليا كغير الصبي ، ولكن حيث يعلم أنّ مجرّد أمره لا يحدث في الصبي الداعي نحو الفعل خصوصا إذا رأى وعرف بأنّه غير مكلّف بالصلاة فلا يأتي بها ، فلأجل هذا الغرض يأمر الولي لأن يبعثه نحو الصلاة ولو شككت في أنّ غرض الشارع هو إتيان الصلاة من الصبي المميز وتخيّلت بأنّه ولو أراد منه الصلاة ، ولكن من هنا فهمت بأنّه أراد منه الصلاة العبادية بل لعلّ كان غرضه منه اتيان الصلاة ولو غير عبادية على وجه التمرين نقول : يظهر من ظهور أمره الولي أنّه أراد منه الصلاة التي أراد من غيره مثلا لو قال للوليّ : (قل للطفل أقم الصلاة) فالصلاة التي تكون مورد تعلّق هذا الأمر عين غير هذا المورد ، فكما يكون في غير هذا المورد الصلاة عبادة كذلك هذه الصلاة المطلوب إتيانها من الصبي المميز ، فافهم.

٢٩٩

فصل

إذا ورد الأمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثال الأمر الأول

فهل يوجب الأمر الثاني تكرار هذا الشيء أو يكون

تأكيدا للأمر الأوّل

إذا ورد الأمر بشيء بعد الأمر به قبل امتثال الأمر الأول فهل يوجب الأمر الثاني تكرار هذا الشيء أو يكون تأكيدا للأمر الأوّل قال المحقّق الخراساني رحمه‌الله في هذا المقام بأنّه لو ورد أمر بعد الأمر بشيء فحيث إنّه يقع التعارض بين إطلاق المادة ؛ لأنّ المادة لا تدلّ إلّا على صرف الطبيعة وبين إطلاق الهيئة لأنّها دالّة على ايجاد الطبيعة فتقتضي كلّ هيئة ايجاد طبيعة ، لأنّ الإنشاء الثاني لو كان دالا على ايجاد صرف الطبيعة التي كان الأمر الأول مثبتا لها فالأمر الثاني يكون لغوا حيث إنّ الأمر الأول أثبت هذا وإن كان الأمر الثاني دالّا على ايجاد فرد آخر من الطبيعة يلزم رفع اليد عمّا قلنا من كون المادة غير دالّة إلّا على صرف الطبيعة.

فلا بدّ من رفع اليد من أحد الإطلاقين إمّا من إطلاق المادة فلازمه كون الأمر الثاني تأسيسا ومحركا لإتيان فرد آخر ، وأمّا من إطلاق الهيئة ولازمه كون الأمر الثاني تأكيدا للأمر الأوّل ثم قال : ولكن بحسب الظهور العرفي نفهم بكون الأمر

٣٠٠