المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

الموضوعية بثلاثة أنحاء :

الأوّل : أنّه لم يكن للأحكام واقع إلّا مؤديات الأمارات ، فمؤديات الأمارات تكون أحكاما واقعية ، وهذا الوجه وإن كان مستلزما للدور وقلنا في الاجتهاد والتقليد ببطلانه إلّا أنّه على هذا المبنى لا إشكال في الإجزاء ، إذ بعد فرض أنّ الحكم مؤدّى الأمارة وأتى به المكلّف فلا بدّ أن يكون مجزيا.

الثاني : أنّه ولو كان للمكلفين أحكاما واقعية إلّا أنّه بعد قيام الأمارة عليه إن كان موافقا للواقع فهو وإن لم يكن موافقا للواقع يتبدّل الواقع ، فبقيام الأمارة يتبدّل الواقع ويكون الحكم الواقعي مؤدّى الأمارة ، وهذا الوجه وإن كان باطلا للإجماع ولو لم يكن دورا إلّا أنّه من يقول بهذا الوجه لا بدّ أن يقول بالإجزاء ، حيث إنّه أيضا لم يكن المكلّف مأمورا إلّا بما قام عليه الأمارة ، والمفروض أنّه أتى بما هو مؤدى الأمارة ، فيكون مجزيا عن الإعادة والقضاء.

الثالث : أن يكون للمكلفين أحكاما واقعية محفوظة والشارع جعل لهذه الأحكام طرقا فإن أدّت الأمارات المنصوبة الى الواقع فهو ، وإن لم تؤد فالشارع قبل عن المكلفين ما تؤدي إليه الأمارة وكان مؤدّى الأمارة في صورة عدم الإصابة الى الواقع بدلا عن الواقع ، وهذا هو معنى جعل البدل. فعلى هذا يكون الكلام في الإجزاء وعدمه من الصورة التي ذكرناها سابقا وقال بها المحقّق الخراساني أعلى الله مقامه.

ولا يخفى أنّ المحقّق الخراساني فرّق بين الاصول والأمارات فقال بأنّه في الاصول يكون مجزيا وفي الأمارات لا يكون مجزيا إلّا في الصورة التي يكون المأمور به الظاهري وافيا بمصلحة الواقع أو لا يكون وافيا ولكن لا يمكن التدارك أو في الصورة التي تكون المصلحة الفائتة مستحبة التدارك ، فلا يكون واجبا تداركها على القول بالسببية في الأمارات ، ولكن على الطريقية أو على السببية فيما يمكن التدارك

١٨١

ويكون درك المصلحة الفائتة ملزمة فلا يكون مجزيا.

فعلى هذا ما الفرق بين الأمارات والاصول؟ ولمّا فرق بينهما قد يتوهّم كما توهّم قسم كبير من تلاميذه وغير تلاميذه هو أن يكون وجه الفرق أنّ في الاصول هو جعل المماثل فحيث إنّ الشارع جعل الاستصحاب حجّة يكون معناه أنّ الحكم الاستصحابي يكون كالحكم الواقعي مثلا في استصحاب الطهارة تكون الطهارة الاستصحابية مثل الطهارة الواقعية ، فعلى هذا يوجب الإجزاء وفي الأمارات يكون معنى حجّيتها غير ذلك ولم يكن من باب جعل المماثل.

نعم على السببية في مورد الوفاء بالمصلحة أو مورد آخر الذي نقول بالإجزاء تكون نتيجتها كالاصول فهذا المعنى يكون الفرق هو أنّ في الاصول يكون جعل المماثل وفي الامارات لم يكن كذلك ، بل تكون ناظرة الى الواقع ففي الاصول يكون مجزيا وفي الأمارات لم يكن مجزيا إلّا على السببية في بعض صورها.

ولا يخفى ما في هذا الفرق ، إذ لو كان مراد المحقّق الخراساني هذا يمكن أن يقال بأنّه ما الفرق بين الاصول والأمارات من حيث الدليل ، فكما يكون في الاصول مقتضاه هو جعل المماثل فكذلك تقول به في الأمارات كما يكون كذلك؟ فلا بدّ أن نرجع كلامه الى غير هذا.

ثمّ إنّ ما قاله آية الله النائيني مدّ ظلّه على ما في تقريرات تلميذه العالم البارع الخوئي ايّده الله تعالى من الإشكالات ثم جوابه ، فقد قال في تقريراته : بقي الكلام في الاصول العملية كأصالة الإباحة والطهارة بل واستصحابهما وأنّ مقتضى القاعدة في فرض المخالفة فيها هل هو الإجزاء أو عدمه؟ ربّما يقال : بأنّ لسان أدلّتها هو تنزيل المشكوك منزلة المتيقّن وترتيب آثاره عليه فتكون لا محالة حاكمة على الأدلّة الدالّة على اشتراط الصلاة مثلا بالطهارة ، فتكون معممة للشرط وأنّه أعمّ من الواقعي والظاهري فكشف الخلاف لا يكون كاشفا عن عدم وجود الشرط حين العمل حتى

١٨٢

لا يحكم بالإجزاء لأن المفروض ان الشرط كان أعم من الواقعي والظاهري والعمل كان واجدا للطهارة الظاهرية.

ثم قال : (ويرد عليه) وقد أورد خمس ايرادات على من قال بالإجزاء في هذا القسم من الاصول فنذكر حاصل إيراداته مختصرا خوفا من التطويل :

الأوّل : أنّ الحكومة عند هذا القائل لا بدّ وأن تكون مثل كلمة أعني وأردت وأشباه ذلك بمعنى أنه يلزم أن يكون الدليل الحاكم شارحا الدليل المحكوم وإلّا لم يكن حاكما. والجواب بأنّ ما قلت من أنّ في الحكومة يلزم أن تكون بلفظها شارحة لمدلول المحكوم نقول : إنّه ليس كذلك ولا يلزم هذا في الحكومة ، لما قلنا في محلّه من انّه يكفي في الحكومة أن يكون الدليل الحاكم ناظرا الى الدليل المحكوم ولو بمدلوله ، ولا يلزم ان يكون نظره بلفظ أعني ، وقلنا بأنّ ما قاله المحقّق الخراساني من أنّه يلزم أن يكون الدليل الحاكم ناظرا على الدليل المحكوم ليس في محلّه. وإن قال المستشكل بأنّه على هذا يرد ما قلنا على المحقّق الخراساني نقول بأنّ هذا الايراد لم يكن إلّا جدلا حيث إنّه يمكن أن يقال بأنّ على مبناك لم يكن ايرادك عليه بوارد.

ولو سلّمنا ما قال في الحكومة مع هذا يوجب الإجزاء ، لما قلنا في مقام توجيه كلام المحقّق المذكور حيث قلنا من أنّ الطهارة الظاهرية تكون شرحا واقعا وما يرتبط بالصلاة واقعا يكون له فردان فرد ظاهري وفرد واقعي ، فعلى هذا ما أتى به المكلف هو شرط واقعا ولازمه الإجزاء وإن لم تقل بأنّه لم يكن بحكومته اصطلاحا ؛ لأنّ هذا يكون عرضيا حيث إنّ العرف بعد النظر الى هذين الدليلين الدليل الواقع والدليل الظاهر يحكمون لما قلنا ويقولون بأنّ الشرط الواقعي أعمّ من الظاهري والواقعي ويكون له فردان ولو لم يكن بحكومة في الاصطلاح.

الإيراد الثاني : أنّ وجود الحكم الظاهري لا بدّ وأن يكون مفروغا عنه حين

١٨٣

الحكم بأعمّية الشرط الواقعي للطهارة الواقعية والظاهرية ، بمعنى أنّه لا يمكن الجعلين في عرض واحد ، فلا بدّ أن يكون جعل الحكم الظاهري مفروغا عنه حين الحكم بالتوسعة والأعمّية وليس المورد كذلك ؛ لأنّ المفروض في المقام هو أنّك في قوله : «كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» تكون في صدد تصحيح الجعلين والحكم بالطهارة والتوسعة معا ، وهذا لا يمكن.

الجواب : لا يخفى أنّ ما قاله كان صحيحا وكلام جيد ولا يمكن جعلين في عرض واحد ، إلّا أنّه لم يكن مربوطا بالمقام حيث إنّ المحقّق المذكور إن كان غرضه أنّ كل شيء لك طاهر يجعل الجعلين كان الايراد واردا ، وأمّا إن قال بأنّه قد جعل كلّ من الجعلين في الواقع وكان الحديث دالّا عليهما لم يكن مجالا للايراد حيث إنّه لا مانع من كون الحديث دالّا على جعل الحكم الظاهري بالمطابقة ودالّا بجعل التوسعة والأعمّية بالالتزام ، ولا يلزم محذور.

الإيراد الثالث : أنّ الحكومة إمّا أن تكون حكومة واقعية وإمّا تكون حكومة ظاهرية بمعنى أنّ الدليل الحاكم والمحكوم إذا اثبت أنّ كلّ منهما حكما واقعيا كانت الحكومة حكومة واقعية ، وأمّا إذا كان في مرتبتين بأن كان الدليل الحاكم أثبت حكما ظاهريا والدليل المحكوم حكما واقعيّا يكون حكومة ظاهرية ولازمه الإجزاء في الأوّل ، لأنّه أتى المكلّف بما هو الواقع ولازمه التوسعة ، ولازمه في الحكومة بالمعنى الثاني هو الاجزاء المادامي أعني ما دام جاهلا ، لأنّ الدليل الحاكم يوسّع الدليل المحكوم ظاهرا ، فبعد انكشاف الخلاف لم يكن مجزيا. فعلى هذا في المقام حيث إنّ مؤدّى الأصل يكون هو الحكم الظاهري فتكون حكومة ظاهرية فلازمه عدم الإجزاء.

والجواب بأنّ ما قاله من الإيراد واردا إذا كان الدليل الحاكم والمحكوم في

١٨٤

مرتبتين بمعنى أنّه يكون الدليل الحاكم مثبت الحكم الظاهري والدليل المحكوم مثبت الحكم الواقعي ، فيرد ما قاله ، وأمّا على ما قلنا من توجيه كلام المحقّق المذكور من أنّ مقتضى الأصل هو التوسعة في دليل الشرطية بمعنى أن مؤدّى الأصل هو بيان أنّ الطهارة التي كانت شرطا للصلاة واقعا هو أعمّ من الظاهري والواقعي ، فإذا كان تكليف المكلّف هو الطهارة الظاهرية واقعا لا ظاهرا حتى تقول ما قلت ، فبعد ما كان مؤدّاه جعل الطهارة الواقعية يوجب الإجزاء ، غاية الأمر الطهارة الواقعية يكون لها فردان ظاهرية وواقعية نعم يرد على الوجه الأوّل الذي قال بعض في توجيه كلام المحقّق المذكور حيث إنّه قال بأنّ الطهارة أعمّ من الظاهرية والواقعية لا الشرطية وقال بأنّ الشرط هو الطهارة الواقعية ، غاية الأمر بمقتضى الأصل نقول بالتوسعة في الطهارة ولازم ذلك عدم الإجزاء.

الإيراد الرابع : أنّ الحكومة المدعاة في المقام ليست إلّا من باب جعل الحكم الظاهري في المقام وتنزيل المكلف كأنّه محرز للواقع في ترتيب الآثار ، وهذا مشترك بين جميع الأحكام الظاهرية سواء ثبت بالدليل أو بالأصل المحرز أو غيره ، بل الأمارة أولى بذلك من الأصل فإنّ الموجود في الأمارة جعل المحرز للواقع ، وأمّا في الأصل فليس إلّا فرض المحرز وترتيب آثار المحرز لا جعل نفس المحرز حال الشك.

أمّا الجواب : أيضا يظهر ممّا قلنا في توجيه كلام المحقّق المذكور حيث قلنا بأنّ الأصل لأجل كونه مثبتا للحكم في مقابل الواقع ومقتضاه هو الجعل في مقابل الواقع يكون لازمه التوسعة في دليل الواقع والإجزاء ، وأمّا الأمارة حيث إنّها كان لسانها المرآتية للواقع وكان نظرها الى الواقع ولم تكن في مقابل الواقع لا يوجب التوسعة في دليل الواقع ، ولازمه عدم الإجزاء ولا بدّ بعد كشف الخلاف من الاتيان إعادة أو قضاء.

١٨٥

الإيراد الخامس : أنّ الحكومة لو كانت واقعية فلا بدّ من ترتيب جميع آثار الواقع لا خصوص الشرطية فلا بدّ وأن لا يحكم بنجاسة الملاقي لما هو محكوم بالطهارة ظاهرا ولو انكشف نجاسته بعد ذلك ، ولا أظنّ أن يلتزم به أحد.

أمّا الجواب : فإنّ ما قلنا من أنّ مقتضى الأصل هو الجعل في مقابل الواقع ويوسّع دليل الواقع ويترتّب على مؤدّى الأصل ما يترتّب على الواقع ويلزم ترتيب آثار الواقع على مؤدّى الأصل في ما هو أثر له ، وما قلت يكون أثر لنجاسته لا أثر الطهارة ، وما يثبت بالأصل هو ترتيب آثار الطهارة وعدم نجاسة ملاقيه لا يكون أثرا له ، بل يكون أثر الطهارة هو الشرطية التي قلنا ويجوز معها الدخول في الصلاة لأجل إحراز الشرط.

ولا يخفى أنّ ما قلنا من ترتيب الآثار هو ترتيب آثار الطهارة ، ولا ترتفع مع ذلك النجاسة الواقعية ، فعلى هذا إن لاقى مع شيء نقول بعد كشف الخلاف بنجاسته ، لأنّ ما يثبت بالأصل هو ترتيب آثار الطهارة لا ترتيب آثار عدم النجاسة ؛ لأنّ هذا لم يكن أثرا للطهارة والماء الطاهر إذا لاقى شيئا لم يؤثّر فيه ، بل تكون طهارة هذا الشيء باقية ولا ترتفع بملاقاته مع الماء الطاهر لا أنّه يكون أثر ملاقاة الماء الطاهر مع هذا الشيء هو عدم نجاسة هذا الشيء والنجس إذا لاقى مع شيء ينجسه ويكون أثره التنجيس فالإشكالات كلّها مردودة ولم يرد على كلام المحقّق الخراساني بنحو ما قلنا في توجيهه.

نعم على الأوّل في توجيه كلام المحقّق المذكور يمكن أن ترد بعض الاشكالات لا كلّها. نعم يمكن أن يستشكل على كلام المحقّق المذكور على توجيهنا أيضا بأنّه يقال إذا غسل بهذا الماء الطاهر بمقتضى الأصل ثوب أو شيء غيره مثلا فلا بدّ أن يقول هذا المحقّق بطهارة الثوب ولو بعد انكشاف الخلاف ، وهذا ممّا لا يلتزم به أو إذا توضأ

١٨٦

من هذا الماء الطاهر بمقتضى الأصل ثم انكشف أنّه كان نجسا لا بدّ أن يقول بصحة وضوئه ، والحال أنّه لا يمكن الالتزام به ؛ لأنّ أثر الطهارة هو التطهير ورفع النجاسة وهكذا أثر طهارة الماء هو صحّة الوضوء معه ، فهذا القائل بالإجزاء في الاصول لا بدّ أن يقول برفع نجاسة الثوب وصحّة الوضوء ولا يقول به قطعا.

وقد أجابوا عن هذا الاشكال بأنّ القاعدة المسلّمة وهي أنّ فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطيا للشيء يكون مقتضيا لنجاسة الثوب الذي يطهر بالماء الطاهر بمقتضى الأصل وعدم صحّة الوضوء مع هذا الماء ؛ لأنّ الماء يكون فاقدا للطهارة فكيف يمكن أن يكون معطيا للطهارة؟

ولا يخفى أنّ هذا الجواب ليس بجواب وقد خلط المجيب حيث إنّ القاعدة تكون في التأثير والتأثرات الحقيقية ، مثلا إذا لم يكن في الشيء حرارة لا يمكن أن يعطي شيئا آخر حرارة للقاعدة المذكورة ، وأمّا المقام ليس من قبيل التأثّر والتأثّرات الحقيقية ، بل يكون أحكاما تعبديّة فيمكن أنّ الشارع جعل شيئا مطهرا مع كونه فاقدا للطهارة ، فعلى هذا لم يمكن الجواب عن هذا الإشكال بما قال المجيب.

ولا يخفى أنّ هذا الاشكال أيضا لم يكن واردا على المحقّق المذكور حيث إنّه ولو قلنا بالإجزاء والتوسعة في الاصول الدالّة إذا جرى أصلا في مورد يكون مؤدّاه مجزيا ويوسّع الواقع إلّا أنّ هذا يكون في مورد يكون الدليل المحكوم قابلا للتوسعة ، فإذا كان الدليل المحكوم قابلا للتوسعة يكون دليل الحاكم موجبا للتوسعة ويجزي ويوسّع الواقع الذي هو مؤدّى الدليل المحكوم قهرا ، وأما إذا لم يكن الدليل المحكوم قابلا للتوسعة فلا يمكن أن يوسّعه الدليل الحاكم ، وهذا ممّا لا ريب فيه.

فعلى هذا حيث إنّه كان شرطية الطهارة في الصلاة قابلة للتوسعة فبمقتضى الأصل من الاستصحاب وغيره يوسّعها ، وأمّا في الوضوء أو في غيره كمثال الثوب

١٨٧

حيث إنّه لم يكن الدليل المحكوم قابلا للتوسعة فلا يوسّعه الدليل الحاكم ويكون لازمه قهرا هو عدم الإجزاء ، فإذا أمكن أن يكون مورد الإيراد وهو الثوب المطهّر به والوضوء من هذا القبيل أي لم يكن دليلهما قابلا للتوسعية فلم يمكن الحكومة ولم يكن مجزيا ، فانقدح بذلك أنّه إن كان مبنى المحقّق المذكور صحيحا لم تكن الإشكالات واردة ، لما قلنا في بيان ردّ الاشكالات وتوجيه كلامه.

إلّا أنّ في أصل المبنى إشكال ويكون مبناه باطلا ، وهو يظهر بعد ذكر مقدمة وهي أنّ صاحب الحدائق رحمه‌الله قال في النجاسات بالتصويب لكن بهذا المعنى ، وهو أنّه يقول بأنّ الشيء النجس ما لم يعلم به كان طاهرا واقعا وبعد العلم بنجاسته يكون نجسا ، فقبل العلم لا يكون نجسا واقعا وبعد العلم يكون نجسا واقعا ، فيشترط في نجاسة الشيء العلم به فقبل العلم لم يكن أصلا نجسا وتمسّك بالرواية المعروفة كلّ شيء لك طاهر حتى تعلم أنّه قذر وقال بأنّ المراد من الطاهر في الرواية يكون هو الطاهر الواقعي كما هو ظاهره. فعلى هذا يكون «كلّ شيء طاهر» واقعا ما دام كان جاهلا بطهارته وبعد العلم بالنجاسة يكون نجسا ، فيأخذ العلم موضوعا في الرواية بمعنى أنّه إذا علمت بنجاسة شيء يكون نجسا واقعا ، وإذا لم يعلم بنجاسته يكون طاهرا واقعا.

وقد أجاب عنه المتأخّرون بأنّ العلم أخذ طريقا في الرواية لظهور العلم في العلم الطريقي وكان ظهور العلم في الطريقية أولى من ظهور (طاهر) في الرواية في الواقعي بمعنى أنّه إذا دار الأمر بين حفظ ظهور (الطاهر) في الطاهر الواقعي وظهور (العلم) في العلم الطريقي لا بدّ من حفظ ظهور العلم في الطريقي ، وحمل الطاهر في الرواية على الطاهر الظاهري ، فالشيء طاهر ظاهرا حتى تعلم أنّه قذر ، فالعلم طريق الى الواقع.

فعلى هذا إذا كان المراد من العلم هو العلم الطريقي فيكون كلام صاحب

١٨٨

الحدائق رحمه‌الله فاسدا ، إذ معنى كون العلم طريقيا أن يكون حكم في الواقع ويكون العلم طريقا اليه ، غاية الأمر قبل العلم بنجاسته يكون معذورا وبعد العلم بها لم يكن معذورا ، ويجب ترتيب أثر النجاسة.

فإذا تدبرت في المقدمة يظهر لك ما في كلام صاحب الكفاية من البطلان حيث إنّا نقول كلّما قالوا في جواب صاحب الحدائق رحمه‌الله ولعلّ المحقّق المذكور أيضا يقول في جوابه كذلك فنقول : العلم الذي اخذ فيه إمّا أن تقول بأنّه طريقيا فلازمه عدم الإجزاء ، إذ قلنا محلّ كون العلم طريقيا أنّه طريق الى الواقع ، فالواقع محفوظ ، غاية الأمر في حال الجهل يكون المكلّف معذورا ، وبعد كشف الخلاف يرتفع العذر وأمّا تقول بأنّ العلم الذي أخذ في الرواية يكون موضوعيا نقول بأنّه لا فرق بين كلامك وكلام صاحب الحدائق رحمه‌الله.

فعلى هذا لا بدّ أن نقول بأنّ العلم الذي كان في الرواية المتقدمة ذكرها طريقيا ، وإذا كان طريقيا كان كلام المحقّق الخراساني فاسدا ، مع أنّه أتعبنا أنفسنا في توجيه كلامه وردّ ايراداته ، ولا فرق في أصالة الطهارة وأصالة الإباحة واستصحابهما ، حيث إنّه في كلّ منها نقول بأنّه إمّا اخذ العلم طريقيا فلا يوجب الإجزاء ، وإن اخذ موضوعيا فيلزم أن نقول بما قاله صاحب الحدائق رحمه‌الله حيث إنّ في أدلّة كلّ منها اخذ العلم فإنّ دليل أصالة الطهارة هو الرواية التي قلنا ودليل أصالة الإباحة هو «كلّ شيء لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه» ودليل الاستصحاب : «لا تنقض اليقين بالشكّ» فإنّه نقول المراد من اليقين إن كان اليقين طريقيا لا يجزي بعد كشف الخلاف وإن كان موضوعيا لا يمكن الجواب عن كلام صاحب الحدائق رحمه‌الله.

هذا كلّه في الاصول والأمارات المثبتة للشرطية أو الجزئية ، وأمّا الكلام في الاصول والأمارات النافية للشرطية والجزئية فنقول قال المحقّق الخراساني في المقام

١٨٩

بالتفصيل في الاصول فإنّه قال بأنّ الدليل إذا كان حديث الرفع يجزي ، فعلى هذا في أصالة البراءة يكون مجزيا ، وأمّا في غيره كالاستصحاب فلا يجزي.

أمّا بيانه أنّه قال في ما هو دليله حديث الرفع يجزي فهو أنّ حديث الرفع يرفع فعلية التكليف فإذا رفع فعلية التكليف يوجب الإجزاء ، لأنّ ما بقى من المأمور به في حال الجهل يكون مأمورا به ، فاذا أتى بباقي المأمور به فبعد كشف الخلاف إن كان الأمر بالجزء أو الشرط باقيا فإمّا يلزم إتيانه مستقلا أو يلزم إتيانه في ضمن المأمور به ، فإن يلزم إتيانه مستقلا فلا يكون جزء ويكون خلاف الفرض ، وإن يلزم إتيانه في ضمن تمام المأمور به فهو أيضا باطل ، لأنّه لم يكن مأمورا بإتيان المأمور به ، لأنّه أتى بما هو المأمور به في حال الجهل ، مثلا إذا كان التشهد في الصلاة واجبا ففي حال الجهل يكون ما بقي من الصلاة هو المأمور به ؛ لأنّ الأمر بالصلاة يكون أمرا انبساطيا ، وهو في هذا الحال لا يكون وجوب التشهد فعليا حيث إنّه كان جاهلا لا يعلم ويرفع ما لا يعلمون بمقتضى حديث الرفع ، فبعد العلم بجزئية التشهد فعليا حيث إنّه كان جاهلا ولا يعلم ويرفع ما لا يعلمون بمقتضى حديث الرفع ، فبعد العلم بجزئية التشهّد فإتيان سائر الأجزاء التي هي المأمور بها في حال الجهل لم يكن واجبا لأنّه أتى بها ، والإتيان بالتشهّد مستقلا لا يمكن ، حيث إنّه لا بدّ من إتيانه في ضمن الصلاة حيث إنّه يكون جزء للصلاة ، فعلى هذا يوجب الإجزاء.

وأمّا في غير ما يكون دليله حديث الرفع فلا يجزي : بيانه أنّه إذا جرى الاستصحاب في مورد مثلا تعلم سابقا بأنّ السورة لم تكن جزء للصلاة ، فبعد ذلك يظهر لك الشكّ في أنّه هل يكون كما كان يعني كما لم يكن جزء سابقا لم يكن جزء في الحال أيضا فتستصحب ، فبمقتضى الاستصحاب تقول بعدم جزئيته في الآن الثاني؟

ثم بعد ذلك انكشف لك أنّ السورة تكون جزء للصلاة فقال بأنّه لا يجزي ويلزم

١٩٠

الإعادة أو القضاء ، حيث إنّ معنى الاستصحاب هو جعل المماثل ، فإذا كان العدم من أمور لم يكن له حكم بمعنى انه لم يكن للشارع فيه حكم فمعنى حكم الشارع هو ترتّب الآثار ، وترتيب الآثار التي ترفع بالاستصحاب هو سقوط الأمر بالترتب في سائر الأجزاء ، فإذا كان كذلك لم يكن مجزيا حيث إنّ الاستصحاب لم يرفع الجزئية أو الشرطية فيلزم بعد كشف الخلاف من الإعادة أو القضاء بخلاف مثل حديث الرفع فإنّ لسانه يكون هو رفع الجزئية ، فاذا رفع الجزئية كان مجزيا ، هذا في الاصول.

وأمّا في الأمارات فإن قلنا بالطريقية فالأمارات النافية للموضوع من الجزئية والشرطية لا يكون مجزيا عن الواقع ، لما قلنا من أنّ لسان الأمارة على الطريقية يكون هو الإخبار عن الواقع ، فالواقع يكون محفوظا ، غاية الأمر في حال الجهل يكون المكلّف معذورا ، وأمّا بعد كشف الخلاف فلا يكون معذورا ولا يجزي عن الواقع ويلزم الإعادة أو القضاء.

وأمّا إن قلنا في الأمارات بالسببية فأيضا لا يجزي حيث إنّ ما قلنا من أنّ لسان الأمارات على السببية هو المصلحة في المورد إلّا أنّ هذا يكون في المورد الذي بالأمارة تثبت الشرطية أو الجزئية ، وأمّا في المورد الذي بالأمارة يرفع الشرطية أو الجزئية ، فحيث إنّه لم يثبت حكم حتى نتكلم في أنّه واف بالمصلحة الواقعية أو لا ، ويجزي ما قلنا من الصور الأربعة فلا يكون موقعا للأجزاء ، لأنّ بالأمارة لم يثبت شيء حتى يكون وافيا بالمصلحة الواقعية بل بالأمارة نفي الشرطية أو الجزئية.

فعلى هذا على القول بالسببية في الأمارات في صورة نفي الشرط أو الجزء لم يكن مجال للاجزاء ولم يتأتى ما قلنا في الصورة التي بالأمارة يثبت الحكم في الأنحاء ثبوتا وإثباتا ، فافهم واغتنم.

١٩١

هذا كلّه في ما يثبت أو ينفى بالأمارة أو الأصل جزئية شيء أو شرطيته يعني في ما إذا قام الأصل أو الأمارة على ثبوت جزئية شيء أو شرطيّته أو نفي جزئية شيء أو شرطيّته ، فالكلام فيه ما قلنا وأمّا إذا قام الأصل أو الأمارة على ثبوت نفس الحكم مثلا ، اذا قام بأنّ الواجب في يوم الجمعة في زمان الغيبة هو صلاة الظهر ثم انكشف أنّ الواجب كان صلاة الجمعة وأتى المكلّف بصلاة الظهر لأجل قيام الأمارة أو الأصل فعند كشف الخلاف هل يجزي ولا يلزم إعادة صلاة الجمعة إن كان وقته باقيا أو قضائها أم لا؟

قال المحقّق الخراساني في هذا المقام بعدم الإجزاء ، وهذا يكون عين كلامه : (وأمّا ما يجري في إثبات أصل التكليف كما إذا قام الطريق أو الأصل على وجوب صلاة الجمعة يومها في زمان الغيبة فانكشف بعد أدائها وجوب صلاة الظهر في زمانها فلا وجه لإجزائها مطلقا ، غاية أن تصير صلاة الجمعة فيها أيضا ذات مصلحة ، ولا ينافي هذا بقاء صلاة الظهر على ما هي عليه من المصلحة ، كما لا يخفى إلّا أن يقوم دليل بالخصوص على عدم وجوب صلاتين في يوم واحد).

ربّما يقال بأنّه ما الفرق بين ما إذا قام الأصل أو الأمارة على إثبات الجزئية أو الشرطية للمأمور به ، وبين ما إذا قام الأصل أو الأمارة على إثبات نفس الحكم ونفس المأمور؟ فكما تقول في الأوّل بأنّ مقتضى الأصل هو التوسعة والاجزاء كذلك تقول هنا لأنهما من باب واحد ولا فرق بينهما من هذه الجهة.

ولكن التحقيق أن الأصل أو الأمارة اذا قامت على ثبوت نفس الحكم لم يكن مجزيا ، لأنّ ما يقام على إثبات الحكم إمّا يكون الأصل أو الأمارة ، وفي كلّ منهما لا يمكن القول بالإجزاء في المقام أمّا إذا كان مثبت الحكم هو الأصل فلأنّ متعلّق الأصل هو الحكم الظاهري فما دام المكلّف يكون جاهلا بالحكم الواقعي كان تكليفه

١٩٢

العمل على طبق الأصل ، أمّا بعد كشف الخلاف يلزم الإعادة أو القضاء ففي حال الجهل حيث لم يكن الحكم الواقعي فعليا كان المكلف معذورا ، وأمّا بعد كشف الخلاف يصير الحكم الواقعي منجّزا ، ويلزم الإعادة أو القضاء ، ولا إشكال في أنّ الأصل لا يمكن أن يوسّع الحكم الواقعي ، نعم يمكن أن يوسّع الواقعي لأجل عنوان آخر منتزع عن الحكم الواقعي.

وأمّا ما قلنا من أنّ الأصل إذا قام على إثبات الجزئية أو الشرطية كان لازمه الإجزاء فهو يكون لأجل أنّه في الصورة الاولى وهي ما إذا قام الأصل على إثبات جزئية شيء أو شرطيته تكون الجزئية أو الشرطية قابلة للتوسعة ، بمعنى أنّ الشرط الواقعي يمكن أن يكون أعمّ من الواقعي والظاهري وكذا الجزئية الواقعية يمكن أن تكون أعمّ من الواقعي والظاهري ، وإلّا ان لم تكن الشرطية أو الجزئية قابلة للتوسعة لم يمكن الالتزام بالإجزاء في الموضوعات أيضا ، فعلى هذا حيث في المورد قام الأصل على إثبات نفس الحكم لم يمكن التوسعة في الواجب الواقعي والحكم ولم ينتزع عنه عنوان آخر ملازم له حتى يكون ذاك العنوان قابلة للتوسعة فلم يمكن القول بالحكومة والتوسعة ولم يجز ويلزم بعد كشف الخلاف الإعادة أو القضاء.

هذا فيما إذا قام بالأصل على إثبات نفس الحكم ، وأمّا إذا قامت الأمارة على إثبات الحكم فأيضا لا يجزي ، أمّا على القول بالطريقية في الأمارات فواضح ، لما قدّمنا ، وهو أنّه لم يكن في الطريق مصلحة إلّا الواقع ويكون الطريق حاكيا عن الواقع وطريقا اليه ، فما لم ينكشف الخلاف كان معذورا وبعد انكشاف الخلاف تلزم الإعادة أو القضاء لا يجزي.

وأمّا على القول بالسببية في الأمارات فلا يمكن القول بالإجزاء ولو كان مؤدّى الطريق وافيا بالمصلحة الواقع ولا يمكن القول بالحكومة هنا ؛ لأنّ الواجب الواقعي

١٩٣

إن كان شيئا معيّنا ، فإذا قامت الأمارة على خلافه وأنّ الواجب يكون شيئا آخر ، فإن نقول بأنّ مؤدى الأمارة يوجب توسعة الواقع ، وأمّا أن نقول بأنّ قيام الأمارة يوجب عدم تعيينيّة الواجب الواقعي لأجل الجهل ، فإن قلت بالتوسعة يكون لازمه الانقلاب الواقعي عمّا هو عليه حيث إنّ الأمارة توسع الواقعي على هذا ، وبعد التوسعة يكون لازمه التخيير ، وهذا يكون تصويب يكون الإجماع على بطلانه والحال أنّ الواجب الواقعي يكون تعيينيّا.

وإن قلت بعدم فعلية الواقع في حال الجهل يكون لازمه عدم الإجزاء حيث إنّ بعد كشف الخلاف صار فعليا ويلزم الإعادة أو القضاء ، مثلا إذا كان الواجب الواقعي هو صلاة الظهر معيّنا وقامت الأمارة على وجوب صلاة الجمعة ثم انكشف بعد ذلك فإن قلت بالتوسعة يكون لازمه الانقلاب ، حيث إنّ الواجب الواقعي يكون صلاة الظهر معينا ولازم التوسعة هو التخيير ، حيث إنّ معنى الإجزاء والتوسعة هو أنّ الشخص مخيّر بين الظهر والجمعة واقعا ، وهذا خلف.

وإن قلت بأنّ في مورد قيام الأمارة على وجوب صلاة الجمعة لم يكن وجوب صلاة فعليا لأجل جهل المكلّف.

سلّمنا ذلك إلّا أنّ لازمه عدم الإجزاء ، حيث إنّ الواجب الواقعي بعد العلم به صار فعليا ، ويلزم الإعادة أو القضاء ؛ لأنّ إجزاء مؤدّى الأمارة يكون ماداميّا ، بمعنى أنّ ما دام كان جاهلا بالواقع لم يكن التكليف الواقعي عليه فعليّا وبعد العلم صار فعليا. هذا كلّه في الاصول والأمارات الشرعية.

وأمّا في الاصول والأمارات التي يكون دليلها حكم العقل فهل يجزي أم لا؟ مثلا بمقتضى قاعدة قبح العقاب بلا بيان يقال بالبراءة ويرفع التكليف به ثم انكشف خلافه هل يجزي حتّى لا يلزم الإعادة أو القضاء أم لا يجزي؟ أو بمقتضى الظنّ في

١٩٤

حال الانسداد على القول بالحكومة ظننا بوجوب شيء أو عدم وجوبه ثم انكشف الخلاف هل يجزي أم لا؟

لا شبهة في أنّه في مورد القطع بشيء فضلا عن الظن وقيام الأمارة أو الأصل الذي مدركهما حكم العقل لم يكن مجزيا بعد كشف الخلاف ؛ لأنّ في المورد لم يكن حكم للشرع ، بل يكون صرف العذر والتنجّز ، وحيث كان كذلك كان لازمه عدم الإجزاء ، إذ كان المكلف معذورا في حال الجهل أو كان منجّزا عليه في حال الجهل ، وبعد رفع الجهل يلزم الإتيان بالواقع ، ولا فرق بين الاصول والأمارات ؛ لأنّ في كل منهما في ما كان مدركهما العقل لم يكن حكم حتى يقال بالتوسعة لدليل الواقع والإجزاء ، وهذا واضح لا ريب فيه.

ولا ينافي ما قلنا من عدم الإجزاء مع ما إذا كان ما قطع به أنّه المأمور به أن يكون مشتملا على مصلحة في هذا الحال أو على مقدار منها ولو في غير الحال غير ممكن مع استيفائه استيفاء الباقي منه ، ومع كون المقطوع مشتملا على تمام المصلحة أو المقدار الذي لم يمكن استيفاء الباقي لا يبقى مجال لامتثال الأمر الواقعي وكذا في الطرق.

وأمّا عدم منافاته مع كلامنا فيكون لأجل أنّ الإجزاء على هذا لم يكن لأجل اقتضاء امتثال الأمر القطعي أو الطريقي بالإجزاء ، بل إنّما هو لخصوصية اتفاقية في متعلّق الأمر القطعي والطريقي ، وعلى ما قلنا من عدم الإجزاء في مورد القطع أو الطريق أو الأصل الذي كان مدركها العقل يمكن أن يرد ايراد وهو أنّ في مورد القطع أو الطريق الذي كان مدركها العقل قلت بعدم الإجزاء والحال أنّك في مورد القصر والإتمام والجهر والاخفات تقول بالإجزاء مثلا إذا صلّى المسافر أربع ركعات أو قرأ في موضع الجهر إخفاتا وفي موضع الاخفات جهرا تقول بالإجزاء وعدم لزوم

١٩٥

الإتيان بما هو تكليف واقعي.

وثانيا : إن قلت بالإجزاء لأجل أيّ شيء تقول بالاستحقاق في مورد تقصيره قد يقال في جواب الاشكالين بأنّه يمكن أن يقبل الشارع غير الصحيح مكان الصحيح فيكون مجزيا واستحقاق العقاب لأجل عدم الإتيان بالصحيح ولكن هذا الجواب خلاف ظواهر الأدلّة حيث إنّ المعصوم عليه‌السلام قال في الموضع بأنّه (تمّت صلاته) وإن كان غير صحيح لم يعبّر بلفظ (تمّت).

فعلى هذا ما هو التحقيق في الجواب أن نقول كما يمكن أن يكون الشيء في حدّ ذاته مطلوبا للمولى ولكن لأجل انطباقه على عنوان آخر يكون مبغوضا مثل الصلاة في الدار المغصوبة ، حيث إنّ الصلاة بذاتها مطلوبة للمولى ولكن لأجل اجتماعها مع الغصب كانت مبغوضة يمكن أن يكون الشيئين ذات المصلحة ويكون ظرف أحدهما الآخر كالقنوت في الصلاة ، فإنّ الصلاة كانت ذات مصلحة والقنوت أيضا ذا مصلحة ، إلّا أنّ ظرف القنوت يكون الصلاة ، فإذا أتى بالصلاة بدون القنوت لم يمكن درك مصلحة القنوت.

فعلى هذا نقول في ما نحن فيه أيضا كذلك بمعنى أنّه يمكن أن يكون مثلا للقراءة مصلحة وللجهر بها مصلحة اخرى ولكن يكون ظرف مصلحة الجهر في القراءة ، فإذا أتى بالقراءة اخفاتا أدرك مصلحته ولكن فات منه مصلحة الجهر ولم يمكن استيفاء مصلحة الجهر ، حيث إنّ ظرفه يكون القراءة ، فإذا أتى بالقراءة فكيف يمكن درك مصلحة الجهر؟ وكذا في صلاة المسافر والحاضر.

فعلى هذا يمكن أن يكون إجزاؤه لأجل إتيانه القراءة ودرك مصلحتها وعدم إمكان الاعادة أو القضاء يكون لأجل مضي ظرفه واستحقاق العقوبة يكون لأجل تفويت مصلحة الجهر عن تقصير.

١٩٦

فانقدح بذلك أنّ فيما إذا صلّى مكان الجهر بالإخفات ومكان الاخفات بالجهر وصلّى في السفر أربع ركعات يكون مجزيا ، ومع هذا في مورد تقصير المكلّف يكون مستحقّا للعقاب ، فافهم.

ثم إنّه لا يخفى أنّ المحقّق الخراساني رحمه‌الله قال : إنّ الإجزاء ليس بالتصويب المحال ولا التصويب المجمع على بطلانه ؛ لأنّ التصويب المحال هو أنّه لم يكن حكم واقعي أصلا وما هو مؤدّى الأصل أو الطريق يكون حكما واقعيا وأنّ التصويب المجمع على بطلانه هو أنّه يكون في الواقع حكم إلّا أنّ الحكم الظاهري إن كان موافقا له فهو ، وإن كان أحكاما ظاهرية أعني الأصل والأمارة مخالفا له يتبدل الواقع عمّا هو عليه من الحكم ، وأمّا ما قلنا في موارد الإجزاء قلنا بأنّ الأحكام الواقعية محفوظة على كلّ حال ، غاية الأمر يكون في مورد قيام الأمارة أو الأصل انشائيا وفي مرتبة الانشاء وهذا لم يكن تصويبا بكلا المعنيين ، ولكن ما يظهر من كلام الشيخ هو أنّ هذا المعنى أيضا يكون تصويبا الذي أجمعوا على بطلانه.

هذا كلّه على مبنى المحقّق الخراساني من التفصيلات في المسألة وما هو الحقّ عندنا هو عدم الإجزاء مطلقا في مورد الحكم الظاهري ؛ لأنّ الأحكام الظاهرية تكون صرف الأعذار ، فحين الجهل يكون المكلف معذورا وأمّا بعد رفع الجهل يلزم الإعادة أو القضاء ، ويأتي في محله إن شاء الله. هذا تمام الكلام في الإجزاء.

١٩٧

فصل

في مقدمة الواجب

وقبل الشروع في المقصود ينبغي رسم امور :

الأمر الأول : أنّه يمكن النزاع في مقدمة الواجب من جهات فتارة يكون النزاع في وجوب المقدمة وعدم وجوبه ، بمعنى أنّه هل تكون المقدمة واجبة أم لا؟ فيكون على هذا مسألة من مسائل الفقه مثل أن يبحث في الفقه من وجوب الصلاة وعدم وجوبها ، وتارة تكون جهة البحث في المقدمة هي أنّه كما يكون للواجب حالات هل يكون وجوب المقدمة أيضا حالة له أم لا؟ فعلى هذا يكون من المبادئ التصديقية لعلم الاصول ، وتارة يكون البحث عن الملازمة بمعنى أنّه يكون النزاع في مقدمة الواجب في أنّه هل يكون بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة ملازمة أم لا؟ أعني العقل يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدماته أم لا.

فعلى هذا يكون البحث عن مقدمة الواجب بحث من مباحث الاصول والمسألة تكون من مسائل الاصول كما في سائر المسائل ، فعلى هذا بعد ما كانت في المسألة جهة من الجهات التي من هذه الجهة تكون من مسائل الاصول نقول بأنّها من مسائل الاصول ، ولا وجه للاستطراد ، ولا ضير في أنّه تكون مسألة من مسائل علوم متعددة باختلاف الجهات.

١٩٨

فانقدح بذلك أنّ المسألة تكون عقلية حيث إنّ البحث يكون عن الملازمة وما قاله صاحب المعالم عليه الرحمة بالتمسك بعد وجوب المقدمة بالدلالات الثلاث وإن كان ظاهره هو أنّه جعل البحث من مباحث الألفاظ إلّا أنّه يمكن توجيه كلامه بأن نقول بعد ما دلّ بإحدى الدلالات الثلاث وجوب المقدمة نكشف من الملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذيها ؛ لأنّ الدليل على أحد المتلازمين دليل على الآخر.

وأمّا إذا لم يدلّ وجوب ذي المقدمة على وجوب المقدمة بإحدى الدلالات الثلاث تكشف منها عدم الملازمة ، لأنّه لو كان بين وجوبهما ملازمة لدلّ الوجوب بأحد الدلالات ، وحيث لم يدلّ نكشف عدم الملازمة ، لما قلنا من أنّ الدليل على أحد المتلازمين دليل على الآخر.

الأمر الثاني : قد قسّموا المقدمة بتقسيمات منها تقسيمها الى الداخلية والخارجية ، فالخارجية أشياء تكون لها دخل في المأمور به ، إلّا إنّها لم تكن داخلة في المأمور به ، والداخلية وهي الاجزاء الّتي اخذت في الماهية وفي حقيقة المأمور به.

اعلم أنّ الوحدة كما تكون حقيقية كذلك تكون اعتبارية بمعنى أنّ بين شيئين متباينين اعتبر المعتبر الوحدة كذلك تكون انتزاعية مثلا من الجهة التي تكون بين الشيئين تنتزع الوحدة. ولكن ما هو محلّ كلامنا في المقام يعني في الأوامر ليس المراد الوحدة الحقيقية ؛ لأنّ الوحدة الحقيقية تكون في المركبات الحقيقية كالهيولى والصورة وكذلك ليس مرادنا من الوحدة الوحدة الاعتبارية لأنّه يعتبر في الوحدة الاعتبارية من تنزيل ، مثلا تنزيل الفاقد منزلة الواجد ولم يكن هنا تنزيل.

وكذلك ليس مرادنا من الوحدة الوحدة الانتزاعية إذ العقل بعد الأمر لم ينتزع الوحدة عنه ، بل من جهة وحدة الأمر نعتبر الوحدة ، بل المراد من الوحدة التي نقول في الأوامر التي كانت في المركبات مثل الصلاة أنّه بعد أنّ الشارع أمر بالصلاة فمن

١٩٩

وحدة الأمر نقول بالوحدة ، فالوحدة تكون باعتبار وحدة الأمر ولم يكن تنزيل في البين حتى يكون اعتباريا.

فقد تلخّص أنّ المراد من الاعتبار ليس الاعتبار الذي يكون في مقابل الانتزاع ، فعلى هذا تارة يلاحظ الامر جهة الوحدة بين الشيئين المتباينين ويأمر ، وتارة لا يلاحظ قبلا جهة الوحدة بل يأمر وبعد الأمر نكشف الوحدة بينهما من جهة وحدة الأمر ويعتبر الوحدة من الأمر فيمكن أن تكون بين أشياء من جهات جهة الوحدة لكن ما هو محلّ كلامنا هي الوحدة التي تكون من ناحية الأمر يعني وحدة الأمر ، وهذه الوحدة بالمعنى الثاني أعني الوحدة التي تأتي من قبل الأمر وقبل الامر لم يلاحظ الأمر جهة الوحدة ولم يمكن أن يؤخذ تحت الأمر ، للزوم الدور حيث إنّ الوحدة تأتي من قبل ذاك الأمر فكيف يعقل أن يؤخذ تحت الأمر وأيضا لو أخذت تحت الأمر تصير شرطا أو جزء كسائر الشرائط والأجزاء.

فعلى هذا اعلم أنّه لا فرق في الأمر بالشيء أو الأمر بالشيئين ، غاية الأمر في الثاني كما فصلنا في استعمال اللفظ في الأكثر ، من معنى واحد يصير جزء للحاظ ولكن ليس فرق بين الأمر بشيء أو الأمر بشيئين في جهة ، فكما يلزم الإتيان في الأوّل يلزم في الثاني ولا يكون شمول الأمر للأجزاء بنحو العامّ الاستغراقي أعني لم ينحل أمره بأوامر ، بل يكون أمر واحد لكن يكون صاحب التوسعة ، وهذا معنى الانبساط لا أنّه يكون منحلّا بأوامر.

وما توهّم بعض من الانحلال كان لأجل الفرار عن الايرادين يلزم بالانحلال.

الإيراد الأوّل : قد اورد بأنّ الأمر إذا كان واحدا في المركبات يلزم تكرار الجزء الأوّل ، مثلا في الصلاة يلزم تكرار التكبير ؛ لأنّ أمر التكبير وسائر الأجزاء أمر واحد فإذا أتى بالتكبير لم يرفع أمره ، بل يكون أمره باقيا كما لم يأت بسائر الأجزاء ، فإذا يلزم تكرار التكبير لعدم سقوط أمره.

٢٠٠