المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني

المحجّة في تقريرات الحجّة - ج ١

المؤلف:

آية الله الحاج آقا علي الصافي الگلپايگاني


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة السيدة المعصومة سلام الله عليها
المطبعة: سپهر
الطبعة: ١
ISBN: 964-6197-31-0
الصفحات: ٤٨٨
الجزء ١ الجزء ٢

لسانها كذلك حيث قال عزّ من قائل بلفظ نسائكم وكذلك بناتكم ، أخواتكم ، وأمهاتكم ففي كلّ منها كان الانتساب موجبا للحرمة فتكون ام زيد مثلا حرام على زيد ، ففي ما ورد في الآية كانت الاضافة والانتساب وهذا ما قلنا من أنّ في هذا القسم من الجوامد يجري النزاع ولا يجري في غيره من الجوامد.

ثم إنّه بعد ما فهمت نظر فخر المحقّقين رحمه‌الله اعلم أنّه قد يقع الكلام ويتوهم بأنّ فيما أرضعت الزوجتان الكبيرتان الزوجة الصغيرة لا وجه لتفرّع حرمة خصوص المرضعة الثانية وعدم حرمتها بالنزاع المعروف في المشتق ، بل كما أنّ حرمة المرضعة الثانية وعدمها متفرّع على هذا النزاع كذلك تقول في المرضعة الاولى بتوهّم أنّه بمجرّد حصول الرضاع كما تحصل الأمّيّة كذلك تقطع الزوجية ، فلو كان المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدإ فلا تكون المرضعة الاولى محرّمة ؛ لأنّ بمجرّد الرضاع مضى عن الصغيرة علقة الزوجية لأنّها بذلك صارت بنت الزوج فلا يصدق على المرضعة الاولى أنّها ام زوجته ، ولكن لو كان المشتق حقيقة في الأعم فللنزاع مجال.

وقد يقال في دفع هذا التوهّم بأنّ الفارق بين المرضعة الاولى والثانية هو النصّ ففي الاولى النصّ يحكم بحرمتها بخلاف الثانية فلا نصّ فيها ، فيجري فيها النزاع. وفيه أنّ هذا الكلام فاسد ، إذ هذا الحكم ليس لأجل ورود النصّ بل يكون الحكم على القاعدة فلا فرق بينهما.

وقال شيخنا الاستاذ رحمه‌الله في الدرر : أنّه بعد ما حصل الرضاع فالحكم بحرمة المرضعة الاولى فقط أو الصغيرة فقط ترجيح بلا مرجح ، لأنّ المرضعة الأولى كما صارت بالرضاع ام الزوجة كذلك الرضيعة صارت الربيبة بذلك ، فلا بدّ من الالتزام بحرمة كليهما ، ويستفاد من كلامه أنّ في المرضعة الثانية الحكم بحرمتها وعدم حرمتها مبني على النزاع في المشتق.

١٠١

ولكن في كلامه رحمه‌الله ما لا يخفى من الفساد :

أمّا أوّلا : فبأنّ حرمة الصغيرة لا يلزم أن يكون لأجل كونها ربيبة الزوج ، بل بعد كون فرض الكلام فيما كان اللبن من الزوج فتصير الصغيرة بالرضاع بنت الزوج كما تصير المرضعة الاولى ام زوجته والبنات كالامهات حرام.

وثانيا : بأنّ الحكم ـ كما قلنا ـ يكون على القاعدة فالفرق بين المرضعتين لا يكون لأجل النصّ فلا بدّ على هذا من جواب آخر يرفع به التوهّم المتقدّم.

فنقول بعونه تعالى : إنّ الحكم موقوف على موضوعه بداهة ، فكما أنّ تصوير الحكم بلا موضوع غير ممكن كذلك تقدّم الحكم على الموضوع غير ممكن ، فلا بدّ أوّلا من وجود موضوع حتى يعرضه الحكم ، لكن تقدّم الموضوع على الحكم ووجود الموضوع للحكم لا يلزم أن يكون آناً ما قبل الحكم ، بمعنى أنّ تقدّم الموضوع رتبة كاف ، ولا يلزم تقدّمه على الحكم زمانا ، فاختلاف الرتبة يكفي في ذلك ولو كانا متحدين من حيث الزمان.

إذا عرفت هذا فاعلم أنّ الرضاع سبب لصيرورة المرضعة الاولى ام الزوجة وصيرورة الصغيرة بنتا ، ثم بعد ذلك يأتي الحكم وهو انفساخ العقد ، فبمجرد حصول الرضاع تحصل الامية والبنتية وبمجرد حصولهما يأتي حكم انفساخ الزوجية ، ولا إشكال في أنّ كلا العنوانين يحصلان بمجرّد حصول الرضاع ، وأيضا لا إشكال في أنّ اتيان حكم الانفساخ موقوف على حصول العنوانين لأنّهما موضوع حكم الانفساخ ، وموضوع العنوانين هو الرضاع ، وهي في طول الرضاع ، فالرضاع حصوله متقدّم على حصولهما وكذلك هما موضوع للفسخ فهما متقدمان على الفسخ لكن لا زمانا بل رتبة ، ويكفي في تقدّم الموضوع على الحكم كما قلنا التقدم الرتبي.

فعلى هذا لا مجال للنزاع في الصغيرة والمرضعة الاولى وتفرّعهما على مسألة المشتق ، لأنّهما حرمتا بمجرّد حصول الرضاع ولم يقع زمان يكون الرضاع وحصلت

١٠٢

والحال أنّه لم تحصل الامية والبنتية أو حصلتا ولم يحصل الانفساخ حتى يبقى المجال للنزاع في ان بعد انقضاء ام الزوجية هل تكون ام الزوجة حتى حرمت أولا.

وهذا بخلاف المرضعة الثانية فحيث إنّها أرضعت الصغيرة بعد زوال عنوان الزوجية عن الصغيرة لانفساخ عقد الصغيرة لصيرورتها بالرضاع بنت الزوج أرضعت الصغيرة فيقع النزاع فيقال : بأنّه لو كانت الزوجيّة حقيقة لمخصوص المتلبس بذلك فالصغيرة ليست الآن زوجة للزوج فلا تكون المرضعة الثانية ام زوجته ، وإن كانت حقيقة للأعمّ يصدق ام الزوجة على المرضعة الثانية.

وممّا مرّ ظهر لك أنّ الحكم بحرمة المرضعة الاولى والصغيرة يكون على القاعدة والحكم في الرواية أيضا على القاعدة.

ثم إنّ هنا شاهدا آخر على عدم جريان النزاع في الجوامد إلّا ما قلنا وهو : أنّ في المشتق لا يكون المبدأ منتزعا عن الذات ، بل كما قلنا يكون النزاع في النسبة وأنّه يصحّ انتساب المبدأ بالذات حين الاتصاف فقط أو يصحّ ولو مع انقضاء المبدأ وأمّا في الجوامد فيكون الجامد لفظ موضوع للمعنى باعتبار انتزاع أمر ، مثلا الزوج اسم للشخص الخاص باعتبار انتزاع الزوجية منه ، فما يظهر من كلمات بعض من أنّ النزاع يكون في المشتق باعتبار انتزاعه من الذات ليس في محلّه.

ثم إنّه بعد ما قلنا بأنّ ما يكون في المشتق هو امور ثلاثة الذات والمبدأ والنسبة ، فكلّها مأخوذة في المشتق ولو أنّ أخذ بعضها يكون التزاما وهو الذات ، وليس النزاع في المشتق في الذات والمبدأ ، بل بعد مفروغية بقائهما يكون النزاع في أنّ النسبة التي تكون بين الذات والمبدأ هل تكون باقية ولو بعد الانقضاء حتى يكون المشتق حقيقة في الأعمّ ، أو لا يصح الانتساب حتى يكون حقيقة لخصوص المتلبس بالمبدإ فعلى هذا لو لم يكن الذات باقيا أو المبدأ يكون بالنحو الذي كان سابقا باقيا ولو مع

١٠٣

الانقضاء لا يكون مربوطا بمحلّ الكلام في المشتق ، لما قلنا من أنّه لا بدّ من بقاء الذات والمبدأ.

اذا عرفت ذلك يقع الاشكال في اسم الزمان وأنّه كيف يكون داخلا في محلّ الكلام والحال أنّ الذات فيه وهو الزمان ينتفي وينقضي ويتصرم فلم يكن الذات باقيا حتى يقع النزاع في النسبة بين الذات والمبدأ؟ والقول بأنّ المراد من الزمان هو الحركة بين المبدأ والمنتهى وهو باق فلا يكفي في دفع الإشكال ، لأنّه على هذا يقال بأنّ الذات لو كان هذه الحركة التوسطية فالذات والمبدأ باق حقيقة فتصحّ النسبة ولم ينقض المبدأ حتى يقع النزاع ، لأنّه على هذا يكون الزمان أمرا واحدا وفيه وقع القتل مثلا.

ولأجل هذا الاشكال التزم المحقّق الخراساني رحمه‌الله بأنّ عدم جريان النزاع في مورد من موارد المشتقات مثل اسم الزمان ليس منافيا لعمومية النزاع وأعميته.

فعلى هذا نقول في المقام بعونه تعالى بأنّه لا يصحّ جريان النزاع إلّا بأن يقال بأنّ الذات وهو الزمان أعمّ والمبدأ لم يكن كذلك فيكون بينهما مغايرة ، فالذات وهو الزمان أخذ أعمّ والمبدأ اخذ أخصّ فالذات باق حيث هو أعمّ والمبدأ انقضى لأنّه ثبت لخصوص آن من الزمان وفي بعض أجزاء الزمان ، فافهم.

المقدمة الثانية : لا يخفى عليك أنّ الواضع تارة يلاحظ الجوهر ويضع له اللفظ مثلا يلاحظ الحجر فيضع له هذا اللفظ فيكون هذا اللفظ جامدا ، وتارة يلاحظ العرض حتى يضع له لفظا فهذا أيضا يتصور على أقسام :

الأول : أن يلاحظ العرض في مقابل الجوهر مستقلّا لا من حيث كونه لباسا للجوهر ، وهذا القسم يكون هو اسم المصدر حيث إنّه يحكي عن العرض مستقلّا لا من حيث تلبس الجوهر به وكونه منتسبا الى الجوهر ولباسا له.

الثاني : أنّ الواضع يلاحظ العرض ويكون ملحوظه حيث انتساب العرض

١٠٤

بالجوهر وكونه لباسا للجوهر وتلبس الجوهر به ، والملحوظ كذلك في الأعراض هو المشتقات فإن المشتقات حاكية عن أعراض منتسبة الى الجواهر ولباسا لها.

الثالث : أنّ الواضع يلاحظ العرض لكن يكون ملحوظه حيث اندكاكه في الجوهر وتلبس الجوهر به ، لكن مع ذلك جرّده عن هذا الحيث بمعنى أنّه ولو رآه مندكا في الغير ولباسا للجوهر لكن هو في حين اللحاظ جرّده عن هذه الجهة ، وهذا معنى التجريد.

وهذا القسم غير القسمين الأوّل والثاني ، لأنّ في الأوّل يلاحظ العرض مستقلّا في قبال الجوهر وبحياله ، وفي هذا القسم ليس كذلك ، بل يراه مندكا في الغير ، وكذلك في الثاني لاحظ العرض حيث تلبسه بالجوهر وكونه لباسا له فهو ملحوظ له حين اللحاظ.

بخلاف هذا القسم فإنّه حين اللحاظ جرّده عن حيث كونه لباسا للجوهر.

فالفرق بين الأقسام واضح وما كان من قبيل القسم الثالث هو مادة المصدر الملحوظ الذي وضع له لفظ المصدر ـ أعني هيئة المصدر ـ فهذا المعنى الملحوظ هو الذي نعبر عنه بالمبدإ فمبدأ جميع المشتقات هو العرض الذي يكون منتسبا الى الجوهر. والحال أنّ في حال اللحاظ لم يلاحظ الواضع حيث انتسابه للجوهر وجرّده من هذا الحيث ، فهذا المعنى هو المبدأ ومادة الاشتقاق ، فإذا لاحظ الواضع العرض بهذا النحو وأراد أن يلقى ملحوظة في الخارج لا بدّ من تفهيم مراده بوسيلة الهيئة وهو وإن أمكن له القاء هذا الملحوظ بوسيلة كلّ هيئة ولكن تشبّث بما هو أخفّ مئونة من سائر الهيئات فأوّل هيئة التي ألقى الواضع بمئونته ووسيلته هذا المعنى المصدري ـ أعني المادّة ـ هو هيئة المصدر ، لأنّ هذه الهيئة أخفّ مئونة من هيئة سائر المشتقات فمادة المصدر ـ أعني المعنى المصدري ـ هو المبدأ ومادة الاشتقاق.

ثم بعد ذلك حيث كانت نسبة الأعراض بالجواهر على أنحاء مختلفة ويكون

١٠٥

المتكلّم تارة في مقام بيان هذه الأنحاء والقائها الى المخاطب ، ولا يمكن القاء المواد بدون الهيئات في الخارج فاقتضى الاحتياج وضع هيئات اخرى لتفهيم ذلك ، فوضع الواضع هيئات اخرى كهيئة الأفعال واسم الفاعل والمفعول وغير ذلك من الهيئات الدالّة على أنحاء النسب.

إذا عرفت ما قلنا من التقسيمات الثلاثة وأنّ المبدأ هو المعنى المصدري الذي يستفاد من هيئة المصدر وأنّ هذا هو المبدأ ومادة الاشتقاق يظهر لك أنّ المصدر هو أوّل هيئة تدلّ على معنى حد ، ثم بعد ذلك وضعت هيئات اخرى وهذا معنى أنّ المصدر أصل في الكلام ، ولم يكن مراد النحاة أيضا غير ذلك ولا مجال لتوهّم كون المصدر حقيقة أصل في الكلام وسائر المشتقات مشتقة منه ، لأنّه كما قلنا يكون نفس هيئة المصدر هيئة في مقابل هيئة سائر المشتقات وليس هذه الهيئة أصلا لها.

المقدمة الثالثة : اعلم أنّ المشتقات يكون فيها حيثان حيث الآلية وحيث الاستقلالية ، لأنّه كما قلنا في مطاوي كلماتنا المأخوذ في المشتق هو المبدأ والهيئة ، فالمادة حيثية مأخوذة في المشتق استقلالا ، لأنّ الغرض هو القاء هذه المادة ، فالنظر يكون بها حقيقة واستقلالا ، والهيئة حيثية آلية ، لأنّ دخلها ليس إلّا لأجل المادة وإفادة المادة ، فالنظر ليس بها استقلالا بل هي آلة للغير وهو المادة.

فنقول : بأنّه ولو أغمضنا العين عن كلّ ما قالوا في بيان عدم كون الزمان مأخوذا في الأفعال بأنّه يكفي لعدم مأخوذية الزمان فيها هو هذا البيان : لأنّ الأفعال من المشتقات ، ولا إشكال بأنّ المأخوذ في المشتق كما أوضحنا لك ليس إلّا المادة والهيئة ، فالمادة معنى اسمي غير مأخوذ فيه الزمان مسلّما ، وكذلك الهيئة معنى حرفي غير مأخوذ فيها الزمان بلا ترديد ، فمن أي جهة اخذ الزمان؟! وما وجه هذا التوهّم؟! فظهر لك من هذا البيان بطلان توهّم أخذ الزمان في الأفعال.

لكن يكون في المقام أمر وهو أنّه كما قلنا بعد وضع هيئة المصدر ووضع هيئات

١٠٦

اخرى لتفهيم انتسابات أخر لأنّ المشتقات أقسام مختلفة ففيها انتسابات مختلفة من نسبة الوقوعي أو الصدوري أو غير ذلك فالنسبة وهي التي تستفاد من الهيئة لها أنحاء مختلفة إذا فهمت أنّ الزمان غير مأخوذ في الأفعال يبقى في البين شيء وهو أنّه ما معنى قول النحاة من أنّ الفعل مقترن بأحد الأزمنة الثلاثة ، والحال أنّك قلت بأنّ الزمان غير مأخوذ في الفعل لعدم مأخوذيّته لا في المادة ولا في الهيئة؟

فنقول بعونه تعالى في بيان مرادهم بحيث يرتفع الإشكال : انّه بعد ما قلنا في مطاوي كلماتنا أنّ المشتق مركب من المادة والهيئة وليس الزمان في أحد منها مأخوذا ، ولكن حيث إنّ كلّ زماني يقع في الزمان وله انتساب بالزمان لوقوعه فيه ، فلو وقع أمر زماني في الخارج يصحّ أن يقال بوقوعه في الزمان ، مثلا لو جاء زيد يوم الجمعة إلى المسجد صحيح أن يقال بأنّ هذا المجيء وقع في الزمان الكذائي أعني يوم الجمعة.

وهذا المعنى موجود حتى في الأسماء أيضا لو كان الإسم زمانيا مثلا نفس زيد أيضا لكونه من الزمانيات ووقوعه في الزمان يصحّ انتسابه به كذلك. وهذا يجيء في الأفعال أيضا ، وهذا المقدار ليس قابلا للانكار إلّا أنّ من قال بأنّ الفعل مقترن بالزمان وغرضه من ذلك امتياز الفعل به عن الإسم لم يكن مراده هذا ، لأنّه لو كان هذا لا فرق بين الإسم وبين الفعل ، لأنّ بهذا المعنى كلاهما مقترن بالزمان ، فإذا لم يصحّ توجيه كلامهم بهذا فلا بدّ بأن يقال بمقالة اخرى لإثبات مرادهم وفهم كلامهم.

وهو انّه بعد ما ظهر لك ممّا مر أنّ الهيئة في المشتقات تدلّ على النسبة بين المبدأ والذات في المشتقات ، ومن الواضح أنّ النسب مختلفة ولها أنحاء كثيرة فنقول بأنّ المتكلم لو كان في مقام بيان أحد أنحاء النسبة مثلا كان في مقام بيان أنّ هذه النسبة محقّقة فعلا ، أو صارت متحقّقة ، أو تصير متحقّقة في المستقبل ، أو غير ذلك ، فبما يفهم المخاطب مراده ، وأنّه أي نسبة أراد وبأي نحو يلقى اللفظ حتى يتوجّه المخاطب الى

١٠٧

نحو النسبة؟

لا إشكال في أنّ المتكلم لو كان في مقام تفهيم أحد من الجهات المذكورة مثلا يكون في مقام تفهيم أنّ النسبة وقعت سابقا لا بدّ من أن يفهم بهذه النسبة ، فبالنتيجة لا بدّ من تفهيم ذلك المراد من نحو النسبة ، فالنسبة تكون مختلفة بحسب الأنحاء ، فتارة يكون نحو النسبة بحيث يفهم منها التحقّق في ما مضى وتارة يفهم منه التحقّق في ما بعد فتكون النسبة التي يستفاد منها ذلك.

فعلى هذا نقول مثلا في فعل الماضي بأنّ مادته وهيئته غير دالّة على الزمان لكن حيث يكون نحو نسبته المستفادة من الهيئة أنّ الفعل وقع سابقا نفهم من هيئة الفعل الماضي وقوع الفعل سابقا ، وكذلك نقول في المضارع فالزمان استفيد من نحو النسبة ، والحال أنّه ليس مأخوذا لا في الهيئة ولا في المادة.

وعلى هذا التقريب لم يكن مجال للإشكال في غير الزمانيات بأنّ يقال بأن مع كون الفعل مأخوذا فيه الزمان فما تقول في غير الزمانيات كنسبة الفعل الى الله عزوجل ، أو الى نفس الزمان حتى نحتاج في توجيه الإشكال بالالتزام بالتجريد؟

لأنّا نقول بأنّ ما مرّ يكون في خصوص الزمانيات لأجل احتياجها الى الزمان وأنّه حيث إنّها زمانية ويفهم وقوعها في الأزمنة المختلفة محتاجة الى أن يقال بأنّ نحو النسبة تكون بحيث تدلّ على الزمان ، وما قلنا في توجيه معنى أخذ الزمان بالفعل لعلّة يكون مراد النحاة من اقتران الفعل بالزمان بل لو تراجع كلماتهم يظهر لك أنّ مرادهم أيضا يكون هذا ، لا أنّ الزمان مأخوذ في حقيقة الفعل ، فافهم.

المقدمة الرابعة : هل المراد بالحال في المسألة الذي وقع النزاع فيه بأنّ المشتق حقيقة في خصوصه أو الأعمّ منه وعمّا انقضى هو حال النطق ، أو حال النسبة ، أو زمان الحال؟ ولا يخفى عليك أنّه بعد ما كان في المشتق واستناده بالذات ثلاث جهات :

١٠٨

الأولى : الحكم بالاتحاد ، والثانية : في نفس هذا الاتّحاد ، والثالثة : التلبس ، مثلا إذا قال المتكلم : «زيد قائم» ففي هذه القضية أوّلا حكم باتّحاد القيام مع زيد وثانيا نفس اتّحاد القيام مع زيد وثالثا التلبس ، فمن هنا يظهر أنّ المراد من الحال هو أيّ حال ، هل هو حال اتحادهما؟ أو حال تلبس الذات بالمبدإ أو حال الحكم؟ لا إشكال في أنّ المراد هو حال الحكم من الحال الذي هو مورد البحث ، لأنّه في هذا الموضع ينبغي أن يقع النزاع بأنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبس في حال الحكم ، أو أعمّ منه وعمّا انقضى. فظهر لك أنّ المراد هو حال الحكم ولا حاجة الى الكلام أزيد من هذا.

المقدمة الخامسة : هل يكون في المقام أصل حتى لو شكّ فيما هو حقيقة يرجع اليه ، أم لا؟

فنقول بعونه تعالى : إنّ الأصل الذي نتكلّم فيه تارة يكون المراد والغرض منه الأصل اللفظي ، وتارة نتكلم في الأصل العملي ، أمّا الأصل اللفظي فاعلم أنّه يختلف بحسب اختلاف المورد ، فلو كان العام الوارد لسانه إثبات الحكم مثلا ورد «اكرم العلماء» ثم ورد التخصيص بالفسّاق ، ثم شككنا في أنّ الفساق عبارة عمّن يكون فاسقا فعلا أو الأعمّ منه وعمّا انقضى فتكون الشبهة شبهة مفهومية ، فلا إشكال أنّ مورد الشكّ يكون المرجع هو العام ، وما يخرج بمقتضى التخصيص ليس إلّا المتيقّن وهو الفاسق الفعلي.

ولو كان لسان العام النفي مثلا قال : «لا تكرم الفسّاق» ووقع الشكّ في أنّ الفاسق هو الفاسق الفعلي أو الأعمّ ، فلا بدّ من الأخذ بالقدر المتيقّن والقول بحرمة إكرام خصوص الفاسق الفعلي فليس في المقام أصل لفظي له ضابطة كلّية ، بل يختلف بحسب الموارد ، فلا بدّ من حساب كلّ مورد حتى يظهر ما هو مقتضى الأصل. هذا كلّه بحسب ما يقتضيه الأصل اللفظي.

١٠٩

وأمّا الكلام في الأصل العملي ، فلو كان في البين حالة سابقة فلا إشكال في مجرى الاستصحاب مثلا لو كان زيد سابقا مجتهدا ، ولأجل ذلك كان واجب الإكرام ، ثم زال عنه ملكة الاجتهاد فوقع الشكّ في أنّه يجب إكرامه أم لا ، فيجري الاستصحاب ويحكم بوجوب إكرامه ، وأما لو لم يكن في البين حالة سابقة فلو كان التكليف ثابتا وكان الشكّ في المسقط يكون المورد مورد قاعدة الاشتغال ، مثلا قال : «أكرم عالما» وكان زيد عالما سابقا ولكن فعلا ليس بعالم فوقع الشكّ في أنّ العالم هو من كان متلبسا فعلا بالعلم أو الأعمّ منه وعمّا انقضى ، فلو كان الأوّل فلو أكرم زيدا لا يحصل الامتثال ، لعدم كونه فعلا متلبسا بملكة العلم ولو كان الثاني فبإكرام زيد يحصل الامتثال لأنّه أيضا كان عالما ولو سابقا ، ففي هذا المورد تجري قاعدة الاشتغال ولا بدّ من إكرام من يكون فعلا متلبسا بالعلم حتى يقطع بحصول الامتثال وفراغ الذمة.

وأمّا لو لم يكن كذلك ، بل يكون الشكّ في الأقلّ والأكثر فيكون المورد مورد البراءة مثلا قال : «أكرم العلماء» وتعلّقه بالعالم الفعلي مسلّم ، ولكن يشكّ في أنّه هل يجب علاوة على العالم المتلبس بالعلم فعلا إكرام من انقضى عنه ملكة العلم وليس فعلا فيه الملكة ، أم لا؟ فيكون في البين معلوم ومشكوك ، ففي الزائد تجري البراءة فيجب إكرام خصوص المتلبس بالعلم وفي غيره بمقتضى البراءة يرفع عنه التكليف. فظهر لك أنّ الموارد مختلفة بحسب جريان الأصل. هذا تمام الكلام في الأصل اللفظي والأصل العملي.

١١٠

مفهوم المشتق

الكلام في مفهوم المشتق والبحث في بساطته وتركيبه

الحقّ أنّ الاختلاف الواقع في هذا المقام في موضعين ، فالمنصف يصدّق قولنا الذي نقول إن شاء الله ، وأمّا كلماتهم وبطلان مقالاتهم ينشأ من عدم التمييز بين المقامين فنقول بعونه تعالى إنّه ربّما نقول مفهوم المشتق ونريد ما يفهم من لفظ المشتق ، وربّما يكون مرادنا من المفهوم حقيقته ، فإذا فهمت هذا التقسيم ، فالحقّ على ما يقتضيه النظر الدقيق هو القول بتركّب مفهوم المشتق بالمعنى الأوّل وتنقيح المطلب على ما هو عليه مستلزم لتمهيد مقدمة :

وهي أن يعلم كيفية الوضع في المشتقات فنقول : إنّ من المسلّمات أنّ وضع المواد بالوضع الشخصي والهيئات بالوضع النوعي ، فبعد ذلك نقول بأنّه إمّا نقول بأنّ للمشتقات وضع واحد بمعنى أنّ المراد مثلا لضاد وراء وباء وهيئتها وضع واحد ، وإمّا أن نقول بأنّ لكلّ منهما وضع مستقلّ.

لا إشكال بأنّ وضع المشتقات يكون بالنحو الثاني ولا اختصاص بالمشتقات ، بل كلّ ما يكون له مادة وهيئة يكون له وضعان وضع للمادة ووضع للهيئة ، وهذا مذهب المتأخّرين وعندهم من المسلّمات ولا يحتاج الى إقامة برهان ، بل مع قطع النظر عمّن يكون له اطلاع في العلوم كلّ جاهل يصدّق دعوانا ، لأنّه إذا عرض مثلا

١١١

على جاهل لفظ «قائم» يلتفت بالهيئة والنسبة مع عدم التفاته بالمادة أو بالعكس ، وهذا دليل على صدق مدعانا ، إذ لو كان اللفظ وضع واحد كيف يتصوّر فيه العلم والجهل؟!

فاعلم أنّه بعد ما ثبت أنّ للمشتقات وضعين وضع لمادتها ووضع لهيئتها ، فباعتبار المادة ينقسم بثلاثة أقسام : إمّا يؤخذ لا بشرط ، وإمّا بشرط الشيء ، وإمّا بشرط لا ، فإذا اخذت مادة المشتقّ لا بشرط يكون هو المبدأ والمصدر ، وإذا اخذت بشرط لا يكون هو اسم المصدر ، وإذ اخذت بشرط الشيء يكون هو المشتق.

فظهر لك الفرق بين المصدر واسم المصدر والمشتقات. وتحصّل أنّ بهذا المعنى الذي قلنا يكون المصدر من حيث إنّه لا بشرط مبدأ للمشتقّات ، فمن قال بأن المصدر أصل في الكلام اذا كان مراده كذلك يكون قوله صحيحا ولا يرد عليه إشكال ، ولا يمكن القول بأنّ اسم المصدر مبدأ للمشتقات ، لأنّه اخذت بشرط لا والمشتقات اخذت بشرط الشىء هذا من جهة المادة ووضعها. وأمّا الهيئة فإنّها يكون لها وضعا مستقلّا إلّا أنّها وضعت بالوضع النوعي ولم يكن لكلّ هيئة وضع مستقلّ ، وكون الوضع في المشتق بنحو ما قلنا بالوضعين وضع للمادة ووضع للهيئة ممّا لا يكاد يخفى من تأمّل مختصرا.

ثمّ بعد ما ثبت لك أنّ للمشتقات وضعان باعتبار المادة والهيئة فلا مجال للقول ببساطة مفهوم المشتقات بالمعنى الأوّل أعني يكون المقصود من المفهوم هو ما فهم من اللفظ لا الحقيقة وبحسب تطبيقه في الخارج فلا بد من القول بتركيب المفهوم ، لأنّ المركب على ما عرّفوه عبارة عن لفظ يدلّ جزء لفظه على جزء معناه ، وفيما نحن فيه يكون الأمر كذلك ، لأنّ ما يفهم من الظالم مثلا بلحاظ المادة يدلّ على جزء معناه وبلحاظ الهيئة يدلّ على جزء آخر من معناه ، وهذا معنى التركيب ، غاية الأمر في بعض المركبات يكون لجزئه لفظ مستقلّ في مقابل جزئه الآخر ، وفي بعضه لا يكون

١١٢

كذلك ، كما نحن فيه ، وهذا لا ينافي مع التركيب.

والعجب كلّ العجب ممّن قال في المشتقّ بالوضعين ومع هذا اختار البساطة مع وضوح بطلانه ولقد اشتبه عليهم الأمر ، لبعض الشبهات الموجبة لتوهّمهم البساطة في مفهوم المشتق ، ومن جملة ما توهّموا أنّ أخذ الذات في المشتق مستلزم لبعض المحذورات التي نشير إليها في طيّ كلماتنا إن شاء الله.

ولكن غفلوا عن أنّ الذات مأخوذ في المشتقات على وجه الالتزام ، لا بالمطابقة أو التضمّن ، وحيث كان أخذه التزاما ، لا غرو في أخذه والقول بتركيب المفهوم وعدم ورود إشكال ، أمّا أنّ أخذ الذات في المشتق يكون بالالتزام فهو مطلب واضح ، اذ ليس في المشتق إلّا المبدأ وهو المادّة ، والنسبة وهي الهيئة ، فليس في المشتق ما سوى ذلك ، فالمادة تدلّ على الحدث ، والهيئة تدلّ على النسبة ، فإذا كان جزء من لفظ المشتق يدلّ على الحدث وجزء منه يدلّ على النسبة ، فلا يوجد لفظ يدلّ على الذات في مفهوم المشتق ، لكن حيث إنّ النسبة تحتاج الى طرف وهو الذات ، فبالالتزام تدلّ على الذات ، وليس مأخوذا في مفهوميتها ، وهذا ممّا لا سترة فيه.

ولقد اوضحنا لك أنّ مفهوم المشتق بهذا المعنى مركّب بلا إشكال.

وأمّا الكلام في مفهوم المشتق بالمعنى الثاني ـ أي الحقيقة وبحسب التطبيق والمصداق الخارجي ـ فالحقّ هو بساطة المفهوم.

فاعلم اوّلا ، أنّه يمكن التفكيك بين المقامين ، يعني يمكن أن يكون مفهوم المشتق بالمعنى الأوّل بسيطا وبالمعنى الثاني مركّبا ، أو بالعكس ، مثلا يكون مفهوم البياض مفهوما مركّبا بالمعنى الأوّل ، لأنّه في مقام تعريفه يقال : إنّه لون مفرّق للبصر ، وأمّا بالمعنى الثاني ـ أي المصداق الخارجي ـ بسيط ، فإذا علمت هذا من أنّه يمكن التفكيك.

فاعلم أنّ مفهوم المشتق بالمعنى الثاني بسيط بلا ريب ، لأنّ المأخوذ في المشتق ـ

١١٣

على ما قلنا ـ هو المبدأ والنسبة والذات ، إلّا أنّ أخذ الذات يكون في المشتق التزاما ، فعلى هذا حيث إنّه لم يكن في الخارج إلّا المبدأ ، فيكون مفهوم المشتق بالمعنى الثاني بسيطا ، لأنّ النسبة حيث كانت معنى حرفيا ليس لها وجود خارجيّ ، وأمّا الذات أيضا ليس له وجود خارجي ، لأنّ ما اخذ في المشتق معنى الذات والذي اخذ في المشتق إمّا يكون الذات المبهمة ، وإمّا أن يكون الوجودات الخاصّة ، فإن كان ما أخذ في المشتق هو الذات المبهمة فهو غير معقول ، لأنّ الذات المبهمة لا يمكن ان يسري في الخارج ، لأنّ الطبيعة من حيث هي ليست إلّا هي ، وإمّا إن كان ذات المأخوذ في المشتق هو الوجودات الخاصّة فهو أيضا لا يمكن وجوده في الخارج ، لأنّ القول بوجوده في الخارج مستلزم لتالي فاسد ، وهو أنّه يلزم أن لا يصحّ حمل المشتق على غيره ، مثلا إذا كان الذات المأخوذ في الضارب هو وجود خارجي مثل زيد ، يلزم أن لا يصحّ حمل الضارب على عمرو لأنّه اخذ في الضارب ذات خاص ، وهو زيد ، فكيف يمكن حمله على غيره؟!

فعلى هذا ما هو له وجود خارجي ، ليس إلّا المبدأ ، لأنّه القابل للوجود ، وأخذ النسبة في المشتق لم يكن إلّا بتصحيح الحمل بأنّه يكون بنحو يعرف المقصود كما هو حقّه هو أنّ الحمل على قسمين :

الأول : حمل هو ، وهو حمل الذات على الذات ، والثاني : حمل ذو ، وهو حمل الاشتقاق. ومعنى الحمل بالمعنى الأوّل هو أنّه لا يحتاج في الحمل الى شيء بخلاف الثاني ، فإنّ الحمل بالمعنى الثاني يحتاج الى شيء آخر ، فحمل المشتق وجريه على الذات يكون بالمعنى الثاني لأنّه حيث إنّ المبدأ من جهة أخذه لا بشرط لم يكن قابلا للحمل ، لهذا قال صاحب الفصول عليه الرحمة من أنّه مع اعتبار لا بشرطية المبدأ وشرط الشيئية المشتق من ملاحظته الاتّحاد بينهما.

وكلامه وإن كان باطلا من جهة إلّا أنّ كلام المحقّق الخراساني عليه الرحمة في

١١٤

الايراد عليه لم يكن بسديد.

حيث إنّ المحقّق الخراساني قال : يكفي في صحّة الحمل لا بشرطية المبدأ وهذا فاسد جدا ، إذ صرف هذا لم يكن مجزيا في صحّة الحمل ، ومعنى لا بشرطيّة من حيث هي آب عن هذا المعنى ، لأنّه لم يكن قابلا للحمل ، مثلا لم يمكن حمل الضرب على زيد ولو تراه لا بشرط قد اخذت النسبة في المشتق لتصحيح الحمل ، فتكون النسبة مصحّحة للحمل ، كما أنّه يكون في بعض الموارد لفظ «ذو» مصحّحا للحمل كذلك تكون في بعض الموارد هذه النسبة ـ أعني هيئة المشتقات ـ مصححة للحمل ، مثلا كما يصحّ أن يقال : «زيد ضارب» كذلك يقال : «زيد ذو ضرب».

وإلى هذا يرجع كلام صاحب الفصول عليه الرحمة في ردّ استدلال السيد الشريف من أنّه لو كان مفهوم المشتق مركّبا يلزم إمّا دخول الفصل في العرض ، وإمّا انقلاب القضيّة الممكنة إلى ضرورية.

حيث قال صاحب الفصول في جوابه بأنّ الناطق فصل في اصطلاح المنطقيين وكان مقصوده أنّ الناطق لم يكن فصلا ، بل حقيقة يكون النطق فصلا ، غاية الأمر حيث إنّه لم يمكن حمل النطق على الذات تكون الهيئة والنسبة مصحّحا للحمل ، فعلى هذا لا يلزم دخول الفصل في العرض.

وإشكال المحقّق الخراساني رحمه‌الله عليه ليس بوارد ، لانّه لم يكن مقصوده أنّ المنطقي تصرّف في معنى الناطق ، بل مقصوده أنّ النطق حقيقة يكون فصلا للانسان ، فلا يلزم دخول الفصل في العرض.

وممّا قلنا ظهر لك أن مفهوم المشتق بالمعنى الثاني بسيط ، وما قاله السيد الشريف من البساطة صحيح إلّا أنّ استدلاله للمدّعي ليس بتامّ ، فتأمّل في كلامه ولا نحتاج الى بسط الكلام في المقام أزيد من هذا ، الّا إنّه حيث كان في كلام المحقّق الخراساني عليه الرحمة موضعان للنظر لا ضير أن نشير اليهما.

١١٥

الأوّل : أنّه بعد ما ذكر ما قاله صاحب الفصول في جواب السيد الشريف على فرض مصداق الشيء أو أخذه في المشتق بأنّه لا يلزم انقلاب مادة الامكان بالضرورة ، لأنّ المحمول ليس مصداق الشيء والذات مطلقا ، بل يكون المحمول مصداق الشيء مقيّدا بالوصف ، وليس ثبوت المحمول إذا كان مقيّدا بالوصف للموضوع ضروريا.

قال المحقّق المذكور : يمكن أن يقال : إنّ عدم كون ثبوت القيد ضروريا لا يضرّ بدعوى الانقلاب ، فإن كان المحمول ذات القيد وكان القيد خارجا وإن كان التقيّد داخلا كما هو المعنى الحرفي فالقضية لا محالة تكون ضرورية.

أمّا هذا الكلام فليس بسديد ، إذ حيث كان القيد خارجا والتقيد داخلا ـ أي صرف النسبة ـ لا يمكن ، إذ النسبة محتاجة الى الطرفين وأنّه معنى حرفي ، فاذا كان محتاجا الى الطرفين يلزم لا محالة أن يكون القيد أيضا داخلا ، لأنّ القيد أحد طرفي النسبة.

ثم قال : وإن كان القيديّة بما هو مقيد على أن يكون القيد داخلا فقضية «الإنسان ناطق» تنحلّ الى قضيّتين : احدى القضيتين «الانسان إنسان» وهي ضروريّة ، والاخرى قضيّة «الإنسان له النطق» وهي ممكنة.

أقول : التحقيق في وضوح بطلان ما قاله المحقّق الخراساني يحتاج الى مقدمة وهي أنّ الانحلال يتصوّر على ثلاثة أقسام :

الأول : أن يكون مثلا في قضية «الإنسان ضاحك قائم» الإنسان هو المبتدأ ، والضاحك خبره ، والقائم خبر بعد الخبر.

الثاني : أن يكون الانسان مبتدأ ، والضاحك مبتدأ ثان ، والقائم خبر لضاحك ، وجملة ضاحك قائم تكون خبرا للإنسان.

والثالث : ـ وهو مراد المحقّق الخراسانى رحمه‌الله ـ : أن يكون الانسان هو المبتدأ

١١٦

والضاحك خبره ، وهذا الضاحك الذي كان أوّلا خبرا يكون أيضا مبتدأ ، والقائم خبره ، وهذا القسم باطل ، اذ كيف يمكن أن تكون كلمة فى آن واحد مبتدأ وخبرا ، مسندا ومسندا اليه؟! فلا يخفى ما في كلامه من الفساد.

وهذا الكلام الذي ذكره المحقّق المذكور في الكفاية هو من السبزوارى في حاشية الأسفار ، إلّا أنّه لأجل تغييره موضعين من كلام السبزوارى وقع في هذه الخدشة ، وإلّا فكلام السبزواري صحيح ، لأنّه يلزم على القول بالتركيب تركّب القضية من الضرورية والممكنة ، وأمّا على القول بالبساطة لا يلزم هذا ، فثبت أنّ المشتقّ مركّب مفهوما ، وبسيط خارجا وبحسب المصداق الخارجي ، فافهم وتأمّل.

والموضع الآخر الذى كان في كلام المحقّق الخراساني رحمه‌الله من الخدشة هو أنّه مع قوله ببساطة المشتق ، له كلام ينافي قوله إذ يقول : إنّ المشتقّ ينتزع من الذات باعتبار تلبسه بالمبدإ أو قال بأنّ منشأ انتزاعه مركّب ، فإذا كان منشأ انتزاع المشتقّ مركّبا فكيف يكون مفهومه بسيطا؟!

ثمّ يظهر ممّا قلنا عدم جريان النزاع في الجوامد وتوضيحه مختصرا يحتاج الى ذكر أقسام الجوامد ، فاعلم أنّ الجوامد على ضربين :

الاوّل : هو ما اطلق على شيء لفظ الجامد ، لا باعتبار خصوصيّة فيه ، بل باعتبار نفسه كالماء ، وهذا القسم من الجوامد لا إشكال في خروجه عن محلّ النزاع ، لأنّه ما دام يكون الماء ماء يطلق عليه هذا اللفظ ، وأمّا إذا صار هواء فلا يطلق عليه الماء ، لعدم بقاء الذات.

الثاني : هو ما اطلق لفظ الجامد عليه ، باعتبار خصوصية فيه ، لا باعتبار الذات ، مثلا فوق أو تحت ، حيث إنّه يطلق على الفوق فوقا إذا كان في الفوق ، وهذا القسم من الجوامد ، وإن كان الذات فيه محفوظا ، إلّا أنّ اللفظ وضع له باعتبار الخصوصية ، فإذا فقد الخصوصية لا يصحّ إطلاق اللفظ عليه ، فعلى هذا لا يجري النزاع في الجوامد

١١٧

مطلقا.

وما قاله بعض من الجريان فى الجوامد واستشهد به صاحب الإيضاح فى مسألة من كان له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجته الصغيرة ففي حرمة الزوجة الثانية على زوجها أو عدمه حوّلوا الأمر الى النزاع في المشتق بأنّه إن اطلق عليها أنّها زوجته فهي حرام ، والّا فليس بحرام ، ليس في محلّه ، إذ قلنا بأنّ النزاع في المشتقات يكون في النسبة والهيئة ، والجوامد لم يكن لها هيئة ومادة ، حتى يكون فيها نسبة.

وأمّا كلام صاحب الايضاح رحمه‌الله فصحّته أيضا لا تكون موقوفة على جريان النزاع فى الجوامد ، بل فى الاضافة الزوجية الى الصغيرة لا فى نفس الزوجيّة.

تذكرة : لا يخفى أنّ النحويين قالوا بدلالة الفعل على الزمان ، وتحقيق المقام يحتاج الى مقال وهو أنّ في المقام أصلين مسلّمين ، إن اخذ بأحدهما لا بدّ من القول بدلالة الفعل على الزمان.

الاوّل : أنّ في الفعل كالفعل الماضي والمضارع والأمر وسائر الأفعال يكون فيها خصوصيّة ومعها لا يمكن تقييدها بالأمس وبغيره ، مثلا لا يصحّ أن يقال : يضرب أمس أو ضرب غدا ، ومن هذا يعلم أنّه حيث اخذ فيها الزمان لا يصحّ فيها التقييد وإلّا لم لا يصحّ ، كما في أسماء الفاعل والمفعول حيث يمكن تقييدهما ، فيصح أن يقال : زيد ضارب أمس أو زيد ضارب غدا ، أو مضروب غدا ، ولا يكون هذا بصحيح إلّا من أجل أنّ فيهما يؤخذ الزمان ، هذا الأصل الأوّل الذي بمقتضاه قالوا بدلالة الفعل على الزمان.

والأصل الثاني : هو أنّه للأفعال يكون مادّة وهيئة ، فكيف يكون الزمان مأخوذا فيها؟! إذ مسلّم أن مبدأ الأفعال لا دلالة له على الزمان ، حيث انّه اخذ لا بشرط ، وأمّا الهيئة فأيضا لا يمكن ان تدلّ على الزمان لأنّها معنى حرفي فكيف يكون حاك عن الزمان الذي يكون معنى استقلاليّا ، وإن حكى معنى حرفيا يكون

١١٨

معنى استقلاليّا فيخرج عن كونه آليّا.

فعلى هذا بعد ما كان فى الأفعال الجهة التي معها يدلّ على الزمان ، الّا أنّه يعلم أيضا أنّه لم يكن الزمان مأخوذا فيها اصلا ، فلا بدّ أن نقول بأنّه اخذ في الأفعال الخصوصية التي لأجلها لا يمكن تقييدها بالأمس أو الغد ، والخصوصيّة هي معنى حرفيّا لا استقلاليّا ، كي يرد ما قلنا من لزوم كون الحرف حاكيا عن الاسم ، فعلى هذا يكون فى الأفعال خصوصيّة ، مثلا تكون الخصوصيّة في الفعل الماضى هي التحقّق وفي الفعل المضارع هي الترصّد ، مثلا الفعل الماضي يدلّ على تحقّق مبدئه والفعل المضارع يدلّ على ترصّده ، وهكذا ، إلّا أنّه في بعض الأفعال ، كأفعال المدح والذمّ ، يكون التحقّق ، غاية الأمر تكون الخصوصيّة التي اخذت فيها ، خصوصيّة التحقّق الّذي لا ينافي مع الحال ، فعلى هذا لا يلزم التصرّف في هذا القسم من الأفعال.

فعلى ما قلنا من عدم دلالة الفعل على الزمان يظهر لك أنّ استناده الى نفس الزمان أيضا لا يوجب محذورا ولا يلزم المجاز والتجريد ، إذ قلنا بأنّه للماضي والمضارع بحسب المعنى خصوصيّة موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في الماضي وفي الحال أو الاستقبال في المضارع ، بل وكذا في استناده الى الزمانيات لا يلزم التجريد ، اذ ولو أنّ الفاعل يكون من الزمانيات إلّا أنّه في زمان ، إمّا في زمان الماضي فيكون التحقّق ، وإمّا في زمان المضارع فيكون الترصّد ، فافهم ، فلا إشكال في القائم على ما قلنا.

وكذا في المضارع يكون فيه خصوصيّة ، صحّ انطباقه على كلّ من الحال والاستقبال ، وأمّا في الإنشاء ، نقول أيضا بأنّ فيه خصوصيّة تدلّ على الحال على مذهب ، وعلى الاستقبال الذى لا ينافي الحال على مذهب.

وقد اختلفوا في أنّ الانشاء والأمر هل يكونا للحال أو الاستقبال الذي لا ينافي

١١٩

مع الحال؟ فقال بعض بالأوّل ، وبعض بالثاني.

منشأ هذا الاختلاف ، هو أنّه إن قلنا بانّ الخصوصيّة التي تحكي عنها الهيئة موجبة لتقييد المادّة ، فلا بدّ من القول بدلالته على الاستقبال الذي لا يتنافى مع الحال لأنّه بعد ما كان المبدأ هو مثلا الضرب الذي لم يتحقّق ، فعدم التحقّق هو الاستقبال الذي لا يتنافى مع الحال ، إذ لم يتحقّق بعد ، ولا يمكن ان يوجد المبدأ محقّقا ، إذ لو كان محقّقا ، يلزم من الأمر بايجاده والإنشاء به طلب لتحصيل الحاصل.

وإن لم نقل بأخذ المبدأ محقّقا يلزم القول بالقول الأوّل ، وإذا قلنا بتقييد الهيئة ، لا المادّة لا بدّ من القول بالحال الحقيقي ، إذ يكون دائما النسبة حاليّا ، لكن حيث إنّه لم يمكن الالتزام بالحال ، لأنّه إن التزمنا به ، يلزم الإيراد الذي قاله المحقّق الخراساني رحمه‌الله وهو أنّه في الإخبار يلزم أيضا أن يكون المخبر به ، دائما حاليّا ، وحيث إنّ الإخبار دائما يكون فعليّا ، فلا بدّ من ان نقول في الإنشاء والأمر تكون خصوصيّة تدلّ على الاستقبال الّذي لا يكون منافيا مع الحال.

ثم إنّه يقع الكلام في مطلب آخر وهو أنّه هل يكون النزاع في المشتقات من حيث الوضع أو الاستعمال؟ فمن قال بأنّ المشتقّ حقيقة في خصوص المتلبّس بالمبدإ فعلا ، يقول بأنّ المشتقّ وضع لخصوص المتلبّس.

ومن قال بأنّ المشتقّ حقيقة في الأعمّ ، يقول بأنّ المشتقّ وضع للأعمّ من المتلبّس فعلا ومن كان متلبّسا في الأمس ، أو يكون محلّ النزاع في الحمل والإطلاق بمعنى أنّه معلوم أنّ المشتقّ وضع لخصوص المتلبّس مثلا ، وبعد التسالم على المفهوم والمعنى يكون مورد النزاع في صحّة الإطلاق وعدمه.

والحقّ هو الأوّل كما ينزّل عليه كلمات القوم من قديم الزمان الى اليوم ، فإنّ الحقيقة والمجاز ، اللذين يكونان مذكورين في عنوان النزاع ، من دون الاستعمال ، ولا يكون مرتبطا بالصدق والإطلاق.

١٢٠