هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

دم باحد الإناءين ثم نعلم تفصيلا بعد ذلك بوقوع تلك القطرة فى الاناء المعلوم ومقام بحثنا من هذا القبيل ضرورة ان الاحكام المعلومة تفصيلا بمراجعة الطرق والامارات المعتبرة ليست هذه الاحكام مغايرة للتكليف المعلوم اجمالا بل هى منطبقة عليها لان الامارات حاكية عن الاحكام الواقعية التى علمت اجمالا قبل مراجعة الطرق وبعد اتحاد المعلومين ينتقل المعلوم بالاجمال الى المعلوم بالتفصيل وكذا اثر العلم الاجمالى السابق بانطباق ما علم اجمالا على ما علم تفصيلا ولا بد من تحصيل الفراغ اليقينى من هذا المقدار بالخصوص.

وقد ذكر فى انحلال العلم الاجمالى انحلال العلم الاجمالى الكبير الى العلم الاجمالى الصغير والمراد من العلم الاجمالى الكبير هو العلم الاجمالى بوجود المحرمات والواجبات فى الوقائع المشتبهة.

وبعبارة اخرى العلم الاجمالى الكبير هو المتعلق بجميع الاحكام الالزامية الواقعية : والمراد من العلم الاجمالى الصغير هو المتعلق بالامارات والطرق فبعد الرجوع هذه الامارات والظفر بهذا المقدار الذى ادت اليه الامارة لا يبقى العلم بالتكاليف الواقعية الاخرى حتى يجب رعاية احتياط فيها فيصير العلم الاجمالى الصغير علما تفصيليا بعد الظفر بالمقدار الذى ادت اليه الامارة فينحل العلم الاجمالى الكبير الى العلم التفصيلى والشك البدوى فظهر بهذا البيان انه لم يبق موردا للعلم الاجمالى وسقط الحكم بلزوم الاحتياط.

٣٤١

قوله ان قلت انما يوجب العلم بقيام الطرق المثبتة له بمقدار المعلوم بالاجمال الخ.

هذا اشكال على انحلال العلم الاجمالى قد ذكر انه ينطبق المعلوم بالاجمال على مؤديات الطرق والامارات وانحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى والشك البدوى ويصح هذا الانحلال اذا كانت حجية الامارات من باب الموضوعية بان يجعل مؤديات الامارة احكاما واقعية فعلية هذا مقتضى حجية الامارات بنحو السببية فانه يعلم حينئذ ثبوت التكاليف تفصيلا بقيام الطرق والامارات على هذه التكاليف الاجمالية فتصح دعوى انطباق الاحكام الواقعية المعلومة اجمالا على مؤديات الامارة.

واما بناء على حجية الامارات بنحو الطريقية أى يترتب ما للطريق المعتبر على الاحكام الواقعية من الآثار العقلية يعنى التنجز فى صورة الاصابة والتعذير فى صورة الخطاء فلا يتم فى هذه الصورة انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى لعدم العلم التفصيلى بالتكليف فى مؤديات الامارات حينئذ حتى ينطبق المعلوم الاجمالى عليها لاحتمال الخطإ فى مؤدياتها اذ لا مجال لدعوى الانطباق مع كون التكليف الذى نهض عليه الطريق محتملا غير مقطوع به أى لم يحصل العلم بالتكليف بالامارات وعليه فلا مجال للانحلال فلا بد من الاحتياط فى المشتبهات.

الحاصل انه يحصل انحلال العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بانطباق هذا العلم الاجمالى على مؤديات الطرق والامارات اذا كان مقتضى قيام الامارات على التكليف موجبا لثبوته فعلا واما بناء

٣٤٢

على ان مقتضى حجية الطريق والامارة من باب الطريقية الى الواقع شرعا فلم يكن التكليف فعليا بل يترتب على هذا الطريق المعتبر عقلا تنجز ما اصابه والعذر عند الخطاء فلا يحصل العلم بان مؤديات الطرق هى الاحكام الواقعية لاحتمال عدم اصابتها للواقع فالتكليف حينئذ احتمالى لا العلمى.

قوله قلت قضية الاعتبار شرعا على اختلاف السنة ادلة وان كانت ذلك على ما قوينا فى البحث الخ.

هذا جواب الاشكال حاصله ان المدعى فى المقام هو الانحلال الحكمى لا الحقيقى وهو موجود فى المقام لان تنزيل الشىء منزلة العلم التفصيلى اعطاء اثره له واثر منزل عليه صرف التنجيز فى متعلقه لكونه موجبا للانحلال فكذا المنزل فقيام الطريق على المقدار المعلوم بالاجمال كقيام العلم التفصيلى عليه فى الاثر المذكور.

توضيح الجواب ان مقتضى ادلة اعتبار الامارة وان كان هو الطريقية أى ترتيب ما للطريق المعتبر عقلا وهو العلم من التنجيز والتعذير على الطريقية دون الموضوعية أى لم يكن اعتبار الامارة من باب الموضوعية اعنى ثبوت التكليف الفعلى بها وجعل الامارة موضوعا للحكم ولا يخفى ان مفاد صدق العادل ونحوه هو البناء على ما اخبر به العادل هو الواقع وعدم الاعتناء باحتمال الخلاف وليس مفاد صدق العادل حدوث المصلحة فى المؤدى بسبب قيام الطريق عليه حتى توجب جعل الحكم على طبقها ويتحقق الانحلال الحقيقى الذى هو زوال العلم الاجمالى.

والظاهر ان بقاء العلم الاجمالى بعد القيام الامارة أيضا على

٣٤٣

حاله لكن ندعى فى المقام تحقق الانحلال الحكمى بمعنى اقتضاء الامارة غير العلمية انصراف التكليف المنجز بالعلم الاجمالى الى خصوص الطرف الذى قامت عليه الامارة فتجرى البراءة فى غير هذا الطرف من اطراف الشبهة

توضيح الجواب بعبارة اخرى لما كان مقتضى تنزيل الامارة غير العلمية منزلة العلم أى يترتب اثر العلم من التنجيز والتعذير عليها فيكون الامارة بمنزلة العلم فى الآثار ومنها الانحلال فكما ان العلم الاجمالى ينحل بالعلم التفصيلى بوجود التكليف فى طرف معين فكذلك قيام الامارة على وجوده فى احد الاطراف بعينه يوجب انحلال العلم الاجمالى لكن العلم التفصيلى يوجب الانحلال الحقيقى لزوال العلم الاجمالى بالعلم التفصيلى والشك البدوى واما الانحلال فى الامارة فهو حكمى أى يرتفع حكم العلم الاجمالى وهو وجوب الاحتياط ويلاحظ جانب التكليف فى الاطراف بقيام الامارة على التكليف بطرف معين وان كانت الصورة العلمية الاجمالية باقية على حالها لعدم وجود العلم التفصيلى فى مؤدى الامارة بل مقتضى ادلة اعتبار الامارات هو ترتيب ما للطريق المعتبر من التنجيز والتعذير.

قوله هذا اذا لم يعلم ثبوت التكاليف الواقعية فى موارد الطرق المثبتة بمقدار المعلوم بالاجمال.

قد ذكر آنفا ان الانحلال على قسمين أى حقيقى وحكمى والظاهر ان الانحلال الحكمى انما يصدق فى صورة عدم العلم باصابة الطريق للواقع واحتمال كل من الاصابة والخطأ فيها.

٣٤٤

واما مع العلم باصابة مقدار من الامارات مساو للمعلوم بالاجمال فيكون الانحلال حقيقيا مثلا اذا علمنا اجمالا بوجود الف حكم الزامى فى الشريعة المقدسة الاسلامية وظفرنا بهذا المقدار فى الامارات والاصول المثبتة هذا كاف فى الانحلال لان اخراج ما يساوى مقدار المعلوم بالاجمال يوجب زوال العلم الاجمالى.

الحاصل ان العلم الاجمالى الذى استدل المحدثون به على وجوب الاحتياط فى الشبهات هذا العلم الاجمالى منحل اما حقيقة بناء على كون مؤديات الطرق بمقدار المعلوم بالاجمال مع مطابقتها للواقع واما حكما بناء على عدم العلم باصابتها للواقع وان كان بمقدار المعلوم بالاجمال.

قوله وربما استدل بما قيل من استقلال العقل بالحظر فى الافعال.

وهذا أيضا الاستدلال بالعقل على وجوب الاحتياط من باب استقلال العقل بالحظر بالافعال ولا يخفى نزاع الحظر والاباحة فى الاشياء.

توضيح هذا النزاع واعلم ان للافعال آثارا ذاتية يدركها العقل مع قطع النظر عن الشرع كما هو المذهب العدلية قد يدرك حسن الفعل اما على وجه العلية التامة كالعدل والشكر أى شكر المنعم اللذين هما علتان تامتان للحسن واما يدرك حسن الفعل على وجه الاقتضاء كالصدق حيث إنّه يقتضى الحسن وهو مرضى عند العقل الا اذا ترتب عليه المفسدة كاضراره على نفسه.

بعبارة اخرى ان الصدق لا يكون موجبا للحسن اذا ترتب عليه

٣٤٥

الضرر على نفسه أو على غيره من نفس محترمة لذا لم يكن الصدق على وجه العلية التامة للحسن وقد يدرك قبح الفعل على هذا الوجه أى على وجه العلية التامة كالظلم أو على وجه الاقتضاء كالكذب فانه مقتض للقبح لو لا المانع كما اذا ترتب عليه نجاة مؤمن أو دفع مفسدة وقد اتفقت العدلية على حكم العقل بحسن الفعل على نحو التنجيز فى صورة علية الفعل للحسن وكذا اتفقت على حكم العقل على نحو التعليق فى صورة اقتضاء الفعل للحسن وكذا على حكم العقل بقبح الفعل والمنع عنه على نحو التنجيز فى صورة العلية أو على نحو التعليق فى صورة الاقتضاء.

قد ذكر الى هنا حكم ما يستقل فيه العقل بحسنه أو قبحه لكنهم أى العدلية اختلفوا فى حكم العقل بالجواز وعدمه فيما لا يستقل بحسنه وقبحه من الافعال غير الضرورية. توضيحه انهم اختلفوا على ثلاثة اقوال :

الاول ان الاصل فى الاشياء التى لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها الحظر والمنع أى ان العقل يحكم بعدم جوازها ما لم يرد الرخصة من الشارع فيها ويعبر عن هذا الحكم فى اصطلاحهم باصالة الحظر.

الثانى ان الاصل فيها الاباحة أى ان العقل يحكم بجوازها ما لم يصل من الشارع منع عنها ويعبر عن هذا الحكم فى اصطلاحهم باصالة الاباحة.

الثالث ان الاصل فيها الوقف أى انه لا حكم للعقل فيها لا بالحظر ولا بالاباحة لبطلان ما استدل اليه أصحاب القولين المذكورين.

اذا عرفت هذه الاقسام الثلاثة فاعلم ان أصحابنا المحدثين

٣٤٦

استدلوا باصالة الحظر على وجوب الاحتياط فى الشبهات الحكمية التحريمية فيحكم العقل ان الاقدام على المشتبه كالاقدام على ما علم حرمته اى لا يجوز ارتكابه لانه لم يثبت شرعا إباحة ما اشتبه حرمته ان قلت كل شىء لك حلال حتى تعرف انه حرام بعينه دليل على إباحة مشتبه الحكم ومعه لا مجال للتمسك باصالة الحظر أو الوقف اذ حكم العقل به على تقدير تسليمه انما هو مع قطع النظر عن الشرع واما مع ورود الترخيص الشرعى فلا مجال للاصل المذكور أى مع وجود الدليل للاباحة لا مجال للتمسك باصالة الحظر فى المقام.

قلت فى جواب هذا الاشكال ان ما دل على الاباحة معارض بما دل على وجوب التوقف والاحتياط فمع عدم سلامة ادلة الاباحة عن المعارضة كيف يستند اليها للقول بالاباحة والترخيص.

قد ثبت ان العقل يستقل بالحظر فى الشبهة التحريمية فى الافعال الغير الضرورية هذا حاصل الوجه الثانى بالاستدلال العقلى على وجوب الاحتياط ولا يخفى ان هذا الاستدلال مختص على الشبهة التحريمية واما الوجه الاول من الاستدلال العقلى فهو مشترك بين الشبهة الوجوبية والتحريمية.

قوله : وفيه أوّلا انه لا وجه للاستدلال بما هو محل الخلاف الخ.

قد اورد المصنف على هذا الدليل العقلى بوجوه الثلاثة الاول

أنا لا نسلم كون الاصل فى الشبهة التحريمية هو الحظر لان مسئلة اصالة الحظر بنفسها محل الخلاف ولا وجه لابتناء وجوب الاحتياط فيما هو محل الكلام والاشكال ولو صح الاستدلال على

٣٤٧

وجوب الاحتياط فى المقام لصح الاستدلال باصالة الاباحة فى هذا المقام والظاهر ان القائل بالبراءة فى الشبهة التحريمية استند الى استقلال العقل بالبراءة لقبح العقاب بلا بيان وادعى هذا القائل ان الاباحة أصل فى الاشياء.

وأيضا يشكل على هذا الاستدلال العقلى بانه مصادرة أى جعل المستدل على وجوب الاحتياط عين المدعى دليلا لان هذا المستدل استدل فى الشبهة التحريمية باصالة الحظر حتى يبنى عليها وجوب الاحتياط ولا شك ان هذا عين مدعاه وان صح هذا الاستدلال امكن للخصم الاستدلال باصالة البراءة على الاباحة.

قوله : ثانيا تثبت الاباحة شرعا لما عرفت من عدم صلاحية ما دل على التوقف الخ.

هذا الاشكال الثانى على الدليل العقلى المذكور وهو راجع الى ثبوت الاباحة الحاصل ان الاباحة ثابتة شرعا لما تقدم من عدم مقاومة ادلة التوقف والاحتياط للمعارضة مع ما دل على البراءة لما تقدم من اخصية واظهرية ادلتها من ادلة التوقف والاحتياط أى تقدم انه يتعين تقديم اخبار البراءة على اخبار الاحتياط لوجهين احدهما اخصية موضوع اخبار البراءة من موضوع اخبار الاحتياط لان موضوع اخبار البراءة مختص بالشبهات التى كانت بعد الفحص ولا يشمل الشبهات قبل الفحص.

واما موضوع اخبار الاحتياط فهو عام اى يشمل الشبهات قبل الفحص وبعده.

واما وجه اظهرية اخبار البراءة فانها نص فى حلية مشتبه

٣٤٨

الحكم مثلا يقال فهو حلال وحديث الرفع ونحوه اظهر فى الترخيص من دلالة اخبار الاحتياط على وجوب التحرز لان اخبار الاحتياط مستندة الى ظهور هيئة افعل نحو قولهم عليهم‌السلام احتط لدينك ولا يخفى ان صيغة افعل انما تكون ظاهرة فى الوجوب.

قوله : وثالثا انه لا يستلزم القول بالوقوف فى تلك المسألة للقول بالاحتياط فى هذه المسألة الخ.

هذا الاشكال الثالث على الاستدلال العقلى بوجوب الاحتياط توضيحه ان النزاع فى المسألتين الاولى مسألة الحظر والاباحة فالنزاع فيها فى تقديم اصالة الحظر أو الاباحة والظاهر ان الموضوع فى هذا المسألة هو فعل المكلف من حيث هو هو أى مع قطع النظر عن الحكم الشرعى الذى صار مجهولا عنده بعد صدوره فيبحث فى هذه المسألة عن هذا الفعل من حيث هو هل يكون فى نظر العقل محكوما بالاباحة أم بالحظر.

الثانية مسئلة الاحتياط والبراءة فالنزاع فيها فى تقديم الاحتياط أو البراءة ولا يخفى ان الموضوع فى هذه المسألة هو فعل المكلف بما هو مجهول الحكم بعد تشريع الاحكام فيبحث فى هذه المسألة عن هذا الفعل من حيث هو مجهول الحكم بعد تشريع الاحكام هل يحكم عليه شرعا بالاباحة أم بالاحتياط.

اذا عرفت فرق المسألتين موضوعا فاعلم انه لا ملازمة بين القول بالوقف فى مسألة الحظر والاباحة وبين القول بالاحتياط فى مسئلة البراءة فلا يكون اختيار الوقف دليلا فى ثبوت الاحتياط فى مسألة البراءة والاحتياط وذلك لاختلاف المسألتين موضوعا فمسألة الحظر والاباحة مسألة مستقلة فلا يستلزم القول بالوقوف

٣٤٩

فى تلك المسألة القول بالاحتياط فى مسألة البراءة لاحتمال ان يقال فى باب الحظر والاباحة مع القول بالاباحة انه تجرى البراءة لقاعدة قبح العقاب بلا بيان فثبت انه لا يصح الاستدلال باصالة الحظر على وجوب الاحتياط.

قوله : وما قيل من ان الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته كالاقدام على ما تعلم فيه المفسدة.

هذا الاشكال عن شيخ الطائفة فى عدة الاصول وقد عرفت فى مسألة الحظر والاباحة انه استدل بقبح الاقدام على ما لا تؤمن مفسدته وتعرض المصنف لكلامه هنا.

بقوله وما قيل الخ.

والمراد من هذا القول دفع توهم عدم جريان البراءة العقلية التى تقدم امكان جريانها بقوله لاحتمال ان يقال معه البراءة.

وحاصل توهم عدم جريان اصالة البراءة وان احتمال التكليف يلازم احتمال المصلحة أو المفسدة بناء على ما هو الحق من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد وعلى هذا البيان فمخالفة محتمل الحرمة توجب احتمال الضرر الناشئ من الملاك وهو المفسدة لانها ضرر على المكلف ودفع الضرر واجب فيجب امتثال محتمل الحرمة ولا تصل النوبة الى قاعدة قبح عقاب بلا بيان لان قاعدة دفع الضرر المحتمل واردة عليها.

قوله : ممنوع خبر لقوله وما قيل الخ.

وجواب عن التوهم اى اجاب المصنف عن التوهم بوجهين

٣٥٠

الاول يرجع الى منع الصغرى حاصله وان الاحكام وان كانت تابعة للمصالح والمفاسد الا انهما ليستا راجعتين الى المنافع والمضار اى لا يكون احتمال المفسدة مساويا لاحتمال الضرر بل قد تكون المصلحة منفعة وقد لا تكون كذلك بل قد يكون الشىء الذى فيه مصلحة موجبا للضرر كالاحسان للفقراء وصرف المال فى الامور الخيرية فان المصلحة فيما ذكر منوطة ببذل المال وهو ضرر وكذا المفسدة قد تكون ضررا وقد تكون موجبة للمنفعة كسرقة الاموال.

فظهر انه لا ملازمة بين المصلحة والمنفعة وبين المفسدة والمضرة فاحتمال الضرر فى مشتبه الحكم ضعيف لا يعتد العقلاء به ويصح بهذا الجواب صحة اصالة البراءة فى الحكم المشتبه لقاعدة قبح العقاب بلا بيان.

قوله : مع ان الضرر ليس دائما مما يجب التحرز عنه عقلا بل يجب ارتكابه احيانا الخ.

هذا الوجه الثانى من دفع التوهم وهو يرجع الى منع الكبرى أى انه بعد تسليم الصغرى وان المصلحة والمفسدة متساويتان للمنفعة والمضرة لكن لا يجب التحرز عن كل الضرر بل قد يجب عقلا وشرعا تحمل بعض المضار المعلومة مثلا قد يوجب العقل بذل المال الكثير لانقاذ مؤمن من الغرق.

الحاصل ان وجوب دفع الضرر عقلا انما يكون فيما اذا تعلق الغرض بدفعه واما اذا تعلق بعدم دفعه كما فى صورة مزاحمته لما هو أهم منه فلا يستقل العقل حينئذ بلزوم دفع الضرر فثبت

٣٥١

عدم صحة استدلال بدفع الضرر المحتمل بوجوب الاحتياط وصح الاستدلال فى الحكم المشتبه باصالة البراءة لقاعدة قبح عقاب بلا بيان.

قوله : بقى امور مهمة لا بأس بالاشارة اليها.

هذا البحث اشارة الى تنبيهات البراءة والغرض من ذكر هذا البحث هو بيان شروط اصالة البراءة فبين المصنف الشرط الاول.

بقوله : الاول انه انما تجرى اصالة البراءة شرعا أو عقلا فيما لم يكن هناك أصل موضوعى الخ.

أى الشرط الاول من شروط جريان اصالة البراءة هو عدم اصل حاكم او وارد عليها من استصحاب موضوعى أو حكمى.

توضيحه ان الاصل الموضوعى يطلق على الاصل الجارى لاحراز حكمه كاستصحاب خمرية مائع شك فى انقلابه خلا فانه رافع لموضوع اصالة الحل فيه وكاستصحاب عدم ذهاب ثلثى العصير العنبى المغليّ اذا شك فى ذهابهما ويكون فى قبال هذا الاصل الاصل الجارى فى نفس الحكم الشرعى كاستصحاب نجاسة الماء المتغير الزائل تغييره من قبل نفسه واستصحاب نجاسة الثوب المعلوم نجاسته سابقا.

اذا عرفت الاصلين فاعلم انه لا ريب فى تقديم رتبة الاصل الموضوعى على الحكمى لتقدم الموضوع على الحكم رتبة حيث إنّه بالنسبة الى الحكم كالعلة بالنسبة الى المعلول فلا يجرى الاصل فى الحكم مع جريانه فى الموضوع سواء كان الاصلان بحسب المفاد متنافيين كما اذا اقتضى الاصل الموضوعى حرمة الشىء

٣٥٢

والاصل الحكمى اباحته وتقدم مثاله فى استصحاب خمرية المائع المشكوك انقلابه خلا المقتضى لحرمته واصالة الحل مقتضية لحليته وشربه : ام متوافقين كاستصحاب عدالة الشخص واستصحاب جواز تقليده.

قوله : ولو كان موافقا لها الخ.

هذا بيان للاطلاق أى الغرض من قول المصنف مطلقا ان عدم جريان اصالة البراءة فى ما اذا كان المورد مجرى للاصل الموضوعى لا يختصّ بما اذا كان مفاد اصالة البراءة منافيا لما اقتضى الاصل الموضوعى كما اذا اقتضى الاستصحاب خمرية مائع شك فى انقلابه خلا المستلزم لحرمته واقتضى اصالة البراءة جواز شربه فلا تجرى اصالة البراءة هنا لان الاصل الموضوعى مانع عنها هذا فى صورة المنافاة بين مفاد الاصل الموضوعى ومفاد اصالة البراءة.

وكذا لا تجرى اصالة البراءة اذا كان مفادها موافقا للاصل الموضوعى الجارى فى المقام كجريان الاستصحاب فى خلية المائع الذى شك فى انقلابه خمرا فان اللازم من مفاد هذا الاستصحاب هو حلية الشرب وان كان موافقا لمفاد اصالة البراءة لكن لا تجرى بعد جريان الاصل الموضوعى لوروده عليها أى لورود الاصل الموضوعى على اصالة البراءة فينتفى موضوعها وهو الجهل بالحكم بالاصل الموضوعى.

٣٥٣

قوله : فانه معه لا مجال لها اصلا لوروده عليها كما يأتى تحقيقه الخ.

هذا بيان ما يتفرع على عدم جريان البراءة مع الاصل الموضوعى توضيح ما ذكر ان ما شك فيه تارة يكون لاجل الشك فى نفس الحكم فالشبهة حكمية واخرى لاجل الشك فى متعلقه بعد العلم بنفس الحكم فالشبهة موضوعية مثلا ان الشك فى ذكاة الحيوان قد يكون الشك فى أصل قابلية الحيوان للتذكية مع العلم بان قابليته لها شرط فى طهارته هذا كما اذا تولد حيوان من طاهر ونجس كالغنم والكلب ولم يتبع أحدهما فى الاسم ولم يكن له اسم خاص يندرج تحت أحد العنوانين الطاهرة أو النجسة أى يشك فى قابليته للتذكية فان اصالة الحل لا تجرى فيه اذا ذبح على الشرائط المخصوصة من اسلام الذابح والتسمية وذلك لوجود الاصل الموضوعى أى استصحاب عدم التذكية وعدم وقوع التذكية المعتبرة شرعا على هذا الحيوان حيث ان من شرائطها قابلية المحل لها ومع الشك فى القابلية يشك فى وقوع التذكية المعتبرة عليه فيستصحب عدمها لان هذا الحيوان حال حياته لم يكن مذكى وبعد قطع أوداجه يشك فى انتقاض عدم التذكية بالتذكية فيستصحب عدمها ويحرز عدم حلية لحمه وعدم طهارته باستصحاب عدم التذكية.

ولا يخفى انه مع جريان هذا الاصل الموضوعى لا مجال لاصالة الحل لان هذا الحيوان يدخل فى ما لم يذك فيصير معلوم الحكم لان الاجماع قام على حرمته فينتفى موضوع اصالة الحل وهو الجهل

٣٥٤

بحكمه فلا يبقى المجال لجريانها فيكون هذا الحيوان بعد استصحاب عدم التذكية حراما كالحيوان الذى حتف انفه أى مات بالموت الطبيعى.

قوله فلا حاجة الى اثبات الميتة تعم غير المذكى.

هذا اشارة الى تغاير الحيوان غير المذكى والميتة مفهوما لان الميتة بحسب اللغة ما حتف انفه واما غير المذكى ما مات بسبب خارجى بان كان مقتولا بالضرب أو ملقى من شاهق أو مذبوحا فاقدا لبعض الشرائط كما اذا كان الذبح الى غير القبلة أو كان الذابح غير مسلم.

واعلم ان التغاير بين غير المذكى والميتة انما يكون مفهوما لكن لا فرق بينهما مصداقا لان الميتة شرعا ما كان غير المذكى فزهوق روح الحيوان ان استند الى التذكية الشرعية كان الحيوان مذكى وان لم يستند اليها كان ميتة سواء كان الموت بحتف انفه أى بلا سبب خارجى ام كان بغير حتف انفه أى كان بسبب خارجى والى هذا اشار صاحب الكفاية بقوله فلا حاجة الى اثبات ان الميتة تعم غير المذكى أى بدون تعميم الميتة الحكم شامل لغير المذكى وان لم يسلم شمول الميتة لغير المذكى.

الحاصل انه مع جريان اصالة عدم التذكية فى الحيوان المشكوك يدرج فى غير المذكى فيتحد حكم الميتة وغير المذكى بالاجماع.

قوله نعم لو علم بقبوله التذكية وشك فى الحلية الخ.

قد ذكر سابقا انه لا تجرى اصالة الاباحة فى حيوان شك فى

٣٥٥

حليته مع الشك فى قبوله التذكية بل تجرى فى هذا المورد اصالة عدم التذكية ويثبت الحرمة لهذا المشكوك واستدرك بعد ما ذكر بقوله نعم لو علم بقبوله التذكية أى تجرى اصالة الاباحة فى مورد علم بقبوله التذكية.

توضيح ذلك انه اذا علم قابلية الحيوان للتذكية وعلم حصول طهارته بها لاحراز الذبح بشرائطه لكن شك فى حلية لحمه بالتذكية فان اصالة الحل تجرى ويحكم بحلية لحمه ولا مجال للاصل الحاكم أى استصحاب عدم التذكية للعلم بتحققها حسب الفرض والشك انما هو هل يترتب الاثران فى الحيوان أى الطهارة والحلية أو يترتب اثر واحد أى الطهارة فقط يعنى نعلم ان هذا الحيوان قابل التذكية لكن لا نعلم انه من قبيل البقر والغنم أو من قبيل الارنب والثعلب فيحكم بطهارته استنادا الى التذكية وبحلية لحمه استنادا الى اصالة الحل.

الحاصل ان هذا الحيوان بعد ورود التذكية الموجبة لطهارته عليه يكون طاهرا مشكوك الحل والحرمة فيحكم بحليته استنادا الى اصالة الحل فهو نظير شرب التتن المشكوك حكمه الكلى حيث تجرى فيه الاصالة الاباحة.

قوله هذا اذا لم يكن هناك اصل موضوعى آخر مثبت لقبوله التذكية الخ.

هذا اشارة الى القسم الثالث وهو ما اذا كان الشك فى الحكم لاجل الشك فى مانعية شيء عن تأثير التذكية فى الطهارة وحدها أو هى مع الحلية قد ذكر سابقا عدم جريان الاصل الحكمى كاصالة

٣٥٦

الحل والطهارة عند جريان الاصل الموضوعى كاستصحاب عدم التذكية لوروده عليه ولا يخفى عليك ان الاصل الموضوعى أى استصحاب عدم التذكية انما يكون واردا على الاصل الحكمى فى المورد الذى لم يكن فيه اصل موضوعى آخر يوافق الاصل الحكمى والمراد بالاصل الموضوعى الموافق له ما يثبت التذكية.

فلو كان هناك اصل موضوعى موافق حكم به كما اذا شك فى ان الجلل فى الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته لها أم لا هذا مثال لوجود اصل موضوعى آخر فى المسألة أى الاصل الموضوعى المثبت للتذكية كاستصحاب قبول الحيوان لها وثبت بما ذكر انه اذا علم قابلية الحيوان للتذكية وشك فى ارتفاعه بالجلل فان استصحاب بقاء القابلية للتذكية بعد صيرورته جلالا يحرز التذكية الموجبة لحلية اللحم حينئذ وهذا الاصل الموضوعى موافق لاصالة الحل.

ولا يخفى ان حلية لحم الجلال بالذبح تتوقف على استبراء الحيوان على النحو المذكور فى محله فثبت من المثال المذكور الاصل الموضوعى الموافق الاصل الحكمى.

قوله ومما ذكرنا ظهر الحال فيما اشتبهت حليته وحرمته بالشبهة الموضوعية من الحيوان الخ.

قد ذكر الى هنا ثلاثة صور الشبهة الحكمية :

الاولى الشك فى اصل قابلية الحيوان للتذكية.

الثانية الشك فى مقدار القابلية أى مقدار قابلية الحيوان للتذكية بعد العلم باصلها فلا يعلم ان المترتب على التذكية هل

٣٥٧

هو الطهارة فقط ام هى مع الحلية.

الثالثة الشك فى بقاء القابلية لاحتمال ارتفاعها ببعض ما طرأ على الحيوان كالجلل قد علم حكم هذه الاقسام ثلاثة من الشبهة الحكمية الآن يشرع فى بيان صورتى الشبهة الموضوعية من الشك فى التذكية.

وظهر مما ذكرنا فى الشبهة الحكمية حكم صورتى الشبهة الموضوعية مثلا اذا شك فى وجود ما اعتبر فى التذكية من اسلام الذابح وتوجيه الحيوان الى القبلة جرى فيما ذكر اصالة عدم التذكية أى اذا شك فى ان ذابح هذا الحيوان كان مسلما ام لا أو ذبحه الى القبلة ام لا حكم بعدم كونه مذكى كما هو كذلك فيما اذا شك فى انه غنم أو كلب جرت اصالة عدم التذكية فى هذا الحيوان وحيث عرف هذا فى الصورة الاولى من الشبهة الحكمية أى لا يحكم عليه فيها بالتذكية وكذا الحكم فى هذا القسم المذكور من الشبهة الموضوعية أى الصورة الاولى منها.

واما الصورة الثانية من الشبهة الموضوعية فيجرى فيها استصحاب قابلية التذكية على الحيوان المشكوك توضيحه ان منشأ الشك فى هذه الصورة هو الشك فى ارتفاع القابلية مثلا اذا اكل الحيوان عذرة الانسان مدة شك فى تحقق الجلل فى تلك المدة وأيضا شك فى ارتفاع قابلية التذكية عن هذا الحيوان جرى استصحاب بقائها فيحكم بكونه مذكى لكون الشك حينئذ فى وجود الرافع وقد ثبت مثل هذا الحكم فى الصورة الثالثة من الشبهة الحكمية أى اذا شك فى بقاء القابلية لاحتمال ارتفاعها ببعض ما طرأ على الحيوان كالجلل فان الجارى فيه هو

٣٥٨

استصحاب قابليته التذكية فيحكم بحليته لحمه وطهارته فبيّن الى هنا ثلاث صور الشبهة الحكمية وصورتا الشبهة الموضوعية فمجموع الصور خمس كما عرفت.

قوله الثانى انه لا شبهة فى حسن الاحتياط شرعا وعقلا فى الشبهة الوجوبية أو التحريمية الخ.

قد اشار المصنف فى هذا الامر الى جهات :

الاولى حسن الاحتياط شرعا وهو يتم بناء على كون اوامر الاحتياط مولويا والا فلو كان ارشاديا فلا حسن شرعا.

الثانية حسنه عقلا والظاهر عدم الاشكال فيه الثالثة ترتب الثواب عليه عقلا بمعنى ان حكم العقل بحسنه نظير حكمه بحسن معرفة الله بحيث يحكم بترتب الثواب لا نظير حكمه بحسن الاحسان الذى لا يحكم فيه الا بالمدح دون المثوبة.

الرابعة هل يجرى الاحتياط فى العبادات التى يدور الامر فيها بين الوجوب وغير الاستحباب وقد تعرض صاحب الكفاية للاشارة الى الامرين واشار الى الامر الاول بقوله انه لا شبهة فى حسن الاحتياط شرعا وعقلا فى الشبهة الوجوبية أو التحريمية فى العبادات وغيرها الخ.

توضيح كلام المصنف انه لا اشكال فى حسن الاحتياط عقلا ورجحانه شرعا فى كل شبهة سواء كانت وجوبية أو تحريمه اما حسنه العقلى فلكونه محرزا عمليا للواقع وموجبا للتحرز عن المفسدة الواقعية المحتملة وكذا كونه موجبا لاستيفاء المصلحة واما رجحانه شرعا فلا مكان استفادة استحبابه من بعض الاخبار كقوله عليه‌السلام والمعاصى حمى الله فمن يرتع حولها يوشك ان

٣٥٩

يدخلها فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك هذا دليل على حسن الاحتياط شرعا بناء على كون التعليل بالاتركية حكمة لتشريع الاحتياط.

وقد ذكر الشيخ الاعظم هذا الامر الاول أى حسن الاحتياط فى مواضع فحكم برجحانه عقلا وشرعا فى اول التنبيه الثالث من تنبيهات الشبهة الموضوعية التحريمية بقوله انه لا شك فى حكم العقل والنقل برجحان الاحتياط وحكم فى اول التنبيه الثالث من الشبهة الحكمية التحريمية بقوله لا اشكال فى رجحان الاحتياط عقلا ونقلا.

قوله كما لا ينبغى الارتياب فى استحقاق الثواب فيما اذا احتاط واتى أو ترك بداعى الاحتمال الامر او النهى.

قد ذكر الامر الاول الذى اشار اليه المصنف ويبيّن الامر الثانى الذى اشار اليه.

بقوله لا ينبغى الارتياب الخ.

توضيحه انه لا ينبغى الارتياب فى استحقاق الثواب على الاحتياط فى كل من الشبهة الوجوبية والتحريمية كما اذا أتى بالفعل باحتمال امر المولى أو تركه باحتمال نهيه وذلك لانه انقياد للمولى بل استحقاق الثواب عليه اولى من استحقاق العقاب على ترك الاحتياط لان الامر فى جانب الثواب اوسع منه فى جانب العقاب ولذا لا يعاقب الا بالاستحقاق ولكن ربما يثاب بدونه بل بالتفضل.

٣٦٠