هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

العلم كمال فيجب عقلا.

الدليل الثانى قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) تقريب الاستدلال بالآية الشريفة بعد البناء على تفسير يعبدون بيعرفون كما حكى اتفاق المفسرين عليه : ان الغاية المطلوبة من الخلقة هى معرفة وهى مطلقة ومقتضى اطلاقها عدم اختصاص وجوبها بذاته تعالى وبصفاته وبالنبى والامام عليهما‌السلام كما تقدم ففى كل مورد شك فى وجوب تحصيل المعرفة فيه يتمسك بالاطلاق.

الثالث قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وما اعلم شيئا بعد المعرفة افضل من هذه الصلوات الخمس وجه الاستدلال ان الصلوات الخمس واجبة جعلت متأخرة عن المعرفة فيعلم من وجوبها وجوب المعرفة فمقتضى اطلاقه جواز التمسك فى موارد الشك فى وجوب المعرفة قال صاحب الكفاية ولا دلالة لمثل قوله تعالى (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ) الخ.

أى قال صاحب الكفاية لا يصلح هذا لوجوب المعرفة مطلقا وكذا النبوى لا يدل على وجوب المعرفة مطلقا واما الآية الشريفة فلان المعرفة تختص به تعالى لا تعم غيره لان النون فى لا يعبدون للوقاية وقد حذف ياء المتكلم فلا اطلاق فيه حتى يستدل به على وجوب المعرفة مطلقا واما النبوى فلانه ليس فى بيان حكم المعرفة حتى يكون له اطلاق يؤخذ فى مورد الشك فى وجوب المعرفة بل انما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات الخمس وانها افضل سائر الواجبات بعد المعرفة وكذا آية النفر لا تدل على وجوب المعرفة أى ليست بصدد بيان موضوع التعلم حتى يكون اطلاقه قاضيا

٢٨١

بعدم الاختصاص ببعض الموارد بل انما هى بصدد بيان ما يجعل وسيلة الى التفقه.

قد بقى البحث من السابق وهو ان وجوب المعرفة اما ان يكون من باب شكر المنعم فهو واجب نفسى قد مرّ تفصيله واما يكون واجبا غيريا أى كان وجوب المعرفة غيريا من باب دفع ضرر المحتمل أى وجوب المعرفة كان مقدمة لدفع الضرر

ويذكر هنا لتوضيح وجوب المعرفة من باب دفع ضرر المحتمل كلام امير المؤمنين (ع) حاصله سئل الشخص الملحد عنه (ع) لم تتحملوا هذه المشقة من الصلاة والصوم وافعال اخرى قال (ع) فى الجواب ان كانت هذه الافعال مطابقة للواقع فنحن ندرك المرتبة العليا وان لم تكن مطابقة للواقع فلا ضرر لنا.

بعبارة شيخنا الاستاد شخص ملحد نزد على (ع) آمد گفت اين چه كارى است كه شما وقت خود را به مشقت مى گذرانيد حضرت در جواب فرمود من اين كار را انجام مى دهم اگر درست از كار برآمد اين حرفهاى من پس فائده كرده ام والا ضرر ندارد.

فثبت وجوب المعرفة اما من باب شكر المنعم فهو واجب نفسى واما من باب دفع الضرر المحتمل فهو واجب غيرى.

قوله انه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا أو شرعا الخ.

كان البحث فى الاصول الاعتقادية قد ذكر انه يجب المعرفة فى الموارد الثلاثة أى التوحيد والنبوة والامامة اعنى ان وجوب المعرفة فى الموارد المذكورة عقلى واما وجوب المعرفة فى غير

٢٨٢

هذه الموارد شرعى قد ذكر ان اصالة البراءة من وجوب المعرفة فى مورد الشك محكمة.

واما الشيخ فقد استدل لوجوب المعرفة بالادلة العامة كقوله تعالى (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) قد ثبت ان وجوب المعرفة تابع للدليل ولا يجوز قيام الظن مقام العلم فى الاصول الاعتقادية بل لا بد الاعتقاد بما هو الواقع عند انسداد باب العلم قال صاحب الكفاية انه لا يجوز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلا لان الظن ليس بمعرفة عقلا واما مع العجز عن تحصيل المعرفة فكان معذورا ولزم الاعتقاد بما هو واقع هذا اذا كان عن قصور لغفلة أو لغموضية المطلب أى بعده عن الذهن مع قلة الاستعداد واما اذا كان الجهل عن تقصير فى الاجتهاد ولو لاجل حب الآباء والاجداد لان حب الشىء يعمى ويصم كما يقال قال فخر رازى وان كنت عالما بحقية على ولكن حب الآباء والاجداد يمنع من اطاعته هذا حكم الجاهل المقصر واما اذا كان الشخص جاهلا قاصرا جاز له الاكتفاء بالظن فى الاصول الاعتقادية.

قوله والمراد من المجاهدة فى قوله تعالى (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا).

هذا جواب عن الاستدلال بالآية المذكورة على عدم وجود القاصر وجه الاستدلال ان الآية الشريفة تدل على انه من جاهد فى سبيله تعالى بتحصيل المعرفة بالله وانبيائه واوليائه فقد هداه الله تعالى وجعل له مخرجا الحاصل ان المكلف اما عالم مؤمن وهو المجاهد فى سبيل ربه لتحصيل المعرفة واما الجاهل المقصر فهو

٢٨٣

كافر وتارك للمجاهدة بتحصيل المعرفة.

توضيح الجواب عن هذا الاستدلال على مذهب صاحب الكفاية ان المراد بالمجاهدة هو جهاد النفس بتخلية النفس عن الرذائل وتحليتها بالفضائل ومن المعلوم انه تعالى وعده بهدايته لسبيله لانه قد سلك اليه ولا خلف لوعده تعالى وليس المراد من المجاهدة فى الآية الشريفة الاجتهاد والنظر فى المطالب العلمية حتى تكون المجاهدة مؤدية الى الواقع ولا يقع فيها الخطاء اصلا اذ لو كان المقصود من المجاهدة النظر فى المطالب العلمية لزم بمقتضى قوله تعالى (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) اصابة الاجتهاد بالواقع دائما مع وضوح التخلف فى كثير من الاجتهادات وهذا التخلف شاهد على ان المقصود من الآية المباركة هو الحث على مجاهدة النفس بترك العمل بمشتهياتها لا الترغيب على خصوص تحصيل العلم.

قوله ثم لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم الخ.

أى استدل بعض على وجوب تحصل الظن فى اصول الدين عند انسداد باب العلم حاصل هذا الاستدلال ان العقل يستقل بلزوم تحصيل الظن.

واجاب المصنف عن هذا الاستدلال بقوله ثم لا استقلال العقل بوجوب تحصيل الظن الخ حاصله انه مع انسداد باب العلم فى الامور الاعتقادية لا موجب للتنزل الى الظن فيها لامكان عقد القلب على ما هو واقعها فيها وعليه فلا استقلال للعقل بحجية الظن فى الاعتقاديات وهذا بخلاف الامور العملية فان امتثال الاحكام الفرعية

٢٨٤

موقوف على العلم بمطابقة العمل لمتعلق الحكم واما فى زمان الانسداد فيرجع الى الظن.

قوله كذلك لا دلالة من النقل على وجوبه الخ.

هذا معطوف على قوله لا استقلال للعقل بلزوم تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم فى الاعتقاديات كذلك لا دلالة للنقل على وجوب تحصيل الظن عند تعذر العلم بل فى النقل ما يدل على عدم الجواز بالرجوع الى الظن عند الانسداد وهو ما دل على النهى عن متابعة الظن.

قوله لا يصغى الى ربما قيل بعدم وجود القاصر الخ.

قد سبق وجه بطلان هذا القول فيما سبق عند قوله والمراد من المجاهدة فى قوله تعالى : (وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا) هو المجاهدة مع النفس بتخليتها عن الرذائل حاصل كلام المصنف هناك ان المراد بالمجاهدة هو جهاد النفس الموصوف فى الاخبار بالجهاد الاكبر بتخلية النفس عن الرذائل ومن المعلوم انه تعالى وعده بهداية لسبيله وليس المراد من المجاهدة فى الآية الشريفة الاجتهاد والنظر فى المطالب العلمية التى منها اصول الدين حتى يكون المجاهدة مؤدية الى الواقع ولا يقع فيها الخطاء اصلا اذا كان الامر كذلك ثبت فى المكلفين الجاهل القاصر لكن ثبت معذوريته وعدم عقابه.

قوله الثانى الظن الذى لم يقم على حجيته دليل يجبر به ضعف السند أو الدلالة الخ

هذا هو الامر الثانى من الأمرين الذين ذكرهما استطرادا

٢٨٥

واعلم ان الظن على ثلاثة اقسام الاول ما قام الدليل على حجيته الثانى ما قام الدليل على عدم حجيته الثالث ما لم يقم الدليل على حجيته ولا على عدم حجيته وكان عدم اعتباره بمقتضى الاصل الاولى المقتضى لحرمة العمل بالظن من دون قيام الدليل على حجيته لا بالخصوص ولا بدليل الانسداد حتى يخرج من تحت الاصل الاولى هذا كالشهرة فى الفتوى والاولوية الظنية والاستقراء أى لم يقم الدليل على حجية هذه الظنون.

فقد اختلفوا فيه بان هذا الظن غير المعتبر هل يكون جابرا لضعف الرواية أو دلالتها أى بحيث يوجب حجية الرواية سندا أو دلالة أو يكون موهنا لهما مثلا اذا كان الخبر صحيحا ولكن قام الظن غير المعتبر على خلافه فهل هذا الظن موهن لصحته وكاسر لسورة حجيته او يكون مرجحا لأحد متعارضين اذا كان على طبق أحدهما أم لا يكون كذلك أى لا يكون مرجحا لاحدهما.

قوله : ومجمل القول فى ذلك ان العبرة فى حصول الجبران الخ.

أى مجمل ما افاده المصنف فى هذا المقام ان المعيار فى الجبران هذا الظن غير المعتبر هو كونه موجبا لاندراج ما يوافقه من الخبر تحت دليل الحجية فان اوجب اندراجه فى دليل الحجية كان جابرا له مثلا اذا كان هناك خبر ليس بنفسه مظنون الصدور وفرضنا ان موضوع دليل الاعتبار هو الخبر المظنون الصدور مطلقا أى سواء حصل الظن بالصدور من نفس السند لوثاقة الرواة أم من غير السند كالظن غير المعتبر المبحوث عنه فى المقام الموافق للخبر المذكور كانت موافقة هذا الظن لهذا الخبر جابرة لضعف سنده لانها موجبة لاندراج الخبر المذكور تحت موضوع

٢٨٦

دليل الاعتبار.

وكذا ترجيح مضمون احد الخبرين المتعارضين على الآخر فان المعيار أيضا فى ترجيح أحدهما لاجل موافقته لهذا الظن غير المعتبر على الآخر هو اندراج ما يوافقه تحت دليل الاعتبار والحجية فان وجبت موافقته للظن المذكور دخوله تحت دليل الحجية كانت مرجّحة له كما ان المعيار فى الوهن بهذا الظن غير المعتبر هو خروج ما يخالفه من الخبر المعتبر أى عن دليل الاعتبار والحجية فان اوجبت مخالفة الخبر لهذا الظن غير المعتبر خروجه من موضوع دليل الاعتبار كان هذا الظن موهنا له أى ان قلنا ان الظن غير المعتبر كان موجبا لخروج ما يخالفه عن موضوع دليل الاعتبار فهو موهن لما يخالفه.

قوله : وعدم جبر ضعف الدلالة بالظن بالمراد.

أى بيّن المصنف اولا جبر الضعف الدلالة والسند بالظن غير المعتبر وبيّن هنا عدم جبر ضعف الدلالة والسند بالظن المذكور ولا يخفى ان مذهب المصنف عدم جبر ضعف السند والدلالة بالظن غير المعتبر بل قال المصنف ان اطلاق التخيير فى باب التعارض محكم واما الشيخ فعمل بالمرجحات بل عدى الى المرجحات غير المنصوصة الآن يذكر وجه عدم جبر ضعف الدلالة بالظن غير المعتبر.

توضيحه ان دليل حجية مختص بحجية الظهور اللفظ فى تعيين المراد بمعنى انّ الظن بالمراد ان استند الى ظهور اللفظ فذلك حجة بمقتضى ادلة اعتبار ظهورات وان استند الى غيره من الظن الحاصل من امارة خارجية كما هو المبحوث عنه فى المقام فلا

٢٨٧

دليل على اعتباره فليس الظن بالمراد جابرا لضعف الدلالة اذ لا يندرج بذلك فى حيّز دليل الحجية.

مثلا ان المعيار فى الجبر هو شمول دليل الحجية له كقوله عليه‌السلام فى الغنم السائمة زكاة فدلالته على عدم وجوب الزكاة فى المعلوفة ضعيفة لقوة عدم حجية المفهوم الوصف فاذا قامت الشهرة الفتوائية على عدم وجوبها فى المعلوفة يظن بذلك ارادة عدم وجوبها من قوله عليه‌السلام فى الغنم السائمة زكاة لكن هذا الظن بمراد الشارع لم ينشأ من ظهور اللفظ فيه بل من الخارج وهو الشهرة فلا ينجبر ضعف دلالة المفهوم على عدم وجوب الزكاة فى المعلوفة أى لا تكون الشهرة موجبة لانجبار ضعف المفهوم الحاصل ان ضعف الدلالة والسند لا ينجبر بالظن غير المعتبر.

قوله : وعدم وهن السند بالظن بعدم صدوره الخ.

أى قد بيّن عدم جبر ضعف الدلالة بالظن غير المعتبر الآن يذكر عدم وهن السند بالظن غير المعتبر الحاصل ان الظن غير المعتبر لا يوهن السند ولا الظهور لعدم تقييد اطلاق ادلة اعتبارهما بعدم قيام الظن على خلافهما فلا يكون الظن غير المعتبر موهنا لهما الا اذا كشف الظن عن ثبوت خلل فى السند أو وجود قرينة مانعة عن انعقاد ظهور اللفظ فيما يكون اللفظ ظاهرا فيه فعلا الظاهر ان الدليل مطلق على حجية الظهور والسند أى لم يقيد على عدم الظن على خلافهما.

قوله : واما الترجيح بالظن فهو فرع دليل على الترجيح به الخ.

٢٨٨

هذا شروع فى بيان الترجيح بالظن غير المعتبر وعدمه وحاصل ما افاده هو عدم كون الظن غير المعتبر مرجحا لاحد متعارضين لعدم الدليل على الترجيح به بعد كون المرجحية كالحجية منوطا بقيام الدليل عليها فالظن غير المعتبر لم يكن الدليل على حجيته.

توضيح ما ذكر قد ذكر فى الامر الثانى ان الظن غير المعتبر لم يقم الدليل على حجيته فهو باق تحت الاصل الاولى أى الاصل الاولى هو عدم حجية الظن الا ما خرج بالدليل ويبحث هنا ان الظن غير المعتبر يصلح كونه جابرا للسند وأيضا هل يكون هذا الظن موهنا للسند أو الدلالة أم لا وأيضا هل يكون مرجحا عند تعارض الخبرين مثلا أحد الخبرين دال على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال والآخر دال على عدم وجوبه عندها والشهرة دالة على عدم وجوب الدعاء أيضا فهل يكون الشهرة مرجحة الخبر الذى هو دال على عدم وجوب الدعاء أم لا.

واعلم ان حجية الخبر اذا كانت من باب طريقية فالحكم فى صورة التعارض هو التساقط واما اذا كان حجية الخبر من باب السببية فالحكم هو ترجيح احد الخبرين بالمرجحات المنصوصة قال المصنف والمرجحات انما تكون من باب الاستحباب فيعلم من هذا عدم اعتناء الشارع فى المرجحات هذا سبب لحكم المصنف على ان اطلاقات التخيير محكمة والعمل بالمرجحات انما يكون من باب الاستحباب.

واما الشيخ فيعمل بالمرجحات بل تعدى الى المرجحات غير المنصوصة قال المصنف فى جواب الشيخ اولا ان الترجيح لم يثبت

٢٨٩

اذا كانت حجية الخبر من بالطريقية وقال فى جواب الشيخ ثانيا انه اذا كان حجية الخبر من باب السببية فلم يجز التعدى من المرجحات المنصوصة ولم يثبت حجية الظن فى باب الترجيح واما دليل الانسداد فانما يثبت حجية الظن فى الاصول والفروع ولم يدل على حجية الظن فى باب الترجيح لكن الشيخ قائل على حجية الظن فى باب الترجيح بدليل الانسداد واستدل على انسداد باب العلم فى هذا المورد فيثبت بحكم العقل الترجيح بالظن عند انسداد باب العلم قد اجيب عن هذا الاستدلال بان باب العلم لم يكن منسدا فى باب الترجيح لوجود المرجحات المنصوصة فيه.

واعلم ان الظن يصير سببا لتعيين المرجح ولم يكن نفسه مرجحا يبحث الآن فى الظن الذى قام الدليل على عدم حجيته كالقياس فلم يكن هذا الظن جابرا للسند ولا موهنا له أى يكون هذا الظن منهيا عنه لان الشارع نهى عن استعمال هذا الظن مطلقا.

ولا يخفى ان البحث المذكور فيما تقدم كان فى الظن الذى لم يقم الدليل على حجيته فيمكن ان يثبت بهذا الظن حجية الخبر مظنون الصدور أو مظنون الحجية وكان جابرا للسند بهذا النحو واما اذا ثبت حجية الخبر العادل بالدليل وكان فى مقابل هذا الخبر خبر غير عادل فلم يكن الظن غير المعتبر سببا لحجية خبر غير عادل وغير ثقة وكذا لم يكن هذا الظن سببا لترجيح أحد المتعارضين.

٢٩٠

المقصد السابع فى الاصول العلمية

المراد منها هو الوظائف الذى لم يكن له طريق معتبر الى الواقع بعبارة اخرى المراد منها هو وظيفة المكلف فتعلقت عليه عند عدم الدليل فالمراد من الاصول العملية هى القواعد التى ينتهى اليها فى مقام العمل اذا عجز المكلف لاستنباط الاحكام الشرعية فهو متمسك بهذه الاصول وتسمّى الدليل الفقاهتى ويسمى الحكم الذى يستفاد منها الحكم الظاهرى.

واما الامارة يستفاد منها الحكم الواقعى فتسمى الدليل الاجتهادى والمهم من هذه الاصول فى مقام البحث اربعة وهى الاستصحاب والتخيير والبراءة والاشتغال وقد عبر عنه المصنف بالاحتياط فيرجع المكلف الى الاصول العلمية عند عدم الظفر على الدليل الاجتهادى ويجيء فى محله ان البراءة تجرى فى الموضع الذى كان الشك فيه على التكليف الالزامى أى الوجوب والحرمة والبراءة اما عقلى من باب قبح عقاب بلا بيان واما شرعى واما الاستصحاب فهو شرعى على قول المصنف ويجيء تفصيل هذه الاصول فى محلها ان شاء الله.

قال صاحب الكفاية والمهم منها اربعة واما غيرها من اصالة العدم واصالة الحلية واصالة الحظر واصالة عدم الدليل دليل العدم فقد قيل باندراجها فى الاصول العملية المذكورة.

واما مثل قاعدة الطهارة فيما اشتبه طهارته بالشبهة الحكمية فهى مما ينتهى اليها فيما لا حجة على طهارته ولا على نجاسته لكن لم يكن البحث عن قاعدة الطهارة بمهم حاصل كلام المصنف يرجع الى وجهين.

٢٩١

الاول ان حجية اصالة الطهارة لا تحتاج الى النقض والابرام بل هى ثابتة عند الكل فلا حاجة الى البحث عنها بخلاف الاصول الاربعة المذكورة فانها محل البحث وتحتاج الى النقض والابرام.

الثانى ان قاعدة الطهارة مختصة ببعض أبواب الفقه أى باب الطهارة والنجاسة بخلاف غيرها من الاصول الاربعة فانها عامة لجميع أبواب الفقه.

واشكل على الوجه الثانى بلفظ فافهم لعله اشارة الى عدم صلاحية الوجه الثانى دليلا لترك البحث عن قاعدة اصالة الطهارة لان الاختصاص ببعض الابواب لم يكن موجبا للاهمال وإلا لزم خروج جملة من المسائل الاصولية عن علم الاصول كالبحث عن دلالة النهى عن العبادة على الفساد.

البحث فى اصالة البراءة

فصل لو شك فى وجوب الشىء او حرمته ولم تنهض عليه الحجة جاز عقلا وشرعا ترك الاول وفعل الثانى.

ولا يخفى ان المراد بالشك فى الوجوب هو الشك فيه مع العلم بعدم حرمته كالدعاء عند رؤية الهلال كما ان المراد بالحرمة هو الشك فيها مع العلم بعدم وجوبه كشرب التتن واما مع العلم الاجمالى بالوجوب أو الحرمة فيكون من دوران الامر بين المحذورين ويجرى فيه التخيير.

الحاصل انه اذا لم يقم الدليل على وجوب الشىء أو حرمته جاز شرعا ترك مشكوك الوجوب وفعل مشكوك الحرمة واعلم ان

٢٩٢

عدم اقامة الحجة اما يكون لاجل فقدان النص أو اجماله أو تعارض نصين الظاهر ان الرجوع الى الاصل فى باب التعارض انما يكون فى صورة عدم المرجح لاحد النصين المتعارضين اذ لو ثبت الترجيح بينهما فالمتعين الاخذ بالراجح وكذا انما يكون الرجوع الى الاصل فى باب التعارض بناء على التوقف فى مسئلة التعارض واما بناء على التخيير فى هذه المسألة فلا بد من الاخذ باحد المتعارضين دون الرجوع الى الاصل.

قوله وقد استدل على ذلك بادلة الاربعة الخ.

اى قد استدل على البراءة بالكتاب ومن الآيات التى استدل بها عليها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) ووجه الاستدلال انه اريد من الموصول الحكم الواقعى أى لا يكلف الله نفسا الا الحكم الواقعى الذى أتاه واعلنه فتدل هذه الآية على البراءة عن الحكم الواقعى قبل الاعلان.

ومنها قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) وجه الاستدلال ان اطاعة الحكم المجهول خارجة عن وسع المكلف فتجرى البراءة عن الاحكام المجهولة.

ومنها قوله تعالى (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَ) ومعنى الآية أى ليهلك من ضل بعد قيام الحجة عليه فتكون حياة الكافر وبقاؤه هلاكا له : ويحيى من اهتدى بعد قيام الحجة عليه فيكون من بقى على الايمان حياة له والمراد عن بينة أى بعد البيان والاعلام فتجرى البراءة قبلهما.

٢٩٣

قوله اظهرها قوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وجه اظهرية هذه الآية بالاستدلال على البراءة ان همّ الاصولي تحصيل ما يؤمنه من العقاب على مخالفة التكليف المجهول ولا ريب فى ظهور هذه الآية الشريفة فى نفى العذاب قبل تبليغ الاحكام.

واعلم ان الاستدلال بالآية المذكورة على البراءة يتوقف على ان المراد ببعث الرسول تبليغ الاحكام وايصالها الى العباد لان الغرض من بعثه ذلك فصح جعل بعثه كناية من بيان الاحكام بذكر الملزوم وارادة اللازم.

الحاصل ان الاستدلال بالآية الشريفة يتوقف على كون المراد ببعث الرسول تبليغ الاحكام وبيانها العباد لا مجرد بعثه بما هو بعث وعليه فلو بعث الرسول ولكن لم يبين الحكم من الاحكام فلا تعذيب فى مخالفته اصلا :

قوله وفيه ان نفى التعذيب قبل اتمام الحجة ببعث الرسل لعله كان منة منه تعالى على عبادة الخ.

وجه الاشكال والمنع عن الاستدلال بالآية المباركة ان نفى الفعلية ليس لازما مساويا لنفى الاستحقاق حتى يدل نفيها على نفيه كما كان ذلك مبنى الاستدلال على البراءة بل نفى الفعلية اعم من كونه لعدم الاستحقاق أو لتفضله تعالى على عباده مع استحقاقهم للتعذيب فلا يصح الاستدلال بالآية الشريفة على البراءة.

قوله ولو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية لما صح الاستدلال بها الا جدلا.

أى قد انكر المصنف بين الفعلية والاستحقاق الذى هو مبنى

٢٩٤

الاستدلال بالآية على البراءة قال ولو سلم اعتراف الخصم أى يعترف بالملازمة بين الاستحقاق والفعلية فينتفى الاستحقاق بانتفاء الفعلية فاذا دلت الآية على نفى الفعلية صح الاستدلال بها على البراءة فدفع المصنف هذا الاستدلال بقوله لما صح الاستدلال بها الا جدلا أى ان الاستدلال على البراءة بالآية الشريفة يكون حينئذ جدليا فلا يجدى.

واعلم ان الجدل لغة هو اللجاج فى الخصومة بالكلام مقارنا غالبا لاستعمال الحيلة الخارجة احيانا عن العدل والانصاف ولذا نهت الشريعة الاسلامية عن المجادلة لا سيما فى الحج والاعتكاف.

واما الجدل فى اصطلاح اهل المنطق هو صناعة علمية يقتدر معها حسب الامكان على اقامة الحجة من المقدمات المسلمة بعبارة اخرى الجدل صناعة تمكن الانسان الحجج المؤلفة من المسلمات أى الجدل انما يطلب به المجادل الزام الخصم بالمقدمات المسلمة سواء كانت مسلمة عند الجمهور وهى المشهورات العامة والذائعات ام مسلمة عند طائفة خاصة يعترف بها الخصم ام مسلمة عند شخص الخصم خاصة.

اذا عرفت معنى الجدل لغة واصطلاحا رجعنا الى ان الاستدلال على البراءة بالآية الشريفة جدلي فلا يجدى فى اثبات المدعى نعم يثبت الدعوى باعتقاد الخصم أى اعتقاده على الملازمة بين الاستحقاق والفعلية بعبارة اخرى كانت الملازمة مسلمة عند الخصم وهى لا تنفع الاصولي الذى ينكر الملازمة بين نفى فعلية العذاب ونفى الاستحقاق كان هذا الجواب بفرض اعتراف الخصم

٢٩٥

بالملازمة قال صاحب الكفاية مع وضوح منعه أى لم يظهر وجه اعتراف الخصم بالملازمة لان مورد الشبهة لا يزيد على المعصية الحقيقية أى الخصم لم يقل بالملازمة بين الاستحقاق والمعصية الحقيقية فكيف يعترف بالملازمة بين الفعلية والاستحقاق فى مورد الشبهة.

بعبارة اخرى ان الخصم لا يدعى الملازمة بين الاستحقاق والفعلية فى المعصية القطعية لامكان تعقيبها بالتوبة أو الشفاعة فكيف يدعيها فى الشبهة قال المصنف والحال ان الوعيد بالعذاب فيما شك فى وجوبه أو حرمته ليس الا كالوعيد بالعذاب فيما علم وجوبه أو حرمته وان ارتكاب الشبهة ليس باسوأ حالا من المعصية الحقيقية فى عدم فعلية العذاب.

فى الاستدلال بالسنة على البراءة

قوله واما السنة فروايات منها حديث الرفع حيث عد مما لا يعلمون من التسعة المرفوعة الخ.

فالاستدلال بهذا الحديث الشريف على البراءة مبنى على ارادة الحكم من الموصول فيما لا يعلمون فالرفع تعلق بنفس الالزام المجهول الواقعى فى مرحلة الظاهر كما قال المصنف فهو مرفوع فعلا أى ظاهرا فلا مؤاخذة على الالزام المجهول لترتب استحقاق المؤاخذة على مخالفة الحكم المنجز والمفروض انتفاء هذه المرتبة فى الحكم المجهول فيجرى اصالة البراءة فى الحكم المجهول.

٢٩٦

قوله : لا يقال ليست المؤاخذة من الآثار الشرعية الخ.

والغرض من هذا الكلام ان اصالة البراءة التى من الاصول العلمية لا تنفى الا الآثار الشرعية والمؤاخذة ليست منها لان نفسها من الامور التكوينية واستحقاقها من الاحكام العقلية فلا ترفع المؤاخذة باجراء البراءة فلا دلالة لحديث الرفع على ارتفاع المؤاخذة فاجاب عن هذا الاشكال.

بقوله : فانه يقال انها وان لم تكن بنفسها أثرا شرعيا الخ.

توضيح هذا الجواب ان اصالة البراءة نافية ظاهرا استحقاق المؤاخذة كما ينتفى استحقاقها بعدم الحكم واقعا والحاصل ان المرتفع فيما لا يعلمون هو ايجاب التحفظ على وجه لا يقع فى الحرام الواقعى ويلزمه ارتفاع العقاب واستحقاقه فالمرتفع اولا وبالذات امر مجعول يترتب عليه ارتفاع امر غير مجهول.

بعبارة اخرى ان المؤاخذة تصير موردا لاصالة البراءة بتوسيط ايجاب الاحتياط أى ايجاب الاحتياط أثر شرعى اذا صحت اصالة البراءة فى هذا الاثر الشرعى لزم اجراء اصالة البراءة عن استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف كما قال صاحب الكفاية فالدليل على رفعه دليل على عدم ايجابه أى الدليل على رفع التكليف المجهول دليل على عدم ايجاب الاحتياط فهو مستلزم لعدم استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف المجهول بعبارة اخرى تجرى اصالة البراءة عن المؤاخذة بتوسط جريان اصالة البراءة على وجوب الاحتياط فصح الاستدلال على اصالة البراءة بحديث الرفع.

٢٩٧

هنا اشكال آخر على الاستدلال بحديث الرفع بين المصنف هذا الاشكال بلفظ لا يقال بقوله لا يقال لا يكاد يكون ايجابه مستتبعا لاستحقاقها الخ.

بيان هذا الاشكال الثانى ان رفع ايجاب الاحتياط لا يوجب رفع المؤاخذة على التكليف المجهول بل يوجب رفعها على نفسه أى يكون رفع ايجاب الاحتياط مستلزما لرفع المؤاخذة على نفس التكليف لان شأن الوجوب المولوى هو استحقاق المؤاخذة على مخالفته فوجوب الاحتياط لما كان علة لاستحقاق المؤاخذة على مخالفة نفسه كان رفع وجوبه علة لارتفاع المؤاخذة على نفس وجوب الاحتياط لا الارتفاع المؤاخذة على التكليف المجهول وحينئذ فلا يدل رفع ايجاب الاحتياط على رفع المؤاخذة على التكليف المجهول كما ان المؤاخذة هو مقتضى مخالفة غير الاحتياط من الواجبات كالصلاة ونحوها.

قوله فانه يقال هذا لم يكن ايجابه طريقا الخ.

حاصل هذا الجواب ان الوجوب على قسمين نفسي وطريقي فاستحقاق العقوبة فى الوجوب النفسى مختص على مخالفة نفسه اما الوجوب الطريقى فهو تابع للواقع فلا مؤاخذة فى نفسه وانما فائدة المؤاخذة على مخالفة الواقع عند الاصابة كما هو الحال فى جميع الاوامر الطريقية عند الاصابة وكذا الحال فى وجوب العمل بالامارة من باب الطريقية فظهر من البيان المذكور ان تشريع وجوب الاحتياط انما كان لاجل التحفظ على الواقع عند الجهل به فهو نظير الايجاب الطريقى للامارات بناء على القول بوجوبها من

٢٩٨

الباب الطريقية فان فائدته ليست الا تنجيز الواقع عند الاصابة والعذر عند الخطأ ولا يترتب على نفس الطريق غير ما يترتب على موافقة الواقع ومخالفته فللمولى مؤاخذة العبد اذا خالف الواقع بترك الاحتياط فيه فصح المؤاخذة على مخالفة التكليف المجهول بترك الاحتياط كصحة مؤاخذة على مخالفة الطريق المصيب.

قوله ضرورة انه كما يصح ان يحتج بهما صح ان يحتج به الخ.

هذا بيان لتشبيه وجوب الاحتياط على وجوب الطريقى توضيحه ان ايجاب الاحتياط لتنجيز الواقع كالايجاب والتحريم الطريقيين فى صحة الاحتجاج والمؤاخذة وعدم كون العقاب معه عقابا بلا بيان بل المؤاخذة مع الحجة والبرهان فكان ايجاب الاحتياط من حيث كونه حجة على الواقع مثل الايجاب والتحريم الطريقيين.

فالتكليف وان لم يخرج بتمام الجهات عن الاستتار بل هو باق على المجهولية لكنه خرج عن التكليف المجهول الذى لم يقم عليه الحجة وصار مما قام عليه البرهان أى كان ايجاب الاحتياط كاقامة البرهان على التكليف كمان ايجاب العمل بالامارة انما يكون لاجل كونها برهانا على التكليف فان اقدم المكلف على التكليف اشتبه بالحرمة فيقال له : لم : اقدمت عليه مع ايجاب الاحتياط فيخرج بايجابه عن العقاب بلا بيان والمؤاخذة بلا برهان كما يخرج بالايجاب والتحريم الطريقيين عن ذلك.

وقد انقدح بذلك ان رفع التكليف المجهول كان منه على الامة الخ.

أى قد ظهر ان التكليف المجهول مقتض لايجاب الاحتياط

٢٩٩

وهو مستلزم لاستحقاق المؤاخذة على هذا التكليف لان ايجاب الاحتياط طريق اليه اذا جعل حديث الرفع موجبا لرفع الاحتياط الذى كان طريقا الى التكليف المجهول فهو مستلزم لرفع هذا التكليف فهو منة على الامة حيث كان له تعالى وضع التكليف المجهول بوضع ايجاب الاحتياط وذلك لان الحكم الواقعى يقتضى فى ظرف الجهل ايجاب الاحتياط لحفظه.

قوله ثم لا يخفى عدم الحاجة الى تقدير المؤاخذة ولا غيرها من الآثار الشرعية الخ.

أى توضيح تعريض المصنف انه لا حاجة الى التقدير فى ما لا يعلمون بعد امكان ارادة نفس الحكم الشرعى من الموصول لان الحكم بنفسه قابل للوضع والرفع سواء كان منشأ الجهل به فقد النص ام اجماله ام الاشتباه فى الامور الخارجية فيشمل الشبهة الحكمية والموضوعية فيكون حديث الرفع بهذا التقرير دليلا على اصالة البراءة فى الشبهات الحكمية والموضوعية.

نعم حديث الرفع بالنسبة الى غير ما لا يعلمون يحتاج الى التقدير أو المجاز فى اسناد الرفع اليه مثلا رفع ما اضطروا أو ما استكرهوا فلا بد فيهما اما من تقدير المؤاخذة ونحوها أو المجاز فى الاسناد حفظا لكلام الحكيم عن الكذب بعبارة اخرى ان رفع نفس عنوان الاضطرار والاستكراه مستلزم للكذب لتحققهما خارجا فلا بد من التقدير أو المجاز فى الاسناد فثبت الاستدلال بحديث الرفع لجريان اصالة البراءة فى الشبهة الحكمية والموضوعية.

٣٠٠