هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

فظهر ان المراد بجزء الماهية ما ينتفى بانتفائه الماهية كاجزاء الواجبة والمراد بجزء الفرد ما ينتفى بانتفائه الفرد كاجزاء المستحبة مثلا اذا اشترط فى الصلاة المستحبة السورة المخصوصة فبانتفائها تنتفى هذه الصلاة.

واما الطبيعة الواجبة فهى صادقة عند وجود الفرد كما ان وجود الكلى الطبيعى بوجود افراده ولا تضر المشخصات الفردية فى وجود الكلى الطبيعى وكذا فى المقام مثلا الصلاة جماعة فى المسجد من مشخصات الفرد ويصدق الطبيعى عليه فظهر من البيان المذكور ان الاتيان بالاكثر يصح مع قصد الوجه فى صورة دوران الامر بين الاقل والاكثر الارتباطيين.

قوله نعم لو دار بين كونه جزءا ومقارنا لما كان منطبقا عليه بتمامه الخ.

هذا استدراك على قوله لان الطبيعى يصدق على الفرد توضيح هذا الاستدراك انه اذا دار امر المشكوك فيه بين كونه جزءا مطلقا للماهية أو الفرد وبين كونه خارجا واجنبيا عن العبادة لم ينطبق عليه الطبيعى بتمامه اذ المشكوك على تقدير عدم جزئيته خارج عن صميم الفعل العبادى وان لم يكن منافيا له وانما هو لغو ولكن ينطبق الواجب على المأتيّ به فى الجملة أى على الاجزاء المعلومة وهو كاف فى صحة العبادة.

قوله مع أنّه لو قيل باعتبار قصد الوجه فى الامتثال فيها على وجه الخ.

هذا هو الوجه الخامس من الاشكالات على كلام الشيخ توضيحه

٤٤١

ان قصد الوجه الذى يتوقف عليه حصول الغرض الداعى الى الامر لا يخلو اما ان يكون شرطا فى حصوله مطلقا حتى مع تعذر الاتيان به من جهة تردد المأمور به بين الاقل والاكثر المانع من تحقق قصد الوجوب واما ان يكون مقيدا بصورة التمكن منه.

فعلى الأول يلزم سقوطا التكليف من اصله لتعذر شرطه وهو العلم بوجوب كل جزء تفصيلا ولا يفيد العلم الاجمالى التنجيز اصلا حتى بالنسبة الى الاقل لان المفروض عدم حصول الغرض لا به ولا بالاكثر فلا عقاب على تركه حتى يجب التخلص منه بفعل الاقل.

فرد قول الشيخ أى انه قائل بوجوب اتيان الاقل لكن على قول المصنف لا يفيد العلم الاجمالى فى تنجيز التكليف فى صورة اشتراط قصد الوجه فى حصول الغرض حتى مع تعذر اتيان به وهو من جهة تردد المأمور به بين الاقل والاكثر.

وعلى الثانى يلزم سقوط قصد الوجه عن الاعتبار وعدم توقف حصول الغرض عليه لان المفروض فى هذه الصورة ان يكون قصد الوجه مقيدا بصورة التمكن منه والظاهر انه لا يتمكن فى صورة تردد الامر بين الاقل والاكثر : ولا بد حينئذ من تحصيل الغرض والعلم بحصوله منوط باتيان الاكثر فيجب عقلا فعله بداهة عدم احراز تحقق المصلحة والملاك بالاقل ولا مؤمن من تبعة التكليف المعلوم اجمالا فيحتاط المكلف بفعل كل ما يحتمل دخله فى حصول الغرض.

قوله واما النقل فالظاهر ان عموم مثل حديث الرفع قاض

٤٤٢

برفع جزئية ما شك فى جزئيته الخ.

أى ما تقدم من الاحتياط بلزوم اتيان الاكثر كان راجعا الى اثبات قاعدة الاشتغال بحسب حكم العقل فى الاقل والاكثر الارتباطيين وعدم جريان البراءة العقلية فيهما واما بحسب النقل فالمرجع هو جريان البراءة النقلية فيهما يعنى ان البراءة الشرعية تجرى فى جزئية ما شك فى جزئيته لشمول حديث الرفع لها فترفع به ويتعين الواجب فى الاقل بعد جريان البراءة النقلية عن الاكثر.

توضيح قول المصنف انما يجرى حديث الرفع والحجب فى وجوب الجزء المشكوك وجوبه وان وجوب الاكثر مما حجب علمه الحاصل ان المقتضى للبراءة الشرعية موجود وهو كون المرفوع مجعولا شرعيا مجهولا وفى رفعه منة : والمانع مفقود فان المانع اما هو العلم الاجمالى بالتكليف المردد بين الاقل والاكثر واما هو معارضة الاصل أى معارضة اصالة البراءة عن الاكثر مع اصالة عدم وجوب الاقل.

واما الاول فالارتفاع العلم الاجمالى لان هذه الاخبار حاكمة عليه وموجبة لانحلاله لان الشارع اخبر بنفى العقاب على ترك الاكثر المشكوك لو كان هو الواجب واقعا ومعه لا يحكم العقل بلزوم رعاية احتمال التكليف الالزامى فى الاكثر من باب المقدمة العلمية فظهر ارتفاع المانع الاول عن البراءة النقلية.

واما الثانى فلعدم كون الاقل موردا للاصل للعلم بوجوبه تفصيلا أى كذا مفقود المانع الثانى من معارضة الاصالة الشرعية

٤٤٣

مع اصالة عدم وجوب الاقل قد ذكر عدم كون وجوب الاقل موردا للاصل لان وجوبه قطعى.

قوله لا يقال ان جزئية السورة المجهولة مثلا ليست بمجعولة الخ.

هذا اشكال على جريان البراءة الشرعية فى وجوب الاكثر المشكوك فيه توضيح الاشكال ان البراءة انما تجرى اذا كان المجهول مجعولا شرعيا لان مجرى البراءة الشرعية على ما قرر فى محله لا بد من ان يكون مما تناله يد الوضع والرفع التشريعيين أى مجرى البراءة الشرعية ما يكون وضعه ورفعه بيد الشارع والمفروض ان الجزئية ليست اثرا شرعيا ولا مما يترتب عليه اثر شرعى فثبت انه لا مجال لجريان البراءة فى الجزئية.

قوله ووجوب الاعادة انما هو اثر بقاء الامر بعد العلم الخ.

هذا دعوى التوهم الى ان الجزئية مما يترتب عليه اثر شرعى وهو وجوب الاعادة على تقدير كون الواجب الواقعى هو الاكثر فالبراءة تجرى فى الجزئية بلحاظ اثرها وهو وجوب الاعادة.

وهذه الدعوى مدفوعة : اولا بان وجوب الاعادة اثر لبقاء الامر الاول أى الامر بالاكثر لا الجزئية لان الامر بنفسه ما لم يمتثل يقتضى الاعادة عقلا فالاعادة اثر لبقاء الامر الاول لا اثر الجزئية : وثانيا بان وجوب الاعادة لا يرتفع بمثل حديث الرفع لكونه عقليا من باب وجوب الاطاعة عقلا فثبت انه لا مجال للبراءة فى جزئية المشكوك فيه لعدم كونها اثرا شرعيا ولا مما له أثرا شرعى.

٤٤٤

قوله لانه يقال ان الجزئية وان كانت غير مجعولة بنفسها الخ.

هذا دفع الاشكال الذى ذكر بعبارة لا يقال ومحصل هذا الدفع ان الجزئية وان لم تكن مجعولة لكونها امرا انتزاعيا الا ان منشأ انتزاعها وهو الامر مجعول شرعى وهذا يكفى فى جريان البراءة فيها اذ المهم كون مجرى الاصل مما تناله يد الشارع وضعا ورفعا ولو بالواسطة أى لا فرق بين كون المجعول استقلاليا كاحكام التكليفية المستقلة وكونه تبعيا كاحكام الوضعية نظير الجزئية الشرطية وغيرهما فان الجزئية فى مقام البحث تابعة للمجعول الشرعى فيمكن رفعها برفع منشأ انتزاعها وهو تعلق الامر النفسى بالاكثر.

قوله لا يقال انما يكون ارتفاع الامر الانتزاعى برفع منشأ انتزاعه الخ.

أى هذا اشكال على كون الرفع بلحاظ الامر الذى هو منشأ انتزاع الجزئية توضيح هذا الاشكال انه بعد جريان اصالة البراءة فى الامر بالاكثر الذى هو منشأ انتزاع الجزئية ـ لا يبقى امر يتعلق بالاقل والمفروض عدم دليل آخر يدل على كون الواجب هو الاقل واصالة البراءة عن الاكثر لا تثبته الاعلى القول بحجية الاصول المثبتة أى يقال بان الامر بالاقل عقلا هو لازم لاصالة البراءة عن الاكثر ولم تكن الاصول المثبتة حجة على المشهور.

اذا علمت ما ذكر فلا وجه حينئذ لما افيد من ان عموم حديث الرفع يرفع الاجمال والتردد عن الواجب المردد بين الاقل والاكثر ويعينه فى الاقل والدليل على ذلك بداهة ارتفاع الامر باصل

٤٤٥

البراءة ولا امر آخر يدل على كون الواجب هو الاقل الخالي عما شك فى جزئيته.

الحاصل ان البراءة الشرعية لا تجرى حتى يثبت ان الواجب هو الاقل وينحل به العلم الاجمالى اذا لم يثبت كون الواجب هو الاقل ووجب الاحتياط عقلا باتيان الاكثر.

قوله لانه يقال نعم وان كان ارتفاعه بارتفاع منشأ انتزاعه الخ.

هذا جواب الاشكال المذكور بلفظة لا يقال توضيحه ان الوجه فى ثبوت الامر بالاقل ليس هو البراءة الشرعية حتى يقال ان هذا الاصل المثبت لا تكون مثبتاته حجة بل الوجه فى ذلك هو الجمع بين ادلة الاجزاء وادلة البراءة الشرعية حيث ان وجوب الاقل معلوم بنفس ادلة الاجزاء ووجوب الاكثر منفى بالبراءة الشرعية فيكون حديث الرفع بمنزلة الاستثناء وتقييد اطلاق ادلة الجزئية لحالتى العلم والجهل بجزئية الاجزاء أى نسبة حديث الرفع بالنسبة الى ادلة الاجزاء كنسبة الاستثناء فيكون مفادهما أى مفاد حديث الرفع مع ادلة الاجزاء الدالة على جزئية الاجزاء الا مع الجهل بها مثلا اذا فرض جزئية السورة للصلاة واقعا كان هذا مثل حديث الرفع نافيا لجزئيتها فى حال الجهل بها فكان هذا مثل ان يقول الشارع تجب السورة اذا علم المكلف بجزئيتها.

الحاصل ان وجوب الاقل مستند الى ادلة الاجزاء لا الى حديث الرفع حتى يتوهم ان اثبات ذلك به يتوقف على القول بالاصل المثبت.

٤٤٦

فى تنبيهات الاقل والاكثر

قوله : وينبغى التنبيه على امور الاول انه ظهر مما مر حال دوران الامر بين مشروط بشىء ومطلقه الخ.

واعلم ان المباحث المتقدمة جارية فى الاقل والاكثر الارتباطيين لكن تتعلق تلك المباحث بالشك فى الاجزاء الخارجية كالشك فى جزئية السورة مثلا للصلاة واما البحث فى هذه التنبيهات فانما يكون بالشك فى الاجزاء التحليلية كالشك فى تقيد الصلاة بالطهارة والفرق بينهما ان الاجزاء الخارجية كان وجودها مستقلا أى كان لها وجود خارجى.

واما الاجزاء التحليلية فكان وجودها بالانحلال العقلى أو الذهنى مثلا شرطية طهارة للصلاة من الاجزاء التحليلية بانحلال الذهنى قال الشيخ (قدس‌سره) انّه تجرى البراءة عند الشك فى الاجزاء التحليلية كالاجزاء الخارجية توضيح جريان البراءة فى الصورة المذكورة ان المشروط كالصلاة عن طهارة متقوم بامرين أحدهما ذات الصلاة المركبة من الاجزاء المعلومة وثانيهما تقييدها بالطهارة هو جزء ذهنى وعلى هذا فالاقل هنا هو الصلاة معلوم الوجوب تفصيلا اما بالوجوب النفسى لو كان متعلق الامر واما بالوجوب الغيرى لو كان متعلق الامر هو المشروط وتكون ذات الصلاة مقدمة لتحقق الصلاة المشروطة.

فثبت لذات الصلاة دعوى وجوبها الغيرى المقدمى مثلا ان قال المولى صل متطهرا ينحل هذا الى وجوب ذات الصلاة ووجوبها مع التقيد بالطهارة وتكون نفس الصلاة مقدمة لتحقق العنوان

٤٤٧

وهو الصلاة عن طهارة فتتصف بالوجوب الغيرى وكذا تتصف بالجزء التحليلى أى هذا العنوان جزء تحليلى للصلاة فيجرى فى هذا الجزء التحليلى البراءة العقلية والنقلية هذا محصل كلام الشيخ (قدس‌سره).

واورد عليه صاحب الكفاية (قده) حاصله ان قياس الاجزاء التحليلية بالاجزاء الخارجية فاسد وذلك لان الاجزاء الخارجية لوجوداتها المستقلة يمكن ان تتصف بالوجوب مطلقا نفسيا أو غيريا فيدعى العلم التفصيلى بوجوب الاقل لانحلال العلم الاجمالى اليه وثبت الشك البدوى بوجوب الاكثر.

واما الاجزاء التحليلية فلا يميزها الا العقل ولا ميز لها فى الخارج اصلا ويعد واجد الجزء التحليلى وفاقده من المتباينين لا من الاقل والاكثر مثلا ذات الصلاة والصلاة المقيدة بالطهارة من المتباينتين فالاجزاء التحليلية لا تتصف بالوجوب من باب المقدمة عقلا أى الصلاة الفاقدة لشرطها وخصوصيتها تكون متباينة للمأمور بها فلا تكون المأمور بها بالامر الغيرى اعنى عدم كون ذات الصلاة مقدمة لوجود الصلاة المقيدة.

الحاصل ان قياس الخاص والمقيد فى الانحلال بالاقل والاكثر الارتباطيين قياس مع الفارق لانّ الاجزاء فى الاقل والاكثر لمّا كانت موجودة مستقلة امكن اتصافها بالوجوب ويقال هذه الاشياء واجبة قطعا والزائد عليها مشكوك الوجوب فتجرى فيه البراءة.

واما العام والمقيد فان ذات المقيد كالرقبة أو ذات العام كالحيوان لا يتصف شىء منهما بالوجوب حتى يقال ان وجوب

٤٤٨

ذاتهما معلوم تفصيلا اما نفسيا واما غيريا أى لا يحصل العلم بوجوب ذاتهما تفصيلا لعدم اتصاف ذات المقيد أو العام بالمقدمية أو الوجوب الغيرى لان المقدمة المتصفة بالوجوب الغيرى هى ما تقع فى سلسلة علل وجود ذى المقدمة كنصب السلم للصعود على السطح وهذا المعنى لا يتحقق فى الاجزاء التحليلية لان ذات المقيد مباينة لذات بدون القيد وكذا ذات العام المتخصص بالخصوصية مباينة لذات العام بدون الخصوصية.

توضيح ما ذكر بذكر مثال ان الرقبة بدون الايمان مباينة لها معه فلا يقال ان المتيقن هو وجوب ذات الرقبة ووجوب تقيدها بالايمان مشكوك فيه فيجرى فيه الاصل وينفى بالبراءة أى لا يصح فى المثال المذكور ان المتيقن هو وجوب ذات الرقبة لان الرقبة المؤمنة وجودا مغايرة للكافرة منها وكذا العام فان الحيوان ليس مقدمة للخاص اعنى الانسان لعدم وجود الجنس بدون وجود الفصل من الفصول فان الحيوان بدون وجود الفصل لا وجود له فلا يكون ذات العام مقدمة للعام المقيد بالقيد الخصوصية لان العام بنفسه لا وجود له بدون الفصل من الفصول.

قوله : نعم لا بأس بجريان البراءة النقلية فى خصوص دوران الامر بين المشروط وغيره الخ.

قد ذكر آنفا عدم جريان البراءة فى الاجزاء التحليلية عند الشك فيها استدرك عن هذا بقوله نعم الخ أى استدرك بالفرق بين المشروط ومطلقه وبين الخاص وغيره بجريان البراءة النقلية فى الاول أى المشروط والمطلق وعدم جريانها فى الثانى

٤٤٩

أى الخاص وغيره.

والدليل لذلك ان الشرط ينتزع من أمر الشارع كقوله اعتق رقبة مؤمنة فان شرطية الايمان تكون بامر الشارع ولا مانع من نفيه بحديث الرفع عند الشك فيه هذا بخلاف الخاص والعام فان الخصوصية فيهما منتزعة عن ذات المأمور به لا عن امر خارج عنه حتى ينفى بالاصل مثلا اذا قال المولى اكرم العالم فان خصوصية العالم تنتزع عن ذات المأمور به أى كونه عادلا ينتزع عن ذات العالم وحينئذ يدور الامر بين وجوب الخاص والعام فيكونان من قبيل المتباينين والاشتغال اليقينى يقتضى الاتيان بالخاص تحصيلا للفراغ اليقينى.

واما جعل المصنف هذا المورد من قبيل الدوران الامر بين المتباينين ففى هذه العبارة مسامحة لانه ليس كذلك بل من قبيل الدوران بين وجوب الوجود السعى للشيء وبين وجوب الوجود المضيق منه الا انه لما كان مثله فى حكم العقل فى الاشتغال وعدم جريان البراءة العقلية والنقلية عبّر بما ذكر.

قوله : الثانى انه لا يخفى ان الاصل فيما اذا شك فى جزئية الشىء او شرطيته فى حال نسيانه الخ.

والغرض من ذكر هذا التنبيه بيان حكم الجزء أو الشرط المتروك نسيانا كالقراءة السورة فى الصلاة وان النسيان هل يوجب ارتفاع الجزئية أو الشرطية أم لا.

وتوضيح هذا المقام وهو الذى ترك ما ثبت جزئيته فى الجملة نسيانا ـ يستدعى التكلم من جهات اربعة : الاولى جريان البراءة

٤٥٠

عن جزئية المنسى عقلا ونقلا وعدم جريانها : الثانية امكان دليل الاجتهادى ناف لجزئيته فى هذا الحال غير حديث رفع النسيان : الثالثة انه هل ورد الدليل على الصحة فى حال النسيان خصوصا أو عموما أولا.

واما الجهة الاولى فان مقتضى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع ما لا يعلمون ونحوه هو جريان البراءة الشرعية عند الشك فى الجزئية والشرطية دون البراءة العقلية أى حديث الرفع أعنى فقرة ما لا يعلمون كان مطلقا أى بالنسبة الى الصلاة وغيرها يدل على الصحة فى حال النسيان الجزء لان حال النسيان داخل فيما لا يعلمون من حيث الحكم وكذا المروي عن الباقر عليه‌السلام فى خصوص باب الصلاة ـ لا تعاد الصلاة الا من خمس فهذا الحديث يدل عدم الاعادة اذا لم يكن المنسى من الاركان الخمسة لكن اذا لم يكن الدليل الاجتهادى لعدم الاعادة فيحكم العقل بلزوم اعادة ما اخل بجزئه او شرطه.

والظاهر انا تابع للدليل فاذا قام الدليل الشرعى على جزئية شىء أو شرطيته مطلقا أى ولو فى حال النسيان ثبت الاعادة فى الجزء المنسى فى جميع الحالات فكان كل من الاعادة وعدمها تابعا للدليل الشرعى فعلم مما ذكر بيان الجهة الثانية والثالثة.

قوله : ثم لا يذهب عليك انه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية فى هذا الحال الخ.

هذا اشارة الى الجهة الثانية وهى امكان اقامة الدليل الاجتهادى على نفى الجزئية أو الشرطية فى حال نسيان الجزء أو الشرط

٤٥١

بحيث ينقسم المكلف بحسب الالتفات والنسيان الى القسمين الذاكر والناسى ويصير الواجب بتمام اجزائه وشرائطه واجبا على الذاكر ولا يصير الجزء المنسى واجبا على الناسى لكن ثبت الخلاف للشيخ (قده) حيث منع عن تنويع المكلف وجعله قسمين ذاكرا وناسيا نظرا الى ان البعث والزجر الى المكلف انما كانا عند توجهه اليهما وامكان اطاعته واما الناسى والغافل فلم يكونا متوجهين اليهما ولم يمكن وجود اثر البعث والزجر فيهما فيمتنع خطابهما.

وأيضا يقال ان توجه هذا الخطاب اليه يخرجه عن عنوان الناسى ويجعله ذاكرا فلا بد للناسى فى الجزئية أو الشرطية من الاتيان بالواجب بتمامه من دون الفرق فى اطلاق الجزئية والشرطية بين الذاكر والناسى اذا كان الامر كذلك فلا وجه للتفكيك بينهما اصلا فصار المكلف على مذهب الشيخ قسما واحدا أى من كان ذاكرا.

فاجاب صاحب الكفاية (قده) عن اشكال الشيخ (قده) بقوله كذلك يمكن تخصيصها بهذا الحال بحسب الادلة الاجتهادية أى ثبت على قول المصنف امكان رفع الجزئية والشرطية فى حال النسيان وكذلك يمكن تخصيص الجزئية بحال النسيان بمقتضى الادلة الاجتهادية أى الادلة تدل على ان جزئية الشيء مرفوعة فى حال النسيان.

فقد اجاب المصنف عن اشكال الشيخ (قده) بوجهين احدهما ما اشار اليه بقوله كما اذا وجه الخطاب الخ. أى يوجه الخطاب بجعل عنوان عام يشمل الذاكر والناسى كعنوان المكلف ويخاطب

٤٥٢

بما عدا المنسى من الاجزاء ثم يكلف الملتفت بالمنسى فالذاكر الآتي بتمام المأمور به آت بوظيفته والناسى الآتي بالناقص آت أيضا بوظيفته من دون توجه خطاب اليه بعنوان الناسى حتى يلزم محذور الانقلاب من خروجه عن عنوان الناسى بجعله ذاكرا.

ولا يخفى ان محذور الانقلاب يلزم فى صورة توجه الخطاب الى الناسى واما فى صورة توجه الخطاب الى العنوان العام فلا يلزم المحذور المذكور.

ثانيهما ان يكلف الملتفت بتمام المأمور به والناسى بما عدا المنسى لكن لا يكون تكليفه بعنوان الناسى حتى يلزم الانقلاب الى الذاكر بمجرد توجه الخطاب اليه بل يكلف بعنوان آخر عام كعنوان قليل الحافظة أو كثير النوم أو يكلف بعنوان آخر خاص كالعناوين المختصة بافراد الناسى نحو يا زيد ويا عمرو ويا بشر اذا كانوا ناسين للسورة أو الركوع أو السجود فلا يلزم حينئذ محذور الانقلاب قد اشار المصنف الى ما ذكر فى الوجه الثانى بقوله أو وجه الى الناسى خطاب يخصه بوجوب الخالى بعنوان آخر عام أو خاص لا بعنوان الناسى كى يلزم الاستحالة المذكورة أى لزوم محذور الانقلاب.

وكذا لا يلزم الاشكال المذكور اذا قلنا ان الجزئية أو الشرطية مختصة بحال الذكر وانما يجب العمل الخالى عن المنسى على الناسى أى ايجاب العمل المذكور على الناسي ممكن بالنسبة الى الاجزاء غير المنسية لان الناسى لا يصدق على المكلف بالنسبة اليها وان يصدق عليه الناسى بالنسبة الى الاجزاء المنسية التي لم يكلف الشخص بالنسبة اليها حتى تلزم الاستحالة.

٤٥٣

قوله الثالث انه ظهر مما مر زيادة الجزء اذا شك فى اعتبار عدمها شرطا أو شطرا الخ.

واعلم ان البحث فى التنبيه الثانى انما يجرى فى وجود الشىء من حيث الجزئية أو الشرطية فى حال نسيانه قد علم ان البحث المذكور كان فيما اذا شك فى جزئية الشىء أو شرطيته فى حال نسيانه وأيضا علم ان هذا البحث كالبحث فيما شك فى اصل الجزئية والشرطية واما البحث فى التنبيه الثالث انما يكون فى اعتبار عدم الشيء شرطا أو شطرا.

وان قلت ان الجزء أو الشرط انما يكون شيئا وجوديا لا عدميا قلت ان العدم جزء مؤثر أيضا وقد تقدم فى بحث الصحيح والاعم ان دخل شيء وجودى أو عدمى فى المأمور به فيكون جزءا له وداخلا فى قوامه.

توضيح هذا البحث يحتاج الى ترتيب مقدمة وهو ان جزئية الشيء اما تكون بنحو لا بشرط واما تكون بنحو بشرط لا أى بشرط عدم الزيادة كجزئية الركوع لركعات الصلاة فاذا زاد عمدا أو سهوا فهو موجب لعدم تحققه.

اذا عرفت هذه المقدمة فاعلم ان البحث فى هذا التنبيه فيما كان جزئيته بنحو لا بشرط كجزئية السورة للصلاة فاذا تكرر المصلى السورة شك فى مبطلية هذه الزيادة للصلاة فاما تجرى البراءة من شرطية عدم الزيادة فتصح الصلاة واما تجرى قاعدة الاشتغال فيجب اتيان لصلاة مرة اخرى احتياطا بعبارة اخرى انما يبحث بعنوان زيادة الجزئية أو الشرطية اذا كان الجزء بنحو لا بشرط.

٤٥٤

واما اذا كان الجزء بنحو بشرط لا أى بشرط عدم الزيادة فالزائد عليه موجب لاختلاله من حيث النقيصة مثلا اذا اعتبر فى جزئية الركوع قيد الوحدة وبشرط لا واتى به المصلى مرتين صدق عليه نقص الجزء لا انه زاده اذ لا فرق فى عدم تحقق الجزء بين تركه رأسا كترك الركوع : وبين الاتيان به بدون شرطه وهو عدم تكرره وعدم زيادته فاذا اتى المصلى الركوع مرتين صدق ان الصلاة فاقد له أى للركوع المأمور به.

اشار الى ما ذكر المصنف بقوله مع عدم اعتباره فى جزئيته اى مع عدم اعتبار عدم الجزئية فى جزئية الواجب قد مر توضيح كلام المصنف بما ذكر من ان عدم الزيادة اذا كان قيدا أى اذا كان جزئية الشيء بنحو بشرط لا : فمع تكرره يصدق نقصان هذا الجزء لا زيادته.

قوله ذلك لاندراجه فى دخل الشىء فيه جزء أو شرطا الخ.

هذا بيان لقوله ظهر مما مر حال زيادة الجزء توضيحه ان الشك فى اخذ العدم شرطا أو شطرا فى الواجب كالشك فى اخذ الوجود شرطا أو شطرا فيه فى جريان البراءة الشرعية دون العقلية فلو لا البراءة النقلية لكان مقتضى الاحتياط العقلى بطلان الواجب ولزوم اعادته.

فيصح العمل للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة سواء اتى بالزيادة عمدا تشريعيا أى كما اذا علم بعدم جزئية الزيادة ومع ذلك قصد الجزئية تشريعا : أو جهلا قصورا أو تقصيرا أى كما اذا اعتقد الجزئية للجهل القصوري أو التقصيرى

٤٥٥

فيأتى بالزيادة باعتقاد مشروعيتها : أو اتى بالزيادة سهوا ففى جميع هذه الصور المذكورة يصح الواجب للبراءة النقلية القاضية بعدم مانعية الزيادة وان استقل العقل بلزوم الاحتياط لقاعدة الاشتغال.

قوله نعم لو كان عبادة واتى به كذلك على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو اليه وجوبه الخ.

هذا استدراك لقوله فيصح لو اتى به الخ أى يصح العمل فى جميع صور الزيادة ان كان الواجب توصليا ولا تكون الزيادة من حيث هى هى موجبة للبطلان.

نعم اذا كان الواجب عباديا فلا بد من ملاحظة الزيادة أى هل توجب فقدان قصد القربة فيه ام لا فان اوجبت ذلك ابطلت العبادة فيكون قصد الزيادة بعنوان الامتثال تشريعا منافيا لقصد القربة ومبطل للعبادة وهذا البطلان بالزيادة انما يلزم فيما اذا قصد كون الزيادة جزءا للواجب بحيث لو لم تكن جزءا لما اتى بالواجب.

بعبارة اخرى ان كان التشريع على وجه التقييد كان ذلك منافيا لقصد القربة فيبطل الواجب مطلقا أى فى صورة عدم دخل الزائد للواجب واقعا واتى العمل المشتمل على الزائد على وجه التقييد به فمع عدم الدخل الامر له واقعا حتى يقصد امتثاله كان العمل باطلا وكذا يبطل الواجب فى صورة دخل هذا الزائد واقعا وجه البطلان فى هذه الصورة هو عدم العلم بالامر أى لم يعلم المكلف بتعلق الامر فى هذا الزائد فيحكم العقل بلزوم الاعادة مع اشتباه الحال يعنى مع الجهل بدخل الزيادة وعدمه.

٤٥٦

والظاهر انه مع هذا الجهل يشك فى تحقق الامتثال الذى هو شرط صحة العبادة ومقومها فيحكم العقل بلزوم الاعادة لقاعدة الاشتغال فى صورة الشك واشتباه الحال.

قوله واما لو اتى به على نحو يدعوه اليه على أى حال الخ.

هذا اشارة الى ان التشريع على قسمين احدهما مبطل العبادة كما ذكر آنفا من ان قصد الزيادة بعنوان الامتثال كان تشريعا ومبطلا للعبادة.

والثانى هو التشريع الذى لا يبطل العبادة لعدم منافاته لقصد القربة لان المكلف يقصد الواقع بما هو واقع فليس اتيان العمل مشروطا بدخل الزيادة فى موضوع الامر بل كان اتيانه عن امره ثابتا مطلقا سواء كانت الزيادة دخيلة فى الواجب ام لا ولا موجب للبطلان حينئذ اذ لا خلل فى الامتثال ولو كان المكلف مشرعا فى دخل الزائد مع عدم علمه بدخل هذا الزائد أى كلمة لو وصلية يعنى مع عدم علم المكلف بدخل الزائد فى موضوع الامر كان مشرعا فى ادخاله فى المأمور به اذ مع علمه فى دخل الزائد لم يكن ادخال زائد تشريعا محرما لكن كان مخطئا فى اعتقاده على تقدير عدم دخل الزائد واقعا.

ولا يخفى ان التشريع فى صورة عدم العلم انما يكون فى تطبيق المأتيّ به مع المأمور به ولا ينافى هذا التشريع قصد الامتثال والتقرب بالامر اذ المفروض ان التشريع ليس فى نفس الامر لان المكلف قطع فى صدور الامر عن الشارع فى هذا المورد.

٤٥٧

قوله ثم إنّه ربما يتمسك بصحة ما اتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة الخ.

هذا اشارة الى اثبات صحة العبادة مع الزيادة باستصحاب الصحة أى زعم هذا المستدل ان الشك انما يكون فى بقاء الصحة المعلومة حدوثا قبل فعل الزيادة لكن كانت مشكوكة بقاء بعد فعل هذه الزيادة فيعرض الشك فى مانعيتها وهو مجرى استصحاب الصحة لاجتماع اركانه ولا تجرى اصالة البراءة فى مانعية الزائد لان الاستصحاب حاكم عليها لان الاستصحاب مفيد اليقين فلا يبقى الموضوع لاصالة البراءة قال صاحب الكفاية (قده) وهو لا يخلو من كلام هذا اشارة الى عدم صحة استصحاب فى هذا المورد لان مورد هذا الاستصحاب انما يكون فيما انشأ فيه احتمال البطلان فى اثناء الصلاة بزيادة جزء تشريعا واما اذا قصد تشريع هذا الجزء من اول الصلاة بحيث كان داعى المصلى هذا الامر التشريعى فلا مجال حينئذ لاستصحاب الصحة لانهدام ركنه الاول أى اليقين السابق بالصحة بل كان الامر بالعكس أى كان اليقين السابق بعدمها للتشريع.

قوله الرابع انه لو علم بجزئية شىء أو شرطيته فى الجملة الخ.

هذا التنبيه بيان حال الجزئية والشرطية من حيث الركنية وعدمها ومحصله ان دليل الجزء أو الشرط ان كان مطلقا بحيث يشمل جميع الحالات فلا كلام فيه لان مقتضى اطلاقه ركنية الجزء والشرط مطلقا ولو فى حال العجز عنهما والظاهر ان تعذرهما حينئذ يوجب سقوط الامر عن سائر الاجزاء للقاعدة المشهورة من

٤٥٨

ان انتفاء الجزء مستلزم لانتفاء الكل وكذا انتفاء الشرط مستلزم لانتفاء المشروط.

واما اذا كان دليل المأمور به مطلقا دون دليل الجزء أو الشرط فمقتضاه وجوب الاتيان بما عد المتعذر من سائر الاجزاء الميسورة فان اطلاق دليل المركب يقتضى مطلوبيته مطلقا وان تعذر بعضه أى فيكون اجزاء المركب ما لم يوجد فيه المانع واما الاجزاء الّتي كان المكلف متعذرا فيها فلم تكن هذه الاجزاء حينئذ محل الاعتبار.

بعبارة اخرى ان كون الشىء جزءا أو شرطا فى حال العجز عنه هذا تابع للدليل أى اذا كان دليل اعتبار الجزء أو الشرط مطلقا بحيث يشمل جميع الحالات فلا كلام فيه لان الدليل حينئذ يقتضى ركنية الجزء أو الشرط مطلقا أى ولو فى حال العجز عنهما فيسقط الامر عند انتفاء بعض الاجزاء أو الشرائط للقاعدة المشهورة من انتفاء الكل والمشروط بانتفاء الجزء والشرط.

واما اذا كان دليل المأمور به مطلقا ودليل الاعتبار مجملا أو مهملا والمراد منه هو دليل اعتبار الجزء أو الشر أى مع ثبوت الاهمال أو الاجمال لهذا الدليل وجب الاتيان بما عد المتعذر من سائر الاجزاء الميسورة ولم يسقط الامر بالنسبة الى الاجزاء المقدورة ولم ينتف المأمور به لوجود هذه الاجزاء.

قوله : ولم يكن هناك ما يعين احد الامرين.

هذا معطوف على الشرط فى قوله لو علم بجزئية الشىء الخ ولم يكن هناك الدليل على تعيين اطلاق دليل اعتبار الجزء أو

٤٥٩

الشرط وكذا لم يكن الدليل على تعيين اطلاق دليل المأمور به مع اجمال دليل اعتبار الجزء أو الشرط أو اهماله.

قد ذكر الفرق بين الاجمال والاهمال فى باب المجمل والمبين وغيره وأيضا يذكر هنا هذا الفرق من باب التذكر أى والمراد من الاجمال ما كان القصور فيه عن اللفظ لعدم ظهوره أو لاشتراكه والمراد من الاهمال هو عدم كون المولى فى مقام البيان فيكون هذا الاهمال عن المولى.

الحاصل انه اذا لم يكن الدليل لتعيين اطلاق دليل اعتبار الجزء أو الشرط وكذا لم يكن الدليل لتعيين اطلاق دليل المأمور به لاستقل العقل بالبراءة عن الباقى هذا جواب (لو) فى قوله انه لو علم بجزئية شىء الخ ولم يكن هناك ما يعين أحد الامرين الخ لاستقلال العقل بالبراءة عن الباقى أى يسقط المأمور به فى حال العجز عن بعض الاجزاء أو الشرائط وعدم الدليل لتعيين اطلاق دليل الاعتبار وكذا عدمه لتعيين اطلاق دليل المأمور به ويحكم العقل بالبراءة عن الباقى أى الاجزاء المقدورة.

قوله : لا يقال نعم ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية الخ.

هذا اشكال على قول المصنف بالاستقلال العقل بالبراءة عن الباقى أى لا تصح البراءة العقلية عن الباقى بل يرجع الى حديث الرفع فى نفى الجزئية أو الشرطية فى حال العجز عن الجزء أو الشرط ـ والبناء على الباقى حيث ان حديث الرفع يضيق دائرة الجزئية أو الشرطية أى يخصها بحال التمكن فلا يكون للجزء أو

٤٦٠