هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

الاولى العلمية التفصيلية وهى مفقودة فى المقام لانّ المفروض انسداد باب العلم فى الاحكام الثانية وجود العلم الاجمالى بالاحكام ومقتضى ذلك وجوب الاحتياط وهذا أيضا مفقود فى المقام لان الاحتياط موجب للعسر والحرج أو موجب لاختلال النظام الثالثة الاطاعة الظنية وهى يأتى المكلف بما هو مظنون الرابعة الاطاعة الاحتمالية من الشكية والوهمية والظاهر انه بعد فقدان المرتبتين الاولين تصل النوبة الى الاطاعة الظنية دون الاحتمالية لمرجوحيتها بالنسبة الى الامتثال الظنى.

قوله لكنك عرفت عدم وصول النوبة الى الاطاعة الاحتمالية

أى عرفت ان مراتب الاطاعة اربع وايضا عرفت انه بعد فقدان المرتبة الاولى والثانية وصل النوبة الى الاطاعة الظنية قال صاحب الكفاية عرفت عدم وصول النوبة الى الاطاعة الاحتمالية من جهة ما اوردناه فى المقدمة الاولى قد ذكر فى المقدمة الاولى انّه يعلم اجمالا بثبوت تكاليف كثيرة فالاحتياط موجب للعسر والحرج اذا فقد الامتثال العلمى والاحتياط وصل النوبة الى الامتثال الظنى هذا حاصل المقدمة الاولى.

واورد صاحب الكفاية على هذه المقدمة بقوله : اما المقدمة الاولى وان كانت بدهية الا انه قد عرفت انحلال العلم الاجمالى الكبير بسبب العلم اجمالا بصدور روايات كاشفة عن احكام الزامية موجودة فى الكتب المعتبرة فلا مجال حينئذ للاطراف الاحتمالية اذ لا تصل النوبة اليها بل يجب الاحتياط فى اطراف

٢٢١

العلم الاجمالى الصغير ولا وجه لرفع اليد عن هذا الاحتياط لعدم لزوم العسر منه فضلا عن اختلال النظام كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله وقضية الاحتياط بالالتزام عملا بما فيها من التكاليف ولا بأس به حيث لا يلزم منه عسر فضلا عما يوجب اختلال النظام.

قد ظهر مما ذكر ان الامر لا ينتهى الى الدوران بين الاطاعة الظنية والشكية والوهمية بعد ما عرفت من الاشكال فى المقدمة الاولى من انحلال العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى الصغير وان مقتضى انحلال العلم الاجمالى الكبير بالعلم الاجمالى الصغير والظاهر ان اطرافه هى الاخبار المذكورة فى كتب المعتبرة.

قوله : وما اوردناه على المقدمة الرابعة من جواز الرجوع الى الاصول الخ.

هذا معطوف على قوله ما اوردناه على المقدمة الاولى حاصله انّ الدوران بين الاطاعة الظنية وما دونها موقوف على تمامية المقدمات والمفروض عدم تمامية المقدمات لما عرفت من بطلان الاولى بانحلال العلم الاجمالى وبطلان المقدمة الرابعة بجواز الرجوع الى الاصول مطلقا من المثبتة والنافية لوجود المقتضى له من حكم العقل ان كانت عقلية وعموم النقل ان كانت شرعية وعدم المانع منه على تقدير انحلال العلم الاجمالى بالاصول المثبتة والعلم التفصيلى او العلمى كما اذا كان ذلك المقدار الثابت من الاحكام بمقدار المعلوم بالاجمال فلم يكن الدوران بين الاطاعة الظنية وما دونها.

٢٢٢

واما على تقدير عدم انحلال العلم الاجمالى بذلك المقدار الثابت من الاحكام تجرى الاصول المثبتة فقط ويجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالى فى الاصول النافية فان الاحتياط فى جميعها موجبا للعسر فيؤخذ به فى المظنونات قد ظهر الى هنا ايراد المصنف على المقدمة الرابعة.

ثم انّ حاصل ما افاده المصنف من دليل الانسداد عدم تمامية المقدمة الاولى لانحلال العلم الاجمالى ووجوب الاحتياط فى خصوص الاخبار وعلى تقدير تماميتها وعدم انحلاله فان المقدار الثابت بالاصول المثبتة والعلم التفصيلى والعلمى بمقدار المعلوم بالاجمال جرت الاصول مطلقا سواء كانت مثبتة ام نافية وان لم يكن بذلك المقدار جرت الاصول المثبتة فقط وكانت الاصول النافية موردا للاحتياط ان لم يكن موجبا للعسر والحرج والا كان المورد للاحتياط الشرعى المستكشف بالاجماع أو العلم باهتمام الشارع فثبت من البيان المذكور انه على تقدير عدم انحلال العلم الاجمالى تكون نتيجة المقدمات لزوم احتياط فى مورد الاصول النافية ان لم يلزم منه الحرج وان لزم منه الحرج لزم الاحتياط بالمقدار الذى لم يكن مستلزما للحرج وهو خصوص المظنونات ويسمى تبعيضا فى الاحتياط.

الكلام فى الظن الطريقى والواقعى

قوله : فصل هل قضية المقدمات على تقدير سلامتها هى حجية الظن بالواقع أو بالطريق أو بهما اقوال الخ.

هذا الفصل مذكور لبيان نتيجة مقدمات الانسداد أى هل هى

٢٢٣

حجية الظن بالواقع أم حجية الظن بطريقيته للواقع او حجية الظن بكليهما.

فاعلم انه قد وقع الخلاف فى انّ نتيجة المقدمات بعد فرض تماميتها هل هى حجية الظن بالواقع دون

الطريق فلا يجب العمل من دون الظن بالواقع من الوجوب أو الحرمة أو غيرهما.

أو النتيجة هى حجية الظن بالطريق فيجب العمل بالخبر المفيد للظن بطريقية الشىء وان لم يحصل الظن بالواقع.

أو النتيجة هى حجية كليهما فيجب العمل بالخبر اذا حصل الظن باحد الامرين على طريق منع الخلو.

قال صاحب الكفاية والتحقيق ان يقال انه لا شبهة فى ان فهم العقل فى كل الحال انما هو تحصيل الامن الخ.

أى استدل المصنف هنا على ما اختاره من ان النتيجة المقدمات هى حجية الظن بكليهما أى حجية الظن بكل من الواقع والطريق الدليل الاول انه لا ريب فى ان اهم العقل الحاكم بالاستقلال فى باب الاطاعة والعصيان هو تحصيل الامن من تبعة التكاليف والمراد منها العقوبة على مخالفة التكليف.

والدليل الثانى ما اشار اليه.

بقوله كما لا شبهة فى استقلاله فى تعيين ما هو المؤمن منها الخ.

هذا الدليل مؤلف من الصغرى والكبرى واشار الى بيان الكبرى بقوله كما لا شبهة فى استقلاله فى تعيين ما هو مؤمن أى يحكم

٢٢٤

العقل فى ان كلما كان القطع به مؤمنا فى حال الانفتاح كان الظن به مؤمنا فى حال الانسداد هذا بيان الكبرى.

واما الصغرى فقد اشار اليها بقوله وانّ مؤمن فى حال الانفتاح هو القطع باتيان المكلف به الواقعى توضيح هذا الدليل الثانى ان كل ما يكون مؤمنا فى حال الانفتاح يقوم الظن مقامه حال الانسداد.

والظاهر ان المؤمن فى حال الانفتاح هو القطع باتيان الواقع الحقيقى أو الجعلى والمراد من الواقع الجعلى ما ادى اليه الطريق المعتبر شرعا كخبر الثقة ففى حال الانسداد يقوم الظن بالمكلف به الواقعى أو الجعلى مقام القطع بهما فظهر من هذين الدليلين اعتبار الظن مطلقا سواء تعلق بالواقع ام بالطريق.

قوله : وذلك لان العقل قد استقل بان الاتيان بالمكلف به الحقيقى بما هو هو الخ.

هذا بيان لقوله ان المؤمن فى حال الانفتاح هو القطع الحاصل ان المؤمن فى حال الانفتاح والانسداد لم يكن مقيدا باتيان المكلف به الواقعى.

قوله ولا يخفى ان قضية ذلك هو تنزل الى الظن بكل واحد من الواقع والطريق.

أى اذا كان القطع مؤمنا سواء كان القطع بواقع الحقيقى أو الجعلى فمقتضى ذلك هو التنزل الى الظن بعد وضوح انه فى حال الانسداد قائم مقام القطع سواء تعلق بالواقع أم بالطريق فظهر عدم الفرق بين القطع والظن قد ثبت فى اول الكتاب انّ القطع

٢٢٥

بنفسه طريق الى الواقع لم يكن قابلا للجعل نفيا ولا اثباتا ثبت من هذا البيان حجية القطع من كونه طريقا وكذا كان القطع حجة من حيث تعلقه بالواقع.

وثبت هذا الحكم للظن فى حال الانسداد فلا فرق فى الحجية سواء كان الظن بطريقية الشىء أم كان الظن بالواقع بعبارة اخرى سواء تعلق الظن بالواقع أم بالطريق.

قوله : ولا منشأ لتوهم الاختصاص بالظن بالواقع الا توهم انه قضية اختصاص المقدمات بالفروع الخ.

هذا بيان لاستدلال من يقول ان الحجية الثابتة بدليل الانسداد للظن بالواقع وعدم شموله للظن بالطريق توضيح ذلك ان مصب المقدمات لما كان خصوص الفروع فيقتضى ذلك ان نتيجتها مختصة بنفس الحكم الشرعى الفرعى كالوجوب والاستحباب مثلا دون الظن بطريقية الشىء الى الواقع حاصل هذا الاستدلال ان باب العلم منسد بالنسبة الى الاحكام الشرعية الفرعية فنتيجة مقدمات الانسداد مختصة لحجية الظن بالاحكام الشرعية الفرعية ولا ربط لهذه المقدمات بالنسبة الى المسألة الاصولية كالحجية الظن مثلا فظهر من هذا البيان جريان المقدمات فى المسائل الفرعية دون الاصولية كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله لعدم انسداد باب العلم فى الاصول وعدم الالجاء فى التنزل الى الظن فى الاصول.

قوله : والغفلة عن ان جريانها فى الفروع موجب لكفاية الظن بالطريق الخ.

٢٢٦

هذا معطوف على التوهم فى قوله ولا منشأ لتوهم الاختصاص وهو جواب عن توهم القول باختصاص حجية الظن بالواقع.

توضيح هذا الجواب ان المقصود من ترتيب المقدمات فى الاحكام الفرعية هو حجية الظن لاجل تفريغ الذمة وتحصيل الامن من العقوبة المترتبة على مخالفة الاحكام ولا فرق حينئذ بين الظن بالواقع والظن بالطريق لان العمل على طبق كل منهما موجب لتفريغ الذمة ومحصل الامن من العقوبة المترتبة على مخالفة الاحكام.

قوله وذلك لعدم الفرق فى ذلك بين الظنين.

هذا دليل لحجية الظن بالطريق الظاهر ان الوجه فى كون جريان المقدمات فى الفروع موجبا لكفاية الظن بالطريق اى الوجه فى ذلك هو وحدة المناط فى مورد الفروع والاصول وهو تحصيل الامن من العقوبة أى كلاهما موجب لتحصيل الامن من العقوبة.

قوله كما ان منشأ الاختصاص بالظن بالطريق وجهان الخ.

أى احتج لاختصاص حجية الظن بالطريق بوجهين احدهما ما افاده بعض الفحول أى المحقق الآشتياني وكذا المحقق الشيخ اسد الله الشوشترى.

توضيح هذا الدليل انا نعلم بكوننا مكلفين فى هذا الزمان بالاحكام الفعلية ولا سبيل لنا اليها بالقطع الوجدانى وكذا لا سبيل لنا بطريق ثبت شرعا حجيته وقيامه تعبدا مقام العلم بالاحكام مطلقا أو عند تعذر العلم وكذا لا سبيل بقيام طريق الطريق مقام القطع أى ليس لنا الطريق المعتبر على حجية الظن بالاحكام هذا

٢٢٧

بيان للعلم بالاحكام.

قوله كذا نقطع بان الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا هذا بيان العلم بطرق منصوبة من الشارع الى الاحكام الشرعية ولكن ليس لنا غالبا العلم الى تعيين تلك الطرق وكذا ليس لنا سبيل الى تلك الطرق بطريق يقطع بسمع من الشارع بقيامه مقام العلم بعبارة اخرى لا سبيل لنا الى تعيين تلك الطرق بالطريق الذى اعتبره الشارع بقيامه مقام العلم وكذا ليس لنا سبيل بقيام طريق الطريق مقام العلم مثلا يحصل لنا العلم ان الشارع جعل خبر الثقة دليلا على اعتبار القرعة فى الاحكام الشرعية أى ليس لنا سبيل الى قيام الطريق مقام العلم بالاحكام.

اذا لم يثبت الطريق الى الحكم ولا طريق الطريق اليه فلا ريب ان الوظيفة فى مثل ذلك هو الرجوع الى الظن الذى تدل مقدمات الانسداد بحجيته كما اشار اليه صاحب الكفاية بقوله فلا ريب ان الوظيفة فى مثل ذلك بحكم العقل انما هو الرجوع فى تعيين ذلك الى الظن الفعلى.

أى النتيجة بعد العلمين اعنى العلم بان الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا أى نعلم اولا بانا مكلفون فى زماننا هذا تكليفا فعليا بالاحكام الفرعية ونعلم ثانيا ان الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا أى النتيجة بعد هذين العلمين هى العلم بالظن بطريق مخصوص فى زمان الانسداد فيحكم العقل بالرجوع فى تعيين ذلك الطريق الى الظن الفعلى أى الظن الشخصى لا النوعى.

٢٢٨

قال صاحب الكفاية لا دليل على حجيته اعنى لم يكن الدليل الخاص على حجية هذا الظن الفعلى بل نتيجة مقدمات الانسداد دالة على هذا الظن الفعلى لانه اقرب الى العلم والى اصابة الواقع مما عداه والمراد منه هو الظن القياسى الذى قام الدليل على عدم حجيته.

قوله وفيه أوّلا بعد تسليم العلم بنصب طرق خاصة باقية فيما بايدينا الخ.

اجاب المصنف عن الاستدلال المذكور بوجوه : الاول ما اشار اليه بقوله بنصب طرق خاصة حاصله منع العلم بالنصب لاحتمال الايكال الى طريقة العقلاء العاملين بالعلم ثم الاطمينان ثم الظن فلا نسلم العلم بنصب الطرق الخاصة.

الثانى ما اشار اليه بقوله باقية بايدينا وحاصله انه بعد تسليم العلم بنصب الطرق يمكن دعوى عدم بقاء تلك الطرق الى هذا الزمان توضيحه انه يحتمل ان يكون الطريق المنصوب من قبل الشارع على الاحكام الشرعية هو الخبر الذى كان محفوفا بالقرينة المفيدة للوثوق ولا شك فى ان تلك القرائن قد اختفيت علينا بمرور الزمان مثلا كانت القرينة المحفوفة تكرر الخبر فى الاصول المعتبرة أو عمل قدماء الاصحاب به فيمكن خفائها علينا.

والثالث ما اشار اليه بقوله وعدم وجود المتيقن بينها اصلا الحاصل انه بعد تسليم العلم بنصب الطرق وتسليم بقائها الى زماننا هذا لا نسلم لزوم رعايتها مطلقا حتى المظنون الاعتبار منها لامكان وجود ما هو متيقن الاعتبار فيجب مراعاته ومع وجود متيقن الاعتبار لا تصل النوبة الى حجية المظنون الاعتبار مطلقا

٢٢٩

ومع عدم وجود متيقن الاعتبار فاللازم حينئذ تردد الامر بين كل واحد من الاصناف المظنونات ان قضية ذلك هو الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا تعيينها بالظن أى ان مقتضى تعذر تحصيل العلم بكل من الواقع والطريق ليس التنزل الى الظن بالطريق بل مقتضاه الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة الحاصل لم يثبت حجية الظن بطريقية الشىء بل ثبت من البيان المذكور الرجوع الى الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة.

قوله لا يقال الفرض هو عدم وجوب الاحتياط بل عدم جوازه الخ.

هذا اشكال على وجوب الاحتياط فى الطرق المعلومة اجمالا لان الاحتياط فى اطراف الطرق المعلومة اجمالا موجب للعسر والحرج او اختلال النظام فيتعين العمل بالظن بما هو طريق.

قوله لان الفرض انما هو عدم وجوب الاحتياط التام.

هذا جواب الاشكال المذكور فى قوله لا يقال الفرض هو عدم وجوب الاحتياط حاصل الجواب ان الاحتياط الموجب للعسر أو المخل بالنظام هو الاحتياط التام بعبارة اخرى هو الاحتياط فى جميع اطراف العلم الاجمالى الكبير لان اطرافه وسع فى المظنونات والمشكوكات والموهومات والاحتياط موجب للعسر والحرج أو مخل بالنظام هذا بخلاف الاحتياط فى اطراف العلم الاجمالى الصغير أى العلم بنصب الطرق فانه لا يوجب الاختلال ولا العسر والحرج لقلة اطرافه.

٢٣٠

قوله فان قضية هذا الاحتياط هو جواز رفع اليد عنه فى غير مواردها.

هذا بيان للموارد التى لا يجوز الاحتياط فيها فالاول منها انه اذا احتمل التكليف فى المورد الذى لم يكن من موارد الطرق بل يكون حينئذ من اطراف العلم الاجمالى الكبير لا يجب فيه الاحتياط وليس من اطراف العلم الاجمالى بالطرق بعبارة اخرى ليس من اطراف العلم الاجمالى الصغير حتى يجب الاحتياط بمقتضى العلم الاجمالى بنصب الطرق بل مقتضى القاعدة حينئذ الرجوع الى الاصل وان كان نافيا للتكليف.

قوله كذا فيما اذا نهض الكل على نفيه وكذا فيما تعارض فردان من بعض الاطراف فيه الخ.

هذا هو المورد الثانى من الموارد التى لا يجب الاحتياط فيها حاصل هذا انه نهض كل ما هو من اطراف العلم الاجمالى بالطرق على نفى التكليف.

توضيح هذا المورد انه اذا دل جميع ما احتملت طريقيته على نفى التكليف فى مورد كما اذا فرض قيام خبر الثقة والاجماع المنقول والشهرة على عدم حرمة شرب التتن فانه يرفع اليد عن الاحتياط فى هذا المورد أيضا من اطراف العلم الاجمالى الصغير.

المورد الثالث من الموارد التى لا يجب فيها الاحتياط ما اشار اليه المصنف بقوله وكذا فيما اذا تعارضا فردان إلخ.

تفصيل هذا المورد انه اذا تعارض فردان من بعض الطرق

٢٣١

مثلا ان كانا خبرين وكان احدهما مثبتا والآخر نافيا كما اذا دل احدهما على وجوب الشىء والآخر على عدمه قدم النافى منهما ان كان ارجح من المثبت أو مساويا له ولا مجال حينئذ للاحتياط فى الطريق لتنافى الفردين فلا بد من رفع اليد عن الاحتياط فى العلم الاجمالى الصغير فى هذا المورد أيضا الحاصل انه قدم النافى مع ثبوت المرجح له كرجحان خبر العدل الامامى النافى للتكليف على خبر العدل الامامى الممدوح المثبت للتكليف.

قوله بل مع عدم رجحان المثبت فى خصوص الخبر منها ومطلقا فى غيره الخ.

هذا اضراب عن قوله مع ثبوت المرجح أى بل يرجح النافى حتى فى صورة انتفاء المرجح للخبر المثبت الظاهر ان النافى للتكليف يقدم فى الصورتين الاولى ثبوت المرجح له على المثبت الثانية عدم ثبوت المرجح للمثبت هذا اذا تعارض الخبران أى المثبت والنافى فى المرجحات ولم يثبت المرجح من اطراف المثبت قدم النافى على المثبت.

وكذا يقدم النافى فى غير الخبر مطلقا أى مع الرجحان وعدمه الحاصل انه لا يكون مورد التعارض غير الخبر كالشهرة والاجماع مطلقا اى سواء كان لاحدهما من المثبت أو النافى مرجح ام لا بناء على اختصاص الترجيح بالخبرين المتعارضين كما هو مقتضى الاخبار العلاجية فظهر ان الطريقين المتعارضين خارجان عن موارد الاحتياط الصغير.

٢٣٢

قوله وكذا لو تعارض اثنان فى الوجوب والتحريم الخ.

هذا هو المورد الرابع من الموارد التى لا يجوز الاحتياط فيها أى لا يلزم الاحتياط فى هذا المورد ويرجع الى الاصل حاصل هذا المورد انه اذا تعارض طريقان من اطراف العلم الاجمالى بنصب الطريق فى الوجوب والحرمة لم يجب فيه الاحتياط لعدم امكان الاحتياط فى دوران الامر بين المحذورين.

والظاهر ان المرجع فى موارد التعارض هو الاصل الجارى ولو كان نافيا للتكليف لعدم نهوض طريق معتبر فى مقابله وكذا لم يكن ما هو من الاطراف العلم بطريق المعتبر على خلاف الاصل الجارى.

قوله وكذا كل مورد لم يجر فيه الاصل المثبت للعلم بانتقاض الحالة السابقة الخ.

هذا المورد الخامس من الموارد التى لا يجوز الاحتياط فيه حاصله انه لا يجرى الاستصحاب المثبت للتكليف فى هذا المورد لاجل العلم الاجمالى بانتقاض الحالة السابقة فى بعض اطرافه أو لاجل قيام حجة القطعية على انتقاض المذبور فلا يجرى الاحتياط فى هذا المورد.

واعلم ان الموارد المذكورة التى لا يجب الاحتياط فيها المراد من الاحتياط المنفى هو الاحتياط فى الطرق أى احتياط فى اطراف العلم الاجمالى الصغير.

قوله وثانيا لو سلم ان قضية لزوم التنزل الى الظن فتوهم ان الوظيفة

٢٣٣

حينئذ خصوص الظن بالطريق فاسد الخ.

هذا معطوف على قوله اولا فى السابق قد استدل المتوهم فى السابق فى قوله فلا ريب ان الوظيفة فى مثل ذلك بحكم العقل هو الرجوع فى تعيين ذلك الطريق الخ. أى الوظيفة بعد العلم بانا مكلفون فى هذا الزمان تكليفا فعليا وكذا نعلم بان الشارع قد جعل لنا الى تلك الاحكام طريقا مخصوصا أى الوظيفة بعد هذين العلمين هو الرجوع الى تعيين الطريق الذى يحكم به العقل بعبارة اخرى ان العقل حاكم بحجية الظن بالطريق لانه اقرب الى الواقع.

قد اورد عليه بقوله وفيه أوّلا حاصل الايراد ان مقتضى ما ذكر هو الاحتياط فى اطراف هذه الطرق المعلومة بالاجمال لا الرجوع الى الظن بالطريق هذا ايراد الاول وأيضا اورد على الاستدلال المذكور.

بقوله : وثانيا لو سلم ان قضية لزوم التنزل الى الظن الخ.

توضيح هذا الايراد انه بعد تسليم اقتضاء الوجه الذى افاده صاحب الفصول للتنزل فى باب الطرق الى الظن أى ولو سلمنا انّ التنزل بعد فقدان العلم انما هو الى الظن لكن تنزل الى خصوص الظن بالطريق فاسد لان هنا ظنون ثلاثة الاول الظن بالطريق كالظن بحجية الخبر الواحد الثانى الظن بالواقع فقط كالظن بحرمة الشىء من دون الظن بقيام الطريق المعتبر الثالث الظن بالواقع المظنون أى كونه مؤدّى طريق معتبر من دون الظن بطريقية الشىء فهذه الظنون فى رتبة واحدة وليس اولها اولى بالاعتبار من الآخر بالنظر الى دليل الانسداد فليس الظن بالطريق

٢٣٤

أقرب الى العلم من الظنين الآخرين حتى يتعين فى الحجية فظهر من البيان المذكور ان نتيجة مقدمات الانسداد لم تكن مختصة لحجية الظن بالطريق بل تشمل جميع اقسام الظنون المذكورة.

قوله : لا يقال انما لا يكون اقرب من الظن بالواقع اذا لم يصرف التكليف الفعلى عنه الخ.

هذا اشارة الى ان الظن بالطريق أقرب الى الواقع من الظن بنفس الواقع الحاصل ان الواقع على قسمين أى الواقع الحقيقى والجعلى والمراد من الواقع الجعلى هو مؤدى الامارات المعتبرة فالظن بالطريق انما يكون الاقرب الى الواقع اذا كان المراد منه الواقع الجعلى لا الواقع الحقيقى.

بعبارة اخرى ان عدم اقربية الظن بالطريق الى الواقع انما هو فيما اذا لم نقل بصرف الواقع الى المؤدى واما مع صرف الواقع الى المؤدى فالمتبع انما هو مؤديات الطرق فالظن بالواقع بنفسه غير مفيد الا اذا كان الواقع مؤدى الطريق اذ المفروض عدم كون الواقع فعليا الا بلحاظ كونه مؤدى الطريق.

اشار الى ما ذكر صاحب الكفاية بقوله انما لا يكون اقرب من الظن بالواقع الخ أى لم يكن الظن بالطريق اقرب من الظن بالواقع فيما اذا لم يصرف التكليف الفعلى الواقعى الى مؤديات الطرق ولو بنحو التقييد واما اذا صرف الحكم الفعلى عن الواقع الى مؤديات الطرق سواء كان بنحو التقييد أم لا فالظن بالطريق اقرب الى الواقع من الظن بالواقع.

٢٣٥

واعلم ان صرف التكليف الفعلى عن الواقع الى مؤديات الطرق بوجهين احدهما صرف التكليف الفعلى عنه لا بنحو التقييد والمراد صرف التكليف الفعلى عن الواقع الى مؤدى الطريق بنحو المطلق أى بلا تقييد بكون هذا المؤدى هو الواقع فيكون المنجز فى حق المكلف هو مؤدى الطريق سواء صادف الواقع أم لا ثانيهما صرف التكليف الفعلى عن الواقع بنحو التقييد والمراد به صرف التكليف الفعلى عن الواقع بما هو واقع الى الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق فيكون المنجز فى حق المكلف الواقع الذى هو مؤدى الطريق لا الواقع بنفسه.

قوله : فان الالتزام به بعيد اذ الصرف لو لم يكن تصويبا محالا فلا اقل من كونه مجمعا على بطلانه الخ.

هذا جواب لا يقال حاصله على وجوه الاول ما اشار اليه بقوله لو لم يكن تصويبا محالا فلا اقل من كونه مجمعا على بطلانه واعلم انه بناء على الصرف المطلق أى لا بنحو التقييد أى كان التكليف مصروفا عن الواقع الى مؤدى الطريق من غير تقييد هذا المؤدى بالواقع أعنى بان يكون المنجز على المكلف هو مؤدى الطريق وان كان مخالف الواقع هذا مستلزم التصويب المحال.

واما لزوم التصويب فلدوران الحكم وجودا وعدما مدار الطريق أى يكون الحكم تابعا لمؤدى الطريق.

واما وجه محاليته فلان كون الشىء طريقا الى الشىء يقتضى تقدم وجود ذى الطريق على الطريق لان الطريق انما كان مؤديا الى ما هو موجود وكان الطريق كاشفا عنه لكن فرض ذى الطريق

٢٣٦

فى المقام هو مؤدى الطريق يقتضى تأخر وجوده عن الطريق لان مؤدى الطريق لا يتحقق الا بعد قيام الطريق عليه فيلزم هنا ان يكون مؤدى الطريق مقدما ومؤخرا فى زمان واحد وهو محال.

وجه محالية التصويب بعبارة اخرى ان موضوع الطريق هو الشك فى الحكم الواقعى الفعلى اذا فرض اضمحلال الحكم اقتضاء أو انشاء أو فعلية بعد قيام الطرق يلزم من وجود حجيتها عدمها اذ حجيتها مستلزمة لرفع موضوعها وهو الشك فى الحكم الواقعى ورفع الموضوع مستلزم لرفع حجيتها لعدم بقاء الحكم بعد ارتفاع الموضوع فيلزم من وجود حجية الطرق عدمها

الوجه الثانى ما اشار اليه اليه المصنف بقوله من كونه مجمعا على بطلانه الخ.

يمكن تقرير هذا الوجه بوجهين : الاول ما اشار اليه المصنف بقوله ضرورة ان القطع الخ بيانه ان الاجماع قائم على كون القطع بالواقع موجبا لتنجز الواقع مع ان القطع ليس طريقا مجعولا ولو كان نصب الطريق صارفا عن الواقع لم يكن متعلق القطع واجب العمل ولا اتيانه مجزيا فظهر من هذا ان القطع بالواقع يجدى فى الاجزاء بما هو واقع لا بما هو مؤدى الطريق.

الثانى انه قائم بوجود حكم مشترك بين الكل الا انه يتم فى مرتبة الاقتضاء ومرتبة الانشاء دون الفعلية والتنجز أى يكون المنجز على المكلف هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق لا الواقع بما هو واقع فيلزم التصويب وهو هنا وان لم يكن محالا لعدم دوران الحكم بجميع مراتبه الاربع مدار الطريق انما يكون الدوران فى

٢٣٧

بعض مراتبه وهو الفعلية والتنجز أى يكون هذا البعض دائرا مدار الطريق واما فى مرتبة الاقتضائية والانشائية فهو مشترك بين الجميع المكلفين ولم يكن مختصا بمن قام عنده الطريق هذه الصورة وان لم يكن تصويبا محالا لكن مجمع على بطلانه فلم يصح مذهب من يقول ان حجية الظن مختصة بالظن بالطريق.

الثالث أى الجواب الثالث عن قوله لا يقال ما اشار اليه بقوله مع ان الالتزام بذلك غير مفيد قد ذكر توضيحه فى المتن فى قوله فان الظن بالواقع فيما ابتلى به من التكاليف لا يكاد ينفك عن الظن بانه مؤدى الطريق الخ.

توضيح هذا الكلام انه بناء على تقييد الواقع بمؤدى الطريق من ان موضوع فعلية الحكم هو الواقع المقيد بكونه مؤدى الطريق لا يجدى فى فعلية الحكم الظن بالطريق فقط لانه ظن بجزء موضوع الحجية فلا بد فى حجية الظن بالطريق من الظن باصابة الواقع أى يكون المظنون هو الواقع المتصف بكونه مؤدى الطريق ليتحقق بكلا جزئى الموضوع

قوله هذا مع عدم مساعدة نصب الطريق على الصرف ولا على التقييد الخ.

هذا الوجه الرابع مما نقول فى جواب لا يقال توضيحه ان نصب الطريق بعد تسليمه لا يقتضى الصرف الى مؤديات الطرق وتقييد الواقعيات بها بل غاية ما يقتضيه نصب الطريق اختصاص الحكم الواقعى المنجز بما ادى اليه الطريق فلا يكون الواقع الذى

٢٣٨

لم يؤد اليه الطريق منجزا لكن غاية الامر ان هذا العلم الاجمالى بنصب طرق وافية لكشف التكليف يوجب هذا العلم الاجمالى انحلال العلم بالتكاليف الواقعية الى العلم بما هو مضامين الطرق المنصوبة أى العلم الاجمالى بنصب طرق وافية يصير موجبا لانحلال العلم بالتكاليف الواقعية يعنى يعلم اجمالا ان تكاليف الواقعية هى مضامين الطرق المنصوبة.

لكن هذا الانحلال وان كان يوجب عدم تنجز الحكم ما لم يؤد اليه الطريق الا انه مشروط بلزوم رعاية العلم الاجمالى بنصب الطرق لكن المفروض عدم لزوم رعاية هذا العلم الاجمالى بل عدم جواز الرجوع اليه لانه مستلزم للاحتياط التام فى اطرافه وهى المظنونات الطريقية والمشكوكات والموهومات وهذا الاحتياط موجب العسر والحرج أو اختلال النظام فلا يجب بل لا يجوز فظهر من البيان المذكور ان الظن بالواقع حجة لكونه اقرب الى اهتمام الشارع وكذا يعتبر حجية الظن بالواقع فيما اذا لم يكن العلم الاجمالى بالنصب فى كفاية الظن بالتكاليف حال الانسداد بعبارة اخرى اذا سقط العلم الاجمالى بنصب الطرق عن التأثير رجع الى الظن بالواقع.

قال صاحب الكفاية ولا بد حينئذ من عناية اخرى فى لزوم رعاية الواقعيات.

أى لا بد حين سقوط العلم الاجمالى بنصب الطريق كسقوط العلم الاجمالى بالتكاليف الواقعية عن المنجزية لعدم امكان الاحتياط فى اطرافه للاختلال أو الحرج فلا بد حين سقوط العلم الاجمالى

٢٣٩

الخ من عناية اخرى أى من عناية غير العلم الاجمالى بالاحكام والطرق لسقوطه فى كل منهما بالعسر والحرج أو اختلال النظام والمراد بعناية اخرى هو ايجاب الاحتياط الشرعى المستكشف ببرهان لمّى اعنى اهتمام الشارع بالاحكام.

فلا شبهة فى ان الظن بالواقع لو لم يكن اولى حينئذ أى يحكم بالرجوع الى الظن بالواقع لكونه اقرب فى التوسل الى الواقع حينئذ أى حين عدم الرجوع الى العلم الاجمالى بنصب الطرق وكونه كالعدم والظاهر انه لا شبهة فى اولوية الظن بالواقع من الظن بالطريق لسقوط العلم بنصب الطريق عن الرجوع اليه.

ولو اشكل على اولوية الظن بالواقع فلا شبهة فى كون مساويا للظن بالطريق فى الاقربية الى الواقع لان المهم عند العقل هو تحصيل الامن من العقوبة فى كل الحال أى فى زمان الانفتاح والانسداد فالرجوع الى الظن بالواقع محصل الامن عن العقوبة.

قوله هذا مع ما عرفت من انه عادة يلازم الظن بانه مؤدى الطريق.

أى قد عرفت ان كون الظن بالواقع ملازما عادة للظن بان هذا الواقع المظنون هو مؤدى الطريق ويكفى بلا شبهة فى الوصول الى ما يهتم به الشارع.

الحاصل انه لا ثمرة على اعتبار خصوص الظن بالطريق اذ الظن بالواقع ما يبتلى به المكلف لا ينفك عن الظن بانه مؤدى الطريق معتبر.

٢٤٠