هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

حيدر علي المدرّسي البهسودي

هداية الأصول في شرح كفاية الأصول - ج ٣

المؤلف:

حيدر علي المدرّسي البهسودي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: المؤلّف
المطبعة: المطبعة العلمية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥١٢

الشرط فى حال العجز عنه دخل فى الواجب حتى يقيد الباقى به ويلتزم بسقوطه بل الباقى مطلق بالنسبة الى غير المقدور فيجب الاتيان به فيثبت بحديث الرفع وجوب ما عدا المتعذر من الجزء أو الشرط.

قوله : فانه يقال انه لا مجال هاهنا لمثله الخ.

هذا دفع الاشكال الذى ذكر بعبارة لا يقال توضيحه انه لا يجرى حديث الرفع فى نفى الجزئية أو الشرطية فى حال التعذر بداهة ان من شرائط جريانه حصول الامتنان وهو مفقود فى تعذر الجزء أو الشرط فى المقام لانه انما يكون فى نفى التكليف واما فى مقام البحث فيثبت التكليف لان اللازم بعد رفع الجزء أو الشرط المتعذر هو وجوب اتيان سائر الاجزاء أو الشرائط أى وجب اتيان فلا يكون مقام البحث موردا لحديث الرفع لعدم وجود الامتنان لانه فى نفى التكليف واما فى المقام فبعد فرض جريان حديث الرفع يثبت.

قوله : نعم ربما يقال بان قضية الاستصحاب فى بعض الصور هو وجوب الباقى الخ.

هذا استدراك على قول المصنف أى قد ذكر سابقا انه لو لم يكن الدليل على تعيين اطلاق دليل اعتبار الجزئية أو الشرطية وكذا لو لم يكن الدليل على تعيين اطلاق دليل المأمور به لاستقل العقل بالبراءة عن الباقى واستدرك عليه.

بقوله : نعم ربما يقال الخ.

الغرض منه اثبات وجوب الباقى بالاستصحاب أى يستصحب

٤٦١

الوجوب الكلى مثلا بان يقال ان الصلاة واجبة مع السورة والركوع والسجود ويشك فى حدوث الوجوب لها مقارنا لتعذر بعض اجزائها أو شرائطها فيستصحب طبيعى الوجوب أى ما كان جامعا بين الوجوب النفسى والغيرى والظاهر انه مع وجود جميع الاجزاء يكون كل جزء مقدمة للكل فثبت للجزء الوجوب الغيرى.

واما اذا انتفى بعض الافراد للعجز عنه فثبت للباقى الوجوب النفسى فالمستصحب فى هذا المقام هو الوجوب الكلى لحدوث وجوب النفسى للباقى بعد عجز المكلف عن بعض الاجزاء هذا هو القسم الثالث من استصحاب كلى قد عرف هذا القسم من الاستصحاب فى محله حاصله هو ما اذا كان الشك فى بقاء الكلى مستندا الى احتمال وجود فرد ثان غير الفرد المعلوم حدوثه ثم ارتفاعه وكذا فى المقام يشك بعد عجز المكلف عن بعض الاجزاء فى بقاء الوجوب الكلى لعروض وجوب النفسى فى الباقى.

قال صاحب الكفاية ان قضية الاستصحاب فى بعض صور وجوب الباقى لا يكاد يصح الا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلى أو على المسامحة فى تعيين الموضوع فى الاستصحاب قد ذكر توضيح وتطبيق الاستصحاب بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلى.

واما صحة وجوب الباقى بالاستصحاب من باب المسامحة العرفية أى يصدق موضوع الاستصحاب بالمسامحة بان لا يكون الجزء أو الشرط المتعذر من مقومات الموضوع ولا يضر عدمه فى وجود الموضوع عند اهل العرف يعنى أن تكون المسامحة العرفية بمرتبة يصدق على الفاقد المتعذر انه الموضوع السابق

٤٦٢

ويكون وجوبه بقاء ذلك الوجوب لا وجوبا حادثا لموضوع جديد

قال صاحب الكفاية ويأتى تحقيق الكلام فيه فى غير المقام أى يأتى فى تنبيهات الاستصحاب ان المرجع فى تعيين الموضوع هو نظر العرف دون غيره من العقل والمراد من قوله فى غير المقام أى فى غير مقام البحث الفعلى يجيء تحقيق الكلام وهو اواخر مبحث الاستصحاب حيث إنّه يبحث فى هذا المبحث عن تعيين الموضوع فى الاستصحاب.

قوله : كما ان وجوب الباقى فى الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخ.

قد علم ان ما اختاره المصنف (قده) هو عدم وجوب الباقى للبراءة العقلية أى اذا لم يكن الدليل لوجوب الباقى فى حال العجز عن بعض الاجزاء والشرائط فتجرى البراءة العقلية عن وجوب الباقى وقد اشار بعد بيان مذهبه الى ادلة القائلين بوجوب الباقى وهى الاستصحاب الذى تقدم تفصيله وأيضا اشار الى وجوب الباقى بقاعدة الميسور.

بقوله : كما ان وجوب الباقى فى الجملة الخ.

واستدل القائلون بوجوب الباقى بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اذا امرتكم بشىء فأتوا منه ما استطعتم وكذا قوله الميسور لا يسقط بالمعسور وقوله ما لا يدرك كله لا يترك كله فيستفاد من هذه الروايات وجوب الباقى بقاعدة الميسور.

ولا يخفى ان قاعدة الميسور دليل اجتهادى واما الاستصحاب فهو دليل فقاهتى بعبارة شيخنا الاستاد ان الرقم الاول هو القطع والرقم الثانى هو الدليل الاجتهادى والرقم الثالث هو الدليل

٤٦٣

الفقاهتى.

قال صاحب الكفاية ان دلالة الرواية الاولى مبنية على كون كلمة من تبعيضية أى ان الاستدلال بالخبر الاول على قاعدة الميسور مبنى على امرين.

الاول كون كلمة من تبعيضية اذ لو كانت بيانية أو بمعنى الباء فمعنى الخبر حينئذ وجوب الاتيان بنفس المأمور به الكلى بقدر الاستطاعة لا وجوب الاتيان ببعضه الميسور كما هو المقصود فلا يشمل هذا الخبر المركب الذى تعذر بعض اجزائه الثانى انما يصح كون هذا الخبر دليلا لما نحن فيه اذا كان التبعيض بحسب الاجزاء والابعاض لا الافراد واما اذا كان التبعيض بحسب الافراد فمفاد الخبر حينئذ هو وجوب الاتيان بما تيسر من افراد الطبيعة فلا يدل على وجوب ما تيسر من اجزاء المركب الذى تعذر بعض اجزائه.

قوله : وظهورها فى التبعيض وان كان مما لا يكاد يخفى الخ.

أى سلمنا كون كلمة من فى التبعيض الذى هو عبارة عن صحة قيام كلمة بعض مقام كلمة من لكن يحتمل ان يكون بلحاظ الافراد اذا جاء هذا الاحتمال فلم يصح الاستدلال بالخبر المذكور قد ذكر وجه عدم الاستدلال به فى هذه الصورة آنفا ولو سلم ظهور كلمة من فى التبعيض بلحاظ الاجزاء بحسب الاستعمالات المتعارفة لكن القرينة موجودة هنا لارادة التبعيض بلحاظ الافراد حيث ان هذا الخبر ورد جوابا عن السؤال عن تكرار نفس الحج بعد ان خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال ان الله كتب عليكم

٤٦٤

الحج فقام عكاشة فقال فى كل عام يا رسول الله.

فيعلم من هذا السؤال والجواب ان المراد من هذا التبعيض هو بحسب الافراد والمراد من السؤال هو السؤال عن نفس المأمور به الكلى لا السؤال عن اجزائه اذ لا معنى للسؤال عن تكرير اجزاء الحج قد ذكر هذا السؤال والجواب فى المتن.

قوله هذا مضافا الى عدم دلالته على عدم السقوط لزوما الخ.

هذا اشارة الى الثانى وجهى الاشكال المتقدم أى قد اشكل على الاستدلال بالخبر الثانى بوجهين احدهما أن الميسور يحتمل ان يكون بحسب الافراد لا الاجزاء قد ذكر هذا الاشكال على الاستدلال بالخبر الاول.

ثانيهما انه لا يدل على المطلوب وهو وجوب الاجزاء الميسور بتعذر بعض الاجزاء أو الشرائط.

فقوله هذا مضافا اشارة الى هذا الوجه الثانى أى لا يدل هذا الخبر الثانى على المطلوب لان الميسور عام للواجبات والمستحبات فان دل الخبر على وجوب الميسور لزم خروج المستحبات عن عموم الميسور لعدم وجوب الميسور من المستحبات التى تعذر بعض اجزائها أى لا يصدق الوجوب فى المستحبات مطلقا أى لا فى تمام اجزائها ولا فى الاجزاء الميسورة منها بعد تعذر بعض اجزائها فان خصص الميسور بالواجبات واخرجت المستحبات عنه فهو مخالف لبناء الاصوليين لان قاعدة الميسور جارية عندهم فى المستحبات أيضا وان حمل الامر على مطلق الرجحان أى يحمل الامر باتيان الميسور على مطلق الرجحان فلا يدل هذا الخبر

٤٦٥

حينئذ على وجوب الباقى الميسور.

قوله الا ان يكون المراد عدم سقوطه بما له من الحكم الخ.

هذا دفع الاشكال الذى أورده بقوله مضافا الخ حاصل هذا الدفع ان المراد من قوله (ص) الميسور لا يسقط بالمعسور هو عدم سقوطه بماله من الحكم أى ان كان الميسور من الواجبات فاتيانه واجب وان كان من المستحبات فاتيانه مستحب أى لا يسقط حكم الميسور من الوجوب أو الندب بسقوط حكم المعسور فيشمل الخبر على البيان المذكور كلا من الواجب والمستحب المتعذر بعض اجزائهما أو شرائطهما ويدخل كل منهما تحت قاعدة الميسور.

واعلم ان الظاهر من ما ذكر عدم سقوط حكم الميسور كما قال صاحب الكفاية ان قضية الميسور كناية عن عدم سقوط حكمه أى المراد من عدم سقوط الميسور هو عدم سقوط حكمه كما ان الظاهر من مثل لا ضرر ولا ضرار هو نفى الحكم الضررى أو الموضوع الضررى وليس المراد منه نفى نفس الضرر لانه يوجد كثيرا فى افعال الناس.

ولا يخفى ان اثبات الموضوع ونفيه فى الخطابات الشرعية كناية عن اثبات حكمه شرعا ونفيه عنه كذلك مثلا نفى ضرر كناية عن نفى الحكم الضررى أى المراد من نفى الضرر هو نفى لازمه أى الحكم وكذا المراد من عدم سقوط الميسور هو عدم سقوط لازمه وحكمه وأيضا يقال ان اثبات الحكم قد يكون بلسان موضوعه وكذا نفى الحكم قد يكون بنفى موضوعه.

٤٦٦

قوله لا انها عبارة عن عدم سقوطه بنفسه الخ.

هذا مربوط فى قوله سابقا بان يكون قضية الميسور الخ أى قضية الميسور كناية عن عدم سقوط حكمه لا ان قضية الميسور عبارة عن عدم سقوطه بنفسه وبقائه على عهدة المكلف حتى تختص القاعدة بالواجبات ولا تشتمل المستحبات لان كون الشىء فى العهدة هو المختص بالواجبات وان حمل عدم سقوط الميسور على مطلق الرجحان فلا يكون له دلالة على وجوب الميسور فى الواجبات أى عدم سقوط الميسور على وجه كونه للوجوب فيختص بالواجبات ولا يشمل المستحبات أو لا يكون له دلالة على وجوب الميسور على وجه آخر أى على وجه حمل عدم السقوط على مطلق الرجحان أى لا يدل حينئذ على وجوب الباقى.

قوله واما الثالث فبعد تسليم ظهور كون الكلام فى المجموعى الخ.

هذا اشارة الى الاشكال الذى أورده الشيخ (قده) على الاستدلال بهذا الخبر الثالث أى ما لا يدرك كله لا يترك كله توضيح هذا الاشكال ان الاستدلال بهذا الخبر منوط بان يراد من كلمة الكل ذو اجزاء واما اذا اريد منها ذو الافراد فهذا الخبر اجنبى عن مورد قاعدة الميسور مثلا اذا امر المولى بصوم كل يوم من شهر رمضان أو اكرام كل عالم وتعذر صوم بعض الايام أو اكرام بعض العلماء فلا وجه للتمسك بقاعدة الميسور لوجوب صوم بعض الايام بالامر الاستقلالى وكذا وجوب اكرام بعض العلماء فلا يحتاج اتيان الباقى الى قاعدة الميسور لان كل فرد يجب بالامر الاستقلالى

٤٦٧

واما اذا كان المراد من كلمة الكل : الكلى المجموعى فهذا الخبر دال على اتيان الاجزاء الميسورة لكن لا يدل على وجوب اتيان الباقى بل يدل على رجحان اتيان ما بقى من الفعل المأمور به واجبا كان أو مستحبا فايضا لم يصح الاستدلال بهذا الخبر على وجوب اتيان الباقى بل يدل على رجحان اتيانه أى لا يعلم من هذا الخبر وجوب اتيان الباقى قد ذكر فى المتن وجه دلالة هذا الخبر على الرجحان.

قوله ثم إنّه حيث كان الملاك فى قاعدة الميسور الخ.

أى هذا الكلام بيان لموارد قاعدة الميسور أى انها تجرى فى تعذر كل من الجزء والشرط ولا تختص بتعذر الجزء أى لا فرق بين تعذر الجزء والشرط لان الميسور يصدق فى كل من فاقد الجزء والشرط عرفا وان كان واجد الشرط مبائنا لفاقده عقلا أى لا يصدق الميسور على فاقد الشرط عقلا لانه يحكم على المبائنة بينهما فلا يكون الفاقد مأمورا به عقلا.

فلما كان المناط فى صدق الميسور على الباقى هو النظر العرفى فيكفى صدق الميسور عرفا فى فاقد الشرط وكذا يصدق على الباقى اذا لم يكن الباقى فاقدا لمعظم الاجزاء واما اذا كان الباقى فاقدا له أو الركن فلم يصدق عليه الميسور وان لم يكن مباينا للواجد عقلا.

قوله نعم ربما يلحق به شرعا ما لا يعد بميسور عرفا الخ.

هذا استدراك على ما ذكر من كون الملاك فى جريان قاعدة الميسور وهو صدق الميسور العرفى على الباقى ولا يخفى ان هذا

٤٦٨

الملاك مطرد فى جميع الموارد الا فيما قام الدليل على خروج الميسور العرفى عن تحت هذه القاعدة أى لا يعد الباقى بميسور عرفا.

الحاصل ان الباقى قد يكون ميسورا شرعا لا عرفا أى لا يعد بميسور عرفا لكن يلحق به شرعا بتخطئته للعرف أى يحكم الشرع بتخطئة العرف : هذا كصلاة الغرقى فانها بنظر العرف ليست الميسور من الصلاة لكن دل الدليل الشرعى على انها الميسور منها وذلك اما بتخطئة الشرع للعرف لعدم اطلاعه على وفاء الفاقد فى حال التعذر فى جميع مصلحة الواجد أو بمعظمها اذ مع اطلاعه على ذلك لعده كالشرع ميسورا.

وقد يكون الامر بعكس ما ذكر أى يحكم الشرع على سقوط ميسور عرفى لتخطئته للعرف لان الشرع يحكم بعدم وجود الملاك فى الباقى.

قوله واذا قام الدليل على احدهما فيدخل أو يدرج.

أى اذا قام الدليل على الاخراج أو الالحاق فيخرج الباقى بدليل الاخراج ويدرج بدليل الادراج فيكون الاخراج تخطئة أو تخصيصا أى يخرج الباقى عن الميسور بتخطئة الشرع للعرف أو يخرج الباقى عنه تخصيصا أى يكون الدليل الشرعى مخصصا لعموم قاعدة الميسور واما ادراج الباقى فى الميسور فانما جعل الفاقد شريكا فى الحكم مع الواجد من دون اندراج فى الموضوع مثلا نزل الطواف فى البيت بمنزلة الصلاة فى الحكم مع عدم التصرف فى الموضوع أى الصلاة.

٤٦٩

ولا يخفى ان ما ذكر توضيح لقوله فيخرج أو يدرج تخطئة أو تخصيصا فى الاول وتشريكا فى الحكم من دون اندراج فى الموضوع فى الثانى.

قوله تذنيب لا يخفى انه اذا دار الامر بين جزئية أو شرطيته الخ.

لما كان البحث فى انتفاء الجزء أو الشرط لعجز المكلف أى هل يجب الباقى أم لا قد مر هذا البحث مفصلا ويذكر هنا من باب الكلام يجر الكلام البحث فى دوران الامر بين جزئية الشىء أو شرطيته وبين مانعيته أو قاطعيته.

فاعلم ان صور المسألة اربع الاولى دوران الشىء بين جزئيته ومانعيته كالاستعاذة بعد تكبيرة الاحرام فيحتمل كونها جزءا للصلاة كالنية والتكبيرة والفاتحة والسورة وكذا يحتمل كونها مانعا عن الصلاة.

الثانية دوران الشىء بين جزئيته وقاطعيته أى اذا فرض عدم كون الاستعاذة جزءا فهى من القواطع المبطلة للصلاة والفرق بين المانع والقاطع : ان كون المانع ما وقع فى نفس الاجزاء كالسورة الثانية فانها محتملة للجزئية والمانعية ففى صورة مانعيتها مبطلة للصلاة على مبطلية القرآن بين صورتين واما القاطع فهو ما وقع بين الاجزاء لا فى نفس الاجزاء.

ولا يخفى ان الفرق بين المانع والقاطع اعتبارى : أى ان المانع هو الذى تعتبر مبطليته بما اذا وقع فى نفس الاجزاء واما القاطع فانما تعتبر مبطليته بما اذا وقع بين الاجزاء يعبر عنه بالقاطع

٤٧٠

لكون هذا الشىء قاطعا للهيئة الاتصالية المعتبرة فى الصلاة مثلا.

الثالثة دوران بين الشرطية والمانعية كالجهر بالقراءة فى ظهر الجمعة.

الرابعة دوران الشىء بين الشرطية والقاطعية كالمثال المذكور أى الاستعاذة.

اذا عرفت الصور الاربع فى مسئلة الدوران بين ما ذكر فاعلم ان المصنف بنى على جريان حكم المتباينين فى هذه المسألة أى يجرى الاحتياط فى دوران الامر بين ما ذكر مثلا اذا دار الامر بين الجهر والاخفات فى الصلاة فى ظهر الجمعة فيمكن الاحتياط باتيان الصلاة مرتين فلا يكون المقام على مذهب المصنف من قبيل دوران الامر بين المحذورين حتى يكون الحكم فيه التخيير كما ذهب اليه الشيخ (قده).

قوله خاتمة فى شرائط الاصول.

وهى الاحتياط والبراءة بقسميها واصالة التخيير لانها مذكورة قبل ذلك أى قد ذكر سابقا عند قوله المقصد السابع فى الاصول العملية وذكر أيضا ان ما هو اهم منها اربعة وهى البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ويذكر هنا حسن ما ثبت البحث عنه قبل هذه الخاتمة وهى الثلاثة الاولى واما الاستصحاب فيأتى البحث عنه عن قريب إن شاء الله فيعلم فى محله حسنه.

قوله واما الاحتياط فلا يعتبر فى حسنه شىء الخ.

الكلام فى الاحتياط من جهات : الاولى فى شرط لزومه قد تقدم ان لزومه فى هذه الموارد :

٤٧١

الاول مورد العلم الاجمالى بين المتباينين : الثانى دوران الامر بين العام والخاص : الثالث دوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعى : الرابع الشبهات الحكمية قبل الفحص : الخامس الشبهات الحكمية بعد الفحص.

الثانية فى شرط حسنه وقد حكم فى المتن بعدم الشرط فيه الا عدم لزوم اختلال النظام ولا فرق فى حسنه بين قيام الحجة على الخلاف وعدمه وكذا لا فرق بين اهمية المحتمل وعدمها ولا بين كون الاحتمال قويا أو ضعيفا أو متوسطا ولا بين الشبهة البدوية وغيرها ولا بين الاقل والاكثر والمتباينين ولا بين ما قبل الفحص وما بعده.

وقد نوقش فى حسن الاحتياط المستلزم لتكرار العبادة أى قال المتوهم ان التكرار عبث ولعب بامر المولى وينافى قصد القربة أى امتثال الامر المعتبر فى العبادة فمع التكرار لا يحصل ما هو قيام العبادة من قصد القربة.

فاجاب المصنف عن هذا التوهم بقوله فاسد أى هذا التوهم فاسد حاصل الجواب ان التكرار ليس لازما مساويا للعبثية واللعبية لان التكرار قد يكون عن الغرض العقلائى كما اذا كان التكرار موجبا لحصول العادة على العبادة أو كان موجبا لدفع الضرر عن العدو مثلا اذا كان الشخص فى حال العبادة فقد استحي العدو من الاضرار فى هذا الحال.

الظاهر ان العبثية لا تصلح لان تكون مانعة عن حسن الاحتياط المستلزم لتكرار العبادة لان العبثية لم تكن لازما مساويا للتكرار فيكون التكرار بداع صحيح عقلائى هذا الجواب الاول عن التوهم

٤٧٢

واجاب المصنف ثانيا بقوله مع أنّه لو لم يكن بهذا الداعى وكان اصل اتيانه بداعى امر المولى. أى اجيب عن الاشكال اولا بان الاحتياط كان عن الغرض العقلائى واجيب عنه ثانيا ان مناط القربة المعتبرة فى العبادات هو اتيان الفعل بداعى امر المولى بحيث لا يكون له داع سواه فلو اتى المكلف بهذا الداعى لقد ادى وظيفته ولا يضر التكرار على هذا الداعى وان لم يكن التكرار ناشئا من غرض العقلائى ولا يخفى ان اللعب فى صورة التكرار انما يكون فى كيفيته الامتثال لا فى نفس الامتثال.

قوله بل يحسن أيضا فيما قامت الحجة على البراءة عن التكليف الخ.

هذا معطوف على قوله بل يحسن على كل حال أى كما ان الاحتياط فى موارد عدم قيام الحجة على نفى التكليف كالشبهات البدوية الوجوبية أو التحريمية كذلك يحسن فى موارد قيام الحجة على عدم التكليف كما اذا قامت الامارة على عدم حرمة شرب التتن فيحسن الاحتياط حينئذ أيضا بعدم شربه لئلا يقع المكلف فى مخالفة الواقع على تقدير ثبوته.

الحاصل ان موضوع الاحتياط هو احتمال ثبوت الحكم واقعا والظاهر ان هذا الموضوع موجود مع قيام الحجة غير العلمية على عدم التكليف لاحتمال خطائها.

قوله واما البراءة العقلية فلا يجوز اجراؤها الا بعد الفحص واليأس.

أى الدليل لحجية البراءة العقلية هو قبح العقاب بلا بيان ولا

٤٧٣

اشكال فى اشتراط الفحص فيها وانه شرط لجريانها لان موضوعها هو اللابيانية والمراد من البيان هو الحجة على التكليف فاحتمال التكليف قبله أى الفحص حجة عليه ومنجز له عقلا نظير العلم الاجمالى وقيام الامارة المعتبرة.

بعبارة اخرى ان اجرائها منوط بتحقق موضوعها اعنى عدم البيان على الحكم أى عدم الحجة عليه ولا يخفى ان احراز عدم البيان منوط بالفحص وعليه فلا يستقل العقل بالبراءة الا بعد الفحص واليأس.

قوله واما البراءة النقلية فقضية اطلاق ادلتها الخ.

قد ذكر ان الشرط فى حجية البراءة العقلية هو الفحص واليأس عن الظفر بالحجة.

واما البراءة النقلية فهى تابعة لادلتها أى كانت حجة بالادلة النقلية كحديث الرفع والحجب والسعة وغيرها أى رفع ما لا يعلمون وكذا قوله (ع) ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم وكذا قوله (ع) الناس فى سعة ما لا يعلمون الظاهر ان هذه الادلة لم تقيد بالفحص فمقتضى اطلاقها عدم اعتباره فى جريانها فى الشبهات الحكمية كما هو الحال فى جريان البراءة النقلية فى الشبهات الموضوعية.

قوله الا انه استدل على اعتباره بالاجماع الخ.

هذا استدراك على قوله وان كان مقتض الادلة عدم الفحص فى جريان البراءة النقلية والغرض من هذا الاستدراك ان اطلاق ادلة البراءة النقلية وان كان مقتضيا لعدم وجوب الفحص فى جريانها

٤٧٤

فى الشبهات الحكمية الا انه استدل فى مقابل ما ذكر على وجوب الفحص فى جريانها بالاجماع وبالعقل اى قام الاجماع القطعى على عدم جواز العمل باصالة البراءة قبل الفحص واليأس عن الظفر بالادلة وكذا العقل يحكم بثبوت تكاليف الزامية فى الشبهات بحيث لو تفحص عنها فى الادلة لظفر بها فرد المصنف هذين الوجهين.

بقوله : ولا يخفى ان الاجماع هاهنا الخ.

أى لا يصح الاستدلال فى المقام بالاجماع لان الاجماع المحصل غير حاصل اذ ليس المقام من المسائل الشرعية المحضة قد ذكر فى محله ان الاجماع اذا كان مدركيا فلم يكن حجة أى اذا استند الاجماع الى العقل فلا يجوز الاتكال عليه بل يعتمد الى حكم العقل واما الاجماع المنقول فقد اختلف فى حجيته فيصير موهونا فحينئذ لا فائدة فى نقله.

قوله : وان الكلام فى البراءة فيما لم يكن هناك علم موجب للتنجز الخ.

قد استدل بدليلين أى الاجماع والعقل على وجوب الفحص واجيب عن الاجماع بان هذا الاجماع مستند الى حكم العقل واجيب عن الدليل الثانى.

بقوله : ان الكلام فى البراءة الخ.

هذا معطوف على قوله ان الاجماع هاهنا غير حاصل.

أى هذا الكلام اشارة الى الجواب عن رد الدليل العقلى توضيح الجواب ان العقل انما يدل على وجوب الفحص فى المورد الذى كان

٤٧٥

فيه العلم الاجمالى بوجود التكليف واما فى المورد الذى لم يكن فيه العلم الاجمالى المنجز أو كان لكن انحل هذا العلم الاجمالى الى العلم التفصيلى بالظفر بالمقدار المعلوم مثلا اذا اشتبه الغنم الموطوء بين مائة فرد من الغنم هذا علم اجمالى كبير.

فحصل بعد هذا العلم الاجمالى الكبير علم اجمالى صغير أى حصل هذا العلم الاجمالى الصغير على ان هذا الغنم من الافراد التى كان لونها اسودا فانحل العلم الاجمالى الى افراد الغنم الاسود ولا يشمل افراد آخر من الغنم كالابيض والاحمر والاصفر فلا يحتاج هذه الافراد الى الفحص وكذا اذا خرج بعض الافراد عن محل الابتلاء.

قال صاحب الكفاية ولو لعدم الالتفات اليها.

أى ولو كان عدم الابتلاء لاجل عدم الالتفات الى تلك الشبهات أى غفل المكلف عن تلك الشبهات فلا يجب الفحص فى الموارد المذكورة.

وكذا الحكم فى مقام البحث اعنى جريان البراءة النقلية فتجرى فى المورد الذى لم يكن فيه العلم الاجمالى أو كان لكن انحل بالظفر بالمقدار المعلوم بالاجمال وكذا انحل العلم الاجمالى لعدم ابتلاء المكلف الا بالشبهات التى لا يعلم بالتكليف بينها ولو كان عدم الابتلاء لاجل الغفلة وعدم الالتفات الى تلك الشبهات.

قوله : فالاولى الاستدلال للوجوب بما دل من الآيات والاخبار الخ.

استدل سابقا على اعتبار الفحص بالاجماع والعقل لكن اشكل على هذا الاستدلال فقال صاحب الكفاية ايها المستدل ان شئت

٤٧٦

الاستدلال بوجوب الفحص فى الشبهات الحكمية فالاولى الاستدلال له بما دل من الآيات والاخبار بعبارة شيخنا الاستاد بالفارسية صاحب كفاية مى گويد كسانى كه استدلال مى كنند بر وجوب فحص من براى ايشان راه نشان مى دهم أى بايد استدلال به آيات واخبار شود توضيح الاستدلال انا لا نحتاج الى الاجماع أو الدليل العقلى بعد ما دل من الآيات والاخبار على وجوب التفقه كقوله تعالى (فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) : وكالنبوى طلب العلم فريضة على كل مسلم وكقوله عليه‌السلام ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به وتقريب الاستدلال بهذه الآيات والاخبار ان هذه الادلة دالة على وجوب التفقه والتعلم والمؤاخذ على تركه.

فعلم مما ذكر انه لو كان اجراء البراءة قبل الفحص جائزا لما كان الوجه لوجوب التعلم والتفقه وأيضا لما كان الوجه للمؤاخذة فى تركهما فان اعتذر الشخص عن عدم العمل بعدم العلم فلم ينفع هذا الاعتذار فيؤاخذ لقوله تعالى أى فلله الحجة البالغة وكذا بقوله تعالى (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) أى ان المؤاخذة كانت لترك التفقه والتعلم كما فى الخبر من انه يقال للعبد يوم القيامة هل علمت فان قال نعم قيل فهلا عملت وان قال لا قيل له هلا تعلمت حتى تعمل.

وقد علمت ان ادلة البراءة النقلية تدل على عدم اعتبار الفحص فى جريانها واستدل بعد هذه الادلة بالآيات والاخبار التى تدل على وجوب التعلم والفحص فكيف التوفيق بين ادلة البراءة النقلية والآيات والاخبار والجواب ان النسبة بينهما وبين ادلة البراءة

٤٧٧

نسبة المقيد الى المطلق فيقيد بها اطلاق ادلة البراءة توضيح الجواب ان ادلة البراءة مطلقة بالنسبة الى جريانها أى سواء كان جريان البراءة النقلية قبل الفحص أم بعده واما الآيات والاخبار فمدلولهما وجوب الفحص فيقيد بهذه الآيات والاخبار اطلاق ادلة البراءة النقلية أى تقيد هذه الادلة على جريان البراءة بعد الفحص واليأس عن الحجة.

الحاصل انه يقيد اخبار البراءة بالآيات والاخبار التى تدل على وجوب التفقه والتعلم لقوة ظهور تلك الآيات والروايات فى كون المؤاخذة والذم على ترك التعلم فيما لم يعلم بل بعض هذه الروايات كالصريح فى كون التوبيخ على ترك التعلم لا على ترك العمل.

اذا ثبت التوفيق بين ادلة البراءة النقلية وبين الادلة التى تدل على وجوب التوقف والتعلم بجعلهما من باب المطلق والمقيد فلا مجال للتوفيق بحمل هذه الاخبار على ما اذا علم اجمالا أى لا مجال لتوهم بعض من ان مورد اخبار البراءة عدم العلم بالتكليف لا تفصيلا ولا اجمالا ومورد الآيات والاخبار هو وجوب التعلم والمؤاخذة على تركه فى الشبهات التى هى مقرونة بالعلم الاجمالى أي فلا مجال للتوفيق بما توهمه بعض ولا نحتاج الى هذا الوجه بعد كون مقام البحث من باب المطلق والمقيد.

قوله : ولا يخفى اعتبار الفحص فى التخيير العقلى أيضا.

أى قد فرغنا عن البحث فى جريان الاصول الثلاثة وهى الاحتياط والبراءة العقلية والنقلية فيشرع فى بيان ما يعتبر فى جريان اصالة التخيير فى دوران الامر بين المحذورين.

٤٧٨

واعلم ان الفحص فى التخيير العقلى معتبر بعين الوجه الذى ذكر فى لزومه فى البراءة العقلية أى ان الفحص فى باب البراءة العقلية يكون محرزا لعدم البيان الذى هو موضوع البراءة العقلية كذلك يكون محرزا لموضوع اصالة التخيير وهو تساوى احتمالين وعدم مرجح لاحدهما والظاهر ان هذا التساوى لا يحرز الا بالفحص لانه اما موجب لتعيين احد الاحتمالين أو تساويهما فيتخير فى الاخذ باحدهما فالعقل لا يستقل بالحكم بالتخيير الا بد احراز عدم رجحان احد الاحتمالين على الآخر.

قوله : ولا بأس بصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص الخ.

ولما سبق بيان اشتراط العمل بالبراءة بالفحص اراد المصنف ان يبين ما للعمل بها قبل الفحص من استحقاق العقوبة والحكم التكليفى والوضعى أى يصرف الكلام فى بيان بعض ما للعمل بالبراءة قبل الفحص من التبعة والاحكام والمراد من الاولى هو العقاب ومن الثانية الاحكام الوضعية من صحة العمل وبطلانه ولعل الجمع منطقى أو باعتبار الموارد أى كون الاحكام بصيغة الجمع فالمراد هو الجمع المنطقى فيصح اطلاقه على فردين من صحة العمل وبطلانه توضيح ما ذكر اما التبعة ففيها اقوال ثلاثة.

احدها استحقاقها العقاب أى العمل بالبراءة قبل الفحص مستلزم العقاب مطلقا سواء صادف الواقع أم لا وهذا القول منسوب الى صاحب المدارك والمحقق الاردبيلى (قدس‌سرهما) والدليل لهذا القول هو قبح تكليف الغافل لان الجاهل غافل عن الواقع فيكون العقاب على ترك التعلم.

٤٧٩

ثانيها استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع لو اتفقت والا فلا عقوبة ونسب هذا القول الى المشهور فصاحب الكفاية (قده) تبع المشهور والتزم باستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع التى ادى اليها ترك التعلم والفحص.

وقد اشكل على هذا القول بان مخالفة الواقع حال الغفلة خارجة عن الاختيار فتكون المخالفة مغفولة حينها ولا شك ان هذه المخالفة فى هذه الحال خارجة عن الاختيار فلا يصح العقاب على الامر غير الاختيارى.

والجواب انه لا يقبح على ما ينتهى الى الاختيار ففى المقام يقال سلمنا وقوع المخالفة حال الغفلة عن الواقع لكن لما كانت مستندة الى تقصير المكلف فى ترك الفحص والتعلم تنتهى الى الاختيار أى كان ترك الفحص باختياره كما يقال ان الامتناع بالاختيار لا ينافى الاختيار.

ثالثها ان العقاب فى المقام يحتمل ان يكون لاجل التجرى مثلا اذا احتمل حرمة العصير العنبى أو وجوب الدعاء عند رؤية الهلال ومع ذلك ترك التعلم لقلة المبالاة فى الدين وشرب العصير أو ترك الدعاء فان نفس التجرى على المولى يوجب عقلا استحقاق العقوبة.

قوله نعم يشكل فى الواجب المشروط والموقت الخ.

ذكر المصنف هنا الموقت بعد المشروط كان هذا من باب ذكر الخاص بعد العام اذ الموقت من افراد المشروط اذ الشرط تارة يكون هو الوقت وتارة غيره.

٤٨٠